النتف في الفتاوى

كتاب الدَّعْوَى والبينات
الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَو ترك النَّاس على دَعوَاهُم لاهلك بَعضهم بَعْضًا وَلَكِن الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من انكر
رُجُوع الْيَمين
فَكَمَا لَا ترجع على الْمُنكر فَكَذَلِك لَا يرجع الْيَمين على الْمُدَّعِي وَهُوَ قَول ابي حنيفَة وصاحبيه
واما فِي قَول الشَّافِعِي وَمَالك وَابْن ابي ليلى والاوزاعى فَترد الْيَمين الى الْمُدَّعِي اذا طلب الْمُدَّعِي عَلَيْهِ
الحكم بِشَاهِدين
وَلَا يجوز الحكم الا بِشَاهِدين سوى مَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وابي عبد الله وَفِي قَول الشَّافِعِي يحكم بِشَاهِد وَيَمِين فِي المدينات والاموال وَلَا يحكم فِي الطَّلَاق وَالنِّكَاح وَالْحُدُود

(2/786)


شَهَادَة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال
وَتجوز شَهَادَة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال فِي جَمِيع الاحكام فى الْحُدُود وَالْقصاص فِي قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وابي عبد الله لَان شَهَادَة النِّسَاء ضَعِيفَة وَالْحُدُود وَالْقصاص قَوِيَّة وَلَا يُقَام الْقوي بالضعيف
وَفِي قَول الشَّافِعِي تجوز شَهَادَة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال فى المداينات والاموال وَلَا تجوز فى غَيرهَا من النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْعتاق وَالتَّدْبِير والولادة وَلَا فِي شَيْء من الاموال اَوْ مَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال
حكم الْيَد
واذا ادّعى رجل على رجل بدار فِي يَده اَوْ مَتَاع اَوْ شَيْء من الْحَيَوَان والمكيل اَوْ الْمَوْزُون أَو غير ذَلِك واقام الْبَيِّنَة انه لَهُ فانه يقْضِي لَهُ بذلك
فان لم تكن لَهُ بَيِّنَة فعلى الآخر الْيَمين فان حلف برِئ وان ابى الْيَمين قضى بِهِ للْمُدَّعى وان اقام كِلَاهُمَا الْبَيِّنَة فالمدعي اولى بِبَيِّنَتِهِ فى ذَلِك كُله فى قَول ابي حنيفَة واصحابه وفى قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وابي عبد الله وَعبيد وَمُحَمّد بن صَاحب الْمُدعى عَلَيْهِ اولى بِبَيِّنَتِهِ فى ذَلِك كُله
تَارِيخ الْملك
وان اقام الْمُدَّعِي عَلَيْهِ الْبَيِّنَة على ابْتِدَاء الْملك اَوْ على وَقت اقدم من وَقت الْمُدَّعِي فَيكون اولى بِبَيِّنَتِهِ فى قَوْلهم جَمِيعًا
وَكَذَلِكَ لَو ادّعى امة اَوْ دَابَّة فى يدى رجل بانها ولدت فى ملكه واقام الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بَيِّنَة على مثل ذَلِك فانه يقْضِي بهَا للذى هما فى يَده

(2/787)


الْبَيِّنَة وَالْيَمِين
وَلَو ادّعى على رجل دينا اَوْ قرضا اَوْ دَرَاهِم اَوْ دَنَانِير اَوْ كيليا اَوْ وزنيا وانكر الْمُدعى عَلَيْهِ فعلى الْمُدعى الْبَيِّنَة فان لم يكن لَهُ بَيِّنَة فعلى الْمُنكر الْيَمين
فان أَقَامَ الْمُنكر الْبَيِّنَة انه قضى الْحق اَوْ ان الْمُدَّعِي ابراه من ذَلِك أَو على ان الْمُدَّعِي أقرّ ان لَا شَيْء لَهُ قبله فالمدعي عَلَيْهِ اولى بِبَيِّنَتِهِ فِي قَول فقهائها وَغَيرهم
تعَارض يَد الْخَصْمَيْنِ
وَلَو كَانَت الدَّار اَوْ الْمَتَاع فِي يَدي رجلَيْنِ وَادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا انه لَهُ فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا الْبَيِّنَة فان اقاما جَمِيعًا الْبَيِّنَة فَهُوَ نِصْفَانِ وان كَانَت لاحدهما بَيِّنَة فهى لَهُ دون الآخر وان لم يكن لوَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا الْيَمين فان حلفا جَمِيعًا فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ فان حلف احدهما وَلم يحلف الاخر كَانَ للذى حلف
وَلَو ادّعى كل وَاحِد انه فى يَده فَهُوَ على مَا ذكرنَا من الْبَيِّنَة وَالْيَمِين
ادعائهما مَا فِي يَد رجل آخر
واذا كَانَ الشَّيْء فِي يدى رجل فَادَّعَاهُ رجلَانِ واقام كل وَاحِد مِنْهُمَا الْبَيِّنَة انه لَهُ فَقَالَ مَالك يعْطى لاعد لَهَا بَيِّنَة فان اسْتَويَا وقف حَتَّى يَأْتِي احدهما بِبَيِّنَة عادلة اعْدِلْ من ذَلِك فان لم يجدا وطلبا الْقِسْمَة قسم بَينهمَا
وَقَالَ الشَّافِعِي ابطل الْبَيِّنَتَيْنِ جَمِيعًا واترك الشئ فى يدى من هُوَ فِي يَده
وَقَالَ ابو حنيفَة وصاحباه وابو عبد الله هُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ

(2/788)


امْرَأَة يدعيها رجلَانِ
وَلَو ان امْرَأَة يدعيها رجلَانِ وَيُقِيم كل وَاحِد بَيِّنَة فَقَالَ الشَّافِعِي يَنْفَسِخ النكاحان جَمِيعًا اذا لم تكن دلَالَة واذا اقرت لاحدهما فَالْقَوْل قَوْلهَا مَعَ يَمِينهَا وَلَا الْتفت الى الدُّخُول فى شَيْء من ذَلِك
وَقَالَ بَعضهم اقرارها وانكارها سَوَاء فان كَانَ الشُّهُود عُدُولًا انْفَسَخ النكاحان جَمِيعًا
وَقَالَ ابو حنيفَة وصاحباه وابو عبد الله ان كَانَت فى بَيت احدهما اَوْ كَانَ أَحدهمَا دخل بهَا فَهِيَ لَهُ والا فَهِيَ لمن اقرت لَهُ فان لم تقر بِشَيْء فرق بَينهمَا
امْرَأَة بَين رجلَيْنِ
قَالَ فان ادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا نِكَاح امْرَأَة واقاما بَينه لم يقْض بِوَاحِدَة من الْبَيِّنَتَيْنِ لتعذر الْعَمَل بهَا لَان الْمحل لَا يقبل الِاشْتِرَاك قَالَ وَرجع الى تَصْدِيق الْمَرْأَة لاحدهما لَان النِّكَاح مِمَّا يحكم بِهِ بِتَصْدِيق الزَّوْجَيْنِ وَهَذَا اذا لم يؤقتا الْبَيِّنَتَيْنِ فَأَما اذا وقتا فَصَاحب الْوَقْت الاول اولى وان أقرَّت لاحدهما قبل اقامة الْبَيِّنَة فَهِيَ امْرَأَته لتصادقهما وان اقام الآخر الْبَيِّنَة قضى بهَا لِأَن الْبَيِّنَة اقوى من الاقرار وَلَو تفرد احدهما بِالدَّعْوَى وَالْمَرْأَة تجحد واقام الْبَيِّنَة وَقضى القَاضِي ثمَّ ادّعى الآخر واقام الْبَيِّنَة على مثل ذَلِك لَا يحكم بهَا لَان الْقَضَاء الاول قد صَحَّ فَلَا ينْقض بِمَا هُوَ مثله بل هُوَ دونه الا ان يُوَقت شُهُود الثَّانِي سَابِقًا لانه خطأ فِي الاول بِيَقِين وَكَذَا اذا كَانَت الْمَرْأَة فى يَد الزَّوْج ونكاحه ظَاهر لَا تقبل بَيِّنَة الْخَارِج الا على وَجه السَّبق

(2/789)


السّقف
واذا كَانَ سقف بَين صَاحب الْعُلُوّ وَصَاحب السّفل فادعياه جَمِيعًا
فَقَالَ الشَّافِعِي السّقف بَينهمَا اذا لم يعلم لايهما هُوَ وانهدم لَا يجْبر صَاحب السّفل على الْبناء فان تطوع صَاحب السّفل ببنائه لم يكن لَهُ ان يمْنَع صَاحب الْعُلُوّ من الْبناء عَلَيْهِ وَله ان يهدم مَا بنى من ذَلِك ان شَاءَ
قَالَ وَكَذَلِكَ الشُّرَكَاء فى نهر اَوْ بِئْر فَلَا يجير احدهم على الاصلاح فان اصلحه بَعضهم فَلَيْسَ لَهُ ان يمْنَع الآخرين من الْمَنْفَعَة فان بنى فى ذَلِك بِنَاء فَلهُ ان يَأْخُذهُ مَتى شَاءَ
وَقَالَ مَالك السّقف لصَاحب السّفل وَيجْبر على بنائِهِ اذا انْهَدم وعَلى اصلاحه اذا وهى
وَقَالَ ابو حنيفَة وصاحباه وابو عبد الله السّقف لصَاحب السّفل وَلَا يجْبر على الْبناء ان وَقع الْهدم فان هَدمه اجبر على الْبناء
واذا دفع الْمولى الى الْيَتِيم مَاله بعد بُلُوغه فانه لَا يصدق الا بِالْبَيِّنَةِ فِي قَول مَالك
وفى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وابي عبد الله وَزفر وسُفْيَان يصدق لانه أَمِين وكل أَمِين فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه
ضَمَان الْفِعْل الضار والتعسف فِي اسْتِعْمَال الْحق
وَلَو ان رجلا اجرى مَاء فى نهر الى ارضه أَو اوقد نَارا فى أرضه فأضر ذَلِك جَاره وَكَذَلِكَ مَا اشبه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وفى قَول مَالك وَالشَّيْخ لَا يجوز لَهُ ان يحْفر فى دَاره وَكَذَلِكَ

(2/790)


ان اتخذ كنيفا يضرّهُ فَكَذَلِك
وَلَو كَانَ فى وسط دَاره بِئْر فَأَرَادَ جَاره ان يحْفر فى وسط دَار بِئْرا يضر الاول منع مِنْهُ
وَكَذَلِكَ لَو حفر بِئْرا اَوْ قناة على بعد من بِئْر وقناة اخرى فأصر بهما فَلهُ ان يردمه اذا اضر ذَلِك ببئره وقناته
وان أرسل نَارا فى أرضه فان كَانَت أَرض جَاره مَأْمُونا عَلَيْهَا من ذَلِك لبعدها فَحملت الرّيح النَّار فأحرقت شَيْئا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
وان علم انه يضر وَيفْسد لقُرْبه فَهُوَ ضَامِن
حل الدَّابَّة وَفتح القفص
وَلَو ان رجلا حل دَابَّة من وثاقها اَوْ فتح قفصا فطار مِنْهُ طير اَوْ حل عبدا من قَيده فهرب اَوْ فتح بَاب دَار فَسرق متاعها وَنَحْو ذَلِك فانه لَا ضَمَان فى ذَلِك كُله على الذى فعل فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وَالشَّافِعِيّ
وفى قَول مَالك يضمن فى ذَلِك كُله
حل رَأس الزق
وَلَو حل رَأس زق فَخرج مَا فِيهِ
اَوْ كَانَ شَيْئا مُعَلّقا فَحل علاقته فَسقط وَفَسَد فَعَلَيهِ الضَّمَان فى قَوْلهم جَمِيعًا
طرح الْبَحْر
وَلَو ان سفينة خيف غرقها فالقوا مِنْهَا مَتَاعا فى الْبَحْر فَفِي قَول ابي حنيفَة وصاحبيه من طرح مِنْهَا شَيْئا لغيره ضمنه وَكَذَلِكَ لَو شَرط ان مَا يلقى فعلى الْجَمِيع وَمَا بقى فعلى الحصص فَالشَّرْط بَاطِل وَمن القى شَيْئا

(2/791)


لغيره ضمن
وَفِي قَول مَالك وَاللَّيْث الشَّرْط جَائِز ويتراجعون وَلَو طرح بعض مَا فِيهِ فَجَمِيع من لَهُ مَتَاع فِي الْمركب شُرَكَاء فى ذَلِك
وَقَالَ الشَّيْخ ان من القى شَيْئا فَلَا شَيْء على اُحْدُ فِيهِ سَوَاء شَرط ان يضمنوه لَهُ اَوْ لم يشرط
وَمن القى شَيْئا لغيره على ان يضمنهُ لَهُ فَهُوَ ضَامِن لذَلِك وان شَرط ان يكون مَا يلقيه عَلَيْهِم جَمِيعًا على حصص مَالهم من الْمَتَاع فَالشَّرْط جَائِز عندنَا وَهُوَ ضَامِن لما ضمن مِنْهُ وَكَذَلِكَ الشُّرَكَاء اذا ضمنُوا على ذَلِك فَعَلَيْهِم حصصهم
علف الْبَهِيمَة
وَلَو ان بَهِيمَة لرجل لَا يعلفها فانه يجْبر على عَلفهَا فى قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالشَّيْخ وَلَا يجْبر عَلَيْهِ فى قَول ابي جنيفة وصاحبيه وَهُوَ آثم
اقراض مَال الْيَتِيم
وَلَيْسَ للْمُوصى ان يقْرض مَال الْيَتِيم
وَلَا للاب ايضا بِلَا خلاف
وللحاكم ان يقْرض من ذَلِك فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه
وَلَا يجوز ذَلِك فى قَول مَالك وَالشَّيْخ
وَلَو ان امْرَأَة لَا عَادَة لَهَا فى البروز وَقد لَزِمَهَا الْيَمين فَقَالَ مَالك كَانَ الْحق حَالا استحضرت الى الْمَسْجِد فان كَانَت لَا تخرج احضرت

(2/792)


لَيْلًا وان كَانَ شَيْئا يَسِيرا احلفت فِي بَيتهَا كَيفَ كَانَ وَلم يفرق بَين الْمَرْأَة وَالرجل وَمضى على الْقيَاس
وَقَالَ ابو حنيفَة وابو يُوسُف وَمُحَمّد يبْعَث أَمينا فيحلفها فِي بَيتهَا فان ذَلِك ستر لَهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

(2/793)