النتف في الفتاوى

كتاب الْحجر والتفليس
الْحجر على وَجْهَيْن
حجر قديم وَحجر حَدِيث
الْحجر الْقَدِيم
فَأَما الْقَدِيم فَهُوَ على وَجْهَيْن
أَحدهمَا حجر الصَّغِير وَالْحر فانه مَحْجُور فى الاصل حَتَّى يُؤذن لَهُ والاذن انما يكون من الاب اَوْ وَصِيّ الاب اذا لم يكن اب اَوْ الْحَاكِم

(2/747)


اذا لم يكن اب وَلَا وَصِيّ اب
وَمَا دَامَ مَحْجُورا فانه لَا يجوز بَيْعه وَلَا شِرَاؤُهُ وَلَا محاباته فى الْبيُوع وَلَا اجارته وَلَا رَهنه وَلَا ارتهانه وَلَا هِبته وَلَا صدقته وَلَا نِكَاحه وَلَا طَلَاقه وَلَا وكَالَته وَلَا كفَالَته وَلَا شَيْء من الاحكام
فان عرف فِيهِ الرشد وَقدر على حفظ المَال وَهُوَ صبي بعد فَلَا بَأْس ان يدْفع اليه المَال اَوْ مَا اطاق من ذَلِك وَيُؤذن فى الانفاق الذى لَا تقتير فِيهِ وَلَا اسراف
فاذا كَانَ يعقل البيع اَوْ الشِّرَاء فَلَا بَأْس ان يُؤذن فِيهِ ليتجر وَيجوز حِينَئِذٍ بَيْعه وشراؤه واجارته واستئجاره وَرَهنه وارتهانه واشباه ذَلِك مِمَّا ذكرنَا فى كتاب الْمَأْذُون انه يجوز للمأذون فعله
وَلَا يجوز مَعَ ذَلِك نِكَاحه وَلَا طَلَاقه وَلَا عتقه وَلَا تَدْبيره واشباه ذَلِك
وَالثَّانِي العَبْد فانه مَحْجُور ابدا الى ان يُؤذن لَهُ
وَمَا دَامَ مَحْجُورا فَلَا يجوز مِنْهُ مَالا يجوز من الصَّبِي الْمَحْجُور
فاذا اذن لَهُ جَازَ عَنهُ كَمَا ذكرنَا فى كتاب الْمَأْذُون
الْحجر الحَدِيث
وَأما الْحجر الحَدِيث فانه على وَجْهَيْن
أَحدهَا حجر المسرف فى مَاله فانه يحْجر عَلَيْهِ الْحَاكِم من اى

(2/748)


وَقت كَانَ من عمره فِي قَول ابى يُوسُف وَمُحَمّد واذا حجر عَلَيْهِ لم يجز بَيْعه وَلَا شِرَاؤُهُ وَلَا اقراره كَذَا فى الاصل
واذا بلغ الْغُلَام فينبغى ان يختبر عقله ورشده وَصلَاته فان عرف مِنْهُ الرشد ووقف على الصَّلَاة وَقدر على ان يحفظ مَاله دفع اليه مَاله

(2/749)


الرشد
وَمعنى الرشد عندنَا ان ينْفق مَا يحل ويمسك عَمَّا يحرم وَلَا يُنْفِقهُ فِي الْبَاطِل وَالْمَعْصِيَة وَلَا يعْمل فِيهِ بالتبذير والاسراف
وان لم يؤنس مِنْهُ الرشد وَالصَّلَاح وَكَانَ سَفِيها اَوْ ضَعِيف الْعقل سيء التَّمْيِيز غير حَافظ لِلْمَالِ وَلَا ضَابِط لَهُ منع مَاله مِنْهُ وانفق عَلَيْهِ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ وعَلى عِيَاله
وان بَاعَ من مَاله شَيْئا نظر فان كَانَ بِالْقيمَةِ اَوْ بِمَا يتَغَابَن النَّاس فِي مثله اجيز وان كَانَ فِيهِ غبن وَكَانَ لَا يعرف ذَلِك ابطل
وان كَانَ عَالما بِهِ غير انه حابي فِيهِ فانه جَائِزا ايضا وَلَا يمْنَع مِنْهُ الا مَا منع الله عز وَجل وَكَذَا فى الشِّرَاء
هَذَا وان نكح اَوْ طلق اَوْ اعْتِقْ اَوْ دبر اَوْ كَاتب امة اَوْ دبرهَا اَوْ اسْتَوْلدهَا فَذَلِك جَائِز كُله فى قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وابي عبد الله
وفى قَول ابي حنيفَة الْحجر بَاطِل على الْبَالِغ الْعَاقِل مُسْرِفًا كَانَ اَوْ مُفلسًا اَوْ لم يكن كَذَلِك
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز عتقه فى رقيقَة وام وَلَده
وَقَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد جَائِز وَيسْعَى العَبْد فى قِيمَته
وَيجوز تَدْبيره

(2/750)


افلاس الْغَارِم
وَالْآخر الْحر الْمُفلس الْغَارِم
فاذا افلس الْغَارِم فَلَا ربَاب الدُّيُون ان يطلبوا من الْحَاكِم خَمْسَة اشياء
أَحدهَا حبس الْمَدْيُون لَهُم وَفِيه اخْتِلَاف
فَفِي قَول ابي حنيفَة وصاحبيه للْحَاكِم ان يحْبسهُ ثمَّ يسْأَل عَنهُ فاذا وجده مُفلسًا مُعسرا اطلقه
وَقَالَ مَالك لَا يحبس حَتَّى يعلم انه مُوسر فان اتهمَ انه غيب مَالا حبس واستطلع فان لم يظْهر اطلقه
وَقَالَ ابْن سجاعة كَذَا ان كَانَ الدّين من مهر امْرَأَته أَو ضَمَان أَو وَنَحْوه لم يحبس حَتَّى يعلم يسَار وان كَانَ من غير ذَلِك من قرض اَوْ دين اَوْ غصب وَنَحْوه حبس
وَقَالَ الشَّافِعِي يحبس حَتَّى يكْشف عَنهُ فان ظهر لَهُ مَال بعد ذَلِك لَا يحْبسهُ وَبَاعَ مَاله عَلَيْهِ وَمنع غرماءه مِنْهُ
وَقَالَ ابْن ابي ليلى وَالْحسن بن صَالح وابو عبد الله وَالشَّيْخ لَا يحبس حَتَّى يعلم انه مُوسر
من لَا يحبس فِي الدّين
وَيحبس فِي الدّين كل اُحْدُ الا خَمْسَة نفر
أحدهم الْوَالِد لَا يحبس فى دين وَلَده
وَكَذَلِكَ الْجد لَا يحبس فى دين ولد وَلَده

(2/751)


وَالثَّانِي لَا تحبس الام فى دين وَلَدهَا
وَكَذَلِكَ الْجدّة لَا تحبس فى دين ولد وَلَدهَا
وَالثَّالِث الْمكَاتب لَا يحبس فى مَال الْكِتَابَة لمَوْلَاهُ
وَالرَّابِع لَا تحبس الْعَاقِلَة فى الدِّيَة اذا كَانُوا من اهل الدِّيوَان لَكِن يُؤْخَذ من اعطياتهم وان كَانُوا من أهل الْقَبَائِل فانهم يحبسون
وَالْخَامِس لَا تحبس الْعَاقِلَة فِي ارش الْجِرَاحَات كَمَا ذكرنَا
وَالثَّانِي لارباب الدّين ان يطلبوا من الْحَاكِم بيع أَمْوَال الْمَدْيُون من كل شَيْء مَا خلا ثوب بدنه
وَمَا لَا بُد لَهُ مِنْهُ فى قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَابْن ابي يلى وَاللَّيْث بن سعد وابى عبد الله
واما فى قَول ابي حنيفَة يَبِيع الدَّرَاهِم ان كَانَ دينه دَنَانِير وَيبِيع الدَّنَانِير ان كَانَ دينه دَرَاهِم وَلَا يَبِيع غير ذَلِك من عرُوض وَلَا عقار
وَالثَّالِث لَهُم ان يطلبوا من الْحَاكِم قسمه مَال الْمَدْيُون عَلَيْهِم وَسَوَاء حبس ام لم يحبس رَضِي اَوْ كره فان بلغ مَاله دُيُونهم فيبيع وان لم يبلغ ذَلِك فيعطيهم على قدر دُيُونهم
وَالرَّابِع ان يطلبوا من الْحَاكِم ان يحْجر عَلَيْهِ وَيحبس امواله وان يمْنَع مِنْهُ وَيحكم بتفليسه وينهاه ان يَبِيع فى ذَلِك المَال ويشترى وَيَقُول حبست هَذَا المَال على غرماءك
فاذا فعل ذَلِك لم يجز فِيهِ بعد ذَلِك أَمر فان بَاعَ مِنْهُ شَيْئا لم يجز بَيْعه وَكَذَلِكَ لَو وهب أَو تصدق لم يجز وان اشْترى شَيْئا لم يلْحق ثمنه مَاله وانما يلْحق ذمَّته وَلَا يدْخل البَائِع بِهِ مَعَ ارباب الدُّيُون الْمُتَقَدّمَة فِيمَا

(2/752)


حبس لَهُم وَكَذَلِكَ ان اقر لانسان بِمَال لزم ذَلِك ذمَّته فَلَا يدْخل الْمقر لَهُ مَعَ الْغُرَمَاء فِيمَا حبس لَهُم من مَاله وَهَذَا قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ
واما فى قَول ابي حنيفَة وابي عبد الله لَا يحْجر عَلَيْهِ
واذا اسْتحق الْحجر فانه غير مَحْجُور حَتَّى يحْجر عَلَيْهِ القَاضِي فى قَول ابي يُوسُف
وَفِي قَول مُحَمَّد هُوَ مَحْجُور
وَالْخَامِس لَهُم ان يستأذنوا الْحَاكِم ملازمته قبل الْحَبْس لَعَلَّه يخرج من دُيُونهم قبل الْحَبْس وَيكون فى ذَلِك اعذار اليه
وَلَا يُؤَاجر الْمُفلس عندنَا وان كَانَ قد اسْتَدَانَ فى الْفساد وَالْمَعْصِيَة فَرَأى القَاضِي ان يؤاجره فَيكون عُقُوبَة لَهُ وتعنيفا عَلَيْهِ لم يكن بِهِ بَأْس
عُقُوبَة مُعْتَاد التفالس
وان كَانَت عَادَته ان يَأْخُذ أَمْوَال النَّاس ويتفالس بهَا فَرَأى الْحَاكِم ان يُعَاقِبهُ على ذَلِك بحبسه فعل ذَلِك
وَمَتى حَبسه لقوم اَوْ لانسان وَله مَال فَسَأَلَهُ الْبَاقُونَ ان يُطلقهُ ليقسم مَاله اَوْ ليكسب عَلَيْهِم لَا يفعل الا باذن الاولين
وَمَتى مَا حَبسه لَا يُخرجهُ مَا دَامَ ذَلِك لَا لجمعة وَلَا لعيد وَلَا لحج وَلَا لجنازة قريب اَوْ بعيد وَلَا يمْنَع من دُخُول اهله واخوانه عَلَيْهِ وان يستنفق من مَاله عَلَيْهِ وعَلى اهله

(2/753)