الهداية في شرح بداية المبتدي

ج / 2 ص -251-       "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"
حديث شريف
بسم الله الرحمن الرحيم
باب طلاق المريض
"وإذ طلق الرجل امرأته في مرض موته طلاقا بائنا فمات وهي في العدة ورثته وإن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها" وقال الشافعي رحمه الله لا ترث في الوجهين لأن الزوجية قد بطلت بهذا العارض وهي السبب ولهذا لا يرثها إذا ماتت ولنا أن الزوجية سبب إرثها في مرض موته والزوج قصد إبطاله فيرد عليه قصده بتأخير عمله إلى زمان انقضاء العدة دفعا للضرر عنها وقد أمكن لأن النكاح في العدة يبقى في حق بعض الآثار فجاز أن يبقى في حق إرثها عنه بخلاف ما بعد الانقضاء لأنه لا إمكان والزوجية في هذه الحالة ليست بسبب لإرثه عنها فتبطل في حقه خصوصا إذا رضي به "وإن طلقها ثلاثا بأمرها أو قال لها اختاري فاختارت نفسها أو اختلعت منه ثم مات وهي في العدة لم ترثه" لأنها رضيت بإبطال حقها والتأخير لحقها وإن قالت طلقني للرجعة فطلقها ثلاثا ورثته لأن الطلاق الرجعي لا يزيل النكاح فلم تكن بسؤالها راضية ببطلان حقها "وإن قال لها في مرض موته كنت طلقتك ثلاثا في صحتي وانقضت عدتك فصدقته ثم أقر لها بدين أو أوصى لها بوصية فلها الأقل من ذلك ومن الميراث عند أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يجوز إقراره ووصيته وإن طلقها ثلاثا في مرضه بأمرها ثم أقر لها بدين أو أوصى بوصية فلها الأقل من ذلك ومن الميراث في قولهم جميعا" إلا على قول زفر رحمه الله فإن لها جميع ما أوصى وما أقربه لأن الميراث لما بطل بسؤالها زال المانع من صحة الأقرار والوصية.
وجه قولهما في المسألة الأولى أنهما لما تصادقا على الطلاق وانقضاء العدة صارت أجنبية عنه حتى جاز له أن يتزوج أختها فانعدمت التهمة الا ترى أنه تقبل شهادته لها،

 

ج / 2 ص -252-       ويجوز وضع الزكاة فيها بخلاف المسئلة الثانية لأن العدة باقية وهي سبب التهمة والحكم يدار على دليل التهمة ولهذا يدار على النكاح والقرابة ولاعدة في المسئلة الأولى.
ولأبي حنيفة رحمه الله في المسئلتين أن التهمة قائمة لأن المرأة قد تختار الطلاق لينفتح باب الاقرار والوصية عليها فيزيد حقها والزوجان قد يتواضعان على الأقرار بالفرقة وانقضاء العدة ليبرها الزوج بماله زيادة على ميراثها وهذه التهمة في الزيادة فرددناها ولا تهمة في قدر الميراث فصححناه ولا مواضعة عادة في حق الزكاة والتزويج والشهادة فلا تهمة في حق هذه الأحكام.
قال: "ومن كان محصورا أو في صف القتال فطلق امرأته ثلاثا لم ترثه وان كان قد بارز رجلا أو قدم ليقتل في قصاص أو رجم ورثت إن مات في ذلك الوجه أو قتل" وأصله ما بينا أن امرأة الفار ترث استحسانا وإنما يثبت حكم الفرار بتعلق حقها بماله وإنما يتعلق بمرض يخاف منه الهلاك غالبا كما إذا كان صاحب الفراش وهو أن يكون بحال لا يقوم بحوائجه كما يعتاده الأصحاء وقد يثبت حكم الفرار بما هو في معنى المرض في توجه الهلاك الغالب وما يكون الغالب منه السلامة لا يثبت به حكم الفرار فالمحصور والذي في وصف القتال الغالب منه السلامة لأن الحصن لدفع بأس العدو وكذا المنعة فلا يثبت به حكم الفرار والذي بارز أو قدم ليقتل الغالب منه الهلاك فيتحقق به الفرار ولهذا أخوات تخرج على هذا الحرف وقوله إذا مات في ذلك الوجه أو قتل دليل على أنه لا فرق بين ما إذا مات بذلك السبب أو بسبب آخر كصاحب الفراش بسبب المرض إذا قتل.
"وإذا قال الرجل لامرأته وهو صحيح إذا جاء رأس الشهر أو إذا دخلت الدار أو إذا صلى فلان الظهر أو إذا دخل فلان الدار فأنت طالق فكانت هذه الأشياء والزوج مريض لم ترث وإن كان القول في المرض ورثت إلا في قوله إذا دخلت الدار" وهذا على وجوه إما أن يعلق الطلاق بمجيء الوقت أو بفعل الأجنبي أو بفعل نفسه أو بفعل المرأة وكل وجه على وجهين أما إن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض أو كلاهما في المرض.
أما الوجهان الأولان وهو ما إن كان التعليق بمجيء الوقت بأن قال إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق أو بفعل الأجنبي بأن قال إذ دخل فلان الدار أو صلى فلان الظهر فإن كان التعليق والشرط في المرض فلها الميراث لأن القصد إلى الفرار قد تحقق منه بمباشرة التعليق في حال تعلق حقها بماله وإن كان التعليق بالصحة والشرط في المرض لم ترث وقال زفر رحمه الله ترث لأن المعلق بالشرط ينزل عند وجود الشرط كالمنجز فكان إيقاعا في

 

ج / 2 ص -253-       المرض. ولنا أن التعليق السابق يصير تطليقا عند الشرط حكما لا قصدا ولا ظلم إلا عن قصد فلا يرد تصرفه.
وأما الوجه الثالث: وهو ما إذا علقه بفعل نفسه فسواء كان التعليق في الصحة والشرط في المرض أو كانا في المرض والفعل مما له عنه بد أو لا بد له منه يصير فارا لوجود قصد الابطال إما بالتعليق أو بمباشرة الشرط في المرض وإن لم يكن له من فعل الشرط بد فله من التعليق ألف بد فيرد تصرفه دفعا للضرر عنها.
وأما الوجه الرابع: وهو ما إذا علقه بفعلها فإن كان التعليق والشرط في المرض والفعل مما لها منه بد ككلام زيد ونحوه لم ترث لأنها راضية بذلك وإن كان الفعل مما بد لها منه كأكل الطعام وصلاة الظهر وكلام الأبوين ترث لأنها مضطرة في المباشرة لما لها في الامتناع من خوف الهلاك في الدنيا أو في العقبى ولا رضا مع الاضطرار وأما إذا كان التعليق في الصحة والشرط في المرض فإن كان الفعل مما لها منه بد فلا إشكال أنه لا ميراث لها وإن كان مما لا بد لها منه فكذلك الجواب عند محمد رحمه الله وهو قول زفر لأنه لم يوجد من الزوج صنع بعدما تعلق حقها بماله وعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله ترث لأن الزوج ألجأها إلى المباشرة فينتقل الفعل إليه كأنها آلة له كما في الإكراه.
قال: "وإذا طلقها ثلاثا وهو مريض ثم صح ثم مات لم ترث" وقال زفر رحمه الله ترث لأنه قصد الفرار حين أوقع في المرض وقد مات وهي في العدة ولكنا نقول المرض إذا تعقبه برء فهو بمنزلة الصحة لأنه ينعدم به مرض الموت فتبين أنه لا حق لها يتعلق بماله فلا يصير الزوج فارا ولو طلقها فارتدت والعياذ بالله ثم أسلمت ثم مات الزوج من مرضه وهي في العدة لم ترث وإن لم ترتد بل طاوعت ابن زوجها في الجماع ورثت ووجه الفرق أنها بالردة أبطلت أهلية الارث إذا المرتد لا يرث أحدا ولا بقاء له بدون الأهلية وبالمطاوعة ما أبطلت الأهلية لأن المحرمية لا تنافي الإرث وهو الباقي بخلاف ما إذا طاوعت في حال قيام النكاح لأنها تثبت الفرقة فتكون راضية ببطلان السبب وبعد الطلقات الثلاث لا تثبت الحرمة بالمطاوعة لتقدمها عليها فافترقا.
"ومن قذف امرأته وهو صحيح ولا عن في المرض ورثت وقال محمد رحمه الله لا ترث وإن كان القذف في المرض ورثته في قولهم جميعا" وهذا ملحق بالتعليق بفعل لا بد لها منه إذ هي ملجأة إلى الخصومة لدفع عار الزنا عن نفسها وقد بينا الوجه فيه "وإن آلى من امرأته

 

ج / 2 ص -254-       وهو صحيح ثم بانت بالإيلاء وهو مريض لم ترث وإن كان الإيلاء أيضا في المرض ورثت" لأن الإيلاء في معنى تعليق الطلاق بمضي أربعة أشهر خالية عن الوقاع فيكون ملحقا بالتعليق بمجيء الوقف وقد ذكرنا وجهه.
قال رضي الله تعالى عنه: "والطلاق الذي يملك فيه الرجعة ترث به في جميع الوجوه" لما بينا أنه لا يزيل النكاح حتى يحل الوطء فكان السبب قائما قال "وكل ما ذكرنا أنها ترث إنما ترث إذا مات وهي في العدة" وقد بيناه والله تعالى أعلم بالصواب.

باب الرجعة
"وإذا طلق الرجل امرأته تطليقة رجعية أو تطليقتين فله أن يراجعها في عدتها رضيت بذلك أو لم ترض" لقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] من غير فصل ولا بد من قيام العدة لأن الرجعة استدامة الملك ألا ترى أنه سمى إمساكا وهو الإبقاء وإنما يتحقق الاستدامة في العدة لأنه لا ملك بعد انقضائها "والرجعة أن يقول راجعتك أو راجعت امرأتي" وهذا صريح في الرجعة ولا خلاف فيه بين الأئمة.
قال: "أو يطأها أو يقبلها أو يلمسها بشهوة أو بنظر إلى فرجها بشهوة" وهذا عندنا وقال الشافعي رحمه الله لا تصح الرجعة إلا بالقول مع القدرة عليه لأن الرجعة بمنزلة ابتداء النكاح حتى يحرم وطؤها وعندنا هو استدامة النكاح على ما بيناه وسنقرره إن شاء الله والفعل قد يقع دلالة على الاستدامة كما في إسقاط الخيار والدلالة فعل يختص بالنكاح وهذه الأفاعيل تختص به خصوصا في حق الحرة بخلاف المس والنظر بغير شهوة لأنه قد يحل بدون النكاح كما في القابلة والطبيب وغيرهما والنظر إلى غير الفرج قد يقع بين المساكنين والزوج يساكنها في العدة فلو كان رجعة لطلقها فتطول العدة عليها.
قال: "ويستحب أن يشهد على الرجعة شاهدين فإن لم يشهد صحت الرجعة" وقال الشافعي رحمه الله في أحد قوليه لا تصح وهو قول مالك رحمه الله لقوله تعالى:
{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2] والأمر للايجاب ولنا إطلاق النصوص عن قيد الاشهاد ولأنه استدامة للنكاح والشهادة ليست شرطا فيه في حالة البقاء كما في الفيء في الإيلاء إلا أنها تستحب لزيادة الاحتياط كيلا يجري التناكر فيها وما تلاه محمول عليه ألا ترى أنه قرنها بالمفارقة وهو فيها مستحب ويستحب أن يعلمها كيلا تقع في المعصية.
"وإذا انقضت العدة فقال كنت راجعتها في العدة فصدقته فهي رجعة وإن كذبته فالقول قولها" لأنه أخبر عما لا يملك إنشاءه في الحال فكان متهما إلا أن بالتصديق ترتفع

 

ج / 2 ص -255-       التهمة ولا يمين عليها عند أبي حنيفة رحمه الله وهي مسئلة الاستحلاف في الأشياء الستة وقد مر في كتاب النكاح.
"وإذا قال الزوج قد راجعتك فقالت مجيبة له قد انقضت عدتي لم تصح الرجعة عند أبي حنيفة رحمه الله" وقالا تصح الرجعة لأنها صادفت العدة إذ هي باقية ظاهرا إلى أن تخبر وقد سبقته الرجعة ولهذا لو قال لها طلقتك فقالت مجيبة له قد انقضت عدتي يقع الطلاق ولأبي حنيفة رحمه الله أنها صادفت حالة الانقضاء لأنها أمينة في الإخبار عن الانقضاء فإذا أخبرت دل ذلك على سبق الانقضاء وأقرب أحواله حال قول الزوج ومسئلة الطلاق على الخلاف ولو كانت على الاتفاق فالطلاق يقع بإقراره بعد الانقضاء والمراجعة لا تثبت به.
"وإذا قال زوج الأمة بعد انقضاء عدتها قد كنت راجعتها وصدقه المولى وكذبته الأمة فالقول قولها عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا القول قول المولى" لأن بضعها مملوك له فقد أقر بما هو خالص حقه للزوج فشابه الإقرار عليها بالنكاح وهو يقول حكم الرجعة يبتني على العدة والقول في العدة قولها فكذا فيما يبتني عليها ولو كان على القلب فعندهما القول قول المولى وكذا عنده في الصحيح لأنها منقضية العدة في الحال وقد ظهر ملك المتعة للمولى فلا يقبل قولها في إبطاله بخلاف الوجه الأول لأن المولى بالتصديق في الرجعة مقر بقيام العدة عندها ولا يظهر ملكه مع العدة "وإن قالت قد انقضت عدتي وقال الزوج والمولى لم تنقض عدتك فالقول قولها" لأنها أمينة في ذلك إذ هي العالمة به.
"وإذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة لعشرة أيام انقطعت الرجعة وإن لم تغتسل وإن انقطع لأقل من عشرة أيام لم تنقطع الرجعة حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة كامل" لأن الحيض لا مزيد له على العشرة فبمجرد الانقطاع خرجت من الحيض فانقضت العدة وانقطعت الرجعة وفيما دون العشرة يحتمل عود الدم فلا بد أن يعتضد الانقطاع بحقيقة الاغتسال أو بلزوم حكم من أحكام الطاهرات بمضي وقت الصلاة بخلاف ما إذا كانت كتابية لأنه لا يتوقع في حقها أمارة زائدة فاكتفى بالانقطاع وتنقطع إذا تيممت وصلت عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وهذا استحسان وقال محمد رحمه الله إذا تيممت انقطعت وهذا قياس لأن التيمم حال عدم الماء طهارة مطلقة حتى يثبت به من الأحكام ما يثبت بالاغتسال فكان بمنزلته ولهما أنه ملوث غير مطهر وإنما اعتبر طهارة ضرورة أن لا تتضاعف الواجبات وهذه الضرورة تتحقق حال أداء الصلاة لا فيما قبلها من الأوقات والأحكام الثابتة أيضا ضرورية اقتضائية ثم قيل تنقطع بنفس الشروع عندهما وقيل بعد الفراغ ليتقرر حكم جواز الصلاة.

 

ج / 2 ص -256-       "وإذا اغتسلت ونسيت شيئا من بدنها لم يصبه الماء فإن كان عضوا فما فوقه لم تنقطع الرجعة وإن كان أقل من عضو انقطعت".
قال رضي الله عنه وهذا استحسان والقياس في العضو الكامل أن لا تبقى الرجعة لأنها غسلت الأكثر والقياس فيما دون العضو أن تبقى لأن حكم الجنابة والحيض لا يتجزأ ووجه الاستحسان وهو الفرق أن ما دون العضو يتسارع إليه الجفاف لقلته فلا يتيقن بعدم وصول الماء إليه فقلنا بأنه تنقطع الرجعة ولا يحل لها التزوج أخذا بالاحتياط فيهما بخلاف العضو الكامل لأنه لا يتسارع إليه الجفاف ولا يغفل عنه عادة فافترقا.
وعن أبي يوسف رحمه الله أن ترك المضمضة والاستنشاق كترك عضو كامل وعنه وهو قول محمد رحمه الله هو بمنزلة ما دون العضو لأن في فرضيته اختلافا بخلاف غيره من الأعضاء "ومن طلق امرأته وهي حامل أو ولدت منه وقال لم أجامعها فله الرجعة" لأن الحبل متى ظهر في مدة يتصور أن يكون منه جعل منه لقوله عليه الصلاة والسلام "
الولد للفراش" وذلك دليل الوطء منه وكذا إذا ثبت نسب الولد منه جعل واطئا وإذا ثبت الوطء تأكد الملك والطلاق في ملك متأكد يعقب الرجعة ويبطل زعمه بتكذيب الشرع ألا ترى أنه يثبت بهذا الوطء الإحصان فلأن تثبت به الرجعة أولى وتأويل مسئلة الولادة أن تلد قبل الطلاق لأنها لو ولدت بعده تنقضي العدة بالولادة فلا تتصور الرجعة.
قال: "فإن خلا بها وأغلق بابا أو أرخى سترا وقال لم أجامعها ثم طلقها لم يملك الرجعة" لأن تأكد الملك بالوطء وقد أقر بعدمه فيصدق في حق نفسه والرجعة حقه ولم يصر مكذبا شرعا بخلاف المهر لأن تأكد المهر المسمى يبتني على تسليم المبدل لا على القبض بخلاف الفصل الأول "فإن راجعها" معناه بعد ما خلا بها وقال لم أجامعها "ثم جاءت بولد لأقل من سنتين بيوم صحت تلك الرجعة" لأنه يثبت النسب منه إذ هي لم تقر بانقضاء العدة والولد يبقى في البطن هذه المدة فأنزل واطئا قبل الطلاق دون ما بعده لأن على اعتبار الثاني يزول الملك بنفس الطلاق لعدم الوطء قبله فيحرم الوطء والمسلم لا يفعل الحرام.
"فإن قال لها إذا ولدت فأنت طالق فولدت ثم أتت بولد آخر فهي رجعة" معناه من بطن آخر وهو أن يكون بعد ستة أشهر وإن كان أكثر من سنتين إذا لم تقر بانقضاء العدة لأنه وقع الطلاق عليه بالولد الأول ووجبت العدة فيكون الولد الثاني من علوق حادث منه في

 

ج / 2 ص -257-       العدة لأنها لم تقر بانقضاء العدة فيصير مراجعا "وإن قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق لولدت ثلاثة أولاد في بطون مختلفة فالولد الأول طلاق والولد الثاني رجعة وكذا الثالث" لأنها إذا جاءت بالولد الأول وقع الطلاق وصارت معتدة وبالثاني صار مراجعا لما بينا أنه يجعل العلوق بوطء حادث في العدة ويقع الطلاق الثاني بولادة الولد الثاني لأن اليمين معقودة بكلمة كلما ووجبت العدة وبالولد الثالث صار مراجعا لما ذكرنا وتقع الطلقة الثالثة بولادة الثالث ووجبت العدة بالأقراء لأنها حائل من ذوات الحيض حين وقع الطلاق.
"والمطلقة الرجعية تتشوف وتتزين" لأنها حلال للزوج إذ النكاح قائم بينهما ثم الرجعة مستحبة والتزين حامل له عليها فيكون مشروعا.
"ويستحب لزوجها أن لا يدخل عليها حتى يؤذنها أو يسمعها خفق نعليه" معناه إذا لم يكن من قصده المراجعة لأنها ربما تكون متجردة فيقع بصره على موضع يصير به مراجعا ثم يطلقها فتطول عليها العدة.
"وليس له أن يسافر بها حتى يشهد على رجعتها" وقال زفر رحمه الله له ذلك لقيام النكاح ولهذا له أن يغشاها عندنا ولنا قوله تعالى:
{لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] الآية ولأن تراخي عمل المبطل لحاجته إلى المراجعة فإذا لم يراجعها حتى انقضت العدة ظهر أنه لا حاجة له فتبين أن البطل عمل عمله من وقت وجوده ولهذا تحتسب الأقراء من العدة فلم يملك الزوج الإخراج إلا أن يشهد على رجعتها فتبطل العدة ويتقرر ملك الزوج وقوله حتى يشهد على رجعتها معناه الاستحباب على ما قدمناه.
"والطلاق الرجعي لا يحرم الوطء" وقال الشافعي رحمه الله يحرمه لأن الزوجية زائلة لوجود القاطع وهو الطلاق ولنا أنها قائمة حتى يملك مراجعتها من غير رضاها لأن حق الرجعة ثبت نظرا للزوج ليمكنه التدارك عند اعتراض الندم وهذا المعنى يوجب استبداده به وذلك يؤذن بكونه استدامة لا إنشاء إذ الدليل ينافيه والقاطع أخر عمله إلى مدة إجماعا أو نظرا له على ما تقدم.

فصل فيما تحل به المطلقة
"وإذا كان الطلاق بائنا دون الثلاث فله أن يتزوجها في العدة وبعد انقضائها" لأن حل المحلية باق لأن زواله معلق بالطلقة الثالثة فينعدم قبله ومنع الغير في العدة لاشتباه النسب ولا اشتباه في إطلاقه "وإن كان الطلاق ثلاثا في الحرة أو ثنتين في الأمة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا ويدخل بها ثم يطلقها أو يموت عنها" والأصل فيه

 

ج / 2 ص -258-       قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فالمراد الطلقة الثالثة والثنتان في حق الأمة كالثلاث في حق الحرة لأن الرق منصف لحل المحلية على ما عرف ثم الغاية نكاح الزوج مطلقا والزوجية المطلقة إنما ثبتت بنكاح صحيح وشرط الدخول ثبت بإشارة النص وهو أن يحمل ا لنكاح على الوطء حملا للكلام على الإفادة دون الإعادة إذ العقد استفيد بإطلاق اسم الزوج أو يزاد على النص بالحديث المشهور وهو قوله عليه الصلاة والسلام لا تحل للأول حتى تذوق عسيلة الآخر روي بروايات ولا خلاف لأحد فيه سوى سعيد بن المسيب رضي الله عنه وقوله غير معتبر حتى لو قضى به القاضي لا ينفذ والشرط الإيلاج دون الإنزال لأنه كمال ومبالغة فيه والكمال قيد زائد.
"والصبي المراهق في التحليل كالبالغ" لوجود الدخول في نكاح صحيح وهو الشرط بالنص ومالك رحمه الله يخالفنا فيه والحجة عليه ما بيناه وفسروه في الجامع الصغير وقال غلام لم يبلغ ومثله يجامع جامع امرأته وجب عليها الغسل وأحلها على الزوج الأول.
ومعنى هذا الكلام أن تتحرك آلته ويشتهي وإنما وجب الغسل عليها لإلتقاء الختانين وهو سبب لنزول مائها والحاجة إلى الإيجاب في حقها أما لا غسل على الصبي وإن كان يؤمر به تخلقا.
قال: "ووطء المولى أمته لا يحلها" لأن الغاية نكاح الزوج "وإذا تزوجها بشرط التحليل فالنكاح مكروه" لقوله عليه الصلاة والسلام "
لعن الله المحلل والمحلل له" وهذا هو محمله "فإن طلقها بعد ما وطئها حلت للأول" لوجود الدخول في نكاح صحيح إذ النكاح لا يبطل بالشرط وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يفسد النكاح لأنه في معنى الموقت فيه ولا يحلها على الأول لفساده وعن محمد رحمه الله أنه يصح النكاح لما بينا ولا يحلها على الأول لأنه استعجل ما أخره الشرع فيجازى بمنع مقصوده كما في قتل المورث "وإذا طلق الحرة تطليقة أو تطليقتين وانقضت عدتها وتزوجت بزوج آخر ثم عادت إلى الزوج الأول عادت بثلاث تطليقات ويهدم الزوج الثاني ما دون الثلاث كما يهدم الثلاث وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله لا يهدم ما دون الثلاث" لأنه غاية للحرمة بالنص فيكون منهيا ولا إنهاء للحرمة قبل الثبوت ولهما قوله عليه الصلاة والسلام لعن الله المحلل والمحلل له سماه محللا وهو المثبت للحل "وإذا طلقها ثلاثا

 

ج / 2 ص -259-       فقالت قد انقضت عدتي وتزوجت ودخل بي الزوج وطلقني وانقضت عدتي والمدة تحتمل ذلك جاز للزوج أن يصدقها إذا كان في غالب ظنه أنها صادقة لأنه معاملة أو أمر ديني لتعلق الحل به وقول الواحد فيهما مقبول وهو غير مستنكر إذا كانت المدة تحتمله واختلفوا في أدنى هذه المدة وسنبينها في باب العدة.

باب الإيلاء
"وإذا قال الرجل لامرأته والله لا أقربك أو قال والله لا أقربك أربعة أشهر فهو مول" لقوله تعالى:
{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُر} [البقرة: 226] الآية "فإن وطئها في الأربعة الأشهر حنث في يمينه ولزمته الكفارة" لأن الكفارة موجب الحنث "وسقط الإيلاء" لأن اليمين ترتفع بالحنث "وإن لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانت منه بتطليقة".
وقال الشافعي رحمه الله تبين بتفريق القاضي لأنه مانع حقها في الجماع فينوب القاضي منابه في التسريح كما في الجب والعنة ولنا أنه ظلمها بمنع حقها فجازاه الشرع بزوال نعمة النكاح عند مضي هذه المدة وهو المأثور عن عثمان وعلي والعبادلة الثلاثة
وزيد بن ثابت رضوان الله عليهم أجمعين وكفى بهم قدوة ولأنه كان طلاقا في الجاهلية فحكم الشرع بتأجيله إلى انقضاء المدة "فإن كان حلف على أربعة أشهر فقد سقطت اليمين" لأنها كانت مؤقتة به "وإن كان حلف على الأبد فاليمين باقية" لأنها مطلقة ولم يوجد الحنث لترتفع به إلا أنه لا يتكرر الطلاق قبل التزوج لأنه لم يوجد منع الحق بعد البينونة "فإن عاد فتزوجها عاد الإيلاء فإن وطئها وإلا وقعت بمضي اربعة أشهر تطليقة أخرى" لأن اليمين باقية لإطلاقها وبالتزوج ثبت حقها فيتحقق الظلم ويعتبر ابتداء هذا الإيلاء من وقت التزوج "فإن تزوجها ثالثا عاد الإيلاء ووقعت بمضي أربعة أشهر أخرى إن لم يقربها" لما بيناه "فإن تزوجها بعد زوج آخر لم يقع بذلك الإيلاء طلاق" لتقيده بطلاق هذا الملك وهي فرع مسئلة التنجيز الخلافية وقد مر من قبل "واليمين باقية" لإطلاقها وعدم الحنث "فإن وطئها كفر عن يمينه" لوجود الحنث "فإن حلف على أقل من أربعة أشهر لم يكن موليا" لقول ابن عباس رضي الله عنه لا إيلاء فيما دون أربعة أشهر ولأن الامتناع عن قربانها في أكثر المدة بلا مانع وبمثلة لا يثبت حكم الطلاق فيه "ولو قال والله لا أقربك شهرين وشهرين بعد هذين الشهرين فهو مول" لأنه جمع بينهما بحرف الجمع فصار كجمعه بلفظ الجمع "ولو مكث يوما ثم قال والله لا أقربك شهرين بعد الشهرين الأولين لم يكن موليا" لأن الثاني

 

ج / 2 ص -260-       إيجاب مبتدأ وقد صار ممنوعا بعد اليمين الأولى شهرين وبعد الثانية أربعة أشهر إلا يوما مكث فيه فلم تتكامل مدة المنع "ولو قال والله لا أقربك سنة إلا يوما لم يكن موليا" خلافا لزفر رحمه الله هو يصرف الاستثناء إلى آخرها اعتبارا بالإجارة فتمت مدة المنع ولنا أن المولي من لا يمكنه القربان أربعة أشهر إلا بشيء يلزمه وههنا يمكنه لأن المستثنى يوم منكر بخلاف الإجارة لأن الصرف إلا الآخر لتصحيحها فإنها لا تصح مع التنكير ولا كذلك اليمين "ولو قربها في يوم والباقي أربعة أشهر أوأكثر صار موليا" لسقوط الاستثناء "ولو قال وهو بالبصرة والله لا أدخل الكوفة وامرأته بها لم يكن موليا" لأنه يمكنه القربان من غير شيء يلزمه بإخراج من الكوفة.
قال: "ولو حلف بحج أو بصوم أو صدقة أو عتق أو طلاق فهو مول" لتحقق المنع باليمين وهو ذكر الشرط والجزاء وهذه الأجزية مانعة لما فيها من المشقة.
وصورة الحلف بالعتق أن يعلق بقربانها عتق عبده وفيه خلاف أبي يوسف رحمه الله فإنه يقول يمكنه البيع ثم القربان فلا يلزمه شيء وهما يقولان البيع موهوم فلا يمنع المانعية فيه والحلف بالطلاق أن يعلق بقربانها طلاقها أو طلاق صاحبتها وكل ذلك مانع "وإن آلى من المطلقة الرجعية كان موليا وإن آلى من البائنة لم يكن موليا" لأن الزوجية قائمة في الأولى دون الثانية ومحل الإيلاء من تكون من نسائنا بالنص فلو انقضت العدة قبل انقضاء مدة الإيلاء سقط الإيلاء لفوات المحلية "ولو قال لأجنبية والله لا أقربك أو أنت علي كظهر أمي ثم تزوجها لم يكن موليا ولا مظاهرا" لأن الكلام في مخرجه وقع باطلا لانعدام المحلية فلا ينقلب صحيحا بعد ذلك "وإن قربها كفر" لتحقق الحنث إذا اليمين منعقدة في حقه "ومدة إيلاء الأمة شهران" لأن هذه مدة ضربت أجلا للبينونة فتتنصف بالرق كمدة العدة "وإن كان المولى مريضا لا يقدر على الجماع أو كانت مريضة أو رتقاء أو صغيرة لا تجامع أو كانت بينهما مسافة لا يقدر أن يصل إليها في مدة الإيلاء ففيؤه أن يقول بلسانه فئت إليها في مدة الإيلاء فإن قال ذلك سقط الإيلاء".
وقال الشافعي رحمه الله: لا فيء إلا بالجماع وإليه ذهب الطحاوي لأنه لو كان فيئا لكان حنثا ولنا أنه آذاها بذكر المنع فيكون إرضاؤها بالوعد باللسان وإذا ارتفع الظلم لا يجازى بالطلاق "ولو قدر على الجماع في المدة بطل ذلك الفيء وصار فيؤه بالجماع" لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالحلف "وإذا قال لامرأته أنت علي حرام سئل عن نيته فإن قال أردت الكذب فهو كما قال" لأنه نوى حقيقة كلامه وقيل لا يصدق في القضاء لأنه يمين ظاهرا "وإن قال أردت الطلاق فهي تطليقة بائنة إلا أن ينوي الثلاث" وقد

 

ج / 2 ص -261-       ذكرناه في الكنايات "وإن قال أردت الظهار فهو ظهار" وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله ليس بظهار لانعدام التشبيه بالمحرمة وهو الركن فيه ولهما أنه أطلق الحرمة وفي الظهار نوع حرمة المطلق يحتمل المقيد "وإن قال أردت التحريم أو لم أرد به شيئا فهو يمين يصير به موليا" لأن الأصل في تحريم الحلال إنما هو يمين عندنا وسنذكره في الأيمان إن شاء الله ومن المشايخ من يصرف لفظة التحريم إلى الطلاق من غير نية بحكم العرف والله أعلم بالصواب.

باب الخلع
"وإذا تشاق الزوجان وخافا أن لا يقيما حدود الله فلا بأس بأن تفتدي نفسها منه بمال يخلعها به" لقوله تعالى:
{فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] "فإذا فعلا ذلك وقع بالخلع تطليقة بائنة ولزمها المال" لقوله عليه الصلاة والسلام: "الخلع تطليقة بائنة" ولأنه يحتمل الطلاق حتى صار من الكنايات والواقع بالكنايات بائن إلا أن ذكر المال أغنى عن النية هنا ولأنها لا تسلم المال إلا لتسلم لها نفسها وذلك بالبينونة "وإن كان النشوز من قبله يكره له أن يأخذ منها عوضا" لقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} إلى أن قال {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} [النساء: من الآية20] ولأنه أوحشها بالاستبدال فلا يزيد في وحشتها بأخذ المال "وإن كان النشوز منها كرهنا له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها".
وفي رواية الجامع الصغير: طاب الفضل أيضا لإطلاق ما تلونا بدءا ووجه الأخرى قوله عليه الصلاة والسلام في امرأة ثابت بن قيس بن شماس أما الزيادة فلا وقد كان النشوز منها "ولو أخذ الزيادة جاز في القضاء" وكذلك إذا أخذ والنشوز منه لأن مقتضى ما تلوناه شيآن الجواز حكما والإباحة وقد ترك العمل في حق الإباحة لمعارض فبقي معمولا في الباقي "وإن طلقها على مال فقبلت وقع الطلاق ولزمها المال" لأن الزوج يستبد بالطلاق تنجيزا وتعليقا وقد علقه بقبولها والمرأة تملك التزام المال لولايتها على نفسها وملك النكاح مما يجوز الاعتياض عنه وإن لم يكن مالا كالقصاص "وكان الطلاق بائنا" لما بينا ولأنه معاوضة المال بالنفس وقد ملك الزوج أحد البدلين فتملك هي الآخر وهو النفس تحقيقا للمساواة.
قال: "وإن بطل العوض في الخلع مثل أن يخالع المسلم على خمر أو خنزير أو ميتة فلا شيء للزوج والفرقة بائنة وإن بطل العوض في الطلاق كان رجعيا" فوقوع الطلاق في الوجهين للتعليق بالقبول وافتراقهما في الحكم لأنه لما بطل العوض كان العامل في الأول

 

ج / 2 ص -262-       لفظ الخلع وهو كناية وفي الثاني الصريح وهو يعقب الرجعة وإنما لم يجب للزوج شيء عليها لأنها ما سمت مالا متقوما حتى تصير غارة له ولأنه لا وجه إلى إيجاب المسمى للإسلام ولا إلى إيجاب غيره لعدم الالتزام بخلاف ما إذا خالع على خل بعينه فظهر أنه خمر لأنها سمت مالا فصار مغرورا وبخلاف ما إذا كاتب أو أعتق على خمر حيث تجب قيمة العبد لأن ملك المولى فيه متقوم وما رضي بزواله مجانا.
أما ملك البضع في حالة الخروج فغير متقوم على ما نذكر وبخلاف النكاح لأن البضع في حالة الدخول متقوم والفقه أنه شريف فلم يشرع تملكه إلا بعوض إظهارا لشرفه فأما الإسقاط فنفسه شرف فلا حاجة إلى إيجاب المال.
قال: "وما جاز أن يكون مهرا جاز أن يكون بدلا في الخلع" لأن ما يصلح عوضا للمتقوم أولى أن يصلح عوضا لغير المتقوم "فإن قالت له خالعني على ما في يدي فخالعها فلم يكن في يدها شيء فلا شيء له عليها" لأنها لم تغره بتسمية المال "وإن قالت خالعني على ما في يدي من مال فخالعها فلم يكن في يدها شيء ردت عليه مهرها" لأنها لما سمت مالا لم يكن الزوج راضيا بالزوال إلا بعوض ولا وجه إلى إيجاب المسمى وقيمته للجهالة ولا إلى قيمة البضع أعني مهر المثل لأنه غير متقوم حالة الخروج فتعين إيجاب ما قام به على الزوج دفعا للضرر عنه.
"ولو قالت خالعني على ما في يدي من دراهم أو من الدراهم ففعل فلم يكن في يدها شيء فعليها ثلاثة دراهم" لأنها سمت الجمع وأقله ثلاثة وكلمة من ههنا للصلة دون التبعيض لأن الكلام يختل بدونه "فإن اختلعت على عبد لها آبق على أنها بريئة من ضمانه لم تبرأ وعليها تسليم عينه إن قدرت وتسليم قيمته إن عجزت" لأنه عقد المعاوضة فيقتضي سلامة العوض واشتراط البراءة عنه شرط فاسد فيبطل إلا أن الخلع لا يبطل بالشروط الفاسدة وعلى هذا النكاح.
"وإذا قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة فعليها ثلث الألف" لأنها لما طلبت الثلاث بألف فقد طلبت كل واحدة بثلث الألف وهذا لأن حرف الباء يصحب الأعواض والعوض ينقسم على المعوض والطلاق بائن لوجوب المال "وإن قالت طلقني ثلاثا على ألف فطلقها واحدة فلا شيء عليها عند أبي حنيفة رحمه الله ويملك الرجعة وقالا هي واحدة بائنة بثلث الألف" لأن كلمة على بمنزلة الباء في المعاوضات حتى إن قولهم احمل هذا الطعام بدرهم أو على درهم سواء وله أن كلمة على للشرط قال الله تعالى:

 

ج / 2 ص -263-       {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً} [الممتحنة: 12]
ومن قال لامرأته أنت طالق على أن تدخلي الدار كان شرطا وهذا لأنه للزوم حقيقة واستعير للشرط لأنه يلازم الجزاء وإذا كان للشرط فالمشروط لا يتوزع على أجزاء الشرط بخلاف الباء لأنه للعوض على ما مر وإذا لم يجب المال كان مبتدأ فوقع الطلاق ويملك الرجعة.
"ولو قال الزوج طلقي نفسك ثلاثا بألف أو على ألف فطلقت نفسها واحدة لم يقع شيء" لأن الزوج ما رضي بالبينونة إلا لتسلم له الألف كلها بخلاف قولها طلقني ثلاثا بألف لأنها لما رضيت بالبينونة بألف كانت ببعضها أرضى.
"ولو قال أنت طالق على ألف فقبلت طلقت وعليها الألف وهو كقوله أنت طالق بألف" ولا بد من القبول في الوجهين لأن معنى قوله بألف بعوض ألف يجب لي عليك ومعنى قوله على ألف على شرط ألف يكون لي عليك والعوض لا يجب بدون قبوله والمعلق بالشرط لا ينزل قبل وجوده والطلاق بائن لما قلنا.
"ولو قال لامرأته أنت طالق وعليك ألف فقبلت أو قال لعبده أنت حر وعليك ألف فقبل عتق العبد وطلقت المرأة ولا شيء عليهما عند أبي حنيفة رحمه الله" وكذا إذا لم يقبلا "وقالا على كل واحد منهما الألف إذا قبل" وإذا لم يقبل لا يقع الطلاق والعتاق لهما أن هذا الكلام يستعمل للمعاوضة فإن قولهم احمل هذا المتاع ولك درهم بمنزلة قولهم بدرهم وله أنه جملة تامة فلا ترتبط بما قبله إلا بدلالة إذ الأصل فيها الاستقلال ولا دلالة لأن الطلاق والعتاق ينفكان عن المال بخلاف البيع والإجارة لأنهما لا يوجدان دونه.
"ولو قال أنت طالق على ألف على أني بالخيار أو على أنك بالخيار ثلاثة ايام فقبلت فالخيار باطل إذا كان للزوج وهو جائز إذا كان للمرأة فإن ردت الخيار في الثلاث بطل وإن لم ترد طلقت ولزمها الألف" وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله "وقالا الخيار باطل في الوجهين والطلاق واقع وعليها ألف درهم" لأن الخيار للفسخ بعد الانعقاد لا للمنع من الانعقاد والتصرفان لا يحتملان الفسخ من الجانبين لأنه في جانبه يمين ومن جانبها شرط.
ولأبي حنيفة رحمه الله أن الخلع في جانبها بمنزلة البيع حتى يصح رجوعها ويتوقف على ما وراء المجلس فيصح اشتراط الخيار فيه أما في جانبه يمين حتى لا يصح رجوعه ويتوقف على ما وراء المجلس ولا خيار في الأيمان وجانب العبد في العتاق مثل جانبها في الطلاق "
ومن قال لامرأته طلقتك أمس على ألف درهم فلم تقبل فقالت قبلت

 

ج / 2 ص -264-       فالقول قول الزوج ومن قال لغيره بعت منك هذا العبد بألف درهم أمس فلم تقبل فقال قبلت فالقول قول المشتري" ووجه الفرق أن الطلاق بالمال يمين من جانبه فالإقرار به لا يكون إقرارا بالشرط لصحته بدونه أما البيع فلا يتم إلا بالقبول والإقرار به إقرار بما لا يتم إلا به فإنكاره القبول رجوع منه.
قال: "والمبارأة كالخلع كلاهما يسقطان كل حق لكل واحد من الزوجين على الآخر مما يتعلق بالنكاح عند أبي حنيفة" رحمه الله وقال محمد رحمه الله لا يسقط فيهما إلا ما سمياه وأبو يوسف رحمه الله معه في الخلع ومع أبي حنيفة رحمه الله في المبارأة لمحمد رحمه الله أن هذه معاوضة وفي المعاوضات يعتبر المشروط لا غيره ولأبي يوسف رحمه الله أن المبارأة مفاعلة من البراءة فتقتضيها من الجانبين وأنه مطلق قيدناه بحقوق النكاح لدلالة الفرض.
أما الخلع فمقتضاه الانخلاع وقد حصل في نقض النكاح ولا ضرورة إلى انقطاع الأحكام ولأبي حنيفة رحمه الله أن الخلع ينبئ عن الفصل ومنه خلع النعل وخلع العمل وهو مطلق كالمبارأة فيعمل بإطلاقهما في النكاح وأحكامه وحقوقه.
قال: "ومن خلع ابنته وهي صغيرة بمالها لم يجز عليها" لأنه لا نظر لها فيه إذ البضع في حالة الخروج غير متقوم والبدل متقوم بخلاف النكاح لأن البضع متقوم عند الدخول ولهذا يعتبر خلع المريضة من الثلث ونكاح المريض بمهر المثل من جميع المال وإذا لم يجز لا يسقط المهر ولا يستحق مالها ثم يقع الطلاق في رواية وفي رواية لا يقع والأول أصح لأنه تعليق بشرط قبوله فيعتبر بالتعليق بسائر الشروط.
"وإن خالعها على ألف على أنه ضامن فالخلع واقع والألف على الأب" لأن اشتراط بدل الخلع على الأجنبي صحيح فعلى الأب أولى ولا يسقط مهرها لأنه لم يدخل تحت ولاية الأب "وإن شرط الألف عليها توقف على قبولها إن كانت من أهل القبول فإن قبلت وقع الطلاق" لوجود الشرط "ولا يجب المال" لأنها ليست من أهل الغرامة فإن قبله الأب عنها ففيه روايتان "وكذا إن خالعها على مهرها ولم يضمن الأب المهر توقف على قبولها فإن قبلت طلقت ولا يسقط المهر" فإن قبل الأب عنها فعلى الروايتين "وإن ضمن الأب المهر وهو ألف درهم طلقت" لوجود قبوله وهو الشرط ويلزمه خمسمائة استحسانا وفي القياس يلزمه الألف وأصله في الكبيرة إذا اختلعت قبل الدخول على ألف ومهرها ألف ففي القياس عليها خمسمائة زائدة وفي الاستحسان لا شيء عليها لأنه يراد به عادة حاصل ما يلزم لها.

 

ج / 2 ص -265-       باب الظهار
"وإذا قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي فقد حرمت عليه لا يحل له وطؤها ولا مسها ولا تقبيلها حتى يكفر عن ظهاره" لقوله تعالى:
{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} إلى أن قال {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [القصص: 3].
والظهار كان طلاقا في الجاهلية فقرر الشرع أصله ونقل حكمه إلى تحريم موقت بالكفارة غير مزيل للنكاح وهذا لأنه جناية لكونه منكرا من القول وزورا فيناسب المجازاة عليها بالحرمة وارتفاعها بالكفارة ثم الوطء إذا حرم حرم بدواعيه كيلا يقع فيه كما في الإحرام بخلاف الحائض والصائم لأنه يكثر وجودهما فلو حرم الدواعي يفضي إلى الحرج ولا كذلك الظهار والإحرام "فإن وطئها قبل أن يكفر استغفر الله تعالى ولا شيء عليه غير الكفارة الأولى ولا يعود حتى يكفر" لقوله عليه الصلاة السلام للذي واقع في ظهاره قبل الكفارة "
استغفر الله ولا تعد حتى تكفر" ولو كان شيء آخر واجبا لنبه عليه قال "وهذا اللفظ لا يكون إلا ظهارا" لأنه صريح فيه "ولو نوى به الطلاق لا يصح" لأنه منسوخ فلا يتمكن من الإتيان به.
"وإذا قال أنت علي كبطن أمي أو كفخذها أو كفرجها فهو مظاهر" لأن الظهار ليس إلا تشبيه المحللة بالمحرمة وهذا المعنى يتحقق في عضو لا يجوز النظر إليه "وكذا إذا شبهها بمن لا يحل له النظر إليها على التأبيد من محارمه مثل أخته أو عمته أو أمه من الرضاعة" لأنهن في التحريم المؤبد كالأم "وكذلك إذا قال رأسك علي كظهر أمي أو فرجك أو وجهك أو رقبتك أو نصفك أو ثلثك أو بدنك" لأنه يعبر بها عن جميع البدن ويثبت الحكم في الشائع ثم يتعدى كما بيناه في الطلاق.
"ولو قال أنت علي مثل أمي أو كأمي يرجع إلى نيته" لينكشف حكمه "فإن قال أردت الكرامة فهو كما قال" لأن التكريم بالتشبيه فاش في الكلام "وإن قال أردت الظهار فهو ظهار" لأنه تشبيه بجميعها وفيه تشبيه بالعضو لكنه ليس بصريح فيفتقر إلى النية "وإن قال أردت الطلاق فهو طلاق بائن" لأنه تشبيه بالأم في الحرمة فكأنه قال أنت علي حرام ونوى الطلاق "وإن لم تكن له نية فليس بشيء" عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لاحتمال الحمل على الكرامة وقال محمد رحمه الله يكون ظهارا لأن التشبيه بعضو منها لما كان ظهارا فالتشبيه بجميعها أولى وإن عنى به التحريم لا غير فعند

 

ج / 2 ص -266-       أبي يوسف رحمه الله هو إيلاء ليكون الثابت به أدنى الحرمتين وعند محمد رحمه الله ظهار لأن كاف التشبيه تختص به.
"ولو قال أنت علي حرام كأمي ونوى ظهارا أو طلاقا فهو على ما نوى" لأنه يحتمل الوجهين الظهار لمكان التشبيه والطلاق لمكان التحريم والتشبيه تأكيد له وإن لم تكن له نية فعلى قول أبي يوسف رحمه الله إيلاء وعلى قول محمد رحمه الله ظهار والوجهان بيناهما "وإن قال أنت علي حرام كظهر أمي ونوى به طلاقا أو إيلاء لم يكن إلا ظهارا عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا هو على ما نوى" لأن التحريم يحتمل كل ذلك على ما بينا غير أن عند محمد رحمه الله إذا نوى الطلاق لا يكون ظهارا وعند أبي يوسف رحمه الله يكونان جميعا وقد عرف في موضعه ولأبي حنيفة رحمه الله أنه صريح في الظهار فلا يحتمل غيره ثم هو محكم فيرد التحريم إليه.
قال: "ولا يكون الظهار إلا من الزوجة حتى لو ظاهر من أمته لم يكن مظاهرا" لقوله تعالى:
{مِنْ نِسَائِهِمْ} ولأن الحل في الأمة تابع فلا تلحق بالمنكوحة ولأن الظهار منقول عن الطلاق ولا طلاق في المملوكة "فإن تزوج امرأة بغير أمرها ثم ظاهر منها ثم أجازت النكاح فالظهار باطل" لأنه صادق في التشبيه وقت المتصرف فلم يكن منكرا من القول والظهار ليس بحق من حقوقه حتى يتوقف بخلاف إعتاق المشتري من الغاصب لأنه من حقوق الملك "ومن قال لنسائه أنتن علي كظهر أمي كان مظاهرا منهن جميعا" لأنه أضاف الظهار إليهن فصار كما إذا أضاف الطلاق "وعليه لكل واحدة كفارة" لأن الحرمة تثبت في حق كل واحدة والكفارة لإنهاء الحرمة فتتعدد بتعددها بخلاف الإيلاء منهن لأن الكفارة فيه لصيانة حرمة الاسم ولم يتعدد ذكر الاسم.

فصل في الكفارة
قال: "وكفارة الظهار عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا" للنص الوارد فيه فإنه يفيد الكفارة على هذا الترتيب.
قال: "وكل ذلك قبل المسيس" وهذا في الإعتاق والصوم ظاهر للتنصيص عليه وكذا في الإطعام لأن الكفارة فيه منهية للحرمة فلا بد من تقديمها على الوطء ليكون الوطء حلالا.
قال: "وتجزئ في العتق الرقبة الكافرة والمسلمة والذكر والأنثى والصغير والكبير" لأن اسم الرقبة ينطلق على هؤلاء إذ هي عبارة عن الذات المرقوق المملوك من كل وجه

 

ج / 2 ص -267-       والشافعي رحمه الله يخالفنا في الكافرة ويقول الكفارة حق الله تعالى فلا يجوز صرفه إلى عدو الله كالزكاة ونحن نقول المنصوص عليه إعتاق الرقبة وقد تحقق وقصده من الإعتاق التمكن من الطاعة ثم مقارفته المعصية يحال به إلى سوء اختياره "ولا تجزئ العمياء ولا المقطوعة اليدين أو الرجلين" لأن الفائت جنس المنفعة وهي البصر أو البطش أو المشي وهو المانع أما إذا اختلت المنفعة فهو غير مانع حتى يجوز العوراء ومقطوعة إحدى اليدين وإحدى الرجلين من خلاف لأنه ما فات جنس المنفعة بل اختلت بخلاف ما إذا كانت مقطوعتين من جانب واحد حيث لا يجوز لفوات جنس منفعة المشي إذ هو عليه متعذر ويجوز الأصم والقياس أن لا يجوز وهو رواية النوادر لأن الفائت جنس المنفعة إلا أنا استحسنا الجواز لأن أصل المنفعة باق فإنه إذا صيح عليه سمع حتى لو كان بحال لا يسمع أصلا بأن ولد أصم وهو الأخرس لا يجزيه "ولا يجوز مقطوع إبهامي اليدين" لأن قوة البطش بهما فبفواتهما يفوت جنس المنفعة "ولا يجوز المجنون الذي لا يعقل" لأن الانتفاع بالجوارح لا يكون إلا بالعقل فكان فائت المنافع "والذي يجن ويفيق يجزئه" لأن الاختلال غير مانع "ولا يجزئ عتق المدبر وأم الولد" لاستحقاقهما الحرية بجهة فكان الرق فيهما ناقصا وكذا المكاتب الذي أدى بعض المال لأن إعتاقه يكون ببدل وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه يجزئه لقيام الرق من كل وجه ولهذا تقبل الكتابة الانفساخ بخلاف أمومية الولد والتدبير لأنهما لا يحتملان الانفساخ فإن أعتق مكاتبا لم يؤد شيئا جاز خلافا للشافعي رحمه الله له أنه استحق الحرية بجهة الكتابة فأشبه المدبر ولنا أن الرق قائم من كل وجه على ما بينا ولقوله عليه الصلاة والسلام المكاتب عبد ما بقي عليه درهم والكتابة لا تنافيه فإنه فك الحجر بمنزلة الإذن في التجارة إلا أنه بعوض فيلزم من جانبه ولو كان مانعا ينفسخ بمقتضى الإعتاق إذ هو يحتمله إلا أنه تسلم له الأكساب والأولاد لأن العتق في حق المحل بجهة الكتابة أو لأن الفسخ ضروري لا يظهر في حق الولد والكسب.
"وإن اشترى أباه أو ابنه ينوي بالشراء الكفارة جاز عنها" وقال الشافعي رحمه الله لا يجوز وعلى هذا الخلاف كفارة اليمين والمسئلة تأتيك في كتاب الأيمان إن شاء الله "وإن أعتق نصف عبد مشترك وهو موسر وضمن قيمة باقيه لم يجز عند أبي حنيفة رحمه الله ويجوز عندهما" لأنه يملك نصيب صاحبه بالضمان فصار معتقا كل العبد عن الكفارة وهو ملكه بخلاف ما إذا كان المعتق معسرا لأنه وجب عليه السعاية في نصيب الشريك فيكون إعتاقا بعوض ولأبي حنيفة رحمه الله أن نصيب صاحبه ينتقص على ملكه ثم يتحول إليه بالضمان ومثله يمنع الكفارة "وإن أعتق نصف عبده عن كفارته ثم أعتق باقيه عنها جاز"

 

ج / 2 ص -268-       لأنه أعتقه بكلامين والنقصان متمكن على ملكه بسبب الإعتاق بجهة الكفارة ومثله غير مانع كمن أضجع شاة للأضحية فاصاب السكين عينها بخلاف ما تقدم لأن النقصان تمكن على ملك الشريك وهذا على أصل أبي حنيفة رحمه الله أما عندهما فالإعتاق لا يتجزأ فإعتاق النصف إعتاق الكل فلا يكون إعتاقا بكلامين "وإن أعتق نصف عبده عن كفارته ثم جامع التي ظاهر منها ثم أعتق باقيه لم يجز عند أبي حنيفة" رحمه الله لأن الإعتاق يتجزأ عنده وشرط الإعتاق أن يكون قبل المسيس بالنص وإعتاق النصف حصل بعده وعندهما إعتاق النصف إعتاق الكل فحصل الكل قبل المسيس.
"وإذا لم يجد المظاهر ما يعتق فكفارته صوم شهرين متتابعين ليس فيهما شهر رمضان ولا يوم الفطر ولا يوم النحر ولا أيام التشريق" أما التتابع فلأنه منصوص عليه وشهر رمضان لا يقع عن الظهار لما فيه من إبطال ما أوجبه الله والصوم في هذه الأيام منهي عنه فلا ينوب عن الواجب الكامل "فإن جامع التي ظاهر منها في خلال الشهرين ليلا عامدا أو نهارا ناسيا استأنف الصوم عند أبي حنيفة ومحمد" وقال أبو يوسف رحمه الله لا يستأنف لأنه لا يمنع التتابع إذ لا يفسد به الصوم وهو الشرط وإن كان تقديمه على المسيس شرطا ففيما ذهبنا إليه تقديم البعض وفيما قلتم تأخير الكل عنه ولهما أن الشرط في الصوم أن يكون قبل المسيس وأن يكون خاليا عنه ضرورة بالنص وهذا الشرط ينعدم به فيستأنف "وإن أفطر منها يوما بعذر أو بغير عذر استأنف" لفوات التتابع وهو قادر عليه عادة.
"وإن ظاهر العبد لم يجز في الكفارة إلا الصوم" لأنه لا ملك له فلم يكن من أهل التكفير بالمال "وإن أعتق المولى أو أطعم عنه لم يجزه" لأنه ليس من أهل الملك فلا يصير مالكا بتمليكه.
"وإذا لم يستطع المظاهر الصيام أطعم ستين مسكينا" لقوله تعالى:
{فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة: 4] "ويطعم كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير أو قيمة ذلك" لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أوس بن الصامت وسهل بن صخرك "لكل مسكين نصف صاع من بر" ولأن المعتبر دفع حاجة اليوم لكل مسكين فيعتبر بصدقة الفطر وقوله أو قيمة ذلك مذهبنا وقد ذكرناه في الزكاة.
"فإن أعطى منا من بر ومنوين من تمر أو شعير جاز" لحصول المقصود لا الجنس متحد "وإن أمر غيره أن يطعم عنه من ظهاره ففعل أجزأه" لأنه استقراض معنى والفقير قابض له أولا ثم لنفسه فتحقق تملكه ثم تمليكه "فإن غداهم وعشاهم جاز قليلا كان ما أكلوا

 

ج / 2 ص -269-       أو كثيرا" وقال الشافعي رحمه الله لا يجزئه إلا التمليك اعتبارا بالزكاة وصدقة الفطر وهذا لأن التمليك أدفع للحاجة فلا ينوب منابه الإباحة ولنا أن المنصوص عليه هو الإطعام وهو حقيقة في التمكين من الطعم وفي الإباحة ذلك كما في التمليك.
أما الواجب في الزكاة الإيتاء وفي صدقة الفطر الأداء وهما للتمليك حقيقة "ولو كان فيمن عشاهم صبي فطيم لا يجزئه" لأنه لا يستوفى كاملا ولا بد من الإدام في خبز الشعير ليمكنه الإستيفاء إلى الشبع وفي خبز الحنطة لا يشترط الإدام "وإن أطعم مسكينا واحدا ستين يوما أجزأه وإن أعطاه في يوم واحد لم يجزه إلا عن يومه" لأن المقصود سد خلة المحتاج والحاجة تتجدد في كل يوم فالدفع إليه في اليوم الثاني كالدفع إلى غيره وهذا في الإباحة من غير خلاف وأما التمليك من مسكين واحد في يوم واحد بدفعات فقد قيل لا يجزئه وقد قيل يجزئه لأن الحاجة إلى التمليك تتجدد في يوم واحد بخلاف ما إذا دفع بدفعة واحدة لأن التفريق واجب بالنص "وإن قرب التي ظاهر منها في خلال الإطعام لم يستأنف" لأنه تعالى ما شرط في الإطعام أن يكون قبل المسيس إلا أنه يمنع من المسيس قبله لأنه ربما يقدر على الإعتاق أو الصوم فيقعان بعد المسيس والمنع لمعنى في غيره لا يعدم المشروعية في نفسه "وإذا أطعم عن ظهارين ستين مسكينا كل مسكين صاعا من بر لم يجزه إلا عن واحد منهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله يجزئه عنهما وإن أطعم ذلك عن إفطار وظهار أجزأه عنهما" له أن بالمؤدى وفاء بهما والمصروف إليه محل لهما فيقع عنهما كما لو اختلف السبب أو فرق في الدفع ولهما أن النية في الجنس الواحد لغو وفي الجنسين معتبرة وإذا لغت النية والمؤدى يصلح كفارة واحدة لأن نصف الصاع أدنى المقادير فيمنع النقصان دون الزيادة فيقع عنها كما إذا نوى أصل الكفارة بخلاف ما إذا فرق في الدفع لأنه في الدفعة الثانية في حكم مسكين آخر "ومن وجبت عليه كفارتا ظهار فأعتق رقبتين لا ينوي عن إحداهما بعينها جاز عنهما وكذا إذا صام أربعة أشهر أو أطعم مائة وعشرين مسكينا جاز لأن الجنس متحد فلا حاجة إلى نية معينة وإن أعتق عنهما رقبة واحدة أو صام شهرين كان له أن يجعل ذلك عن أيهما شاء وإن أعتق عن ظهار وقتل لم يجز عن واحد منهما".
وقال زفر رحمه الله: لا يجزئه عن أحدهما في الفصلين وقال الشافعي رحمه الله له أن يجعل ذلك عن أحدهما في الفصلين لأن الكفارات كلها باعتبار اتحاد المقصود جنس واحد وجه قول زفر رحمه الله أنه أعتق عن كل ظهار نصف العبد وليس له أن يجعل عن أحدهما بعد ما أعتق عنهما لخروج الأمر من يده ولنا أن نية التعيين في الجنس المتحد غير

 

ج / 2 ص -270-       مفيد فتلغو وفي الجنس المختلف مفيد واختلاف الجنس في الحكم وهو الكفارة ههنا باختلاف السبب نظير الأول إذا صام يوما في قضاء رمضان عن يومين يجزئه عن قضاء يوم واحد ونظير الثاني إذا كان عليه صوم القضاء والنذر فإنه لا بد فيه من التمييز والله أعلم.

باب اللعان
قال: "إذا قذف الرجل امرأته بالزنا وهما من أهل الشهادة والمرأة ممن يحد قاذفها أو نفي نسب ولدها وطالبته بموجب القذف فعليه اللعان" والأصل أن اللعان عندنا شهادات مؤكدات بالأيمان مقرونة باللعن قائمة مقام حد القذف في حقه ومقام حد الزنا في حقها لقوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] والاستثناء إنما يكون من الجنس وقال الله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] نص على الشهادة واليمين فقلنا الركن هو الشهادة المؤكدة باليمين ثم قرن الركن في جانبه باللعن لو كان كاذبا وهو قائم مقام حد القذف وفي جانبها بالغضب وهو قائم مقام حد الزنا.
إذا ثبت هذا نقول لا بد أن يكونا من أهل الشهادة لأن الركن فيه الشهادة ولا بد أن تكون هي ممن يحد قاذفها لأنه قائم في حقه مقام حد القذف فلا بد من إحصانها ويجب بنفي الولد لأنه لما نفي ولدها صار قاذفا لها ظاهرا ولا يعتبر احتمال أن يكون الولد من غيره بالوطء من شبهة كما إذا نفى أجنبي نسبه عن أبيه المعروف وهذا لأن الأصل في النسب الفراش الصحيح والفاسد ملحق به فنفيه عن الفراش الصحيح قذف حتى يظهر الملحق به ويشترط طلبها لأنه حقها فلا بد من طلبها كسائر الحقوق "فإن امتنع منه حبسه الحاكم حتى يلاعن أو يكذب نفسه" لأنه حق مستحق عليه وهو قادر على إيفاته فيحبس به حتى يأتي بما هو عليه أو يكذب نفسه ليرتفع السبب "ولو لاعن وجب عليها اللعان" لما تلونا من النص إلا انه يبتدأ بالزوج لأنه هو المدعي "فإن امتنعت حبسها الحاكم حتى تلاعن أو تصدقه" لأنه حق مستحق عليها وهي قادرة على أيفائه فتحبس فيه "وإذا كان الزوج عبدا أو كافرا أو محدودا في قذف فقذف امرأته فعليه الحد" لأنه تعذر اللعان لمعنى من جهته فيصار إلى الموجب الأصلي وهو الثابت بقوله تعالى:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الآية واللعان خلف عنه "وإن كان من أهل الشهادة وهي أمة أو كافرة أو محدودة في قذف أو كانت ممن لا يحد قاذفها" بأن كانت صبية أو مجنونة أو زانية "فلا حد عليه ولا لعان" لانعدام أهلية الشهادة وعدم الإحصان في جانبها وامتناع اللعان لمعنى من جهتها فيسقط الحد كما إذا صدقته.

 

ج / 2 ص -271-       والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام أربعة لا لعان بينهم وبين أزواجهم اليهودية والنصرانية تحت المسلم والمملوكة تحت الحر والحرة تحت المملوك ولو كانا محدودين في قذف فعليه الحد لأن امتناع اللعان من جهته إذ هو ليس من أهله "وصفة اللعان أن يبتدئ القاضي بالزوج فيشهد أربع مرات يقول في كل مرة أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا ويقول في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا يشير إليها في جميع ذلك ثم تشهد المرأة أربع مرات تقول في كل مرة أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا وتقول في الخامسة غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا" والأصل فيه ما تلوناه من النص وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أنه يأتي بلفظة المواجهة يقول فيما رميتك به من الزنا لأنه أقطع للاحتمال وجه ما ذكر في الكتاب أن لفظة المغايبة إذا انضمت إليها الإشارة انقطع الاحتمال.
قال: "وإذا التعنا لا تقع الفرقة حتى يفرق القاضي بينهما" وقال زفر تقع بتلاعنهما لأنه تثبت الحرمة المؤبدة بالحديث ولنا أن ثبوت الحرمة يفوت الإمساك بالمعروف فيلزمه التسريح بالإحسان فإذا امتنع ناب القاضي منابه دفعا للظلم دل عليه قول ذلك الملاعن عند النبي عليه الصلاة والسلام كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فهي طالق ثلاثا قاله بعد اللعان "وتكون الفرقة تطليقة بائنة عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله" لأن فعل القاضي انتسب إليه كما في العنين "وهو خاطب إذا أكذب نفسه" عندهما وقال أبو يوسف رحمه الله هو تحريم مؤبد لقوله عليه الصلاة والسلام: "
المتلاعنان لا يجتمعان أبدا" نص على التأبيد ولهما أن الإكذاب رجوع والشهادة بعد الرجوع لا حكم لها ولا يجتمعان ما داما متلاعنين ولم يبق التلاعن ولا حكمه بعد الإكذاب فيجتمعان "ولو كان القذف بنفي الولد نفى القاضي نسبه وألحقه بأمه" وصورة اللعان أن يأمر الحاكم الرجل فيقول أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتك به من نفي الولد وكذا في جانب المرأة.
"ولو قذفها بالزنا ونفى الولد ذكر في اللعان الأمرين ثم ينفي القاضي نسب الولد ويلحقه بأمه" لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام نفى ولد امرأة هلال بن أمية عن هلال وألحقه بها ولأن المقصود من هذا اللعان نفي الولد فيوفر عليه مقصوده فيتضمنه القضاء بالتفريق وعن أبي يوسف رحمه الله أن القاضي يفرق ويقول قد ألزمته أمه وأخرجته من نسب الأب لأنه ينفك عنه فلا بد من ذكره "فإن عاد الزوج وأكذب نفسه حده القاضي" لإقراره بوجوب الحد عليه "وحل له أن يتزوجها" وهذا عندهما لأنه لما حد لم يبق أهلا

 

ج / 2 ص -272-       للعان فارتفع حكمه المنوط به وهو التحريم "وكذلك إن قذف غيرها فحد به" لما بينا وكذا إذا زنت فحدت لانتفاء أهلية اللعان من جانبها.
"وإذا قذف امرأته وهي صغيرة أو مجنونة فلا لعان بينهما" لأنه لا يحد قاذفها لو كان أجنبيا فكذا لا يلاعن الزوج لقيامه مقامه "وكذا إذا كان الزوج صغيرا أو مجنونا" لعدم أهلية الشهادة "وقذف الأخرس لا يتعلق به اللعان" لأنه يتعلق بالصريح كحد القذف وفيه خلاف الشافعي رحمه الله وهذا لأنه لا يعرى عن الشبهة والحدود تندرئ بها.
"وإذا قال الزوج ليس حملك مني فلا لعان بينهما" وهذا قول أبي حنيفة زفر رحمهما الله لأنه لا يتيقن بقيام الحمل فلم يصر قاذفا وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله اللعان يجب بنفي الحمل إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر وهو معنى ما ذكر في الأصل لأنا تيقنا بقيام الحمل عنده فيتحقق القذف قلنا إذا لم يكن قذفا في الحال يصير كالمعلق بالشرط فيصير كأنه قال إن كان بك حمل فليس مني والقذف لا يصح تعليقه بالشرط "فإن قال لها زنيت وهذا الحمل من الزنا تلاعنا" لوجود القذف حيث ذكر الزنا صريحا "ولم ينف القاضي الحمل" وقال الشافعي رحمه الله ينفيه لأنه عليه الصلاة والسلام نفى الولد عن هلال وقد قذفها حاملا ولنا أن الأحكام لا تترتب عليه إلا بعد الولادة لتمكن الاحتمال قبله والحديث محمول على أنه عرف قيام الحبل بطريق الوحي.
"وإذا نفى الرجل ولد امرأته عقيب الولادة أو في الحالة التي تقبل التهنئة وتبتاع آلة الولادة صح نفيه ولاعن به وإن نفاه بعد ذلك لاعن ويثبت النسب هذا عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يصح نفيه في مدة النفاس" لأن النفي يصح في مدة قصيرة ولا يصح في مدة طويلة ففصلنا بينهما بمدة النفاس لأنه أثر الولادة وله أنه لا معنى للتقدير لأن الزمان للتأمل وأحوال الناس فيه مختلفة فاعتبرنا ما يدل عليه وهو قبوله التهنئة أو سكوته عند التهنئة أو ابتياعه متاع الولادة أو مضي ذلك الوقت فهو ممتنع عن النفي ولو كان غائبا ولم يعلم بالولادة ثم قدم تعتبر المدة التي ذكرناها على الأصلين.
قال: "وإذا ولدت ولدين في بطن واحد فنفى الأول واعترف بالثاني يثبت نسبهما" لأنهما توأمان خلقا من ماء واحد "وحد الزوج" لأنه أكذب نفسه بدعوى الثاني "وإن اعترف بالأول ونفى الثاني يثبت نسبهما" لما ذكرنا "ولاعن" لأنه قاذف بنفي الثاني ولم يرجع عنه والإقرار بالعفة سابق على القذف فصار كما إذا قال إنها عفيفة ثم قال هي زانية وفي ذلك التلاعن كذا هذا.

 

ج / 2 ص -273-       باب العنين وغيره
"وإذا كان الزوج عنينا أجله الحاكم سنة فإن وصل إليها فبها وإلا فرق بينهما إذا طلبت المرأة ذلك" هكذا روي عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم ولأن الحق ثابت لها في الوطء ويحتمل أن يكون الامتناع لعلة معترضة ويحتمل لآفة أصلية فلا بد من مدة معرفة لذلك وقدرناها بالسنة لاشتمالها على الفصول الأربعة فإذا مضت المدة ولم يصل إليها تبين أن العجز بآفة أصلية ففات الإمساك بالمعروف ووجب عليه التسريح بالإحسان فإذا امتنع ناب القاضي منابه ففرق بينهما ولا بد من طلبها لأن التفريق حقها "وتلك الفرقة تطليقة بائنة" لأن فعل القاضي أضيف إلى فعل الزوج فكأنه طلقها بنفسه وقال الشافعي رحمه الله هو فسخ لكن النكاح لا يقبل الفسخ عندنا وإنما تقع بائنة لأن المقصود وهو دفع الظلم عنها لا يحصل إلا بها لو لم تكن بائنة تعود معلقة بالمراجعة "ولها كمال مهرها إن كان خلا بها" إن خلوة العنين صحيحة "ويجب العدة" لما بينا من قبل هذا إذا اقر الزوج أنه لم يصل إليها.
"ولو اختلف الزوج والمرأة في الوصول إليها فإن كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه" لأنه ينكر استحقاق حق الفرقة والأصل هو السلامة في الجبلة "ثم إن حلف بطل حقها وإن نكل يؤجل سنة وإن كانت بكرا نظر إليها النساء فإن قلن هي بكر أجل سنة" لظهور كذبه "وإن قلن هي ثيب يحلف الزوج فإن حلف لا حق لها وإن نكل يؤجل سنة وإن كان مجبوبا فرق بينهما في الحال إن طلبت" لأنه لا فائدة في التأجيل "والخصي يؤجل كما يؤجل العنين" لأن وطأه مرجو.
"وإذا أجل العنين سنة وقال قد جامعتها وأنكرت نظر إليها النساء فإن قلن هي بكر خيرت" لأن شهادتهن تأيدت بمؤيد وهي البكارة "وإن قلن هي ثيب حلف الزوج فإن نكل خيرت" لتأيدها بالنكول.
"وإن حلف لا تخير وإن كانت ثيبا في الأصل فالقول قوله مع يمينه" وقد ذكرناه "فإن اختارت زوجها لم يكن لها بعد ذلك خيار" لأنها رضيت ببطلان حقها وفي التأجيل تعتبر السنة القمرية هو الصحيح ويحتسب بأيام الحيض وبشهر رمضان لوجود ذلك في السنة ولا يحتسب بمرضه ومرضها لأن السنة قد تخلو عنه "وإذا كان بالزوجة عيب فلا خيار للزوج".
وقال الشافعي رحمه الله: ترد بالعيوب الخمسة: وهي الجذام، والبرص، والجنون،

 

ج / 2 ص -274-       والرتق والقرن لأنها تمنع الاستيفاء حسا أو طبعا والطبع مؤيد بالشرع قال عليه الصلاة والسلام فر من المجذوم فرارك من الأسد ولنا أن فوت الاستيفاء أصلا بالموت لا يوجب الفسخ فاختلاله بهذه العيوب أولى وهذا الأن الاستيفاء من الثمرات والمستحق هو التمكن وهو حاصل.
"وإذا كان بالزوج جنون أو برص أو جذام فلا خيار لها عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله لها الخيار" دفعا للضرر عنها كما في الجب والعنة بخلاف جانبه لأنه متمكن من دفع الضرر بالطلاق ولهما أن الأصل عدم الخيار لما فيه من إبطال حق الزوج وإنما يثبت في الجب والعنة لأنهما يخلان بالمقصود المشروع له النكاح وهذه العيوب غير مخلة به فافترقا والله أعلم بالصواب.

باب العدة
"وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا أو رجعيا أو وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق وهي حرة ممن تحيض فعدتها ثلاثة أقراء" لقوله تعالى:
{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] والفرقة إذا كانت بغير طلاق فهي في معنى الطلاق لأن العدة وجبت للتعرف عن براءة الرحم في الفرقة الطارئة على النكاح وهذا يتحقق فيها والأقراء الحيض عندنا.
وقال الشافعي رحمه الله الأطهار واللفظ حقيقة فيهما إذ هو من الأضداد كذا قاله ابن السكيت ولا ينتظمهما جملة للاشتراك والحمل على الحيض أولى إما عملا بلفظ الجمع لأنه لو حمل على الأطهار والطلاق يوقع في طهر لم يبق جمعا أو لأنه معرف لبراءة الرحم وهو المقصود أو لقوله عليه الصلاة والسلام: "
وعدة الأمة حيضتان" فيلتحق بيانا به "وإن كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر فعدتها ثلاثة أشهر" لقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: من الآية4] الآية وكذا التي بلغت بالسن ولم تحض بآخر الآية.
"وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها" لقوله تعالى:
{وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: من الآية4] "وإن كانت أمة فعدتها حيضتان" لقوله عليه الصلاة والسلامك "طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان" ولأن الرق منصف والحيضة لا تتجزأ فكملت فصارت حيضتين وإليه أشار عمر رضي الله عنه بقوله لو استطعت لجعلتها حيضة ونصفا "وإن كانت لا تحيض فعدتها شهر ونصف" لأنه متجز فأمكن تنصيفه عملا بالرق.

 

ج / 2 ص -275-       "وعدة الحرة في الوفاة أربعة أشهر وعشر" لقوله تعالى: {وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة: 234] "وعدة الأمة شهران وخمسة أيام" لأن الرق منصف "وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها" لإطلاق قوله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه من شاء باهلته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد الآية التي في سورة البقرة وقال عمر رضي الله عنه لو وضعت وزوجها على سريره لانقضت عدتها وحل لها أن تتزوج.
"وإذا ورثت المطلقة في المرض فعدتها أبعد الأجلين" وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف رحمه الله ثلاث حيض ومعناه إذا كان الطلاق بائنا أو ثلاثا.
أما إذا كان رجعيا فعليها عدة الوفاة بالإجماع لأبي يوسف رحمه الله أن النكاح قد انقطع قبل الموت بالطلاق ولزمتها ثلاث حيض وإنما تجب عدة الوفاة إذا زال النكاح في الوفاة إلا أنه بقي في حق الإرث لا في حق تغير العدة بخلاف الرجعي لأن النكاح باق من كل وجه ولهما أنه لما بقي في حق الإرث يجعل باقيا في حق العدة احتياطا فيجمع بينهما ولو قتل على ردته حتى ورثته امرأته فعدتها على هذا الاختلاف وقيل عدتها بالحيض بالإجماع لأن النكاح حينئذ ا اعتبر باقيا إلى وقت الموت في حق الإرث لأن المسلمة لا ترث من الكافر "فإذا عتقت الأمة في عدتها من طلاق رجعي انتقلت عدتها إلى عدة الحرائر" لقيام النكاح من كل وجه "وإن أعتقت وهي مبتوتة أو متوفى عنها زوجها لم تنتقل عدتها" إلى عدة الحرائر لزوال النكاح بالبينونة أو الموت "وإن كانت آيسة فاعتدت بالشهور ثم رأت الدم انتقض ما مضى من عدتها وعليها أن تستأنف العدة بالحيض" ومعناه إذا رأت الدم على العادة لأن عودها يبطل الإياس هو الصحيح فظهر أنه لم يكن خلفا وهذا لأن شرط الخلفية تحقق اليأس وذلك باستدامة العجز إلى الممات كالفدية في حق الشيخ الفاني.
"ولو حاضت حيضتين ثم أيست تعتد بالشهور" تحرزا عن الجمع بين البدل والمبدل "والمنكوحة نكاحا فاسدا والموطوءة بشبهة عدتهما الحيض في الفرقة والموت" لأنها للتعرف عن براءة الرحم لا لقضاء حق النكاح والحيض هو المعرف.
"وإذا مات مولى أم الولد عنها أو أعتقها بعدتها ثلاث حيض وقال الشافعي رحمه الله حيضة واحدة" لأنها تجب بزوال ملك اليمين فشابهت الاستبراء ولنا أنها وجبت بزوال الفراش فأشبه عدة النكاح ثم إمامنا فيه عمر رضي الله عنه فإنه قال عدة أم الولد ثلاث

 

ج / 2 ص -276-       حيض "ولو كانت ممن لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر" كما في النكاح.
"وإذا مات الصغير عن امرأته وبها حبل فعدتها أن تضع حملها" وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف رحمه الله عدتها أربعة أشهر وعشر وهو قول الشافعي رحمه الله لأن الحمل ليس بثابت النسب منه فصار كالحادث بعد الموت ولهما إطلاق قوله تعالى:
{وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] ولأنها مقدرة بمدة وضع الحمل في أولات الأحمال قصرت المدة أو طالت لا للتعرف عن فراغ الرحم لشرعها بالأشهر مع وجود الأقراء لكن لقضاء حق النكاح وهذا المعنى يتحقق في الصبي وإن لم يكن الحمل منه بخلاف الحمل الحادث لأنه وجبت العدة بالشهور فلا تتغير بحدوث الحمل وفيما نحن فيه كما وجبت وجبت مقدرة بمدة الحمل فافترقا ولا يلزم امرأة الكبير إذا حدث لها الحبل بعد الموت لأن النسب يثبت منه فكان كالقائم عند الموت حكما "ولا يثبت نسب الولد في الوجهين" لأن الصبي لا ماء له فلا يتصور منه العلوق والنكاح يقوم مقامه في موضع التصور.
"وإذا طلق الرجل امرأته في حالة الحيض لم تعتد بالحيضة التي وقع فيها الطلاق" لأن العدة مقدرة بثلاث حيض كوامل فلا ينقص عنها.
"وإذا وطئت المعتدة بشبهة فعليها عدة أخرى وتداخلت العدتان ويكون ما تراه المرأة من الحيض محتسبا منهما جميعا وإذا انقضت العدة الأولى ولم تكمل الثانية فعليها تمام العدة الثانية" وهذا عندنا وقال الشافعي رحمه الله لا تتداخلان لأن المقصود هو العبادة فإنها عبادة كف عن التزوج والخروج فلا تتداخلان كالصومين في يوم واحد ولنا أن المقصود التعرف عن فراغ الرحم وقد حصل بالواحدة فتتداخلان ومعنى العبادة تابع ألا ترى أنها تنقضي بدون علمها ومع تركها الكف.
"والمعتدة عن وفاة إذا وطئت بشبهة تعتد بالشهور وتحتسب بما تراه من الحيض فيها" تحقيقا للتداخل بقدر الإمكان "وإبتداء العدة في الطلاق عقيب الطلاق وفي الوفاة عقيب الوفاة فإن لم تعلم بالطلاق أو الوفاة حتى مضت مدة العدة فقد انقضت عدتها" لأن سبب وجوب العدة الطلاق أو الوفاة فيعتبر ابتداؤها من وقت وجود السبب ومشايخنا رحمهم الله يفتون في الطلاق أن ابتداءها من وقت الإقرار نفيا لتهمة ا لمواضعة "والعدة في النكاح الفاسد عقيب التفريق أو عزم الواطئ على ترك وطئها" وقال زفر رحمه الله من آخر الوطآت لأن الوطء هو السبب الموجب ولنا أن كل وطء وجد في العقد الفاسد يجري

 

ج / 2 ص -277-       مجرى الوطأة الواحدة لاستناد الكل إلى حكم عقد واحد ولهذا يكتفى في الكل بمهر واحد فقبل المتاركة أو العزم لا تثبت العدة مع جواز وجود غيره ولأن التمكن على وجه الشبهة أقيم مقام حقيقة الوطء لخفائه ومساس الحاجة إلى معرفة ا لحكم في حق غيره.
"وإذا قالت المعتدة انقضت عدتي وكذبها الزوج كان القول قولها مع اليمين" لأنها أمينة في ذلك وقد اتهمت بالكذب فتحلف كالمودع.
"وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا ثم تزوجها في عدتها وطلقها قبل الدخول بها فعليه مهر كامل وعليها عدة مستقبلة وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله عليه نصف المهر وعليها إتمام العدة الأولى" لأن هذا طلاق قبل المسيس فلا يوجب كمال المهر ولا استئناف العدة وإكمال العدة الأولى إنما يجب بالطلاق الأول إلا أنه لم يظهر حال التزوج الثاني فإذا ارتفع بالطلاق الثاني ظهر حكمه كما لو اشترى أم ولده ثم أعتقها ولهما أنها مقبوضة في يده حقيقة بالوطأة الأولى وبقي أثره وهو العدة فإذا جدد النكاح وهي مقبوضة ناب ذلك القبض عن القبض المستحق في هذا النكاح كالغاصب يشتري المغصوب الذي في يده يصير قابضا بمجرد العقد فوضح بهذا أنه طلاق بعد الدخول.
وقال زفر رحمه الله: لا عدة عليها أصلا لأن الأولى قد سقطت بالتزوج فلا تعود والثانية لم تجب وجوابه ما قلنا.
"وإذا طلق الذمي الذمية فلا عدة عليها وكذا إذا خرجت الحربية إلينا مسلمة فإن تزوجت جاز إلا أن تكون حاملا وهذا كله عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا عليها وعلى الذمية العدة" أما الذمية فالاختلاف فيها نظير الاختلاف في نكاحهم محارمهم وقد بيناه في كتاب النكاح وقول أبي حنيفة رحمه الله فيما إذا كان معتقدهم أنه لا عدة عليها.
وأما المهاجرة فوجه قولهما إن الفرقة لو وقعت بسبب آخر وجبت العدة فكذا بسبب التباين بخلاف ما إذا هاجر الرجل وتركها لعدم التبليغ وله قوله تعالى:
{وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] ولأن العدة حيث وجبت كان فيها حق بني آدم والحربي ملحق بالجماد حتى كان محلا للتملك إلا أن تكون حاملا لأن في بطنها ولدا ثابت النسب وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه يجوز نكاحها ولا يطؤها كالحبلى من الزنا والأول أصح.

 

ج / 2 ص -278-       فصل
قال: "وعلى المبتوتة والمتوفى عنها زوجها إذا كانت بالغة مسلمة الحداد" أما المتوفى عنها زوجها فلقوله عليه الصلاة والسلام "
لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا" وأما المبتوتة فمذهبنا وقال الشافعي رحمه الله لا حداد عليها لأنه وجب إظهارا للتأسف على فوت زوج وفى بعهدها إلى مماته وقد أوحشها بالإبانة فلا تأسف بفوته ولنا ما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى المعتدة أن تختضب بالحناء وقال "الحناء طيب" ولأنه يجب إظهارا للتأسف على فوت نعمة النكاح الذي هو سبب لصونها وكفاية مؤنها والإبانة أقطع لها من الموت حتى كان لها أن تغسله ميتا قبل الإبانة لا بعدها.
"والحداد" ويقال الإحداد وهما لغتان "أن تترك الطيب والزينة والكحل والدهن والمطيب وغير المطيب إلا من عذر وفي الجامع الصغير إلا من وجع".
والمعنى فيه وجهان: أحدهما ما ذكرناه من إظهار التأسف والثاني أن هذه الأشياء دواعي الرغبة فيها وهي ممنوعة عن النكاح فتجتنبها كيلا تصير ذريعة إلى الوقوع في المحرم وقد صح أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يأذن للمعتدة في الاكتحال والدهن لا يعرى عن نوع طيب وفيه زينة الشعر ولهذا يمنع المحرم عنه قال إلا من عذر لأن فيه ضرورة والمراد الدواء لا الزينة ولو اعتادت الدهن فخافت وجعا فإن كان ذلك أمرا ظاهرا يباح لها لأن الغالب كالواقع وكذا لبس الحرير إذا احتاجت إليه لعذر لا بأس به "ولا تختضب بالحناء" لما روينا "ولا تلبس ثوبا مصبوغا بعصفر ولا بزعفران" لأنه يفوح منه رائحة الطيب.
قال: "ولا حداد على كافرة" لأنها غير مخاطبة بحقوق الشرع "ولا على صغيرة" لأن الخطاب موضوع عنها "وعلى الأمة الإحداد" لأنها مخاطبة بحقوق الله تعالى فيما ليس فيه إبطال حق المولى بخلاف المنع من الخروج لأن فيه إبطال حقه وحق العبد مقدم لحاجته.
قال: "وليس في عدة أم الولد ولا في عدة النكاح الفاسد إحداد" لأنها ما فاتها نعمة النكاح لتظهر التأسف والإباحة أصل.
"ولا ينبغي أن تخطب المعتدة ولا بأس بالتعريض في الخطبة" لقوله تعالى:
{وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} إلى أن قال {وَلَكِنْ

 

ج / 2 ص -279-       لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً} [البقرة: 235] وقال عليه الصلاة والسلام "السر النكاح" وقال ابن عباس رضي الله عنهما التعريض أن يقول إني أريد أن أتزوج وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه في القول المعروف إني فيك لراغب وإني أريد أن نجتمع.
"ولا يجوز للمطلقة الرجعية والمبتوتة الخروج من بيتها ليلا ولا نهارا والمتوفى عنها زوجها تخرج نهارا وبعض الليل ولا تبيت في غير منزلها" أما المطلقة فلقوله تعالى:
{لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] قيل الفاحشة نفس الخروج وقيل الزنا ويخرجن لإقامة الحد.
وأما المتوفى عنها زوجها فلأنه لا نفقة لها فتحتاج إلى الخروج نهارا لطلب المعاش وقد يمتد إلى أن يهجم الليل ولا كذلك المطلقة لأن النفقة دارة عليها من مال زوجها حتى لو اختلعت على نفقة عدتها قيل إنها تخرج نهارا وقيل لا تخرج لأنها أسقطت حقها فلا يبطل به حق عليها.
"وعلى المعتدة أن تعتد في المنزل الذي يضاف إليها بالسكنى حال وقوع الفرقة والموت" لقوله تعالى
{لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} والبيت المضاف إليها هو البيت الذي تسكنه ولهذا لو زارت أهلها وطلقها زوجها كان عليها أن تعود إلى منزلها فتعتد فيه وقال عليه الصلاة والسلام للتي قتل زوجها "اسكني في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله" "وإن كان نصيبها من دار الميت لا يكفيها فأخرجها الورثة من نصيبهم انتقلت" لأن هذا انتقال بعذر والعبادات تؤثر فيها الأعذار فصار كما إذا خافت على متاعها أو خافت سقوط المنزل أو كانت فيها بأجر ولا تجد ما تؤديه "ثم إن وقعت الفرقة بطلاق بائن أو ثلاث لا بد من سترة بينهما ثم لا بأس به" لأنه معترف بالحرمة إلا أن يكون فاسقا يخاف عليها منه فحينئذ تخرج لأنه عذر ولا تخرج عما انتقلت إليه والأولى أن يخرج هو ويتركها.
"وإن جعلا بينهما امرأة ثقة تقدر على الحيلولة فحسن وإن ضاق عليهما المنزل فلتخرج والأولى خروجه وإذا خرجت المرأة مع زوجها إلى مكة فطلقها ثلاثا أو مات عنها في غير مصر فإن كان بينها وبين مصرها أقل من ثلاثة أيام رجعت إلى مصرها" لأنه ليس بابتداء الخروج معنى بل هو بناء "وإن كانت مسيرة ثلاثة أيام إن شاءت رجعت وإن شاءت مضت سواء كان معها ولي أو لم يكن" معناه إذا كان إلى المقصد ثلاثة أيام أيضا،

 

ج / 2 ص -280-       لأن المكث في ذلك المكان أخوف عليها من الخروج إلا أن الرجوع أولى ليكون الاعتداد في منزل الزوج قال: "إلا أن يكون طلقها أو مات عنها زوجها في مصر فإنها لا تخرج حتى تعتد ثم تخرج إن كان لها محرم" وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله "وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله إن كان معها محرم فلا بأس بأن تخرج من المصر قبل أن تعتد" لهما أن نفس الخروج مباح دفعا لأذى الغربة ووحشة الوحدة وهذا عذر وإنما الحرمة للسفر وقد ارتفعت بالمحرم وله أن العدة أمنع من الخروج من عدم المحرم فإن للمراة أن تخرج إلى ما دون السفر بغير محرم وليس للمعتدة ذلك فلما حرم عليها الخروج إلى السفر بغير المحرم ففي العدة أولى.

باب ثبوت النسب
"ومن قال إن تزوجت فلانة فهي طالق فتزوجها فولدت ولدا لستة أشهر من يوم تزوجها فهو ابنه وعليه المهر" أما النسب فلأنها فراشه لأنها لما جاءت بالولد لستة أشهر من وقت النكاح فقد جاءت به لأقل منها من وقت الطلاق فكان العلوق قبله في حالة النكاح والتصور ثابت بأن تزوجها وهو يخالطها فوافق الإنزال النكاح والنسب يحتاط في إثباته وأما المهر فلأنه لما ثبت النسب منه جعل واطئا حكما فتأكد المهر به.
قال: "ويثبت نسب ولد المطلقة الرجعية إذا جاءت به لسنتين أو أكثر مالم تقر بانقضاء عدتها" لاحتمال العلوق في حالة العدة لجواز أنها تكون ممتدة الطهر "وإن جاءت به لأقل من سنتين بانت من زوجها بانقضاء العدة وثبت نسبه" لوجود العلوق في النكاح أو في العدة فلا يصير مراجعا لأنه يحتمل العلوق قبل الطلاق ويحتمل بعده فلا يصير مراجعا بالشك "وإن جاءت به لأكثر من سنتين كانت رجعية" لأن العلوق بعد الطلاق والظاهر أنه منه لانتفاء الزنا منها فيصير بالوطء مراجعا.
"والمثبوتة يثبت نسب ولدها إذا جاءت به لأقل من سنتين" لأنه يحتمل أن يكون الولد قائما وقت الطلاق فلا يتيقن زوال الفراش قبل العلوق فيثبت النسب إحتياطا "وإذا جاءت به لتمام سنتين من وقت الفرقة لم يثبت" لأن الحمل حادث بعد الطلاق فلا يكون منه لأن وطأها حرام "إلا أن يدعيه" لأنه لتزمه وله وجه بأن وطئها بشبهة في العدة "فإن كانت المبتونة صغيرة يجامع مثلها فجاءت بولد لتسعة أشهر لم يلزمه حتى تأتي به لأقل من تسعة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف رحمه الله يثبت النسب منه إلى سنتين" لأنها معتدة يحتمل أن تكون حاملا ولم تقر بانقضاء العدة فأشبهت الكبيرة، ولهما أن لانقضاء

 

ج / 2 ص -281-       عدتها جهة متعينة وهو الأشهر فبمضيها يحكم الشرع بالانقضاء وهو في الدلالة فوق إقرارها لأنه لا يحتمل الخلاف والإقرار يحتمله وإن كانت مطلقة طلاقا رجعيا فكذلك الجواب عندهما وعنده يثبت إلى سبعة وعشرين شهرا لأنه يجعل واطئا في آخر العدة وهي الثلاثة الأشهر ثم تأتي به لأكثر مدة الحمل وهو سنتان وإن كانت الصغيرة ادعت الحبل في العدة فالجواب فيها وفي الكبيرة سواء لأن بإقرارها يحكم ببلوغها.
"ويثبت نسب ولد المتوفى عنها زوجها ما بين الوفاة وبين السنتين" وقال زفر رحمه الله إذا جاءت به بعد انقضاء عدة الوفاة لستة أشهر لا يثبت النسب لأن الشرع حكم بانقضاء عدتها بالشهور لتعين الجهة فصار كما إذا أقرت بالانقضاء كما بينا في الصغيرة إلا أنا نقول لانقضاء عدتها جهة أخرى وهو وضع الحمل بخلاف الصغيرة لأن الأصل فيها عدم الحبل لأنها ليست بمحل قبل البلوغ وفيه شك.
"وإذا اعترفت المعتدة بانقضاء عدتها ثم جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر يثبت نسبه" لأنه ظهر كذبها بيقين فبطل الإقرار "وإن جاءت به لستة أشهر لم يثبت" لأنا لم نعلم ببطلان الإقرار لاحتمال الحدوث بعده وهذا اللفظ بإطلاقه يتناول كل معتدة.
"وإذا ولدت المعتدة ولدا لم يثبت نسبه عند أبي حنيفة رحمه الله إلا أن يشهد بولادتها رجلان أو رجل وامرأتان إلا أن يكون هناك حبل ظاهر أو اعتراف من قبل الزوج فيثبت النسب من غير شهادة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يثبت في الجميع بشهادة امرأة واحدة" لأن الفراش قائم بقيام العدة وهو ملزم للنسب والحاجة إلى تعيين الولد أنه منها فيتعين بشهادتها كما في حال قيام النكاح ولأبي حنيفة رحمه الله تنقضي بإقرارها بوضع الحمل والمنقضي ليس بحجة فمست الحاجة إلى إثبات النسب ابتداء فيشترط كمال الحجة بخلاف ما إذا كان ظهرالحبل أو صدر الاعتراف من الزوج لأن النسب ثابت قبل الولادة والتعين يثبت بشهادتها "فإن كانت معتدة عن وفاة فصدقها الورثة في الولادة ولم يشهد على الولادة أحد فهو ابنه في قولهم جميعا" وهذا في حق الإرث ظاهر لأنه خالص حقهم فيقبل فيه تصديقهم أما في حق النسب هل يثبت في حق غيرهم قالوا إذا كانوا من أهل الشهادة يثبت لقيام الحجة ولهذا قيل تشترط لفظة الشهادة وقيل لا تشترط لأن الثبوت في حق غيرهم تبع للثبوت في حقهم بإقراراهم وما ثبت تبعا لا يراعى فيه الشرائط.
"وإذا تزوج الرجل امرأة فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ يوم تزوجها لم يثبت نسبه" لأن العلوق سابق على النكاح فلا يكون منه "وإن جاءت به لستة أشهر فصاعدا يثبت

 

ج / 2 ص -282-       نسبه اعترف به الزوج أو سكت" لأن الفراش قائم والمدة تامة "فإن جحد الولادة يثبت بشهادة امرأة واحدة تشهد بالولادة حتى لو نفاه الزوج يلاعن" لأن النسب يثبت بالفراش القائم واللعان إنما يجب بالقذف وليس من ضرورته وجود الولد فإنه يصح بدونه "فإن ولدت ثم اختلفا فقال الزوج تزوجتك منذ أربعة وقالت هي منذ ستة أشهر فالقول قولها وهو ابنه" لأن الظاهر شاهد لها فإنها تلد ظاهرا من نكاح لا من سفاح ولم يذكر الاستحلاف وهو على الاختلاف.
"وإن قال لامرأته إذا ولدت ولدا فأنت طالق فشهدت امرأة على الولادة لم تطلق عند أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تطلق" لأن شهادتها حجة في ذلك قال عليه الصلاة والسلام: "
شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه" ولأنها لما قبلت في الولادة تقبل فيما يبتنى عليها وهو الطلاق.
ولأبي حنيفة رحمه الله أنها ادعت الحنث فلا يثبت إلا بحجة تامة وهذا لأن شهادتهن ضرورية في حق الولادة فلا تظهر في حقا الطلاق لأنه ينفك عنها "وإن كان الزوج قد أقر بالحبل طلقت من غير شهادة عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما تشترط شهادة القابلة" لأنه لا بد من حجة لدعواها الحنث وشهادتها حجة فيه على ما بينا وله أن الإقرار بالحبل إقرار بما يفضي إليه وهو الولادة ولأنه أقر بكونها مؤتمنة فيقبل قولها في رد الأمانة.
قال: "وأكثر مدة الحمل سنتان" لقول عائشة رضي الله عنها الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين ولو بطل مغزل "وأقله ستة أشهر" لقوله تعالى:
{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} [الاحقاف: 15] ثم قال {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فبقي للحمل ستة أشهر والشافعي رحمه الله يقدر الأكثر بأربع سنين والحجة عليه ما رويناه والظاهر أنها قالته سماعا إذ العقل لا يهتدى إليه.
"ومن تزوج أمة فطلقها ثم اشتراها فإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ يوم اشتراها لزمه وإلا لم يلزمه" لأنه في الوجه الأول ولد المعتدة فإن العلوق سابق على الشراء وفي الوجه الثاني ولد المملوكة لأنه يضاف الحادث إلى أقرب وقته فلا بد من دعوة وهذا إذا كان الطلاق واحدا بائنا أو خلعا أو رجعيا أما إذا كان اثنتين يثبت النسب إلى سنتين من وقت الطلاق لأنها حرمت عليه حرمة غليظة فلا يضاف العلوق إلا إلى ما قبله لأنها لا تحل بالشراء.
"ومن قال لأمته إن كان في بطنك ولد فهو مني فشهدت على الولادة امرأة فهي

 

ج / 2 ص -283-       أم ولده لأن الحاجة إلى تعيين الولد ويثبت ذلك بشهادة القابلة بالإجماع.
"ومن قال الغلام هو ابني ثم مات فجاءت أم الغلام وقالت أنا امرأته فهي امرأته وهو ابنه يرثانه" وفي النوادر جعل هذا جواب الاستحسان والقياس أن لا يكون لها الميراث لأن النسب كما يثبت بالنكاح الصحيح يثبت بالنكاح الفاسد وبالوطءعن شبهة وبملك اليمين فلم يكن قوله إقرارا بالنكاح وجه الاستحسان أن المسألة فيما إذا كانت معروفة بالحرية وبكونها أم الغلام والنكاح الصحيح هو المتعين لذلك وضعا وعادة "ولو لم يعلم بأنها حرة فقالت الورثة أنت أم ولد فلا ميراث لها" لأن ظهور الحرية باعتبار الدار حجة في دفع الرق لا في استحقاق الميراث والله أعلم.

باب الولد من أحق به
"وإذا وقعت الفرقة ين الزوجين فالأم أحق بالولد" لما روى أن امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء وزعم أبوه أنه ينزعه مني فقال عليه الصلاة والسلام: "
أنت أحق به مالم تتزوجي" ولأن الأم أشفق وأقدر على الحضانة فكان الدفع إليها أنظر وإليه أشار الصديق رضي الله عنه بقوله ريقها خير له من شهد وعسل عندك يا عمر قاله حين وقعت الفرقة بينه وبين امرأته والصحابة حاضرون متوافرون.
"والنفقة على الأب" على ما نذكر "ولا تجبر الأم عليه" لأنها عست تعجز عن الحضانة "فإن لم تكن له أم فأم الأم أولى من أم الأب وإن بعدت" لأن هذه الولاية تستفاد من قبل الأمهات "فإن لم تكن أم الأم فأم الأب أولى من الأخوات" لأنها من الأمهات ولهذا تحرز ميراثهن السدس ولأنها أوفر شفقة للأولاد "فإن لم تكن له جدة فالأخوات أولى من العمات والخالات" لأنهن بنات الأبوين ولهذا قدمن في الميراث وفي رواية الخالة أولى من الأخت لأب لقوله عليه الصلاة والسلام "
الخالة والدة" وقيل في قوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] أنها كانت خالته "وتقدم الأخت لأب وأم" لأنها أشفق "ثم الأخت من الأم ثم الأخت من الأب" لأن الحق لهن من قبل الأم "ثم الخالات أولى من العمات" ترجيحا لقرابة الأم "وينزلن كما نزلنا الأخوات" معناه ترجيح ذات قرابتين ثم قرابة الأم "ثم العمات ينزلن كذلك وكل من تزوجت من هؤلاء يسقط حقها" لما روينا ولأن زوج الأم إذا كان أجنبيا يعطيه نزرا وينظر إليه شزرا فلا نظر قال "إلا الجدة إذا كان زوجها

 

ج / 2 ص -284-       الجد" لأنه قام مقام أبيه فينظر له "وكذلك كل زوج هو ذو رحم محرم منه" لقيام الشفقة نظرا إلى القرابة القريبة.
"ومن سقط حقها بالتزوج يعود إذا ارتفعت الزوجية" لأن المانع قد زال "فإن لم تكن للصبي امرأة من أهله فاختصم فيه الرجال فأولاهم أقربه تعصيبا" لأن الولاية للأقرب وقد عرف الترتيب في موضعه غير أن الصغيرة لا تدفع إلى عصبة غير محرم كمولى العتاقة وابن العم تحرزا عن الفتنة.
"والأم والجدة أحق بالغلام حتى يأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده ويستنجي وحده وفي الجامع الصغير حتى يستغني فيأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده" والمعنى واحد لأن تمام الاستغناء بالقدرة على الاستنجاء.
ووجهه أنه إذا استغنى يحتاج إلى التأدب والتخلق بآداب الرجال وأخلاقم والأب أقدر على التأديب والتثقيف والخصاف رحمه الله قدر الاستغناء بسبع سنين اعتبارا للغالب "والأم والجدة أحق بالجارية حتى تحيض" لأن بعد الاستغناء تحتاج إلى معرفة آداب النساء والمرأة على ذلك أقدر وبعد البلوغ تحتاج إلى التحصين والحفظ والأب فيه أقوى وأهدى وعن محمد رحمه الله أنها تدفع ألى الأب إذا بلغت حد الشهوة لتحقق الحاجة إلى الصيانة "ومن سوى الأم والجدة أحق بالجارية حتى تبلغ حدا تشتهى وفي الجامع الصغير حتى تستغنى" لأنها لا تقدر على استخدامها ولهذا لا تؤاجراها للخدمة فلا يحصل المقصود بخلاف الأم والجدة لقدرتهما عليه شرعا.
قال: "والأمة إذا أعتقها مولاها وأم الولد إذا أعتقت كالحرة في حق الولد" لأنهما حرتان أو أن ثبوت الحق "وليس لهما قبل العتق حق في الولد" لعجزهما عن الحضانة بالاشتغال بخدمة المولى.
"والذمية أحق بولدها المسلم ما لم يعق الأديان أويخاف أن يألف الكفر" للنظر قبل ذلك واحتمال الضرر بعده "ولا خيار للغلام والجارية" وقال الشافعي رحمه الله لهما الخيار لأن النبي عليه الصلاة والسلام خير ولنا أنه لقصور عقله يختار من عنده الدعة لتخليته بينه وبين اللعب فلا يتحقق النظر وقد صح أن الصحابة رضي الله عنهم لم يخيروا وأما الحديث فقلنا قد قال عليه الصلاة والسلام
اللهم اهده فوفق لاختياره الأنظر بدعائه عليه الصلاة والسلام أو يحمل على ما إذا كان بالغا.

 

ج / 2 ص -285-       فصل
وإذا أرادت المطلقة أن تخرج بولدها من المصر فليس لها ذلك" لما فيه من الإضرار بالأب "إلا أن تخرج به إلى وطنها وقد كان الزوج تزوجها فيه" لأنه التزم المقام فيه عرفا وشرعا.
قال عليه الصلاة والسلام: "
من تأهل ببلدة فهو منهم" ولهذا يصير الحربي به ذميا وإن أرادت الخروج إلى مصر غير وطنها وقد كان التزوج فيه أشار في الكتاب إلى أنه ليس لها ذلك وهذه رواية كتاب الطلاق وقد ذكر في الجامع الصغير أن لها ذلك لأن العقد متى وجد في مكان يوجب أحكامه فيه كما يوجب البيع التسليم في مكانه ومن جملة ذلك حق إمساك الأولاد وجه الأول أن التزوج في دار الغربة ليس التزاما للمكث فيه عرفا وهذا أصح.
والحاصل: أنه لا بد من الأمرين جميعا الوطن ووجود النكاح وهذا كله إذا كان بين المصرين تفاوت أما إذا تقاربا بحيث يمكن للوالد أن يطالع ولده ويبيت في بيته فلا بأس به وكذا الجواب في القريتين ولو انتقلت من قرية المصر إلى المصر لا بأس به لأن فيه نظرا للصغيرحيث يتخلف بأخلاق أهل المصر وليس فيه ضرر بالأب وفي عكسه ضرر بالصغير لتخلقه بأخلاق السواد فليس لها ذلك.

باب النفقة
قال: "النفقة واجبة للزوجة على زوجها مسلمة كانت أو كافرة إذا سلمت نفسها إلى منزله فعليه نفقتها وكسوتها وسكناها" والأصل في ذلك قوله تعالى:
{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: من الآية7] وقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث حجة الوداع: "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" ولأن النفقة جزاء الاحتباس وكل من كان محبوسا بحق مقصود لغيره كانت نفقته عليه أصله القاضي والعامل في الصدقات وهذه الدلائل لا فصل فيها فتستوي فيها المسلمة والكافرة "ويعتبر في ذلك حالهما جميعا" قال العبد الضعيف وهذا اختيار الخصاف وعليه الفتوى وتفسيره أنهما إذا كانا موسرين تجب نفقة اليسار وإن كانا معسرين فنفقة الإعسار وإن كانت معسرة والزوج موسرا فنفقتها دون نفقة الموسرات وفوق نفقة المعسرات وقال الكرخي رحمه الله يعتبر حال الزوج وهو قول الشافعي رحمه الله لقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7].

 

ج / 2 ص -286-       وجه الأول قوله عليه الصلاة والسلام لهند امرأة أبي سفيان: "خذي من مال زوجك ما يكفيك وولدك بالمعروف" اعتبر حالها وهو الفقه فإن النفقة تجب بطريق الكفاية والفقيرة لا تفتقر إلى كفاية الموسرات فلا معنى للزيادة.
وأما النص فنحن نقول بموجبه أنه يخاطب بقدر وسعه والباقي دين في ذمته ومعنى قوله بالمعروف الوسط وهو الواجب وبه يتبين أنه لا معنى للتقدير كما ذهب إليه الشافعي رحمه الله أنه على الموسر مدان وعلى المعسر مد وعلى المتوسط مد ونصف مد لأن ما يوجب كفاية لا يتقدر شرعا في نفسه "وإن امتنعت من تسليم نفسها حتى يعطيها مهرها فلها النفقة" لأنه منع بحق فكان فوت الاحتباس بمعنى من قبله فيجعل كلا فائت "وإن نشزت لا نفقة لها حتى تعود إلى منزله" لأن فوت الاحتباس منها وإذا عادت جاء الاحتباس قائم والزوج يقدر على الوطء كرها "وإن كانت صغيرة لا يستمتع بها فلا نفقة لها" لأن امتناع الاستمتاع لمعنى فيها والاحتباس الموجب ما يكون وسيلة إلى مقصود مستحق بالنكاح ولم يوجد بخلاف المريضة على ما نبين.
وقال الشافعي رحمه الله لها النفقة لأنها عوض عن الملك عنده كما في المملوكة بملك اليمين ولنا أن المهر عوض عن الملك ولا يجتمع العوضان عن معوض واحد فلها المهر دون النفقة "وإن كان الزوج صغيرا لا يقدر على الوطء وهي كبيرة فلها النفقة من ماله" لأن التسليم قد تحقق منها وإنما العجز من قبله فصار كالمجبوب والعنين.
"وإذا حبست المرأة في دين فلا نفقة لها" لأن فوت الاحتباس منها بالمماطلة وإن لم يكن منها بأن كانت عاجزة فليس منه وكذا إذا غصبها رجل كرها فذهب بها.
وعن أبي يوسف أن لها النفقة والفتوى على الأول لأن فوت الاحتباس ليس منه ليجعل باقيا تقديرا وكذا إذا حجت مع محرم لأن فوت الاحتباس منها وعن أبي يوسف رحمه الله أن لها النفقة لأن إقامة الفرض عذر ولكن تجب عيه نفقة الحضر دون السفرلأنها هي المستحقة عليه ولو سافر معها الزوج تجب النفقة بالاتفاق لأن الإحتباس قائم لقيامه عليها وتجب نفقة الحضر دون السفر ولا يجب الكراء لما قلنا.
"وإن مرضت في منزل الزوج فلها النفقة" والقياس أن لا نفقة لها إذا كان مرضا يمنع من الجماع لفوت الاحتباس للاستمتاع وجه الاستحسان أن الاحتباس قائم فإنه يستأنس بها ويمسها وتحفظ البيت والمانع يعارض فأشبه الحيض وعن أبي يوسف رحمه الله أنها إذا

 

ج / 2 ص -287-       سلمت نفسها ثم مرضت بجب النفقة لتحقق التسليم ولو مرضت ثم سلمت لا تجب لأن التسليم لم يصح قالوا هذا حسن وفي لفظ الكتاب ما يشير إليه.
قال: "وتفرض على الزوج النفقة إذا كان موسرا ونفقة خادمها" والمراد بهذا بيان نفقة الخادم ولهذا ذكر في بعض النسخ وتفرض على الزوج إذا كان موسرا نفقة خادمها ووجهه أن كفايتها واجبة عليه وهذا من تمامها إذ لا بد لها منه.
"ولا تفرض لأكثر من نفقة خادم واحد" وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف رحمه الله تفرض لخادمين لأنها تحتاج إلى أحدهما لمصالح الداخل وإلى الآخر لمصالح الخارج ولهما أن الواحد يقوم بالأمرين فلا ضرورة إلى اثنين ولأنه لو تولى كفايتها بنفسه كان كافيا فكذا إذا أقام الواحد مقام نفسه وقالوا إن الزوج الموسر يلزمه من نفقة الخادم ما يلزم المعسر من نفقة امرأته وهو أدنى الكفاية وقوله في الكتاب إذا كان موسرا إشارة إلى أنه لا تجب نفقة الخادم عند إعساره وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله وهو الأصح خلافا لما قاله محمد رحمه الله لأن الواجب على المعسر أدنى الكفاية وهي قد تكتفي بخدمة نفسها.
"ومن أعسر بنفقة امرأته لم يفرق بينهما ويقال لها استديني عليه" وقال الشافعي رحمه الله يفرق لأنه عجز عن الإمساك بالمعروف فينوب القاضي منابه في التفريق كما في الجب والعنة بل أولى لأن الحاجة إلى النفقة أقوى ولنا أن حقه يبطل وحقها يتأخر والأول أقوى في الضرر وهذا لأن النفقة تصير دينا بفرض القاضي فتستوفى في الزمان الثاني وفوت المال وهو تابع في النكاح لا يلحق بما هو المقصود وهو التناسل وفائدة الأمر بالاستدانة مع الفرض أن يمكنها إحالة الغريم على الزوج فأما إذا كانت الاستدانة بغير أمر القاضي كانت المطالبة عليها دون الزوج.
"وإذا قضى القاضي لها بنفقة الإعسار ثم أيسر فخاصمته تمم لها نفقة الموسر" لأن النفقة تختلف بحسب اليسار والإعسار وما قضى به تقدير لنفقة لم تجب فإذا تبدل حاله فلها المطالبة بتمام حقها.
"وإذا مضت مدة لم ينفق الزوج عليها وطالبته بذلك فلا شيء لها إلا أن يكون القاضي فرض لها النفقة أو صالحت الزوج على مقدار نفقتها فيقضي لها بنفقة ما مضى" لأن النفقة صلة وليست بعوض عندنا عل مامر من قبل فلا يستحكم الوجوب فيها إلا بالقضاء،

 

ج / 2 ص -288-       لا توجب الملك إلا بمؤكد وهو القبض والصلح بمنزلة القضاء لأن ولايته على نفسه أقوى من ولاية القاضي بخلاف المهر لأنه عوض.
"وإن مات الزوج بعد ما قضي عليه بالنفقة ومضى شهور سقطت النفقة" وكذا إذا ماتت الزوجة لأن النفقة صلة والصلات تسقط بالموت كالهبة تبطل بالموت قبل القبض وقال الشافعي رحمه الله تصير دينا قبل القضاء ولا تسقط بالموت لأنه عوض عنده فصار كسائر الديون وجوابه قد بيناه.
"وإن أسلفها نفقة السنة" أي عجلها "ثم مات لم يسترجع منها شيء وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله يحتسب لها نفقة ما مضى وما بقي فهو للزوج" وهو قول الشافعي رحمه الله وعلى هذا الخلاف الكسوة لأنها استعجلت عوضا عما تستحقه عليه بالاحتباس وقد بطل الاستحقاق بالموت فيبطل العوض بقدره كرزق القاضي وعطاء المقاتلة ولهما أنه صلة وقد اتصل به القبض ولا رجوع في الصلات بعد الموت لانتهاء حكمها كما في الهبة ولهذا لو هلكت من غير استهلاك لا يسترد شيء منها بالإجماع وعن محمد رحمه الله أنها إذا قبضت نفقة الشهر أو ما دونه لايسترجع منها شيء لأنه يسير فصار في حكم الحال.
"وإذا تزوج العبد حرة فنفقتها دين عليه يباع فيها" ومعناه إذا تزوج بإذن المولى لأنه دين وجب في ذمته لوجود سببه وقد ظهر وجوبه في حق المولى فيتعلق برقبته كدين التجارة في العبد التاجر وله أن يفدى لأن حقها في النفقة لا في عين الرقبة ولو مات العبد سقطت وكذا إذا قتل في الصحيح لأنه صلة.
"وإن تزوج الحر أمة فبوأها مولاها معه منزلا فعليه النفقة" لأنه تحقق الاحتباس "وإن لم يبوئها فلا نفقة لها" لعدم الاحتباس والتبوئه أن يخلي بينها وبينه في منزله ولا يستخدمها ولو استخدمها بعد التبوئه سقطت النفقة لأنه فات الاحتباس والتبوئه غير لازمة على ما مر في النكاح ولو خدمته الجارية أحيانا من غير أن يستخدمها لا تسقط النفقة لأنه لم يستخدمها ليكون استردادا والمدبرة وأم الولد في هذا كالأمة والله تعالى أعلم بالصواب.

فصل
"وعلى الزوج أن يسكنها في دار مفردة ليس فيها أحد من أهله إلا أن تختار ذلك" لأن السكنى من كفايتها فتجب لها كالنفقة وقد أوجبه الله تعالى مقرونا بالنفقة وإذا أوجب

 

ج / 2 ص -289-       حقا لها ليس له أن يشرك غيرها فيه لأنها تتضرر به فإنها لا تأمن على متاعها ويمنعها ذلك عن المعاشرة مع زوجها ومن الاستمتاع إلا أن تختار لأنها رضيت بانتقاص حقها "وإن كان له ولد من غيرها فليس له أن يسكنه معها" لما بينا ولو أسكنها في بيت من الدار مفرد وله غلق كفاها لأن المقصود قد حصل "وله أن يمنع والديها وولدها من غيره وأهلها من الدخول عليها" لأن المنزل ملكه فله حق المنع من دخول ملكه "ولا يمنعهم من النظر إليها وكلامها في أي وقت اختاروا" لما فيه من قطيعة الرحم وليس له في ذلك ضرر وقيل لا يمنعهم من الدخول والكلام وإنما يمنعهم من القرار والدوام إن الفتنة في اللباث وتطويل الكلام وقيل لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين ولا يمنعهما من الدخول عليها في كل جمعة وفي غيرهما من المحارم التقدير بسنة وهو الصحيح.
"وإذا غاب الرجل وله مال في يد رجل يعترف به وبالزوجية فرض القاضي في ذلك المال نفقة زوجة الغائب وولده الصغار ووالديه وكذا إذا علم القاضي ذلك ولم يعترف به" لأنه لما أقر بالزوجية والوديعة فقد أقر أن حق الأخذ لها لأن لها أن تأخذ من مال الزوج حقها من غير رضاه وإقرار صاحب اليد مقبول في حق نفسه لا سيما ههنا فإنه لو أنكر أحد الأمرين لا تقبل بينة المرأة فيه لأن المودع ليس بخصم في إثبات الزوجية عليه ولا المرأة خصم في إثبات حقوق الغائب فإذا ثبت في حقه تعدى إلى الغائب وكذا إذا كان المال في يده مضاربه وكذا الجواب في الدين وهذا كله إذا كان المال من جنس حقها دراهم أو دنانير أو طعاما أو كسوة من جنس حقها أما إذا كان من خلاف جنسه لا تفرض النفقة فيه لأنه يحتاج إلى البيع ولا يباع مال الغائب بالاتفاق أما عند أبي حنيفة رحمه الله فلأنه لا يباع على الحاضر وكذا على الغائب وأما عندهما فلأنه إن كان يقضي على الحاضر لأنه يعرف امتناعه لا يقضى على الغائب لأنه لا يعرف امتناعه.
قال: "ويأخذ منها كفيلا بها" نظرا للغائب لأنها ربما استوفت النفقة أو طلقها الزوج وانقضت عدتها فرق بين هذا وبين الميراث إذا قسم بين ورثة حضور البينة ولم يقولوا لا نعلم له وارثا آخر حيث لا يؤخذ منهم الكفيل عند أبي حنيفة رحمه الله لأن هناك المكفول له مجهول وههنا معلوم وهو الزوج ويحلفها بالله ما أعطاها النفقة نظرا للغائب.
قال: "ولا يقضى بنفقة في مال غائب إلا لهؤلاء" ووجه الفرق هو أن نفقة هؤلاء واجبة قبل قضاء القاضي ولهذا كان لهم أن يأخذوا قبل القضاء فكأن قضاء القاضي إعانة لهم أما غيرهم من المحارم فنفقتهم إنما تجب بالقضا لأنه مجتهد فيه والقضاء على الغائب لا يجوز ولو لم يعلم القاضي بذلك ولم يكن مقرا به فأقامت البينة على الزوجية

 

ج / 2 ص -290-       أو لم يخلف مالا فأقامت ألبينة ليفرض القاضي نفقتها على الغائب ويأمرها بالاستدانة لا يقضى القاضي بذلك لأن في ذلك قضاء على الغائب.
وقا زفر رحمه الله: يقضى فيه لأن فيه نظرا لها ولا ضرر فيه على الغائب فإنه لو حضر وصدقها فقد أخذت حقها وإن جحد يحلف فإن نكل فقد صدق وإن أقامت بينة فقد ثبت حقها وإن عجزت يضمن الكفيل أو المرأة وعمل القضاة اليوم على هذا أنه يقضى بالنفقة على الغائب لحاجة الناس وهو مجتهد فيه وفي هذه المسألة أقاويل مرجوع عنها فلم يذكرها.

فصل
"وإذا طلق الرجل امرأته فلها النفقة والسكنى في عدتها رجعيا كان أو بائنا" وقال الشافعي رحمه الله لا نفقة للمبتوتة إلا إذا كانت حاملا أما الرجعى فلأن النكاح بعده قائم لا سيما عندنا فإنه يحل له الوطء وأما البائن فوجه قوله ما روى عن فاطمة بنت قيس قالت طلقني زوجي ثلاثا فلم يفرض لي رسول الله عليه الصلاة والسلام سكنى ولا نفقة ولأنه لا ملك له وهي مرتبة على الملك ولهذا لا تجب للمتوفي عنها زوجها لانعدامه بخلاف ما إذا كانت حاملا لأنا عرفناه بالنص وهو قوله تعالى:
{وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: من الآية6] الآية ولنا أن النفقة جزاءاحتباس على ما ذكرنا والاحتباس قائم في حق حكم مقصود بالنكاح وهو الولد إذ العدة واجبة لصيانة الولد فتجب النفقة ولهذا كان لها السكنى بالإجماع وصار كما إذا كانت حاملا وحديث فاطمة بنت قيس رده عمر رضي الله عنه فإنه قال لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لا ندري صدقت أم كذبت حفظت أم نسبت سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: "للمطلقة الثلاث النفقة والسكنى ما دامت في العدة" ورده أيضا زيد بن ثابت رضي الله عنه وأسامة بن زيد وجابر وعائشة رضي الله عنهم.
"ولا نفقة للمتوفى عنها زوجها" لأن احتباسها ليس لحق الزوج بل لحق الشرع فإن التربص عبادة منها ألا ترى أن معنى التعرف عن براءة الرحم ليس بمراعى فيه حتى لا يشترط فيها الحيض فلا تجب نفقتها عليه ولأن النفقة تجب شيئا فشيئا ولا ملك له بعد الموت فلا يمكن إيجابها في ملك الورثة.
"وكل فرقة جاءت من قبل المرأة بمعصية مثل الردة وتقبيل ابن الزوج فلا نفقة لها" لأنها صارت حابسة نفسها بغير حق فصارت كما إذا كانت ناشزة بخلاف المهر بعد الدخول

 

ج / 2 ص -291-       لأنه وجد التسليم في حق ا لمهر بالوطء وبخلاف ما إذا جاءت الفرقة من قبلها بغير معصية كخيار العتق وخيار البلوغ والتفريق لعدم الكفاءة لأنها حبست نفسها بحق وذلك لا يسقط النفقة كما إذا حبست نفسها لاستيفاء المهر.
"وإن طلقها ثلاثا ثم ارتدت والعياذ بالله سقطت نفقتها وإن مكنت ابن زوجها من نفسها فلها النفقة" معناه مكنت بعد الطلاق لأن الفرقة تثبت بالطلقات الثلاث ولا عمل فيها للردة والتمكين إلا أن المرتدة تحبس حتى تتوب ولا نفقة للمحبوسة والممكنة لا تحبس فلهذا يقع الفرق.

فصل
"ونفقة الأولاد الصغار على الأب لا يشاركه فيها أحد كما لا يشاركه في نفقة الزوجة" لقوله تعالى:
{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233] والمولود له هو الأب "وإن كان الصغير رضيعا فليس على أمه أن ترضعه" لما بينا أن الكفاية على الأب وأجرة الرضاع كالنفقة ولأنها عساها لا تقدر عليه لعذر بها فلا معنى للجبر عليه وقيل في تأويل قوله تعالى: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] بإلزامها الإرضاع مع كراهتها وهذا الذي ذكرنا بيان الحكم وذلك إذا كان يوجد من ترضعه أما إذا كان لا توجد من ترضعه تجبر الأم على الإرضاع صيانة للصبي عن الضياع.
قال: "ويستأجر الأب من ترضعه عندها" أما استئجار الأب فلأن الأجر عليه وقوله عندها معناه إذا أرادت ذلك لأن الحجر لها "وإن استأجرها وهي زوجته أو معتدته لترضع ولدها لم يجز" لأن الإرضاع مستحق عليها ديانة قال الله تعالى:
{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] إلا أنها عذرت لاحتمال عجزها فإذا أقدمت عليه بالأجر ظهرت قدرتها فكان الفعل واجبا عليها فلا يجوز أخذ الآجر عليه وهذا في المعتدة عن طلاق رجعي رواية واحدة لأن النكاح قائم وكذا في المبتوتة في رواية وفي رواية أخر جاز استئجارها لأن النكاح قد زال وجه الأولى أنه باق في حق بعض الأحكام.
"ولو استأجرها وهي منكوحته أو معتدته لإرضاع ابن له من غيرها جاز" لأنه غير مستحق عليها "وإن انقضت عدتها فاستأجرها" يعني لإرضاع ولدها "جاز" لأن النكاح قد زال بالكلية وصارت كالأجنبية "فإن قال الأب لا أستأجرها وجاء بغيرها فرضيت الأم بمثل أجر الأجنبية أو رضيت بغير أجر كانت هي أحق" لأنها أشفق فكان نظرا للصبي في الدفع إليها "وإن التمست زيادة لم يجبر الزوج عليها" دفعا للضرر عنه وإليه الإشارة بقوله تعالى:

 

ج / 2 ص -292-       {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] أي بإلزامه لها أكثر من أجرة الأجنبية.
"ونفقة الصغير واجبة على أبيه وإن خالفه في دينه" كما تجب نفقة الزوجة على الزوج وإن خالفته في دينه أما الولد فلإطلاق ما تلونا ولأنه جزؤه فيكون في معنى نفسه وأما الزوجة فلأن السبب هو العقد الصحيح فإنه بإزاء الاحتباس الثابت به وقد صح العقد بين المسلم والكافرة وترتب عليه الاحتباس فوجبت النفقة وفي جميع ما ذكرنا إنما تجب النفقة على الأب إذا لم يكن للصغير مال أما إذا كان فالأصل أن نفقة الإنسان في مال نفسه صغيرا كان أو كبيرا.

فصل
"وعلى الرجل أن ينفق على أبويه وأجداده وجدته إذا كانوا فقراء وإن خالفوه في دينه"  أما الأبوان فلقوله تعالى:
{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان: من الآية15] نزلت الآية في الأبوين الكافرين وليس من المعروف أن يعيش في نعم الله تعالى ويتركهما يموتان جوعا وأما الأجداد والجدات فلأنهم من الآباء والأمهات ولهذا يقوم الجد مقام الأب عند عدمه ولأنهم سببوا لإحياءه فاستوجبوا عليه الإحياء بمنزلة الأبوين وشرط الفقر لأنه لو كان ذا مال فإيجاب نفقته في ماله أولى من إيجابها في مال غيره ولا يمنع ذلك باختلاف الدين لما تلونا.
"ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين للزوجة والأبوين والأجداد والولد وولد الولد" أما الزوجة فلما ذكرنا أنها واجبة لها بالعقد لاحتباسها لحق له مقصود وهذا يتعلق باتحاد الملة وأما غيرها فلآن الجزئية ثابتة وجزء المرء في معنى نفسه فكما لا يمتنع نفقة نفسه لكفره لا يمتنع نفقة جزئه إلا أنهم إذا كانوا حربيين لا تجب نفقتهم على المسلم وإن كانوا مستأمنين لأنا نهينا عن البر في حق من يقاتلنا في الدين.
"ولا تجب على النصراني نفقة أخيه المسلم وكذا لا تجب على المسلم نفقة أخيه النصراني" لأن النفقة متعلقة بالإرث بالنص بخلاف العتق عند الملك لأنه متعلق بالقرابة والمحرمية بالحديث ولأن القرابة موجبة للصلة ومع الاتفاق في الدين آكد ودوام ملك اليمين أعلى في القطيعة من حرمان النفقة فاعتبرنا في الأعلى أصل العلة وفي الأدنى العلة المؤكدة فلهذا افترقا "ولا يشارك الولد في نفقة أبويه أحد" لأن لهما تأويلا في مال الولد بالنص ولا تأويل لهما في مال غيره ولأنه أقرب الناس إليهما فكان أولى باستحقاق نفقتهما

 

ج / 2 ص -293-       عليه وهي على الذكور والإناث بالسوية في ظاهر الرواية وهو الصحيح لآن المعنى يشملهما.
"والنفقة لكل ذي رحم محرم إذا كان صغيرا فقيرا أو كانت امرأة بالغة فقيرة أو كان ذكرا بالغا فقيرا زمنا أو أعمى" لأن الصلة في القرابة القريبة واجبة دون البعيدة والفاصل أن يكون ذا رحم محرم وقد قال الله تعالى:
{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] وفي قراءة عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك ثم لا بد من الحاجة والصغر والأنوثة والزمانة والعمى أمارة الحاجة لتحقق العجز فإن القادر على الكسب غني بكسبه بخلاف الأبوين لأنه يلحقهما تعب الكسب والولد مأمور بدفع الضرر عنهما فتجب نفقتهما مع قدرتهما على الكسب.
قال: "ويجب ذلك على مقدار الميراث ويجبر عليه" لأن التنصيص على الوارث تنبيه على اعتبار المقدار ولأن الغرم بالغنم والجبر لإيفاء حق مستحق.
قال: "وتجب نفقة الابنة البالغة والابن الزمن على أبويه أثلاثا على الأب الثلثان وعلى الأم الثلث" لأن الميراث لهما على هذا المقدار قال العبد الضعيف هذا الذي ذكره رواية الخصاف والحسن رحمه الله وفي ظاهر الرواية كل النفقة على الأب لقوله تعالى:
{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] وصار كالولد الصغير ووجه الفرق على الرواية الأولى أنه اجتمعت للأب في الصغير ولاية ومؤنة حتى وجبت عليه صدقة فطره فاختص بنفقته ولا كذلك الكبير لانعدام الولاية فيه فتشاركه الأم وفي غير الوالد يعتبر قدر الميراث حتى تكون نفقة الصغير على الأم والجد أثلاثا ونفقة الأخ المعسر على الأخوات المتفرقات الموسرات أخماسا على قدر الميراث غير أن المعتبر أهلية الإرث في الجملة لا إحرازه فإن المعسر إذا كان له خال وابن عم تكون نفقته على خاله وميراثه يحرزه ابن عمه "ولا تجب نفقتهم مع اختلاف الدين" لبطلان أهلية الإرث ولا بد من اعتباره "ولا تجب على الفقير" لأنها تجب صلة وهو يستحقها على غيره فكيف تستحق عليه بخلاف نفقة الزوجة وولده الصغير لأنه التزمها بالإقدام على العقد إذا المصالح لا تنتظم دونها ولا يعمل في مثلها الإعسار ثم اليسار مقدر بالنصاب فيما روي عن أبي يوسف وعن محمد رحمه الله أنه قدره بما يفضل على نفقة نفسه وعياله شهرا أو بما يفضل على ذلك من كسبه الدائم كل يوم لأن المعتبر في حقوق العباد إنما هو القدرة دون النصاب فإنه للتيسير والفتوى على الأول لكن النصاب نصاب حرمان الصدقة.

 

ج / 2 ص -294-       "وإذا كان للابن الغائب مال قضى فيه بنفقة أبويه" وقد بينا الوجه فيه.
"وإذا باع أبوه متاعه في نفقته جاز" عند أبي حنيفة رحمه الله وهذا استحسان "وإن باع العقار لم يجز" وفي قولهما لا يجوز في ذلك كله وهو القياس لأنه لا ولاية له لانقطاعها بالبلوغ ولهذا لا يملك في حال حضرته ولا يملك البيع في دين له سوى النفقة وكذا لا تملك الأم في النفقة ولأبي حنيفة رحمه الله أن للأب ولاية الحفظ في مال الغائب ألا ترى أن للوصي ذلك فالأب أولى لوفور شفقته وبيع ا لمنقول من باب الحفظ ولا كذلك العقار لأنها محصنة بنفسها وبخلاف غير الأب من الأقارب لأنه لا ولاية لهم أصلا في التصرف حالة الصغر ولا في الحفظ بعد الكبر وإذا جاز بيع الأب والثمن من جنس حقه وهو النفقة فله الاستيفاء منه كما لو باع العقار والمنقول على الصغير جاز لكمال الولاية ثم له أن يأخذ منه بنفقته لأنه من جنس حقه "وإن كان للابن الغائب مال في يد أبويه وأنفقا منه لم يضمنا" لأنهما استوفيا حقهما لأن نفقتهما واجبة قبل القضاء على ما مر وقد أخذا جنس الحق "وإن كان له مال في يد أجنبي فأنفق عليهما بغير إذن القاضي ضمن" لأنه تصرف في مال الغير بغير ولاية لأنه نائب في الحفظ لا غير بخلاف ما إذا أمره القاضي لأن أمره ملزم لعموم ولايته وإذا ضمن لا يرجع على القابض لأنه ملكه بالضمان فظهر أنه كان متبرعا به.
"وإذا قضى القاضي للولد والوالدين وذوي الأرحام بالنفقة فمضت مدة سقطت" لأن نفقة هؤلاء تجب كفاية للحاجة حتى لا تجب مع اليسار وقد حصلت بمضي المدة بخلاف نفقة الزوجة إذا قضى بها القاضي لأنها تجب مع يسارها فلا تسقط بحصول الاستغناء فيما مضى.
قال: "إلا أن يأذن القاضي بالاستدانة عليه" لأن القاضي له ولاية عامة فصار إذنه كأمر الغائب فيصير دينا في ذمته فلا تسقط بمضي المدة والله تعالى أعلم بالصواب.

فصل
"وعلى المولى أن ينفق على أمته وعبده" لقوله عليه الصلاة والسلام في المماليك: "
إنهم إخوانكم جعلهم الله تعالى تحت أيديكم أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون ولا تعذبوا عباد الله" "فإن امتنع وكان لهما كسب اكتسبا وأنفقا" لأن فيه نظرا للجانبين حتى يبقى المملوك حيا ويبقى في ملك المالك "وإن لم يكن لهما كسب" بأن كان عبدا زمنا أو جارية لا يؤاجر مثلها "أجبر المولى على بيعهما" لأنهما من أهل الاستحقاق، وفي البيع

 

ج / 2 ص -295-       إيفاء حقهما وإيفاء حق المولى بالخلف بخلاف نفقة الزوجة لأنها تصير دينا فكان تأخيرا على ما ذكرنا ونفقة المملوك لا تصير دينا فكان إبطالا وبخلاف سائر الحيوانات لأنها ليست من أهل الاستحقاق فلا يجبر على نفقتها إلا أنه يؤمر به فيما بينه وبين الله تعالى لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن تعذيب الحيوان وفيه ذلك ونهى عن إضاعة المال وفيه إضاعته وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يجبر والأصح ما قلنا والله أعلم.