الهداية في شرح بداية المبتدي

ج / 1 ص -95-         كتاب الزكاة
"الزكاة واجبة على الحر العاقل البالغ المسلم إذا ملك نصابا ملكا تاما وحال عليه الحول" أما الوجوب فلقوله تعالى:
{وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] ولقوله صلى الله عليه وسلم "أدوا زكاة أموالكم" وعليه إجماع الأمة.
والمراد بالواجب الفرض لأنه لا شبهة فيه واشتراط الحرية لأن كمال الملك بها والعقل والبلوغ لما نذكره والإسلام لأن الزكاة عبادة ولا تتحقق العبادة من الكافر ولا بد من ملك مقدار النصاب لأنه صلى الله عليه وسلم قدر السبب به ولا بد من الحول لأنه لا بد من مدة يتحقق فيها النماء وقدرها الشرع بالحول لقوله صلى الله عليه وسلم "
لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول" ولأنه المتمكن به من الاستنماء لاشتماله على الفصول المختلفة والغالب تفاوت الأسعار فيها فأدير الحكم عليه ثم قيل هي واجبة على الفور لأنه مقتضى مطلق الأمر وقيل على التراخي لأن جميع العمر وقت الأداء ولهذا لا تضمن بهلاك النصاب بعد التفريط "وليس على الصبي والمجنون زكاة" خلافا للشافعي رحمه الله فإنه يقول هي غرامة مالية فتعتبر بسائر المؤن كنفقة الزوجات وصار كالعشر والخراج.
ولنا أنها عبادة فلا تتأدى إلا بالاختيار تحقيقا لمعنى الابتلاء ولا اختيار لهما لعدم العقل بخلاف الخراج لأنه مؤنة الأرض وكذلك الغالب في العشر معنى المؤنة ومعنى العبادة تابع ولو أفاق في بعض السنة فهو بمنزلة إفاقته في بعض الشهر في الصوم وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يعتبر أكثر الحول ولا فرق بين الأصلي والعارض وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه إذا بلغ مجنونا يعتبر الحول من وقت الإفاقة بمنزلة الصبي إذا بلغ "وليس على المكاتب زكاة" لأنه ليس بمالك من كل وجه لوجود المنافي وهو الرق ولهذا لم يكن من أهل أن يعتق عبده "ومن كان عليه دين يحيط بماله فلا زكاة عليه" وقال الشافعي رحمه الله تجب لتحقق السبب وهو ملك نصاب تام ولنا أنه مشغول بحاجته الأصلية فاعتبر معدوما كظماء المستحق بالعطش وثياب البذلة والمهنة "وإن كان ماله أكثر من دينه زكى الفاضل إذا بلغ نصابا" لفراغه عن الحاجة والمراد به دين له مطالب من جهة العباد حتى لا يمنع دين النذر والكفارة ودين الزكاة مانع حال بقاء النصاب لأنه ينتقص به

 

ج / 1 ص -96-         النصاب، وكذا بعد الاستهلاك خلافا لزفر فيهما ولأبي يوسف رحمه الله في الثاني على ما روى عنه لأن له مطالبا وهو الإمام في السوائم ونائبه في أموال التجارة فإن الملاك نوابه "وليس في دور السكنى وثياب البدن وأثاث المنازل ودواب الركوب وعبيد الخدمة وسلاح الاستعمال زكاة" لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية وليست بنامية أيضا وعلى هذا كتب العلم لأهلها وآلات المحترفين لما قلنا "ومن له على آخر دين فجحده سنين ثم قامت له به بينة لم يزكه لما مضى" معناه صارت له بينة بأن أقر عند الناس وهي مسئلة مال الضمار وفيه خلاف زفر والشافعي رحمهما الله ومن جملته المال المفقود والآبق والضال والمغصوب إذا لم يكن عليه بينة والمال الساقط في البحر والمدفون في المفازة إذا نسي مكانه والذي أخذه السلطان مصادرة ووجوب صدقة الفطر بسبب الآبق والضال والمغصوب على هذا الخلاف لهما أن السبب قد تحقق وفوات اليد غير مخل بالوجوب كمال ابن السبيل ولنا قول علي رضي الله عنه لا زكاة في مال الضمار ولأن السبب هو المال النامي ولا نماء إلا بالقدرة على التصرف ولا قدرة عليه وابن السبيل يقدر بنائبه والمدفون في البيت نصاب لتيسر الوصول إليه وفي المدفون في أرض أو كرم اختلاف المشايخ ولو كان الدين على مقر مليء أو معسر تجب الزكاة لإمكان الوصول إليه ابتداء أو بواسطة التحصيل وكذا لو كان على جاحد وعليه بينة أو علم به القاضي لما قلنا ولو كان على مقر مفلس فهو نصاب عند أبي حنيفة رحمه الله لأن تفليس القاضي لا يصح عنده وعند محمد لا تجب لتحقق الإفلاس عنده بالتفليس وأبو يوسف مع محمد في تحقق الإفلاس ومع أبي حنيفة رحمه الله في حكم الزكاة رعاية لجانب الفقراء "ومن اشترى جارية للتجارة ونواها للخدمة بطلت عنها الزكاة" لاتصال النية بالعمل وهو ترك التجارة "وإن نواها للتجارة بعد ذلك لم تكن للتجارة حتى يبيعها فيكون في ثمنها زكاة" لأن النية لم تتصل بالعمل إذ هو لم يتجر فلم تعتبر ولهذا يصير المسافر مقيما بمجرد النية ولا يصير المقيم مسافرا إلا بالسفر "وإن اشترى شيئا ونواه للتجارة كان للتجارة لاتصال النية بالعمل بخلاف ما إذا ورث ونوى التجارة" لأنه لا عمل منه ولو ملكه بالهبة أو بالوصية أو النكاح أو الخلع أو الصلح عن القود ونواه للتجارة كان للتجارة عند أبي يوسف رحمه الله لاقترانها بالعمل وعند محمد لا يصير للتجارة لأنها لم تقارن عمل التجارة وقيل الاختلاف على عكسه "ولا يجوز أداء الزكاة إلا بنية مقارنة للأداء أو مقارنة لعزل مقدار الواجب" لأن الزكاة عبادة فكان من شرطها النية والأصل فيها الاقتران إلا أن الدفع يتفرق فاكتفى بوجودها حالة العزل تيسيرا كتقديم النية في الصوم "ومن تصدق بجميع ماله لا ينوي الزكاة سقط

 

ج / 1 ص -97-         فرضها عنه استحسانا" لأن الواجب جزء منه فكان متعينا فيه فلا حاجة إلى التعيين "ولو أدى بعض النصاب سقط زكاة المؤدى عند محمد رحمه الله لأن الواجب شائع في الكل وعند أبي يوسف رحمه الله" لا تسقط لأن البعض غير متعين لكون الباقي محلا للواجب بخلاف الأول والله أعلم بالصواب.

باب صدقة السوائم
فصل في الإبل
قال رضي الله عنه "ليس في أقل من خمس ذود صدقة فإذا بلغت خمسا سائمة وحال عليها الحول ففيها شاة إلى تسع فإذا كانت عشرا ففيها شاتان إلى أربع عشرة فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه إلى تسع عشرة فإذا كانت عشرين ففيها أربع شياه إلى أربع وعشرين فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض" وهي التي طعنت في الثانية "إلى خمس وثلاثين فإذا كانت ستا وثلاثين ففيها بنت لبون" وهي التي طعنت في الثالثة "إلى خمس وأربعين فإذا كانت ستا وأربعين ففيها حقة" وهي التي طعنت في الرابعة "إلى ستين فإذا كانت إحدى وستين ففيها جذعة" وهي التي طعنت في الخامسة "إلى خمس وسبعين فإذا كانت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين فإذا كانت إحدى وتسعين ففيها حقتان إلى مائة وعشرين" بهذا اشتهرت كتب الصدقات من رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثم" إذا زادت على مائة وعشرين "تستأنف الفريضة فيكون في الخمس شاة مع الحقتين وفي العشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه وفي العشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى مائة وخمس فيكون فيها ثلاث حقاق ثم تستأنف الفريضة فيكون في الخمس شاة وفي العشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه وفي عشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض وفي ست وثلاثين بنت لبون فإذا بلغت مائة وستا وتسعين ففيها أربع حقاق إلى مائتين ثم تستأنف الفريضة أبدا كما تستأنف في الخمسين التي بعد المائة والخمسين" وهذا عندنا. وقال الشافعي رضي الله عنه إذا زادت على مائة وعشرين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون فإذا صارت مائة وثلاثين ففيها حقة وبنتا لبون ثم يدار الحساب على الأربعينات والخمسينات فتجب في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة لما روي أنه عليه الصلاة والسلام كتب "إذا زادت الإبل على مائة وعشرين ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون من غير شرط عود ما دونها" ولنا أنه عليه الصلاة والسلام كتب في آخر ذلك في كتاب عمرو بن حزم فما كان أقل من ذلك ففي كل خمس ذود شاة"

 

ج / 1 ص -98-         فنعمل بالزيادة والبخت والعراب سواء في وجوب الزكاة لأن مطلق الاسم يتناولهما والله أعلم بالصواب.

فصل في البقر
"ليس في أقل من ثلاثين من البقر السائمة صدقة فإذا كانت ثلاثين سائمة وحال عليها الحول ففيها تبيع أو تبيعة" وهي التي طعنت في الثانية "وفي أربعين مسن أو مسنة" وهي التي طعنت في الثالثة بهذا أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام معاذا رضي الله عنه "
فإذا زادت على أربعين وجب في الزيادة يقدر ذلك إلى ستين" عند أبي حنيفة رحمه الله ففي الواحدة الزائدة ربع عشر مسنة وفي الاثنين نصف عشر مسنة وفي الثلاثة ثلاثة أرباع عشر مسنة وهذه رواية الأصل لأن العفو ثبت نصا بخلاف القياس ولا نص هنا.
وروى الحسن عنه أنه لا يجب في الزيادة شيء حتى تبلغ خمسين ثم فيها مسنة وربع مسنة أو ثلث تبيع لأن مبنى هذا النصاب على أن يكون بين كل عقدين وقص وفي كل عقد واجب.
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله لا شيء في الزيادة حتى تبلغ ستين وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى لقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ رضي الله عنه "
لا تأخذ من أوقاص البقر شيئا" وفسروه بما بين أربعين إلى ستين قلنا قد قيل إن المراد منها هنا الصغار "ثم في الستين تبيعان أو تبيعتان وفي سبعين مسنة وتبيع وفي ثمانين مسنتان وفي تسعين ثلاثة أتبعة وفي المائة تبيعان ومسنة وعلى هذا يتغير الفرض في كل عشر من تبيع إلى مسنة ومن مسنة إلى تبيع" لقوله عليه الصلاة والسلام "في كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة وفي كل أربعين مسن أو مسنة" "والجواميس والبقر سواء" لأن اسم البقر يتناولهما إذ هو نوع منه إلا أن أوهام الناس لا تسبق إليه في ديارنا لقلته فلذلك لا يحنث به في يمينه لا يأكل لحم بقر والله أعلم.

فصل في الغنم
"ليس في أقل من أربعين من الغنم السائمة صدقة فإذا كانت أربعين سائمة وحال عليها الحول ففيها شاة إلى مائة وعشرين فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه فإذا بلغت أربعمائة ففيها أربع شياه ثم في كل مائة شاة شاة" هكذا ورد البيان في كتاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وفي كتاب أبي بكر رضي الله عنه وعليه انعقد الإجماع "والضأن والمعز سواء" لأن لفظة الغنم شاملة للكل والنص ورد به،

 

ج / 1 ص -99-         ويؤخذ الثنى في زكاتها ولا يؤخذ الجذع من الضأن إلا في رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله والثنى منها ما تمت له سنة والجذع ما أتى عليه أكثرها وعن أبي حنيفة رحمه الله وهو قولهما إنه يؤخذ الجذع لقوله عليه الصلاة والسلام "إنما حقنا الجذع والثنى" ولأنه يتأدى به الأضحية فكذا الزكاة وجه الظاهر حديث علي رضي الله عنه موقوفا ومرفوعا "لا يؤخذ في الزكاة إلا الثنى فصاعدا" ولأن الواجب هو الوسط وهذا من الصغار ولهذا لا يجوز فيها الجذع من المعز وجواز التضحية به عرف نصا والمراد بما روي الجذعة من الابل "ويؤخذ في زكاة الغنم الذكور والإناث" لأن اسم الشاة ينتظمهما وقد قال عليه الصلاة والسلام "في أربعين شاة شاة" والله أعلم.

فصل في الخيل
"إذا كانت الخيل سائمة ذكورا وإناثا فصاحبها بالخيار إن شاء أعطى عن كل فرس دينارا وإن شاء قومها وأعطى عن كل مائتي درهم خمسة دراهم" وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله وهو قول زفر رحمه الله وقالا لا زكاة في الخيل لقوله عليه الصلاة والسلام "ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة" وله قوله عليه الصلاة والسلام "في كل فرس سائمة دينار أو عشرة دراهم" وتأويل ما روياه فرس الغازي وهو المنقول عن زيد بن ثابت رضي الله عنه والتخيير بين الدينار والتقويم مأثور عن عمر رضي الله عنه "وليس في ذكورها منفردة زكاة" لأنها لا تتناسل "وكذا في الإناث المنفردات في رواية" وعنه الوجوب فيها لأنها تتناسل بالفحل المستعار بخلاف الذكور وعنه أنها تجب في الذكور المنفردة أيضا "ولا شيء في البغال والحمير" لقوله عليه الصلاة والسلام "لم ينزل علي فيهما شيء" والمقادير تثبت سماعا "إلا أن تكون للتجارة" لأن الزكاة حينئذ تتعلق بالمالية كسائر أموال التجارة والله أعلم.

فصل
"وليس في الفصلان والحملان والعجاجيل صدقة" عند أبي حنيفة رحمه الله إلا أن يكون معها كبار وهذا آخر أقواله وهو قول محمد رحمه الله.
وكان يقول أولا يجب فيها ما يجب في المسان وهو قول زفر ومالك رحمهما الله ثم رجع وقال فيها واحدة منها وهو قول أبي يوسف والشافعي رحمهما الله.
وجه قوله الأول: أن الاسم المذكور في الخطاب ينتظم الصغار والكبار ووجه الثاني تحقيق النظر من الجانبين كما يجب في المهازيل واحد منها ووجه الأخير أن المقادير

 

ج / 1 ص -100-       لا يدخلها القياس فإذا امتنع إيجاب ما ورد به الشرع امتنع أصلا وإذا كان فيها واحد من المسان جعل الكل تبعا له في انعقادها نصابا دون تأدية الزكاة ثم عند أبي يوسف رحمه الله لا يجب فيما دون الأربعين من الحملان وفيما دون الثلاثين من العجاجيل شيء ويجب في خمس وعشرين من الفصلان واحد ثم لا يجب شيء حتى تبلغ مبلغا لو كانت مسان يثنى الواجب ثم لا يجب شيء حتى تبلغ مبلغا لو كانت مسان يثلث الواجب ولا يجب فيما دون خمس وعشرين في الرواية وعنه أنه يجب في الخمس خمس فصيل وفي العشر خمسا فصيل على هذا الاعتبار وعنه أنه ينظر إلى قيمة خمس فصيل وسط وإلى قيمة شاة في الخمس فيجب أقلهما وفي العشر إلى قيمة شاتين وإلى قيمة خمسي فصيل على هذا الاعتبار.
قال: "ومن وجب عليه سن فلم توجد أخذ المصدق أعلى منها ورد الفضل أو أخذ دونها وأخذ الفضل" وهذا يبتني على أن أخذ القيمة في باب الزكاة جائز عندنا على ما نذكره إن شاء الله تعالى إلا أن في الوجه الأول له أن لا يأخذ ويطالب بعين الواجب أو بقيمته لأنه شراء وفي الوجه الثاني يجبر لأنه لا بيع فيه بل هو إعطاء بالقيمة "ويجوز دفع القيم في الزكاة" عندنا وكذا في الكفارات وصدقة الفطر والعشر والنذر.
وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز اتباعا للمنصوص كما في الهدايا والضحايا ولنا أن الأمر بالأداء إلى الفقير إيصال الرزق الموعود إليه فيكون إبطالا لقيد الشاة فصار كالجزية بخلاف الهدايا لأن القربة فيها إراقة لدم وهو لا يعقل ووجه القربة في المتنازع فيه سد خلة المحتاج وهو معقول "وليس في العوامل والحوامل والعلوفة صدقة" خلافا لمالك رحمه الله له ظواهر النصوص ولنا قوله عليه الصلاة والسلام "
ليس في الحوامل والعوامل ولا في البقرة المثيرة صدقة" ولأن السبب هو المال النامي ودليله الإسامة أو الإعداد للتجارة ولم يوجد ولأن في العلوفة تتراكم المؤنة فينعدم النماء معنى ثم السائمة هي التي تكتفي بالرعي في أكثر الحول حتى لو علفها نصف الحول أو أكثر كانت علوفة لأن القليل تابع للأكثر "ولا يأخذ المصدق خيار المال ولا رذالته ويأخذ الوسط" لقوله عليه الصلاة والسلام "لا تأخذوا من حزرات أموال الناس أي كرائمها وخذوا من حواشي أموالهم" أي أوساطها ولأن فيه نظرا من الجانبين.
قال: "ومن كان له نصاب فاستفاد في أثناء الحول من جنسه ضمه إليه وزكاه به" وقال الشافعي رحمه الله لا يضم لأنه أصل في حق الملك فكذا في وظيفته بخلاف الأولاد والأرباح لأنها تابعة في الملك حتى ملكت بملك الأصل ولنا أن المجانسة هي العلة في

 

 

ج / 1 ص -101-       الأولاد والأرباح لأن عندها يتعسر الميز فيعسر اعتبار الحول لكل مستفاد وما شرط الحول إلا للتيسير.
قال: "والزكاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله في النصاب دون العفو" وقال محمد وزفر رحمهما الله فيهما حتى لو هلك العفو وبقي النصاب بقي كل الواجب عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وعند محمد وزفر يسقط بقدره لمحمد وزفر رحمهما الله أن الزكاة وجبت شكرا لنعمة المال والكل نعمة ولهما قوله عليه الصلاة والسلام "وفي خمس من الإبل السائمة شاة وليس في الزيادة شيء حتى تبلغ عشرا" وهكذا قال في كل نصاب ونفى الوجوب عن العفو لأن العفو تبع للنصاب فيصرف الهلاك أولا إلى التبع كالربح في مال المضاربة ولهذا قال أبو حنيفة رحمه الله يصرف الهلاك بعد العفو إلى النصاب الأخير ثم إلى الذي يليه إلى أن ينتهي لأن الأصل هو النصاب الأول وما زاد عليه تابع وعند أبي يوسف رحمه الله يصرف إلى العفو أولا ثم إلى النصاب شائعا "وإذا أخذ الخوارج الخراج وصدقة السوائم لا يثنى عليهم" لأن الإمام لم يحمهم والجناية بالحماية وأفتوا بأن يعيدوها دون الخراج فيما بينهم وبين الله تعالى لأنهم مصارف الخراج لكونهم مقاتلة والزكاة مصرفها الفقراء فلا يصرفونها إليهم وقيل إذا نوى بالدفع التصدق عليهم سقط عنه وكذا ما دفع إلى كل جائر لأنهم بما عليهم من التبعات فقراء والأول أحوط "وليس على الصبي من بني تغلب في سائمته شيء وعلى المرأة منهم ما على الرجل" لأن الصلح قد جرى على ضعف ما يؤخذ من المسلمين ويؤخذ من نساء المسلمين دون صبيانهم "وإن هلك المال بعد وجوب الزكاة سقطت الزكاة".
وقال الشافعي رحمه الله: يضمن إذا هلك بعد التمكن من الأداء لأنه الواجب في الذمة فصار كصدقة الفطر ولأنه منعه بعد الطلب فصار كالاستهلاك ولنا أن الواجب جزء من النصاب تحقيقا للتيسير فيسقط بهلاك محله كدفع العبد الجاني بالجناية يسقط بهلاكه والمستحق فقير يعينه المالك ولم يتحقق منه الطلب وبعد طلب الساعي قيل يضمن وقيل لا يضمن لانعدام التفويت وفي الاستهلاك وجد التعدي وفي هلاك البعض يسقط بقدره اعتبارا له بالكل "وإن قدم الزكاة على الحول وهو مالك للنصاب جاز" لأنه أدى بعد سبب الوجوب فيجوز كما إذا كفر بعد الجرح وفيه خلاف مالك رحمه الله "ويجوز التعجيل لأكثر من سنة" لوجود السبب ويجوز لنصب إذا كان في ملكه نصاب واحد خلافا لزفر رحمه الله لأن النصاب الأول هو الأصل في السببية والزائد عليه تابع له والله أعلم.

 

ج / 1 ص -102-       باب زكاة المال
فصل في الفضة

"ليس فيما دون مائتي درهم صدقة" لقوله عليه الصلاة والسلام "
ليس فيما دون خمس أواق صدقة" والأوقية أربعون درهما "فإذا كانت مائتين وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم" لأنه عليه الصلاة والسلام كتب إلى معاذ رضي الله عنه "أن خذ من كل مائتي درهم خمسة دراهم ومن كل عشرين مثقالا من ذهب نصف مثقال".
قال: "ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ أربعين درهما فيكون فيها درهم ثم في كل أربعين درهما درهم" وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا ما زاد على المائتين فزكاته بحسابه وهو قول الشافعي رحمه الله لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث علي رضي الله عنه "
وما زاد على المائتين فبحسابه" ولأن الزكاة وجبت شكرا لنعمة المال واشتراط النصاب في الابتداء لتحقق الغنى وبعد النصاب في السوائم تحرزا عن التشقيص ولأبي حنيفة رحمه الله قوله عليه الصلاة السلام في حديث معاذ رضي الله عنه "لا تأخذ من الكسور شيئا" وقوله في حديث عمرو بن حزم "وليس فيما دون الأربعين صدقة" ولأن الحرج مدفوع في إيجاب الكسور ذلك لتعذر الوقوف والمعتبر في الدراهم وزن سبعة وهو أن تكون العشرة منها وزن سبعة مثاقيل بذلك جرى التقدير في ديوان عمر رضي الله عنه واستقر الأمر عليه "وإذا كان الغالب على الورق الفضة فهو في حكم الفضة وإذا كان الغالب عليها الغش فهو في حكم العروض يعتبر أن تبلغ قيمته نصابا" لأن الدراهم لا تخلو عن قليل غش لأنها لا تنطبع إلا به وتخلو عن الكثير فجعلنا الغلبة فاصلة وهو أن يزيد على النصف اعتبارا للحقيقة وسنذكره في الصرف إن شاء الله تعالى إلا أن في غالب الغش لا بد من نية التجارة كما في سائر العروض إلا إذا كان تخلص منها فضة تبلغ نصابا لأنه لا يعتبر في عين الفضة القيمة ولا نية التجارة والله أعلم.

فصل في الذهب
"ليس فيما دون عشرين مثقالا من الذهب صدقة فإذا كانت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال" لما روينا. والمثقال ما يكون كل سبعة منها وزن عشرة دراهم وهو المعروف "ثم في كل أربعة مثاقيل قيراطان" لأن الواجب ربع العشر وذلك فيما قلنا إذ كل مثقال عشرون قيراطا "وليس فيما دون أربعة مثاقيل صدقة" عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما تجب

 

ج / 1 ص -103-       بحساب ذلك وهي مسألة الكسور وكل دينار عشرة دراهم في الشرع فيكون أربعة مثاقيل في هذا كأربعين درهما.
قال: "وفي تبر الذهب والفضة وحليهما وأوانيهما الزكاة" وقال الشافعي رحمه الله لا تجب في حلي النساء وخاتم الفضة للرجال لأنه مبتذل في مباح فشابه ثياب البذلة ولنا أن السبب مال نام ودليل النماء موجود وهو الإعداد للتجارة خلقة والدليل هو المعتبر بخلاف الثياب.

فصل في العروض
"الزكاة واجبة في عروض التجارة كائنة ما كانت إذا بلغت قيمتها نصابا من الورق أو الذهب" لقوله عليه الصلاة والسلام فيها "يقومها فيؤدي من كل مائتي درهم خمسة دراهم" ولأنها معدة للاستنماء بإعداد العبد فأشبه المعد بإعداد الشرع وتشترط نية التجارة ليثبت الإعداد.
ثم قال: "يقومها بما هو أنفع للمساكين" احتياطا لحق الفقراء قال رضي الله عنه وهذا رواية عن أبي حنيفة رحمه الله وفي الأصل خيره لأن الثمنين في تقدير قيم الأشياء بهما سواء وتفسير الأنفع أن يقومها بما يبلغ نصابا.
وعن أبي يوسف أنه يقومها بما اشترى إن كان الثمن من النقود لأنه أبلغ في معرفة المالية وإن اشتراها بغير النقود قومها بالنقد الغالب.
وعن محمد رحمه الله أنه يقومها النقد الغالب على كل حال كما في المغصوب والمستهلك "وإذا كان النصاب كاملا في طرفي الحول فنقصانه فيما بين ذلك لا يسقط الزكاة" لأنه يشق اعتبار الكمال في أثنائه أما لا بد منه في ابتدائه للانعقاد وتحقق الغنى وفي انتهائه للوجوب ولا كذلك فيما بين ذلك لأنه حالة البقاء بخلاف ما لو هلك الكل حيث يبطل حكم الحول ولا تجب الزكاة لانعدام النصاب في الجملة ولا كذلك في المسألة الأولى لأن بعض النصاب باق فيبقى الانعقاد.
قال: "وتضم قيمة العروض إلى الذهب والفضة حتى يتم النصاب" لأن الوجوب في الكل باعتبار التجارة وإن افترقت جهة الإعداد "ويضم الذهب إلى الفضة" للمجانسة من حيث الثمنية ومن هذا الوجه صار سببا ثم يضم بالقيمة عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما بالأجزاء وهو رواية عنه حتى إن من كان له مائة درهم وخمسة مثاقيل ذهب تبلغ قيمتها مائة درهم فعليه الزكاة عنده خلافا لهما هما يقولان المعتبر فيهما القدر دون القيمة حتى

 

ج / 1 ص -104-       لا تجب الزكاة في مصوغ وزنه أقل من مائتين وقيمته فوقها وهو يقول إن الضم للمجانسة وهي تتحقق باعتبار القيمة دون الصورة فيضم بها والله أعلم.

باب فيمن يمر على العاشر
"إذا مر على العاشر بمال فقال أصبته منذ أشهر أو علي دين وحلف صدق" والعاشر من نصبه الإمام على الطريق ليأخذ الصدقات من التجار فمن أنكر منهم تمام الحول أو الفراغ من الدين كان منكرا للوجوب والقول قول المنكر مع اليمين "وكذا إذا قال أديتها إلى عاشر آخر" ومراده إذا كان في تلك السنة عاشر آخر لأنه ادعى وضع الأمانة موضعها بخلاف ما إذا لم يكن عاشر آخر في تلك السنة لأنه ظهر كذبه بيقين "وكذا إذا قال أديتها أنا" يعني إلى الفقراء في المصر لأن الأداء كان مفوضا إليه فيه وولاية الأخذ بالمرور لدخوله تحت الحماية وكذا الجواب في صدقة السوائم في ثلاثة فصول.
وفي الفصل الرابع: وهو ما إذا قال أديت بنفسي إلى الفقراء في المصر لا يصدق وإن حلف وقال الشافعي رضي الله عنه يصدق لأنه أوصل الحق إلى المستحق ولنا أن حق الأخذ للسلطان فلا يملك إبطاله بخلاف الأموال الباطنة ثم قيل الزكاة هو الأول والثاني سياسة وقيل هو الثاني والأول ينقلب نفلا وهو الصحيح ثم فيما يصدق في السوائم وأموال التجارة لم يشترط إخراج البراءة في الجامع الصغير وشرطه في الأصل وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله لأنه ادعى ولصدق دعواه علامة فيجب إبرازها وجه الأول أن الخط يشبه الخط فلا يعتبر علامة.
قال: "وما صدق فيه المسلم صدق فيه الذمي" لأن ما يؤخذ منه ضعف ما يؤخذ من المسلم فتراعى تلك الشرائط تحقيقا للتضعيف "ولا يصدق الحربي إلا في الجواري يقول هن أمهات أولادي أو غلمان معه يقول هم أولادي" لأن الأخذ منه بطريق الحماية وما في يده من المال يحتاج إلى الحماية غير أن إقراره بنسب من في يده منه صحيح فكذا بأمومية الولد لأنها تبتني عليه فانعدمت صفة المالية فيهن والأخذ لا يجب إلا من المال.
قال: "ويؤخذ من المسلم ربع العشر ومن الذمي نصف العشر ومن الحربي العشر" هكذا أمر عمر رضي الله عنه سعاته "وإن مر حربي بخمسين درهما لم يؤخذ منه شيء إلا أن يكونوا يأخذون منا من مثلها" لأن الأخذ منهم بطريق المجازاة بخلاف المسلم والذمي لأن المأخوذ زكاة أو ضعفها فلا بد من النصاب وهذا في الجامع الصغير وفي كتاب الزكاة:

 

ج / 1 ص -105-       لا نأخذ من القليل وإن كانوا يأخذون منا منه لأن القليل لم يزل عفوا ولأنه لا يحتاج إلى الحماية.
قال: "وإن مر حربي بمائتي درهم ولا يعلم كم يأخذون منا نأخذ منه العشر" لقول عمر رضي الله عنه فإن أعياكم فالعشر "وإن علم أنهم يأخذون منا ربع عشر أو نصف عشر نأخذ بقدره وإن كانوا يأخذون الكل لا يأخذ الكل" لأنه غدر "وإن كانوا لا يأخذون أصلا لا نأخذ" ليتركوا الأخذ من تجارنا ولأنا أحق بمكارم الأخلاق.
قال: "وإن مر الحربي على عاشر فعشره ثم مر مرة أخرى لم يعشره حتى يحول الحول" لأن الأخذ في كل مرة استئصال المال وحق الأخذ لحفظه ولأن حكم الأمان الأول باق وبعد ا لحول يتجدد الأمان لأنه لا يمكن من الإقامة إلا حولا والأخذ بعده لا يستأصل المال "وإن عشره فرجع إلى دار الحرب ثم خرج من يومه ذلك عشره أيضا" لأنه رجع بأمان جديد وكذا الأخذ بعده لا يفضي إلى الاستئصال "وإن مر ذمي بخمر أو خنزير عشر الخمر دون الخنزير" وقوله عشر الخمر: أي من قيمتها.
وقال الشافعي رحمه الله: لا يعشرهما لأنه لا قيمة لهما وقال زفر رحمه الله يعشرهما لاستوائهما في المالية عندهم وقال أبو يوسف رحمه الله يعشرهما إذا مر بهما جملة كأنه جعل الخنزير تبعا للخمر فإن مر بكل واحد على الانفراد عشر الخمر رده الخنزير ووجه الفرق على الظاهر أن القيمة في ذوات القيم لها حكم العين والخنزير منها وفي ذوات الأمثال ليس لها هذا الحكم والخمر منها ولأن حق الأخذ للحماية والمسلم يحمي خمر نفسه للتخليل فكذا يحميها على غيره ولا يحمي خنزير نفسه بل يجب تسبيبه بالإسلام فكذا لا يحميه على غيره "ولو مر صبي أو امرأة من بني تغلب بمال فليس على الصبي شيء وعلى المرأة ما على الرجل" لما ذكرنا في السوائم "ومن مر على عاشر بمائة درهم وأخبره أن له في منزله مائة أخرى قد حال عليها الحول لم يزك التي مر بها" لقلتها وما في بيته لم يدخل تحت حمايته "ولو مر بمائتي درهم بضاعة لم يعشرها" لأنه غير مأذون بأداء زكاته. قال: "وكذا المضاربة" يعني إذا مر المضارب به على العاشر.
وكان أبو حنيفة رحمه الله يقول: أولا يعشرها لقوة حق المضارب حتى لا يملك رب المال نهيه عن التصرف فيه بعد ما صار عروضا فنزل منزلة المالك ثم رجع إلى ما ذكرنا في الكتاب وهو قولهما لأنه ليس بمالك ولا نائب عنه في أداء الزكاة إلا أن يكون في المال ربح يبلغ نصيبه نصابا فيؤخذ منه لأنه مالك له "ولو مر عبد مأذون له بمائتي درهم وليس عليه

 

ج / 1 ص -106-       دين عشره" وقال أبو يوسف رحمه الله لا أدري أن أبا حنيفة رحمه الله رجع عن هذا أم لا وقياس قوله الثاني في المضاربة وهو قولهما إنه لا يعشره لأن الملك فيما في يده للمولى وله التصرف فصار كالمضارب وقيل في الفرق بينهما أن العبد يتصرف لنفسه حتى لا يرجع بالعهدة على المولى فكان هو المحتاج إلى الحماية والمضارب يتصرف بحكم النيابة حتى يرجع بالعهدة على رب المال فكان رب المال هو المحتاج فلا يكون الرجوع في المضارب رجوعا منه في العبد وإن كان مولاه معه يؤخذ منه لأن الملك له إلا إذا كان على العبد دين يحيط بماله لانعدام الملك أو للشغل.
قال: "ومن مر على عاشر الخوارج في أرض قد غلبوا عليها فعشره يثني عليه الصدقة" معناه إذا مر على عاشر أهل العدل لأن التقصير جاء من قبله من حيث أنه مر عليه.

باب في المعادن والركاز
قال: "معدن ذهب أو فضة أو حديد أو رصاص أو صفر وجد في أرض خراج أو عشر ففيه الخمس" عندنا. وقال الشافعي رحمه الله لا شيء عليه فيه لأنه مباح سبقت يده إليه كالصيد إلا إذا كان المستخرج ذهبا أو فضة فيجب فيه الزكاة ولا يشترط الحول في قول لأنه نماء كله والحول للتنمية ولنا قوله عليه الصلاة والسلام "وفي الركاز الخمس" وهو من الركز فأطلق على المعدن ولأنها كانت في أيدي الكفرة فحوتها أيدينا غلبة فكانت غنيمة وفي الغنائم الخمس بخلاف الصيد لأنه لم يكن في يد أحد إلا أن للغانمين يدا حكمية لثبوتها على الظاهر وأما الحقيقية فللواجد فاعتبرنا الحكمية في حق الخمس والحقيقية في حق الأربعة الأخماس حتى كانت للواجد "ولو وجد في داره معدنا فليس فيه شيء" عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا فيه الخمس لإطلاق ما روينا وله أنه من أجزاء الأرض مركب فيها ولا مؤنة في سائر الأجزاء فكذا في هذا الجزء لأن الجزء لا يخالف الجملة بخلاف الكنز لأنه غير مركب فيها.
قال: "وإن وجده في أرضه فعن أبي حنيفة رحمه الله فيه روايتان" ووجه الفرق على إحداهما وهو رواية الجامع الصغير أن الدار ملكت خالية عن المؤن دون الأرض ولهذا وجب العشر والخراج في الأرض دون الدار فكذا هذه المؤنة "وإن وجد ركازا" أي كنزا "وجب فيه الخمس" عندهم لما روينا واسم الركاز يطلق على الكنز لمعنى الركز وهو الإثبات ثم إن كان على ضرب أهل الإسلام كالمكتوب عليه كلمة الشهادة فهو بمنزلة اللقطة وقد عرف حكمها في موضعه وإن كان على ضرب أهل الجاهلية كالمنقوش عليه

 

ج / 1 ص -107-       الصنم ففيه الخمس على كل حال لما بينا ثم إن وجده في أرض مباحة فأربعة أخماسه للواجد لأنه تم الإحراز منه إذ لا علم به للغانمين فيختص هو به وإن وجده في أرض مملوكة فكذا الحكم عند أبي يوسف رحمه الله لأن الاستحقاق بتمام الحيازة وهي منه وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله هو للمختط له وهو الذي ملكه الإمام هذه البقعة أول الفتح لأنه سبقت يده إليه وهي يد الخصوص فيملك بها ما في الباطن وإن كانت على الظاهر كمن اصطاد سمكة في بطنها درة ملك الدرة ثم بالبيع لم تخرج عن ملكه لأنه مودع فيها بخلاف المعدة لأنه من أجزائها فينتقل إلى المشتري وإن لم يعرف المختط له يصرف إلى أقصى مالك يعرف في الإسلام على ما قالوا ولو اشتبه الضرب يجعل جاهليا في ظاهر المذهب لأنه الأصل وقيل يجعل إسلاميا في زماننا لتقادم العهد "ومن دخل دار الحرب بأمان فوجد في دار بعضهم ركازا رده عليهم" تحرزا عن الغدر لأن ما في الدار في يد صاحبها خصوصا "وإن وجده في الصحراء فهو له" لأنه ليس في يد أحد على الخصوص فلا يعد غدرا ولا شيء فيه لأنه بمنزلة متلصص غير مجاهر "وليس في الفيروزج الذي يوجد في الجبال خمس" لقوله عليه الصلاة والسلام "لا خمس في الحجر" "وفي الزئبق الخمس" في قول أبي حنيفة رحمه الله آخرا وهو قول محمد رحمه الله خلافا لأبي يوسف "ولا خمس في اللؤلؤ والعنبر" عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف رحمه الله فيهما وفي كل حلية تخرج من البحر خمس لأن عمر رضي الله عنه أخذ الخمس من العنبر ولهما أن قعر البحر لم يرد عليه القهر فلا يكون المأخوذ منه غنيمة وإن كان ذهبا أو فضة والمروي عن عمر رضي الله عنه فيما دسره البحر وبه نقول "متاع وجد ركازا فهو للذي وجده وفيه الخمس" معناه إذا وجد في أرض لا مالك لها لأنه غنيمة بمنزلة الذهب والفضة والله أعلم.

باب زكاة الزروع والثمار
"قال أبو حنيفة رحمه الله في قليل ما أخرجته الأرض وكثيره العشر سواء سقى سيحا أو سقته السماء إلا الحطب والقصب والحشيش وقالا لا يجب العشر إلا فيما له ثمرة باقية إذا بلغ خمسة أوسق والوسق ستون صاعا بصاع النبي عليه الصلاة والسلام وليس في الخضروات عندهما عشر" فالخلاف في موضعين: في اشتراط النصاب وفي اشتراط البقاء لهما في الأول قوله عليه الصلاة والسلام "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" ولأنه صدقة فيشترط فيه النصاب لتحقق الغنى ولأبي حنيفة رحمه الله قوله عليه الصلاة والسلام "ما أخرجت الأرض ففيه العشر من غير فصل" وتأويل ما روياه زكاة التجارة، لأنهم كانوا

 

ج / 1 ص -108-       يتبايعون بالأوساق وقيمة الوسق أربعون درهما ولا معتبر بالمالك فيه فكيف بصفته وهو الغني ولهذا لا يشترط الحول لأنه للاستنماء وهو كله نماء ولهما في الثاني قوله عليه الصلاة والسلام "ليس في الخضروات صدقة" والزكاة غير منفية فتعين العشر وله ما روينا ومرويهما محمول على صدقة بأخذها العاشر وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله فيه ولأن الأرض قد تستنمي بما لا يبقى والسبب هي الأرض النامية ولهذا يجب فيها الخراج.
اما الحطب والقصب والحشيش فلا تستنبت في الجنان عادة بل تنقى عنها حتى لو اتخذها مقصبة أو مشجرة أو منبتا للحشيش يجب فيها العشر والمراد بالمذكور القصب الفارسي.
أما قصب السكر وقصب الذريرة ففيهما العشر لأنه يقصد بهما استغلال الأرض بخلاف السعف والتبن لأن المقصود الحب والتمر دونهما
قال: "وما سقي بغرب أو دالية أو سانية ففيه نصف العشر على القولين" لأن المؤنة تكثر فيه وتقل فيما يسقى بالسماء أو سيحا وإن سقي سيحا وبدالية فالمعتبر أكثر السنة كما مر في السائمة "وقال أبو يوسف رحمه الله فيما لا يوسق كالزعفران والقطن يجب فيه العشر إذا بلغت قيمته قيمة خمسة أوسق من أدنى ما يوسق" كالذرة في زماننا لأنه لا يمكن التقدير الشرعي فيه فاعتبرت قيمته كما في عروض التجارة "وقال محمد رحمه الله يجب العشر إذا بلغ الخارج خمسة أعداد من أعلى ما يقدر به نوعه فاعتبر في القطن خمسة أحمال كل حمل ثلثمائة منء وفي الزعفران خمسة أمناء" لأن التقدير بالوسق كان باعتبار أنه أعلى ما يقدر به نوعه "وفي العسل العشر إذا أخذ من أرض العشر" وقال الشافعي رحمه الله لا يجب لأنه متولد من الحيوان فأشبه الإبريسم ولنا قوله عليه الصلاة والسلام "
في العسل العشر" ولأن النحل يتناول من الأنوار والثمار وفيهما العشر فكذا فيما يتولد منهما بخلاف دود القز لأنه يتناول الأوراق ولا عشر فيها ثم عند أبي حنيفة رحمه الله يجب فيه العشر قل أو كثر لأنه لا يعتبر النصاب وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يعتبر فيه قيمة خمسة أوسق كما هو أصله وعنه أنه لا شيء فيه حتى يبلغ عشر قرب لحديث بني شبابة أنهم كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك وعنه خمسة أمناء وعن محمد رحمه الله خمسة أفراق كل فرق ستة وثلاثون رطلا لأنه أقصى ما يقدر به وكذا في قصب السكر وما يوجد في الجبال من العسل والثمار ففيه العشر وعن أبي يوسف أنه لا يجب لانعدام السبب وهو الأرض النامية وجه الظاهر أن المقصود حاصل وهو الخارج.

 

ج / 1 ص -109-       قال: "وكل شيء أخرجته الأرض مما فيه العشر لا يحتسب فيه أجر العمال ونفقة البقر" لأن النبي عليه الصلاة والسلام حكم بتفاوت الواجب لتفاوت المؤنة فلا معنى لرفعها.
قال: "تغلبي له أرض عشر فعليه العشر مضاعفا" عرف ذلك بإجماع الصحابة رضوان الله عليهم وعن محمد رحمه الله أن فيما اشتراه التغلبي من المسلم عشرا واحدا لأن الوظيفة عنده لا تتغير بتغير المالك "فإن اشتراها منه ذمي فهي على حالها عندهم" لجواز التصحيف عليه في الجملة كما إذا مر على العاشر "وكذا إذا اشتراها منه مسلم أو أسلم التغلبي عند أبي حنيفة رحمه الله" سواء كان التضعيف أصليا أو حادثا لأن التضعيف صار وظيفة لها فتنتقل إلى المسلم بما فيها كالخراج "وقال أبو يوسف رحمه الله يعود إلى عشر واحد" لزوال الداعي إلى التضعيف.
قال في الكتاب وهو قول محمد فيما صح عنه قال رضي الله عنه اختلفت النسخ في بيان قوله والأصح أنه مع أبي حنيفة في بقاء التضعيف إلا أن قوله لا يتأتى إلا في الأصل لأن التضعيف الحادث لا يتحقق عنده لعدم تغير الوظيفة "ولو كانت الأرض لمسلم باعها من نصراني" يريد به ذميا غير تغلبي "وقبضها فعليه الخراج عند أبي حنيفة رحمه الله" لأنه أليق بحال الكافر "وعند أبي يوسف رحمه الله عليه العشر مضاعفا" ويصرف مصارف الخراج اعتبارا بالتغلبي وهذا أهون من التبديل "وعند محمد رحمه الله هي عشرية على حالها" لأنه صار مؤنة لها فلا يتبدل كالخراج ثم في رواية يصرف مصارف الصدقات وفي رواية يصرف مصارف الخراج "فإن أخذها منه مسلم بالشفعة أو ردت على البائع لفساد البيع فهي عشرية كما كانت" أما الأول فلتحول الصفقة إلى الشفيع كأنه اشتراها من المسلم وأما الثاني فلأنه بالرد والفسخ بحكم الفساد جعل البيع كأن لم يكن ولأن حق المسلم لم ينقطع بهذا الشراء لكونه مستحق الرد.
قال: "وإذا كانت لمسلم دار خطة فجعلها بستانا فعليه العشر" معناه إذا سقاه بماء العشر وأما إذا كانت تسقى بماء الخراج ففيها الخراج لأن المؤنة في مثل هذا تدور مع الماء "وليس على المجوسي في داره شيء" لأن عمر رضي الله عنه جعل المساكن عفوا "وإن جعلها بستانا فعليه الخراج" وإن سقاها بماء العشر لتعذر إيجاب العشر إذ فيه معنى القربة فيتعين الخراج وهو عقوبة تليق بحاله وعلى قياس قولهما يجب العشر في الماء العشري إلا أن عند محمد رحمه الله عشر واحد وعند أبي يوسف عشران وقد مر الوجه فيه،

 

ج / 1 ص -110-       ثم الماء العشري ماء السماء والآبار والعيون والبحار التي لا تدخل تحت ولاية أحد والماء الخراجي ماء الأنهار التي شقها الأعاجم وماء جيحون وسيحون ودجلة والفرات عشري عند محمد رحمه الله لأنه لا يحميها أحد كالبحار وخراجي عند أبي يوسف رحمه الله لأنه يتخذ عليها القناطر من السفن وهذا يدل عليها "وفي أرض الصبي والمرأة التغلبيين ما في أرض الرجل التغلبي" يعني العشر المضاعف في العشرية والخراج الواحد في الخراجية لأن الصلح قد جرى على تضعيف الصدقة دون المؤنة المحضة ثم على الصبي والمرأة إذا كانا من المسلمين العشر فيضعف ذلك إذا كانا منهم.
قال: "وليس في عين القبر والنفط في أرض العشر شيء" لأنه ليس من إنزال الأرض وإنما هو عين فوارة كعين الماء "وعليه في أرض الخراج خراج" وهذا "إذا كان حريمه صالحا للزراعة" لأن الخراج يتعلق بالتمكن من الزراعة.

باب من يجوز دفع الصدقة إليه ومن لا يجوز
قال رحمه الله: "الأصل فيه قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الآية فهذه ثمانية أصناف وقد سقط منها المؤلفة قلوبهم لأن الله تعالى أعز الإسلام وأغنى عنهم" وعلى ذلك انعقد الإجماع "والفقير من له أدنى شيء والمسكين من لا شيء له" وهذا مروي عن أبي حنيفة رحمه الله وقد قيل على العكس ولكل وجه ثم هما صنفان أو صنف واحد سنذكره في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى.
"والعامل يدفع الإمام إليه إن عمل بقدر عمله فيعطيه ما يسعه وأعوانه غير مقدر بالثمن" خلافا للشافعي رحمه الله لأن استحقاقه بطريق الكفاية ولهذا يأخذ وإن كان غنيا إلا أن فيه شبهة الصدقة فلا يأخذها العامل الهاشمي تنزيها لقرابة الرسول عليه الصلاة والسلام عن شبهة الوسخ والغني لا يوازيه في استحقاق الكرامة فلم تعتبر الشبهة في حقه.
قال: "وفي الرقاب يعان المكاتبون منها في فك رقابهم" وهو المنقول "والغارم من لزمه دين ولا يملك نصابا فاضلا عن دينه" وقال الشافعي: من تحمل غرامة في إصلاح ذات البين وإطفاء الثائرة بين القبيلتين "وفي سبيل الله منقطع الغزاة عند أبي يوسف رحمه الله" لأنه هو المتفاهم عند الإطلاق "وعند محمد رحمه الله منقطع الحاج" لما روي أن رجلا جعل بعيرا له في سبيل الله فأمره رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يحمل عليه الحاج ولا يصرف إلى أغنياء الغزاة عندنا لأن المصرف هو الفقراء "وابن السبيل من كان له مال في وطنه" وهو في مكان آخر لا شيء له فيه.

 

ج / 1 ص -111-       قال: "فهذه جهات الزكاة فللمالك أن يدفع إلى كل واحد منهم وله أن يقتصر على صنف واحد" وقال الشافعي: لا يجوز أن يصرف إلى ثلاثة من كل صنف لأن الإضافة بحرف اللام للاستحقاق ولنا أن الإضافة لبيان أنهم مصارف لا لإثبات الاستحقاق وهذا لما عرف أن الزكاة حق الله تعالى وبعلة الفقر صاروا مصارف فلا يبالي باختلاف جهاته والذي ذهبنا إليه مروي عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم "ولا يجوز أن يدفع الزكاة إلى ذمي" لقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ رضي الله عنه "خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم".
قال: "ويدفع" إليه "ما سوى ذلك من الصدقة" وقال الشافعي رحمه الله: لا يدفع وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله اعتبارا بالزكاة ولنا قوله عليه الصلاة والسلام "
تصدقوا أهل الأديان كلها" ولولا حديث معاذ رضي الله عنه لقلنا بالجواز في الزكاة "ولا يبنى بها مسجد ولا يكفن بها ميت" لانعدام التمليك وهو الركن "ولا يقضى بها دين ميت" لأن قضاء دين الغير لا يقتضي التمليك منه لا سيما من الميت "ولا تشترى بها رقبة تعتق" خلافا لمالك حيث ذهب إليه في تأويل قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] ولنا أن الإعتاق إسقاط الملك وليس بتمليك "ولا تدفع إلى غني" لقوله عليه الصلاة والسلام "لا تحل الصدقة لغني" وهو بإطلاقه حجة على الشافعي رحمه الله في غني الغزاة وكذا حديث معاذ رضي الله عنه على ما روينا.
قال: "ولا يدفع المزكي زكاته إلى أبيه وجده وإن علا ولا إلى ولده وولد ولده وإن سفل" لأن منافع الأملاك بينهم متصلة فلا يتتحقق التمليك على الكمال "ولا إلى امرأته" للاشتراك في المنافع عادة "ولا تدفع المرأة إلى زوجها" عند أبي حنيفة رحمه الله لما ذكرنا. وقالا: تدفع إليه لقوله عليه الصلاة والسلام "
لك أجران أجر الصدقة وأجر الصلة" قاله لامرأة عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وقد سألته عن التصدق عليه قلنا هو محمول على النافلة.
قال: "ولا يدفع إلى مدبره ومكاتبه وأم ولده" لفقدان التمليك إذ كسب المملوك لسيده وله حق في كسب مكاتبه فلم يتم التمليك "ولا إلى عبد قد أعتق بعضه" عند أبي حنيفة رحمه الله لأنه بمنزلة المكاتب عنده وقالا يدفع إليه لأنه حر مديون عندهما "ولا يدفع إلى مملوك غني" لأن الملك واقع لمولاه "ولا إلى ولد غني إذا كان صغيرا" لأنه يعد غنيا بيسار أبيه بخلاف ما إذا كان كبيرا فقيرا لأنه لا يعد غنيا بيسار أبيه وإن كانت

 

ج / 1 ص -112-       نفقته عليه وبخلاف امرأة الغني لأنها إن كانت فقيرة لا تعد غنية بيسار زوجها وبقدر النفقة لا تصير موسرة "ولا تدفع إلى بني هاشم" لقوله عليه الصلاة والسلام "يا بني هاشم إن الله تعالى حرم عليكم غسالة الناس وأوساخهم وعوضكم منها بخمس الخمس" بخلاف التطوع لأن المال ههنا كالماء يتدنس بإسقاط الفرض أما التطوع فبمنزلة التبرد بالماء.
قال: "وهم آل علي وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث بن عبدالمطلب ومواليهم" أما هؤلاء فلأنهم ينسبون إلى هاشم بن عبد مناف ونسبة القبيلة إليه وأما مواليهم فلما روي أن مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أتحل لي الصدقة فقال: "
لا أنت مولانا" بخلاف ما إذا أعتق القرشي عبدا نصرانيا حيث تؤخذ منه الجزية ويعتبر حال المعتق لأنه القياس والإلحاق بالمولى بالنص وقد خص الصدقة "قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله إذا دفع الزكاة إلى رجل يظنه فقيرا ثم بان أنه غني أو هاشمي أو كافر أو دفع في ظلمة فبان أنه أبوه أو ابنه فلا إعادة عليه وقال أبو يوسف رحمه الله عليه الإعادة" لظهور خطئه بيقين وإمكان الوقوف على هذه الأشياء وصار كالأواني والثياب ولهما حديث معن بن يزيد فإنه عليه الصلاة والسلام قال فيه "يا يزيد لك ما نويت ويا معن لك ما أخذت" وقد دفع إليه وكيل أبيه صدقته ولأن الوقوف على هذه الأشياء بالاجتهاد دون القطع فيبتنى الأمر فيها على ما يقع عنده كما إذا اشتبهت عليه القبلة وعن أبي حنيفة رحمه الله في غير الغني أنه لا يجزئه والظاهر هو الأول وهذا إذا تحرى فدفع وفي أكبر رأيه أنه مصرف أما إذا شك ولم يتحر أو تحرى فدفع وفي أكبر رأيه أنه ليس بمصرف لا يجزئه إلا إذا علم أنه فقير هو الصحيح "ولو دفع إلى شخص ثم علم أنه عبده أو مكاتبه لا يجزئه" لانعدام التمليك لعدم أهلية الملك وهو الركن على ما مر "ولا يجوز دفع الزكاة إلى من يملك نصابا من أي مال كان" لأن الغني الشرعي مقدر به والشرط أن يكون فاضلا عن الحاجة الأصلية وإنما النماء شرط الوجوب "ويجوز دفعها إلى من يملك أقل من ذلك وإن كان صحيحا مكتسبا" لأنه فقير والفقراء هم المصارف ولأن حقيقة الحاجة لا يوقف عليها فأدير الحكم على دليلها وهو فقد النصاب "ويكره أن يدفع إلى واحد مائتي درهم فصاعدا وإن دفع جاز" وقال زفر رحمه الله لا يجوز لأن الغني قارن الأداء فحصل الأداء إلى الغني ولنا أن الغني حكم الأداء فيتعقبه لكنه يكره لقرب الغني منه كمن صلى وبقربه نجاسة قال "وأن يغنى بها إنسانا أحب إلي" معناه الإغناء عن السؤال يومه ذلك لأن ا لإغناء مطلقا مكروه.
قال: "ويكره نقل الزكاة من بلد إلى بلد" وإنما يفرق صدقة كل فريق فيهم لما روينا من حديث معاذ رضي الله تعالى عنه وفيه رعاية حق الجوار "إلا أن ينقلها الإنسان إلى قرابته

 

ج / 1 ص -113-       أو إلى قوم هم أحوج من أهل بلده" لما فيه من الصلة أو زيادة دفع الحاجة ولو نقل إلى غيرهم أجزأه وإن كان مكروها لأن المصرف مطلق الفقراء بالنص والله أعلم.

باب صدقة الفطر
قال رحمه الله: "صدقة الفطر واجبة على الحر المسلم إذا كان مالكا لمقدار النصاب فاضلا عن مسكنه وثيابه وأثاثه وفرسه وسلاحه وعبيده" أما وجوبها فلقوله عليه الصلاة والسلام في خطبته "
أدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير" رواه ثعلبة بن صعير العدوي أو صعير العذري وبمثله يثبت الوجوب لعدم القطع وشرط الحرية ليتحقق التمليك والإسلام ليقع قربة واليسار لقوله عليه الصلاة والسلام "لا صدقة إلا عن ظهر غنى" وهو حجة على الشافعي رحمه الله في قوله تجب على من يملك زيادة عن قوت يومه لنفسه وعياله وقدر اليسار بالنصاب لتقدير الغني في الشرع به فاضلا عما ذكر من الأشياء لأنها مستحقة بالحاجة الأصلية والمستحق بالحاجة الأصلية كالمعدوم ولا يشترط فيه النمو ويتعلق بهذا النصاب حرمان الصدقة ووجوب الأضحية والفطرة.
قال: "يخرج ذلك عن نفسه" لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على الذكر والأنثى الحديث "و"يخرج عن "أولاده الصغار" لأن السبب رأس يمونه ويلي عليه لأنها تضاف إليه يقال زكاة الرأس وهي أمارة السببية والإضافة إلى الفطر باعتبار أنه وقته ولهذا تتعدد بتعدد الرأس مع اتحاد اليوم والأصل في الوجوب رأسه وهو يمونه ويلي عليه فيلحق به ما هو في معناه كأولاده الصغار لأنه يمونهم ويلي عليهم "ومماليكه" لقيام الولاية والمؤنة وهذا إذا كانوا للخدمة ولا مال للصغار فإن كان لهم مال يؤدي من مالهم عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله خلاف لمحمد رحمه الله لأن الشرع أجراه مجرى المؤنة فأشبه النفقة "ولا يؤدي عن زوجته" لقصور الولاية والمؤنة فإنه لا يليها في غير حقوق النكاح ولا يمونها في غير الرواتب كالمداواة "ولا عن أولاده الكبار وإن كانوا في عياله" لانعدام الولاية ولو أدى عنهم أو عن زوجته بغير أمرهم أجزأه استحسانا لثبوت الإذن عادة "ولا" يخرج "عن مكاتبه" لعدم الولاية "ولا المكاتب عن نفسه" لفقره وفي المدبر وأم الولد ولاية المولى ثابتة فيخرج عنهما "ولا" يخرج "عن مماليكه للتجارة" خلافا للشافعي رحمه الله فإن عنده وجوبها على العبد ووجوب الزكاة على المولى فلا تنافي وعندنا وجوبها على المولى بسببه كالزكاة فيؤدي إلى الثني "والعبد بين شريكين

 

ج / 1 ص -114-       لا فطرة على واحد منهما" لقصور الولاية والمؤنة في حق كل واحد منهما "وكذا العبيد بين اثنين عند أبي حنيفة رحمه الله" وقالا على كل واحد منهما ما يخصه من الرءوس دون الأشقاص بناء على أنه لا يرى قسمة الرقيق وهما يريانها وقيل هو بالإجماع لأنه لا يجتمع النصيب قبل القسمة فلم تتم الرقبة لكل واحد منهما "ويؤدي المسلم الفطر عبده الكافر" لإطلاق ما روينا ولقوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس رضي الله عنهما "أدوا عن كل حر وعبد يهودي أو نصراني أو مجوسي" الحديث ولأن السبب قد تحقق والمولى من أهله وفيه خلاف الشافعي رحمه الله لأن الوجوب عنده على العبد وهو ليس من أهله ولو كان على العكس فلا وجوب بالاتفاق.
قال: "ومن باع عبدا وأحدهما بالخيار ففطرته على من يصير له" معناه أنه إذا مر يوم الفطر والخيار باق وقال زفر رحمه الله على من له الخيار لأن الولاية له وقال الشافعي رحمه الله على من له الملك لأنه من وظائفه كالنفقة ولنا أن الملك موقوف لأنه لو رد يعود إلى قديم ملك البائع ولو أجيز يثبت الملك للمشتري من وقت العقد فيتوقف ما يبتني عليه بخلاف النفقة لأنها للحاجة الناجزة فلا تقبل التوقف وزكاة التجارة على هذا الخلاف.

فصل في مقدار الواجب ووقته
"الفطرة تصف صاع من بر أو دقيق أو سويق أو زبيب أو صاع من تمر أو شعير" وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله الزبيب بمنزلة الشعير وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله والأول رواية الجامع الصغير وقال الشافعي رضي الله عنه من جميع ذلك صاع لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كنا نخرج ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنا ما روينا وهو مذهب جماعة من الصحابة وفيهم الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم أجمعين وما رواه محمول على الزيادة تطوعا ولهما في الزبيب أنه والتمر يتقاربان في المقصود وله أنه والبر يتقاربان في المعنى لأنه يؤكل كل واحد منهما بجميع أجزائه بخلاف الشعير والتمر لأن كل واحد منهما يؤكل ويلقى من التمر النواة ومن الشعير النخالة وبهذا ظهر التفاوت بين البر والتمر ومراده من الدقيق والسويق ما يتخذ من البر أما دقيق الشعير فكالشعير والأولى أن يراعى فيهما القدر والقيمة احتياطا وإن نص على الدقيق في بعض الأخبار ولم يبين ذلك في الكتاب اعتبارا للغالب والخبز تعتبر فيه القيمة هو الصحيح ثم يعتبر نصف صاع من بر وزنا فيما يروى عن أبي حنيفة رحمه الله. وعن

 

ج / 1 ص -115-       محمد رحمه الله أنه يعتبر كيلا والدقيق أولى من البر والدراهم أولى من الدقيق فيما يروى عن أبي يوسف رحمه الله وهو اختيار الفقيه أبي جعفر رحمه الله لأنه أدفع للحاجة وأعجل به وعن أبي بكر الأعمش رحمه الله تفضيل الحنطة لأنه أبعد من الخلاف إذ في الدقيق والقيمة خلاف الشافعي رحمه الله.
قال: "والصاع عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ثمانية أرطال بالعراقي" وقال أبو يوسف رحمه الله خمسة أرطال وثلث رطل وهو قول الشافعي رحمه الله لقوله عليه الصلاة والسلام "
صاعنا أصغر الصيعان" ولنا ما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يتوضأ بالمد رطلين ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال وهكذا كان صاع عمر ضي الله عنه وهو أصغر من الهاشمي وكانوا يستعملون الهاشمي.
قال: "ووجوب الفطرة يتعلق بطلوع الفجر من يوم الفطر" وقال الشافعي رحمه الله بغروب الشمس في اليوم الأخير من رمضان حتى إن من أسلم أو ولد ليلة الفطر تجب فطرته عندنا وعنده لا تجب وعلى عكسه من مات فيها من مماليكه أو ولده له أن يختص بالفطر وهذا وقته ولنا أن الإضافة للاختصاص واختصاص الفطر باليوم دون الليل "والمستحب أن يخرج الناس الفطرة يوم الفطر قبل الخروج إلى المصلى" لأنه عليه الصلاة والسلام
كان يخرج قبل أن يخرج للمصلى ولأن الأمر بالإغناء كي لا يتشاغل الفقير بالمسئلة عن الصلاة وذلك بالتقديم "فإن قدموها على يوم الفطر جاز" لأنه أدى بعد تقرر السبب فأشبه التعجيل في الزكاة ولا تفصيل بين مدة ومدة هو الصحيح وقيل يجوز تعجيلها في النصف الأخير من رمضان وقيل في العشر الأخير "وإن أخروها عن يوم الفطر لم تسقط وكان عليهم إخراجها" لأن وجه القربة فيها معقول فلا يتقدر وقت الأداء فيها بخلاف الأضحية والله أعلم.