الهداية في شرح بداية المبتدي

ج / 1 ص -221-       كتاب الطلاق
باب طلاق السنة

قال: "الطلاق على ثلاثة أوجه حسن وأحسن وبدعي فالأحسن أن يطلق الرجل امرأته تطليقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه ويتركها حتى تنقضي عدتها" لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يستحبون أن لا يزيدوا في الطلاق على واحدة حتى تنقضي العدة فإن هذا أفضل عندهم من أن يطلقها الرجل ثلاثا عند كل طهر واحدة ولأنه أبعد من الندامة وأقل ضررا بالمرأة ولا خلاف لأحد في الكراهة.
"والحسن هو طلاق السنة وهو أن يطلق المدخول بها ثلاثا في ثلاثة أطهار" وقال مالك رحمه الله إنه بدعة ولا يباح إلا واحدة لأن الأصل في الطلاق هو الحظر والإباحة لحاجة الخلاص وقد اندفعت بالواحدة.
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر رضي الله عنهما "
إن من السنة أن تستقبل الطهر استقبالا فتطلقها لكل قرء تطليقة" ولأن الحكم يدار على دليل الحاجة وهو الإقدام على الطلاق في زمان تجدد الرغبة وهو الطهر الخالي عن الجماع فالحاجة كالمتكررة نظرا إلى دليلها ثم قيل الأولى أن يؤخر الإيقاع إلى آخر الطهر احترازا عن تطويل العدة والأظهر أن يطلقها كما طهرت لأنه لو أخر ربما يجامعها ومن قصده التطليق فيبتلى بالإيقاع عقيب الوقاع "وطلاق البدعة أن يطلقها ثلاثا بكلمة واحدة أو ثلاثا في طهر واحد فإذا فعل ذلك وقع الطلاق وكان عاصيا" وقال الشافعي رحمه الله كل الطلاق مباح لأنه تصرف مشروع حتى يستفاد به الحكم والمشروعية لا تجامع الحظر بخلاف الطلاق في حالة الحيض لأن المحرم تطويل العدة عليها لا الطلاق.
ولنا أن الأصل في الطلاق هو الحظر لما فيه من قطع النكاح الذي تعلقت به المصالح الدينية والدنيوية والإباحة للحاجة إلى الخلاص ولا حاجة إلى الجمع بين الثلاث وهي في المفرق على الأطهار ثابتة نظرا إلى دليلها والحاجة في نفسها باقية فأمكن تصوير الدليل عليها والمشروعية في ذاته من حيث أنه إزالة الرق لا تنافي الحظر لمعنى في غيره وهو

 

ج / 1 ص -222-       ما ذكرناه وكذا إيقاع الثنتين في الطهر الواحد بدعة لما قلنا.
واختلفت الرواية في الواحدة ا لبائنة قال في الأصل إنه أخطأ السنة لأنه لا حاجة إلى إثبات صفة زائدة في الخلاص وهي البينونة وفي الزيادات أنه لا يكره للحاجة إلى الخلاص ناجزا "والسنة في الطلاق من وجهين سنة في الوقت وسنة في العدد فالسنة في العدد يستوي فيها المدخول بها وغير المدخول بها" وقد ذكرناها "والسنة في الوقت تثبت في المدخول بها خاصة وهو أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه" لأن المراعى دليل الحاجة وهو الإقدام على الطلاق في زمان تجدد الرغبة وهو الطهر الخالي عن الجماع.
أما زمان الحيض فزمان النفرة وبالجماع مرة في الطهر تفتر الرغبة "وغير المدخول بها يطلقها في حالة الطهر والحيض" خلافا لزفر رحمه الله وهو يقيسها على المدخول بها.
ولنا أن الرغبة في غير المدخول بها صادقة لا تقل بالحيض مالم يحصل مقصوده منها وفي المدخول بها تتجدد بالطهر.
قالك "وإذا كانت المرأة لا تحيض من صغر أو كبر فأراد أن يطلقها ثلاثا للسنة طلقها واحدة فإذا مضى شهر طلقها أخرى فإذا مضى شهر طلقها أخرى" لأن الشهر في حقها قائم مقام الحيض قال الله تعالى:
{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4] إلى أن قال: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ] [الطلاق: 4] والإقامة في حق الحيض خاصة حتى يقدر الاستبراء في حقها بالشهر وهو بالحيض لا بالطهر ثم إن كان الطلاق في أول الشهر تعتبر الشهور بالأهلة وإن كان في وسطه فبالأيام في حق التفريق وفي حق العدة كذلك عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يكمل الأول بالأخير والمتوسطان بالأهلة وهي مسئلة الإجارات.
قال: "ويجوز أن يطلقها ولا يفصل بين وطئها وطلاقها بزمان" وقال زفر رحمه الله يفصل بينهما بشهر لقيامه مقام الحيض ولأن بالجماع تفتر الرغبة وإنما تتجدد بزمان وهو الشهر.
ولنا أنه لا يتوهم الحبل فيها والكراهية في ذوات الحيض باعتباره لأن عند ذلك يشتبه وجه العدة والرغبة وإن كانت تفتر من الوجه الذي ذكر لكن تكثر من وجه آخر لأنه يرغب في وطء غير معلق فرارا عن مؤن الولد فكان الزمان زمان رغبة فصار كزمان الحبل "وطلاق الحامل يجوز عقب الجماع" لأنه لا يؤدي إلى اشتباه وجه العدة وزمان الحبل زمان الرغبة في الوطء لكونه غير معلق أو يرغب فيها لمكان ولده منها فلا تقل الرغبة بالجماع "ويطلقها

 

ج / 1 ص -223-       للسنة ثلاثا يفصل بين كل تطليقتين بشهر عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله" وقال محمد رحمه الله وزفر "لا يطلقها للسنة إلا واحدة" لأن الأصل في الطلاق الحظر وقد ورد الشرع بالتفريق على فصول العدة والشهر في حق الحامل ليس من فصولها فصار كالممتد طهرها ولهما أن الإباحة بعلة الحاجة والشهر دليلها كما في حق الآيسة والصغيرة وهذا لأنه زمان تجدد الرغبة على ما عليه الجبلة السلمية فصلح علما ودليلا بخلاف الممتد طهرها لأن العلم في حقها إنما هو الطهر وهو مرجو فيها في كل زمان ولا يرجى مع الحبل "وإذا طلق الرجل امرأته في حالة الحيض وقع الطلاق" لأن النهي عنه لمعنى في غيره وهو ما ذكرناه فلا ينعدم مشروعيته "ويستحب له أن يراجعها" لقوله عليه الصلاة والسلام لعمر "مر ابنك فليراجعها وقد طلقها في حالة الحيض" وهذا يفيد الوقوع والحث على الرجعة ثم الاستحباب قول بعض المشايخ والأصح أنه واجب عملا بحقيقة الأمر ورفعا للمعصية بالقدر الممكن برفع أثره وهو العدة ودفعا لضرر تطويل العدة.
قال: "فإذا طهرت وحاضت ثم طهرت فإن شاء طلقها وإن شاء أمسكها" قال رضي الله عنه "وهكذا ذكر في الأصل وذكر الطحاوي رحمه الله أنه يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة الأولى" قال أبو الحسن الكرخي ما ذكره الطحاوي قول أبي حنيفة وما ذكر في الأصل قولهما ووجه المذكور في الأصل أن السنة أن يفصل بين كل طلاقين بحيضة والفاصل ههنا بعض الحيضة فتكمل بالثانية ولا تتجزأ فتتكامل وإذا تكاملت الحيضة الثانية فالطهر الذي يليه زمان السنة فأمكن تطليقها على وجه السنة.
ووجه القول الآخر أن أثر الطلاق قد انعدم بالمراجعة فصار كأنه لم يطلقها في الحيض فيسن تطليقها في الطهر الذي يليه "ومن قال لامرأته وهي من ذوات الحيض وقد دخل بها أنت طالق ثلاثا للسنة ولا نية له فهي طالق عند كل طهر تطليقة" لأن اللام فيه للوقت ووقت السنة طهر لا جماع فيه "وإن نوى أن تقع الثلاث الساعة أو عند رأس كل شهر واحدة فهو على ما نوى" سواء كانت في حالة الحيض أو في حالة الطهر وقال زفر رحمه الله لا تصح نية الجمع لأنه بدعة وهي ضد السنة.
ولنا أنه محتمل لفظه لأنه سني وقوعا من حيث أن وقوعه بالسنة لا إيقاعا فلم يتناوله مطلق كلامه وينتظمه عند نيته "وإن كانت آيسة أو من ذوات الأشهر وقعت الساعة واحدة وبعد شهر أخرى وبعد شهر أخرى" لأن الشهر في حقها دليل الحاجة كالطهر في حق ذوات الأقراء على ما بينا "وإن نوى أن يقع الثلاث الساعة وقعن عندنا خلافا لزفر لما قلنا" بخلاف ما إذا قال أنت طالق للسنة ولم ينص على الثلاث حيث لا تصح نية الجمع فيه لأن نية

 

ج / 1 ص -224-       الثلاث إنما صحت فيه من حيث إن اللام فيه للوقت فيفيد تعميم الوقت ومن ضرورته تعميم الواقع فيه فإذا نوى الجمع بطل تعميم الوقت فلا تصح نية الثلاث.

فصل
"ويقع طلاق كل زوج إذا كان عاقلا بالغا ولا يقع طلاق الصبي والمجنون والنائم" لقوله عليه الصلاة والسلام "
كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمجنون" ولأن الأهلية بالعقل المميز وهما عديما العقل والنائم عديم الاختيار.
"وطلاق المكره واقع" خلافا للشافعي رحمه الله هو يقول إن الإكراه لا يجامع الاختيار وبه يعتبر التصرف الشرعي بخلاف الهازل لأنه مختار في التكلم بالطلاق ولنا أنه قصد إيقاع الطلاق في منكوحته في حال أهليته فلا يعرى عن قضيته دفعا لحاجته اعتبار بالطائع وهذا لأنه عرف الشرين واختار أهونهما وهذا آية القصد والاختيار إلا أنه غير راض بحكمه وذلك غير مخل به كالهازل.
"وطلاق السكران واقع" واختيار الكرخي والطحاوي رحمهما الله انه لا يقع وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله لأن صحة القصد بالعقل وهو زائل العقل فصار كزواله بالبنج والدواء.
ولنا أنه زال بسبب هو معصية فجعل باقيا حكما زجرا له حتى لو شرب فصدع وزال عقله بالصداع نقول إنه لا يقع طلاقه.
"وطلاق الأخرس واقع بالإشارة" لأنها صارت معهودة فأقيمت مقام العبارة دفعا للحاجة وستأتيك وجوهه في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى "وطلاق الأمة ثنتان حرا كان زوجها أو عبدا وطلاق الحرة ثلاث حرا كان زوجها أو عبدا" وقال الشافعي رحمه الله عدد الطلاق معتبر بحال الرجال لقوله عليه الصلاة والسلام "
الطلاق بالرجال والعدة بالنساء" ولأن صفة المالكية كرامة والآدمية مستدعية لها ومعنى الآدمية في الحر أكمل فكانت مالكيته أبلغ وأكثر.
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام "
طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان" ولأن حل المحلية نعمة في حقها وللرق أثر في تنصيف النعم إلا أن العقدة لا تتجزأ فتكاملت عقدتان وتأويل ما روى أن الإيقاع بالرجال.
"وإذا تزوج العبد امراة بإذن مولاه وطلقها وقع طلاقه ولا يقع طلاق مولاه على امرأته" لأن ملك النكاح حق العبد فيكون الإسقاط إليه دون المولى.

 

ج / 1 ص -225-       باب إيقاع الطلاق
"الطلاق على ضربين صريح وكناية فالصريح قوله أنت طالق ومطلقة وطلقتك فهذا يقع به الطلاق الرجعي" لأن هذه الألفاظ تستعمل في الطلاق ولا تستعمل في غيره فكان صريحا وأنه يعقب الرجعة بالنص "ولا يفتقر إلى النية" لأنه صريح فيه لغلبة الاستعمال "وكذا إذا نوى الإبانة" لأنه قصد تنجيز ما علقه الشرع بانقضاء العدة فيرد عليه.
"ولو نوى الطلاق عن وثاق لم يدين في القضاء" لأنه خلاف الظاهر "ويدين فيما بينه وبين الله تعالى" لأنه نوى ما يحتمله "ولو نوى به الطلاق عن العمل لم يدين في القضاء فيما بينه وبين الله تعالى" لأن الطلاق لرفع القيد وهي غير مقيدة بالعمل وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يستعمل للتخليص.
"ولو قال أنت مطلقة" بتسكين الطاء "لا يكون طلاقا إلا بالنية" لأنها غير مستعملة فيه عرفا فلم يكن صريحا.
قال: "ولا يقع به إلا واحدة وإن نوى أكثر من ذلك" وقال الشافعي رحمه الله يقع ما نوى لأنه محتمل لفظه فإن ذكر الطالق ذكر للطلاق لغة كذكر العالم ذكر للعلم ولهذا يصح قران العدد به فيكون نصبا على التمييز.
ولنا أنه نعت فرد حتى قيل للمثنى طالقان وللثلاث طوالق فلا يحتمل العدد لأنه ضده وذكر الطالق ذكر لطلاق هو صفة للمرأة لا لطلاق هو تطليق والعدد الذي يقترن به نعت لمصدر محذوف معناه طلاقا ثلاثا كقولك أعطيته جزيلا أي عطاء جزيلا.
"ولو قال أنت الطلاق أو أنت طالق الطلاق أو أنت طالق طلاقا فإن لم تكن له نية أو نوى واحدة أو ثنتين فهي واحدة رجعية وإن نوى ثلاثا فثلاث" ووقوع الطلاق باللفظة الثانية والثالثة ظاهر لأنه لو ذكر النعت وحده يقع به الطلاق فإذا ذكره وذكر المصدر معه وأنه يزيده وكادة أولى.
وأما وقوعه باللفظة الأولى فلأن المصدر قد يذكر ويراد به الاسم يقال رجل عدل أي عادل فصار بمنزلة قوله أنت طالق وعلى هذا لو قال أنت طلاق يقع الطلاق به أيضا ولا يحتاج فيه إلى النية ويكون رجعيا لما بينا أنه صريح الطلاق لغلبة الاستعمال فيه وتصح نية الثلاث لأن المصدر يحتمل العموم والكثرة لأنه اسم جنس فيعتبر بسائر أسماء الأجناس فيتناول الأدنى مع احتمال الكل ولا تصح نية الثنتين فيها خلافا لزفر رحمه الله هو يقول إن الثنتين بعض الثلاث فلما صحت نية الثلاث صحت نية بعضها ضرورة ونحن نقول نية

 

ج / 1 ص -226-       الثلاث إنما صحت لكونها جنسا حتى لو كانت المرأة أمة تصح نية الثنتين باعتبار معنى الجنسية أما الثنتان في حق الحرة فعدد واللفظ لا يحتمل العدد وهذا لأن معنى التوحد يراعى في ألفاظ الوحدان وذلك بالفردية أو الجنسية والمثنى بمعزل منهما.
"ولو قال أنت طالق الطلاق وقال أردت بقولي طالق واحدة وبقولي الطلاق أخرى يصدق" لأن كل واحد منهما صالح للايقاع فكأنه قال أنت طالق وطالق فتقع رجعيتان إذا كانت مدخولا بها.
"وإذا أضاف الطلاق إلى جملتها أو إلى ما يعبر به عن الجملة وقع الطلاق" لأنه أضيف إلى محله "وذلك مثل أن يقول أنت طالق" لأن التاء ضمير المرأة "أو" يقول "رقبتك طالق أو عنقك" طالق أو رأسك طالق "أو روحك أو بدنك أو جسدك أو فرجك أو وجهك" لأنه يعبر بها عن جميع البدن أما الجسد والبدن فظاهر وكذا غيرهما قال الله تعالى:
{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] وقال: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] وقال عليه الصلاة والسلام "لعن الله الفروج على السروج" ويقال فلان رأس القوم ويا وجه العرب وهلك روحه بمعنى نفسه ومن هذا القبيل الدم في رواية يقال دمه هدر ومنه النفس وهو ظاهر "وكذلك إن طلق جزءا شائعا منها مثل أن يقول نصفك أو ثلثك طالق" لأن الجزء الشائع محل لسائر التصرفات كالبيع وغيره فكذا يكون محلا للطلاق إلا أنه لا يتجزأ في حق الطلاق فيثبت في الكل ضرورة.
"ولو قال يدك طالق أو رجلك طالق لم يقع الطلاق" وقال زفر والشافعي رحمهما الله يقع وكذا الخلاف في كل جزء معين لا يعبر به عن جميع البدن لهما أنه جزء مستمتع بعقد النكاح وما هذا حاله يكون محلا لحكم النكاح فيكون محلا للطلاق فيثبت الحكم فيه قضية للإضافة ثم يسري إلى الكل كما في الجزء الشائع بخلاف ما إذا أضيف إليه النكاح لأن التعدي ممتنع إذ الحرمة في سائر الأجزاء تغلب الحل في هذا الجزء وفي الطلاق الأمر على القلب.
ولنا أنه أضاف الطلاق إلى غير محله فيلغو كما إذا أضافه إلى ريقها أو ظفرها وهذا لأن محل الطلاق ما يكون فيه القيد لأنه ينبي عن رفع القيد ولا قيد في اليد ولهذا لا تصح إضافة النكاح إليه بخلاف الجزء الشائع لأنه محل للنكاح عندنا حتى تصح إضافته إليه فكذا يكون محلا للطلاق واختلفوا في الظهر والبطن والأظهر أنه لا يصح لأنه لا يعبر بهما عن جميع البدن "وإن طلقها نصف تطليقة أو ثلثها كانت طالقا تطليقة واحدة" لأن الطلاق

 

ج / 1 ص -227-       لا يتجزأ وذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر الكل وكذا الجواب في كل جزء سماه لما بينا.
"ولو قال لها أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقتين فهي طالق ثلاثا" لأن نصف التطليقتين تطليقة فإذا جمع بين ثلاثة أنصاف تكون ثلاث تطليقات ضرورة "ولو قال أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقة قيل يقع تطليقتان" لأنها طلقة ونصف فيتكامل وقيل يقع ثلاث تطليقات لأن كل نصف يتكامل في نفسه فتصير ثلاثا "ولو قال أنت طالق من واحدة إلى ثنتين أو ما بين واحدة إلى ثنتين فهي واحدة ولو قال من واحدة إلى ثلاث أو ما بين واحدة إلى ثلاث فهي ثنتان وهذا عند أبي حنيفة وقالا في الأولى هي ثنتان وفي الثانية ثلاث" وقال زفر رحمه الله في الأولى لا يقع شيء وفي الثانية تقع واحدة وهو القياس لأنه الغاية لا تدخل تحت المضروب له الغاية كما لو قال بعت منك من هذا الحائط الى هذا الحائط وجه قولهما الإستحسان أن مثل هذا الكلام متى ذكر في العرف يراد به الكل كما تقول لغيرك خذ من مالي من درهم إلى مائة ولأبي حنيفة رحمه الله أن المراد به الأكثر من الأقل والأقل من الأكثر فإنهم يقولون سني من ستين إلى سبعين وما بين ستين إلى سبعين ويريدون به ما ذكرنا وإرادة الكل فيما طريقه طريق الإباحة كما ذكر إذ الأصل في الطلاق هو الحظر ثم الغاية الأولى لا بد أن تكون موجودة ليترتب عليها الثانية ووجودها بوقوعها بخلاف البيع لأن الغاية فيه موجودة قبل البيع ولو نوى واحدة بدين ديانة لا قضاء محتمل كلامه لكنه خلاف الظاهر "ولو قال أنت طالق واحدة في ثنتين ونوى الضرب والحساب أو لم تكن له نية فهى واحدة" وقال زفر رحمه الله تقع ثنتان لعرف الحساب وهو قول الحسن بن زياد رحمه الله.
ولنا أن عمل الضرب أثره في تكثير الأجزاء لا في زيادة المضروب وتكثير أجزاء التطليقة لا يوجب تعددها "فإن نوى واحدة وثنتين فهي ثلاث" لأنه يحتمله فإن حرف الواو للجمع والظرف يجمع المظروف ولو كانت غير مدخول بها تقع واحدة كما في قوله واحدة وثنتين وإن نوى واحدة مع ثنتين تقع الثلاث لأن كلمة في تأتي بمعنى مع كما هو قوله تعالى:
{فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر:29] أي مع عبادي.
"ولو نوى الظرف تقع واحدة" لأن الطلاق لا يصلح ظرفا فيلغو ذكر الثاني "ولو قال إثنتين في إثنتين ونوى الضرب والحساب فهي ثنتان" وعند زفر رحمه الله ثلاث لأن قضيته أن تكون أربعا لكن لا مزيد للطلاق على الثلاث وعندنا الإعتبار للمذكور الأول على ما بيناه "ولو قال أنت طالق من هنا الى الشام فهي واحدة ويملك الرجعة" وقال زفر رحمه الله هي بائنة لأنه وصف الطلاق بالطول قلنا لا بل وصفه بالقصر لأنه متى وقع وقع في الأماكن كلها.

 

ج / 1 ص -228-       "ولو قال أنت طالق بمكة أو في مكة فهي طالق في الحال في كل البلاد وكذلك لو قال أنت طالق في الدار" لأن الطلاق لا يتخصص بمكان دون مكان وإن عنى به إذا أتيت مكة يصدق ديانة لا قضاء لأنه نوى الإضمار وهو خلاف الظاهر وكذا إذا قال أنت طالق وأنت مريضة وإن نوى إن مرضت لم يدين في القضاء.
"ولو قال أنت طالق إذا دخلت مكة لم تطلق حتى تدخل مكة" لأنه علقه بالدخول ولو قال أنت طالق في دخولك الدار يتعلق بالفعل لمقاربة بين الشرط والظرف فحمل عليه عند تعذر الظرفية.

فصل في إضافة الطلاق الى الزمان
"ولو قال أنت طالق غدا وقع عليها الطلاق بطلوع الفجر" لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد وذلك بوقوعه في أول جزء منه ولو نوى به آخر النهار صدق ديانة لا قضاء لأنه نوى التخصيص في العموم وهو يحتمله لكنه مخالف للظاهر.
"ولو قال أنت طالق اليوم غدا أو غدا اليوم فإنه يؤخذ بأول الوقتين الذي تفوه به" فيقع في الأول في اليوم وفي الثاني في الغد لأنه لما قال اليوم كان تنجيزا والمنجز لا يحتمل الإضافة وإذا قال غدا كان إضافة والمضاف لا يتنجز لما في من إبطال الإضافة فلغا اللفظ الثاني في الفصلين "ولو قال أنت طالق في غد وقال نويت آخر النهار دين في القضاء عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا لا يدين في القضاء خاصة" لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد فصار بمنزلة قوله غدا على ما بيناه ولهذا يقع في أول جزء منه عند عدم النية وهذا لأن حذف في وإثباته سواء لأنه ظرف في الحالين ولأبي حنيفة رحمة الله أنه نوى حقيقة كلامه لأن كلمة في للظرف والظرفية لا تقضي الإستيعاب وتعين الجزء الأول ضرورة عدم المزاحم فإذا عين آخر النهار كان التعيين القصدي أولى بالإعتبار من الضرورى بخلاف قوله غدا لأنه يقتضي الإستيعاب حيث وصفها بهذه الصفة مضافا الى جميع الغد نظيره إذا قال والله لأصومن عمري ونظير الأول والله لأصومن في عمري وعلى هذين الدهر وفي الدهر.
"ولو قال أنت طالق أمس وقد تزوجها اليوم لم يقع شيء" لأنه أسند الى حالة معهودة منافية لمالكية الطلاق فيلغو كما إذا قال أنت طالق قبل أن أخلق ولأنه يمكن تصحيحه إخبارا عن عدم النكاح أو عن كونها مطلقة بتطليق غيره من الأزواج "ولو تزوجها أول من أمس وقع الساعة" لأنه ما أسنده إلى حالة منافية ولا يمكن تصحيحه إخبارا أيضا فكان

 

ج / 1 ص -229-       إنشاء والإنشاء في الماضي إنشاء في الحال فيقع الساعة.
"ولو قال أنت طالق قبل أن أتزوجك لم يقع شيء" لأنه أسنده إلى حالة منافية فصار كما إذا قال طلقتك وأنا صبي أو نائم أو يصح إخبارا على ما ذكرنا "ولو قال أنت طالق ما لم أطلقك أو متى لم أطلقك أو متى ما لم أطلقك وسكت طلقت" لأنه أضاف الطلاق إلى زمان خال عن التطليق وقد وجد حيث سكت وهذا لأن كلمة متى ومتى ما صريح في الوقت لأنهما من ظروف الزمان وكذا كلمة ما للوقت قال الله تعالى:
{مَا دُمْتُ حَيّاً} [مريم: 31] أي وقت الحياة.
"ولو قال أنت طالق إن لم أطلقك لم تطلق حتى يموت" لأن العدم لا يتحقق إلا باليأس عن الحياة وهو الشرط كما في قوله إن لم آت البصرة وموتها بمنزلة موته هو الصحيح "ولو قال أنت طالق إذا لم أطلقك أو إذا ما لم أطلقك لم تطلق حتى يموت عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا تطلق حين سكت" لأن كلمة إذا للوقت قال الله تعالى:
{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير:1] وقال قائلهم:

وإذا تكون كريهة أدعى لها                   وإذا يحاس الحيس يدعى جندب

فصار بمنزلة متى ومتى ما ولهذا لو قال لامرأته أنت طالق إذا شئت لا يخرج الأمر من يدها بالقيام من المجلس كما في قوله متى شئت ولأبي حنيفة رحمه الله أن كلمة إذا تستعمل في الشرط أيضا قال قائلهم:

واستغن ما أغناك ربك بالغنى                        وإذا تصبك خصاصة فتجمل

فإن أريد به الشرط لم تطلق في الحال وإن أريد به الوقت تطلق فلا تطلق بالشك والاحتمال بخلاف مسئلة المشيئة لأنه على اعتبار أنه للوقت لا يخرج الأمر من يدها وعلى اعتبار أنه للشرط يخرج والأمر صار في يدها فلا يخرج بالشك والاحتمال وهذا الخلاف فيما إذا لم تكن له نية ألبتة أما إذا نوى الوقت يقع في الحال ولو نوى الشرط يقع في آخر العمر لأن اللفظ يحتملهما.
"ولو قال أنت طالق ما لم أطلقك أنت طالق فهي طالق بهذه التطليقة معناه قال ذلك موصولا به والقياس أن يقع المضاف فيقعان إن كانت مدخولا بها وهو قول زفر رحمه الله لأنه وجد زمان لم يطلقها فيه وإن قل وهو زمان قوله أنت طالق قبل أن يفرغ منها وجه الاستحسان أن زمان البر مستثنى عن اليمين بدلالة الحال لأن البر هو المقصود ولا يمكنه تحقيق البر إلا أن يجعل هذا القدر مستثنى وأصله من حلف لا يسكن هذه الدار فاشتغل

 

ج / 1 ص -230-       بالنقلة من ساعته وأخواته على ما يأتيك في الأيمان إن شاء الله تعالى.
"ومن قال لامرأة يوم أتزوجك فأنت طالق فتزوجها ليلا طلقت" لأن اليوم يذكر ويراد به بياض النهار فيحمل عليه إذا قرن بفعل يمتد كالصوم والأمر باليد لأنه يراد به المعيار وهذا أليق به ويذكر ويراد به مطلق الوقت قال الله تعالى:
{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [لأنفال: 16] والمراد به مطلق الوقت فيحمل عليه إذا قرن بفعل لا يمتد والطلاق من هذا القبيل فينتظم الليل والنهار ولو قال عنيت به بياض النهار خاصة دين في القضاء لأنه نوى حقيقة كلامه والليل لا يتناول إلا السواد والنهار لا يتناول إلا البياض خاصة وهذا هو اللغة.

فصل
"ومن قال لامرأته أنا منك طالق فليس بشيء وإن نوى طلاقا ولو قال أنا منك بائن أو أنا عليك حرام ينوي الطلاق فهي طالق" وقال الشافعي رحمه الله يقع الطلاق في الوجه الأول أيضا إذا نوى لأن ملك النكاح مشترك بين الزوجين حتى ملكت هي المطالبة بالوطء كما يملك هو المطالبة بالتمكين وكذا الحل مشترك بينهما والطلاق وضع لإزالتهما فيصح مضافا إليه كما صح مضافا إليها كما في الإبانة والتحريم.
ولنا أن الطلاق لإزالة القيد وهو فيها دون الزوج ألا ترى أنها هي الممنوعة عن التزوج بزوج آخر والخروج ولو كان لإزالة الملك فهو عليها لأنها مملوكة والزوج مالك ولهذا سميت منكوحة بخلاف الإبانة لأنها لإزالة الوصلة وهي مشتركة بينهما وبخلاف التحريم لأنه لإزالة الحل وهو مشترك بينهما فصحت إضافتهما إليهما ولا تصح إضافة الطلاق إلا إليها.
"ولو قال أنت طالق واحدة أو لا فليس بشيء" قال رضي الله عنه هكذا ذكر في الجامع الصغير من غير خلاف وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله آخرا وعلى قول محمد وهو قول أبي يوسف رحمه الله أولا تطلق واحدة رجعية ذكر قول محمد رحمه الله في كتاب الطلاق فيما إذا قال لامرأته أنت طالق واحدة أو لا شيء ولا فرق بين المسئلتين ولو كان المذكور ههنا قول الكل فعن محمد رحمه الله روايتان له أنه أدخل الشك في الواحدة لدخول كلمة أو بينها وبين النفي فيسقط اعتبار الواحدة ويبقى قوله أنت طالق بخلاف قوله أنت طالق أولا لأنه أدخل الشك في أصل الإيقاع فلا يقع ولهما أن الوصف متى قرن بالعدد كان الوقوع بذكر العدد ألا ترى أنه لو قال لغير المدخول بها أنت

 

ج / 1 ص -231-       طالق ثلاثا تطلق ثلاثا ولو كان الوقوع بالوصف للغا ذكر الثلاث وهذا لأن الواقع في الحقيقة إنما هو المنعوت المحذوف معناه أنت طالق تطليقة واحدة على ما مر وإذا كان الواقع ما كان العدد نعتا له كان الشك داخلا في أصل الإيقاع فلا يقع شيء "ولو قال أنت طالق مع موتي أو مع موتك فليس بشيء" لأنه أضاف الطلاق إلى حالة منافية له لأن موته ينافي الأهلية وموتها ينافي المحلية ولا بد منهما.
"وإذا ملك الزوج امرأته أو شقصا منها أو ملكت المرأة زوجها أو شقصا منه وقعت الفرقة" للمنافاة بين الملكين أما ملكها إياه فللاجتماع بين المالكية والمملوكية وأما ملكه إياها فلأن ملك النكاح ضروري ولا ضرورة مع قيام ملك اليمين فينتفي النكاح "ولو اشتراها ثم طلقها لم يقع شيء" لأن الطلاق يستدعي قيام النكاح ولا بقاء له مع المنافي لا من وجه ولا من كل وجه وكذا إذا ملكته أو شقصا منه لا يقع الطلاق لما قلنا من المنافاة وعن محمد رحمه الله أنه يقع لأن العدة واجبة بخلاف الفصل الأول لأنه لا عدة هنالك حتى حل وطؤها له.
"وإن قال لها وهي أمة لغيره أنت طالق ثنتين مع عتق مولاك إياك فأعتقها مولاها ملك الزوج الرجعة" لأنه علق التطليق بالإعتاق أو العتق لأن اللفظ ينتظمهما والشرط ما يكون معدوما على خطر الوجود وللحكم تعلق به والمذكور بهذه الصفة والمعلق به التطليق لأن في التعليقات يصير التصرف تطليقا عند الشرط عندنا وإذا كان التطليق معلقا بالإعتاق أو العتق يوجد بعده ثم الطلاق يوجد بعد التطليق فيكون الطلاق متأخرا عن العتق فيصادفها وهي حرة فلا تحرم حرمة غليظة بالثنتين بقي شيء وهو أن كلمة مع للقران قلنا قد تذكر للتأخر كما في قوله تعالى:
{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح: 5، 6] فتحمل عليه بدليل ما ذكرنا من معنى الشرط.
"ولو قال إذا جاء غد فأنت طالق ثنتين وقال المولى إذا جاء غد فأنت حرة فجاء الغد لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وعدتها ثلاث حيض وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله زوجها يملك الرجعة" عليها لأن الزوج قرن الإيقاع بإعتاق المولى حيث علقه بالشرط الذي علق به المولى العتق وإنما ينعقد المعلق سببا عند الشرط والعتق يقارن الإعتاق لأنه علته أصله الاستطاعة مع الفعل فيكون التطليق مقارنا للعتق ضرورة فتطلق بعد العتق فصار كالمسئلة الأولى ولهذا تقدر عدتها بثلاث حيض ولهما أنه علق الطلاق بما علق به المولى العتق ثم العتق يصادفها وهي أمه فكذا الطلاق والطلقتان تحرمان الأمة حرمة غليظة بخلاف المسئلة الأولى لأنه علق التطليق بإعتاق المولى فيقع

 

ج / 1 ص -232-       الطلاق بعد العتق على ما قررناه وبخلاف العدة لأنه يؤخذ فيها بالاحتياط وكذا الحرمة الغليظة يؤخذ فيها بالاحتياط ولا وجه إلى ما قال لأن العتق لو كان يقارن الإعتاق لأنه علته فالطلاق يقارن التطليق لأنه علته فيقترنان.

فصل في تشبيه الطلاق ووصفه
"ومن قال لامرأته أنت طالق هكذا يشير بالإبهام والسبابة والوسطى فهي ثلاث" لأن الإشارة بالأصابع تفيد العلم بالعدد في مجرى العادة إذا اقترنت بالعدد المبهم قال عليه الصلاة والسلام "
الشهر هكذا وهكذا" وهكذا الحديث وإن اشار بواحدة فهي واحدة وإن أشار بالثنتين فهي ثنتان لما قلنا والإشارة تقع بالمنشورة منها وقيل إذا أشار بظهورها فبالمضمومة منها وإذا كان تقع الإشارة بالمنشورة منها فلو نوى الإشارة بالمضمومتين يصدق ديانة لا قضاء وكذا إذا نوى الإشارة بالكف حتى يقع في الأولى ثنتان ديانة وفي الثانية واحدة لأنه يحتمله لكنه خلاف الظاهر ولو لم يقبل هكذا تقع واحدة لأنه لم يقترن بالعدد المبهم فبقي الاعتبار بقوله أنت طالق "وإذا وصف الطلاق بضرب من الزيادة أو الشدة كان نائبا مثل أن يقول أنت طالق بائن أو البتة" وقال الشافعي رحمه الله يقع رجعيا إذا كان بعد الدخول بها لأن الطلاق شرع معقبا للرجعة فكان وصفه بالبينونة خلاف المشروع فيلغو كما إذا قال أنت طالق على أن لا رجعة لي عليك.
ولنا أنه وصفه بما يحتمله لفظه ألا ترى أن البينونة قبل الدخول بها وبعد العدة تحصل به فيكون هذا الوصف لتعيين أحد المحتملين ومسئلة الرجعة ممنوعة فتقع واحدة بائنة إذا لم تكن له نية أو نوى الثنتين أما إذا نوى الثلاث فثلاث لما مر من قبل ولو عنى بقوله أنت طالق واحدة وبقوله بائن أو البتة أخرى تقع تطليقتان بائنتان لأن هذا الوصف يصلح لابتداء الإيقاع "وكذا إذا قال أنت طالق أفحش الطلاق" لأنه إنما يوصف باعتبار أثره وهو البينونة في الحال فصار كقوله بائن وكذا إذا قال أخبث الطلاق "أو أسوأه" لما ذكرنا "وكذا إذا قال طلاق الشيطان أو طلاق البدعة" لأن الرجعي هو السني فيكون قوله البدعة وطلاق الشيطان بائنا وعن أبي يوسف في قوله أنت طالق البدعة أنه لا يكون بائنا إلا بالنية لأن البدعة قد تكون من حيث الإيقاع في حالة حيض فلا بد من النية وعن محمد رحمه الله أنه إذا قال أنت طالق للبدعة أو طلاق الشيطان يكون رجعيا لأن هذا الوصف قد يتحقق بالطلاق في حالة الحيض فلا تثبت البينونة بالشك "وكذا إذا قال كالجبل" لأن التشبيه به يوجب زيادة لا محالة وذلك بإثبات زيادة الوصف وكذا إذا قال مثل الجبل لما

 

ج / 1 ص -233-       قلنا وقال أبو يوسف رحمه الله يكون رجعيا لأن الجبل شيء واحد فكان تشبيها به في توحده.
"ولو قال لها أنت طالق أشد الطلاق أو كألف أو ملء البيت فهي واحدة بائنة إلا أن ينوي ثلاثا" أما الأول فلأنه وصفه بالشدة وهو البائن لأنه لا يحتمل الانتقاض والارتفاض أما الرجعي فيحتمله وإنما تصبح نية الثلاث لذكره المصدر وأما للثاني فلأنه قد يراد بهذا التشبيه في القوة تارة وفي العدد أخرى يقال هو كألف رجل ويراد به القوة فتصح نية الأمرين وعند فقدانها يثبت أقلهما وعن محمد رحمه الله أنه يقع الثلاث عند عدم النية لأنه عدد فيراد به التشبيه في العدد ظاهرا فصار كما إذا قال أنت طالق كعدد ألف وأما الثالث فلأن الشيء قد يملأ البيت لعظمه في نفسه وقد يملؤه لكثرته فأي ذلك نوى صحت نيته وعند انعدام النية يثبت الأقل ثم الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله أنه متى شبه الطلاق بشيء يقع بائنا أي شيء كان المشبه به ذكر العظم أو لم يذكر لما مر أن التشبيه يقتضي زيادة وصف وعند أبي يوسف رحمه الله أن ذكر العظم يكون بائنا وإلا فلا أي شيء كان المشبه به لأن التشبيه قد يكون في التوحيد على التجريد أما ذكر العظم فللزيادة لا محالة وعند زفر رحمه الله إن كان المشبه به مما يوصف بالعظم عند الناس يقع بائنا وإلا فهو رجعي وقيل محمد رحمه الله مع أبي حنيفة رحمه الله وقيل مع أبي يوسف رحمه الله وبيانه في قوله مثل رأس الإبرة مثل عظم رأس الإبرة ومثل الجبل مثل عظم الجبل.
"ولو قال أنت طالق تطليقة شديدة أو عريضة أو طويلة فهي واحدة بائنة" لأن مالا يمكن تداركه يشتد عليه وهو البائن وما يصعب تداركه يقال لهذا الأمر طول وعرض وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يقع بها لأن هذا الوصف لا يليق به فيلغو ولو نوى الثلاث في هذه الفصول صحت نيته لتنوع البينونة على ما مر والواقع بها بائن.

فصل في الطلاق قبل الدخول
"وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا قبل الدخول بها وقعن عليها" لأن الوقاع مصدر محذوف لأن معناه طلاقا بائنا على ما بيناه فلم يكن قوله أنت طالق إيقاعا على حدة فيقعن جملة "فإن فرق الطلاق بانت بالأولى ولم تقع الثانية والثالثة" وذلك مثل أن يقول أنت طالق طالق طالق لأن كل واحدة إيقاع على حدة إذا لم يذكر في آخر كلامه ما يغير صدره حتى يتوقف عليه فتقع الأولى في الحال فتصادفها الثانية وهي مبانة "وكذا إذا قال لها أنت طالق واحدة وواحدة وقعت واحدة" لما ذكرنا أنا بانت بالأولى "ولو قال لها أنت طالق واحدة فماتت

 

ج / 1 ص -234-       قبل قوله واحدة كان باطلا" لأنه قرن الوصف بالعدد فكان الواقع هو العدد فإذا ماتت قبل ذكر العدد فات المحل قبل الإيقاع فبطل "وكذا إذا قال أنت طالق ثنتين أو ثلاثا" لما بينا وهذه تجانس ما قبلها من حيث المعنى.
"ولو قال أنت طالق واحدة قبل واحدة أو بعدها واحدة وقعت واحدة" والأصل أنه متى ذكر شيئين وأدخل بينهما حرف الظرف إن قرنها بهاء الكناية كان صفة للمذكور آخر كقوله جاءني زيد قبله عمرو إن لم يقرنها بهاء الكناية كان صفة للمذكور أولا كقوله جاءني زيد قبل عمرو وإيقاع الطلاق في الماضي إيقاع في الحال لأن الإسناد ليس في وسعه فالقبلية في قوله أنت طالق واحدة قبل واحدة صفة للأولى فتبين بالأولى فلا تقع الثانية والبعدية في قوله بعدها واحدة صفة للأخيرة فحصلت الإبانة بالأولى "ولو قال أنت طالق واحدة قبلها واحدة تقع ثنتان" لأن القبلية صفة للثانية لاتصالها بحرف الكناية فاقتضى إيقاعها في الماضي وإيقاع الأولى في الحال غير أن الإيقاع في الماضي إيقاع في الحال أيضا فيقترنان فيقعان "وكذا إذا قال أنت طالق واحدة بعد واحدة يقع ثنتان" لأن البعدية صفة للأولى فاقتضى إيقاع الواحدة في الحال وإيقاع الأخرى قبل هذه فتقترنان.
"ولو قال أنت طالق واحدة مع واحدة أو معها واحدة تقع ثنتان" لأن كلمة مع للقران.
وعن أبي يوسف رحمه الله في قوله معها واحدة أنه تقع واحدة لأن الكناية تقتضي ضيق المكنى عنه لا محالة "وفي المدخول بها تقع ثنتان في الوجوه كلها لقيام المحلية بعد وقوع الأولى ولو قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة وواحدة فدخلت وقعت عليها واحدة عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا تقع ثنتان ولو قال لها أنت طالق واحدة وواحدة إن دخلت الدار فدخلت طلقت ثنتين" بالاتفاق لهما أن حرف الواو للجمع المطلق فتعلقن جملة كما إذا نص على الثلاث أو أخر الشرط وله أن الجمع المطلق يحتمل القران والترتيب فعلى اعتبار الأول تقع ثنتان وعلى اعتبار الثاني لا تقع إلا واحدة كما إذا نجز بهذه اللفظة فلا يقع الزائد على الواحدة بالشك بخلاف ما إذا أخر الشرط لأنه مغير صدر الكلام فيتوقف الأول عليه فيقعن جملة ولا مغير فيما إذا قدم الشرط فلم يتوقف ولو عطف بحرف الفاء فهو على هذا الخلاف فيما ذكر الكرخي رحمه الله وذكر الفقيه أبو الليث أنه يقع واحدة بالاتفاق لأن الفاء للتعقيب وهو الأصح "وأما الضرب الثاني وهو الكنايات لا يقع بها الطلاق إلا بالنية أو بدلالة الحال" لأنها غير موضوعة للطلاق بل تحتمله وغيره فلا بد من التعيين أو دلالته.

 

ج / 1 ص -235-       قال: "وهي على ضربين منها ثلاثة ألفاظ يقع بها الطلاق الرجعي ولا يقع بها إلا واحدة وهي قوله اعتدى واستبرئي رحمك وأنت واحدة".
أما الأولى: فلأنها تحتمل الاعتداد عن النكاح وتحتمل اعتداد نعم الله تعالى فإن نوى الأول تعين بنيته فيقتضي طلاقا سابقا والطلاق يعقب الرجعة.
وأما الثانية: فلأنها تستعمل بمعنى الاعتداد لأنه تصريح بما هو المقصود منه فكان بمنزلته وتحتمل الاستبراء ليطلقها.
وأما الثالثة: فلأنها تحتمل أن تكون نعتا لمصدر محذوف معناه تطليقة واحدة فإذا نواه جعل كأنه قاله والطلاق يعقب الرجعة ويحتمل غيره وهو أن تكون واحدة عنده أو عند قومه ولما احتملت هذه الألفاظ الطلاق وغيره تحتاج فيه إلى النية ولا تقع إلا واحدة لأن قوله أنت طالق فيها مقتضى أو مضمر ولو كان مظهرا لا تقع بها إلا واحدة فإذا كان مضمرا أولى وفي قوله واحدة وإن صار المصدر مذكورا لكن التنصيص على الواحدة ينافي نية الثلاث ولا معتبر بإعراب الواحدة عند عامة المشايخ وهو الصحيح لأن العوام لا يميزون بين وجوه الإعراب.
قال: "وبقية الكنايات إذا نوى بها الطلاق كانت واحدة بائنة وإن نوى ثلاثا كانت بثلاث وإن نوى ثنتين كانت واحدة بائنة وهذا مثل قوله أنت بائن وبتة وبتلة وحرام وحبلك على غلوبك الحقي بأهلك وخلية وبرية ووهبتك لأهلك وسرحتك وفارقتك وأمرك بيدك واختاري وأنت حرة وتقنعي وتخمري واستتري واغربي واخرجي واذهبي وقومي وابتغي الأزواج" لأنها تحتمل الطلاق وغيره فلا بد من النية.
قال: "إلا أن يكون في حال مذاكرة الطلاق فيقع بها الطلاق في القضاء ولا يقع فيما بينه وبين الله تعالى إلا أن ينويه" قال رضي الله عنه "سوى بين هذه الألفاظ وقال ولا يصدق في القضاء إذا كان في حال مذاكرة الطلاق" قالوا "وهذا فيما لا يصلح ردا" والجملة في ذلك أن الأحوال ثلاثة حالة مطلقة وهي حالة الرضا وحالة مذاكرة الطلاق وحالة الغضب.
والكنايات ثلاثة أقسام ما يصلح جوابا وردا وما يصلح جوابا لا ردا وما يصلح جوابا وسبا وشتيمة ففي حالة الرضا لا يكون شيء منها طلاقا إلا بالنية فالقول قوله في إنكار النية لما قلنا وفي حالة مذاكرة الطلاق لم يصدق فيما يصلح جوابا ولا يصلح ردا في القضاء مثل قوله خلية برية بائن بتة حرام اعتدي أمرك بيدك اختاري لأن الظاهر أن مراده

 

ج / 1 ص -236-       الطلاق عند سؤال الطلاق ويصدق فيما يصلح جوابا وردا مثل قوله اذهبي اخرجي قومي تقنعي تخمري وما يجري هذا المجرى لأنه يحتمل الرد وهو الأدنى فحمل عليه وفي حالة الغضب يصدق في جميع ذلك لاحتمال الرد والسب إلا فيما يصلح للطلاق ولا يصلح للرد والشتم كقوله اعتدي واختاري وأمرك بيدك فإنه لا يصدق فيها لأن الغضب يدل على إرادة الطلاق وعن أبي يوسف رحمه الله في قوله لا ملك لي عليك ولا سبيل لي عليك وخليت سبيلك وفارقتك أنه يصدق في حالة الغضب لما فيها من احتمال معنى السب ثم وقوع البائن بما سوى الثلاثة الأول مذهبنا وقال الشافعي رحمه الله يقع بها رجعي لأن الواقع بها طلاق لأنها كنايات عن الطلاق ولهذا تشترط النية وينتقص به العدد والطلاق معقب للرجعة كالصريح.
ولنا أن تصرف الإبانة صدر من أهله مضافا إلى محله عن ولاية شرعية ولا خفاء في الأهلية والمحلية والدلالة على الولاية أن الحاجة ماسة إلى إثباتها كيلا ينسد عليه باب التدارك ولا يقع في عهدتها بالمراجعة من غير قصد وليست بكنايات على التحقيق لأنها عوامل في حقائقها والشرط تعيين أحد نوعي البينونة دون الطلاق وانتقاص العدد لثبوت الطلاق بناء على زوال الوصلة وإنما تصح نية الثلاث فيها لتنوع البينونة إلى غليظة وخفيفة وعند انعدام النية يثبت الأدنى "ولا تصح نية الثنتين عندنا خلافا لزفر رحمه الله" لأنه عدد وقد بيناه من قبل "وإن قال لها اعتدي اعتدي وقال نويت بالأولى طلاقا وبالباقي حيضا دين في القضاء" لأنه نوى حقيقة كلامه ولأنه يأمر امرأته في العادة بالاعتداد بعد الطلاق فكان الظاهر شاهدا له "وإن قال لم أنو بالباقي شيئا فهي ثلاث" لأنه لما نوى بالأولى الطلاق صار الحال حال مذاكرة الطلاق فتعين الباقيان للطلاق بهذه الدلالة فلا يصدق في نفي النية بخلاف ما إذا قال لم أنو بالكل الطلاق حيث لا يقع شيء لأنه لا ظاهر يكذبه وبخلاف ما إذا قال نويت بالثالثة الطلاق دون الأولين حيث لا يقع إلا واحدة لأن الحال عند الأوليين لم تكن حال مذاكرة الطلاق وفي كل موضع يصدق الزوج على نفي النية إنما يصدق مع اليمين لأنه أمين في الإخبار عما في ضميره والقول قول الأمين مع اليمين.

باب تفويض الطلاق
فصل في الاختيار
"وإذا قال لامرأته اختاري ينوي بذلك الطلاق أو قال لها طلقي نفسك فلها أن تطلق نفسها ما دامت في مجلسها ذلك فإن قامت منه أو أخذت في عمل آخر خرج الأمر

 

ج / 1 ص -237-       من يدها" لأن المخيرة لها المجلس بإجماع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ولأنه تمليك الفعل منها والتمليكات تقتضي جوابا في المجلس كما في البيع لأن ساعات المجلس اعتبرت ساعة واحدة إلا أن المجلس تارة يتبدل بالذهاب عنه وتارة بالاشتغال بعمل آخر إذ مجلس الأكل غير مجلس المناظرة ومجلس القتال غيرهما "ويبطل خيارها بمجرد القيام" لأنه دليل الإعراض بخلاف الصرف والسلم لأن المفسد هناك الافتراق من غير قبض ثم لا بد من النية في قوله اختاري لأنه يحتمل تخييرها في نفسها ويحتمل تخييرها في تصرف آخر غيره "فإن اختارت نفسها في قوله اختاري كانت واحدة بائنة" والقياس أن لا يقع بهذا شيئ وإن نوى الزوج الطلاق لأنه لا يملك الإيقاع بهذا اللفظ فلا يملك التفويض إلى غيره إلا أنا استحسناه لإجماع الصحابة رضي الله عنهم ولأنه بسبيل من أن يستديم نكاحها أو يفارقها فيملك إقامتها مقام نفسه في حق هذا الحكم ثم الواقع بها بائن لأن اختيارها نفسها بثبوت اختصاصها بها وذلك في البائن "ولا يكون ثلاثا وإن نوى الزوج ذلك" لأن الاختيار لا يتنوع بخلاف الإبانة لأن البينونة قد تتنوع قال: "ولا بد من ذكر النفس في كلامه أو في كلامها حتى لو قال لها اختاري فقالت قد اخترت فهو باطل" لأنه عرف بالإجماع وهو في المفسرة من أحد الجانبين ولأن المبهم لا يصلح تفسيرا للمبهم الآخر ولا تعيين مع الإبهام.
"ولو قال لها اختاري نفسك فقالت اخترت تقع واحدة بائنة" لأن كلامه مفسر وكلامها خرج جوابا له فيتضمن إعادته "وكذا لو قال اختاري اختيارة فقالت اخترت" لأن الهاء في الاختيارة تنبئ عن الاتحاد والانفراد واختيارها نفسها هو الذي يتحد مرة ويتعدد أخرى فصار مفسرا من جانبه.
"ولو قال اختاري فقالت قد اخترت نفسي يقع الطلاق إذا نوى الزوج" لأن كلامها مفسر وما نواه الزوج من محتملات كلامه.
"ولو قال اختاري فقالت أنا أختار نفسي فهي طالق" والقياس أن لا تطلق لأن هذا مجرد وعد أو يحتمله فصار كما إذا قال لها طلقي نفسك فقالت أنا أطلق نفسي وجه الاستحسان حديث عائشة رضي الله عنها فإنها قالت لا بل أختار الله ورسوله اعتبره النبي عليه الصلاة والسلام جوابا منها ولأن هذه الصيغة حقيقة في الحال وتجوز في الاستقبال كما في كلمة الشهادة وأداء الشاهد الشهادة بخلاف قولها أطلق نفسي لأنه تعذر حمله على الحال لأنه ليس بحكاية عن حالة قائمة ولا كذلك قولها أنا أختار نفسي لأنه حكاية عن حالة قائمة وهو اختيارها نفسها.

 

ج / 1 ص -238-       "ولو قال لها اختاري اختاري اختاري فقالت قد اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة طلقت ثلاثا في قول أبي حنيفة رحمه الله ولا يحتاج إلى نية الزوج وقالا تطلق واحدة" وإنما لا يحتاج إلى نية الزوج لدلالة التكرار عليه إذ الاختيار في حق الطلاق هو الذي يتكرر لهما أن ذكر الأولى وما يجري مجراه إن كان لا يفيد من حيث الترتيب يفيد من حيث الإفراد فيعتبر فيما يفيد وله أن هذا وصف لغو لأن المجتمع في الملك لا ترتيب فيه كالمجتمع في المكان والكلام للترتيب والإفراد من ضروراته فإذا لغا في حق الأصل لغا في حق البناء.
"ولو قالت اخترت اختيارة فهي ثلاث في قولهم جميعا" لأنها للمرة فصار كما إذا صرحت بها ولأن الاختيارة للتأكيد وبدون التأكيد تقع الثلاث فمع التأكيد أولى "ولو قالت قد طلقت نفسي أو اخترت نفسي بتطليقة فهي واحدة بملك الرجعة" لأن هذا اللفظ يوجب الانطلاق بعد انقضاء العدة فكأنها اختارت نفسها بعد العدة "وإن قال لها أمرك بيدك في تطليقة أو اختاري تطليقة فاختارت نفسها فهي واحدة بملك الرجعة" لأنه جعل لها الاختيار لكن بتطليقة وهي معقبة للرجعة بالنص.

فصل في الأمر باليد
"وإن قال لها أمرك بيدك ينوي ثلاثا فقالت قد اخترت نفسي بواحدة فهي ثلاث" لأن الاختيار يصلح جوابا للأمر باليد لكونه تمليكا كالتخيير والواحدة صفة للاختيارة لصار كأنها قالت اخترت نفسي بمرة واحدة وبذلك يقع الثلاث.
"ولو قالت قد طلقت نفسي بواحدة أو اخترت نفسي بتطليقة فهي واحدة بائنة" لأن الواحدة نعت لمصدر محذوف وهو في الأولى الاختيارة وفي الثانية التطليقة إلا أنها تكون بائنة لأن التفويض في البائن ضرورة ملكها أمرها وكلامها خرج جوابا له فتصير الصفة المذكورة في التفويض مذكورة في الإيقاع وإنما تصح نية الثلاث في قوله أمرك بيدك لأنه يحتمل العموم والخصوص ونية الثلاث نية التعميم بخلاف قوله اختاري لأنه لا يحتمل العموم وقد حققناه من قبل.
"ولو قال لها أمرك بيدك اليوم وبعد غد لم يدخل فيه الليل وإن ردت الأمر في يومها بطل أمر ذلك اليوم وكان الأمر بيدها بعد غد" لأنه صرح بذكر وقتين بينهما وقت من جنسهما لم يتناوله الأمر إذ ذكر اليوم بعبارة الفرد لا يتناول الليل فكانا أمرين فبرد أحدهما لا يرتد الآخر وقال زفر رحمه الله هما أمر واحد بمنزلة قوله أنت طالق اليوم وبعد غد قلنا الطلاق

 

ج / 1 ص -239-       لا يحتمل التأقيت والأمر باليد يحتمله فيوقت الأمر بالأول ويجعل الثاني أمرا مبتدأ.
"ولو قال أمرك بيدك اليوم وغدا يدخل الليل في ذلك فإن ردت الأمر في يومها لا يبقى الأمر في يدها في غد" لأن هذا أمر واحد لأنه لم يتخلل بين الوقتين المذكورين وقت من جنسهما لم يتناوله الكلام وقد يهجم الليل ومجلس المشورة لا ينقطع فصار كما إذا قال أمرك بيدك في يومين وعن أبي حنيفة رحمه الله أنها إذا ردت الأمر في اليوم لها أن تختار نفسها غدا لأنها لا تملك رد الأمر كما لا تملك رد الإيقاع وجه الظاهر أنها إذا اختارت نفسها اليوم لا يبقى لها الخيار في الغد فكذا إذا اختارت زوجها برد الأمر لأن المخير بين الشيئين لا يملك إلا اختيار أحدهما وعن أبي يوسف رحمه الله أنه إذا قال أمرك بيدك اليوم وأمرك بيدك غدا أنهما أمران لما أنه ذكر لكل وقت خبرا على حدة بخلاف ما تقدم "وإن قال أمرك بيدك يوم يقدم فلان فقدم فلان ولم تعلم بقدومه حتى جن الليل فلا خيار لها" لأن الأمر باليد مما يمتد فيحمل اليوم المقرون به على بياض النهار وقد حققناه من قبل فيتوقت به ثم ينقضي بانقضاء وقته.
"وإذا جعل أمرها بيدها أو خيرها فمكثت يوما لم تقم فالأمر في يدها مالم تأخذ في عمل آخر" لأن هذا تمليك التطليق منها لأن المالك من يتصرف برأي نفسه وهي بهذه الصفة والتمليك يقتصر على المجلس وقد بيناه من قبل "ثم إذا كانت تسمع يعتبر مجلسها ذلك وإن كانت لا تسمع فمجلس علمها وبلوغ الخبر إليها" لأن هذا تمليك فيه معنى التعليق فيتوقف على ما وراء المجلس ولا يعتبر مجلسه لأن التعليق لازم في حقه بخلاف البيع لأنه تمليك محض لا يشوبه التعليق وإذا اعتبر مجلسها فالمجلس تارة يتبدل بالتحول ومرة بالأخذ في عمل آخر على ما بيناه في الخيار ويخرج الأمر من يدها بمجرد القيام لأنه دليل الإعراض إذ القيام يفرق الرأي بخلاف ما إذا مكثت يوما لم تقم ولم تأخذ في عمل آخر لأن المجلس قد يطول وقد يقصر فيبقى إلى أن يوجد ما يقطعه أو ما يدل على الإعراض وقوله مكثت يوما ليس للتقدير به وقوله مالم تأخذ في عمل آخر يراد به عمل يعرف أنه قطع لما كان فيه لا مطلق العمل.
"ولو كانت قائمة فجلست فهي على خيارها" لأنه دليل الإقبال فإن القعود أجمع للرأي "وكذا إذا كانت قاعدة فاتكأت أو متكئة فقعدت" لأن هذا انتقال من جلسة إلى جلسة فلا يكون إعراضا كما إذا كانت محتبية فتربعت قال رضي الله عنه هذا رواية الجامع الصغير وذكر في غيره أنها إذا كانت قاعدة فاتكأت لا خيار لها لأن الاتكاء إظهار التهاون

 

ج / 1 ص -240-       بالأمر فكان إعراضا والأول هو الأصح ولو كانت قاعدة فاضطجعت ففيه روايتان عن أبي يوسف رحمه الله.
"ولو قالت ادع أبي أستشيره أو شهودا أشهدهم فهي على خيارها" لأن الاستشارة لتحري الصواب والإشهاد للتحرز عن الإنكار فلا يكون دليل الإعراض "وإن كانت تسير على دابة أو في محمل فوقفت فهي على خيارها وإن سارت بطل خيارها" لأن سير الدابة ووقوفها مضاف إليها "والسفينة بمنزلة البيت" لأن سيرها غير مضاف إلى راكبها ألا ترى أنه لا يقدر على إيقافها وراكب الدابة يقدر.

فصل في المشيئة
"ومن قال لامرأته طلقي نفسك ولا نية له أو نوى واحدة فقالت طلقت نفسي فهي واحدة رجعية وإن طلقت نفسها ثلاثا وقد أراد الزوج ذلك وقعن عليها" وهذا لأن قوله طلقي معناه افعلي فعل التطليق وهو اسم جنس فيقع على الأدنى مع احتمال الكل كسائر أسماء الأجناس فلهذا تعمل فيه نية الثلاث وينصرف إلى واحدة عند عدمها وتكون الواحدة رجعية لأن المفوض إليها صريح الطلاق ولو نوى الثنتين لا تصح لأنه نية العدد إلا إذا كانت المنكوحة أمة لأنه جنس في حقها.
"وإن قال لها طلقي نفسك فقالت أبنت نفسي طلقت ولو قالت قد اخترت نفسي لم تطلق" لأن الإبانة من ألفاظ الطلاق ألا ترى أنه لو قال لامرأته أبنتك ينوي به الطلاق أو قالت أبنت نفسي فقال الزوج قد أجزت ذلك بانت فكانت موافقة التفويض في الأصل إلا أنها زادت فيه وصفا وهو تعجيل الإبانة فيلغو الوصف الزائد ويثبت الأصل كما إذا قالت طلقت نفسي تطليقة بائنة وينبغي أن تقع تطليقة رجعية بخلاف الاختيار لأنه ليس من ألفاظ الطلاق ألا ترى أنه لو قال لامرأته اخترتك أو اختاري ينوي الطلاق لم يقع ولو قالت ابتداء اخترت نفسي فقال الزوج قد أجزت لا يقع شيء إلا أنه عرف طلاقا بالإجماع إذا حصل جوابا للتخيير وقوله طلقي نفسك ليس بتنجيز فيلغو وعن أبي حنيفة أنه لا يقع شيء بقولها أبنت نفسي لأنها أتت بغير ما فوض إليها إذ الإبانة تغاير الطلاق.
"ولو قال لها طلقي نفسك فليس له أن يرجع عنه" لأن فيه معنى اليمين لأنه تعليق الطلاق بتطليقها واليمين تصرف لازم ولو قامت عن مجلسها بطل لأنه تمليك بخلاف ما إذا قال لها طلقي ضرتك لأنه توكيل وإنابة فلا يقتصر على المجلس ويقبل الرجوع "وإن قال لها طلقي نفسك متى شئت فلها أن تطلق نفسها في المجلس وبعده" لأن كلمة متى عامة

 

ج / 1 ص -241-       في الأوقات كلها فصار كما إذا قال في أي وقت شئت "وإذا قال لرجل طلق امرأتي فله أن يطلقها في المجلس وبعده" وله أن يرجع عنه لأنه توكيل وأنه استعانة فلا يلزم ولا يقتصر على المجلس بخلاف قوله لامراته طلقي نفسك لأنها عاملة لنفسها فكان تمليكا لا توكيلا.
"ولو قال لرجل طلقها إن شئت فله أن يطلقها في المجلس خاصة" وليس للزوج أن يرجع وقال زفر رحمه الله هذا والأول سواء لأن التصريح بالمشيئة كعدمه لأنه يتصرف عن مشيئته فصار كالوكيل بالبيع إذا قيل له بعه إن شئت ولنا أنه تمليك لأنه علقه بالمشيئة والمالك هو الذي يتصرف عن مشيئته والطلاق يحتمل التعليق بخلاف البيع لأنه لا يحتمله.
"ولو قال لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة فهي واحدة" لأنها ملكت إيقاع الثلاث فتملك إيقاع الواحدة ضرورة.
"ولو قال لها طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثا لم يقع شيء عند أبي حنيفة وقالا تقع واحدة" لأنها أتت بما ملكته وزيادة فصار كما إذا طلقها الزوج ألفا ولأبي حنيفة أنها أتت بغير ما فوض إليها فكانت مبتدئة وهذا لأن الزوج ملكها الواحدة والثلاث غير الواحدة لأن الثلاث اسم لعدد مركب مجتمع والواحدة فرد لا تركيب فيه فكانت بينهما مغايرة على سبيل المضادة بخلاف الزوج لأنه يتصرف بحكم الملك وكذا هي في المسئلة الأولى لأنها ملكت الثلاث أما ههنا لم تملك الثلاث وما أتت بما فوض إليها فلغت.
"وإن أمرها بطلاق يملك الرجعة فطلقت بائنة أو أمرها بالبائن فطلقت رجعية وقع ما أمر به الزوج" فمعنى الأول أن يقول لها الزوج طلقي نفسك واحدة أملك الرجعة فتقول طلقت نفسي واحدة بائنة فتقع رجعية لأنها أتت بالأصل وزيادة وصف كما ذكرنا فيلغو الوصف ويبقى الأصل ومعنى الثاني أن يقول لها طلقي نفسك واحدة بائنة فتقول طلقت نفسي واحدة رجعية فتقع بائنة لأن قولها واحدة رجعية لغو منها لأن الزوج لما عين صفة المفوض إليها فحاجتها بعد ذلك إلى إيقاع الأصل دون تعيين الوصف فصار كأنها اقتصرت على الأصل فيقع بالصفة التي عينها الزوج بائنا أو رجعيا "وإن قال لها طلقي نفسك ثلاثا إن شئت فطلقت نفسها واحدة لم يقع شيء" لأن معناه إن شئت الثلاث وهي بإيقاع الواحدة ما شاءت الثلاث فلم يوجد الشرط.

 

ج / 1 ص -242-       "ولو قال لها طلقي نفسك واحدة إن شئت فطلقت ثلاثا فكذلك عند أبي حنيفة" لأن مشيئة الثلاث ليست بمشيئة الواحدة كإيقاعها "وقالا تقع واحدة" لأن مشيئة الثلاث مشيئة الواحدة كما أن إيقاعها إيقاع للواحدة فوجد الشرط.
"ولو قال لها أنت طالق إن شئت فقالت شئت إن شئت فقال الزوج شئت ينوي الطلاق بطل الأمر" لأنه علق طلاقها بالمشيئة المرسلة وهي أتت بالمعلقة فلم يوجد الشرط وهو اشتعال مالا يعنيها فخرج الأمر من يدها ولا يقع الطلاق بقوله شئت وإن نوى الطلاق لأنه ليس في كلام المرأة ذكر الطلاق ليصير الزوج شائيا طلاقها والنية لا تعمل في غير المذكور حتى لو قال شئت طلاقك يقع إذا نوى لأنه إيقاع مبتدأ إذ المشيئة تنبئ عن الوجود بخلاف قوله أردت طلاقك لأنه لا ينبئ عن الوجود "وكذا إذا قالت شئت إن شاء أبى أو شئت إن كان كذا لأمر لم يجئ بعد" لما ذكرنا أن المأتي به مشيئة معلقة فلا يقع الطلاق وبطل الأمر "وإن قالت قد شئت إن كان كذا لأمر قد مضى طلقت" لأن التعليق بشرط كائن تنجيز.
"ولو قال لها أنت طالق إذا شئت أو إذا ما شئت أو متى شئت أو متى ما شئت فردت الأمر لم يكن ردا ولا يقتصر على المجلس" أما كلمة متى ومتى ما فلأنهما للوقت وهي عامة في الأوقات كلها كأنه قال في أي وقت شئت فلا يقتصر على المجلس بالإجماع ولو ردت الأمر لم يكن ردا لأنه ملكها الطلاق في الوقت الذي شاءت فلم يكن تمليكا قبل المشيئة حتى يرتد بالرد ولا تطلق نفسها إلا واحدة لأنها تعم الأزمان دون الأفعال فتملك التطليق في كل زمان ولا تملك تطليقا بعد تطليق وأما كلمة إذا وإذا ما فهما ومتى سواء عندهما وعند أبي حنيفة رحمة الله تعالى عليه وإن كان يستعمل للشرط كما يستعمل للوقت لكن الأمر صار بيدها فلا يخرج بالشك وقد مر من قبل.
"ولو قال لها أنت طالق كلما شئت فلها أن تطلق نفسها واحدة بعد واحدة حتى تطلق نفسها ثلاثا" لأن كلمة كلما توجب تكرار الأفعال إلا أن التعليق ينصرف إلى الملك القائم "حتى لو عادت إليه بعد زوج آخر فطلقت نفسها لم يقع شيء" لأنه ملك مستحدث "وليس لها أن تطلق نفسها ثلاثا بكلمة واحدة" لأنها توجب عموم الانفراد لا عموم الاجتماع فلا تملك الإيقاع جملة وجمعا.
"ولو قال لها أنت طالق حيث شئت أو أين شئت لم تطلق حتى تشاء وإن قامت من مجلسها فلا مشيئة لها" لأن كلمة حيث وأين من أسماء المكان والطلاق لا تعلق له

 

ج / 1 ص -243-       بالمكان فيلغو ويبقى ذكر مطلق المشيئة فيقتصر على المجلس بخلاف الزمان لأن له تعلقا به حتى تقع في زمان دون زمان فوجب اعتباره عموما وخصوصا "وإن قال لها أنت طالق كيف شئت طلقت تطليقة يملك الرجعة" ومعناه قبل المشيئة فإن قالت قد شئت واحدة بائنة أو ثلاثا وقال الزوج ذلك نويت فهو كما قال لأن عند ذلك تثبت المطابقة بين مشيئتها وإرادته أما إذا أرادت ثلاثا والزوج واحدة بائنة أو على القلب تقع واحدة رجعية لأنه لغا تصرفها لعدم الموافقة فبقي إيقاع الزوج وإن لم تحضره النية تعتبر مشيئتها فيما قالوا جريا على موجب التخيير.
"قال رضي الله تعالى عنه وقال في الأصل هذا قول أبي حنيفة" رحمه الله "وعندهما لا يقع مالم توقع المرأة رجعية أو بائنة أو ثلاثا" وعلى هذا الخلاف العتاق لهما أنه فوض التطليق إليها على أي صفة شاءت فلا بد من تعليق أصل الطلاق بمشيئتها لتكون لها المشيئة في جميع الأحوال أعني قبل الدخول وبعده ولأبي حنيفة رحمه الله أن كلمة كيف للاستيصاف يقال كيف اصبحت والتفويض في وصفه يستدعي وجود أصله ووجود الطلاق لوقوعه "وإن قال لها أنت طالق كم شئت أو ما شئت طلقت نفسها ما شاءت" لأنهما يستعملان للعدد فقد فوض إليها أي عدد شاءت "فإن قامت من المجلس بطل وإن ردت الأمر كان ردا" لأن هذا أمر واحد وهو خطاب في الحال فيقتضي الجواب في الحال "وإن قال لها طلقي نفسك من ثلاث ما شئت فلها أن تطلق نفسها واحدة أو ثنتين ولا تطلق ثلاثا عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا تطلق ثلاثا إن شاءت" لأن كلمة "ما" محكمة في التعميم وكلمة "من" قد تستعمل للتمييز فيحمل على تمييز الجنس كما إذا قال كل من طعامي ما شئت أو طلق من نسائي من شاءت ولأبي حنيفة رحمه الله أن كلمة من حقيقة للتبعيض وما للتعميم فعمل بهما وفيما استشهدا به ترك التبعيض بدلالة إظهار السماحة أو لعموم الصفة وهي المشيئة حتى لو قال من شئت كان على هذا الخلاف والله تعالى أعلم بالصواب.

باب الأيمان في الطلاق
"وإذا أضاف الطلاق إلى النكاح وقع عقيب النكاح مثل أن يقول لامرأة إن تزوجتك فأنت طالق أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق" وقال الشافعي رحمه الله: لا يقع لقوله عليه الصلاة والسلام "لا طلاق قبل النكاح".
ولنا أن هذا تصرف يمين لوجود الشرط والجزاء فلا يشترط لصحته قيام الملك في

 

ج / 1 ص -244-       الحال لأن الوقوع عند الشرط والملك متيقن به عنده وقبل ذلك أثره المنع وهو قائم بالمنصرف والحديث محمول على نفي التنجيز والحمل مأثور عن السلف كالشعبي والزهري وغيرهما.
"وإذا أضافه إلى شرط وقع عقيب الشرط مثل أن يقول لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق" وهذا بالاتفاق لأن الملك قائم في الحال والظاهر بقاؤه إلى وقت وجود الشرط فيصح يمينا أو إيقاعا "ولا تصح إضافة الطلاق إلا أن يكون الحالف مالكا أو يضيفه إلى ملك" لأن الجزاء لا بد أن يكون ظاهرا ليكون مخيفا فيتحقق معنى اليمين وهو القوة والظهور بأحد هذين والإضافة إلى سبب الملك بمنزلة الإضافة إليه لأنه ظاهر عند سببه "فإن قال لأجنبية إن دخلت الدار فأنت طالق ثم تزوجها فدخلت الدار لم تطلق" لأن الحالف ليس بمالك ولا أضافه إلى الملك أو سببه ولا بد من واحد منهما.
"وألفاظ الشرط: إن وإذا وإذا ما وكل وكلما ومتى ومتى ما" لأن الشرط مشتق من العلامة وهذه الألفاظ مما تليها أفعال فتكون علامات على الحنث ثم كلمة إن حرف للشرط لأنه ليس فيها معنى الوقت وما وراءها ملحق بها وكلمة كل ليست شرطا حقيقة لأن ما يليها اسم والشرط ما يتعلق به الجزاء والأجزية تتعلق بالأفعال إلا أنه ألحق بالشرط لتعلق الفعل بالاسم الذي يليها مثل قولك كل عبد اشتريته فهو حر قال "ففي هذه الألفاظ إذا وجد الشرط انحلت وانتهت اليمين" لأنها غير مقتضية للعموم والتكرار لغة فبوجود الفعل مرة يتم الشرط ولا بقاء لليمين بدونه "إلا في" كلمة "كلما فإنها تقتضي تعميم الأفعال" قال الله تعالى:
{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النساء: 56] الآية ومن ضرورة التعميم التكرار.
قال: "فإن تزوجها بعد ذلك" أي بعد زوج آخر "وتكرر الشرط لم يقع شيء" لأن باستيفاء الطلقات الثلاث المملوكات في هذا النكاح لم يبق الجزاء وبقاء اليمين به وبالشرط وفيه خلاف زفر رحمه الله وسنقرره من بعد إن شاء الله تعالى.
"ولو دخلت على نفس التزوج بأن قال كلما تزوجت امرأة فهي طالق يحنث بكل مرة وإن كان بعد زوج آخر" لأن انعقادها باعتبار ما يملك عليها من الطلاق بالتزوج وذلك غير محصور قال "وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها" لأنه لم يوجد الشرط فبقي والجزاء باق لبقاء محله فبقي اليمين "ثم إن وجد الشرط في ملكه انحلت اليمين ووقع الطلاق" لأنه وجد الشرط والمحل قابل للجزاء فينزل الجزاء ولا تبقى اليمين لما قلنا "وإن وجد في غير

 

ج / 1 ص -245-       الملك انحلت اليمين" لوجود الشرط "ولم يقع شيء" لانعدام المحلية.
"وإن اختلفا في وجود الشرط فالقول قول الزوج إلا أن تقيم المرأة البينة" لأنه متمسك بالأصل وهو عدم الشرط ولأنه ينكر وقوع الطلاق وزوال الملك والمرأة تدعيه "فإن كان الشرط لا يعلم إلا من جهتها فالقول قولها في حق نفسها مثل أن يقول إن حضت فأنت طالق وفلانة فقالت قد حضت طلقت هي ولم تطلق فلانة" ووقوع الطلاق استحسان والقياس أن لا يقع لأنه شرط فلا تصدق كما في الدخول وجه الاستحسان أنها أمينة في حق نفسها إذ لا يعلم ذلك إلا من جهتها فيقبل قولها كما قبل في حق العدة والغشيان لكنها شاهدة في حق ضرتها بل هي متهمة فلا يقبل قولها في حقها "وكذلك لو قال إن كنت تحبين أن يعذبك الله في نار جهنم فأنت طالق وعبدي حر فقالت أحبه أو قال إن كنت تحبيني فأنت طالق وهذه معك فقالت أحبك طلقت هي ولم يعتق العبد ولا تطلق صاحبتها" لما بينا ولا يتيقن بكذبها لأنها لشدة بغضها إياه قد تحب التخليص منه بالعذاب وفي حقها إن تعلق الحكم بإخبارها وإن كانت كاذبة ففي حق غيرها بقي الحكم على الأصل وهي المحبة.
"وإذا قال لها إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم لم يقع الطلاق حتى يستمر بها ثلاثة أيام" لأن ما ينقطع دونها لا يكون حيضا "فإذا تمت ثلاثة أيام حكمنا بالطلاق من حين حاضت" لأنه بالامتداد عرف أنه من الرحم فكان حيضا من الابتداء.
"ولو قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر من حيضتها" لأن الحيضة بالهاء هي الكاملة منها ولهذا حمل عليه في حديث الاستبراء وكمالها بانتهائها وذلك بالطهر "وإذا قال أنت طالق إذا صمت يوما طلقت حين تغيب الشمس في اليوم الذي تصوم" لأن اليوم إذا قرن بفعل ممتد يراد به بياض النهار بخلاف ما إذا قال لها إذا صمت لأنه لم يقدره بمعيار وقد وجد ا لصوم بركنه وشرطه.
"ومن قال لامرأته إذا ولدت غلاما فأنت طالق واحدة وإذا ولدت جارية فأنت طالق ثنتين فولدت غلاما وجارية ولا يدري أيهما أول لزمه في القضاء تطليقة وفي التنزه تطليقتان وانقضت العدة بوضع الحمل" لأنها لو ولدت الغلام أولا وقعت واحدة وتنقضي عدتها بوضع الجارية ثم لا تقع أخرى به لأنه حال انقضاء العدة ولو ولدت الجارية أولا وقعت تطليقتان وانقضت عدتها بوضع الغلام ثم لا يقع شيء آخر به لما ذكرنا أنه حال انقضاء العدة فإذا في حال تقع واحدة وفي حال تقع ثنتان فلا تقع الثانية بالشك والاحتمال والأولى أن يؤخذ بالثنتين تنزها واحتياطا والعدة منقضية بيقين لما بينا "وإن قال لها إن كلمت

 

ج / 1 ص -246-       أبا عمرو وأبا يوسف فأنت طالق ثلاثا ثم طلقها واحدة فبانت وانقضت عدتها فكلمت أبا عمرو ثم تزوجها فكلمت أبا يوسف فهي طالق ثلاثا مع الواحدة الأولى وقال زفر رحمه الله لا يقع" وهذه على وجوه أما إن وجد الشرطان في الملك فيقع الطلاق وهذا ظاهر أو وجدا في غير الملك فلا يقع أو وجد الأول في الملك والثاني في غير الملك فلا يقع أيضا لأن الجزاء لا ينزل في غير الملك فلا يقع أو وجد الأول في غير الملك والثاني في الملك وهي مسئلة الكتاب الخلافية له اعتبار الأول بالثاني إذ هما في حكم الطلاق كشيء واحد.
ولنا أن صحة الكلام بأهلية المتكلم إلا أن الملك يشترط حالة التعليق ليصير الجزاء غالب الوجود لاستصحاب الحال فتصح اليمين وعند تمام الشرط لينزل الجزاء لأنه لا ينزل إلا في الملك وفيما بين ذلك الحال حال بقاء اليمين فيستغنى عن قيام الملك إذ بقاؤه بمحله وهو الذمة "وإن قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا فطلقها ثنتين وتزوجت زوجا آخر ودخل بها ثم عادت إلى الأول فدخلت الدار طلقت ثلاثا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله هي طالق ما بقي من الطلقات" وهو قول زفر رحمه الله وأصله أن الزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث عندهما فتعود إليه بالثلاث وعند محمد وزفر رحمهما الله لا يهدم ما دون الثلاث فتعود إليه بما بقي وسنبين من بعد إن شاء الله تعالى "وإن قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم قال لها أنت طالق ثلاثا فتزوجت غيره ودخل بها ثم رجعت إلى الأول فدخلت الدار لم يقع شيء" وقال زفر رحمه الله يقع الثلاث لأن الجزاء ثلاث مطلق لإطلاق اللفظ وقد بقي احتمال وقوعها فتبقى اليمين.
ولنا أن الجزاء طلقات هذا الملك لأنها هي المانعة لأن الظاهر عدم ما يحدث واليمين تعقد للمنع أو الحمل وإذا كان الجزاء ما ذكرناه وقد فات بتنجيز الثلاث المبطل للمحلية فلا تبقى اليمين بخلاف ما إذا أبانها لأن الجزاء باق لبقاء محله.
"ولو قال لامرأته إذا جامعتك فأنت طالق ثلاثا فجامعها فلما التقى الختانان طلقت ثلاثا وإن لبث ساعة لم يجب عليه المهر وإن أخرجه ثم أدخله وجب عليه المهر" وكذا إذا قال لأمته إذا جامعتك فأنت حرة "وعن أبي يوسف رحمه الله أنه أوجب المهر في الفصل الأول أيضا لوجود الجماع بالدوام عليه إلا أنه لا يجب عليه الحد للاتحاد" وجه الظاهر أن الجماع إدخال الفرج في الفرج ولا دوام للإدخال بخلاف ما إذا أخرج ثم أولج لأنه وجد الإدخال بعد الطلاق إلا أن الحد لا يجب بشبهة الاتحاد بالنظر إلى المجلس والمقصود وإذا لم يجب الحد وجب العقر إذ الوطء لا يخلو عن أحدهما ولو كان الطلاق رجعيا يصير

 

ج / 1 ص -247-       مراجعا باللبث عند أبي يوسف رحمه الله لمحمد رحمه الله لوجود المساس ولو نزع ثم أولج صار مراجعا بالإجماع لوجود الجماع والله تعالى أعلم بالصواب.