النتف في الفتاوى

كتاب الْوَصَايَا
{كتب عَلَيْكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت إِن ترك خيرا الْوَصِيَّة للْوَالِدين والأقربين بِالْمَعْرُوفِ حَقًا على الْمُتَّقِينَ} الْبَقَرَة
{فَمن خَافَ من موص جنفا أَو إِثْمًا فَأصْلح بَينهم فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} الْبَقَرَة

(2/813)


وَالْوَصِيَّة انما تجرى فِي الْأَصْلَيْنِ
فِي الْعين والنفع
الْوَصِيَّة بِالْعينِ
فالعين على ثَلَاثَة اوجه
الْعقار وَالْحَيَوَان والامتعة وَلَا خلاف فِي ذَلِك
الْوَصِيَّة بالنفع
والنفع على أَرْبَعَة أوجه
1 - الْخدمَة 2 والسكن 3 وَالرُّكُوب 4 وَالْغلَّة وفيهَا اخْتِلَاف
فَقَالَ الْحسن بن صَالح الْوَصِيَّة فِيهَا بَاطِلَة لَا تجوز وفى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه هِيَ جَائِزَة
وَنَفَقَة العَبْد وَالدَّابَّة وَالْكِسْوَة على الْمُوصى لَهُ فاذا مَاتَ الْمُوصى لَهُ رجعت الى الْوَرَثَة فاذا اوصى بِخِدْمَة عَبده لرجل ابدا مَا عَاشَ وَلَا مَال لَهُ غير العَبْد فانه يخْدم الْوَرَثَة يَوْمَيْنِ ويخدم الْمُوصى لَهُ يَوْمًا وعَلى الْمُوصى لَهُ ثلث النَّفَقَة وَالْكِسْوَة وعَلى الْوَرَثَة الثُّلُثَانِ
وَلَيْسَ للْمُوصى لَهُ ان يُؤجر الدَّار وَالْعَبْد وَالدَّابَّة فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه
وَله ذَلِك فى قَول الشَّافِعِي وَمَالك وَاللَّيْث بن سعد لانه قد اسْتحقَّهَا فى الْمدَّة
من لَا يجوز ان يوصى اليهم
وَلَا يجوز ان يوصى الى اربعة نفر
احدهم الْكَافِر
وَالثَّانِي الْمَجْنُون

(2/814)


وَالثَّالِث عَبده
فِي قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وابي عبد الله وَالشَّافِعِيّ
واما فِي قَول ابي حنيفَة ان كَانَ فِي الْوَرَثَة كبار لم يجز وان كَانُوا صغَارًا فَهُوَ جَائِز فان كَانَ فيهم كَبِير كَانَ وَصِيّا للصغار وجاله فى الْوَصِيَّة كَحال الْوَكِيل فى الْوكَالَة
وَالرَّابِع الصَّبِي فَأن اوصى الى أحد الى ان يدْرك الصَّبِي ثمَّ يكون هُوَ وَصِيّا جَازَ ذَلِك وان اوصى الى فَاسق كَانَ وَصِيّا الا ان الْحَاكِم يُخرجهُ من الْوَصِيَّة ويبدل احدا مَكَانَهُ
من لَا وَصِيَّة لَهُم
وَلَا وَصِيَّة لثَلَاثَة نفر
أحدهم الْوَارِث الا ان يُجِيزهُ الْوَرَثَة وهم كبار
وَالثَّانِي الْكَافِر وَالْحَرْبِيّ وان اجازتها الْوَرَثَة
وَالثَّالِث الْقَاتِل لَا وَصِيَّة لَهُ الا ان يُجِيزهُ الْوَرَثَة فى قَول مُحَمَّد وَالشَّيْخ وفى قَول ابي يُوسُف لَا تجوز الْبَتَّةَ وفى قَول الاوزاعي هِيَ جَائِزَة
وَالْخَطَأ والعمد فى ذَلِك سَوَاء
من تجوز الْوَصِيَّة لَهُم
وَتجوز الْوَصِيَّة لخمسة عشر نَفرا وهم
أحدهم الْغَنِيّ
الثَّانِي الْفَقِير
الثَّالِث الْحر
الرَّابِع العَبْد

(2/815)


الْخَامِس الذِّمِّيّ
السَّادِس الْمُسْتَأْمن
السَّابِع المستور
الثَّامِن الْفَاسِق
التَّاسِع البدعي
الْعَاشِر السّني
الْحَادِي عشر الْقَرِيب
الثَّانِي عشر الْبعيد
الثَّالِث عشر الرجل
الرَّابِع عشر الْمَرْأَة
الْخَامِس عشر لما فى الْبُطُون
مَا لَا تجوز الْوَصِيَّة فِيهِ
وَلَا تجوز الْوَصِيَّة فى سَبْعَة اشياء وان اجازها الْوَرَثَة
أَحدهَا فى الْمعاصِي وَهُوَ ان يُوصي ان يشترى خمر ويسقي النَّاس أَو تستأجر النائحة اَوْ تبنى كَنِيسَة اَوْ بيعَة اَوْ بَيت النَّار اَوْ بَيت الوثن
وَالثَّانِي فِي افساد شَيْء مثل ان يوصى بِأَن يخرب دَاره اَوْ يحرق اَوْ تقلع اشجاره اَوْ يسود بَابه اَوْ تكسر امتعته وَنَحْوه
وَالثَّالِث فِي تبذير المَال وَهُوَ ان يوصى ان يشيد قَبره اَوْ يبْنى عَلَيْهِ بَيت اَوْ يكْتب عَلَيْهِ اسْمه اَوْ يَجْعَل فى قَبره كَذَا من الْآجر وَكَذَا من الْخشب وَنَحْوه
وَالرَّابِع فِي التَّكْفِين بِغَيْر السّنة

(2/816)


وَالْخَامِس فِي ان يُكفن بالديباج وَالْحَرِير وَالْميتَة وَمَا يكره مِنْهَا من المصبوغات وجلود السبَاع وَنَحْوه
وَالسَّادِس ان يحمل جثمانه من بلد الى آخر وَيحْتَاج الى مُؤنَة وَنَفَقَة فِي ذَلِك
وَالسَّابِع ان يُوصي بِأَن يدْفن فِي دَاره فَلَا يجوز الا ان يَجْعَل دَاره مَقْبرَة لِقَرَابَتِهِ وللمسلمين فَيجوز
الْوَصِيَّة بِأَكْثَرَ من الثُّلُث
وَلَو اوصى بِأَكْثَرَ من الثُّلُث واجازتها الْوَرَثَة جَازَت
مَا يُؤْخَذ من رأسمال التَّرِكَة
وَخَمْسَة عشر شَيْئا تُؤْخَذ من رَأس المَال المخلف عَن الْمَيِّت
أَحدهَا مَا يُنْفِقهُ فى مَرضه على نَفسه اَوْ على عِيَاله
وَالثَّانِي ثمن سلْعَة اشْتَرَاهَا فى مَرضه بِثمن مثلهَا
وَالثَّالِث اجرة اجير اسْتَأْجرهُ فى مَرضه بِأَجْر مثله

(2/817)


وَالرَّابِع مهر امْرَأَة تزَوجهَا فى مَرضه بِمهْر مثلهَا اَوْ بِأَقَلّ
وَالْخَامِس الْكَفَن
وَالسَّادِس حنوط مثلَة
وَالسَّابِع اجْرِ الحفار والحمال الى قَبره
وَالثَّامِن عتق ام وَلَده واولادها من غَيره بَعْدَمَا صَارَت ام ولد سَوَاء أكانوا من الْحَلَال اَوْ من الْحَرَام
وَالتَّاسِع حُقُوق النَّاس كلهَا
والعاشر مَا اقر بِهِ فى مَرضه للاجانب فَهَذِهِ كلهَا من رَأس المَال
مَا يُؤْخَذ من ثلث التَّرِكَة
وَسَبْعَة تُؤْخَذ من ثلث التَّرِكَة
أَحدهَا وَصَايَاهُ كلهَا
وَالثَّانِي هباته فى مَرضه
وَالثَّالِث صدقاته فى مَرضه
وَالرَّابِع محاباته فى البيع وَالشِّرَاء والاجارة والاستئجار والمهور
وَالْخَامِس عتق مكاتبيه فى مَرضه
وَالسَّادِس عتق مدبريه
وَالسَّابِع حُقُوق الله كلهَا مثل الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالْحج وَالزَّكَاة من الْكَفَّارَات والتذور اذا اوصى بهَا فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وابي عبد الله
وَعند أهل الحَدِيث هى ايضا كلهَا من رَأس المَال
مَا لَا يجوز للْوَارِث التَّصَرُّف فِيهِ
وَلَا يجوز من تصرف الانسان للْوَارِث سَبْعَة اشياء
أَحدهَا الْوَصِيَّة
وَالثَّانِي الْهِبَة

(2/818)


وَالثَّالِث الصَّدَقَة
وَالرَّابِع الْمُحَابَاة فِي البيع وَالشِّرَاء
وَالْخَامِس الاقرار بِالْمَالِ
وَالسَّادِس الابراء عَن مَال كَانَ عيه
وَالسَّابِع الْحَط من الثّمن اذا بَاعَ مِنْهُ شَيْئا الا ان يُجِيزهُ الْوَرَثَة
واذا اوصى بِشَيْء فاجازه الْوَرَثَة فى حَيَاته ثمَّ رجعُوا بعد وَفَاته فَلهم ذَلِك فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وابي عبد الله وفى قَول ابْن ابي ليلى وَاللَّيْث بن سعد لَهُم ان يرجِعوا بِمَا جازوه وفى قَول مَالك ان اجازوه فِي صِحَّته فَلهم ان يرجِعوا بعد مَوته وان اجازوه فى مَرضه فَلَيْسَ لَهُم ان يرجِعوا
الْوَصِيَّة من حَيْثُ الْوُجُوب وَالصِّحَّة
وَالْوَصِيَّة على وَجْهَيْن فَرِيضَة وفاسدة
فالمفروضة على وَجْهَيْن
أَحدهمَا بِحُقُوق النَّاس وَهِي كلهَا من رَأس المَال
وَالثَّانيَِة بِحُقُوق الله وَهِي كلهَا من الثُّلُث فى قَول ابي حنيفَة وَذَلِكَ اذا كَانَ فى المَال كَثْرَة وفى الْوَرَثَة قلَّة فَلهُ ان يُوصي الى ثلث مَاله فان كَانَ فى المَال قلَّة وفى الْوَرَثَة كَثْرَة فالافضل ان يتْرك المَال عَلَيْهِم فاذا

(2/819)


اوصى فَلَا يبلغ الى الثُّلُث لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَان يدع احدكم وَارثه غَنِيا خيرا من ان يَدعه فَقِيرا يَتَكَفَّف النَّاس
وَالثَّانِي فى تقوى الله تَعَالَى وطاعته
واما الْفَاسِدَة فعلى سِتَّة اوجه
أَحدهَا فى الْمعاصِي
وَالثَّانِي فى المكروهات
وَالثَّالِث فَوق الثُّلُث الا ان يجيزها الْوَرَثَة
وَالرَّابِع للحربي
وَالْخَامِس للْقَاتِل على الِاخْتِلَاف الذى ذَكرْنَاهُ
وَالسَّادِس للْوَارِث الا ان يجيزها الْوَرَثَة
حكم الْوَصِيَّة
وَحكم الْوَصِيَّة على خَمْسَة اوجه
1 - للْوَصِيّ
2 - وَالْوَصِيَّة
3 - الْمُوصى بِهِ
4 - وَالْمُوصى اليه
5 - الْمُوصى لَهُ
فَأَما الْمُوصى فان وَصِيَّة كل موص جَائِزَة الا نفسين الْمَجْنُون وَالْعَبْد لَان مَاله لسَيِّده

(2/820)


وَصِيَّة الصَّبِي وَالْمَعْتُوه
وَتجوز وَصِيَّة الصَّبِي اذا كَانَ عَاقِلا وَوَصِيَّة الْمَعْتُوه اذا عقل
وَصِيَّة الْمُرْتَد
وَوَصِيَّة الْمُرْتَد اذا اوصى لمُسلم اَوْ لذِمِّيّ اَوْ فى شَيْء من أَعمال الْبر فانه جَائِز كَمَا يجوز للْمُسلمِ
الرُّجُوع فى الْوَصِيَّة وَمَا اليه
وَيجوز للْمُوصى ان يرجع عَن الْوَصِيَّة وَيجوز ان يزِيد فِيهَا وَيجوز ان ينقص مِنْهَا
انواع الرُّجُوع فى الْوَصِيَّة
وَالرُّجُوع على وَجْهَيْن بقول اَوْ بِفعل
فَالْقَوْل ان يَقُول رجعت عَنْهَا
وَلَو أوصى بِثَوْب لفُلَان ثمَّ اوصى بِهِ لرجل آخر لم يكن رُجُوعا فى قَول فقهائنا وَهُوَ لَهُم جَمِيعًا وان قَالَ الثَّوْب الذى اوصيت بِهِ لفُلَان فقد اوصيت بِهِ لفُلَان فَهَذَا من الرُّجُوع وَهُوَ للثَّانِي
وَأما الرُّجُوع بِالْفِعْلِ فَهُوَ ان يوصى بِعَبْد لرجل اَوْ قَالَ اعتقوه ثمَّ بَاعه اَوْ وهبه فانه رُجُوع عَن الْوَصِيَّة فان اشْتَرَاهُ فى مَرضه اَوْ وَرثهُ اَوْ ملكه بِوَجْه من الْوُجُوه لم تعد الْوَصِيَّة فان مَاتَ كَانَ للْوَرَثَة
وَلَو آجره اَوْ اعاره اَوْ رَهنه اَوْ استخدمه فَلَيْسَ بِرُجُوع فِي الْوَصِيَّة
وَلَو اعتقه اَوْ دبره اَوْ كَانَت امة فاستولدها فَهُوَ رُجُوع
وَكَذَلِكَ واوصى بِثَوْب لرجل ثمَّ قطعه قَمِيصًا اَوْ سَرَاوِيل فانه رُجُوع وَلَو غسله فَلَيْسَ بِرُجُوع

(2/821)


وَكَذَلِكَ لَو اوصى بدار ثمَّ طينها فَلَيْسَ بِرُجُوع
وَلَو هدمها لم يكن رُجُوعا فى قَول فقهائنا
وعَلى هَذَا الْقيَاس هَذَا الْبَاب
الْمُوصى بِهِ
واما الْمُوصى بِهِ فانه على وَجْهَيْن مَعْلُوم ومجهول
فَأَما الْمَعْلُوم فَهُوَ على وَجْهَيْن معِين وموصوف
فَأَما الْمعِين فَهُوَ ان يوصى لرجل بِعَبْد اَوْ بغرس اَوْ بدار وَنَحْوه وعينه فَيكون ذَلِك الْمُوصى لَهُ
وَأما الْمَوْصُوف فَهُوَ ان يوصى لرجل بِسَهْم اَوْ نصيب من مَاله فانه ينظر الى سِهَام الْوَرَثَة فَيجْعَل لَهُ سهم مِنْهَا مَا لم يتَجَاوَز الثُّلُث فان تجَاوز الثُّلُث رد الى الثُّلُث ثمَّ يقسم مَا بقى بَين الْوَرَثَة فَلَو ترك ابْنا وَامْرَأَة فان كَانَت الْفَرِيضَة من ثَمَانِيَة فَلهُ سهم ثمَّ تقسم السَّبْعَة وَتصير بَين الابْن وَالْمَرْأَة على ثَمَانِيَة اسهم للْمَرْأَة سهم وللابن سَبْعَة اسهم
وَلَو ترك ابْنَيْنِ وَامْرَأَة فالفريضة سِتَّة عشر سَهْما فللموصى لَهُ سهم ثمَّ يقسم مَا بقى بَينهم على سِتَّة عشر سَهْما للْمَرْأَة سَهْمَان وَلكُل ابْن سَبْعَة أسْهم
وَلَو ترك ثَلَاث بَنِينَ وَامْرَأَة فالفريضة من اربعة وَعشْرين سَهْما للْمُوصى لَهُ سهم ثمَّ يقسم مَا بقى بَينهم على أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما لمرأة ثَلَاثَة اسهم وَلكُل ابْن سَبْعَة وعَلى هَذَا مَا اشبهه وَهَذَا قَول الشَّيْخ مُحَمَّد ابْن صَاحب
وفى قَول عُثْمَان البتي اذا اوصى لرجل بِسَهْم من مَاله فَلهُ السُّدس
وفى قَول زفر وابي عبد الله ينظر الى السِّهَام فان كَانَت سِتَّة فَصَاعِدا اعطى سَهْما ثمَّ يقسم مَا بقى بَين الْوَرَثَة وان كَانَت السِّهَام أقل من سِتَّة

(2/822)


اعطى السُّدس لَا يُزَاد على ذَلِك
وَفِي قَول ابى حنيفَة وابى يُوسُف يُزَاد على السِّهَام سهم وَاحِد الا ان تكون السِّهَام اقل من خَمْسَة فَيكون لَهُ السُّدس
وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد عَن ابى يُوسُف يُزَاد على السِّهَام سهم الا ان يزِيد على الثُّلُث فَلَا يُزَاد
الْوَصِيَّة بِالْمَجْهُولِ
واما الْمَجْهُول فانه على عشرَة اوجه
احدها ان يَقُول اعطوا فلَانا شَيْئا من مَالِي اَوْ جُزْءا اَوْ بَعْضًا أَو طَائِفَة اَوْ حظا اَوْ مَا شِئْتُم اَوْ مَا احببتم اَوْ مَا شَاءَ الْوَصِيّ اَوْ مَا احب الْوَصِيّ اَوْ مِقْدَارًا فان حكم هَذَا كُله وَاحِد ويعطونه مَا شَاءَ من قَلِيل اَوْ كثير
وَلَو قَالَ اعطوه ثوبا من ثِيَابِي اَوْ شَاة من شياهي اَوْ بقرة من بقري اَوْ شَجَرَة من شجري يعطونه مَا شَاءُوا من ذَلِك جيدا اَوْ رديئا اَوْ وسطا وَهَذَا ايضا مَجْهُول الا انه مَعْلُوم الْجِنْس
الْمُوصى لَهُ
واما الْمُوصى لَهُ فَهُوَ على وَجْهَيْن
حر وَعبد
فَأَما الْحر فعلى سَبْعَة اوجه
أَحدهَا ان يُوصي لَاحَدَّ ورثته فانه لَا يجوز الا أَن يجيزها الْوَرَثَة وهم كبار بِلَا خلاف
وَلَو اوصى لعبد وَارثه اَوْ لمكاتب وَارثه فانه جَائِز فى قَول مَالك فِي الشئ التافه وَلَا يجوز ذَلِك ايضا فى قَول ابى حنيفَة وصاحبيه وابي عبد الله وَسَائِر النَّاس

(2/823)


وَالثَّانِي ان يُوصي لاقاربه فَقَالَ مَالك هِيَ لذى حَاجَة من اقاربه الاقرب فالاقرب مِنْهُم وَلَا يدخلهَا الا من كَانَ من قبل الاب والعمة وَبنت الاخ وَيُعْطِي الْفُقَرَاء حَتَّى يغنوا ثمَّ يعْطى الاغنياء
وَقَالَ ابو حنيفَة وابو عبد الله هى لذى الرَّحِم الْمحرم
وَقَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد هى لكل ذى رحم محرم الى اقصى اب فى الاسلام
وَقَالَ الشَّافِعِي وَاللَّيْث بن سعد هى لِقَرَابَتِهِ كلهم لَا يفضل اُحْدُ مِنْهُم لحَاجَة وَلَا قرَابَة من قبل الاب والام والغني وَالْفَقِير لَان اسْم الْقَرَابَة يشملهم
وَالثَّالِث ان يُوصي لجيرانه فَقَالَ الشَّافِعِي الْجِيرَان اربعون دَارا من كل نَاحيَة
وَقَالَ ابو يُوسُف وابو حنيفَة هى للملاصقين من السكان وَغَيرهم وَمن لَهُ دَار وَلَيْسَ سَاكِنا فِيهَا فَلَيْسَ من الْجِيرَان
وَقَالَ مُحَمَّد هى لجَماعَة مَسْجِد تِلْكَ الْمحلة وجيرانه الملاصقين فى تِلْكَ الْمحلة
وَقَالَ ابو يُوسُف الْجِيرَان اهل الْمحلة وان تفَرقُوا فِي مسجدين بعد ان يَكُونُوا فى مسجدين صغيرين متقاربين فاذا تباعدوا فَلِكُل مَسْجِد جِيرَانه دون الاخرين
وَالرَّابِع ان يوصى لمواليه وَله موالى فَوق وموالى تَحت فَقَالَ ابو حنيفَة وصاحباه الْوَصِيَّة بَاطِلَة اذا لم يبين وَهُوَ كمن اوصى لزيد وَلم يبين
وَفِي قَول ابي عبد الله وابي يُوسُف وَرِوَايَة عَن مَالك هُوَ للاسفل دون الاعلى
وَقَالَ الشَّيْخ هُوَ على الْعرف فان اشْتبهَ وَلم يكن اُحْدُ الصِّنْفَيْنِ اشهر

(2/824)


يهذا الِاسْم من الاخر بطلت الْوَصِيَّة وَلَو كَانَ احدهما اشهر واغلب بِهَذَا الِاسْم من الاخر فَالْوَصِيَّة لَهُم
وَلَو اوصى لموَالِي تَحْتَهُ وَله مدبرون وامهات اولاد يعتقون بعد الْمَوْت فَقَالَ مَالك يدْخلُونَ فى الْوَصِيَّة وَقَالَ ابو حنيفَة وصاحباه لَيْسَ لَهُم شَيْء
وَالْخَامِس ان يُوصي لبني فلَان وهم قَبيلَة لَا يُحصونَ فَقَالَ مَالك هُوَ جَائِز ويعطون على الإجتهاد لاننا لَا نعلم أَنه أَرَادَ أَن يعم
وَقَالَ ابو حنيفَة وصاحباه وابو عبد الله الْوَصِيَّة بَاطِلَة لاننا لَا نعلم كم هُوَ نصيب كل انسان مِنْهُم
وَلَو اوصى لولد فلَان وَولد وَلَده فَقَالَ مَالك لَا يدْخل فِيهِ اولاد الْبَنَات
وَقَالَ ابو حنيفَة وصاحباه وابو عبد الله والشافعى يدْخلُونَ
وَالسَّادِس ان يُوصي لصنف من النَّاس مثل ابناء السَّبِيل اَوْ الغارمين اَوْ الْيَتَامَى اَوْ الارامل اَوْ الْمُجَاهدين اَوْ الزمنى اَوْ العميان اَوْ اهل السجون فهى جَائِزَة وهى للمحتاجين مِمَّن سمى لَان المُرَاد بهَا اهل الْحَاجة دون غَيرهم
وَلَو قَالَ ثلث مَالِي لاهل بلد كَذَا اَوْ قَالَ للسودان اَوْ للبيضان اَوْ قَالَ للشيوخ اَوْ قَالَ للشباب اَوْ للصبيان وَمَا اشبه فَالْوَصِيَّة بَاطِلَة لَان هَذِه الاسامي لم تسْتَعْمل للْحَاجة وَلَا يُحْصى أَهلهَا وَتبطل الْوَصِيَّة
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ للعوران اَوْ العرجان اَوْ للمرضى اَوْ للاصحاء فَالْوَصِيَّة فِي ذَلِك كُله بَاطِلَة
وَلَو قَالَ لمحتاجي السودَان اَوْ البيضان اَوْ قَالَ لمحتاجي الشُّيُوخ اَوْ

(2/825)


الشَّبَاب اَوْ الصّبيان اَوْ أحد مِمَّن ذكرنَا فَوق هَذَا فَهُوَ جَائِز يصرف فِيمَن شَاءَ من محتاجي ذَلِك الْجِنْس
وَلَو قَالَ اوصيت بِثلث مَالِي لشيوخ هَذِه الْقرْيَة اَوْ لشبانها اَوْ اُحْدُ مِمَّن ذكرنَا فَهُوَ جَائِز ايضا لانهم يُحصونَ وَيقسم على عَددهمْ
وَالسَّابِع ان يُوصي بِثلث مَاله لرجل بِعَيْنِه اَوْ رجلَيْنِ بعينهما اَوْ جمَاعَة بأعيانهم فَهُوَ جَائِز
وَلَو اوصى ان ينْفق على فلَان كل شهر عشرَة دَرَاهِم فَقَالَ زفر وابو عبد الله وابو حنيفَة يعْزل الثُّلُث فينفق مِنْهُ كل شهر عشرَة دَرَاهِم فان مَاتَ وَقد بقى مِنْهُ شَيْء رد على الْوَرَثَة
وان هلك مَا عزل قبل ان ينْفق مِنْهُ شَيْء هلك على الْمُوصى لَهُ
وَقَالَ ابو يُوسُف وَالْحسن يُوقف لتَمام مائَة سنة من عمره فان كَانَ ابْن اربعين وقف لَهُ من ثمنه لكل شهر عشرَة دَرَاهِم وَيرد مَا بقى على الْوَرَثَة بِضَمَان ثِقَة
فان تلف قبل ان ينْفق مِنْهُ شئ رَجَعَ على الْوَرَثَة بِثلث مَا بقى وان كَانَ انفق مِنْهُ شئ رَجَعَ بِتمَام الثُّلُث مَعَ مَا انفق
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن يُوقف من ثلثه لسَبْعين سنة لَا لمِائَة لَان اعمار النَّاس هَذَا على الاغلب من هَذِه الامة
واما العَبْد فعلى سَبْعَة اوجه
احدها ان يُوصي لعبد بِنَفسِهِ بشئ فانه لَا يجوز
وَالثَّانِي ان يُوصي لعبد وَارثه فانه ايضا كالاول بَاطِل
وَالثَّالِث أَن يُوصي لعبد رجل غير وَارِث فانه جَائِز وَهُوَ مولى العَبْد
وَالرَّابِع ان يُوصي لمدبره فَهُوَ جَائِز من الثُّلُث

(2/826)


وَالْخَامِس ان يُوصي لَام وَلَده فَهُوَ جَائِز ايضا من الثُّلُث
وَالسَّادِس ان يُوصي لعَبْدِهِ بِرَقَبَتِهِ فَهُوَ جَائِز وَكَانَ مُدبرا وَيعتق من الثُّلُث بعد مَوته
وَالسَّابِع ان يُوصي لعَبْدِهِ بِثلث مَاله فَالْوَصِيَّة جَائِزَة ايضا وَيعتق ثلث رقبته وَيُعْطِي ثلث مَا بقى من مَاله
وان كَانَ مَا بقى من مَاله دَرَاهِم اَوْ دَنَانِير قاسوه بِمَا عَلَيْهِ من السّعَايَة فان فضل لَهُ فضل اخذه وان فضل عَلَيْهِ رده
الْمُوصى اليه
واما الْمُوصى اليه فَهُوَ الْوَصِيّ
واذا اوصى الى رجل فللرجل ان يقبل ذَلِك وان شَاءَ رد فاذا قبل فَلهُ ان يرد ذَلِك وَلَا يكون ردا حَتَّى يردهَا فى وَجهه
واذا اوصى اليه فَقَالَ لَا أقبل فِي غير وَجهه فَلهُ ان يقبل بعد ذَلِك فى قَول ابى يُوسُف وَمُحَمّد وَالْحسن بن زِيَاد وابى عبد الله
وَفِي قَول زفر ان قَالَ لَا اقبل فى وَجهه اَوْ فى غير وَجهه فى حَيَاته اَوْ بعد مَوته فَلَيْسَ لَهُ ان يقبل بعد ذَلِك
مَا للْوَصِيّ فعله فِي مَال الْيَتِيم
وللموصى ان يتجر بِمَال الْيَتِيم وَيدْفَع مَاله مُضَارَبَة
وان يُشَارك بِهِ انسانا فِي قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وابي عبد الله وَمَالك وَفِي قَول ابْن ابي ليلى وَاللَّيْث بن سعد لَيْسَ لَهُ ذَلِك
واذا مَاتَ الْوَصِيّ وَقد اوصى لرجل فَقَالَ الشَّافِعِي وَابْن ليلى هُوَ وصّى الاخر خَاصَّة

(2/827)


وَقَالَ ابو حنيفَة وصاحباه وابو عبد الله وَمَالك وَالشَّيْخ هُوَ وَصِيّ لَهما جَمِيعًا
نَفَقَة الْوَصِيّ
وَيجوز للْوَصِيّ أَن يَأْكُل من مَال الْيَتِيم قرضا اَوْ غَيره بِقدر مَا يعْمل لَهُ اذا لم يضر بِالصَّبِيِّ فى قَول ابي عبد الله وَاللَّيْث بن سعد وَالْحسن بن صَالح
وَفِي قَول ابي حنيفَة وَمُحَمّد وسُفْيَان لَيْسَ لَهُ ذَلِك
وَقَالَ الشَّيْخ لَيْسَ لَهُ ذَلِك مَا دَامَ مُقيما فِي الْمصر فاذا اخْرُج فِي مَتَاع لَهُم اَوْ تقاضي دين انفق واكتسى وَركب بِالْمَعْرُوفِ واذا رَجَعَ رد الثِّيَاب وَالدَّابَّة وَذَلِكَ شَبيه بالمضاربة
ابتياع الْوَصِيّ من مَال الْيَتِيم
وللموصى ان يبْتَاع من مَال الْيَتِيم وَهُوَ انه يَأْخُذهُ بِمَا يَقُول على غَيره من الثّمن اذا اراد ان يَأْخُذهُ لنَفسِهِ فِي قَول مَالك وَابْن ابي ليلى وَاللَّيْث ابْن سعد
وَقد رُوِيَ عَن ابي حنيفَة انه قَالَ ان كَانَ خيرا للْيَتِيم اجزت والا ابطلت
وَفِي قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وابي عبد الله وَزفر وَالشَّافِعِيّ وابي حنيفَة انه لَا يَشْتَرِي من مَال الْيَتِيم شَيْئا وَلَا يَبِيع مِنْهُ شَيْئا
وان كَانَا وصيين فَلَيْسَ لاحدهما ان يَبِيع شَيْئا اَوْ يَشْتَرِي اَوْ يُؤَاجر أَو يسْتَأْجر الا بِاتِّفَاق الآخر سوى مَا تدفع اليه الضَّرُورَة من طَعَام اَوْ كسْوَة اَوْ كفن اَوْ قَضَاء دين اَوْ وَصِيَّة بِعَينهَا ان ينفذها اَوْ وَدِيعَة بِعَينهَا

(2/828)


ان يردهَا اَوْ خُصُومَة فِيمَا يَدعِي على الْمَيِّت وللوارث غير الْوَصِيّ ان يفعل هَذِه الاشياء ايضا وَلَيْسَ لَهُ ان يفعل مَا سوى هَذِه فِي قَول ابي حنيفَة وَمُحَمّد وابي عبد الله وَزفر وَالْحسن بن زِيَاد وَرُوِيَ عَن ابي يُوسُف انه قَالَ هُوَ جَائِز
واذا اخْتلف الوصيان فِي المَال عِنْد من يكون فَقَالَ مَالك يكون عِنْد افضلهما فان أبهما ختم وَوضع على يَدي عدل وان كَانَا فِي الْفضل سَوَاء نظر السُّلْطَان فَدفعهُ الى احدهما
وَقَالَ ابو حنيفَة وصاحباه وابو عبد الله ان جعلاه عِنْد احدهما جَازَ ذَلِك وان اودعاه رجلا جَازَ ايضا وان قسماه فَأخذ كل وَاحِد مِنْهُمَا طَائِفَة تكون عِنْده جَازَ ذَلِك
وَالْحكم فِيمَا فَوق الْوَصِيّين كَمَا وَصفنَا فى الْوَصِيّين
الْوَصِيَّة بِكُل المَال
وان اوصى الرجل بِمَالِه لانسان وَلَا وَارِث لَهُ جَازَ ذَلِك فِي قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وابي عبد الله وَشريك وَلَا يجوز لَهُ فَوق الثُّلُث فِي قَول الشَّافِعِي وَمَالك والاوزاعى قَالَ واذا اوصى لعَبْدِهِ ان يخْدم فلَانا سنة ثمَّ هُوَ حر اَوْ قَالَ هُوَ حر بعد موتى بِشَهْر اَوْ قَالَ اعتقوه بعد موتى بِشَهْر يُقَال للْوَرَثَة اجيزوا الْوَصِيَّة والا فاعتقوه من الثُّلُث فان اجازوا عتق بعد الشَّهْر
وَقَالَ ابو حنيفَة وصاحباه وابو عبد الله يخْدم الْمُوصى لَهُ يَوْمًا وَالْوَرَثَة يَوْمَيْنِ حَتَّى تمْضِي ثَلَاث سنوات ثمَّ يعْتق
واذا قَالَ هُوَ حر بعد موتِي بِشَهْر لم يعْتق حَتَّى يَمُوت
وَيبدأ من مَال الْمَيِّت الْكَفَن وَمَا يُجهز بِهِ الى قَبره ثمَّ بالديون ثمَّ بالوصايا من الثُّلُث لمن اوصى لَهُ بِالثُّلثِ ثمَّ بِالْمِيرَاثِ

(2/829)