النتف في الفتاوى

كتاب الشَّهَادَات
من تقبل شَهَادَته وَمن لَا تقبل
اعْلَم ان النَّاس بحذاء الشَّهَادَة على أَرْبَعَة اوجه

(2/794)


أَحدهَا ان يكون من أهل الشَّهَادَة عِنْد وَقت حمل الشَّهَادَة وَعند وضع الشَّهَادَة فان الشَّهَادَة تقبل
وَالثَّانِي ان لَا يكون من أهل الشَّهَادَة عِنْد حمل الشَّهَادَة وَلَكِن يكون من أهل الشَّهَادَة عِنْد وضع الشَّهَادَة فان شَهَادَته تقبل ايضا
وَالثَّالِث ان لَا يكون من أهل الشَّهَادَة عِنْد حملهَا وَلَا عِنْد وَضعهَا فان شَهَادَته لَا تقبل
وَالرَّابِع ان يكون عِنْد حمل الشَّهَادَة من أَهلهَا وَلَا يكون من أهل الشَّهَادَة عِنْد وَضعهَا فان شَهَادَته لَا تقبل ايضا
مَا يجوز الشَّهَادَة فِيهِ وان لم يعلم بِهِ
وَيجوز للرجل ان يشْهد على خَمْسَة اشياء وان لم يعلم بهَا
أَحدهَا اذا اشْتهر الرجل بِنسَب فَيجوز ان يشْهد على نسب ذَلِك الرجل وان لم يعلم وِلَادَته واقرار أَبِيه

(2/795)


وَالثَّانِي اذا اشْتهر وَلَاء الرجل فَيجوز ان يشْهد على انه مولى فلَان وان لم يشْهد عتقه اياه فى قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد
وَلَا يجوز فِي قَول ابي حنيفَة
وَالثَّالِث اذا اشْتهر موت الرجل واخرجت جنَازَته وَفعل اهله مَا يفعل بِالْمَيتِ فَلِمَنْ حضر ذَلِك ان يشْهد بوفاته وان لم يعاين مَوته
الرَّابِع اذا اشْتهر الرجل وَالْمَرْأَة انهما زوجان فَلِمَنْ عرف ذَلِك ان يشْهد بذلك وان لم يحضر نِكَاحهمَا
وَالْخَامِس اذا رأى الرجل الشَّيْء فى يدى رجل زَمَانا يعْمل بِهِ مَا يعْمل المالكون وَلَا يُنكر عَلَيْهِ أحد وَلَا يَدعِيهِ انسان ثمَّ انتزعه من يَده انسان اَوْ من يَد وَارثه فَلِمَنْ عرف ذَلِك ان يشْهد على ان ذَلِك الشئ لفُلَان اَوْ لوَرثَته
وعَلى ذَلِك أَمر النَّاس
وَلَو لم يكن كَذَلِك لضاق على الْمُسلمين
رد الشَّهَادَة
وَترد الشَّهَادَة لشيئين
أما لعِلَّة اَوْ لتهمة
رد الشَّهَادَة بِالْعِلَّةِ
فَأَما رد الشَّهَادَة لاجل الْعلَّة فانه على اثنى عشر وَجها
شَهَادَة الْمُرْتَد
أَحدهمَا شَهَادَة الْمُرْتَد لَا تجوز على أحد بِوَجْه من الْوُجُوه
شَهَادَة الْحَرْبِيّ
وَالثَّانِي شَهَادَة الْحَرْبِيّ لَا تجوز الا على مثله

(2/796)


شَهَادَة الْمُسْتَأْمن
وَالثَّالِث شَهَادَة الْمُسْتَأْمن فِي دَار الاسلام لَا تجوز على الْمُسلم وَلَا الْمُسْتَأْمن
شَهَادَة الذِّمِّيّ
وَالرَّابِع شَهَادَة الذِّمِّيّ لَا تجوز على الْمُسلم ايضا لَا لمُسلم ايضا وَلَا لذِمِّيّ
وَتجوز شَهَادَة الذِّمِّيّ على الذِّمِّيّ سَوَاء كَانَت لمُسلم اَوْ لذِمِّيّ
شَهَادَة أهل الْكفْر
وَشَهَادَة أهل الْكفْر بَعضهم على بعض جَائِزَة وان اخْتلفت مللهم فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وابي عبد الله وفى قَول ابْن ابي ليلى والاوزاعي تجوز فى الْملَّة الْوَاحِدَة وَلَا تجوز فِي الملتين المختلفتين
وفى قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا تجوز شَهَادَتهم
شَهَادَة الصَّبِي
وَالْخَامِس شَهَادَة الصَّبِي لَا تجوز على اُحْدُ بِوَجْه من الْوُجُوه
شَهَادَة الْمَجْنُون وَالْمَعْتُوه
وَالسَّادِس شَهَادَة الْمَجْنُون لَا تجوز
وَالسَّابِع شَهَادَة الْمَعْتُوه لَا تجوز
شَهَادَة الاعمى
وَالثَّامِن شَهَادَة الاعمى لَا تجوز فى قَول ابي حنيفَة وَمُحَمّد وابي عبد الله
وفى قَول ابي يُوسُف وَابْن ابي ليلى وَالشَّيْخ تجوز اذا شهد عَلَيْهَا

(2/797)


بَصيرًا ثمَّ اقامها أعمى وفى قَول اللَّيْث بن سعد شَهَادَته جَائِزَة
شَهَادَة الاخرس
وَالتَّاسِع شَهَادَة الاخرس لَا تجوز الا بالاشارة فِي قَول مَالك
شَهَادَة العَبْد
والعاشر شَهَادَة العَبْد لَا تجوز فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وَمَالك وَالشَّافِعِيّ
وَتجوز شَهَادَته فى قَول ابي عبد الله وَاحْمَدْ بن حَنْبَل واسحق بن رَاهْوَيْةِ وابي ثَوْر
شَهَادَة الْمَرْأَة
وَالْحَادِي عشر شَهَادَة الْمَرْأَة لَا تجوز بِغَيْر الرِّجَال الا فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال
الشَّهَادَة على الْخط
وَالثَّانِي عشر الشَّهَادَة على الْخط لَا تجوز فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وابي عبد الله وَابْن ابي ليلى
وفى قَول بشر بن الْمُبَارك وطاووس تجوز
وفى قَول سُفْيَان اذا ذكر انه اشْهَدْ وانه كتبهَا وَلَا يذكر غير ذَلِك فَلهُ ان يشْهد بالخط
رد الشَّهَادَة بالتهمة
واما الَّتِى ترد لاجل التُّهْمَة فَهِيَ على سِتَّة عشر وَجها

(2/798)


شَهَادَة الخطابية
أَحدهَا شَهَادَة الخطابية لانهم يشْهدُونَ على شَهَادَة أهل مَذْهَبهم
شَهَادَة معلن الْفسق
وَالثَّانِي شَهَادَة معلن الْفسق والفجور
شَهَادَة الْمُرِيب
وَالثَّالِث شَهَادَة الْمُرِيب الْمُتَّهم
شَهَادَة الشَّرِيك
وَالرَّابِع شَهَادَة الشَّرِيك لشَرِيكه فى قَول ابي حنيفَة
وَفِي قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وابي عبد الله تجوز فِي غير شركتهما
شَهَادَة الاجير
وَالْخَامِس شَهَادَة الاجير لاستاذه فى قَول ابي حنيفَة
وفى قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وابي عبد الله تجوز فِي غير عَملهَا
شَهَادَة الاستاذ
واما شَهَادَة الاستاذ لاجيره فجائزة
شَهَادَة محترف الملاهي
وَالسَّادِس شَهَادَة من يحترف الملاهي
شَهَادَة السَّائِل
وَالسَّابِع شَهَادَة السَّائِل لَا تجوز فى قَول ابْن ابي ليلى فِي شَيْء من

(2/799)


الاشياء
وَفِي قَول ابي حنيفَة وصاحبيه تقبل اذا كَانَ يسْأَل لحَاجَة واما اذا سَأَلَ دهره لحَاجَة ولغير حَاجَة اَوْ كَانَ مُتَّهمًا بِأَنَّهُ يسْأَل لغير حَاجَة فَلَا تقبل شَهَادَته
شَهَادَة من يجر نفعا اَوْ يدْفع ضَرَرا
وَالثَّامِن شَهَادَة من يجر الى نَفسه بِشَهَادَتِهِ نفعا
وَالتَّاسِع شَهَادَة من يدْفع عَن نَفسه بِشَهَادَتِهِ ضَرَرا
شَهَادَة أحد الزَّوْجَيْنِ
والعاشر شَهَادَة الرجل لامْرَأَته
شَهَادَة الْوَالِد لوَلَده
وَالثَّانِي عشر شَهَادَة الْوَالِد لوَلَده
وَالثَّالِث عشر شَهَادَة الْوَلَد لوالده
لَا تجوز فِي قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فى هَذِه الْوُجُوه الاربعة وَتجوز كلهَا فى قَول ابي عبد الله وابي ثَوْر وَعبيد
تَكْذِيب الْمَشْهُود لَهُ
وَالرَّابِع عشر شَهَادَة الشَّاهِد اذا اكذبه الْمَشْهُود لَهُ لَا تجوز
شهد عى فعل نَفسه
وَالْخَامِس عشر شَهَادَة الشَّاهِد اذا شهد على فعل نَفسه لَا تجوز فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع فان فِيهَا اخْتِلَافا
احدها الْحَاكِم اذا شهد على حكمه بعد الْعَزْل فانه لَا تقبل شَهَادَته فِي قَول ابي حنيفَة وصاحبيه

(2/800)


وَتقبل فِي قَول مَالك
وَالثَّانِي القسام اذا شهد بِالْقِسْمَةِ وَاسْتِيفَاء كل رجل نصِيبه فانها تقبل فِي قَول ابي حنيفَة وابي يُوسُف وَلَا تقبل فى قَول مُحَمَّد وفى رِوَايَة عَن ابي يُوسُف
وَالثَّالِث الْمُرضعَة اذا شهِدت على الرَّضَاع فان شهادتها تقبل فى قَول الشَّافِعِي وَلَا تقبل فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه
شَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف
وَالسَّادِس عشر شَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف لَا تقبل فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وان تَابَ
وَفِي قَول ابي عبد الله وَالشَّافِعِيّ تقبل اذا تَابَ للأنه لَيْسَ بشر من الْكَافِر اذا أناب اذ تقبل شَهَادَته فَكَذَلِك هُوَ
الشَّهَادَة الْمَرْدُودَة للتُّهمَةِ
وكل شَهَادَة ترد لاجل التُّهْمَة فاذا انْتَفَت التُّهْمَة فانها لَا تقبل كالفاسق اذا شهد فَردَّتْ شَهَادَته ثمَّ تَابَ وَشهد بِتِلْكَ الشَّهَادَة فانها لَا تقبل وَكَذَلِكَ نظائرها
الشَّهَادَة الْمَرْدُودَة لِلْعِلَّةِ
وكل شَهَادَة ترد لاجل الْعلَّة فاذا ارْتَفَعت الْعلَّة فانها تقبل اذا شهد بهَا كالكافر اذا شهد فى حَال كفره وَالصَّبِيّ اذا شهد فى صباه فَردَّتْ ثمَّ اسْلَمْ الْكَافِر وادرك الصَّبِي وشهدا بِتِلْكَ الشَّهَادَة فانها تقبل فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وابي عبد الله

(2/801)


وَلَا تقبل فِي قَول مَالك
أَنْوَاع الشَّهَادَة من حَيْثُ الْمَشْهُود عَلَيْهِ
وَالشَّهَادَة على ثَلَاثَة اوجه
أما على قَول واما على يَمِين واما على فعل
وَكلهَا تحْتَاج الى الرُّؤْيَة فان لم ير ذَلِك فَلَا تجوز شَهَادَته
الشَّهَادَة من حَيْثُ الاشهاد
وَالشَّهَادَة من حَيْثُ الاشهاد على وَجْهَيْن
فأحدهما لَا تجوز بِغَيْر الاشهاد
وَالثَّانيَِة تجوز بِغَيْر الاشهاد
فَأَما الَّتِي هى جَائِزَة بِغَيْر الاشهاد فهى ان يرى الرجل فعلا اَوْ يسمع قولا مَعَ رُؤْيَة قائلة فقد صَار شَاهدا على ذَلِك وَله ان يشْهد بذلك وان لم يشهده
واما الَّتِى لَا تجوز بِغَيْر الاشهاد فَهِيَ الشَّهَادَة على الشَّهَادَة فَلَا يجوز للرجل ان يشْهد بهَا الا ان يشهده الشَّاهِد على شَهَادَته ويأمره ان يشْهد لَهُ على شَهَادَته فان أَرَادَ ان يُؤَدِّيهَا فَيَقُول
اشهدني فلَان على شَهَادَته وامرني ان اشْهَدْ على شَهَادَته وانا اشْهَدْ على شَهَادَته بِكَذَا وَكَذَا
مَتى تجوز الشَّهَادَة على الشَّهَادَة
وَتجوز الشَّهَادَة على الشَّهَادَة فى جَمِيع الاحكام من حق أَو حد اَوْ رجم اَوْ غير ذَلِك فِي قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
واما فِي قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وسُفْيَان والاوزاعي تجوز فى كل شَيْء مَا خلا الْحُدُود وَالْقصاص

(2/802)


الشَّهَادَة على شَهَادَة الْحَاضِر فِي الْمصر
وَيجوز ان يشْهد على شَهَادَة الرجل ان كَانَ حَاضرا صَحِيحا فى الْمصر بعد ان لَا يكون فى مجْلِس الْقَضَاء فى قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وابي عبد الله
واما فِي قَول ابي حنيفَة وَمَالك وَالْحسن بن صَالح فَلَا تجوز الشَّهَادَة على شَهَادَة رجل الا ان يكون ذَلِك الرجل مَرِيضا اَوْ غَائِبا غيبَة مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام أى مَسَافَة الْقصر
نِصَاب الشَّهَادَة على الشَّهَادَة
وَلَا تجوز الشَّهَادَة على شَهَادَة رجل وَلَا تصح الا ان يشْهد عَلَيْهَا رجلَانِ اَوْ رجل وَامْرَأَتَانِ لِأَنَّهَا امانة والامانة لَا تقوم الا بِشَهَادَة رجلَيْنِ اَوْ رجل وَامْرَأَتَيْنِ فِي قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وابي عبد الله وَزفر وَالشَّافِعِيّ
وفى قَول ابْن ابي ليلى وَابْن شبْرمَة تجوز شَهَادَة رجل وَاحِد على شَهَادَة رجل فاعلمه رشيدا
بَاب الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة
اعْلَم انه مَتى اعْترف الشَّاهِد على نَفسه انه شهد بزور من غير تَوْبَة وَعرف مِنْهُ فانه يُعَزّر مَا بَينه وَبَين اربعين سَوْطًا وَيحبس على قدر مَا يرى الامام وَيشْهد بذلك عِنْد معارفيه وَفِي سوقه فى قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وابي عبد الله
وَفِي قَول ابي حنيفَة يعرف شَاهد الزُّور ويحذر مِنْهُ النَّاس وَلَا

(2/803)


يُعَزّر لَان تَعْزِير القَوْل اشنع من تَعْزِير السَّوْط
واذا رَجَعَ الشَّاهِد عَمَّا شهد بِهِ فانه لَا يصدق على الْمَشْهُود لَهُ وَلَا ينْقض الْحَاكِم قَضَاءَهُ بِرُجُوعِهِ وَيقوم مَا اتلف بِشَهَادَتِهِ على الْمَشْهُود عَلَيْهِ
مَا يتلفه الشَّاهِد بِرُجُوعِهِ
وَمَا يتلفه الشَّاهِد اذا رَجَعَ عَن شَهَادَته على ثَمَانِيَة اوجه
اتلاف النَّفس
احدها اتلاف النَّفس وَهُوَ ان يشْهد رجلَانِ على رجل انه قتل فلَانا عمدا فَقضى القَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا وَقتل الشمهود عَلَيْهِ ثمَّ رجعا عَن الشَّهَادَة فانهما يغرمان الدِّيَة وان رَجَعَ احدهما فانه يغرم نصف الدِّيَة فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وابي عبد الله وَفِي قَول الشَّافِعِي الْقصاص على الشَّاهِدين
وَكَذَا اذا شهد اربعة على رجل بِالزِّنَا وَهُوَ مُحصن فرجم الرجل ثمَّ رجعُوا عَن الشَّهَادَة فانهم يغرمون الدِّيَة فان رَجَعَ اثْنَان فعلَيْهِمَا نصف الدِّيَة وان رَجَعَ احدهم فان يغرم ربع الدِّيَة
وَلَو كَانُوا خَمْسَة وَرجع احدهم فانه لَا يغرم شَيْئا لانه قد بقى من يقطع الْحَاكِم بقَوْلهمْ وهم أَرْبَعَة انفس فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وابي عبد الله
وفى قَول مَالك عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ من الْغرم وَكَذَلِكَ لَو شهد ثَلَاثَة فى سوى الرَّجْم ثمَّ رجم أحدهم فانه لَا يغرم شَيْئا فِي قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وابى عبد الله لانه قي بقى اثْنَان
وفى قَول مَالك يرجع عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ من الْغرم

(2/804)


اتلاف بعض النَّفس
والثانى اتلاف بعض النَّفس وَهُوَ ان يشْهد رجلَانِ عى رجل بِالسَّرقَةِ فَيحكم القَاضِي بِقطع يَده اَوْ شَهدا انه قطع يَد فلَان عمدا وفلا يدعى بذلك ثمَّ رجعا عَن الشَّهَادَة فانهما يغرمان مَال دِيَة الْيَد بَينهمَا نِصْفَيْنِ
وان رَجَعَ احدهما فَعَلَيهِ نصف دِيَة الْيَد فى قَول ابى حنيفَة وصاحبيه وَمَالك
وفى قَول الشافعى عَلَيْهِمَا الْقصاص كَمَا ذكرنَا فِي اتلاف النَّفس
اتلاف المَال
وَالثَّالِث اتلاف المَال وَهُوَ ان يشْهد رجلَانِ لرجل عى رجل بالف دِرْهَم اَوْ دِينَار اَوْ كيلى اَوْ وزنى وَقضى القاضى بِشَهَادَتِهِمَا والزمه المَال ثمَّ رجعا عَن شَهَادَتهمَا فانهما يغرمان للْمَشْهُود عَلَيْهِ مَا الزمه القاضى من المَال للْمَشْهُود لَهُ فان لم يرجعا وَلَكِن رَجَعَ احدهما فانه يغرم لَهُ نصف المَال
وَلَو كَانُوا ثَلَاثَة والمسئلة بِحَالِهَا ثمَّ رَجَعَ احدهم فانه لَا يغرم شَيْئا لانه بقى اثْنَان يقْطَعَانِ الحكم فان رَجَعَ آخر غرم هُوَ والاول نصف المَال فان رَجَعَ الثَّالِث بعد ذَلِك غرموا المَال كُله وَرجع بَعضهم على بعض حَتَّى يستووا فِي الْغرم
وَكَذَلِكَ لَو كَانُوا اربعة اَوْ خَمْسَة اَوْ أَكثر فَهُوَ على قِيَاس مَا ذكرنَا فِي جَمِيع وُجُوه الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة
وَلَو كَانَ بدل رجل امْرَأَتَانِ ثمَّ رجعت أحداهما فانها تغرم ربع المَال

(2/805)


فان رجعت الاخرى غرمت ربعا آخر فان رَجَعَ الرجل بعد ذَلِك غرم انصف الْبَاقِي
وَلَو كن ثَلَاث نسْوَة ورجلا اَوْ ارْبَعْ نسْوَة اَوْ خمس اَوْ اكثر فانهن بِمَنْزِلَة رجل وَاحِد فان رجعت امْرَأَة لم تغرم شَيْئا فان رجعت أُخْرَى وَكن ثَلَاثًا فانها تغرم مَعَ الاولى ربع المَال فان رَجَعَ الثَّلَاثَة غرمن كُلهنَّ نصف المَال بَينهُنَّ سَوَاء وَلَو رَجَعَ الرجل فانه يغرم نصف المَال وَحده
اتلاف الْمَتَاع
وَالرَّابِع اتلاف الْمَتَاع من الْعقار وَالْحَيَوَان وَمَا يملكهُ الانسان وَهُوَ ان يشْهد رجلَانِ لرجل على رجل بدار اَوْ قناة اَوْ بُسْتَان اَوْ عبد اَوْ امة اَوْ ثوب اَوْ غير ذَلِك وَقضى القَاضِي بذلك ثمَّ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَن الشَّهَادَة فانهما يغرمان قيمَة ذَلِك وان رَجَعَ اخحدهما غرم نصف قِيمَته على مَا ذَكرْنَاهُ
اتلاف الْملك
وَالْخَامِس اتلاف الْملك وَهُوَ ان يشْهد رجلَانِ على رجل بانه اعْتِقْ عَبده اَوْ دبره اَوْ استولد اذا كَانَت امة ثمَّ رجعا عَن الشَّهَادَة اَوْ كَانَ القَاضِي قضى بذلك فانهما يغرمان قيمَة العَبْد وَقِيمَة الْمُدبر مَا بَين العَبْد الى ان يكون مُدبرا اَوْ مَا بَين قيمَة الامة وام الْوَلَد
وان رَجَعَ احدهما غرم نصف ذَلِك على قِيَاس مَا ذكرنَا
اتلاف النِّكَاح
وَالسَّادِس اتلاف النِّكَاح اَوْ الزام النِّكَاح وَهُوَ ان يشْهد رجلَانِ بِنِكَاح امْرَأَة لرجل وَالرجل يدعيها وَالْمَرْأَة تنكره فَقضى القَاضِي بذلك ثمَّ رجعا عَن الشَّهَادَة فان القَاضِي لَا يبطل النِّكَاح برجوعهما وَلَا يغرمهما

(2/806)


شَيْئا للْمَرْأَة شَهدا بِمهْر مثلهَا اَوْ بِأَقَلّ من ذَلِك اَوْ بِأَكْثَرَ لانهما لم يتلفا عَلَيْهَا مَالا
وَلَو كَانَت الْمَرْأَة مدعية وَالرجل مُنْكرا والمسئلة بِحَالِهَا فَهُوَ كَذَلِك غير ان الْمهْر الذى شَهدا بِهِ كَانَ مهر مثلهَا اَوْ اقل فانهما لَا يغرمان شَيْئا للزَّوْج وان كَانَ الْمهْر الذى شَهدا بِهِ أَكثر من مهر مثلهَا غرما للرجل الْفضل على مهر الْمثل وَلَو رَجَعَ احدهما غرم نصف ذَلِك الْفضل
اتلاف الاجارة
وَكَذَلِكَ لَو شَهدا باجارة فان حكمهَا حكم النِّكَاح الى آخِره على الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
رُجُوع شاهدى الطَّلَاق
وَلَو شَهدا بِطَلَاق امْرَأَة وَالزَّوْج يُنكره وَقضى القَاضِي بذلك ثمَّ رجعا فان كَانَ الزَّوْج دخل بِالْمَرْأَةِ فانها لَا يغرمان شَيْئا لانه قد حصل لَهُ بدل الْمهْر وان لم يكن دخل بِالْمَرْأَةِ وَقد فرض لَهَا صَدَاقهَا فانهما يغرمان مَا غرم لامْرَأَته من نصف الصَدَاق فان رَجَعَ احدهما غرم نصف ذَلِك وَهُوَ ربع الصَدَاق وان لم يكن فرض لَهَا الصَدَاق فانهما يغرمان لَهُ مَا غرم لامْرَأَته من الْمُتْعَة فان رَجَعَ احدهما غرم نصف الْمُتْعَة
اتلاف حق
وَالسَّابِع اتلاف حق من الْحُقُوق وَهُوَ ان يشْهد رجلَانِ على رجل بانه رَاجع امْرَأَته وَقد كَانَ طَلقهَا اَوْ على انه قد عفى عَن دم كَانَ لَهُ

(2/807)


قبل رجل أَو على انه سلم شُفْعَة كَانَت لَهُ فِي شرك وَجوَار اَوْ انه سلم خيارا كَانَ لَهُ فى بيع أَو شِرَاء اَوْ على انه رأى الْمَبِيع وَرَضي بِهِ أَو كَانَ لَهُ خِيَار رُؤْيَة فى بيع وَمَا اشبهه وَقضى القَاضِي بذلك ثمَّ رجعا عَن الشَّهَادَة فانهما لَا يغرمان شَيْئا لانهما لم يتلفا مَالا وانهما انما يضمنَانِ اذا أتلفا على احدا مَالا
اتلاف عقد
وَالثَّامِن اتلاف عقد من الْعُقُود اَوْ الزام عقد وَهُوَ ان يشْهد رجلَانِ بِالْبيعِ وَالْبَائِع يُنكر وَالْمُشْتَرِي يدعى فَيَقْضِي القَاضِي بذلك فان الْمُشْتَرى لَا يحل لَهُ ان ينْتَفع بذلك وان كَانَت جَارِيَة لَا يحل لَهُ ان يَطَأهَا ان لم يكن قد وَقع بَينهمَا بيع وَشِرَاء فان رجعا عَن شَهَادَتهمَا ينظر فان كَانَ الثّمن مثل قيمَة الْمَبِيع اَوْ اكثر فانهما لَا يغرمان شَيْئا للْبَائِع برجوعهما لانهما اعطياه مثل مَا اخذا مِنْهُ وان كَانَ الثّمن اقل من قيمَة الْمَبِيع غرما ذَلِك الْفضل عى مَا وَصفنَا وان رَجَعَ أَحدهمَا غرم نصف ذَلِك الْفضل
وَلَو كَانَ البَائِع هُوَ الْمُدَّعِي للْبيع وَالْمُشْتَرِي مُنْكرا فَقضى القَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا ثمَّ رجعا عَن الشَّهَادَة نظرا الى الثّمن ايضا والى قيمَة الْمَبِيع فان كَانَت قيمَة الْمَبِيع مثل الثّمن اَوْ اكثر لم يغرما للمشترى شَيْئا لانهما اعطياه مثل مَا اخذا مِنْهُ وان كَانَت قيمَة الْمَبِيع اقل من الثّمن غرما لَهُ ذَلِك الْفضل وان كَانَ القَاضِي لم يقْض بِشَهَادَتِهِمَا شَيْئا حَتَّى رجعا فان القَاضِي يمسك عَن الْقَضَاء ويعزرهما عى مَا يرى كَمَا ذكرنَا

(2/808)


وَلَو انهما شَهدا على هبة على شَرط الْعِوَض اَوْ تَبْدِيل شَيْء بِشَيْء وكل شَيْء يكون اصله بيعا فَهُوَ على قِيَاس مَا ذكرنَا
بَاب الْكَرَاهِيَة
وَاعْلَم ان الْمَكْرُوه غير الْمحرم
وَالْمَكْرُوه مَا يكره اسْتِعْمَاله وان لم يكن حَرَامًا وَمن ذَلِك اسْتِقْبَال الْقبْلَة واستدبارها فِي الْخَلَاء وان يَبُول قَائِما وان يبدى من عَوْرَته شَيْئا يجد بدا مِنْهُ عِنْد حَاجته واستنجائه وان يَبُول فى المَاء اَوْ فِي المغسل اَوْ فِي الْمَوَارِد وَيكرهُ الاذان جنبا وَدخُول الْمَسْجِد وَكَذَلِكَ الا من عذر وَيكرهُ الْبَدَل فِي الصَّلَاة وَيكرهُ الِاخْتِصَار فِي الصَّلَاة وَهُوَ وضع الْيَد على الخاصرة وَيكرهُ اسْتِعْمَال الْحَصَى فِي الصَّلَاة وَيكرهُ اسْتِقْبَال الانسان ويكن الْمُرُور بَين يدى الْمصلى وَيكرهُ الِالْتِفَات فى الصَّلَاة والاشتغال عَن عمل الصَّلَاة وَيكرهُ النقش وَرفع الْبُنيان وتقعير الطيقان فِي الْمَسَاجِد وَيكرهُ فِي الْمَسَاجِد مَا لَيْسَ بِصَلَاة اَوْ ذكر الله تَعَالَى اَوْ قِرَاءَة الْقُرْآن وَالِاسْتِمَاع لَهُ وَالْعلم وَمَا اشبه ذَلِك وَيكرهُ للصَّائِم ان يُبَاشر أَو يقبل اذا اخشى على نَفسه
وَيكرهُ النّظر الى مَا لَا يحل من غير الْمحرم اذا خشِي على نَفسه
وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة يكره لَهَا ذَلِك وَيكرهُ لَهَا التبرج وان يطلع من لَيْسَ بِمحرم على مَا يخفى من الزِّينَة
وَيكرهُ ان يُزكي الرجل من أَرَادَ مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة وَلَكِن يُزكي

(2/809)


من جيده اَوْ الْوسط
وَيكرهُ النخع فِي الذّبْح وَهُوَ كسر الْعُنُق قبل ان تفارق الرّوح الْجَسَد
وَيكرهُ النفخ فى الْجلد
وَيكرهُ من السّمك الطافي والمنتن وَمن ذَوَات الرّوح اكل الْجِيَف وَمن اللحوم المثانة والغدة والحيا وَالذكر وَمَا اشبه ذَلِك
وَيكرهُ للرجل ان يخْطب على خطْبَة اخيه اَوْ يستام على سومه
وَيكرهُ النجش تلقى الركْبَان اذا اضر ذَلِك أهل الْبَلَد
وَيكرهُ التسعير
وَيكرهُ لمرأة ان تنْكح بِغَيْر اذن وَليهَا اذا لم يمتنعوا عَلَيْهِ فِيمَا هُوَ الصّلاح
وَيكرهُ الشّغَار
وَيكرهُ ان يُطلق الرجل امْرَأَته تطليقه بِمرَّة وَاحِدَة
وَيكرهُ ان يُرَاجع بِالْوَطْءِ والقبلة وان يُرَاجع بِغَيْر شُهُود وان يضار فِي الرّجْعَة وَالنَّفقَة وَالظِّهَار مَكْرُوه والايلاء كَذَلِك
وَيكرهُ ان يفضل الرجل بعض وَلَده بِالْعَطِيَّةِ الا يكون عوضا من مَعْرُوف
وَيَنْبَغِي للْقَاضِي ان يسوى مَا بَين الْخُصُوم فى الْمجْلس وان ينصفهم من لَحْظَة وَكَلَامه وَيكرهُ مَا سوى ذَلِك

(2/810)


وَيكرهُ جوائز السُّلْطَان فى هَذَا الزَّمَان
وكل من غلب الْحَرَام على مَاله
وان يُؤْكَل من طَعَامه وان تجاب دَعوته الا من ضَرُورَة اَوْ عذر
وَيكرهُ طَعَام الأَرْض الْمَغْصُوبَة وَالصَّلَاة فِيهَا وَالدُّخُول وَكَذَلِكَ يكره ان يمشي فى أَرض غَيره اذا كَانَ يضرّهُ
وَيكرهُ الْمثلَة بِالنَّاسِ وبالبهائم
وَيكرهُ ان يقتل الْحَرْبِيّ وَالْمُرْتَدّ قبل ان يُسْتَتَاب
وَيكرهُ ان تقتل الْمُرْتَدَّة
وَيكرهُ ترك السَّجْدَة عِنْد التِّلَاوَة فى الصَّلَاة وفى غير الصَّلَاة
وَيكرهُ ان يتَّخذ الرجل شَيْئا من الْقُرْآن فيقرأه فِي الصَّلَاة وَلَا يُجَاوز الى غَيره
وَيكرهُ ان يحمل الْجِنَازَة بَين عودى الْجِنَازَة
وَتكره الصَّلَاة على النَّصَارَى
وَتكره ان يُصَلِّي وَفَوق رَأسه بالسقف وبحذائه صُورَة معلقَة اَوْ فِي الْبَيْت تصاوير
وَيكرهُ شدّ الاسنان بِالذَّهَب اذا انْكَسَرت
وَيكرهُ الادهان فِي آنِية الْفضة
وَيكرهُ لمن بَانَتْ مِنْهُ ان يُعِيدهَا
وَيكرهُ ان يقبل يَد رجل اَوْ فَمه اَوْ شَيْئا مِنْهُ
وَكره ابو حنيفَة المعانقة
وَرُوِيَ عَن ابي يُوسُف انه قَالَ لَا بَأْس بهَا
وَيكرهُ للرجل ان يَجْعَل الرَّايَة فى عنق عَبده وَلَا يكره لَهُ ان يُقَيِّدهُ

(2/811)


وَيكرهُ ابْتِدَاء الْمُسلم الْكَافِر بِالسَّلَامِ
وَيكرهُ بيع السِّلَاح من أهل الْفِتْنَة
وَيكرهُ للْمَرْأَة الْحرَّة ان تُسَافِر سفرا يكون ثَلَاثَة ايام فَصَاعِدا الا مَعَ زوج اَوْ مَعَ ذى رحم وَلَا يكره ذَلِك للمملوكات وامهات الاولاد
وَيكرهُ كسب الخصيان من بني آدم وملكهم واستخدامهم
وَالله اعْلَم

(2/812)