الهداية في شرح بداية المبتدي

ج / 2 ص -296-       كتاب العتاق
"الإعتاق تصرف مندوب إليه قال عليه الصلاة والسلام: "
أيما مسلم أعتق مؤمنا أعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار"" ولهذا استحبوا أن يعتق الرجل العبد والمرأة الأمة ليتحقق مقابلة الأعضاء بالأعضاء.
قال رضي الله عنه: "العتق يصح من الحر البالغ العاقل في ملكه" شرط الحرية لأن العتق لا يصح إلا في الملك ولا ملك للمملوك والبلوغ لأن الصبي ليس من أهله لكونه ضررا ظاهرا ولهذا لا يملكه الولي عليه والعقل لأن المجنون ليس بأهل للتصرف ولهذا لو قال البالغ أعتقت وأنا صبي فالقول قوله وكذا إذا قال المعتق أعتقت وأنا مجنون وجنونه كان ظاهرا لوجود الإسناد إلى حالة منافية وكذا لو قال الصبي كل مملوك أملكه فهو حر إذا احتلمت لا يصح لأنه ليس بأهل لقول ملزم ولا بد أن يكون العبد في ملكه حتى لو أعتق عبد غيره لا ينفذ عتقه لقوله عليه الصلاة والسلام: "
لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم".
"وإذا قال لعبده أو أمته أنت حر أو معتق أو عتيق أو محرر أو قد حررتك أو قد أعتقتك فقد عتق نوى به العتق أو لم ينو" لأن هذه الألفاظ صريحة فيه لأنها مستعملة فيه شرعا وعرفا فأغنى ذلك عن النية والوضع وإن كان في الإخبار فقد جعل إنشاء في التصرفات الشرعية للحاجة كما في الطلاق والبيع وغيرهما.
"ولو قال عنيت به الإخبار الباطل أو أنه حر من العمل صدق ديانة" لأنه يحتمله "ولا يدين قضاء" لأنه خلاف الظاهر "ولو قال له يا حر يا عتيق يعتق" لأنه نداء بما هو صريح في العتق وهو لاستحضار المنادى بالوصف المذكور هذا هو حقيقته فيقتضى تحقق الوصف فيه وأنه يثبت من جهته فيقضى بثبوته تصديقا له فيما أخبر وسنقرره من بعد إن شاء الله تعالى إلا إذا سماه حرا ثم ناداه يا حر لأن مراده الإعلام باسم علمه وهو ما لقبه به ولو ناداه بالفارسية ياآزاد وقد لقبه بالحر قالوا يعتق وكذا عكسه لأنه ليس بنداء باسم علمه فيعتبر إخبارا عن الوصف "وكذا لو قال رأسك حر أو جهك أو رقبتك أو بدنك أو قال

 

ج / 2 ص -297-       لأمته فرجك حر" لأن هذه الألفاظ يعبر بها عن جميع البدن وقد مر في الطلاق "وإن أضافه إلى جزء شائع يقع في ذلك الجزء" وسيأتيك الاختلاف فيه إن شاء الله تعالى وإن أضافه إلى جزء معين لا يعبر به عن الجملة كاليد والرجل لا يقع عندنا خلافا للشافعي رحمه الله والكلام فيه كالكلام في الطلاق وقد بيناه.
"ولو قال لا ملك لي عليك ونوى به الحرية عتق وإن لم ينو لم يعتق" لأنه يحتمل أنه أراد لا ملك لي عليك لأني بعتك ويحتمل لأن أعتقتك فلا يتعين أحدهما مرادا إلا بالنية قال رضي الله عنه "وكذا كنايات العتق" وذلك مثل قوله خرجت من ملكي ولا سبيل لي عليك ولا رق لي عليك وقد خليت سبيلك لأنه يحتمل نفي السبيل والخروج عن الملك وتخلية السبيل بالبيع أو الكتابة كما يحتمل بالعتق فلا بد من النية وكذا قوله لأمته قد أطلقنك لأنه بمنزلة قوله قد خليت سبيلك وهو المروي عن أبي يوسف رحمه الله بخلاف قوله طلقتك على ما نبين من بعد إن شاء الله تعالى.
"ولو قال لا سلطان لي عليك ونوى العتق لم يعتق" لأن السلطان عبارة عن اليد وسمى السلطان به لقيام يده وقد بقي الملك دون اليد كما في المكاتب بخلاف قوله لا سبيل لي عليك لأن نفيه مطلقا بانتفاء الملك لأن للمولى على المكاتب سبيلا فلهذا يحتمل العتق.
"ولو قال هذا ابني وثبت على ذلك عتق" ومعنى المسألة إذا كان يولد مثله لمثله فإن كان لا يولد مثله لمثله ذكره بعد هذا ثم إن لم يكن للعبد نسب معروف يثبت نسبه منه لأن ولاية الدعوة بالملك ثابتة والعبد محتاج إلى النسب فيثبت نسبه منه وإذا ثبت عتق لأنه يستند النسب إلى وقت العلوق وإن كان له نسب معروف لا يثبت نسبه منه للتعذر ويعتق إعمالا للفظ في مجازه عند تعذر إعماله بحقيقته ووجه المجاز نذكره من بعد إن شاء الله تعالى.
"ولو قال هذا مولاي أو يا مولاي عتق" أما الأول فلأن اسم المولى وإن كان ينتظم الناصر وابن العم والموالاة في الدين والأعلى والأسفر في العتاقة إلا أنه تعين الأسفل فصار كاسم خاص له وهذا لأن المولى لا يستنصر بمملوكه عادة وللعبد نسب معروف فانتفى الأول والثاني والثالث نوع مجاز والكلام للحقيقة والإضافة إلى العبد تنافي كونه معتقا فتعين المولى الأسفل فالتحق بالصريح وكذا إذا قال لأمته هذه مولاتي لما بينا ولو قال عنيت به المولى في الدين أو الكذب يصدق فيما بينه وبين الله تعالى ولا يصدق في القضاء

 

ج / 2 ص -298-       لمخالفته الظاهر وأما الثاني فلأنه لما تعين الأسفل مرادا التحق بالصريح وبالنداء باللفظ الصريح يعتق بأن قال يا حر يا عتيق فكذا النداء بهذا اللفظ وقال زفر رحمه الله لا يعتق في الثاني لأنه يقصد به الإكرام بمنزلة قوله يا سيدي يا مالكي قلنا الكلام لحقيقته وقد أمكن العمل به بخلاف ما ذكره لأنه ليس فيه ما يختص بالعتق فكان إكراما محضا.
"ولو قال يا ابني أو يا أخي لم يعتق" لأن النداء لإعلام المنادي إلا أنه إذا كان بوصف يمكن إثباته من جهته كان لتحقيق ذلك الوصف في المنادى استحضارا له بالوصف المخصوص كما في قوله يا حر على ما بيناه وإذا كان النداء بوصف لا يمكن إثباته من جهته كان للإعلام المجرد دون تحقيق الوصف فيه لتعذره والبنوة لا يمكن إثباتها حالة النداء من جهته لأنه لو انخلق من ماء غيره لا يكون ابنا له بهذا النداء فكان لمجرد الإعلام ويروى عن أبي حنيفة رحمه الله شاذا أنه يعتق فيهما والاعتماد على الظاهر.
"ولو قال يا ابن لا يعتق" لأن الأمر كما أخبر فإنه ابن أبيه "وكذا إذا قال يا بني أو يا بنية" لأنه تصغير للابن والبنت من غير إضافة والأمر كما أخبر "وإن قال لغلام لا يولد مثله لمثله هذا ابني عتق عند أبي حنيفة رحمه الله" وقالا لا يعتق وهو قول الشافعي رحمه الله لهم أنه كلام محال الحقيقة فيرد ويلغو كقوله أعتقتك قبل أن أخلق أو قبل أن تخلق ولأبي حنيفة رحمه الله أنه كلام محال بحقيقته لكنه صحيح بمجازه لأنه إخبار عن حريته من حين ملكه وهذا لأن البنوة في المملوك سبب لحريته إما إجماعا أو صلة للقرابة وإطلاق السبب وإرادة المسبب مستجاز في اللغة تجوزا ولأن الحرية ملازمة للبنوة في المملوك والمشابهة في وصف ملازم من طرق المجاز على ما عرف فيحمل عليه تحرزا عن الإلغاء بخلاف ما استشهد به لأنه لا وجه له في المجاز فتعين الإلغاء وهذا بخلاف ما إذا قال لغيره قطعت يدك فأخرجهما صحيحتين حيث لم يجعل مجازا عن الإقرار بالمال والتزامه وإن كان القطع سببا لوجوب المال لأن القطع خطأ سببا لوجوب مال مخصوص وهو الأرش وهو يخالف مطلق المال في الوصف حتى وجب على العاقلة في سنتين ولا يمكن إثباته بدون القطع وما أمكن إثباته فالقطع ليس بسبب له أما الحرية فلا تختلف ذاتا وحكما فأمكن جعله مجازا عنه.
ولو قال: هذا أبي أو أمي ومثله لا يولد لمثلهما فهو على الخلاف لما بينا ولو قال لصبي صغير هذا جدي قيل هو على الخلاف وقيل لا يعتق بالإجماع لأن هذا الكلام لا موجب له في الملك إلا بواسطة وهو الأب وهي غير ثابتة في كلامه فتعذر أن يجعل مجازا عن الموجب بخلاف الأبوة والبنوة لأن لهما موجبا في الملك من غير واسطة. ولو

 

ج / 2 ص -299-       قال هذا أخي لا يعتق في ظاهر الرواية وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه يعتق ووجه الروايتين ما بيناه ولو قال لعبده هذا ابنتي فقد قيل على الخلاف وقيل هو بالإجماع لأن المشار إليه ليس من جنس المسمى فتعلق الحكم بالمسمى وهو معدوم فلا يعتبر وقد حققناه في النكاح "وإن قال لأمته أنت طالق أو بائن أو تخمري ونوى به العتق لم تعتق" وقال الشافعي رحمه الله تعتق إذا نوى وكذا على هذا الخلاف سائر ألفاظ الصريح والكناية على ما قال مشايخهم رحمه الله له أنه نوى ما يحتمله لفظه لأن بين الملكين موافقة إذ كل واحد منهما ملك العين أما ملك اليمين فظاهر وكذا ملك النكاح في حكم ملك العين حتى كان التأبيد من شرطه والتأقيت مبطلا له وعمل اللفظين في إسقاط ما هو حقه وهو الملك ولهذا يصح التعليق فيه بالشرط.
أما الأحكام فتثبت لسبب سابق وهو كونه مكلف ولهذا يصلح لفظه العتق والتحرير كناية عن الطلاق فكذا عكسه ولنا أنه نوى مالا يحتمله لفظه لأن الإعتاق لغة إثبات القوة والطلاق رفع القيد وهذا لأن العبد ألحق بالجمادات وبالإعتاق يحيا فيقدر ولا كذلك المنكوحة فإنها قادرة إلا أن قيد النكاح مانع وبالطلاق يرتفع المانع فتظهر القوة ولا خفاء أن الأول أقوى ولأن ملك اليمين فوق ملك النكاح فكان إسقاطه أقوى واللفظ يصلح مجازا عما هو دون حقيقته لا عما هو فوقه فلهذا امتنع في المتنازع فيه وانساغ في عكسه.
"وإذا قال لعبده أنت مثل الحر لم يعتق" لأن المثل يستعمل للمشاركة في بعض المعاني عرفا فوقع الشك في الحرية "ولو قال ما أنت إلا حر عتق" لأن الاستثناء من النفي إثبات على وجه التأكيد كما في كلمة الشهادة "ولو قال رأسك رأس حر لا يعتق" لأنه تشبيه بحذف حرفه "ولو قال رأسك رأس حر عتق" لأنه إثبات الحرية فيه إذ الرأس يعبر به عن جمع البدن.

فصل
"ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه" وهذا اللفظ مروي عن النبي عليه الصلاة والسلام وقال عليه الصلاة والسلام: "
من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر" واللفظ بعمومه ينتظم كل قرابة مؤبدة بالمحرمية ولادا أو غيره والشافعي رحمه الله يخالفنا في غيره له أن ثبوت العتق من غير مرضاة المالك ينفيه القياس أولا يقتضيه والأخوة وما يضاهيها نازلة عن قرابة الولاد فامتنع الإلحاق أو الاستدلال به ولهذا امتنع التكاتب على المكاتب في

 

ج / 2 ص -300-       غير الولاد ولم يمتنع فيه ولنا ما روينا ولأنه ملك قريبه قرابة مؤثرة في المحرمية فيعتق عليه وهذا هو المؤثر في الأصل والولاد ملغي لأنها هي التي يفترض وصلها ويحرم قطعها حتى وجبت النفقة وحرم النكاح ولا فرق بين ما إذا كان المالك مسلما أو كافرا في دار الإسلام لعموم العلة والمكاتب إذا اشترى أخاه ومن يجري مجراه لا يتكاتب عليه لأنه ليس له ملك تام يقدره على الإعتاق والافتراض عند القدرة بخلاف الولاد لأن العتق فيه من مقاصد الكتابة فامتنع البيع فيعتق تحقيقا لمقصود العقد وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه يتكاتب على الأخ أيضا وهو قولهما فلنا أن نمنع وهذا بخلاف ما إذا ملك ابنة عمه وهي أخته من الرضاع لأن المحرمية ما ثبتت بالقرابة والصبي جعل أهلا لهذا العتق وكذا المجنون حتى عتق القريب عليهما عند الملك لأنه تعلق به حق العبد فشابه النفقة.
"ومن أعتق عبدا لوجه الله تعالى أو للشيطان أو للصنم عتق" لوجود ركن الإعتاق من أهله في محله ووصف القربة في اللفظ الأول زيادة فلا يختل العتق بعدمه في اللفظين الآخرين.
"وعتق المكره والسكران واقع" لصدور الركن من الأهل في المحل كما في الطلاق وقد بيناه من قبل "وإن أضاف العتق إلى ملك أو شرط صح كما في الطلاق" أما الإضافة إلى الملك ففيه خلاف الشافعي رحمه الله وقد بيناه في كتاب الطلاق وأما التعليق بالشرط فلأنه إسقاط فيجري فيه التعليق بخلاف التمليكات على ما عرف في موضعه.
"وإذا خرج عبد الحربي إلينا مسلما عتق" لقوله عليه الصلاة والسلام في عبيد الطائف حين خرجوا إليه مسلمين: "
هم عتقاء الله تعالى" ولأنه أحرز نفسه وهو مسلم ولا استرقاق على المسلم ابتداء "وإن أعتق حاملا عتق حملها تبعا لها" إذ هو متصل بها.
"ولو أعتق الحمل خاصة عتق دونها" لأنه لا وجه إلى إعتاقها مقصودا لعدم الإضافة إليها ولا إليه تبعا لما فيه من قلب الموضوع ثم إعتاق الحمل صحيح ولا يصح بيعه وهبته لأن التسليم نفسه شرط في الهبة والقدرة عليه في البيع ولم يوجد ذلك بالإضافة إلى الجنين وشيء من ذلك ليس بشرط في الإعتاق فافترقا "ولو أعتق الحمل على مال صح ولا يجب المال" إذ لا وجه إلى إلزام المال على الجنين لعدم الولاية عليه ولا إلى إلزامه الأم لأنه في حق العتق نفس على حدة واشتراط بدل العتق على غير المعتق لا يجوز على ما مر في الخلع وإنما يعرف قيام الحبل وقت العتق إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر منه لأنه أدنى مدة الحمل.

 

 

ج / 2 ص -301-       قال: "وولد الأمة من مولاها حر" لأنه مخلوق من مائه فيعتق عليه هذا هو الأصل ولا معارض له فيه لأن ولد الأمة لمولاها "وولدها من زوجها مملوك لسيدها" لترجح جانب الأم باعتبار الحضانة أو لاستهلاك مائه بمائها والمنافاة متحققة والزوج قد رضي به بخلاف ولد المغرور لأن الوالد ما رضي به "وولد الحرة حر على كل حال" لأن جانبها راجح فيتبعها في وصف الحرية كما يتبعها في المملوكية والمرقوقية والتدبير وأمومية الولد والكتابة والله تعالى أعلم.

باب العبد يعتق بعضه
"وإذا أعتق المولى بعض عبده عتق ذلك القدر ويسعى في بقية قيمته لمولاه عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا يعتق كله" وأصله أن الإعتاق يتجزأ عنده فيقتصر على ما أعتق وعندهما لا يتجزأ وهو قول الشافعي رحمه الله فإضافته إلى ا لبعض كإضافته إلى الكل فلهذا يعتق كله لهم أن الإعتاق إثبات العتق وهو قوة حكمية وإثباتها بإزالة ضدها وهو الرق الذي هو ضعف حكمي وهما لا يتجزآن فصار كالطلاق والعفو عن القصاص والاستيلاد ولأبي حنيفة رحمه الله أن الإعتاق إثبات العتق بإزالة الملك أو هو إزالة الملك لأن الملك حقه والرق حق الشرع أو حق العامة وحكم التصرف ما يدخل تحت ولاية المتصرف وهو إزالة حقه لا حق غيره.
والأصل أن التصرف يقتصر على موضع الإضافة والتعدي إلى ما وراءه ضرورة عدم التجزي والملك متجزي كما في البيع والهبة فيبقى على الأصل وتجب السعاية لاحتباس مالية البعض عند العبد والمستسعي بمنزلة المكاتب عنده لأن الإضافة إلى البعض توجب ثبوت المالكية في كله وبقاء الملك في بعضه يمنعه فعملنا بالدليلين بإنزاله مكاتبا إذ هو مالك يدا لا رقبة والسعاية كبدل الكتابة فله أن يستسعيه وله خيار أن يعتقه لأن المكاتب قابل للإعتاق غير أنه إذا عجز لا يرد إلى الرق لأنه إسقاط لا إلى أحد فلا يقبل الفسخ بخلاف الكتابة المقصودة لأنه عقد يقال ويفسخ وليس في الطلاق والعفو عن القصاص حالة متوسطة فأثبتناه في الكل ترجيحا للمحرم والاستيلاد متجزي عنده حتى لو استولد نصيبه من مدبرة يقتصر عليه وفي القنة لما ضمن نصيب صاحبه بالإفساد ملكه بالضمان فكمل الاستيلاد.
"وإذا كان العبد بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه عتق فإن كان موسرا فشريكه بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء ضمن شريكه قيمة نصيبه وإن شاء استسعى العبد فإن ضمن

 

ج / 2 ص -302-       رجع المعتق على العبد والولاء للمعتق وإن أعتق أو استسعى فالولاء بينهما وإن كان المعتق معسرا فالشريك بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء استسعى العبد والولاء بينهما في بينهما في الوجهين وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا ليس له إلا الضمان مع اليسار والسعاية مع الإعسار ولا يرجع المعتق على العبد والولاء للمعتق"
وهذه المسئلة تبتني على حرفين:
أحدهما: تجزي الإعتاق وعدمه على ما بيناه.
والثاني: أن يسار المعتق لا يمنع سعاية العبد عنده وعندهما يمنع لهما في الثاني قوله عليه الصلاة والسلام في الرجل يعتق نصيبه إن كان غنيا ضمن وإن كان فقيرا سعى في حصة الآخر قسم والقسمة تنافي الشركة وله أنه احتبست مالية نصيبه عند العبد فله أن يضمنه كما إذا هبت الريح في ثوب إنسان وألقته في صبغ غيره حتى انصبغ به فعلى صاحب الثوب قيمة صبغ الاخر موسرا كان أو معسرا لما قلنا فكذا ههنا إلا أن العبد فقير فيستسعيه ثم المعتبر يسار التيسير وهو أن يملك من المال قدر قيمة نصيب الآخر لإيسار الغني لأن به يعتدل النظر من الجانبين بتحقيق ما قصده المعتق من القربة وإيصال بدل حق الساكت إليه ثم التخريج على قولهما ظاهر فعدم رجوع المعتق بما ضمن على العبد لعدم السعاية عليه في حالة اليسار والولاء للمعتق لأن العتق كله من جهته لعدم التجزي.
وأما التخريج على قوله: فخيار الإعتاق لقيام ملكه في الباقي إذ الإعتاق يتجزأ عنده والتضمين لأن المعتق جان عليه بإفساد نصيبه حيث امتنع عليه البيع والهبة ونحو ذلك مما سوى الإعتاق وتوابعه والاستسعاء لما بينا ويرجع المعتق بما ضمن على العبد لأنه قام مقام الساكت بأداء الضمان وقد كان له ذلك بالاستسعاء فكذلك للمعتق ولأنه ملكه بأداء الضمان ضمنا فيصير كأن الكل له وقد أعتق بعضه فله أن يعتق الباقي أو يستسعي إن شاء والولاء للمعتق في هذا الوجه لأن العتق كله من جهته حيث ملكه بأداء الضمان وفي حال إعسار المعتق إن شاء أعتق لبقاء ملكه وإن شاء استسعى لما بينا والولاء له في الوجهين لأن العتق من جهته ولا يرجع المستسعي على المعتق بما أدى بإجماع بيننا لأنه يسعى لفكاك رقبته أولا يقضي دينا على المعتق إذ لا شيء عليه لعسرته بخلاف المرهون إذا أعتقه الراهن المعسر لأنه يسعى في رقبة قد فكت أو يقضي دينا على الراهن فلهذا يرجع عليه.
وقول الشافعي رحمه الله في الموسر كقولهما وقال في المعسر يبقى نصيب الساكت على

 

ج / 2 ص -303-       ملكه يباع ويوهب لأنه لا وجه إلى تضمين الشريك لإعساره ولا إلى السعاية لأن العبد ليس بجان ولا راض به ولا إلى إعتاق الكل للإضرار بالساكت فتعين ما عيناه قلنا إلى الاستسعاء سبيل لأنه لا يفتقر إلى الجناية بل تبتني السعاية على احتباس المالية فلا يصار إلى الجمع بين القوة الموجبة للمالكية والضعف السالب لها في شخص واحد.
قال: "ولو شهد كل واحد من الشريكين على صاحبه بالعتق سعى العبد لكل واحد منهما في نصيبه موسرين كانا أو معسرين عند أبي حنيفة رحمه الله" وكذا إذا كان أحدهما موسرا والآخر معسرا لأن كل واحد منهما يزعم أن صاحبه أعتق نصيبه فصار مكاتبا في زعمه عنده وحرم عليه الاسترقاق فيصدق في حق نفسه فيمنع من استرقاقه ويستسعيه لأنا تيقنا بحق الاستسعاء كاذبا كان أو صادقا لأنه مكاتبه أو مملوكه فلهذا يستسعيانه ولا يختلف ذلك باليسار والإعسار لأن حقه في الحالين في أحد شيئين لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده وقد تعذر التضمين لإنكار الشريك فتعين الآخر وهو السعاية والولاء لهما لأن كلا منهما يقول عتق نصيب صاحبي عليه بإعتاقه وولاؤه له وعتق نصيبي بالسعاية وولاؤه لي "وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله إن كانا موسرين فلا سعاية عليه" لأن كل واحد منهما يتبرأ عن سعايته بدعوى العتاق على صاحبه لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما إلا أن الدعوى لم تثبت لإنكار الآخر والبراءة عن السعاية قد ثبتت لإقراره على نفسه "وإن كانا معسرين سعى لهما" لأن كل واحد منهما يدعي السعاية عليه صادقا كان أو كاذبا على ما بيناه إذ المعتق معسر "وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا سعى للموسر منهما" لأنه لا يدعي الضمان على صاحبه لإعساره وإنما يدعي عليه السعاية فلا يتبرأ عنه "ولا يسعى للمعسر منهما" لأنه يدعي الضمان على صاحبه ليساره فيكون مبرئا للعبد عن السعاية والولاء موقوف في جميع ذلك عندهما لأن كل واحد منهما يحيله على صاحبه وهو يتبرأعنه فيبقى موقوفا إلى أن يتفقا على إعتاق أحدهما.
"ولو قال أحد الشريكين إن لم يدخل فلان هذه الدار غدا فهو حر وقال الآخر إن دخل فهو حر فمضى الغد ولا يدري أدخل أم لا عتق النصف وسعى لهما في النصف الآخر وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله يسعى في جميع قيمته" لأن المقضي عليه بسقوط السعاية مجهول ولا يمكن القضاء على المجهول فصار كما إذا قال لغيره لك على أحدنا ألف درهم فإنه لا يقضي بشيء للجهالة كذا هذا ولهما أنا تيقنا بسقوط نصف السعاية لأن أحدهما حانث بيقين ومع التيقن بسقوط النصف كيف يقضي بوجوب الكل والجهالة ترتفع بالشيوع والتوزيع كما إذا أعتق أحد عبديه لا بعينه أو بعينه

 

ج / 2 ص -304-       ونسيه ومات قبل التذكر أو البيان ويتأتى التفريع فيه على أن اليسار هل يمنع السعاية أو لا يمنعها على الاختلاف الذي سبق.
"ولو حلفا على عبدين كل واحد منهما لأحدهما بعينه لم يعتق واحد منهما" لأن المقضي عليه بالعتق مجهول وكذلك المقضي له فتفاحشت الجهالة فامتنع القضاء وفي العبد الواحد المقضي له والمقضي به معلوم فغلب المعلوم المجهول.
"وإذا اشترى الرجلان ابن أحدهما عتق نصيب الأب" لأنه ملك شقص قريبه وشراؤه إعتاق على ما مر "ولا ضمان عليه" علم الآخر أنه ابن شريكه أو لم يعلم "وكذا إذا ورثاه والشريك بالخيار إن شاء أعتق نصيبه وإن شاء استسعى العبد" وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا في الشراء يضمن الأب نصف قيمته إن كان موسرا وإن كان معسرا سعى الابن في نصف قيمته لشريك أبيه وعلى هذا الخلاف إذا ملكاه بهبة أو صدقة أو وصية وعلى هذا إذا اشتراه رجلان وأحدهما قد حلف بعتقه إن اشترى نصفه لهما أنه أبطل نصيب صاحبه بالإعتاق لأن شراء القريب إعتاق وصار هذا كما إذا كان العبد بين أجنبيين فأعتق أحدهما نصيبه وله أنه رضي بإفساد نصيبه فلا يضمنه كما إذا أذن له بإعتاق نصيبه صريحا ودلالة ذلك أنه شاركه فيما هو علة العتق وهو الشراء لأن شراء القريب إعتاق حتى يخرج به عن عهدة الكفارة عندنا وهذا ضمان إفساد في ظاهر قولهما حتى يختلف باليسار والإعسار فيسقط بالرضا ولا يختلف الجواب بين العلم وعدمه وهو ظاهر الرواية عنه لأن الحكم يدار على السبب كما إذا قال لغيره كل هذا الطعام وهو مملوك للآمر ولا يعلم الآمر بملكه "وإن بدأ الأجنبي فاشترى نصفه ثم اشترى الأب نصفه الآخر وهو موسر فالأجنبي بالخيار إن شاء ضمن الأب" لأنه ما رضي بإفساد نصيبه "وإن شاء استسعى الابن في نصف قيمته" لاحتباس ماليته عنده "وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله" لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده وقالا لا خيار له ويضمن الأب نصف قيمته لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما.
"ومن اشترى نصف ابنه وهو موسر فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا يضمن إذا كان موسرا" ومعناه: إذا اشترى نصفه ممن يملك كله فلا يضمن لبائعه شيئا عنده والوجه قد ذكرناه.
"وإذا كان العبد بين ثلاثة نفر فدبره أحدهم وهو موسر ثم أعتقه الآخر وهو موسر فأرادوا الضمان فللساكت أن يضمن المدبر ثلث قيمته قنا ولا يضمن المعتق وللمدبر أن يضمن المعتق ثلث قيمته مدبرا ولا يضمنه الثلث الذي ضمن وهذا عند

 

ج / 2 ص -305-       أبي حنيفة رحمه الله وقالا العبد كله للذي دبره أول مرة ويضمن ثلثي قيمته لشريكيه موسرا كان أو معسرا".
وأصل هذا أن التدبير يتجزأ عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا لهما كالإعتاق لأنه شعبة من شعبه فيكون معتبرا به ولما كان متجزئا عنده اقتصر على نصيبه وقد أفسد بالتدبير نصيب الآخرين فلكل واحد منهما أن يدبر نصيبه أو يعتق أو يكاتب أو يضمن المدبر أو يستسعي العبد أو يتركه على حاله لأن نصيبه باق على ملكه فاسدا بإفساد شريكه حيث سد عليه طرق الانتفاع به بيعا وهبة على ما مر فإذا اختار أحدهما العتق تعين حقه فيه وسقط اختياره غيره فتوجه للساكت سببا ضمان تدبير المدبر وإعتاق هذا المعتق غير أن له أن يضمن المدبر ليكون الضمان ضمان معاوضة إذ هو الأصل حتى جعل الغضب ضمان معاوضة على أصلنا وأمكن ذلك في التدبير لكونه قابلا للنقل من ملك إلى ملك وقت التدبير ولا يمكن ذلك في الإعتاق لأنه عند ذلك مكاتب أو حر على اختلاف الأصلين ولا بد من رضا المكاتب بفسخه حتى يقبل الانتقال فلهذا يضمن المدبر ثم للمدبر أن يضمن المعتق ثلث قيمته مدبرا لأنه أفسد عليه نصيبه مدبرا والضمان يتقدر بقيمة المتلف وقيمة المدبر ثلثا قيمته قنا على ما قالوا ولا يضمنه قيمة ما ملكه بالضمان من جهة الساكت لأن ملكه يثبت مستندا وهذا ثابت من وجه دون وجه فلا يظهر في حق التضمين والولاء بين المعتق والمدبر أثلاثا ثلثاه للمدبر والثلث للمعتق لأن العبد عتق على ملكهما على هذا المقدار وإذا لم يكن التدبير متجزئا عندهما صار كله مدبرا للمدبر وقد أفسد نصيب شريكيه لما بينا فيضمنه ولا يختلف باليسار والإعسار لأنه ضمان تملك فأشبه الاستيلاد بخلاف الإعتاق لأنه ضمان جناية والولاء كله للمدبر وهذا ظاهر.
قال: "وإذا كانت جارية بين رجلين زعم أحدهما أنها أم ولد لصاحبه وأنكر ذلك الآخر فهي موقوفة يوما ويوما تخدم المنكر عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا إن شاء المنكر استسعى الجارية في نصف قيمتها ثم تكون حرة لا سبيل عليها".
لهما أنه لما لم يصدقه صاحبه انقلب إقرار المقر عليه كأنه استولدها فصار كما إذا أقر المشتري على البائع أنه أعتق المبيع قبل البيع يجعل كأنه أعتق كذا هذا فتمتنع الخدمة ونصيب المنكر على ملكه في الحكم فتخرج إلى الإعتاق بالسعاية كأم ولد النصراني إذا أسلمت ولأبي حنيفة رحمه الله أن المقر لو صدق كانت الخدمة كلها للمنكر ولو كذب كان له نصف الخدمة فيثبت ما هو المتيقن به وهو النصف ولا خدمة للشريك الشاهد ولا استسعاء لأنه يتبرأعن جميع ذلك بدعوى الاستيلاد والضمان والإقرار بأمومية الولد

 

ج / 2 ص -306-       يتضمن الإقرار بالنسب وهذا أمر لازم لا يرتد بالرد فلا يمكن أن يجعل المقر كالمستولد "وإن كانت أم ولد بينهما فأعتقها أحدهما وهو موسر فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا يضمن نصف قيمتها" لأن مالية أم الولد غير متقومة عنده ومتقومة عندهما وعلى هذا الأصل تبتني عدة من المسائل أوردناها في كفاية المنتهى.
وجه قولهما: أنها منتفع بها وطأ وإجارة واستخداما وهذا هو دلالة التقوم وبامتناع بيعها لا يسقط تقومها كما في المدبر ألا ترى أن ولد أم النصراني إذا أسلمت عليها السعاية وهذا آية التقوم غير أن قيمتها ثلث قيمتها قنة على ما قالوا لفوات منفعة البيع السعاية بعد الموت بخلاف المدبر لأن الفائت منفعة البيع.
أما السعاية والاستخدام فباقيان ولأبي حنيفة رحمه الله أن التقوم بالإحراز وهي محرزة للنسب لا للتقوم والإحراز للتقوم تابع ولهذا لا تسعى لغريم ولا لوارث بخلاف المدبر وهذا لأن السبب فيها متحقق في الحال وهو الجزئية الثابتة بواسطة الولد على ما عرف في حرمة المصاهرة إلا أنه لم يظهر عمله في حق الملك ضرورة الانتفاع فعمل السبب في إسقاط التقوم وفي المدبر ينعقد السبب بعد الموت وامتناع البيع فيه لتحقيق مقصوده فافترقا وفي أم ولد النصراني قضينا بتكاتبها عليه دفعا للضرر عن الجانبين وبدل الكتابة لا يفتقر وجوبه إلى التقوم.

باب عتق أحد العبدين
"ومن كان له ثلاثة أعبد دخل عليه اثنان فقال أحدكما حر ثم خرج واحد ودخل آخر فقال أحدكما حر ثم مات ولم يبين عتق من الذي أعيد عليه القول ثلاثة أرباعه ونصف كل واحد من الآخرين عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله كذلك إلا في العبد الآخر فإنه يعتق ربعه" أما الخارج فلأن الإيجاب الأول دائر بينه وبين الثابت وهو الذي أعيد عليه القول فأوجب عتق رقبة بينهما لاستوائهما فيصيب كلا منهما النصف غير أن الثابت استفاد بالإيجاب الثاني ربعا آخر لأن الثاني دائر بينه وبين الداخل وهو الذي سماه في الكتاب آخرا فيتنصف بينهما غير أن الثابت استحق نصف الحرية بالإيجاب الأول فشاع النصف المستحق بالثاني في نصفيه فما أصاب المستحق بالأول لغا وما أصاب الفارغ بقي فيكون له الربع فتمت له ثلاثة الأرباع ولأنه لو أريد هو بالثاني يعتق نصفه ولو أريد به الداخل لا يعتق هذا النصف فيتنصف فيعتق منه الربع بالثاني والنصف بالأول وأما الداخل فمحمد رحمه الله يقول: لما دار الإيجاب الثاني

 

ج / 2 ص -307-       بينه وبين الثابت وقد أصاب الثابت منه الربع فكذلك يصيب الداخل وهما يقولان إنه دائر بينهما وقضيته التنصيف وإنما نزل إلى الربع في حق الثابت لاستحقاقه النصف بالإيجاب الأول كما ذكرنا ولا استحقاق للداخل من قبل فيثبت فيه النصف.
قال: "فإن كان القول منه في المرض قسم الثلث على هذا" وشرح ذلك أن يجمع بين سهام العتق وهي سبعة على قولهما لأنا نجعل كل رقبة على أربعة لحاجتنا إلى ثلاثة الأرباع فنقول يعتق من الثابت ثلاثة أسهم ومن الآخرين من كل واحد منهما سهمان فيبلغ سهام العتق سبعة والعتق في مرض الموت وصية ومحل نفاذها الثلث فلا بد أن يجعل سهام الورثة ضعف ذلك فيجعل كل رقبة على سبعة وجميع المال أحد وعشرون فيعتق من الثابت ثلاثة ويسعى في أربعة ويعتق من الباقيين من كل واحد منهما سهمان ويسعى في خمسة فإذا تأملت وجمعت استقام الثلث والثلثان وعند محمد رحمه الله يجعل كل رقبة على ستة لأنه يعتق من الداخل عنده سهم فنقصت سهام العتق بسهم وصار جميع المال ثمانية عشر وباقي التخريج ما مر "ولو كان هذا في الطلاق وهن غير مدخولات ومات الزوج قبل البيان سقط من مهر الخارجة ربعه ومن مهر الثابتة ثلاثة أثمانه ومن مهر الداخلة ثمنه" قيل هذا قول محمد رحمه الله خاصة وعندهما يسقط ربعه وقيل هو قولهما أيضا وقد ذكرنا الفرق وتمام تفريعاتها في الزيادات.
"ومن قال لعبديه أحدكما حر فباع أحدهما أو مات أو قال له أنت حر بعد موتي عتق الآخر لأنه لم يبق محلا للعتق أصلا بالموت وللعتق من جهته بالبيع وللعتق من كل وجه بالتدبير فتعين له الآخر" ولأنه بالبيع قصد الوصول إلى الثمن وبالتدبير إبقاء الانتفاع إلى موته والمقصودان ينافيان العتق الملتزم فتعين له الاخر دلالة وكذا إذا استولد إحداهما للمعنيين ولا فرق بين البيع الصحيح والفاسد مع القبض وبدونه والمطلق وبشرط الخيار لأحد المتعاقدين لإطلاق جواب الكتاب والمعنى ما قلنا والعرض على البيع ملحق به في المحفوظ عن أبي يوسف رحمه الله والهبة والتسليم والصدقة والتسليم بمنزلة البيع لأنه تمليك "وكذلك لو قال لامرأتيه إحداكما طالق ثم ماتت إحداهما" لما قلنا وكذلك لو وطئ إحداهما لما تبين.
"ولو قال لأمتيه: إحداكما حرة ثم جامع إحداهما لم تعتق الأخرى عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا تعتق" لأن الوطء لا يحل إلا في الملك وإحداهما حرة فكان بالوطء مستبقيا الملك في الموطوءة فتعينت الأخرى لزواله بالعتق كما في الطلاق وله أن الملك قائم في الموطوءة لأن الإيقاع في المنكرة وهي معينة فكان وطؤها حلالا فلا يجعل بيانا

 

ج / 2 ص -308-       ولهذا حل وطؤهما على مذهبه إلا أنه لا يفتى به ثم يقال العتق غير نازل قبل البيان لتعلقه به أو يقال نازل في المنكرة فيظهر في حق حكم تقبله والوطء يصادف المعينة بخلاف الطلاق لأن المقصود الأصلي من النكاح الولد وقصد الولد بالوطء يدل على استبقاء الملك في الموطوءة صيانة للولد أما الأمة فالمقصود من وطئها قضاء الشهوة دون الولد فلا يدل على الاستبقاء.
"ومن قال لأمته إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة فولدت غلاما وجارية ولا يدري أيهما ولد أولا عتق نصف الأم ونصف الجارية والغلام عبد" لأن كل واحد منهما تعتق في حال وهو ما إذا ولدت الغلام أول مرة الأم بالشرط والجارية لكونها تبعا لها إذ الأم حرة حين ولدتها وترق في حال وهو ما إذا ولدت الجارية أولا لعدم الشرط فيعتق نصف كل واحدة منهما وتسعى في النصف.
أما الغلام يرق في الحالين فلهذا يكون عبدا وإن ادعت الأم أن الغلام هو المولود أولا وأنكر المولى والجارية صغيرة فالقول قوله مع اليمين لإنكاره شرط العتق فإن حلف لم يعتق واحد منهم وإن نكل عتقت الأم والجارية لأن دعوى الأم حرية الصغيرة معتبرة لكونها نفعا محضا فاعتبر النكول في حق حريتهما فعتقتا ولو كانت الجارية كبيرة ولم تدع شيئا والمسئلة بحالها عتقت الأم بنكول المولى خاصة دون الحارية لأن دعوى الأم غير معتبرة في حق الجارية الكبيرة وصحة النكول تبتني على الدعوى فلم يظهر في حق الجارية ولو كانت الجارية الكبيرة هي المدعية لسبق ولادة الغلام والأم ساكتة يثبت عتق الجارية بنكول المولى دون الأم لما قلنا والتحليف على العلم فيما ذكرنا لأنه استحلاف على فعل الغير وبهذا القدر يعرف ما ذكرنا من الوجوه في كفاية المنتهى.
قال: "وإذا شهد رجلان على رجل أنه أعتق أحد عبديه فالشهادة باطلة عند أبي حنيفة رحمه الله إلا أن يكون في وصية" استحسانا ذكره في كتاب العتاق "وإن شهدا أنه طلق إحدى نسائه جازت الشهادة ويجبر الزوج على أن يطلق إحداهن" وهذا بالإجماع "وقال أبو يوسف ومحمد رحمه الله الشهادة في العتق مثل ذلك" وأصل هذا أن الشهادة على عتق العبد لا تقبل من غير دعوى العبد عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما تقبل والشهادة على عتق الأمة وطلاق المنكوحة مقبولة من غير دعوى بالإتفاق والمسئلة معروفة وإذا كان دعوى العبد شرطا عنده لم تتحقق في مسئلة الكتاب لأن الدعوى من المجهول لا تتحقق فلا تقبل الشهادة وعندهما ليس بشرط فتقبل الشهادة وإن انعدم الدعوى أما في الطلاق فعدم الدعوى لا يوجب خللا في الشهادة لأنها ليست بشرط فيها ولو شهدا أنه أعتق إحدى

 

ج / 2 ص -309-       أمتيه لا تقبل عند أبي حنيفة رحمه الله وإن لم تكن الدعوى شرطا فيه لأنه إنما لا تشترط الدعوى لما أنه يتضمن تحريم الفرج فشابه الطلاق والعتق المبهم لا يوجب تحريم الفرج عنده على ما ذكرناه فصار كالشهادة على عتق أحد العبدين وهذا كله إذا شهدا في صحته على أنه أعتق أحد عبديه.
أما إذا شهدا أنه أعتق أحد عبديه في مرض موته أو شهدا على تدبيره في صحته أو في مرضه وأداء الشهادة في مرض موته أو بعد الوفاة تقبل استحسانا لأن التدبير حيثما وقع وقع وصية وكذا العتق في مرض الموت وصية والخصم في الوصية إنما هو الموصي وهو معلوم وعنه خلف وهو الوصي أو الوارث ولأن العتق في مرض الموت يشيع بالموت فيهما فصار كل واحد منهما خصما متعينا ولو شهدا بعد موته أنه قال في صحته أحد كما حر فقد قيل لا تقبل لأنه ليس بوصية وقيل تقبل للشيوع وهو الصحيح والله أعلم.

باب الحلف بالعتق
"ومن قال إذا دخلت الدار فكل مملوك لي يومئذ فهو حر وليس له مملوك فاشترى مملوكا ثم دخل عتق" لأن قوله يومئذ تقديره يوم إذ دخلت إلا أنه اسقط الفعل وعوضه بالتنوين فكان المعتبر قيام الملك وقت الدخول وكذا لو كان في ملكه يوم حلف عبد فبقي على ملكه حتى دخل عتق لما قلنا قال: "ولو لم يكن قال في يمينه يومئذ لم يعتق" لأن قوله كل مملوك لي للحال والجزاء حرية المملوك في الحال إلا أنه لما دخل الشرط على الجزاء تأخر إلى وجود الشرط فيعتق إذا بقي على ملكه إلى وقت الدخول ولا يتناول من اشتراه بعد اليمين.
"ومن قال كل مملوك لي ذكر فهو حر وله جارية حامل فولدت ذكرا لم يعتق" وهذا إذا ولدت لستة أشهر فصاعدا ظاهر لأن اللفظ للحال وفي قيام الحمل وقت اليمين احتمال لوجود أقل مدة الحمل بعده وكذا إذا ولدت لأقل من ستة أشهر لأن اللفظ يتناول المملوك المطلق والجنين مملوك تبعا للأم لا مقصودا ولأنه عضو من وجه واسم المملوك يتناول الأنفس دون الأعضاء ولهذا لا يملك بيعه منفردا قال العبد الضعيف وفائدة التقييد بوصف الذكورة أنه لو قال كل مملوك لي تدخل الحامل فيدخل الحمل تبعا لها.
"وإن قال كل مملوك أملكه حر بعد غد أو قال كل مملوك لي فهو حر بعد غد وله مملوك فاشترى آخر ثم جاء بعد غد عتق الذي في ملكه يوم حلف" لأن قوله أملكه للحال حقيقة يقال أنا أملك كذا وكذا ويراد به الحال وكذا يستعمل له من غير قرينة، وللاستقبال

 

ج / 2 ص -310-       بقرينة السين أو سوف فيكون مطلقه للحال فكان الجزاء حرية المملوك في الحال مضافا إلى ما بعد الغد فلا يتناول ما يشتريه بعد اليمين.
"ولو قال كل مملوك أملكه أو قال كل مملوك لي حر بعد موتي وله مملوك فاشترى مملوكا آخر فالذي كان عنده وقت اليمين مدبر والآخر ليس بمدبر وإن مات عتقا من الثلث" وقال أبو يوسف رحمه الله في النوادر يعتق ما كان في ملكه يوم حلف ولا يعتق ما استفاد بعد يمينه وعلى هذا إذا قال كل مملوك لي إذا مت فهو حر له أن اللفظ حقيقة للحال على ما بيناه فلا يعتق به ما سيملكه ولهذا صار هو مدبرا دون الآخر ولهما أن هذا إيجاب عتق وإيصاء حتى اعتبر من الثلث وفي الوصايا تعتبر الحالة المنتظرة والحالة الراهنة ألا ترى أنه يدخل في الوصية بالمال ما يستفيده بعد الوصية وفي الوصية لأولاد فلان من يولد له بعدها والإيجاب إنما يصح مضافا إلى الملك أو إلى سببه فمن حيث إنه إيجاب العتق يتناول العبد المملوك اعتبارا للحالة الراهنة فيصير مدبرا حتى لا يجوز بيعه ومن حيث إنه إيصاء يتناول الذي يشتريه اعتبارا للحالة المتربصة وهي حالة الموت وقبل الموت حالة التملك استقبال محض فلا يدخل تحت اللفظ وعند الموت يصير كأنه قال كل مملوك لي أو كل مملوك أملكه فهو حر بخلاف قوله بعد غد على ما تقدم لأنه تصرف واحد وهو إيجاب العتق وليس فيه إيصاء والحالة محض استقبال فافترقا ولا يقال إنكم جمعتم بين الحال والاستقبال لأنا نقول نعم لكن بسببين مختلفين إيجاب عتق ووصية وإنما لا يجوز ذلك بسببب واحد.

باب العتق على جعل
" ومن أعتق عبده على مال فقبل العبد عتق " وذلك مثل أن يقول أنت حر على ألف درهم أو بألف درهم وإنما يعتق بقبوله لأنه معاوضة المال بغير المال إذ العبد لا يملك نفسه ومن قضية المعاوضة ثبوت الحكم بقبول العوض للحال كما في البيع فإذا قبل صار حرا وما شرط دين عليه حتى تصح الكفالة بخلاف بدل الكتابة لأنه ثبت مع المنافي وهو قيام الرق على ما عرف وإطلاق لفظ المال ينتظم أنواعه من النقد والعرض والحيوان وإن كان بغير عينه لأنه معاوضة المال بغير المال فشابه النكاح والطلاق والصلح عن دم العمد وكذا الطعام والمكيل والموزون إذا كان معلوم الجنس ولا تضره جهالة الوصف لأنها يسيرة.
قال: " ولو علق عتقه بأداء المال صح وصار مأذونا " وذلك مثل أن يقول إن أديت

 

ج / 2 ص -311-       إلي ألف درهم فأنت حر ومعنى قوله صح أنه يعتق عند الأداء من غير أن يصير مكاتبا لأنه صريح في تعليق العتق بالأداء وإن كان فيه معنى المعاوضة في الانتهاء على ما نبين إن شاء الله تعالى وإنما صار مأذونا لأنه رغبه في الاكتساب بطلبه الأداء منه ومراده التجارة دون التكدي فكان إذنا له دلالة.
"وإن أحضر المال أجبره الحاكم على قبضه وعتق العبد" ومعنى الإجبار فيه وفي سائر الحقوق أنه ينزل قابضا بالتخلية وقال زفر رحمه الله لا يجبر على القبول وهو القياس لأنه تصرف يمين إذ هو تعليق العتق بالشرط لفظا ولهذا لا يتوقف على قبول العبد ولا يحتمل الفسخ ولا جبر على مباشرة شروط الإيمان لأنه لا استحقاق قبل وجود الشرط بخلاف الكتابة لأنه معاوضة والبدل فيها واجب ولنا أنه تعليق نظرا إلى اللفظ ومعاوضة نظرا إلى المقصود لأنه ما علق عتقه بالأداء إلا ليحثه على دفع المال فينال العبد شرف الحرية والمولى المال بمقابلته بمنزلة الكتابة ولهذا كان عوضا في الطلاق في مثل هذا اللفظ حتى كان بائنا فجعلناه تعليقا في الابتداء عملا باللفظ ودفعا للضرر عن المولى حتى لا يمتنع عليه بيعه ولا يكون العبد أحق بمكاسبه ولا يسري إلى الولد المولود قبل الأداء وجعلناه معاوضة في الانتهاء عند الأداء دفعا للضرر عن العبد حتى يجبر المولى على القبول فعلى هذا يدور الفقه وتخرج المسائل نظيره الهبة بشرط العوض ولو أدى البعض يجبر على القبول إلا أنه لا يعتق مالم يؤد الكل لعدم الشرط كما إذا حط البعض وأدى الباقي ثم لو أدى ألفا اكتسبها قبل التعليق رجع المولى عليه وعتق لاستحقاقها ولو كان اكتسبها بعده لم يرجع عليه لأنه مأذون من جهته بالأداء منه ثم الأداء في قوله إن أديت يقتصر على المجلس لأنه تخيير وفي قوله إذا أديت لا يقتصر لأن إذا تستعمل للوقت بمنزلة متى.
"ومن قال لعبده أنت حر بعد موتي على ألف درهم فالقبول بعد الموت" لإضافة الإيجاب إلى ما بعد الموت فصار كما إذا قال أنت حر غدا على ألف درهم بخلاف ما إذا قال أنت مدبر على ألف درهم حيث يكون القبول إليه في الحال لأن إيجاب التدبير في الحال إلا أنه لا يجب المال لقيام الرق قالوا لا يعتق عليه في مسئلة الكتاب وإن قبل بعد الموت مالم يعتقه الوارث لأن الميت ليس بأهل للإعتاق وهذا صحيح.
قال: "ومن أعتق عبده على خدمته أربع سنين فقبل العبد فعتق من مات من ساعته فعليه قيمة نفسه في ماله عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله عليه قيمة خدمته أربع سنين" أما العتق فلأنه جعل الخدمة في مدة معلومة عوضا فيتعلق العتق بالقبول وقد وجد ولزمه خدمة أربع سنين لأنه يصلح عوضا فصار كما إذا أعتقه على

 

ج / 2 ص -312-       ألف درهم ثم إذا مات العبد فالخلافية فيه بناء على خلافية أخرى وهي أن من باع نفس العبد منه بجارية بعينها ثم استحقت الجارية أو هلكت يرجع المولى على ا لعبد بقيمة نفسه عندهما وبقيمة الجارية عنده وهي معروفة ووجه البناء أنه كما يتعذر تسليم الجارية بالهلاك والاستحقاق يتعذر الوصول إلى الخدمة بموت العبد وكذا بموت المولى فصار نظيرها.
"ومن قال لآخر أعتق أمتك على ألف درهم على أن تزوجنيها ففعل فأبت أن تتزوجه فالعتق جائز ولا شيء على الآمر" لأن من قال لغيره أعتق عبدك على ألف درهم علي ففعل لا يلزمه شيء ويقع العتق عن المأمور بخلاف ما إذا قال لغيره طلق امرأتك على ألف درهم علي ففعل حيث يجب الألف على الآمر لأن اشتراط البدل على الأجنبي في الطلاق جائز وفي العتاق لا يجوز وقد قررناه من قبل.
"ولو قال أعتق أمتك عني على ألف درهم والمسئلة بحالها قسمت الألف على قيمتها ومهر مثلها فما أصاب القيمة أداه الآمر وما أصاب المهر بطل عنه" لأنه لما قال عني تضمن الشراء اقتضاء على ما عرف وإذا كان كذلك فقد قابل الألف بالرقبة شراء وبالبضع نكاحا فانقسم عليهما ووجبت حصة ما سلم له وهو الرقبة وبطل عنه مالم يسلم وهو البضع فلو زوجت نفسها منه لم يذكره وجوابه أن ما اصاب قيمتها سقط في الوجه الأول وهي للمولى في الوجه الثاني وما أصاب مهر مثلها كان مهرا لها في الوجهين.

باب التدبير
"وإذا قال المولى لمملوكه إذا مت فأنت حر أو أنت حر عن دبر مني أو أنت مدبر أو قد دبرتك فقد صار مدبرا" لأن هذه الألفاظ صريح في التدبير فإنه إثبات العتق عن دبر "ثم لا يجوز بيعه ولا هبته ولا إخراجه عن ملكه إلا إلى الحرية" كما في الكتابة وقال الشافعي رحمه الله يجوز لأنه تعليق العتق بالشرط فلا يمتنع به البيع والهبة كما في سائر التعليقات وكما في المدبر المقيد ولأن التدبير وصية وهي غير مانعة من ذلك ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: "المدبر لا يباع ولا يوهب ولا يورث" وهو حر من الثلث ولأنه سبب الحرية لأن الحرية تثبت بعد الموت ولا سبب غيره ثم جعله سببا في الحال أولى لوجوده في الحال وعدمه بعد الموت ولأن ما بعد الموت حال بطلان أهلية الصرف فلا يمكن تأخير السببية إلى زمان بطلان الأهلية بخلاف سائر التعليقات لأن المانع من السببية قائم قبل الشرط لأنه يمين واليمين مانع والمنع هو المقصود وأنه يضاد وقوع الطلاق والعتاق وأمكن تأخير السببية إلى زمان الشرط لقيام الأهلية عنده فافترقا ولأنه وصية والوصية

 

ج / 2 ص -313-       خلافة في الحال كالوراثة وإبطال السبب لا يجوز وفي البيع وما يضاهيه ذلك.
قال: "وللمولى أن يستخدمه ويؤاجره وإن كانت أمة وطئها وله أن يزوجها" لأن الملك فيه ثابت له وبه تستفاد ولاية هذه التصرفات "فإذا مات المولى عتق المدبر من ثلث ماله" لما روينا ولأن التدبير وصية لأنه تبرع مضاف إلى وقت الموت والحكم غير ثابت في الحال فينفذ من الثلث حتى لو لم يكن له مال غيره يسعى في ثلثيه وإن كان على المولى دين يسعى في كل قيمته لتقدم الدين على الوصية ولا يمكن نقض العتق فيجب رد قيمته وولد المدبرة مدبر وعلى ذلك نقل إجماع الصحابة رضي الله عنهم "وإن علق التدبير بموته على صفة مثل أن يقول إن مت من مرضي هذا أو سفري هذا أو من مرض كذا فليس بمدين ويجوز بيعه" لأن السبب لم ينعقد في الحال لتردد في تلك الصفة بخلاف المدبر المطلق لأنه تعلق عتقه بمطلق الموت وهو كائن لا محالة "فإن مات المولى على الصفة التي ذكرها عتق كما يعتق المدبر" معناه من الثلث لأنه ثبت حكم التدبير في آخر جزء من أجزاء حياته لتحقق تلك الصفة فيه فلهذا يعتبر من الثلث ومن المقيد أن يقول إن مت إلى سنة أو عشر سنين لما ذكرنا بخلاف ماذا قال إلى مائة سنة ومثله لا يعيش إليه في الغالب لأنه كالكائن لا محالة.

باب الاستيلاد
"إذا ولدت الأمة من مولاها فقد صارت أم ولد له لا يجوز بيعها ولا تمليكها" لقوله عليه الصلاة والسلام "
أعتقها ولدها" أخبر عن إعتاقها فيثبت بعض مواجبه وهو حرمة البيع ولأن الجزئية قد حصلت بين الواطئ والموطوءة بواسطة الولد فإن الماءين قد اختلطا بحيث لا يمكن الميز بينهما على ما عرف في حرمة المصاهرة إلا أن بعد الانفصال تبقى الجزئية حكما لا حقيقة فضعف السبب فأوجب حكما مؤجلا إلى ما بعد الموت وبقاء الجزئية حكما باعتبار النسب وهو من جانب الرجال فكذا الحرية تثبت في حقهم لا في حقهن حتى إذا ملكت الحرة زوحها وقد ولدت منه لم يعتق الزوج الذي ملكته بموتها وبثبوت عتق مؤجل يثبت حق الحرية في الحال فيمنع جواز البيع وإخراجها لا إلى الحرية في الحال ويوجب عتقها بعد موته وكذا إذا كان بعضها مملوكا له لأن الاستيلاد لا يتجزأ فإنه فرع النسب فيعتبر بأصله.
قال: "وله وطؤها واستخدامها وإجارتها وتزويجها" لأن الملك فيها قائم فأشبهت المدبرة "ولا يثبت نسب ولدها إلا أن يعترف به" وقال الشافعي رحمه الله يثبت نسبه منه وإن لم يدع لأنه لما ثبت النسب بالعقد فلأن يثبت بالوطء وأنه أكثر إفضاء أولى ولنا أن وطء

 

ج / 2 ص -314-       الأمة يقصد به قضاء الشهوة دون الولد لوجود المانع عنه فلا بد من الدعوة بمنزلة ملك اليمين من غير وطء بخلاف العقد لأن الولد يتعين مقصودا منه فلا حاجة إلى الدعوة "فإن جاءت بعد ذلك بولد ثبت نسبه بغير إقرار" معناه بعد اعتراف منه بالولد الأول لأنه بدعوى الولد الأول تعين الولد مقصودا منها فصارت فراشا كالمعقودة بعد ا لنكاح "إلا أنه إذا نفاه ينتفي بقوله" لأن فراشها ضعيف حتى يملك نقله بالتزويج بخلاف المنكوحة حيث لا ينتفي الولد بنفيه إلا باللعان لتأكد الفراش حتى لا يملك إبطاله بالتزويج وهذا الذي ذكرناه حكم فأما الديانة فإن كان وطئها وحصنها ولم يعزل عنها يلزمه أن يعترف به ويدعي لأن الظاهر أن الولد منه وإن عزل عنها أو لم يحصنها جاز له أن ينفيه لأن هذا الظاهر يقابله ظاهر آخر هكذا روي عن أبي حنيفة رحمه الله وفيه روايتان أخريان عن أبي يوسف وعن محمد رحمهما الله ذكرناهما في كفاية المنتهى "فإن زوجها فجاءت بولد فهو في حكم أمه" لأن حق الحرية يسري إلى الولد كالتدبير ألا ترى أن ولد الحرة حر وولد القنة رقيق "والنسب يثبت من الزوج" لأن الفراش له وإن كان النكاح فاسدا إذ الفاسد ملحق بالصحيح في حق الأحكام ولو ادعاه المولى لا يثبت نسبه منه لأنه ثابت النسب من غيره ويعتق الولد وتصير أمه أم ولد له لإقراره "وإذا مات المولى عتقت من جميع المال" لحديث سعيد بن المسيب أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بعتق أمهات الأولاد وأن لا يبعن في دين ولا يجعلن من الثلث ولأن الحاجة إلى الولد أصلية فتقدم على حق الورثة والدين كالتكفين بخلاف التدبير لأنه وصية بما هو من زوائد الحوائج "ولا سعاية عليها في دين المولى للغرماء" لما روينا ولأنها ليست بمال متقوم حتى لا تضمن بالغصب عند أبي حنيفة رحمه الله فلا يتعلق بها حق الغرماء كالقصاص بخلاف المدبر لأنه مال متقوم "وإذا أسلمت أم ولد النصراني فعليها أن تسعى في قيمتها" وهي بمنزلة المكاتبة لا تعتق حتى تؤدي السعاية.
وقال زفر رحمه الله: تعتق في الحال والسعاية دين عليها وهذا الخلاف فيما إذا عرض على المولى الإسلام فأبى فإن أسلم تبقى على حالها له أن إزالة الذل عنها بعد ما أسلمت واجبة وذلك بالبيع أو الإعتاق وقد تعذر البيع فتعين الإعتاق ولنا أن النظر من الجانبين في جعلها مكاتبة لأنه يندفع الذل عنها بصيرورتها حرة يدا والضرر عن الذمي لانبعاثها على الكسب نيلا لشرف الحرية فيصل الذمي إلى بدل ملكه أما لو أعتقت وهي مفلسة تتوانى في الكسب ومالية أم الولد يعتقدها الذمي متقومة فيترك وما يعتقده ولأنها إن لم تكن متقومة فهي محترمة وهذا يكفي لوجوب الضمان كما في القصاص المشترك إذا عفا أحد الأولياء يجب المال للباقين "ولو مات مولاها عتقت بلا سعاية" لأنها أم ولد له ولو عجزت

 

ج / 2 ص -315-       في حياته لا ترد قنة لأنها لو ردت قنة أعيدت مكاتبة لقيام الموجب.
"ومن استولد أمة غيره بنكاح ثم ملكها صارت أم ولد له" وقال الشافعي رحمه الله لا تصير أم ولد له ولو استولدها بملك يمين ثم استحقت ثم ملكها تصير أم ولد له عندنا وله فيه قولان وهو ولد المغرور له أنها علقت برقيق فلا تكون أم ولد له كما إذا علقت من الزنا ثم ملكها الزاني وهذا لأن أمومية الولد باعتبار علوق الولد حرا لأنه جزء الأم في تلك الحالة والجزء لا يخالف الكل ولنا أن السبب هو الجزئية على ما ذكرنا من قبل والجزئية إنما تثبت بينهما بنسبة الولد الواحد إلى كل واحد منهما كملا وقد ثبت النسب فتثبت الجزئية بهذه الواسطة بخلاف الزنا لأنه لا نسب فيه للولد إلى الزاني وإنما يعتق على الزاني إذا ملكه لأنه جزؤه حقيقة بغير واسطة نظيره من اشترى أخاه من الزنا لا يعتق لأنه ينسب إليه بواسطة نسبته إلى الولد وهي غير ثابتة.
"وإذا وطئ جارية ابنه فجاءت بولد فادعاه ثبت نسبه منه وصارت أم ولد له وعليه قيمتها وليس عليه عقرها ولا قيمة ولدها" وقد ذكرنا المسئلة بدلائلها في كتاب النكاح من هذا الكتاب وإنما لا يضمن قيمة الولد لأنه انعلق حر الأصل لاستناد الملك إلى ما قبل الاستيلاد "وإن وطئ أب الأب مع بقاء الأب لم يثبت النسب" لأنه لا ولاية للجد حال بقاء الأب "ولو كان الأب ميتا ثبت من الجد كما يثبت نسبه من الأب" لظهور ولايته عند فقد الأب وكفر الأب ورقه بمنزلة موته لأنه قاطع للولاية.
"وإذا كانت الجارية بين شريكين فجاءت بولد فادعاه أحدهما ثبت نسبه منه" لأنه لما ثبت النسب في نصفه لمصادفته ملكه ثبت في الباقي ضرورة أنه لا يتجزأ لما أن سببه لا يتجزأ وهو العلوق إذ الولد الواحد لا ينعلق من ماءين "وصارت أم ولد له" لأن الاستيلاد لا يتجزأ عندهما.
"وعند أبي حنيفة رحمه الله يصير نصيبه أم ولد له ثم يتملك نصيب صاحبه إذ هو قابل للملك ويضمن نصف قيمتها" لأنه تملك نصيب صاحبه لما استكمل الاستيلاد ويضمن نصف عقرها لأنه وطئ جارية مشتركة إذ الملك يثبت حكما للاستيلاد فيتعقبه الملك في نصيب صاحبه بخلاف الأب إذا استولد جارية ابنه لأن الملك هنالك يثبت شرطا للاستيلاد فيتقدمه فصار واطئا ملك نفسه "ولا يغرم قيمة ولدها" لأن النسب يثبت مستندا إلى وقت العلوق فلم ينعلق شيء منه على ملك الشريك "وإن ادعياه معا ثبت نسبه منهما" معناه إذا حملت على ملكهما.

 

ج / 2 ص -316-       وقال الشافعي رحمه الله يرجع إلى قول القافة لأن إثبات النسب من شخصين معا مع علمنا أن الولد لا ينخلق من ماءين متعذر فعملنا بالشبه وقد سر رسول الله عليه الصلاة والسلام بقول القائف في اسامة رضي الله عنه.
ولنا كتاب عمر رضي الله عنه إلى شريح في هذه الحادثة لبسا فلبس عليهما ولو بينا لبين لهما هو ابنهما يرثهما ويرثانه وهو للباقي منهما وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم وعن علي رضي الله عنه مثل ذلك ولأنهما استويا في ثبت الاستحقاق فيستويان فيه والنسب وإن كان لا يتجزأ ولكن تتعلق به أحكام متجزئة فما يقبل التجزئة يثبت في حقهما على التجزئة ومالا يقبلها يثبت في حق كل أحد منهما كملا كأن ليس معه غيره إلا إذا كان أحد الشريكين أبا للآخر أو كان أحدهما مسلما والآخر ذميا لوجود المرجح في حق المسلم وهو الإسلام وفي حق الأب وهو ماله من الحق في نصيب الابن وسرور النبي عليه الصلاة والسلام فيما روي لأن الكفار كانوا يطعنون في نسب أسامة رضي الله عنه وكان قول القائف مقطعا لطعنهم فسر به "وكانت الأمة أم ولد لهما" لصحة دعوة كل واحد منهما في نصيبه في الولد فيصير نصيبه منها أم ولد له تبعا لولدها "وعلى كل واحد منهما نصف العقر قصاصا بماله على الآخر ويرث الابن من كل واحد منهما ميراث ابن كامل" لأنه أقر له بميراثه كله وهو حجة في حقه "ويرثان منه ميراث أب واحد" لاستوائهما في النسب كما إذا اقاما البينة.
"وإذا وطئ المولى جارية مكاتبه فجاءت بولد فادعاه فإن صدقه المكاتب ثبت نسب الولد منه" وعن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يعتبر تصديقه اعتبارا بالأب يدعى ولد جارية ابنه ووجه الظاهر وهو الفرق أن المولى لا يملك التصرف في أكساب مكاتبه حتى لا يتملكه والأب يملك تملكه فلا معتبر بتصديق الابن قال "وعليه عقرها" لأنه لا يتقدمه الملك لأن ماله من الحق كاف لصحة الاستيلاد لما نذكره قال "وقيمة ولدها" لأنه في معنى المغرور حيث إنه اعتمد دليلا وهو أنه كسب كسبه فلم يرض برقه فيكون حرا بالقيمة ثابت النسب منه "ولا تصير الجارية أم ولد له" لأنه لا ملك له فيها حقيقة كما في ولد المغرور.
"وإن كذبه المكاتب في النسب لم يثبت" لما بينا أنه لا بد من تصديقه "فلو ملكه يوما ثبت نسبه منه" لقيام الموجب وزوال حق المكاتب إذ هو ا لمانع والله تعالى أعلم بالصواب.