الهداية
في شرح بداية المبتدي ج / 1 ص -185-
كتاب النكاح
قال: "النكاح
ينعقد بالإيجاب والقبول بلفظين يعبر بهما عن
الماضي" لأن الصيغة وإن كانت
للإخبار وضعا فقد جعلت للإنشاء شرعا دفعا
للحاجة "وينعقد
بلفظين يعبر بأحدهما عن الماضي وبالآخر عن
المستقبل مثل أن يقول زوجني فيقول زوجتك"
لأن هذا توكيل بالنكاح والواحد يتولى طرفي
النكاح على ما نبينه إن شاء الله تعالى "وينعقد
بلفظ النكاح والتزويج والهبة والتمليك والصدقة"
وقال الشافعي رحمه الله لا ينعقد إلا بلفظ
النكاح والتزويج لأن التمليك ليس حقيقة فيه
ولا مجازا عنه لأن الترويج للتلفيق والنكاح
للضم ولا ضم ولا ازدواج بين المالك والمملوكة
أصلا.
ولنا أن التمليك سبب لملك المتعة في محلها
بواسطة ملك الرقبة وهو الثابت بالنكاح
والسببية طريق المجاز "وينعقد
بلفظ البيع" هو الصحيح لوجود
طريق المجاز "ولا
ينعقد بلفظ الإجارة" في
الصحيح لأنه ليس بسبب لملك المتعة "و" لا بلفظ "الإباحة
والإحلال والإعارة" لما قلنا
"و"
لا بلفظ "الوصية"
لأنها توجب الملك مضافا إلى ما بعد الموت.
قال: "ولا
ينعقد نكاح المسلمين إلا بحضور شاهدين حرين
عاقلين بالغين مسلمين رجلين أو رجل وامرأتين
عدولا كانوا أو غير عدول أو محدودين في القذف"
قال رضي الله عنه اعلم أن الشهادة شرط في باب
النكاح لقوله عليه الصلاة والسلام "لا نكاح إلا بشهود"
وهو حجة على مالك رحمه الله في اشتراط الإعلان
دون الشهادة ولا بد من اعتبار الحرية فيها لأن
العبد لا شهادة له لعدم الولاية ولا بد من
اعتبار العقل والبلوغ لأنه لا ولاية بدونهما
ولا بد من اعتبار الإسلام في أنكحة المسلمين
لأنه لا شهادة للكافر على المسلم ولا يشترط
وصف الذكورة حتى ينعقد بحضور رجل وامرأتين
وفيه خلاف الشافعي رحمه الله وستعرف في
الشهادات إن شاء الله تعالى ولا تشترط العدالة
حتى ينعقد بحضرة الفاسقين عندنا خلافا للشافعي
رحمه الله له أن الشهادة من باب الكرامة
والفاسق من أهل الإهانة.
ولنا أنه من أهل الولاية فيكون من أهل الشهادة
وهذا لأنه لما لم يحرم الولاية على نفسه
لإسلامه لا يحرم على غيره لأنه من جنسه ولأنه
صلح مقلدا فيصلح مقلدا، وكذا
ج / 1 ص -186-
شاهد
والمحدود في القذف من أهل الولاية فيكون من
أهل الشهادة تحملا وإنما الفائت ثمرة الأداء
بالنهي لجريمته فلا يبالي بفواته كما في شهادة
العميان وابني العاقدين.
قال: "وإن
تزوج مسلم ذمية بشهادة ذميين جاز عند أبي
حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد وزفر
رحمهما الله لا يجوز" لأن
السماع في النكاح شهادة ولا شهادة للكافر على
المسلم فكأنهما لم يسمعا كلام المسلم ولهما أن
الشهادة شرطت في النكاح على اعتبار إثبات
الملك لوروده على محل ذي خطر لا على اعتبار
وجوب المهر إذ لا شهادة تشترط في لزوم المال
وهما شاهدان عليها بخلاف ما إذا لم يسمعا كلام
الزوج لأن العقد ينعقد بكلاميهما والشهادة
شرطت على العقد.
قال: "ومن
أمر رجلا بأن يزوج ابنته الصغيرة فزوجها والأب
حاضر بشهادة رجل واحد سواهما جاز النكاح"
لأن الأب يجعل مباشرا للعقد لاتحاد المجلس
فيكون الوكيل سفيرا أو معبرا فيبقى المزوج
شاهدا "وإن
كان الأب غائبا لم يجز" لأن
المجلس مختلف فلا يمكن أن يجعل الأب مباشرا
وعلى هذا إذا زوج الأب ابنته البالغة بمحضر
شاهد واحد إن كانت حاضرة جاز وإن كانت غائبة
لم يجز.
فصل في بيان المحرمات
قال: "لا
يحل للرجل أن يتزوج بأمه ولا بجداته من قبل
الرجال والنساء" لقوله تعالى:
{حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ}
[النساء: 23] والجدات أمهات إذ الأم هي الأصل
لغة أو ثبتت حرمتهن بالإجماع.
قال: "ولا
ببنته" لما تلونا "ولا
ببنت ولده وإن سفلت" للإجماع
"ولا
بأخته ولا ببنات أخته ولا ببنات أخيه ولا
بعمته ولا بخالته" لأن حرمتهن
منصوص عليها في هذه الآية وتدخل فيها العمات
المتفرقات والخالات المتفرقات وبنات الإخوة
المتفرقين لأن جهة الاسم عامة.
قال: "ولا
بأم امرأته التي دخل بها أو لم يدخل"
لقوله تعالى:
{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] من غير قيد الدخول "ولا
ببنت امرأته التي دخل بها"
لثبوت قيد الدخول بالنص "سواء
كانت في حجره أو في حجر غيره"
لأن ذكر الحجر خرج مخرج العادة لا مخرج الشرط
ولهذا اكتفي في موضع الإحلال بنفي الدخول.
قال: "ولا
بامرأة أبيه وأجداده" لقوله
تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] "ولا
بامرأة ابنه وبني أولاده"
لقوله تعالى:
{وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ
ج / 1 ص -187-
مِنْ أَصْلابِكُمْ}
[النساء: 23] وذكر الأصلاب لإسقاط اعتبار
التبني لا لإحلال حليلة الابن من الرضاعة "ولا
بأمه من الرضاعة ولا بأخته من الرضاعة"
لقوله تعالى:
{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ
الرَّضَاعَةِ}
[النساء: 23] لقوله عليه الصلاة والسلام "يحرم
من الرضاع ما يحرم من النسب".
"ولا
يجمع بين أختين نكاحا ولا يملك يمين وطأ"
لقوله تعالى:
{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] ولقوله عليه الصلاة والسلام "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم أختين" "فإن
تزوج أخت أمة له قد وطئها صح النكاح"
لصدوره من أهله مضافا إلى محله "و"
إذا جاز "لا
يطأ الأمة وإن كان لم يطأ المنكوحة"
لأن المنكوحة موطوءة حكما ولا يطأ المنكوحة
للجمع إلا إذا حرم الموطوءة على نفسه بسبب من
الأسباب فحينئذ يطأ المنكوحة لعدم الجمع وطأ
ويطأ المنكوحة إن لم يكن وطئ المملوكة لعدم
الجمع وطأ إذ المرقوقة ليست موطوءة حكما "فإن
تزوج أختين في عقدتين ولا يدري أيتهما أولى
فرق بينه وبينهما" لأن نكاح
إحداهما باطل بيقين ولا وجه إلى التعيين لعدم
الأولوية ولا إلى التنفيذ مع التجهيل لعدم
الفائدة أو للضرر فتعين التفريق "ولهما
نصف المهر" لأنه وجب للأولى
منهما وانعدمت الأولوية للجهل بالأولية فيصرف
إليهما وقيل لا بد من دعوى كل واحدة منهما
أنها الأولى أو الاصطلاح لجهالة المستحقة "ولا
يجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها أو ابنة
أخيها ولا على ابنة أختها"
لقوله عليه الصلاة والسلام "لا تنكح المرأة
على عمتها ولا على خالتها ولا على ابنة أخيها
أو ابنة أختها" وهذا مشهور تجوز الزيادة على الكتاب بمثله.
"ولا
يجمع بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يجز
له أن يتزوج بالأخرى" لأن
الجمع بينهما يفضي إلى القطيعة والقرابة
المحرمة للنكاح محرمة للقطع ولو كانت المحرمية
بينهما بسبب الرضاع يحرم لما روينا من قبل "ولا
بأس بأن يجمع بين امرأة وبنت زوج كان لها من
قبل" لأنه لا قرابة بينهما
ولا رضاع وقال زفر رحمه الله لا يجوز لأن ابنة
الزوج لو قدرتها ذكرا لا يجوز له التزوج
بامرأة أبيه قلنا امرأة الأب لو صورتها ذكرا
جاز له التزوج بهذه والشرط أن يصور ذلك من كل
جانب.
قال: "ومن
زنا بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها"
وقال الشافعي رحمه الله الزنا لا يوجب حرمة
المصاهرة لأنها نعمة فلا تنال بالمحظور.
ولنا أن الوطء سبب الجزئية بواسطة الولد حتى
يضاف إلى كل واحد منهما كملا
ج / 1 ص -188-
فتصير
أصولها وفروعها كأصوله وفروعه وكذلك على العكس
والاستمتاع بالجزء حرام إلا في موضع الضرورة
وهي الموطوءة والوطء محرم من حيث إنه سبب
الولد لا من حيث إنه زنا.
"ومن
مسته امرأة بشهوة حرمت عليه أمها وبنتها"
وقال الشافعي رحمه الله لا تحرم وعلى هذا
الخلاف مسه امرأة بشهوة ونظره إلى فرجها
ونظرها إلى ذكره عن شهوة له أن المس والنظر
ليسا في معنى الدخول ولهذا لا يتعلق بهما فساد
الصوم والإحرام ووجوب الاغتسال فلا يلحقان به.
ولنا أن المس والنظر سبب داع إلى الوطء فيقام
مقامه في موضع الاحتياط ثم إن المس بشهوة أن
تنتشر الآلة أو تزداد انتشارا هو الصحيح
والمعتبر النظر إلى الفرج الداخل ولا يتحقق
ذلك إلا عند اتكائها ولو مس فأنزل فقد قيل إنه
يوجب الحرمة والصحيح أنه لا يوجبها لأنه
بالإنزال تبين أنه غير مفض إلى الوطء وعلى هذا
إتيان المرأة في الدبر.
"وإذا
طلق امرأته طلاقا بائنا أو رجعيا لم يجز له أن
يتزوج بأختها حتى تنقضي عدتها"
وقال الشافعي رحمه الله إن كانت العدة عن طلاق
بائن أو ثلاث يجوز لانقطاع النكاح بالكلية
إعمالا للقاطع ولهذا لو وطئها مع العلم
بالحرمة يجب الحد.
ولنا أن نكاح الأولى قائم لبقاء أحكامه
كالنفقة والمنع والفراش والقاطع تأخر عمله
ولهذا بقي القيد والحد لا يجب على إشارة كتاب
الطلاق وعلى عبارة كتاب الحدود يجب لأن الملك
قد زال في حق الحل فيتحقق الزنا ولم يرتفع في
حق ما ذكرنا فيصير جامعا "ولا
يتزوج المولى أمته ولا المرأة عبدها"
لأن النكاح ما شرع إلا مثمرا ثمرات مشتركة بين
المتناكحين والمملوكية تنافي المالكية فيمتنع
وقوع الثمرة على الشركة.
"ويجوز
تزويج الكتابيات" لقوله
تعالى:
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] أي العفائف ولا فرق بين الكتابية الحرة والأمة على ما
تبين من بعد إن شاء الله "ولا
يجوز تزويج المجوسيات" لقوله
عليه الصلاة والسلام "سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم".
قال: "ولا
الوثنيات" لقوله تعالى:
{وَلا
تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] "ويجوز
تزويج الصابئيات إن كانوا يؤمنون بدين نبي
ويقرون بكتاب" لأنهم من أهل
الكتاب "وإن
كانوا يعبدون الكواكب ولا كتاب لهم لم تجز
مناكحتهم" لأنهم مشركون
ج / 1 ص -189-
والخلاف المنقول فيه محمول على اشتباه مذهبهم
فكل أجاب على ما وقع عنده وعلى هذا حل
ذبيحتهم.
قال: "ويجوز
للمحرم والمحرمة أن يتزوجا في حالة الإحرام"
وقال الشافعي رحمه الله لا يجوز وتزويج الولي
المحرم وليته على هذا الخلاف له قوله عليه
الصلاة والسلام "لا
ينكح المحرم ولا ينكح" ولنا
ما روي
أنه عليه الصلاة والسلام تزوج بميمونة وهو محرم وما رواه محمول على الوطء.
"ويجوز
تزويج الأمة مسلمة كانت أو كتابية"
وقال الشافعي رحمه الله لا يجوز للحر أن يتزوج
بأمة كتابية لأن جواز نكاح الإماء ضروري عنده
لما فيه من تعريض الجزء على الرق وقد اندفعت
الضرورة بالمسلمة ولهذا جعل طول الحرة مانعا
منه وعندنا الجواز مطلق لإطلاق المقتضى وفيه
امتناع عن تحصيل الجزء الحر لا إرقاقه وله أن
لا يحصل الأصل فيكون له أن لا يحصل الوصف "ولا
يتزوج أمة على حرة" لقوله
عليه الصلاة والسلام "لا تنكح الأمة على الحرة"
وهو بإطلاقه حجة على الشافعي رحمه الله في
تجويزه ذلك للعبد وعلى مالك رحمه الله في
تجويزه ذلك برضا الحرة ولأن للرق أثرا في
تنصيف النعمة على ما نقرره في كتاب الطلاق إن
شاء الله فيثبت به حل المحلية في حالة
الانفراد دون حالة الانضمام.
"ويجوز
تزويج الحرة عليها" لقوله
عليه الصلاة والسلام "وتنكح الحرة على الأمة"
ولأنها من المحللات في جميع الحالات إذ لا
منصف في حقها "فإن
تزوج أمة على حرة في عدة من طلاق بائن أو ثلاث
لم يجز عند أبي حنيفة رحمه الله ويجوز عندهما"
لأن هذا ليس بتزوج عليها وهو المحرم ولهذا لو
حلف لا يتزوج عليها لم يحنث بهذا ولأبي حنيفة
رحمه الله أن نكاح الحرة باق من وجه لبقاء بعض
الأحكام فيبقى المنع احتياطا بخلاف اليمين لأن
المقصود أن لا يدخل غيرهما في قسمها "وللحر
أن يتزوج أربعا من الحرائر والإماء وليس له أن
يتزوج أكثر من ذلك" لقوله
تعالى:
{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ
وَرُبَاعَ}
[النساء: 3] والتنصيص على العدد يمنع الزيادة
عليه وقال الشافعي رحمه الله لا يتزوج إلا أمة
واحدة لأنه ضروري عنده والحجة عليه ما تلونا
إذ الأمة المنكوحة ينتظمها اسم النساء كما في
الظهار "ولا
يجوز للعبد أن يتزوج أكثر من اثنتين"
وقال مالك يجوز لأنه في حق النكاح بمنزلة الحر
عنده حتى ملكه بغير إذن المولى.
ولنا أن الرق منصف فيتزوج العبد اثنتين والحر
أربعا إظهارا لشرف الحرية.
ج / 1 ص -190-
"فإن
طلق الحر إحدى الأربع طلاقا بائنا لم يجز له
أن يتزوج رابعة حتى تنقضي عدتها"
وفيه خلاف الشافعي وهو نظير نكاح الأخت في عدة
الأخت.
قال: "وإن
تزوج حبلى من زنا جاز النكاح ولا يطؤها حتى
تضع حملها" وهذا عند أبي
حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف رحمه الله النكاح
فاسد
"وإن كان الحمل ثابت النسب فالنكاح باطل
بالإجماع" لأبي يوسف رحمه
الله أن الامتناع في الأصل لحرمة الحمل وهذا
الحمل محترم لأنه لا جناية منه ولهذا لم يجز
إسقاطه ولهما أنها من المحللات بالنص وحرمة
الوطء كيلا يسقي ماءه زرع غيره والامتناع في
ثابت النسب لحق صاحب الماء ولا حرمة للزاني "فان تزوج حاملا من السبي فالنكاح فاسد"
لأنه ثابت النسب "وإن
زوج أم ولده وهي حامل منه فالنكاح باطل"
لأنها فراش لمولاها حتى يثبت نسب ولدها منه من
غير دعوة فلو صح النكاح لحصل الجمع بين
الفراشين إلا أنه غير متأكد حتى ينتفي الولد
بالنفي من غير لعان فلا يعتبر ما لم يتصل به
الحمل.
قال: "ومن
وطيء جاريته ثم زوجها جاز النكاح"
لأنها ليست بفراش لمولاها فإنها لو جاءت بولد
لا يثبت نسبه من غير دعوة إلا أن عليه أن
يستبرئها صيانة لمائه "وإذا
جاز النكاح فللزوج أن يطأها قبل الاستبراء"
عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال
محمد رحمه الله لا أحب له أن يطأها حتى أن
يستبرئها لأنه احتمل الشغل بماء المولى فوجب
التمزه كما في الشراء ولهما أن الحكم بجواز
النكاح أمارة الفراغ فلا يؤمر بالاستبراء لا
استحبابا ولا وجوبا بخلاف الشراء لأنه يجوز مع
الشغل "وكذا
إذا رأى امرأة تزني فتزوجها حل له أن يطأها
قبل أن يستبرئها عندهما وقال محمد لا أحب له
أن يطأها ما لم يستبرئها"
والمعنى ما ذكرنا.
قال: "ونكاح
المتعة باطل" وهو أن يقول
لامرأة أتمتع بك كذا مدة بكذا من المال وقال
مالك هو جائز لأنه كان مباحا فيبقى إلى أن
يظهر ناسخه قلنا ثبت النسخ باجماع الصحابة رضي
الله عنهم وابن عباس رضي الله عنهما صح رجوعه
إلى قولهم فتقرر الإجماع "والنكاح
المؤقت باطل" مثل أن يتزوج
امرأة بشهادة شاهدين إلى عشرة أيام وقال زفر
هو صحيح لازم لأن النكاح لا يبطل بالشروط
الفاسدة.
ولنا أنه أتى بمعنى المتعة والعبرة في العقود
للمعاني ولا فرق بين ما إذا طالت مدة التأقيت
أو قصرت لأن التأقيت هو المعين لجهة المتعة
وقد وجد "ومن
تزوج امرأتين في عقدة واحدة وإحداهما لا يحل
له نكاحها صح نكاح التي يحل نكاحها وبطل نكاح
الأخرى"
ج / 1 ص -191-
لأن
المبطل في إحداهما بخلاف ما إذا جمع بين حر
وعبد في البيع لأنه يبطل بالشروط الفاسدة
وقبول العقد في الحر شرط فيه ثم جميع المسمى
للتي يحل نكاحها عند أبي حنيفة رحمه الله
وعندهما يقسم على مهر مثليهما وهي مسئلة الأصل
"ومن ادعت عليه امرأة أنه تزوجها وأقامت
بينة فجعلها القاضي امرأته ولم يكن تزوجها
وسعها المقام معه وأن تدعه يجامعها"
وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله وهو قول أبي
يوسف رحمه الله أولا وفي قوله الآخر وهو قول
محمد رحمه الله لا يسعه أن يطأها وهو قول
الشافعي رحمه الله لأن القاضي أخطأ الحجة إذ
الشهود كذبة فصار كما إذا ظهر أنهم عبيد أو
كفار ولأبي حنيفة أن للشهود صدقة عنده وهو
الحجة لتعذر الوقوف على حقيقة الصدق بخلاف
الكفر والرق لأن الوقوف عليهما متيسر وإذا
ابتنى القضاء على الحجة وأمكن تنفيذه باطنا
بتقديم النكاح نفذ قطعا للمنازعة بخلاف
الأملاك المرسلة لأن في الأسباب تزاحما فلا
إمكان والله أعلم.
باب في الأولياء والأكفاء
"وينعقد
نكاح الحرة العاقلة البالغة برضاها وإن لم
يعقد عليها ولى بكرا كانت أو ثيبا عند أبي
حنيفة وأبي يوسف" رحمهما الله
"في
ظاهر الرواية وعن أبي يوسف"
رحمه الله "أنه
لا ينعقد إلا بولي وعند محمد ينعقد موقوفا"
وقال مالك والشافعي رحمهما الله لا ينعقد
النكاح بعبارة النساء أصلا لأن النكاح يراد
لمقاصد والتفويض إليهن مخل بها إلا أن محمدا
رحمه الله يقول يرتفع الخلل باجازة الولي ووجه
الجواز أنها تصرفت في خالص حقها وهي من أهله
لكونها عاقلة مميزة ولهذا كان لها التصرف في
المال ولها اختيار الأزواج وإنما يطالب الولي
بالتزويج كيلا تنسب إلى الوقاحة ثم في ظاهر
الرواية لا فرق بين الكفء وغير الكفء ولكن
للولي الاعتراض في غير الكفء وعن أبي حنيفة
وأبي يوسف أنه لا يجوز في غير الكفء لأنه كم
من واقع لا يرفع ويروي رجوع محمد إلى قولهما "ولا
يجوز للولي إجبار البكر البالغة على النكاح"
خلافا للشافعي رحمه الله له الاعتبار بالصغيرة
وهذا لأنها جاهلة بأمر النكاح لعدم التجربة
ولهذا يقبض الأب صداقها بغير أمرها.
ولنا أنها حرة مخاطبة فلا يكون للغير عليها
ولاية الإجبار والولاية على الصغيرة لقصور
عقلها وقد كمل بالبلوغ بدليل توجه الخطاب فصار
كالغلام وكالتصرف في المال وإنما يملك الأب
قبض الصداق برضاها دلالة ولهذا لا يملك مع
نهيها.
قال: "وإذا
استأذنها الولي فسكتت أو ضحكت فهو إذن"
لقوله عليه الصلاة والسلام:
ج / 1 ص -192-
"البكر
تستأمر في نفسها فإن سكتت فقد رضيت"
ولأن جنية الرضا فيه راجحة لأنها تستحيي عن
إظهار الرغبة لا عن الرد والضحك أدل على الرضا
من السكوت بخلاف ما إذا بكت لأنه دليل السخط
والكراهية وقيل إذا ضحكت كالمستهزئة بما سمعت
لا يكون رضا وإذا بكت بلا صوت لم يكن ردا.
قال: "وإن
فعل هذا غير الولي" يعني
استأمر غير الولي "أو
ولى غيره أولى منه لم يكن رضا حتى تتكلم به"
لأن هذا السكوت لقلة الإلتفات إلى كلامه فلم
يقع دلالة على الرضا ولو وقع فهو محتمل
والاكتفاء بمثله للحاجة ولا حاجة في حق غير
الأولياء بخلاف ما إذا كان المستأمر رسول
الولي لأنه قائم مقامه ويعتبر في الاستثمار
تسمية الزوج على وجه تقع به المعرفة لتظهر
رغبتها فيه من رغبتها عنه "ولا
تشترط تسمية المهر هو الصحيح"
لأن النكاح صحيح بدونه.
"ولو
زوجها فبلغها الخبر فسكتت فهو على ما ذكرنا"
لأن وجه الدلالة في السكوت لا يختلف ثم المخبر
إن كان فضوليا يشترط فيه العدد أو العدالة عند
أبي حنيفة رحمه الله خلافا لهما ولو كان رسولا
لا يشترط إجماعا وله نظائر.
"ولو
استأذن الثيب فلا بد من رضاها بالقول"
لقوله عليه الصلاة والسلام "الثيب تشاور"
ولأن النطق لا يعد عيبا منها وقل الحياء
بالممارسة فلا مانع من النطق في حقها "وإذا
زالت بكارتها بوثبة أو حيضة أو جراحة أو تعنيس
فهي في حكم الأبكار" لأنها
بكر حقيقية لأن مصيبها أول مصيب لها ومنه
الباكورة والبكرة ولأنها تستحيي لعدم
الممارسة.
"ولو
زالت" بكارتها "بزنا
فهي كذلك عند أبي حنيفة" رحمه
الله وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله
لا يكتفي بسكوتها لأنها ثيب حقيقية لأن مصيبها
عائد إليها ومنه المثوبة والمثابة والتثويب
ولأبي حنيفة رحمه الله أن الناس عرفوها بكرا
فيعيبونها بالنطق فتمتنع عنه فيكتفي بسكوتها
كيلا تتعطل عليها مصالحها بخلاف ما إذا وطئت
بشبهة أو بنكاح فاسد لأن الشرع أظهره حيث علق
به أحكاما أما الزنا فقد ندب إلى ستره حتى لو
اشتهر حالها لا يكتفي بسكوتها.
"وإذا
قال الزوج بلغك النكاح فسكتت وقالت رددت
فالقول قولها" وقال زفر رحمه
الله القول قوله لأن السكوت أصل والرد عارض
فصار كالمشروط له الخيار إذا ادعى الرد بعد
مضي المدة ونحن نقول إنه يدعى لزوم العقد
وتملك البضع والمرأة تدفعه فكانت منكرة
كالمودع إذا ادعى رد الوديعة بخلاف مسئلة
الخيار لأن اللزوم قد ظهر بمضي المدة
ج / 1 ص -193-
"وإن
أقام الزوج البينة على سكوتها ثبت النكاح"
لأنه نور دعواه بالحجة وإن لم تكن له بينة فلا
يمين عليها عند أبي حنيفة رحمه الله وهي مسألة
الاستحلاف في الأشياء الستة وستأتيك إن شاء
الله.
"ويجوز
نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجهما الولي بكرا
كانت الصغيرة أو ثيبا والولي هو العصبة"
ومالك رحمه الله يخالفنا في غير الأب والشافعي
رحمه الله في غير الأب والجد وفي الثيب
الصغيرة أيضا وجه قول مالك إن الولاية على
الحرة باعتبار الحاجة ولا حاجة هنا لانعدام
الشهوة إلا أن ولاية الأب ثبتت نصا بخلاف
القياس والجد ليس في معناه فلا يلحق به قلنا
لا بل هو موافق للقياس لأن النكاح يتضمن
المصالح ولا تتوفر إلا بين المتكافئين عادة
ولا يتفق الكفء في كل زمان فأثبتنا الولاية في
حالة الصغر إحرازا للكفء وجه قول الشافعي رحمه
الله أن النظر لا يتم بالتفويض إلى غير الأب
والجد لقصور شفقته وبعد قرابته ولهذا لا يملك
التصرف في المال مع انه أدنى رتبة فلأن لا
يملك التصرف في النفس وأنه أعلى أولى.
ولنا أن القرابة داعية إلى النظر كما في الأب
والجد وما فيه من القصور أظهرناه في سلب ولاية
الإلزام بخلاف التصرف في المال فإنه يتكرر فلا
يمكن تدارك الخلل فلا تفيد الولاية إلا ملزمة
ومع القصور لا تثبت ولاية الإلزام وجه قوله في
المسئلة الثانية أن الثيابة سبب لحدوث الرأي
لوجود الممارسة فأدرنا الحكم عليها تيسيرا.
ولنا ما ذكرنا من تحقق الحاجة ووفور الشفقة
ولا ممارسة تحدث الرأي بدون الشهوة فيدار
الحكم على الصغر ثم الذي يؤيد كلامنا فيما
تقدم قوله عليه الصلاة والسلام "النكاح إلى
العصبات"
من غير فصل
والترتيب في العصبات في ولاية النكاح كالترتيب
في الإرث والأبعد محجوب بالأقرب.
قال: "فإن
زوجهما الأب أو الجد" يعني
الصغير والصغيرة "فلا
خيار لهما" بعد بلوغهما
لأنهما كاملا الرأي وافرا الشفقة فيلزم العقد
بمباشرتهما كما إذا باشراه برضاهما بعد البلوغ
"وإن
زوجهما غير الأب والجد فلكل واحد منهما الخيار
إذا بلغ إن شاء اقام على النكاح وإن شاء فسخ"
وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال
أبو يوسف رحمه الله لا خيار لهما اعتبارا
بالأب والجد ولهما أن قرابة الأخ ناقصة
والنقصان يشعر بقصور الشفقة فيتطرق الخلل إلى
المقاصد عسى والتدارك ممكن بخيار الإدراك
وإطلاق الجواب في غير الأب والجد يتناول الأم
والقاضي وهو الصحيح من الرواية لقصور
ج / 1 ص -194-
الرأي
في أحدهما ونقصان الشفقة في الآخر فيتخير.
قال: "ويشترط
فيه القضاء" بخلاف خيار العتق
لأن الفسخ ههنا لدفع ضرر خفي وهو تمكن الخلل
ولهذا يشمل الذكر والأنثى فجعل إلزاما في حق
الآخر فيفتقر إلى القضاء وخيار العتق لدفع ضرر
جلي وهو زيادة الملك عليها ولهذا يختص بالأنثى
فاعتبر دفعا والدفع لا يفتقر إلى القضاء "ثم
عندهما إذا بلغت الصغيرة وقد علمت بالنكاح
فسكتت فهو رضا وإن لم تعلم بالنكاح فلها
الخيار حتى تعلم فتسكت" شرط
العلم بأصل النكاح لأنها لا تتمكن من التصرف
إلا به والولي ينفرد به فعذرت بالجهل ولم
يشترط العلم بالخيار لأنها تتفرغ لمعرفة أحكام
الشرع والدار دار العلم فلم تعذر بالجهل بخلاف
المعتقة لأن الأمة لا تتفرغ لمعرفتها فتعذر
بالجهل بثبوت الخيار "ثم
خيار البكر يبطل بالسكوت ولا يبطل خيار الغلام
مالم يقل رضيت أو يجيى ء منه ما يعلم أنه رضا
وكذلك الجارية إذا دخل بها الزوج قبل البلوغ"
اعتبارا لهذه الحالة بحالة ابتداء النكاح "وخيار
البلوغ في حق البكر لا يمتد إلى آخر المجلس
ولا يبطل بالقيام في حق الثيب والغلام"
لأنه ما ثبت بإثبات الزوج بل لتوهم الخلل
فإنما يبطل بالرضا غير أن سكوت البكر رضا
بخلاف خيار العتق لأنه ثبت بإثبات المولى وهو
الإعتاق فيعتبر فيه المجلس كما في خيار
المخيرة "ثم
الفرقة بخيار البلوغ ليست بطلاق"
لأنها تصح من الأنثى ولا طلاق إليها وكذا
بخيار العتق لما بينا بخلاف المخيرة لأن الزوج
هو الذي ملكها وهو مالك للطلاق "فإن
مات أحدهما قبل البلوغ ورثه الآخر"
وكذا إذا مات بعد البلوغ قبل التفريق لأن أصل
العقد صحيح والملك ثابت به وقد انتهى بالموت
بخلاف مباشرة الفضولي إذا مات أحد الزوجين قبل
الإجازة لأن النكاح ثمة موقوف فيبطل بالموت
وههنا نافذ فيتقرر به.
قال: "ولا
ولاية لعبد ولا صغير ولا مجنون"
لأنه لا ولاية لهم على أنفسهم فأولى أن لا
تثبت على غيرهم ولأن هذه ولاية نظرية ولا نظر
في التفويض إلى هؤلا "ولا"
ولاية "لكافر على مسلم" لقوله تعالى:
{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
سَبِيلاً}
[النساء: 141] ولهذا لا تقبل شهادته عليه ولا
يتوارثان أما الكافر فتثبت له ولاية الإنكاح
على ولده الكافر لقوله تعالى:
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ} [لأنفال: 73] ولهذا تقبل شهادته عليه ويجري بينهما التوارث "ولغير
العصبات من الأقارب ولاية التزويج عند أبي
حنيفة" رحمه الله معناه عند
عدم العصبات وهذا استحسان وقال محمد رحمه الله
لا تثبت وهو القياس وهو رواية عن أبي حنيفة
رحمه الله وقول أبي يوسف في ذلك مضطرب والأشهر
أنه مع محمد لهما ما روينا ولأن الولاية إنما
تثبت صونا للقرابة عن نسبة غير
ج / 1 ص -195-
الكفء
إليها وإلى العصبات الصيانة ولأبي حنيفة رحمه
الله أن الولاية نظرية والنظر يتحقق بالتفويض
إلى من هو المختص بالقرابة الباعثة على الشفقة
"ومن
لا ولي لها" يعني العصبة من
جهة القرابة "إذا
زوجها مولاها الذي أعتقها جاز"
لأنه آخر العصبات "وإذا
عدم الأولياء فالولاية إلى الإمام والحاكم"
لقوله عليه الصلاة والسلام "السلطان
ولي من لا ولي له" "فإذا
غاب الولي الأقرب غيبة منقطعة جاز لمن هو أبعد
منه أن يزوج" وقال زفر لا
يجوز لأن ولاية الأقرب قائمة لأنها ثبتت حقا
له صيانة للقرابة فلا تبطل بغيبته ولهذا لو
زوجها حيث هو جاز ولا ولاية للأبعد مع ولايته.
ولنا أن هذه ولاية نظرية وليس من النظر
التفويض إلى من لا ينتفع برأيه ففوضناه إلى
الأبعد وهو مقدم على السلطان كما إذا مات
الأقرب ولو زوجها حيث هو فيه منع وبعد التسليم
نقول للأبعد بعد القرابة وقرب التدبير وللأقرب
عكسه فنزلا منزلة وليين متساويين فأيهما عقد
نفذ ولا يرد "والغيبة
المنقطعة أن يكون في بلد لا تصل إليها القوافل
في السنة إلا مرة واحدة" وهو
اختيار القدوري.
وقيل: أدنى مدة السفر لأنه لا نهاية لأقصاه
وهو اختيار بعض المتأخرين وقيل إذا كان بحال
يفوت الكفء الخاطب باستطلاع رأيه وهذا اقرب
إلى الفقه لأنه لا نظر في إبقاء ولايته حينئذ
"وإذا
اجتمع في المجنونة أبوها وابنها فالولي في
إنكاحها ابنها في قول أبي حنيفة وأبي يوسف
رحمهما الله وقال محمد رحمه الله أبوها"
لأنه أوفر شفقة من الابن ولهما أن الابن هو
المقدم في العصوبة وهذه الولاية مبنية عليها
ولا معتبر بزيادة الشفقة كأبي الأم مع بعض
العصبات والله أعلم.
فصل في الكفاءة
"الكفاءة
في النكاح معتبرة" قال عليه
الصلاة والسلام "ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء ولا يزوجن إلا من الأكفاء" ولأن انتظام المصالح بين المتكافئين عادة لأن الشريفة تأبى أن
تكون مستفرشة للخسيس فلا بد من اعتبارها بخلاف
جانبها لأن الزوج مستفرش فلا تغيظه دناءة
الفراش "وإذا
زوجت المرأة نفسها من غير كفء فللأولياء أن
يفرقوا بينهما" دفعا لضرر
العار عن أنفسهم "ثم
الكفاءة تعتبر في النسب" لأنه
يقع به التفاخر "فقريش
بعضهم أكفاء لبعض والعرب بعضهم أكفاء لبعض"
والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام "قريش
بعضهم أكفاء لبعض بطن بيطن والعرب بعضهم أكفاء
لبعض قبيلة بقبيلة والموالي بعضهم أكفاء لبعض
رجل برجل" ولا يعتبر التفاضل
فيما بين قريش لما روينا وعن
ج / 1 ص -196-
محمد
رحمه الله كذلك إلا أن يكون نسبا مشهورا كأهل
بيت الخلافة كأنه قال تعظيما للخلافة وتسكينا
للفتنة وبنو باهلة ليسوا بأكفاء لعامة العرب
لأنهم معروفون بالخساسة.
"وأما
الموالي فمن كان له أبوان في الإسلام فصاعدا
فهو من الأكفاء" يعني لمن له
آباء فيه "ومن
أسلم بنفسه أو له أب واحد في الإسلام لا يكون
كفؤا لمن له أبوان في الإسلام"
لأن تمام النسب بالأب والجد وأبو يوسف ألحق
الواحد بالمثنى كما هو مذهبه في التعريف "ومن
أسلم بنفسه لا يكون كفؤا لمن له أب واحد في
الإسلام" لأن التفاخر فيما
بين الموالي بالإسلام والكفاءة في الحرية
نظيرها في الإسلام في جميع ما ذكرنا لأن الرق
أثر الكفر وفيه معنى الذل فيعتبر في حكم
الكفاءة.
قال: "وتعتبر
أيضا في الدين" أي الديانة
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله هو
الصحيح لأنه من أعلى المفاخر والمرأة تعير
بفسق الزوج فوق ما تعير بضعة نسبه وقال محمد
رحمه الله لا تعتبر لأنه من أمور الآخرة فلا
تبتنى أحكام الدنيا عليه إلا إذا كان يصفع
ويسخر منه أو يخرج إلى الأسواق سكران ويلعب به
الصبيان لأنه مستخف به.
قال: "و"
تعتبر "في
المال وهو أن يكون مالكا للمهر والنفقة"
وهذا هو المعتبر في ظاهر الرواية حتى إن من لا
يملكهما أو لا يملك أحدهما لا يكون كفؤا لأن
المهر بدل البضع فلا بد من إيفائه وبالنفقة
قوام الازدواج ودوامه والمراد بالمهر قدر ما
تعارفوا تعجيله لأن ما وراءه مؤجل عرفا وعن
أبي يوسف رحمه الله أنه اعتبر القدرة على
النفقة دون المهر لأنه تجري المساهلة في
المهور ويعد المرء قادرا عليه بيسار أبيه فأما
الكفاءة في الغنى فمعتبرة في قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله حتى إن الفائقة في اليسار
لا يكافئها القادر على المهر والنفقة لأن
الناس يتفاخرون بالغنى ويتعيرون بالفقر وقال
أبو يوسف رحمه الله لا يعتبر
لأنه لا ثبات له إذ المال غاد ورائح "و"
تعتبر "في
الصنائع" وهذا عند أبي يوسف
ومحمد رحمهما الله وعن أبي حنيفة في ذلك
روايتان وعن أبي يوسف أنه لا تعتبر إلا أن
تفحش كالحجام والحائك والدباغ وجه الاعتبار أن
الناس يتفاخرون بشرف الحرف ويتعيرون بدناءتها
وجه القول الآخر أن الحرفة ليست بلازمة ويمكن
التحول عن الخسيسة إلى النفيسة منها.
قال: "وإذا
تزوجت المرأة ونقصت عن مهر مثلها فللأولياء
الاعتراض عليها" عند أبي
حنيفة رحمه الله "حتى
يتم لها مهر مثلها أو يفارقها"
وقالا ليس لهم ذلك وهذا الوضع إنما يصح على
قول محمد رحمه الله على اعتبار قوله المرجوع
إليه في النكاح بغير الولي وقد صح
ج / 1 ص -197-
ذلك،
وهذه شهادة صادقة عليه لهما أن ما زاد على
العشرة حقها ومن أسقط حقه لا يعترض عليه كما
بعد التسمية ولأبي حنيفة رحمه الله أن
الأولياء يفتخرون بغلاء المهر ويتعيرون
بنقصانه بأشبه الكفاءة بخلاف الإبراء بعد
التسمية لأنه لا يتعير به.
"وإذا
زوج الأب ابنته الصغيرة ونقص من مهرها أو ابنه
الصغير وزاد في مهر امرأته جاز ذلك عليهما ولا
يجوز ذلك لغير الأب والجد وهذا عند أبي حنيفة
رحمه الله وقالا لا يجوز الحط والزيادة إلا
بما يتغابن الناس فيه" ومعنى
هذا الكلام أنه لا يجوز العقد عندهما لأن
الولاية مقيدة بشرط النظر فعند فواته يبطل
العقد وهذا لأن الحط عن مهر المثل ليس من
النظر في شيء كما في البيع ولهذا لا يملك ذلك
غيرهما ولأبي حنيفة رحمه الله أن الحكم يدار
على دليل النظر وهو قرب القرابة وفي النكاح
مقاصد تربو على المهر أما المالية فهي
المقصودة في التصرف المالي والدليل عدمناه في
حق غيرهما.
"ومن
زوج ابنته وهي صغيرة عبدا أو زوج ابنه وهو
صغير أمة فهو جائز" قال رضي
الله عنه "وهذا
عند أبي حنيفة رحمه الله أيضا"
لأن الإعراض عن الكفاءة لمصلحة تفوقها وعندهما
هو ضرر ظاهر لعدم الكفاءة فلا يجوز والله
أعلم.
فصل في الوكالة بالنكاح وغيرها
"ويجوز
لابن العم أن يزوج بنت عمه من نفسه"
وقال زفر رحمه الله لا يجوز "وإذا
أذنت المرأة للرجل أن يزوجها من نفسه فعقد
بحضرة شاهدين جاز" وقال زفر
والشافعي رحمهما الله لا يجوز لهما أن الواحد
لا يتصور أن يكون مملكا ومتملكا كما في البيع
إلا أن الشافعي رحمه الله يقول في الولي ضرورة
لأنه لا يتولاه سواه ولا ضرورة في حق الوكيل.
ولنا أن الوكيل في النكاح معبر وسفير والتمانع
في الحقوق دون التعيير ولا ترجع الحقوق إليه
بخلاف البيع لأنه مباشر حتى رجعت الحقوق إليه
وإذا تولى طرفيه فقوله زوجت يتضمن الشطرين فلا
يحتاج إلى القبول.
قال: "وتزويج
العبد والأمة بغير إذن مولاهما موقوف فإن
أجازه المولى جاز وإن رده بطل وكذلك لو زوج
رجل امرأة بغير رضاها أو رجلا بغير رضاه"
وهذا عندنا فإن كل عقد صدر من الفضولي وله
مجيز انعقد موقوفا على الإجازة وقال الشافعي
رحمه الله تصرفات الفضولي كلها باطلة لأن
العقد وضع لحكمه والفضولي لا يقدر على إثبات
الحكم فيلغو ولنا أن ركن التصرف صدر من أهله
مضافا إلى محله ولا ضرر في انعقاده فينعقد
موقوفا حتى إذا رأى المصلحة فيه ينفذه وقد
يتراخي حكم العقد عن العقد.
ج / 1 ص -198-
"ومن
قال اشهدوا أني قد تزوجت فلانة فبلغها الخبر
فأجازت فهو باطل وإن قال آخر اشهدوا أني قد
زوجتها منه فبلغها الخبر فأجازت جاز وكذلك إن
كانت المرأة هي التي قالت جميع ذلك"
وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال
أبو يوسف رحمه الله إذا زوجت نفسها غائبا
فبلغه فأجازه جاز.
وحاصل هذا أن الواحد لا يصلح فضوليا من
الجانبين أو فضوليا من جانب وأصيلا من جانب
عندهما خلافا له ولو جرى العقد بين الفضوليين
أو بين الفضولي والأصيل جاز بالإجماع هو يقول
لو كان مأمورا من الجانبين ينفذ فإذا كان
فضوليا بتوقف وصار كالخلع والطلاق والإعتاق
على مال ولهما أن الموجود شطر العقد لأنه شطر
حالة الحضرة فكذا عند الغيبة وشطر العقد لا
يتوقف على ما وراء المجلس كما في البيع بخلاف
المأمور من الجانبين فإنه ينتقل كلامه إلى
العاقدين وما جرى بين الفضوليين عقد تام وكذا
الخلع وأختاه لأنه تصرف يمين من جانبه حتى
يلزم فيتم به.
"ومن
أمر رجلا أن يزوجه امرأة فزوجه اثنتين في عقدة
لم تلزمه واحدة منهما" لأنه
لا وجه إلى تنفيذهما للمخالفة ولا إلى التنفيذ
في إحداهما غير عين للجهالة ولا إلى التعيين
لعدم الأولوية فتعين التفريق.
"ومن
أمره أمير بأن يزوجه امرأة فزوجه أمة لغيره
جاز عند أبي حنيفة رحمه الله"
رجوعا إلى إطلاق اللفظ وعدم التهمة "وقال
أبو يوسف ومحمد رحمهما الله لا يجوز إلا أن
يزوجه كفؤا" لأن المطلق ينصرف
إلى المتعارف وهو التزوج بالأكفاء قلنا العرف
مشترك أو هو عرف عملي فلا يصلح مقيدا وذكر في
الوكالة أن اعتبار الكفاءة في هذا استحسان
عندهما لأن كل أحد لا يعجز عن التزوج بمطلق
الزوج فكانت الاستعانة في التزوج بالكفء والله
أعلم.
باب المهر
"ويصح
النكاح وإن لم يسم فيه مهرا"
لأن النكاح عقد انضمام وازدواج لغة فيتم
بالزوجين ثم المهر واجب شرعا إبانة لشرف المحل
فلا يحتاج إلى ذكره لصحة النكاح وكذا إذا
تزوجها بشرط أن لا مهر لها لما بينا وفيه خلاف
مالك رحمه الله.
"وأقل
المهر عشرة دراهم" وقال
الشافعي رحمه الله ما يجوز أن يكون ثمنا في
البيع يجوز أن يكون مهرا لها لأنه حقها فيكون
التقدير إليها ولنا قوله عليه الصلاة والسلام
ج / 1 ص -199-
"ولا
مهر أقل من عشرة" ولأنه حق
الشرع وجوبا إظهارا لشرف المحل فيتقدر بماله
خطر وهو العشرة استدلالا بنصاب السرقة.
"ولو
سمي أقل من عشرة فلها العشرة"
عندنا وقال زفر رحمه الله لها مهر المثل لأن
تسمية مالا يصلح مهرا كانعدامه ولنا أن فساد
هذه التسمية لحق الشرع وقد صار مقضيا بالعشرة
فأما ما يرجع إلى حقها فقد رضيت بالعشرة
لرضاها بما دونها ولا معتبر بعدم التسمية
لأنها قد ترضى بالتمليك من غير عوض تكرما ولا
ترضى فيه بالعوض اليسير ولو طلقها قبل الدخول
بها تجب خمسة عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله
وعنده تجب المتعة كما إذا لم يسم شيئا.
"ومن
سمى مهرا عشرة فما زاد فعليه المسمى إن دخل
بها أو مات عنها" لأنه
بالدخول يتحقق تسليم المبدل وبه يتأكد البدل
وبالموت ينتهي النكاح نهايته والشيء بانتهائه
يتقرر ويتأكد فيتقرر بجميع مواجبه "وإن
طلقها قبل الدخول بها والخلوة فلها نصف المسمى"
لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الآية، والأقيسة متعارضة ففيه تفويت الزوج الملك على
نفسه باختياره وفيه عود المعقود عليه إليها
سالما فكان المرجع فيه النص وشرط أن يكون قبل
الخلوة لأنها كالدخول عندنا على ما نبينه إن
شاء الله تعالى قال: "وإن
تزوجها ولم يسم لها مهرا أو تزوجها على أن لا
مهر لها فلها مهر مثلها إن دخل بها أو مات
عنها" وقال الشافعي رحمه الله
لا يجب شيء في الموت وأكثرهم على أنه يجب في
الدخول له أن المهر خالص حقها فتتمكن من نفيه
ابتداء كما تتمكن من إسقاطه انتهاء ولنا أن
المهر وجوبا حق الشرع على ما مر وإنما يصير
حقا لها في حالة البقاء فتملك الإبراء دون
النفي "ولو طلقها قبل الدخول بها فلها المتعة"
لقوله تعالى:
{وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] الآية ثم هذه المتعة واجبة رجوعا إلى الأمر وفيه
خلاف مالك رحمه الله.
"والمتعة
ثلاثة أثواب من كسوة مثلها"
وهي درع وخمار وملحفة وهذا التقدير مروي عن
عائشة وابن عباس رضي الله عنهما وقوله من كسوة
مثلها إشارة إلى أنه يعتبر حالها وهو قول
الكرخي رحمه الله في المتعة الواجبة لقيامها
مقام مهر المثل والصحيح أنه يعتبر حاله عملا
بالنص وهو قوله تعالى:
{عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] ثم هي لا تزاد على نصف مهر مثلها ولا تنقص عن خمسة
دراهم ويعرف ذلك في الأصل "وإن
تزوجها ولم يسم لها مهرا ثم تراضيا على تسميته
فهي لها إن دخل بها أو مات عنها وإن طلقها قبل
الدخول بها فلها المتعة" وعلى
قول أبي يوسف رحمه الله الأول نصف
ج / 1 ص -200-
هذا
المفروض وهو قول الشافعي رحمه الله لأنه مفروض
فيتنصف بالنص ولنا أن هذا الفرض تعيين للواجب
بالعقد وهو مهر المثل وذلك لا يتنصف فكذا ما
نزل منزلته والمراد بما تلا الفرض في العقد إذ
هو الفرض المتعارف.
قال: "فإن
زاد لها في المهر بعد العقد لزمته الزيادة"
خلافا لزفر رحمه الله وسنذكره في زيادة الثمن
والمثمن إن شاء الله
و إذا صحت الزيادة "تسقط
بالطلاق قبل الدخول" وعلى قول
أبي يوسف رحمه الله أولا تتنصف مع الأصل لأن
التنصيف عندهما يختص بالمفروض في العقد وعنده
المفروض بعده كالمفروض فيه على ما مر "وإن
حطت عنه من مهرها صح الحط"
لأن المهر بقاء حقها والحط يلاقيه حالة البقاء
"وإذا
خلا الرجل بامرأته وليس هناك مانع من الوطء ثم
طلقها فلها كمال المهر" وقال
الشافعي رحمه الله لها نصف المهر لأن المعقود
عليه إنما يصير مستوفى بالوطء فلا يتأكد المهر
دونه.
ولنا أنها سلمت المبدل حيث رفعت الموانع وذلك
وسعها فيتأكد حقها في البدل اعتبارا بالبيع "وإن
كان أحدهما مريضا أو صائما في رمضان أو محرما
بحج فرض أو نفل أو بعمرة أو كانت حائضا فليست
الخلوة صحيحة" حتى لو طلقها
كان لها نصف المهر لأن هذه الأشياء موانع.
أما المرض فالمراد منه ما يمنع الجماع أو
يلحقه به ضرر وقيل مرضه لا يعري عن تكسر وفتور
وهذا التفصيل في مرضها وصوم رمضان لما يلزمه
من القضاء والكفارة والإحرام لما يلزمه من
الدم وفساد النسك والقضاء والحيض مانع طبعا
وشرعا "وإن
كان أحدهما صائما تطوعا فلها المهر كله"
لأنه يباح له الإفطار من غير عذر في رواية
المنتقي وهذا القول في المهر هو الصحيح وصوم
القضاء والمنذور كالتطوع في رواية لأنه لا
كفارة فيه والصلاة بمنزلة الصوم فرضها كفرضه
ونفلها كنفله.
"وإذا
خلا المجبوب بامرأته ثم طلقها فلها كمال المهر
عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا عليه نصف المهر"
لأنه أعجز من المريض بخلاف العنين لأن الحكم
أدير على سلامة الآلة ولأبي حنيفة رحمه الله
أن المستحق عليها التسليم في حق السحق وقد أتت
به. قال: "وعليها
العدة في جميع هذه المسائل"
احتياطا استحسانا لتوهم الشغل والعدة حق الشرع
الولد فلا يصدق في إبطال حق الغير بخلاف المهر
لأنه مال لا يحتاط في إيجابه وذكر القدوري
رحمه الله في شرحه أن المانع إن كان شرعيا
كالصوم والحيض تجب العدة لثبوت التمكن حقيقة
وإن كان حقيقيا كالمرض والصغر لا تجب لانعدام
التمكن حقيقة.
ج / 1 ص -201-
قال: "وتستحب
المتعة لكل مطلقة إلا لمطلقة واحدة وهي التي
طلقها الزوج قبل الدخول بها وقد سمى لها مهرا"
وقال الشافعي رحمه الله تجب لكل مطلقة إلا
لهذه لأنها وجبت صلة من الزوج لأنه أوحشها
بالفراق إلا أن في هذه الصورة نصف المهر طريقه
المتعة لأن الطلاق فسخ في هذه الحالة والمتعة
لا تتكرر.
ولنا أن المتعة خلف عن مهر المثل في المفوضة
لأنه سقط مهر المثل ووجبت المتعة والعقد يوجب
العوض فكان خلفا والخلف لا يجامع الأصل ولا
شيئا منه فلا تجب مع وجوب شيء من المهر وهو
غير جان في الإيحاش فلا تلحقه الغرامة به فكان
من باب الفضل "وإذا
زوج الرجل بنته على أن يزوجه الآخر بنته أو
أخته ليكون أحد العقدين عوضا عن الآخر
فالعقدان جائزان ولكل واحدة منهما مهر مثلها"
وقال الشافعي رحمه الله بطل العقدان لأنه جعل
نصف البضع صداقا والنصف منكوحة ولا اشتراك في
هذا الباب فبطل الإيجاب.
ولنا أنه سمى مالا يصح صداقا فيصح العقد ويجب
مهر المثل كما إذا سمى الخمر والخنزير ولا
شركة بدون الاستحقاق "وإن
تزوج حر امرأة على خدمته إياها سنة أو على
تعليم القرآن فلها مهر مثلها وقال محمد رحمه
الله لها قيمة خدمته سنة وإن تزوج عبد امرأة
بإذن مولاه على خدمته سنة جاز ولها خدمته"
وقال الشافعي رحمه الله لها تعليم القرآن
والخدمة في الوجهين لأن ما يصح أخذ العوض عنه
بالشرط يصلح مهرا عنده لأن بذلك تتحقق
المعاوضة وصار كما إذا تزوجها على خدمة حر آخر
برضاه أو على رعي الزوج غنمها.
ولنا أن المشروع إنما هو الإبتغاء بالمال
والتعليم ليس بمال وكذلك المنافع على أصلنا
وخدمة العبد ابتغاء بالمال لتضمنه تسليم رقبته
ولا كذلك الحر ولأن خدمة الزوج الحر لا يجوز
استحقاقها بعقد النكاح لما فيه من قلب الموضوع
بخلاف خدمة حر آخر برضاه لأنه لا مناقضة
وبخلاف خدمة العبد لأنه يخدم مولاه معنى حيث
يخدمها بإذنه وبأمره وبخلاف رعي الأغنام لأنه
من باب القيام بأمور الزوجية فلا مناقضة على
أنه ممنوع في رواية ثم على قول محمد رحمه الله
تجب قيمة الخدمة لأن المسمى مال إلا أنه عجز
عن التسليم لمكان المناقضة فصار كالتزوج على
عبد الغير وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف
رحمهما الله يجب مهر المثل لأن الخدمة ليست
بمال إذ لا تستحق فيه بحال فصار كتسمية الخمر
والخنزير وهذا لأن تقومه بالعقد للضرورة فإذا
لم يجب تسليمه بالعقد لم يظهر
ج / 1 ص -202-
تقومه
فيبقى الحكم للأصل وهو مهر المثل "فإن
تزوجها على ألف فقبضتها ووهبتها له ثم طلقها
قبل الدخول بها رجع عليها بخمسمائة"
لأنه لم يصل إليه بالهبة عين ما يستوجبه لأن
الدراهم والدنانير لا تتعينان في العقود
والفسوخ وكذا إذا كان المهر مكيلا أو موزونا
أو شيئا آخر في الذمة لعدم تعينها "فإن
لم تقبض الألف حتى وهبتها له ثم طلقها قبل
الدخول بها لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء"
وفي القياس يرجع عليها بنصف الصداق وهو قول
زفر رحمه الله لأنه سلم المهر له بالإبراء فلا
تبرأعما يستحقه بالطلاق قبل الدخول وجه
الاستحسان أنه وصل إليه عين ما يستحقه بالطلاق
قبل الدخول وهو براءة ذمته عن نصف المهر ولا
يبالي باختلاف السبب عند حصول المقصود "ولو
قبضت خمسمائة ثم وهبت الألف كلها المقبوض
وغيره أو وهبت الباقي ثم طلقها قبل الدخول بها
لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء عند أبي
حنيفة رحمه الله وقالا يرجع عليها بنصف ما
قبضت" اعتبارا للبعض بالكل
ولأن هبة البعض حط فيلتحق بأصل العقد ولأبي
حنيفة رحمه الله أن مقصود الزوج قد حصل وهو
سلامة نصف الصداق بلا عوض فلا يستوجب الرجوع
عند الطلاق والحط لا يلتحق بأصل العقد في
النكاح ألا ترى أن الزيادة فيه لا تلتحق حتى
لا تتنصف ولو كانت وهبت أقل من النصف وقبضت
الباقي فعنده يرجع عليها إلى تمام النصف
وعندهما ينصف المقبوض "ولو
كان تزوجها على عرض فقبضته أو لم تقبض فوهبت
له ثم طلقها قبل الدخول بها لم يرجع عليها
بشيء" وفي القياس وهو قول زفر
رحمه الله يرجع عليها بنصف قيمته لأن الواجب
فيه رد نصف عين المهر على ما مر تقريره وجه
الاستحسان أن حقه عند الطلاق سلامة نصف
المقبوض من جهتها وقد وصل إليه ولهذا لم يكن
لها دفع شيء آخر مكانه بخلاف ما إذا كان المهر
دينا وبخلاف ما إذا باعت من زوجها لأنه وصل
إليه ببدل.
"ولو
تزوجها على حيوان أو عروض في الذمة فكذلك
الجواب" لأن المقبوض متعين في
الرد وهذا لأن الجهالة تحملت في النكاح فإذا
عين فيه يصير كأن التسمية وقعت عليه.
"وإذا
تزوجها على ألف على أن لا يخرجها من البلدة أو
على أن لا يتزوج عليها أخرى فإن وفى بالشرط
فلها المسمى" لأنه صلح مهرا
وقد تم رضاها به "وإن
تزوج عليها أخرى أو أخرجها فلها مهر مثلها"
لأنه سمى مالها فيه نفع فعند فواته ينعدم
رضاها بالألف فيكمل مهر مثلها كما في تسمية
الكرامة والهدية مع الألف.
"ولو
تزوجها على ألف إن أقام بها وعلى ألفين إن
أخرجها فإن أقام بها فلها الألف وإن أخرجها
فلها مهر المثل لا يزاد على الألفين ولا ينقص
عن الألف وهذا عند
ج / 1 ص -203-
أبي حنيفة رحمه الله وقالا الشرطان جميعا
جائزان" حتى كان لها الألف إن
أقام بها والألفان إن أخرجها وقال زفر رحمه
الله الشرطان جميعا فاسدان ويكون لها مهر
مثلها لا ينقص من ألف ولا يزاد على ألفين وأصل
المسئلة في الإجارات في قوله إن خطته اليوم
فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم وسنبينها
فيه إن شاء الله.
"ولو
تزوجها على هذا العبد أو على هذا العبد فإذا
أحدهما أوكس والآخر أرفع فإن كان مهر مثلها
أقل من أوكسهما فلها الأوكس وإن كان أكثر من
أرفعهما فلها الأرفع وإن كان بينهما فلها مهر
مثلها" وهذا عند أبي حنيفة
رحمه الله وقالا لها الأوكس في ذلك كله "فإن
طلقها قبل الدخول بها فلها نصف الأوكس في ذلك
كله بالإجماع" لهما أن المصير
إلى مهر المثل لتعذر إيجاب المسمى وقد أمكن
إيجاب الأوكس إذ الأقل متيقن فصار كالخلع
والإعتاق على مال ولأبي حنيفة رحمه الله أن
الموجب الأصلي مهر المثل إذ هو الأعدل والعدول
عنه عند صحة التسمية وقد فسدت لمكان الجهالة
بخلاف الخلع والإعتاق على مال لأنه لا موجب له
في البدل إلا أن مهر المثل إذا كان أكثر من
الأرفع فالمرأة رضيت بالحط وإن كان أنقص من
الأوكس فالزوج رضي بالزيادة والواجب في الطلاق
قبل الدخول في مثله المتعة ونصف الأوكس يزيد
عليها في العادة فوجب لاعترافه بالزيادة.
"وإذا
تزوجها على حيوان غير موصوف صحت التسمية ولها
الوسط منه والزوج مخير إن شاء أعطاها ذلك وإن
شاء أعطاها قيمته" قال رحمه
الله معنى هذه المسئلة أن يسمى جنس الحيوان
دون الوصف بأن يتزوجها على فرس أو حمار أما
إذا لم يسم الجنس بأن يتزوجها على دابة لا
تجوز التسمية ويجب مهر المثل وقال الشافعي
رحمه الله يجب مهر المثل في الوجهين جميعا لأن
عنده مالا يصلح ثمنا في البيع لا يصلح مسمى في
النكاح إذ كل واحد منهما معاوضة.
ولنا أنه معاوضة مال بغير مال فجعلنا التزام
المال ابتداء حتى لا يفسد بأصل الجهالة كالدية
والأقارير وشرطنا أن يكون المسمى مالا وسطه
معلوم رعاية للجانبين وذلك عند إعلام الجنس
لأنه يشتمل على الجيد والرديء والوسط ذو حظ
منهما بخلاف جهالة الجنس لأنه لا وسط له
لاختلاف معاني الأجناس وبخلاف البيع لأن مبناه
على المضايقة والمماكسة أما النكاح فمبناه على
المسامحة وإنما يتخير لأن الوسط لا يعرف إلا
بالقيمة فصارت أصلا في حق الإيفاء والعبد أصل
تسمية فيتخير بينهما.
ج / 1 ص -204-
"وإن
تزوجها على ثوب غير موصوف فلها مهر المثل"
ومعناه أنه ذكر الثوب ولم يزد عليه ووجهه أن
هذه جهالة الجنس لأن الثياب أجناس ولو سمى
جنسا بأن قال هروي يصح التسمية ويخير الزوج
لما بينا وكذا إذا بالغ في وصف الثوب في ظاهر
الرواية لأنها ليست من ذوات الأمثال وكذا إذا
سمى مكيلا أو موزونا وسمى جنسه دون صفته وإن
سمى جنسه وصفته لا يخير لأن الموصوف منهما
يثبت في الذمة ثبوته صحيحا.
"وإن
تزوج مسلم على خمر أو خنزير فالنكاح جائز ولها
مهر مثلها" لأن شرط قبول
الخمر شرط فاسد فيصح النكاح ويلغو الشرط بخلاف
البيع لأنه يبطل بالشروط الفاسدة لكن لم تصح
التسمية لما أن المسمى ليس بمال في حق المسلم
فوجب مهر المثل.
"فإن
تزوج امرأة على هذا الدن من الخل فإذا هو خمر
فلها مهر مثلها عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا
لها مثل وزنه خلا وإن تزوجها على هذا العبد
فإذا هو حر يجب مهر المثل عند أبي حنيفة ومحمد
وقال أبو يوسف تجب القيمة"
لأبي يوسف أنه أطمعها مالا وعجز عن تسليمه
فتجب قيمته أو مثله إن كان من ذوات الأمثال
كما إذا هلك العبد المسمى قبل التسليم وأبو
حنيفة رحمه الله يقول اجتمعت الإشارة والتسمية
فتعتبر الإشارة لكونها أبلغ في المقصود وهو
التعريف فكأنه تزوج على خمر أو حر ومحمد رحمه
الله يقول الأصل أن المسمى إذا كان من جنس
المشار إليه يتعلق العقد بالمشار إليه لأن
المسمى موجود في المشار إليه ذاتا والوصف
يتبعه وإن كان من خلاف جنسه يتعلق بالمسمى لأن
المسمى مثل للمشار إليه وليس بتابع له
والتسمية أبلغ في التعريف من حيث إنها تعرف
الماهية والإشارة تعرف الذات ألا ترى أن من
اشترى فصا على أنه ياقوت فإذا هو زجاج لا
ينعقد العقد لاختلاف الجنس ولو اشترى على أنه
ياقوت أحمر فإذا هو أخضر ينعقد العقد لاتحاد
الجنس وفي مسئلتنا العبد مع الحر جنس واحد
لقلة التفاوت في المنافع والخمر مع الخل جنسان
لفحش التفاوت في المقاصد.
"فإن
تزوجها على هذين العبدين فإذا أحدهما حر فليس
لها إلا الباقي إذا ساوى عشرة دراهم عند أبي
حنيفة رحمه الله" لأنه مسمى
ووجوب المسمى وإن قل يمنع وجوب مهر المثل "وقال
أبو يوسف لها العبد وقيمة الحر لو كان عبدا"
لأنه أطمعها سلامة العبدين وعجز عن تسليم
أحدهما فتجب قيمته "وقال
محمد" رحمه الله وهو رواية عن
أبي حنيفة رحمه الله "لها العبد الباقي وتمام مهر مثلها إن
كان مهر مثلها أكثر من قيمة العبد"
لأنهما لو كانا حرين يجب تمام مهر المثل عنده
فإذا كان أحدهما عبدا يجب العبد وتمام مهر
المثل.
ج / 1 ص -205-
"وإذا
فرق القاضي بين الزوجين في النكاح الفاسد قبل
الدخول فلا مهر لها" لأن
المهر فيه لا يجب بمجرد العقد لفساده وإنما
يجب باستيفاء منافع البضع "وكذا
بعد الخلوة" لأن الخلوة فيه
لا يثبت بها التمكن فلا تقام مقام الوطء "فإن
دخل بها فلها مهر مثلها لا يزاد على المسمى"
عندنا خلافا لزفر رحمه الله هو يعتبره بالبيع
الفاسد.
ولنا أن المستوفى ليس بمال وإنما يتقوم
بالتسمية فإذا زادت على مهر المثل لم تجب
الزيادة لعدم صحة التسمية وإن نقصت لم تجب
الزيادة على المسمى لانعدام التسمية بخلاف
البيع لأنه مال متقوم في نفسه فيتقدر بدله
بقيمته "وعليها
العدة" إلحاقا للشبهة
بالحقيقة في موضع الاحتياط وتحرزا عن اشتباه
النسب "ويعتبر
ابتداؤها من وقت التفريق لا من آخر الوطآت"
هو الصحيح لأنها تجب باعتبار شبهة النكاح
ورفعها بالتفريق "ويثبت
نسب ولدها" لأن النسب يحتاط
في إثباته إحياء للولد فيترتب على الثابت من
وجه وتعتبر مدة النسب من وقت الدخول عند محمد
رحمه الله وعليه الفتوى لأن النكاح الفاسد ليس
بداع إليه والإقامة باعتباره.
قال: "ومهر
مثلها يعتبر بأخواتها وعماتها وبنات أعمامها"
لقول ابن مسعود رحمه الله لها مهر مثل نسائها
لا وكس فيه ولا شطط وهن أقارب الأب ولأن
الإنسان من جنس قوم أبيه وقيمة الشيء إنما
تعرف بالنظر في قيمة جنسه "ولا
يعتبر بأمها وخالتها إذا لم تكونا من قبيلتها"
لما بينا "فإن كانت الأم من قوم أبيها بأن كانت
بنت عمه فحينئذ يعتبر بمهرها"
لما أنها من قوم ابيها "ويعتبر
في مهر المثل أن تتساوى المرأتان في السن
والجمال والمال والعقل والدين والبلد والعصر"
لأن مهر المثل يختلف باختلاف هذه الأوصاف وكذا
يختلف باختلاف الدار والعصر قالوا ويعتبر
التساوي أيضا في البكارة لأنه يختلف بالبكارة
والثيوبة.
"وإذا
ضمن الولي المهر صح ضمانه"
لأنه من أهل الالتزام وقد أضافه إلى ما يقبله
فيصح "ثم
المرأة بالخيار في مطالبتها زوجها أو وليها"
اعتبارا بسائر الكفالات ويرجع الولي إذا أدى
على الزوج إن كان بأمره كما هو الرسم في
الكفالة وكذلك يصح هذا الضمان وإن كانت الزوجة
صغيرة بخلاف ما إذا باع الأب مال الصغير وضمن
الثمن لأن الولي سفير ومعبر في النكاح وفي
البيع عاقد ومباشر حتى ترجع العهدة عليه
والحقوق إليه ويصح إبراؤه عند أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله ويملك قبضه بعد بلوغه فلو صح
الضمان يصير
ج / 1 ص -206-
ضامنا
لنفسه وولاية قبض المهر للأب بحكم الأبوة
باعتبار أنه عاقد ألا ترى أنه لا يملك القبض
بعد بلوغها فلا يصير ضامنا لنفسه.
قال: "وللمرأة
أن تمنع نفسها حتى تأخذ المهر وتمنعه أن
يخرجها" أي يسافر بها ليتعين
حقها في البدل كما تعين حق الزوج في المبدل
وصار كالبيع "وليس
للزوج أن يمنعها من السفر والخروج من منزله
وزيارة أهلها حتى يوفيها المهر كله"
أي المعجل منه لأن حق الحبس لاستيفاء المستحق
وليس له حق الاستيفاء قبل الإيفاء "ولو
كان المهر كله مؤجلا ليس لها أن تمنع نفسها"
لإسقاطها حقها بالتأجيل كما في البيع وفيه
خلاف أبي يوسف رحمه الله وإن دخل بها فكذلك
الجواب عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا ليس لها
أن تمنع نفسها والخلاف فيما إذا كان الدخول
برضاها حتى لو كانت مكرهة أو كانت صبية أو
مجنونة لا يسقط في حقها الحبس بالاتفاق وعلى
هذا الخلاف الخلوة بها برضاها ويبتني على هذا
استحقاق النفقة لهما أن المعقود عليه كله قد
صار مسلما إليه بالوطأة الواحدة وبالخلوة
ولهذا يتأكد بها جميع المهر فلم يبق لها حق
الحبس كالبائع إذا سلم البيع وله أنها منعت
منه ما قابل البدل لأن كل وطأة تصرف في البضع
المحترم فلا يخلى عن العوض إبانة لخطره
والتأكيد بالواحدة لجهالة ما وراءها فلا يصلح
مزاحما للمعلوم ثم إذا وجد آخر وصار معلوما
تحققت المزاحمة وصار المهر مقابلا بالكل
كالعبد إذا جنى جناية يدفع كله بها ثم إذا جنى
جناية أخرى وأخرى يدفع بجميعها "وإذا
أوفاها مهرها نقلها إلى حيث شاء"
لقوله تعالى:
{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}
[الطلاق: 6] وقيل لا يخرجها إلى بلد غير بلدها لأن الغريبة تؤذى وفي
قرى المصر القريبة لا تتحقق الغربة.
قال: "ومن
تزوج امرأة ثم اختلفا في المهر فالقول قول
المرأة إلى تمام مهر مثلها والقول قول الزوج
فيما زاد على مهر المثل وإن طلقها قبل الدخول
بها فالقول قوله في نصف المهر وهذا عند أبي
حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف القول
قوله بعد الطلاق وقبله إلا أن يأتي بشيء قليل"
ومعناه مالا يتعارف مهرا لها هو الصحيح لأبي
يوسف أن المرأة تدعي الزيادة والزوج ينكر
والقول قول المنكر مع يمينه إلا أن يأتي بشيء
يكذبه الظاهر فيه وهذا لأن تقوم منافع البضع
ضروري فمتى أمكن إيجاب شيء من المسمى لا يصار
إليه ولهما أن القول في الدعاوي قول من يشهد
له الظاهر والظاهر شاهد لمن يشهد له مهر المثل
لأنه هو الموجب الأصلي في باب النكاح وصار
كالصباغ مع رب الثوب إذا اختلفا في مقدار
الأجر يحكم فيه قيمة الصبغ ثم ذكر ههنا أن بعد
الطلاق
ج / 1 ص -207-
قبل
الدخول القول قوله في نصف المهر وهذا رواية
الجامع الصغير والأصل وذكر في الجامع الكبير
أنه يحكم متعة مثلها وهو قياس قولهما لأن
المتعة موجبة بعد الطلاق كمهر المثل قبله
فتحكم كهو ووجه التوفيق أنه وضع المسئلة في
الأصل في الألف والألفين والمتعة لا تبلغ هذا
المبلغ في العادة فلا يفيد تحكيمها ووضعها في
الجامع الكبير في العشرة والمائة ومتعة مثلها
عشرون فيفيد تحكيمها والمذكور في الجامع
الصغير ساكت عن ذكر المقدار فيحمل على ما هو
المذكور في الأصل وشرح قولهما فيما إذا اختلفا
في حال قيام النكاح أن الزوج إذا ادعى الألف
والمرأة الألفين فإن كان مهر مثلها ألفا أو
أقل فالقول قوله وإن كان ألفين أو أكثر فالقول
قولها وأيهما اقام البينة في الوجهين تقبل وإن
أقاما البينة في الوجه الأول تقبل بينتها
لأنها تثبت الزيادة وفي الوجه الثاني بينته
لأنها تثبت الحط وإن كان مهر مثلها ألفا
وخمسمائة تحالفا وإذا حلفا يجب ألف وخمسمائة
هذا تخريج الرازي وقال الكرخي رحمه الله
يتحالفان في الفصول الثلاثة لم يحكم مهر المثل
بعد ذلك "ولو
كان الاختلاف في أصل المسمى يجب مهر المثل
بالإجماع" لأنه هو الأصل
عندهما وعنده تعذر القضاء بالمسمى فيصار إليه
"ولو
كان الاختلاف بعد موت أحدهما فالجواب فيه
كالجواب في حياتهما" لأن
اعتبار مهر المثل لا يسقط بموت أحدهما "ولو
كان الاختلاف بعد موتهما في المقدار فالقول
قول ورثة الزوج" عند أبي
حنيفة رحمه الله ولا يستثنى القليل وعند أبي
يوسف رحمه الله القول قول الورثة إلا أن يأتوا
بشيء قليل وعند محمد الجواب فيه كالجواب في
حالة الحياة وإن كان في أصل المسمى فعند أبي
حنيفة رحمه الله القول قول من أنكره.
فالحاصل أنه لا حكم لمهر المثل عنده بعد
موتهما على ما نبينه من بعد إن شاء الله "وإذا
مات الزوجان وقد سمى لها مهرا فلورثتها أن
يأخذوا ذلك من ميراث الزوج وإن لم يسم لها
مهرا فلا شيء لورثتها عند أبي حنيفة وقالا
لورثتها المهر في الوجهين"
معناه المسمى في الوجه الأول ومهر المثل في
الوجه الثاني.
أما الأول: فلأن المسمى دين في ذمته وقد تأكد
بالموت فيقضى من تركته إلا إذا علم أنها ماتت
أولا فيسقط نصيبه من ذلك.
وأما الثاني: فوجه قولهما أن مهر المثل صار
دينا في ذمته كالمسمى فلا يسقط بالموت كما إذا
مات أحدهما ولأبي حنيفة رحمه الله أن موتهما
يدل على انقراض أقرانهما فبمهر من يقدر القاضي
مهر المثل "ومن
بعث إلى امرأته شيئا فقالت هو هدية وقال الزوج
ج / 1 ص -208-
هو من المهر فالقول قوله" لأنه
هو المملك فكان أعرف بجهة التمليك كيف وأن
الظاهر أنه يسعى في إسقاط الواجب.
قال: "إلا
في الطعام الذي يؤكل فإن القول قولها"
والمراد منه ما يكون مهيأ للأكل لأنه يتعارف
هدية فأما في الحنطة والشعير فالقول قوله لما
بينا وقيل ما يجب عليه من الخمار والدرع
وغيرهما ليس له أن يحتسبه من المهر لأن الظاهر
يكذبه والله أعلم.
فصل
"وإذا
تزوج النصراني نصرانية على ميتة أو على غير
مهر وذلك في دينهم جائز ودخل بها أو طلقها قبل
الدخول بها أو مات عنها فليس لها مهر وكذلك
الحربيان في دار الحرب" وهذا
عند أبي حنيفة رحمه الله وهو قولهما في
الحربيين وأما في الذمية فلها مهر مثلها إن
مات عنها أو دخل بها والمتعة إن طلقها قبل
الدخول بها وقال زفر رحمه الله لها مهر المثل
في الحربيين أيضا له أن الشرع ما شرع ابتغاء
النكاح إلا بالمال وهذا الشرع وقع عاما فيثبت
الحكم على العموم ولهما أن أهل الحرب غير
ملتزمين أحكام الإسلام وولاية الإلزام منقطعة
لتباين الدار بخلاف أهل الذمة لأنهم التزموا
أحكامنا فيما يرجع إلى المعاملات كالربا
والزنا وولاية الإلزام متحققة لاتحاد الدار
ولأبي حنيفة رحمه الله أن أهل الذمة لا
يلتزمون أحكامنا في الديانات وفيما يعتقدون
خلافه في المعاملات وولاية الإلزام بالسيف
وبالمحاجة وكل ذلك منقطع عنهم باعتبار عقد
الذمة فإنا أمرنا بأن نتركهم وما يدينون
فصاروا كأهل الحرب بخلاف الزنا لأنه حرام في
الأديان كلها والربا مستثنى عن عقودهم لقوله
عليه الصلاة والسلام "ألا من أربى
فليس بيننا وبينه عهد" وقوله في الكتاب أو على غير مهر يحتمل نفي المهر ويحتمل السكوت
وقد قيل في الميتة والسكوت روايتان والأصح أن
الكل على الخلاف.
"فإن
تزوج الذمي ذمية على خمر أو خنزير ثم اسلما أو
اسلم أحدهما فلها الخمر والخنزير"
ومعناه إذا كانا بأعيانهما والإسلام قبل القبض
وإن كانا بغير أعيانهما فلها في الخمر القيمة
وفي الخنزير مهر المثل وهذا عند أبي حنيفة
رحمه الله وقال أبو يوسف رحمه الله لها مهر
المثل في الوجهين وقال محمد لها القيمة في
الوجهين وجه قولهما أن القبض مؤكد للملك في
المقبوض فيكون له شبه بالعقد فيمتنع بسبب
الإسلام كالعقد وصار كما إذا كانا بغير
أعيانهما وإذا التحقت حالة القبض بحالة العقد
فأبو يوسف رحمه الله يقول لو كانا مسلمين وقت
العقد يجب مهر المثل فكذا ههنا
ج / 1 ص -209-
ومحمد
رحمه الله يقول صحت التسمية لكون المسمى مالا
عندهم إلا أنه امتنع التسليم للإسلام فتجب
القيمة كما إذا هلك العبد المسمى قبل القبض
ولأبي حنيفة رحمه الله أن الملك في الصداق
المعين يتم بنفس العقد ولهذا تملك التصرف فيه
وبالقبض ينتقل من ضمان الزوج إلى ضمانها وذلك
لا يمتنع بالإسلام كاسترداد الخمر المغصوبة
وفي غير المعين القبض يوجب ملك العين فيمتنع
بالإسلام بخلاف المشتري لأن ملك التصرف فيه
إنما يستفاد بالقبض وإذا تعذر القبض في غير
المعين لا تجب القيمة في الخنزير لأنه من ذوات
القيم فيكون أخذ قيمته كأخذ عينه ولا كذلك
الخمر لأنها من ذوات الأمثال ألا ترى أنه لو
جاء بالقيمة قبل الإسلام تجبر على القبول في
الخنزير دون الخمر ولو طلقها قبل الدخول بها
فمن أوجب مهر المثل أوجب المتعة ومن أوجب
القيمة أوجب نصفها والله أعلم.
باب نكاح الرقيق
"لا
يجوز نكاح العبد والأمة إلا بإذن مولاهما"
وقال مالك رحمه الله يجوز للعبد لأنه يملك
الطلاق فيملك النكاح ولنا قوله عليه الصلاة
والسلام "أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر" ولأن في تنفيذ نكاحهما تعييبهما إذ النكاح عيب فيهما فلا يملكانه
بدون إذن مولاهما "وكذلك
المكاتب" لأن الكتابة أوجبت
فك الحجر في حق الكسب فبقي في حق النكاح على
حكم الرق ولهذا لا يملك المكاتب تزويج عبده
ويملك تزويج أمته لأنه من باب الاكتساب وكذا
المكاتبة لا تملك تزويج نفسها بدون إذن المولى
وتملك تزويج أمتها لما بينا "و"
كذا "المدبر
وأم الولد" لأن الملك فيهما
قائم.
"وإذا
تزوج العبد بإذن مولاه فالمهر دين في رقبته
يباع فيه" لأن هذا دين وجب في
رقبة العبد لوجود سببه من أهله وقد ظهر في حق
المولى لصدور الإذن من جهته فيتعلق برقبته
دفعا للمضرة عن أصحاب الديون كما في دين
التجارة "والمدبر
والمكاتب يسعيان في المهر ولا يباعان فيه"
لأنهما لا يحتملان النقل من ملك إلى ملك مع
بقاء الكتابة والتدبير فيؤدي من كسبهما لا من
نفسهما.
"وإذا
تزوج العبد بغير إذن مولاه فقال المولى طلقها
أو فارقها فليس هذا بإجازة"
لأنه يحتمل الرد لأن رد هذا العقد ومتاركته
يسمى طلاقا ومفارقة وهو أليق بحال العبد
المتمرد أو هو أدنى فكان الحمل عليه أولى "وإن
قال طلقها تطليقة تملك الرجعة فهو إجازة"
لأن الطلاق الرجعي لا يكون إلا في نكاح صحيح
فتتعين الإجازة.
ج / 1 ص -210-
"ومن
قال لعبده تزوج هذه الأمة فتزوجها نكاحا فاسدا
ودخل بها فإنه يباع في المهر عند أبي حنيفة
رحمه الله وقالا يؤخذ منه إذا عتق"
وأصله أن الإذن في النكاح ينتظم الفاسد
والجائز عنده فيكون هذا المهر ظاهرا في حق
المولى وعندهما ينصرف إلى الجائز لا غير فلا
يكون ظاهرا في حق المولى فيؤاخذ به بعد العتاق
لهما أن المقصود من النكاح في المستقبل
الإعفاف والتحصين وذلك بالجائز ولهذا لو حلف
لا يتزوج ينصرف إلى الجائز بخلاف البيع لأن
بعض المقاصد حاصل وهو ملك التصرفات وله أن
اللفظ مطلق فيجري على إطلاقه كما في البيع
وبعض المقاصد في النكاح الفاسد حاصل كالنسب
ووجوب المهر والعدة على اعتبار وجود الوطء
ومسئلة اليمين ممنوعة على هذه الطريقة.
"ومن
زوج عبدا مأذونا له مديونا امرأة جاز والمرأة
أسوة للغرماء في مهرها"
ومعناه إذا كان النكاح بمهر المثل ووجهه أن
سبب ولاية المولى ملكه الرقبة على ما نذكره
والنكاح لا يلاقي حق الغرماء بالإبطال مقصودا
إلا أنه إذا صح النكاح وجب الدين بسبب لا مرد
له فشابه دين الاستهلاك وصار كالمريض المديون
إذا تزوج امرأة فبمهر مثلها أسوة للغرماء.
"ومن
زوج أمته فليس عليه أن يبوئها بيت الزوج لكنها
تخدم المولى ويقال للزوج متى ظفرت بها وطئتها"
لأن حق المولى في الاستخدام باق والتبوئة
إبطال له "فإن
بوأها معه بيتا فلها النفقة والسكنى وإلا فلا"
لأن النفقة تقابل الاحتباس "ولو
بوأها بيتا ثم بدا له أن يستخدمها له ذلك"
لأن الحق باق لبقاء الملك فلا يسقط بالتبوئة
كما لا يسقط بالنكاح.
قال رضي الله عنه: "ذكر
تزويج المولى عبده وأمته ولم يذكر رضاهما"
وهذا يرجع إلى مذهبنا أن للمولى إجبارهما على
النكاح وعند الشافعي رحمه الله لا إجبار في
العبد وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله لأن
النكاح من خصائص الآدمية والعبد داخل تحت ملك
المولى من حيث إنه مال فلا يملك إنكاحه بخلاف
الأمة لأنه مالك منافع بضعها فيملك تمليكها
ولنا أن الإنكاح إصلاح ملكه لأن فيه تحصينه عن
الزنا الذي هو سبب الهلاك أو النقصان فيملكه
اعتبارا بالأمة بخلاف المكاتب والمكاتبة
لأنهما التحقا بالأحرار تصرفا فيشترط رضاهما.
قال: "ومن
زوج أمته ثم قتلها قبل أن يدخل بها زوجها فلا
مهر لها عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا عليه
المهر لمولاها" اعتبارا
بموتها حتف أنفها وهذا لأن المقتول ميت بأجله
فصار كما إذا قتلها أجنبي وله أنه منع المبدل
قبل التسليم فيجازى بمنع
ج / 1 ص -211-
البدل
كما إذا ارتدت الحرة والقتل في أحكام الدنيا
جعل إتلافا حتى وجب القصاص والدية فكذا في حق
المهر "وإن
قتلت حرة نفسها قبل أن يدخل بها زوجها فلها
المهر" خلافا لزفر رحمه الله
هو يعتبره بالردة وبقتل المولى أمته والجامع
ما بيناه ولنا أن جناية المرء على نفسه غير
معتبرة في حق أحكام الدنيا فشابه موتها حتف
أنفها بخلاف قتل المولى أمته لأنه معتبر في حق
أحكام الدنيا حتى تجب الكفارة عليه.
"وإذا
تزوج أمة فالإذن في العزل إلى المولى"
عند أبي حنيفة رحمه الله وعن أبي يوسف ومحمد
رحمهما الله أن الإذن في العزل إليها لأن
الوطء حقها حتى تثبت لها ولاية المطالبة وفي
العزل تنقيص حقها فيشترط رضاها كما في الحرة
بخلاف الأمة المملوكة لأنه لا مطالبة لها فلا
يعتبر رضاها وجه ظاهر الرواية أن العزل يخل
بمقصود الولد وهو حق المولى فيعتبر رضاه وبهذا
فارقت الحرة.
"وإن
تزوجت أمة بإذن مولاها ثم أعتقت فلها الخيار
حرا كان زوجها أو عبدا" لقوله
عليه الصلاة والسلام لبريرة حين عتقت "ملكت بضعك فاختاري"
فالتعليل بملك البضع صدر مطلقا فينتظم الفصلين
والشافعي رحمه الله يخالفنا فيما إذا كان
زوجها حرا وهو محجوج به ولأنه يزداد الملك
عليها عند العتق فيملك الزوج بعده ثلاث
تطليقات فتملك رفع أصل العقد دفعا للزيادة "وكذلك
المكاتبة" يعني إذا تزوجت
بإذن مولاها ثم عتقت وقال زفر رحمه الله لا
خيار لها لأن العقد نفذ عليها برضاها وكان
المهر لها فلا معنى لإثبات الخيار بخلاف الأمة
لأنه لا يعتبر رضاها ولنا أن العلة ازدياد
الملك وقد وجدناها في المكاتبة لأن عدتها
قرءان وطلاقها ثنتان.
"وإن
تزوجت أمة بغير إذن مولاها ثم أعتقت صح النكاح"
لأنها من أهل العبارة وامتناع النفوذ لحق
المولى وقد زال "ولا
خيار لها" لأن النفوذ بعد
العتق فلا تتحقق زيادة الملك كما إذا زوجت
نفسها بعد العتق "فإن
كانت تزوجت بغير إذنه على ألف ومهر مثلها مائة
فدخل بها زوجها ثم أعتقها مولاها فالمهر
للمولى لأنه استوفى منافع مملوكة للمولى وإن
لم يدخل بها حتى أعتقها فالمهر لها"
لأنه استوفى منافع مملوكة لها والمراد بالمهر
الألف المسمى لأن نفاذ العقد بالعتق استند إلى
وقت وجود العقد فصحت التسمية ووجب المسمى
ولهذا لم يجب مهر آخر بالوطء في نكاح موقوف
لأن العقد قد اتحد باستناد النفاذ فلا يوجب
إلا مهرا واحدا.
"ومن
وطئ أمة ابنه فولدت منه فهي أم ولد له وعليه
قيمتها ولا مهر عليه" ومعنى
المسئلة أن يدعيه الأب ووجهه أن له ولاية تملك
مال ابنه للحاجة إلى البقاء فله تملك
ج / 1 ص -212-
جاريته
الحاجة إلى صيانة الماء غير أن الحاجة إلى
إبقاء نسله دونها إلى إبقاء نفسه فلهذا يتملك
الجارية بالقيمة والطعام بغير القيمة ثم هذا
الملك يثبت قبيل الاستيلاد شرطا له إذ المصحح
حقيقة الملك أو حقه وكل ذلك غير ثابت للأب
فيها حتى يجوز له التزوج بها فلا بد من تقديمه
فتبين أن الوطء يلاقي ملكه فلا يلزمه العقر
وقال زفر والشافعي رحمهما الله يجب المهر
لأنهما يثبتان الملك حكما للاستيلاد كما في
الجارية المشتركة وحكم الشيء يعقبه والمسئلة
معروفة. قال: "ولو
كان الابن زوجها أباه فولدت لم تصر أم ولد له
ولا قيمة عليه وعليه المهر وولدها حر"
لأنه صح التزوج عندنا خلافا للشافعي رحمه الله
لخلوها عن ملك الأب ألا يرى أن الابن ملكها من
كل وجه فمن المحال أن يملكها الأب من وجه وكذا
يملك من التصرفات مالا يبقى معه ملك الأب لو
كان فدل ذلك على انتفاء ملكه إلا أنه يسقط
الحد للشبهة فإذا جاز النكاح صار ماؤه مصونا
به فلم يثبت ملك اليمين فلا تصير أم ولد له
ولا قيمة عليه فيها ولا في ولدها لأنه لم
يملكهما وعليه المهر لالتزامه بالنكاح وولدها
حر لأنه ملكة أخوه فيعتق عليه بالقرابة.
قال: "وإذا
كانت الحرة تحت عبد فقالت لمولاة أعتقه عني
بألف ففعل فسد النكاح" وقال
زفر رحمه الله لا يفسد وأصله أنه يقع العتق عن
الآمر عندنا حتى يكون الولاء له ولو نوى به
الكفارة يخرج عن عهدتها وعنده يقع عن المأمور
لأنه طلب أن يعتق المأمور عبده عنه وهذا محال
لأنه لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم فلم يصح
الطلب فيقع العتق عن المأمور ولنا أنه أمكن
تصحيحه بتقديم الملك بطريق الاقتضاء إذ الملك
شرط لصحة العتق عنه فيصير قوله أعتق طلب
التمليك منه بالألف ثم أمره بإعتاق عبد الآمر
عنه وقوله أعتقت تمليكا منه ثم الإعتاق عنه
وإذا ثبت الملك للآمر فسد النكاح للتنافي بين
الملكين.
"ولو
قالت أعتقه عني ولم تسم مالا لم يفسد النكاح
والولاء للمعتق" وهذا عند أبي
حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف رحمه
الله هذا والأول سواء لأنه يقدم التمليك بغير
عوض تصحيحا لتصرفه ويسقط اعتبار القبض كما إذا
كان عليه كفارة ظهار فأمر غيره أن يطعم عنه
ولهما أن الهبة من شرطها القبض بالنص فلا يمكن
إسقاطه ولا إثباته اقتضاء لأنه فعل حسي بخلاف
البيع لأنه تصرف شرعي وفي تلك المسئلة الفقير
ينوب عن الأمر في القبض أما العبد فلا يقع في
يده شيء لينوب عنه.
باب نكاح أهل الشرك
"وإذا تزوج الكافر بغير شهود أو في عدة كافر وذلك في دينهم جائز ثم
أسلما أقرا
ج / 1 ص -213-
عليه" وهذا عند أبي حنيفة وقال زفر رحمه الله النكاح فاسد في الوجهين
إلا أنه لا يتعرض لهم قبل الإسلام والمرافعة
إلى الحكام وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله
في الوجه الأول كما قال أبو حنيفة رحمه الله
وفي الوجه الثاني كما قال زفر رحمه الله له أن
الخطابات عامة على ما مر من قبل فتلزمهم وإنما
لا يتعرض لهم لذمتهم إعراضا لا تقريرا فإذا
ترافعوا أو أسلموا والحرمة قائمة وجب التفريق
ولهما أن حرمة نكاح المعتدة مجمع عليها فكانوا
ملتزمين لها وحرمة النكاح بغير شهود مختلف
فيها ولم يلتزموا أحكامنا بجميع الاختلافات
ولأبي حنيفة رحمه الله أن الحرمة لا يمكن
إثباتها حقا للشرع لأنهم لا يخاطبون بحقوقه
ولا وجه إلى إيجاب العدة حقا للزوج لأنه لا
يعتقده بخلاف ما إذا كانت تحت مسلم لأنه
يعتقده وإذا صح النكاح فحالة المرافعة
والإسلام حالة البقاء والشهادة ليست شرطا فيها
وكذا العدة لا تنافيها كالمنكوحة إذا وطئت
بشبهة "فإذا تزوج المجوسي أمه أو ابنته ثم
أسلما فرق بينهما" لأن نكاح
المحارم له حكم البطلان فيما بينهم عندهما كما
ذكرنا في العدة ووجب التعرض بالإسلام فيفرق
وعنده له حكم الصحة في الصحيح إلا أن المحرمية
تنافي بقاء النكاح فيفرق بخلاف العدة لأنها لا
تنافيه ثم بإسلام أحدهما يفرق بينهما وبمرافعة
أحدهما لا يفرق عنده خلافا لهما والفرق أن
استحقاق أحدهما لا يبطل بمرافعة صاحبه إذ لا
يتغير به اعتقاده أما اعتقاد المصر بالكفر لا
يعارض إسلام المسلم لأن الإسلام يعلو ولا يعلى
ولو ترافعا يفرق بالإجماع لأن مرافعتهما
كتحكيمهما.
"ولا
يجوز أن يتزوج المرتد مسلمة ولا كافرة ولا
مرتدة" لأنه مستحق للقتل
والإمهال ضرورة التأمل والنكاح يشغله عنه فلا
يشرع في حقه "وكذا
المرتدة لا يتزوجها مسلم ولا كافر"
لأنها محبوسة للتأمل وخدمة الزوج تشغلها عنه
ولأنه لا ينتظم بينهما المصالح والنكاح ما شرع
لعينه بل لمصالحه "فإن
كان أحد الزوجين مسلما فالولد على دينه وكذلك
إن أسلم أحدهما وله ولد صغير صار ولده مسلما
بإسلامه" لأن في جعله تبعا له
نظرا له "ولو
كان أحدهما كتابيا والآخر مجوسيا فالولد كتابي"
لأنه فيه نوع نظر له إذ المجوسية شر والشافعي
رحمه الله يخالفنا فيه للتعارض ونحن بينا
الترجيح.
"وإذا
أسلمت المرأة وزوجها كافر عرض القاضي عليه
الإسلام فإن أسلم فهي امرأته وإن أبى فرق
بينهما وكان ذلك طلاقا عند أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله وإن أسلم الزوج وتحته مجوسية عرض
عليها الإسلام فإن أسلمت فهي امرأته وإن أبت
فرق القاضي بينهما ولم تكن الفرقة بينهما
طلاقا" وقال أبو يوسف رحمه
الله لا تكون الفرقة طلاقا في الوجهين أما
العرض فمذهبنا وقال الشافعي رحمه الله لا يعرض
الإسلام لأن فيه تعرضا لهم، وقد
ج / 1 ص -214-
ضمنا
بعقد الذمة أن لا نتعرض لهم إلا أن ملك النكاح
قبل الدخول غير متأكد فينقطع بنفس الإسلام
وبعده متأكد فيتأجل إلى انقضاء ثلاث حيض كما
في الطلاق.
ولنا أن المقاصد قد فاتت فلا بد من سبب يبتني
عليه الفرقة والإسلام طاعة لا يصلح سببا لها
فيعرض الإسلام لتحصل المقاصد بالإسلام أو تثبت
الفرقة بالإباء وجه قول أبي يوسف رحمه الله أن
الفرقة بسبب يشترك فيه الزوجان فلا يكون طلاقا
كالفرقة بسبب الملك ولهما أن بالإباء امتنع
الزوج عن الإمساك بالمعروف مع قدرته عليه
بالإسلام فينوب القاضي منابه في التسريح كما
في الجب والعنة.
أما المرأة فليست بأهل للطلاق فلا ينوب القاضي
منابها عند إبائها "ثم
إذا فرق القاضي بينهما بإبائها فلها المهر إن
كان دخل بها" لتأكده بالدخول
"وإن
لم يكن دخل بها فلا مهر لها"
لأن الفرقة من قبلها والمهر لم يتأكد فأشبه
الردة والمطاوعة "وإذا
أسلمت المرأة في دار الحرب وزوجها كافر أو
أسلم الحربي وتحته مجوسية لم تقع الفرقة عليها
حتى تحيض ثلاث حيض ثم تبين من زوجها"
وهذا لأن الإسلام ليس سببا للفرقة والعرض على
الإسلام متعذر لقصور الولاية ولا بد من الفرقة
دفعا للفساد فأقمنا شرطها وهو مضي الحيض مقام
السبب كما في حفر البئر ولا فرق بين المدخول
بها وغير المدخول بها والشافعي رحمه الله يفصل
كما مر له في دار الإسلام وإذا وقعت الفرقة
والمرأة حربية فلا عدة عليها وإن كانت هي
المسلمة فكذلك عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا
لهما وسيأتيك إن شاء الله تعالى.
"وإذا
أسلم زوج الكتابية فهما على نكاحهما"
لأنه يصح النكاح بينهما ابتداء فلأن يبقى أولى
قال: "وإذا
خرج أحد الزوجين إلينا من دار الحرب مسلما
وقعت البينونة بينهما" وقال
الشافعي لا تقع "ولو
سبي أحد الزوجين وقعت البينونة بينهما بغير
طلاق وإن سبيا معا لم تقع البينونة"
وقال الشافعي رحمه الله وقعت.
فالحاصل أن السبب هو التباين دون السبي عندنا
وهو يقول بعكسه له أن التباين أثره في انقطاع
الولاية وذلك لا يؤثر في الفرقة كالحربي
المستأمن والمسلم المستأمن أما السبي فيقتضي
الصفاء للسابي ولا يتحقق إلا بانقطاع النكاح
ولهذا يسقط الدين عن ذمة المسبي.
ولنا أن مع التباين حقيقة وحكما لا تنتظم
المصالح فشابه المحرمية والسبي يوجب ملك
الرقبة وهو لا ينافي النكاح ابتداء فكذلك بقاء
فصار كالشراء ثم هو يقتضي الصفاء في محل عمله
وهو المال لا في محل النكاح وفي المستأمن لم
تتباين الدار حكما لقصده
ج / 1 ص -215-
الرجوع
"وإذا
خرجت المرأة إلينا مهاجرة جاز لها أن تتزوج
ولا عدة عليها" عند أبي حنيفة
رحمه الله وقالا عليها العدة لأن الفرقة وقعت
بعد الدخول في دار الإسلام فيلزمها حكم
الإسلام ولأبي حنيفة رحمه الله أنها أثر
النكاح المتقدم وجبت إظهارا لخطره ولا خطر
لملك الحربي ولهذا لا تجب العدة على المسبية "وإن
كانت حاملا لم تتزوج حتى تضع حملها"
وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه يصح النكاح ولا
يقربها زوجها حتى تضع حملها كما في الحبلى من
الزنا وجه الأول أنه ثابت النسب فإذا ظهر
الفراش في حق النسب يظهر في حق المنع من
النكاح احتياطا.
قال: "وإذا
ارتد أحد الزوجين عن الإسلام وقعت الفرقة بغير
طلاق" وهذا عند أبي حنيفة
وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله إن
كانت الردة من الزوج فهي فرقة بطلاق هو يعتبره
بالإباء والجامع ما بيناه وأبو يوسف رحمه الله
مر على ما أصلنا له في الإباء وأبو حنيفة رحمه
الله فرق بينهما ووجه الفرق أن الردة منافية
للنكاح لكونها منافية للعصمة والطلاق رافع
فتعذر أن تجعل طلاقا بخلاف الإباء لأنه يفوت
الإمساك بالمعروف فيجب التسريح بالإحسان على
ما مر ولهذا تتوقف الفرقة بالإباء على القضاء
ولا تتوقف بالردة "ثم
إن كان الزوج هو المرتد فلها كل المهر إن دخل
بها ونصف المهر إن لم يدخل بها وإن كانت هي
المرتدة فلها كل المهر إن دخل بها وإن لم يدخل
بها فلا مهر لها ولا نفقة"
لأن الفرقة من قبلها.
قال: "وإذا
ارتدا معا ثم أسلما معا فهما على نكاحهما"
استحسانا. وقال زفر رحمه الله يبطل لأن ردة
أحدهما منافية وفي ردتهما ردة أحدهما.
ولنا ما روي أن بني حنيفة ارتدوا ثم أسلموا
ولم يأمرهم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين
بتجديد الأنكحة والارتداد منهم واقع معا
لجهالة التاريخ ولو أسلم أحدهما بعد الارتداد
معا فسد النكاح بينهما لإصرار الآخر على الردة
لأنه مناف كابتدائها.
باب القسم
"وإذا
كان للرجل امرأتان حرتان فعليه أن يعدل بينهما
في القسم بكرين كانتا أو ثيبين أو إحداهما
بكرا والأخرى ثيبا" لقوله
عليه الصلاة والسلام "من كانت له امرأتان ومال إلى إحداهما في القسم جاء يوم القيامة وشقه
مائل" وعن عائشة رضي الله
عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يعدل
في القسم بين نسائه وكان يقول "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك" يعني زيادة المحبة ولا فصل فيما روينا، والقديمة والجديدة
ج / 1 ص -216-
سواء
لإطلاق ما روينا ولأن القسم من حقوق النكاح
ولا تفاوت بينهن في ذلك والاختيار في مقدار
الدور إلى الزوج لأن المستحق هو التسوية دون
طريقة والتسوية المستحقة في البيتوتة لا في
المجامعة لأنها تبتني على النشاط "وإذا
كانت إحداهما حرة والأخرى أمة فللحرة الثلثان
من القسم وللأمة الثلث" بذلك
ورد الأثر ولأن حل الأمة أنقص من حل الحرة فلا
بد من إظهار النقصان في الحقوق والمكاتبة
والمدبرة وأم الولد بمنزلة الأمة لأن الرق
فيهن قائم.
قال: "ولا
حق لهن في القسم حالة السفر فيسافر الزوج بمن
شاء منهن والأولى أن يقرع بينهن فيسافر بمن
خرجت قرعتها" وقال الشافعي
رحمه الله القرعة مستحقة لما روي
أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه إلا أنا نقول إن القرعة لتطييب قلوبهن فيكون من باب الاستحباب وهذا
لأنه لا حق للمرأة عند مسافرة الزوج ألا يرى
أن له أن لا يستصحب واحدة منهن فكذا له أن
يسافر بواحدة منهن ولا يحتسب عليه بتلك المدة
"وإن
رضيت إحدى الزوجات بترك قسمها لصاحبتها جاز"
لأن سودة بنت زمعة رضي الله عنها سألت رسول
الله عليه الصلاة والسلام أن يراجعها وتجعل
يوم نوبتها لعائشة رضي الله عنها "ولها
أن ترجع في ذلك" لأنها أسقطت
حقا لم يجب بعد فلا يسقط والله أعلم. |