النتف في
الفتاوى كتاب الْخطر والاباحة
اعْلَم ان الْقَضَاء لَا يهدم بِالْقضَاءِ
والرأي لايهدم الرَّأْي
وَالْقَضَاء يهدم الرَّأْي وَلَا يهدم الْقَضَاء
فاما الْقَضَاء الَّذِي لَا يهدم الْقَضَاء فَهُوَ ان يكون فِيمَا فِيهِ
خلاف الْفُقَهَاء لَان الْقَضَاء من القَاضِي على ثَلَاثَة اوجه
احدها ان يكون فِيمَا لَا خلاف فِيهِ انه حق فقضي بِهِ قَاض من قَضَاء
الْمُسلمين فَلَيْسَ لَاحَدَّ من الْقُضَاة ان ينْقض قَضَاء الى يَوْم
الْقِيَامَة
وَالثَّانِي ان يكون فِيمَا لَا خلاف فِيهِ انه بَاطِل غير حق فقضي بِهِ
قَاض من قُضَاة الْمُسلمين فان قَضَاءَهُ ذَلِك لَا يَصح وَلمن بعده من
الْقُضَاة ان يردهُ
وَالثَّالِث ان يكون فِيمَا فِيهِ خلاف انه حق اَوْ بَاطِل فقضي بِهِ قَاض
من قُضَاة الْمُسلمين على قَول من اقاويل الْعلمَاء وامضاه فانه جَائِز
صحّح وَلَيْسَ لَاحَدَّ من الْقُضَاة ان ينْقض قَضَاءَهُ بعده الى يَوْم
الْقِيَامَة وان كَانَ رَأْيه بعده خلاف رَأْيه فِي تِلْكَ المسئلة
قَضَاء الحكم
واما اذا كَانَ هَذَا الْقَضَاء من حكم وَهُوَ عَالم من عُلَمَاء
الْمُسلمين لم يوله الْقَضَاء اُحْدُ من الامراء فَقضى بِرَأْيهِ مِمَّا
يرى بَين الْمُسلمين اَوْ
(2/859)
الذميين ثمَّ دفع ذَلِك الى قَاض من قُضَاة
الْمُسلمين فان لهَذَا القَاضِي ان يرد قَضَاءَهُ وَيَقْضِي بَينهم
بِرَأْيهِ
الرَّأْي
وَأما الرَّأْي لَا يهدمه رَأْي فَهُوَ ان يكون رجل فَفِيهِ قَالَ
لامْرَأَته انت طَالِق البته وَهُوَ مِمَّن يرى انها ثَلَاث تَطْلِيقَات
وامضى بِرَأْيهِ فِيمَا بَينه وَبَينهَا وعزم على انها قد حرمت عَلَيْهِ
وانها لَا تحل لَهُ حَتَّى تنتكح زوجا غَيره ثمَّ رَأْي بعد ذَلِك ان
الاصوب قَول عمر بن الْخطاب فِيهَا بِأَنَّهَا تَطْلِيقَة يملك فِيهَا
الرّجْعَة واراد ان يفْسخ يَمِينه تِلْكَ وَيفْسد مَا امضاه من رَأْيه
الاول وَيرجع الى هَذَا القَوْل ويستحل امْرَأَته بتطليقة رَجْعِيَّة فانه
لَيْسَ لَهُ ذَلِك وَتَكون امْرَأَته حرَام عَلَيْهِ حَتَّى تنْكح زوجا
غَيره وَيصير مَاضِيا مَا قد فعله
وَكَذَلِكَ لَو كَانَ رَأْيه على انها تطليقه يملك فِيهَا الرّجْعَة فَمَا
امضاء على ذَلِك وعزم على انها وَاحِدَة رَجْعِيَّة واستحل امْرَأَته ثمَّ
رَأْي بعد ذَلِك انها تكون ثَلَاثًا وان امْرَأَته حرمت عَلَيْهِ وَلَا تحل
لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره فان امْرَأَته لَا تحرم عَلَيْهِ وَتَكون على
حَالهَا حَلَالا لَهُ لَان الرَّأْي لَا يهدم الرَّأْي كَمَا ان الْقَضَاء
لايهدم الْقَضَاء
وَلَو ان هَذَا الرجل الْعَالم لما قَالَ لامْرَأَته انت طَالِق البته
كَانَ رَأْيه على انها تَطْلِيقَات فَلم يعزم على ذَلِك فِي امْرَأَته وَلم
يمض فِيهَا ذَلِك حَتَّى رَأْي انها تطليقه وَاحِدَة يملك فِيهَا الرّجْعَة
فامضى ذَلِك فِيهَا وَجعلهَا وَاحِدَة رَجْعِيَّة وسعة ذَلِك وَكَانَت تحل
لَهُ وَكَذَلِكَ لَو كَانَ رَأْيه على انها وَاحِدَة يملك الرّجْعَة فِيهَا
فَلم يعزم على ذَلِك فِي امْرَأَته وَلم يمضها حَتَّى رَأْي انها ثَلَاث
تَطْلِيقَات فامضى ذَلِك فِيهَا فَجَعلهَا ثَلَاثًا فان امْرَأَته تحرم
عَلَيْهِ وَلَا تحل لَهُ حَتَّى تنتكح زوجا غَيره
(2/860)
وَفِي الْجُمْلَة لَا يحلهَا وَلَا يحرمها
الرَّأْي حَتَّى يعزم على ذَلِك فِيهَا ويمضيه
وَكَذَلِكَ لَو كَانَ رجلا عَالما فَابْتلى بمسئلة فَسَأَلَ عَنْهَا بعض
الْفُقَهَاء فافناه بحلال اَوْ بِحرَام فَلم يعزم هُوَ على ذَلِك فِي
زَوجته وَلم يمضه فِيهَا حَتَّى استفتى فَقِيها اخر فاقناه بِخِلَاف مَا
افتاه الاول فامضى فِي زَوجته وعزم عَلَيْهِ فِيمَا بَينه وَبَين زَوجته
وَترك قَول الال فانه قد لزمَه ذَلِك وَلَيْسَ لَهُ ان يرجع الى قَول الاول
وَترك هَذَا القَوْل الَّذِي عزم عَلَيْهِ
وَكَذَلِكَ لَو افتى ثَالِث بِخِلَاف مَا افناه الفقهان الاولان لم يَسعهُ
ان يتْرك الاول وَيرجع الى القَوْل الثَّالِث بعد مَا امضى ذَلِك وعزم
عَلَيْهِ
وَلَو انه لما افتاه فَقِيه لم يعزم عَلَيْهِ فِي امْرَأَته وَلم يمضه
حَتَّى افتاه فَقِيه اخر بِخِلَافِهِ فانه يَسعهُ ان يرجع الى اُحْدُ
الْقَوْلَيْنِ ويعزم عَلَيْهِ ويمضيه
الْقَضَاء الَّذِي يهدم الرَّأْي
واما الْقَضَاء الَّذِي يهدم فَهُوَ مثل رجل فَقِيه قَالَ لامْرَأَته انت
طَالِق الْبَتَّةَ وَهُوَ مِمَّن يرى انها ثَلَاثَة فرافعته امْرَأَته الى
قَاض يَرَاهَا وَاحِدَة يملك فِيهَا الرّجْعَة وَجعلهَا امْرَأَته فَيسمع
ذَلِك الْفَقِيه ان يُقيم مَعَ امْرَأَته وان كَانَ رَأْيه خلاف رَأْي
القَاضِي لَان هَذَا مِمَّا يخْتَلف فِيهِ الْفُقَهَاء وَيَنْبَغِي لهَذَا
الْفَقِيه ان يتْرك رَأْيه وَيَأْخُذ بِمَا قضى بِهِ القَاضِي ويستحل مَا
أحل لَهُ من ذَلِك لِأَن الْفَقِيه وان رَأْي ذَلِك ثَلَاثًا فَيَنْبَغِي
ان يرى مَعَ ذَلِك ان قَضَاء القَاضِي يهدم رَأْي الرآئي وان قَضَاء
القَاضِي افضل من رَأْيه
وَكَذَلِكَ روى عَن مُحَمَّد انه قَالَ كل قَضَاء من من قَاض مِمَّا
يخْتَلف فِيهِ الْفُقَهَاء فعلى من يرى خِلَافه من الْفُقَهَاء فِي
التَّحْرِيم والتحليل
(2/861)
وَالْعتاق وَالتَّدْبِير واخذ المَال
وَغَيره ان يَأْخُذ بِقَضَاء القَاضِي الَّذِي قضي بذلك ويدع رَأْيه
وَيلْزم نَفسه مَا الزمه القَاضِي وَيَأْخُذ مَا اعطاه اذا كَانَ مِمَّا
يخْتَلف فِيهِ
وَكَذَلِكَ لَو كَانَ رجل لَا علم لَهُ بِمَا ابتلى بِمَسْأَلَة فَسئلَ
عَنْهَا الْفُقَهَاء فافتوه بِفُتْيَا فِيهَا بحلال اَوْ بِحرَام واخذ بذلك
تمّ قضى عَلَيْهِ قَاض من قُضَاة الْمُسلمين بِخِلَاف ذَلِك وَهُوَ مِمَّا
يخْتَلف فِيهِ الْعلمَاء فَيَنْبَغِي لَهُ ان يَأْخُذ بِقَضَاء القَاضِي
ويدع مَا افتاه الْمُفْتِي لَان الْقَضَاء يهدم الفتيأ
الرَّأْي الَّذِي لَا يهدم الْقَضَاء
واما الرَّأْي الَّذِي لَا يهدم الْقَضَاء فَهُوَ ان القَاضِي اذا قضي
بقضية وامضاها ثمَّ رَأْي غير مَا قضى فانه يرجع الى مَا رَأْي فِيمَا
يسْتَأْنف وَلَا ينْقض مَا قضى لَان الرَّأْي لَا ينْقض الْقَضَاء الا ان
يعلم انه قد اخطأ فَيرجع عَنهُ ويفسخه
وروى عَن ابي يُوسُف انه قَالَ فِي رجل مَا ت وَترك جدا واخا واختصما فِي
مِيرَاثه فقضي القَاضِي بِالْمَالِ للْجدّ وَجعله بِمَنْزِلَة الاب وان
الاخ فَقِيه فافتاه قَاض من الْقُضَاة يرى قَول زيد وَذَلِكَ اعْدِلْ
عِنْده فَوجدَ المَال بِعَيْنِه لَا يَسعهُ ان يَأْخُذ مِنْهُ قدر مِيرَاثه
فِي قَول زيد وَهُوَ رَأْيه فَقَالَ لَا يَسعهُ لَان هَذَا خلاف الحكم
الَّذِي قضى الا انه لَو كَانَ قَاضِيا لم يَسعهُ ان يبطل قَضَاء الاول
وَيقْضى بِهَذَا القَوْل
وَلَو كَانَ القَاضِي قسم المَال بَينهمَا على قَول زيد وَكَانَ الاخ من
رَأْيه ان الْجد بِمَنْزِلَة الاب وَهُوَ مِمَّن يجوز لَهُ ان يقْضى فانه
يَنْبَغِي لَهُ ان يدْفع المَال الى الْجد وَلَا يَسعهُ ان يَأْكُل مَا
اطعمه القَاضِي اذا كَانَ
(2/862)
يرَاهُ بَاطِلا وَلَا يَسعهُ انه يَأْخُذ
مَا حرمه القَاضِي عَلَيْهِ اذا كَانَ قضى بِبَعْض مَا يخْتَلف فِيهِ
النَّاس
وان كَانَ الاخ جَاهِلا فَهُوَ فِي سَعَة فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ان
يَأْخُذ مِمَّا قضى القَاضِي
(2/863)
|