النتف في
الفتاوى كتاب أدب القَاضِي
ضروب مَا يشْتَرط فِي القَاضِي من صِفَات
وأدب القَاضِي على خَمْسَة اشياء
الصِّفَات الراجعة الى الْقلب
احدها بِالْقَلْبِ وَهُوَ خَمْسَة اشياء
احدهما الْعلم وَهُوَ ان يكون عَالما بِكِتَاب الله وَسنَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وان يحكم بِكِتَاب الله
ثمَّ بِمَا جَاءَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ بِمَا جَاءَ عَن اصحاب رَسُول الله
فان لم يجد ذَلِك فِيمَا ذكرنَا اجْتهد رَأْيه
وَمَا اشْتبهَ عَلَيْهِ من شَيْء يشاور فِيهِ أهل الْعلم
وَالثَّانِي ان يكون حَلِيمًا فِي حكمه واقضيته
وَالثَّالِث الفطنة فِيمَا يسْأَل ويجيب
وَالرَّابِع النَّصِيحَة للْمُسلمين
وَالْخَامِس ترك الْميل الى أحد الْخَصْمَيْنِ
الصِّفَات الراجعة الى اللِّسَان
وَالثَّانِي بِاللِّسَانِ وَذَلِكَ على خَمْسَة أوجه
(2/770)
أَحدهَا ترك الْفُحْش
وَالثَّانِي حسن الْعبارَة فِيمَا يُجيب
وَالثَّالِث حسن المناظرة مَعَ الذى لَا ينصف
وَالرَّابِع جميل الملاطفة لمن يقدم اليه
وَالْخَامِس زجر الظَّالِم عَن مقَالَته
الصِّفَات الراجعة الى النَّفس
وَالثَّالِث النَّفس وَهُوَ على خَمْسَة أوجه
أَحدهَا حسن الْوَرع
وَالثَّانِي حسن الصّفة
وَالثَّالِث حسن الْعِبَادَة فى تأدية الْفَرَائِض
وَالرَّابِع حفظ النَّفس فِي منزلَة الْمُسْتَحبّ والرخائص
وَالْخَامِس الِاجْتِهَاد فى النَّوَافِل مَعَ اتمام الْفَرَائِض
أدب الْمُعَامَلَة
وَالرَّابِع ادب الْمُعَامَلَة وَهُوَ على خَمْسَة اوجه
أَحدهمَا كف الاذى عَن جَمِيع الْحَيَوَان
وَالثَّانِي الامر بِالْمَعْرُوفِ
وَالثَّالِث النَّهْي عَن الْمُنكر
وَالرَّابِع ترك الضِّيَافَة الْخَاصَّة وفى الْعَامَّة لَا بَأْس
وَالْخَامِس ترك قبُول الْهَدِيَّة وفيهَا اخْتِلَاف
فَقَالَ ابو حنيفَة وَمُحَمّد لَا تحل الْهَدَايَا للامراء والحكام فان
اخذوها فجعلوها فى بَيت المَال فَتكون لجَماعَة الْمُسلمين
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ هِيَ لجَماعَة الْمُسلمين الا ان يعلم ان
ذَلِك لقرابة أَو لمكافأة فَتكون لَهُ ويكافيه بِقَدرِهِ من مَال نَفسه
فَيجوز
(2/771)
وَقَالَ ابو يُوسُف وابو عبد الله ومتأخرة
الْفُقَهَاء هى لَهُم فِي الحكم
أدب الْحُكُومَة
وَالْخَامِس ادب الْحُكُومَة وَهُوَ على عشرَة اوجه
احدها ادب الْجُلُوس للقضية
وَالثَّانِي أدب اشخاص الْخصم
وَالثَّالِث أدب اسْتِمَاع الدَّعْوَى
وَالرَّابِع أدب اسْتِمَاع الشَّهَادَة
وَالْخَامِس ادب تَعْدِيل الشَّهَادَة
وَالسَّادِس ادب الِاسْتِحْلَاف
وَالسَّابِع ادب حبس الْغَرِيم
وَالثَّامِن ادب التكفيل
وَالتَّاسِع ادب الْقَضَاء
والعاشر ادب كتاب القَاضِي الى القَاضِي
أدب الْجُلُوس
فَأَما ادب الْجُلُوس فعلى خَمْسَة اوجه
أَحدهَا ان يجلس طرفِي النَّهَار وَلَا يتعب نَفسه فى طول الْجُلُوس
وَالثَّانِي ان يكون بَابه مَفْتُوحًا لكل شرِيف ووضيع وَقَرِيب وبعيد
وَالثَّالِث ان يحضر مجْلِس قَضَائِهِ أهل الْفِقْه ان احْتَاجَ اليهم
وَالرَّابِع لَا يقْضِي وَهُوَ يسير اَوْ يمشي فانه لَا يُؤمن مَعَه الزلل
وَالْخَامِس لَا يقْضِي وَهُوَ جَائِع اَوْ غَضْبَان اَوْ مُغْتَم اَوْ
نعسان اَوْ مَشْغُول
(2/772)
أدب اشخاص الْخصم
وَأما أدب اشخاص الْخصم فَفِيهِ خَمْسَة أقاويل
فَقَالَ بَعضهم يشخص وان لم يقم الْمُدعى بَيِّنَة وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ بَعضهم لَا يشخص الا بِبَيِّنَة يقيمها الْحَاضِر وَهُوَ قَول
اللَّيْث ابْن سعد
وَقَالَ بَعضهم ان قربت الْمسَافَة اشخص الْحَاضِر وان بَعدت لم يشخص
وَذَلِكَ قدر السّفر وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَمَالك
وَقَالَ بَعضهم اذا كَانَ منزل الشُّهُود قَرِيبا لَا يشخص فِي شَيْء من
الاشياء وَهُوَ قَول بعض أهم الْعلم
وَقَالَت الْفرْقَة الْخَامِسَة اذا كَانَ فى الاشخاص الْمَشَقَّة والكلفة
والمؤنة كَانَ ذَلِك شبه الْعقُوبَة من غير ان يعلم ايلزمه ذَلِك ام لَا
ولربما يتَجَاوَز مَا يلْحق من الْمُؤْنَة فى ذَلِك مَا يدعى الْمُدَّعِي
من الْحق فَلَا يَفْعَله وَلَكِن يكْتب الى الثِّقَات وَيعْمل على الْكتاب
وَهُوَ قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وابي عبد الله
أدب اسْتِمَاع الدَّعْوَى
وَأما ادب اسْتِمَاع الدَّعْوَى فانه على خَمْسَة اوجه
أَحدهَا ان يقدم الْخُصُوم على مَنَازِلهمْ الاول فَالْأول يبْدَأ فِي
الحكم بِمن بَدَأَ فِي الْحُضُور ثمَّ الذى بعده وَيُقِيم فى ذَلِك أَمينا
من أمنائه الرِّجَال على مَنَازِلهمْ وَالنِّسَاء على مَنَازِلهمْ فان رأى
ان يَجْعَل يَوْمًا للرِّجَال وَيَوْما للنِّسَاء فعل وَكَذَا ان رأى ان
يقدم الغرباء على أهل الْمصر فعل الا ان يضر ذَلِك بِأَهْل الْمصر فَلَا
يفعل
(2/773)
وَالثَّانِي ان يُسَوِّي بَين
الْخَصْمَيْنِ فى الاجلاس والاستنطاق والاسكات واللحظ وَالْكَلَام وَرفع
الصَّوْت وخفضه وَغير ذَلِك
وَالثَّالِث ان لَا يعجل الْخُصُوم عَن حججهم وَلَا يخوف أحد الْخَصْمَيْنِ
وَلَا يهدده وَلَا يزْجر الآخر
وَالرَّابِع اذا لم يفهم كَلَام الْخصم يترجم فِيمَا بَينهمَا رجلَانِ فى
قَول مُحَمَّد وَيجوز تَرْجَمَة رجل وَاحِد فى قَول ابي حنيفَة وابي يُوسُف
وَالْخَامِس يَنْبَغِي ان يعرف الْمُدَّعِي من الْمُدعى عَلَيْهِ حَتَّى
يُكَلف الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة ويستحلف الْمُدَّعِي عَلَيْهِ وَفِيه اربعة
أقاويل
فَقَالَ بعض الْفُقَهَاء الْمُدَّعِي من اذا ترك ترك وَالْمُدَّعِي
عَلَيْهِ من اذا ترك لم يتْرك
وَقَالَ بَعضهم الْمُدَّعِي من كَانَ يدعى حكما بَاطِنا ليزيل بِهِ حكما
ظَاهرا اَوْ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ من كَانَ يدعى حكما ظَاهرا ليزيل بِهِ
حكما بَاطِنا
وَقَالَ بَعضهم الْمُدَّعِي من كَانَ فِي كَلَامه بلَى وَنعم وَالْمُدَّعِي
عَلَيْهِ من كَانَ فى كَلَامه لَا وَلَيْسَ فَهَذِهِ صُورَة الْمُدَّعِي
وَالْمُدَّعِي عَلَيْهِ
توزيع عبء الاثبات
وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْبَيِّنَة على من ادّعى وَالْيَمِين على من انكر فاعرفه
ادب اسْتِمَاع الشَّهَادَة
واما ادب اسْتِمَاع الشهاددة من الشَّاهِد فانه على خَمْسَة اوجه
أَحدهَا ان لَا يلقن القَاضِي شَاهدا شَهَادَته
وَلَا يَقُول اشْهَدْ بِكَذَا وَكَذَا وَلَكِن يَدعه وَمَا يشْهد بِهِ فى
قَول
(2/774)
مُحَمَّد
وروى عَن ابي يُوسُف انه قَالَ يجوز ان يلقن الشَّاهِد فى غير الْحُدُود
وَفِي الْحُدُود لَا يلقن مُتَّفقا عَلَيْهِ
وَالثَّالِث لَا يتعنت الشُّهُود فيختلط عَلَيْهِم فان اتهمَ الشُّهُود
فَلَا بَأْس ان يفرق بَينهم ويسألهم مَتى كَانَ واين كَانَ وَكَيف كَانَ
فان اخْتلفُوا اخْتِلَافا يبطل الشَّهَادَة
وَالثَّالِث ان يكْتب شَهَادَة الشُّهُود فى صحيفَة ثمَّ يطويها ويختمها
وَيكْتب عَلَيْهَا هَذِه خُصُومَة فلَان بن فلَان
وَالرَّابِع ان يكون كَاتبه مُسلما من أهل العفاف والامانة
وَالْخَامِس اذا اوجد فِي ديوانه صحيفَة فِيهَا شَهَادَة شُهُود وَلَا يحفظ
انهم شهدُوا عِنْده فانه يقْضِي اذا وجدهَا فى قمطرة وَتَحْت خَاتمه فى
قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وَلَا يقْضِي فى قَول ابي حنيفَة حَتَّى يذكرهَا
أدب التَّعْدِيل
وَأما أدب التَّعْدِيل فانه على خَمْسَة اوجه
أَحدهَا ان يتعرف مَا كتب من الْخُصُومَة وَالشَّهَادَة وَلَا يقبل لشهود
شَهَادَة حَتَّى يسْأَل عَنْهُم سرا وَعَلَانِيَة اثْنَيْنِ فَصَاعِدا من
امنائه من أهل
(2/775)
العفاف وَالصَّلَاح
وَهَذَا قَول مُحَمَّد وَزفر
وفى قَول ابي حنيفَة وابي يُوسُف يقبل فى التَّعْدِيل قَول وَاحِد
وَكَذَلِكَ فى الْجرْح
وَفِي قَوْلهمَا يقبل جرح الْوَاحِد
واقل من يقبل فِي التَّعْدِيل رجلَانِ اَوْ رجل وَامْرَأَتَانِ
وَمن لَا يشينه كَبِيرَة من الْكَبَائِر وَكَانَت محاسنه اكثر من مساوئه
جَازَت شَهَادَته
واذا جرح الشَّاهِد قوم وعدله آخَرُونَ فان اجْتمع على الْجرْح رجلَانِ لَا
تقبل شَهَادَته
والثانى ان قدر الْحَاكِم على مُبَاشرَة السُّؤَال عَن الشُّهُود بِنَفسِهِ
فعل وان لم يقدر على ذَلِك ولاه رجلَيْنِ عَدْلَيْنِ فان ولاه رجلا
وَاحِدًا جَازَ فى قَول ابى حنيفَة وابى يُوسُف وَلَا يجوز فى قَول
مُحَمَّد حَتَّى يُولى عَلَيْهِ اثْنَيْنِ
وَالثَّالِث اذا لم يطعن الْمَشْهُود عَلَيْهِ فى الشَّاهِدين فانه لَا
يسْأَل عَن عدالتهما فى قَول ابى حنيفَة وَيسْأل فى قَول ابى يُوسُف
وَمُحَمّد
وَهَذَا اذا كَانَ فى غير الْحُدُود وَالْقصاص
أما فى الْحُدُود وَالْقصاص فَيسْأَل عَن عدالتهما بِلَا خلاف وان لم يطعن
الْمَشْهُود عَلَيْهِ فى الشَّاهِدين
وَالرَّابِع ينبغى ان يكْتب اسْم الشَّاهِد وَنسبه
(2/776)
وحليته
ومنزله
وَيبْعَث بذلك الى أهل التَّزْكِيَة لِئَلَّا يُسمى رجل باسم غَيره فيزكي
وَالْخَامِس يجب ان لَا يعرف اصحاب مسَائِله فى الافضل لانه لَا يُؤمن اذا
عرفُوا ان يحتال عَلَيْهِم فى تبطيل الاحكام
أدب الِاسْتِحْلَاف
وَأما أدب الِاسْتِحْلَاف فانه على خَمْسَة اوجه
أَحدهَا للْمُسلمِ ان يحلف بِاللَّه الذى لَا اله الا هُوَ يعلم من السِّرّ
مَا يعلم من الْعَلَانِيَة وان اجتزى بِاللَّه وَحده فَهُوَ جَائِز
وَالثَّانِي فِي اليهودى يحلفهُ بِاللَّه الذى انْزِلْ التَّوْرَاة على
مُوسَى
وَالثَّالِث النَّصْرَانِي يحلفهُ بِاللَّه الذى انْزِلْ الانجيل على
عِيسَى
وَالرَّابِع الْمَجُوسِيّ يحلفهُ بالذى خلق النَّار
وَالْخَامِس عَابِد الاوثان يحلفهُ بِاللَّه الذى خلق الاوثان
واذا أَرَادَ استحلاف رجل حذره بِاللَّه الذى لَا اله الا هُوَ ان يحلف
بباطل
فان حلف ابراه من دَعْوَى خَصمه
وان ابى ان يحلف اعاد عَلَيْهِ الِاسْتِحْلَاف
فان ابى أعلمهُ انه ان ابى وَجه عَلَيْهِ الْقَضَاء ثمَّ استحلفه فان ابى
قضى عَلَيْهِ بِمَا ادّعى الْمُدَّعِي حِينَئِذٍ وَذَلِكَ فى حُقُوق
النَّاس جَمِيعًا مَا خلا الْقصاص فان ابى الْيَمين قضى عَلَيْهِ بالارش
وَالنَّفس وَمَا دونهَا فِي ذَلِك سَوَاء فى قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد
وابي عبد الله
(2/777)
واما فِي قَول ابي حنيفَة يقْتَصّ فِيهَا
دون النَّفس وَيحبس فِيمَا فى النَّفس حَتَّى يقر أَو يحلف
وفى قَول زفر يقْتَصّ فيهمَا بِالنّكُولِ لَا غير
وَفِي قَول مَالك يقْتَصّ فِي النَّفس وَفِيمَا دون النَّفس بِالنّكُولِ
فِي يَمِين الْمُدَّعِي وَكَذَلِكَ اذا كَانَت الْجِنَايَة عمدا فى ذَلِك
كُله ويستحلفه فِي كل شَيْء الا الْحُدُود وَاللّعان لانهما من حُقُوق الله
عز وَجل فى قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وابي عبد الله
واما فى قَول ابي حنيفَة فَلَا يَمِين فى سَبْعَة اشياء 1 الْحُدُود 2
وَالنِّكَاح 3 وَالرَّجْعَة 4 والفئ فى الايلاء 5 وَالنّسب 6 وَالْوَلَاء 7
وَالرّق
رد الْيَمين بِالْبَيِّنَةِ وَمن استحلفه القَاضِي على شَيْء فَحلف
عَلَيْهِ ثمَّ قَامَت عِنْده الْبَيِّنَة على اسْتِحْقَاق دَعْوَى
الْمُدَّعِي فان القَاضِي يقبل الْبَيِّنَة وَيحكم بهَا وَيرد تِلْكَ
الْيَمين فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وابي عبد الله وَالشَّافِعِيّ
وَفِي قَول ابْن ابي ليلى لَا يقبل بعد ذَلِك لَان الْقَضَاء قد وَقع
وَقَالَ مَالك ان علم ان لَهُ بَيِّنَة فَرضِي بِالْيَمِينِ وَترك بَينته
فَلَا حق لَهُ بعد ذَلِك وَلَا يلْتَفت الى بَينته ان جَاءَ بهم وان لم
يعلم ان لَهُ بَيِّنَة قبلت بَينته لانه كالمضطر فِي الاحلاف
أدب حبس الْغَرِيم
واما أدب حبس الْغَرِيم فانه على خَمْسَة اوجه أَحدهَا حبس الْكَفِيل
بِالنَّفسِ ليحضر الْمَكْفُول بِهِ
وَالثَّانِي حبس الْكَفِيل بِالْمَالِ ليؤدي مَا كفله من المَال عَن
الْمَكْفُول عَنهُ
(2/778)
وَالثَّالِث حبس الْغَرِيم فِيمَا عَلَيْهِ
وَالرَّابِع حبس الرجل فى نَفَقَة أَزوَاجه وَأَوْلَاده
وَالْخَامِس حبس الرجل فى نَفَقَة الاحام
وَقد ذكرنَا اخْتلَافهمْ فى كتاب الْحجر والتفليس
أدب التَّكْلِيف
وَأما أدب التَّكْلِيف فانه على خَمْسَة اوجه
احدها ان يدعى رجل على رجل مَالا اَوْ حَقًا اَوْ غير ذَلِك فَادّعى ان
لَهُ بَيِّنَة حَاضِرَة وَسَأَلَ القَاضِي ان يَأْمر الْمُدَّعِي عَلَيْهِ
بِأَن يُعْطِيهِ كَفِيلا بِنَفسِهِ ثَلَاثَة ايام اَوْ عى قدر مَا يخلص الى
القَاضِي فانه يَأْمر بذلك
وان ابى الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِأَن يُعْطِيهِ كَفِيلا اَوْ عجز عَن ذَلِك
وَخَافَ الطَّالِب ان يتغيب عَنهُ ويهرب قيل للطَّالِب ان شِئْت فالزمه
حَتَّى تحضر بينتك فان اجاب بالتكفيل فَذَلِك على خَمْسَة اوجه
أَحدهَا ان يُعْطي الْكَفِيل للْحَاكِم
وَالثَّانِي لرَسُول الْحَاكِم
وَالثَّالِث لامين الْحَاكِم
وَالرَّابِع للْمُدَّعى
وَالْخَامِس لامين الْمُدَّعِي
فَفِي هَذِه الْوُجُوه لَا يبرأ الْكَفِيل الا ان يُسلمهُ الى الذى كفل
لَهُ بِهِ وان سلمه الى غَيره لَا يبرأ
(2/779)
أدب الْحُكُومَة وَالْقَضَاء
وَأما ادب الْحُكُومَة وَالْقَضَاء فانه على سَبْعَة اوجه
احدها ان يحكم على اقرار الْخصم اذا اقر للْمُدَّعِي بِمَا ادّعى عَلَيْهِ
وَهَذَا حكم الْقَضِيَّة
وَلَو كَانَ الْوَكِيل أقرّ فان فِي اقراره اخْتِلَافا
فَقَالَ ابو يُوسُف اقرار الْوَكِيل جَائِز على الْمُوكل بِمَا اقر كَانَ
عِنْد الْحَاكِم اَوْ غَيره
وَقَالَ ابو حنيفَة وَمُحَمّد ان اقر عِنْد الْحَاكِم لزم الْمُوكل وان اقر
عِنْد غير الْحَاكِم لم يلْزمه وَخرج من الْوكَالَة
وَقَالَ ابْن ابي ليلى وَالشَّيْخ لَا يجوز اقراره عِنْد الْحَاكِم وَلَا
عِنْد غَيره بِشَيْء
وَالثَّانِي ان يحكم بِشَهَادَة رجلَيْنِ اَوْ رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَيجوز
لَهُ ان يحكم بشهادتها فِي كل شَيْء مَا خلا الْحُدُود وَالْقصاص
أَنْوَاع الاحكام من حَيْثُ الْبَيِّنَة
وَاعْلَم ان الاحكام على اربعة اقسام
قسم مِنْهَا لَا تقوم بينتها الا بِشَهَادَة طَائِفَة من النَّاس وَهِي
أَرْبَعَة صِيَام شهر رَمَضَان وافطاره اذا كَانَت السَّمَاء مصحية وَلم
يكن فِي السَّمَاء عِلّة
وَالثَّانِي لَا تقوم وَلَا تصح الا بِشَهَادَة أَرْبَعَة شُهُود رجال
عدُول وَهِي الرَّجْم وحد الزِّنَا
(2/780)
وَالثَّالِث لَا يقوم لَا يَصح الا
بِشَهَادَة رجلَيْنِ اَوْ رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَهِي اكثر أَحْكَام
الْمُسلمين
وَالرَّابِع ان يقوم بِشَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة عدلة فَصَاعِدا وَهِي
الَّتِي لَا يطلع عَلَيْهَا الرِّجَال من أَحْكَام النِّسَاء فى قَول ابي
يُوسُف وَمُحَمّد وابي عبد الله
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَصح شئ من هَذِه الاحكام مِمَّا لَا يطلع
عَلَيْهِ الرِّجَال الا بِشَهَادَة ارْبَعْ نسْوَة وَقَالَ ابو حنيفَة تصح
كلهَا الا الاستهلال فانه لَا يَصح الا بِشَهَادَة رجلَيْنِ اَوْ رجل
وَامْرَأَتَيْنِ وَذَلِكَ انه يُمكن ان يكون عِنْد الْولادَة الرِّجَال
مَعَ النِّسَاء فيسمعون بكاء الصَّبِي وَقَالَ الشَّافِعِي ايضا انما تجوز
شَهَادَة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال فِي الاموال والمداينات وَلَا تجوز فِي
غَيرهَا من النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْعِتْق والولادة وَلَا فى شَيْء غير
الاموال ومالا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال
وَالثَّالِث يحكم بنكول الْخصم عَن يَمِين الْمُدَّعِي كَمَا ذكرنَا فِي
ادب الِاسْتِحْلَاف فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه
وَالرَّابِع يحكم القَاضِي بِعِلْمِهِ فى كل شَيْء مَا خلا الْحُدُود
وَالْقصاص وَسَوَاء علمه قبل ان يتَوَلَّى الْقَضَاء اَوْ بعد مَا ولى
الْقَضَاء فِي مصره كَانَ علم اَوْ فى غير مصره الذى هُوَ فِيهِ قَاض فِي
قَول ابى حنيفَة وَمُحَمّد وابي عبد الله وَالشَّافِعِيّ
واما فِي قَول ابي حنيفَة مَا رَآهُ القَاضِي من حُقُوق النَّاس فى مصره
الذى هُوَ قَاض عَلَيْهِ بَعْدَمَا استقضي قضى فِيهِ بِعَمَلِهِ وَلم
يحْتَج الى غَيره وَمَا رَآهُ فى غير مصره اَوْ قبل ان يَلِي الْقَضَاء
ثمَّ ولى فانه لَا يحكم فِيهِ بِعَمَلِهِ
(2/781)
اذا هُوَ خوصم فِيهِ اليه
سجل الْحَاكِم السَّابِق
وَالْخَامِس يحكم على سجل الْحَاكِم الذى كَانَ قبله اذا صَحَّ عِنْده
بِشُهُود عدُول انه حكم بِهِ وَلَا يجوز ان ينسخه وَيحكم بِغَيْرِهِ اذا
كَانَ رَأْيه بِخِلَاف رَأْيه
وَالسَّادِس يحكم بِحكم الْحَاكِم الذى حكم بَين الْخَصْمَيْنِ وَهُوَ كل
من كَانَ من الْمُسلمين رجلا كَانَ اَوْ امْرَأَة يجوز للْمُسلمين ان
يتحاكموا اليه فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وَمَالك وَلَا يجوز التحاكم الى
الْمَرْأَة فى قَول الطَّحَاوِيّ وَالشَّيْخ
نقض القَاضِي حكمه
وَيجوز للْحَاكِم ان ينْسَخ حكمه وَيحكم بِمَا رأى اذا كَانَ ذَلِك مِمَّا
يخْتَلف فِيهِ النَّاس اى من الامور الاجتهادية فان كَانَ مِمَّا لَا
يخْتَلف فِيهِ الْمُسلمُونَ فَلَا يجوز لَهُ ان ينْقضه لانه لَيْسَ
للْحَاكِم ان ينْفَرد بِنَفسِهِ فِيمَا يحكم
وَالسَّابِع يحكم بِكِتَاب قَاض اذا ورد عَلَيْهِ من مصر كَانَ اَوْ من
رستاق فى قَول الشَّيْخ مُحَمَّد بن صَاحب
وَفِي قَول الْفُقَهَاء لَا يعْمل على كتاب الرستاق
أدب كتاب القَاضِي الى القَاضِي
واما أدب كتاب القَاضِي الى القَاضِي فان هَذَا القَاضِي الذى يرد عَلَيْهِ
الْكتاب لَا يحكم بكتابه بِغَيْر خَمْسَة عشر شَيْئا عشرَة مِنْهَا يعملها
(2/782)
القَاضِي الاول وَخَمْسَة مِنْهَا يعملها
القَاضِي الثَّانِي الْمَكْتُوبَة اليه
فَأَما الْعشْرَة الَّتِى يعملها القاضى الاول
فأحدها اذا تقدم رجل وَادّعى على رجل غَائِب بِبَلَد آخر من عمل القَاضِي
الآخر بِحَق من دين اَوْ نَفَقَة اَوْ كَفَالَة اَوْ غصب وَذكر ان لَهُ
شُهُودًا هَهُنَا فأولها ان يسمع القَاضِي دَعْوَاهُ
وَالثَّانِي ان يسمع بَينته
وَالثَّالِث ان يعدل بَينته
وَالرَّابِع ان يكْتب الى القَاضِي الاخر باسم الْمَشْهُود عَلَيْهِ
وَالْخَامِس ان يكْتب بنسبه من اسْم ابيه وجده
وَالسَّادِس ان يكْتب بقبيلته
وَالسَّابِع ان يكْتب بِصفتِهِ
وَالثَّامِن ان يكْتب بصنعته
وَالتَّاسِع ان يكْتب باسماء الشُّهُود واسماء آبَائِهِم واجدادهم وقبائلهم
وصنايعهم
والعاشر ان يشْهد على كِتَابه وخاتمه شَاهِدين وَيقْرَأ الْكتاب
عَلَيْهِمَا وان لم يقْرَأ الْكتاب عَلَيْهِمَا فَلَا يجوز فى قَول ابي
حنيفَة وَمُحَمّد وَيجوز فى قَول ابي يُوسُف وَالشَّيْخ ان لم يقْرَأ
عَلَيْهِمَا بعد مَا اشهدهما على انه كِتَابه وخاتمه فى أَمر كَذَا الى
قَاضِي كَذَا الى بلد كَذَا
واما الْخَمْسَة الَّتِى يعملها القَاضِي الثَّانِي
فأحدها ان يحضر الْمُدَّعِي عَلَيْهِ
وَالثَّانِي أَن يسْأَل الْبَيِّنَة على انه كتاب ذَلِك القَاضِي وخاتمه فى
(2/783)
أَمر كَذَا
وَالثَّالِث ان يعدل الْبَيِّنَة
وَالرَّابِع ان يفتح الْكتاب
وَالْخَامِس ان يقْرَأ على الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فاذا قَرَأَهُ عَلَيْهِ
فَيكون بِمَنْزِلَة شَهَادَة الشُّهُود فَيقْضى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ ثمَّ
يطوى الْكتاب ويحزمه ويختمه وَيكْتب عَلَيْهِ اسْم صَاحبه
واذا مَاتَ القَاضِي الْمَكْتُوب اليه قبل ان يصل الْكتاب اليه اَوْ عزل
واقيم آخر مَكَانَهُ ثمَّ وصل الْكتاب الى القَاضِي فانه لَا يعْمل بذلك
وان مَاتَ القَاضِي الذى كتب قبل ان يصل الْكتاب الى القَاضِي الْمَكْتُوب
اليه أَو عزل فان القَاضِي الْمَكْتُوب اليه لَا يُجِيز ذَلِك الْكتاب
وَلَا يعْمل بِهِ فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه
وَفِي قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ يُجِيزهُ وَيعْمل بِهِ
وان وصل الْكتاب ثمَّ مَاتَ الْكَاتِب فان الْمَكْتُوب اليه يُجِيزهُ
وَيعْمل بِهِ مُتَّفقا عَلَيْهِ
وَيجوز كتاب القَاضِي الى القَاضِي فى كل شَيْء من الْعرُوض وَالْعَقار
وَالرَّقِيق وَغير ذَلِك الا فِيمَا لَا يُؤمن عَلَيْهِ من جَارِيَة جميلَة
اَوْ شبه ذَلِك فى قَول ابي يُوسُف وَمَالك وَاللَّيْث بن سعد
وفى قَول ابي حنيفَة وابي عبد الله وَالشَّيْخ لَا يجوز الا فى العقارات
والديون والغصوب وَنَحْو ذَلِك وَلَا يقبل فِي العَبْد وَالْأمة
وَالدَّابَّة وَالْعرُوض مِمَّا ينْقل ويحول من مَكَان الى مَكَان واذا قضى
بِعقد من نِكَاح اَوْ بيع بِشُهُود زور فانه كَذَلِك فى الْبَاطِن فى قَول
ابي حنيفَة
وَرُوِيَ عَن عَليّ بن ابي طَالب كرم الله وَجهه انه جَاءَ رجل واقام
(2/784)
الْبَيِّنَة على امْرَأَة انه تزَوجهَا
فَقضى بِالنِّكَاحِ فَقَالَت الْمَرْأَة زَوجنِي مِنْهُ فانه لَا نِكَاح
بَيْننَا فَقَالَ شَاهِدَاك زوجاك
واما فى قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وابي عبد الله لَا يكون
فِي الْبَاطِن كَذَلِك وَلَا يحل حكم الْحَاكِم شَيْئا كَانَ حَرَامًا قبل
وَلَا يحرم مِمَّا كَانَ حَلَالا قبل
(2/785)
|