النتف في الفتاوى

كتاب الْغَصْب
أَنْوَاع الْغَصْب
وَالْغَصْب فِي عشرَة اشياء
الْغَضَب فِي الْحَيَوَان
أَحدهَا فِي الْحَيَوَان فاذا غصب رجل من رجل عبدا اَوْ امة أَو دَابَّة فانه لَا يخرج من سَبْعَة أوجه
أَحدهَا ان يكون على حَاله فلصاحبه ان يَأْخُذهُ مِنْهُ بِعَيْنِه وَلَا شَيْء لَهُ غير ذَلِك
وَالثَّانِي ان ينقص بِآفَة من السَّمَاء فلصاحبه ان يَأْخُذهُ مِنْهُ وَيضمنهُ قيمَة مَا نقص
وان كَانَ النُّقْصَان مِمَّا يستهلك الشَّيْء مثل الْعَمى والشلل والسل وانقصام الظّهْر وَنَحْوه فَلهُ ان يضمنهُ قِيمَته يَوْم غصب ويسلمه الى الْغَاصِب وان شَاءَ أَخذه واخذ مَا نَقصه
وَالثَّالِث ان ينقص بِفعل الْغَاصِب فان حكمه كَحكم مَا ذكرنَا اذا نقص من السَّمَاء
وَالرَّابِع ان ينقص بِفعل اجنبي وَكَانَ النُّقْصَان يَسِيرا فان صَاحبه يَأْخُذهُ وَيَأْخُذ مَا نقص من الاجنبي وان شَاءَ أَخذ من الْغَاصِب النُّقْصَان وَرجع بِهِ الْغَاصِب على الاجنبي

(2/731)


وان كَانَ النُّقْصَان مِمَّا يستهلكه فان شَاءَ اخذه واخذ مَا نَقصه من الاجنبي كَمَا وَصفنَا وان شَاءَ سلمه الى الاجنبي وَضَمنَهُ قِيمَته يَوْم جنى عَلَيْهِ
وان شَاءَ سلمه الى الْغَاصِب واخذ مِنْهُ الْقيمَة وَرجع بهَا الْغَاصِب على الاجنبي على مَا وَصفنَا
وَلَو كَانَت امة فاعورت بِآفَة من السَّمَاء فَقَالَ مَالك ان شَاءَ ضمنه قيمتهَا يَوْم الْغَصْب وَدفعهَا اليه وان شَاءَ أَخذهَا نَاقِصَة وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فى العور وَلَا فِي النُّقْصَان ان حدث من الْمسَاء
وَقَالَ ابو حنيفَة وصاحباه وابو عبد الله يضمن العور وَالنُّقْصَان
زِيَادَة الْمَغْصُوب
وَالْخَامِس ان يزِيد فى يَد الْغَاصِب وَالزِّيَادَة على ثَلَاثَة اوجه
احدها ان يكون صَغِيرا فيكبر
وَالثَّانِي ان يكون جَارِيَة فَولدت اَوْ دَابَّة فنتجت اَوْ اخد صوفها اَوْ لَبنهَا اَوْ مَا يتَّخذ من اللَّبن من السّمن والأقط وَغَيره
وَالثَّالِث ان يزِيد فى سعرها فان صَاحبهَا يَأْخُذهَا من الْغَاصِب بزيادتها كلهَا وَلَا يتبع الْغَاصِب صَاحبهَا بِشَيْء مِمَّا انفق عَلَيْهَا وَلَا من اجرة حفظه وتعاهده

(2/732)


وَالسَّادِس ان زَاد الْمَغْصُوب فى يَد الْغَاصِب ثمَّ هلك وَهَلَكت الزِّيَادَة فان فى قَول ابى حنيفَة وصاحبيه وَمُحَمّد لَا ضَمَان عَلَيْهِ للزِّيَادَة الا ان يكون اسْتهْلك الزِّيَادَة هُوَ وروى اصحاب الاملاء عَن ابي يُوسُف عَن ابي حنيفَة انه قَالَ لَا يجب على الْغَاصِب ضَمَان الزِّيَادَة وان استهلكها الا أَن يكون الْمَغْصُوب عبدا فَقتله بعد الزِّيَادَة خطأ فيختار الْمَغْصُوب مِنْهُ تضمين عَاقِلَة الْغَاصِب بِالْجِنَايَةِ فانه يضمنهُ قيمَة العَبْد زَائِدَة
واما فى قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد فَقَوْلهم فى ذَلِك مثل القَوْل الاول لَا خلاف عَنْهُمَا فِيهِ
وفى قَول الشَّافِعِي وابي عبد الله وَاللَّيْث بن سعد يضمن الزِّيَادَة
وَفِي قَول ابي عبد الله يضمن الزِّيَادَة فى السّعر كالزيادة فى الْعين
وعَلى الْغَاصِب ضَمَان ذَلِك يَوْم هلك
هَلَاك الْمَغْصُوب
وَالسَّابِع ان يهْلك الْمَغْصُوب بِعَيْنِه من غير زِيَادَة فِيهِ فَعَلَيهِ قِيمَته للْمَغْصُوب مِنْهُ
وَلَو غصب حرا فَمَاتَ فى يَده فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
غصب الْعقار
وَالْوَجْه الثَّانِي فى الْعقار فاذا غصب الرجل من رجل دَارا اَوْ كرما أَو حَائِطا أوضا وَحَال بَينه وَبَين ذَلِك ثمَّ هلك أَو نقص فى يدى الْغَاصِب فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فى قَول ابي حنيفَة لانه لَا يرى الْغَصْب فِي الْعقار وَفِي

(2/733)


قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وابي عبد الله عَلَيْهِ ضَمَان ذَلِك كَسَائِر الغصوب من المنقولات وَلَو غصب دَارا وسكنها مُدَّة ثمَّ ردهَا الى صَاحبهَا فان عَلَيْهِ كِرَاء تِلْكَ الْمدَّة فى قَول الشَّافِعِي وَلَا كِرَاء عَلَيْهِ فى قَول ابي حنيفَة وَصَاحبه وابي عبد الله
غصب الْعرُوض
وَالْوَجْه الثَّالِث فى الْعرُوض
فاذا غصب رجل من رجل عرضا من الْعرُوض فانه على وَجْهَيْن
احدهما ان يكون قد هلك فلصاحبه ان يَأْخُذ مِنْهُ قِيمَته يَوْم غصب
وَالْآخر ان يكون قد حوله عَن حَاله وَهُوَ على وَجْهَيْن
احدهما قد حوله عَن حَاله وَلم يزدْ فِيهِ شَيْئا من مَاله كالقطن يغصبه ثمَّ يغزله اَوْ غصب غزلا فنسجه اَوْ حديدا فَضَربهُ مسحاة وَنَحْوه فان فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه يغرم ماغصب وَله الْغَزل وَالثَّوْب والمسحاة

(2/734)


وفى قَول الشَّافِعِي وابي عبد الله يَأْخُذهُ من الْغَاصِب ان شَاءَ وَلَا يدْفع اليه شَيْئا لصنعته وان شَاءَ ترك عَلَيْهِ وَضَمنَهُ قِيمَته يَوْم غصب
وَالْآخر ان يحوله عَن حَاله وَيزِيد فِيهِ شَيْئا من مَاله كَالثَّوْبِ يغصبه ثمَّ يصبغه وَنَحْوه
فَقَالَ الشَّافِعِي ان شَاءَ اخْرُج الصَّبْغ من الثَّوْب على انه ضَامِن لما نقص الثَّوْب وان شَاءَ كَانَ شَرِيكه بالصبغ وان لم يكن للصبغ زِيَادَة فان شَاءَ تَركه وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وان شَاءَ أخرج الصَّبْغ على انه ضَامِن لما نقص الثَّوْب لَان ذَلِك عين مَاله فَهُوَ احق بِهِ
وَقَالَ ابو حنيفَة وصاحباه وابو عبد الله صَاحب الثَّوْب بِالْخِيَارِ ان شَاءَ أَخذ الثَّوْب وَيغرم الزِّيَادَة للْغَاصِب وان شَاءَ ضمنه الثَّوْب
وان غصب خشبا اَوْ لَبَنًا اَوْ حجرا فَجعله فى بنائِهِ فلصاحبه ان يَسْتَخْرِجهُ من بنائِهِ وَلَيْسَ هَذَا كالصبغ لَان الصَّبْغ مستهلك فى الثَّوْب وَلَا يقدر صَاحبه ان يخلصه مِنْهُ وَهَذَا هُوَ قَول الشَّافِعِي وَمَالك وابي عبد الله
وَفِي قَول ابي حنيفَة وابي يُوسُف وَمُحَمّد يغرم الْغَاصِب قِيمَته وَهُوَ كالاستهلاك وَلَا يُكَلف نقص ثِيَابه لما فِيهِ من الْفساد
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن ان الْخَيط كَذَلِك ان غصبه أحد وخاط بِهِ ثوبا وان خاط بِهِ حداجة لَا ينْزع لما فِيهِ من الْوُجُوب
وان كَانَ مَعَ انسان خيط فَاحْتَاجَ اليه ليخيط بِهِ جِرَاحَة وَلَا يجد

(2/735)


غَيره فان على صَاحب الْخَيط ان يبذله ليحى نَفسه وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِك فى خيط الثَّوْب وَلَا فى خَشَبَة الْحَائِط وَغَيرهَا
وَلَو غصب ثوبا قِيمَته عشرَة فَصَارَت قِيمَته عشْرين ثمَّ تلف اَوْ اتلفه الْغَاصِب اَوْ طلبه صَاحبه فَمَنعه الْغَاصِب ثمَّ تلف فَقَالَ مَالك يضمن الْعشْرَة فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
وَقَالَ ابو حنيفَة وصاحباه مَتى منع الزِّيَادَة اَوْ اتلفها فقد جني عَلَيْهِ فَيضمن بذلك وان لم يفعل فَلم تقع مِنْهُ الْجِنَايَة عَلَيْهَا فَلَا يضمن الزِّيَادَة
وَقَالَ الشَّافِعِي وابو عبد الله انه يضمن الْعين وَالزِّيَادَة
وَالرَّابِع فى الوزني لَو غصب حديدا فَضَربهُ فأسا اَوْ سَيْفا اَوْ سكاكين اَوْ دروعا أَو جواشن اَوْ غصب فضَّة فضربها دَرَاهِم اَوْ حليا اَوْ غصب تبرا فَضَربهُ دَنَانِير اَوْ حليا فلصاحبه ان يَأْخُذ ذَلِك كُله لانه عين مَاله وَلَا حكم لعمله فى ذَلِك كَمَا لَا حكم لَهُ فى دَابَّة كَذَا
قَالَ وَلَو غصب ثوبا فَقَصره اَوْ أَرضًا فكربها وَكَذَلِكَ لَو غصب عنبا فعصره ثمَّ طبخه بالنَّار اَوْ خلله فَلهُ ان يَأْخُذهُ فى ذَلِك كُله لانه عين مَاله وان شَاءَ غرمه مَا اغتصب فى ذَلِك كُله وَلَا يعْتَرض بِمَا وجد بعد ان كَانَ غَيره على حَاله

(2/736)


وَالْوَجْه الْخَامِس فى الكيلى لَو اغتصب حِنْطَة فطحنها اَوْ طحينا فخبزه فلصاحبهما ان يأخذهما وَيغرم للْغَاصِب مَا زَاد فِيهِ من ملح وَغير ذَلِك
وَلَو ابتلت الْحِنْطَة عِنْده ففسدت اَوْ كَانَ ذَلِك من فعل الْغَاصِب فَلهُ الْخِيَار ان شَاءَ اخذها بِعَينهَا وَلَا شَيْء لَهُ غير ذَلِك وان شَاءَ ضمنه حِنْطَة مثل حنطته
وَكَذَلِكَ جَمِيع الكيلى والوزني وَلَيْسَ لَهُ ان يَأْخُذهَا وَيَأْخُذ مَا نَقصهَا وَلَا يشبه الكيلى والوزني وَالْعرُوض وَالْحَيَوَان وَالْعَقار لما قد يَقع فى ذَلِك من الرِّبَا
وَلَو غصب مَكِيلًا اَوْ مَوْزُونا اَوْ اتلفه وَانْقطع ذَلِك من ايدى النَّاس وَلَا يقدر على مثله فَقَالَ ابو حنيفَة عَلَيْهِ قِيمَته يَوْم يختصمون لَان عَلَيْهِ الْمثل فى زَمَنه فاذا لم يقدر عَلَيْهِ فَقيمته وَقَالَ ابو يُوسُف عَلَيْهِ قِيمَته يَوْم الْغَصْب
وَقَالَ مَالك عَلَيْهِ الْمثل كَمَا ذكرنَا ذَلِك فى حكم الْعرُوض باختلافها ابدا الا ان يصطلحوا على شَيْء
وَقَالَ زفر وابو عبد الله قِيمَته آخر مَا انْقَطع
وَالسَّادِس فى المزروعات اذا اغتصبها واتلفها فان عَلَيْهِ قيمتهَا كَمَا ذكرنَا فِي حكم الْعرُوض باختلافها
وَالسَّابِع فِي المعدودات اذا كَانَت متفاوته فأهلكها فَعَلَيهِ قيمتهَا وَإِن كَانَت غير مُتَفَاوِتَة كالفلوس والجوز وَالْبيض وَنَحْوهَا فَعَلَيهِ مثلهَا
وَالثَّامِن فى الْفَاكِهَة اغتصبها رجل فأهلها ثمَّ جَاءَ صَاحبهَا حِين انْقَطع

(2/737)


ذَلِك من ايدى النَّاس فعلى الْغَاصِب قيمتهَا يَوْم غصب اَوْ تلف وَلَا يَجْعَل عَلَيْهِ قيمتهَا يَوْم الْخُصُومَة لانها اذا لم تُوجد لم تعرف قيمتهَا
وَالتَّاسِع فى الدَّرَاهِم
والعاشر فى الدَّنَانِير اذا اغتصب رجل من رجل دَرَاهِم اَوْ دَنَانِير فَعَلَيهِ ان يردهَا فان اتلفها فَعَلَيهِ ان يرد مثلهَا وان غصبه دَرَاهِم ورد عَلَيْهِ دَنَانِير بدلهَا اَوْ غصب دَنَانِير ورد دَرَاهِم جَازَ ذَلِك فان كَانَ صَحا الى اجل فَلَا يجوز
الظفر بِمثل حَقه اَوْ قِيمَته
وَلَو كَانَ لرجل على رجل دين اَوْ غصب وَلَا يجد ذَلِك مِنْهُ فَلهُ ان يَأْخُذ من مَاله مثل حَقه أَو قيمَة حَقه فيبيعه وَيَأْخُذ من ثمنه حَقه فى قَول الشَّافِعِي وابي عبد الله وفى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه ان وجد مثل حَقه من جنسه فَلهُ ان يَأْخُذهُ والا فَلَا يَأْخُذهُ الْبَتَّةَ
وَلَو غصب عبدا اَوْ دَارا أَو دَابَّة فأستغلها فالغلة لَا تطيب لَهُ وَيتَصَدَّق بذلك
وَلَو غصب دَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو غير ذَلِك من الكيلى والوزني فاتجر فِيهِ وَربح فانه يتَصَدَّق بِالرِّبْحِ فِي الافضل وَلَيْسَ بِالْوَاجِبِ