الهداية في شرح بداية المبتدي

ج / 2 ص -317-       كتاب الأيمان
قال: "الأيمان على ثلاثة أضرب اليمين العموس ويمين منعقدة ويمين لغو فالغموس هو الحلف على أمر ماض يتعمد الكذب فيه فهذه اليمين يأثم فيها صاحبها" لقوله عليه الصلاة والسلام: "
من حلف كاذبا أدخله الله النار" "ولا كفارة فيها إلا التوبة والاستغفار".
وقال الشافعي رحمه الله فيها الكفارة لأنها شرعت لرفع ذنب هتك حرمة اسم الله تعالى وقد تحقق بالاستتشهاد بالله كاذبا فأشبه المعقودة ولنا أنها كبيرة محضة والكفارة عبادة تتأدى بالصوم ويشترط فيها النية فلا تناط بها بخلاف المعقودة لأنها مباحة ولو كان فيها ذنب فهو متأخر متعلق باختيار مبتدأوما في الغموس ملازم فيمتنع الإلحاق "والمنعقدة ما يحلف على أمر في المستقبل أن يفعله أو لا يفعله وإذا حنث في ذلك لزمته الكفارة" لقوله تعالى:
{لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89] وهو ما ذكرنا "واليمين اللغو أن يحلف على أمر ماض وهو يظن أنه كما قال والأمر يخلافه فهذه اليمين نرجو أن لا يؤاخذ الله بها صاحبها" ومن اللغو أن يقول والله إنه لزيد وهو يظنه زيدا وإنما هو عمرو والأصل فيه قوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ} الآية إلا أنه علقه بالرجاء للاختلاف في تفسيره.
قال: "والقاصد في اليمين والمكره والناسي سواء" حتى تجب الكفارة لقوله عليه الصلاة والسلام ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق واليمين والشافعي رحمه الله يخالفنا في ذلك وسنبين في الإكراه إن شاء الله تعالى.
"ومن فعل المحلوف عليه مكرها أو ناسيا فهو سواء" لأن الفعل الحقيقي لا ينعدم بالإكراه وهو الشرط وكذا إذا فعله وهو مغمى عليه أو مجنون لتحقق الشرط حقيقة ولو كانت الحكمة رفع الذنب فالحكم يدار على دليله وهو الحنث لا على حقيقة الذنب والله تعالى أعلم بالصواب.

 

ج / 2 ص -318-       باب ما يكون يمينا ومالا يكون يمينا
قال: "واليمين بالله تعالى أو باسم آخر من أسماء الله تعالى كالرحمن والرحيم أو بصفة من صفاته التي يحلف بها عرفا كعزة الله وجلاله وكبريائه" لأن الحلف بها متعارف ومعنى اليمين وهو القوة حاصل لأنه يعتقد تعظيم الله وصفاته فصلح ذكره حاملا ومانعا.
قال: "إلا قوله وعلم الله فإنه لا يكون يمينا" لأنه غير متعارف ولأنه يذكر ويراد به المعلوم يقال اللهم اغفر علمك فينا أي معلوماتك.
ولو قال: "وغضب الله وسخطه لم يكن حالفا" وكذا ورحمة الله لأن الحلف بها غير متعارف ولأن الرحمة قد يراد بها أثرها وهو المطر أو الجنة والغضب والسخط يراد بهما العقوبة.
"ومن حلف بغير الله لم يكن حالفا كالنبي والكعبة" لقوله عليه الصلاة والسلام: "
من كان منكم حالفا فليحلف بالله أو ليذر" وكذا إذا حلف بالقرآن لأنه غير متعارف قال رضي الله عنه معناه أن يقول والنبي والقرآن أما لو قال أنا بريء منهما يكون يمينا لأن التبري منهما كفر.
قال: "والحلف بحروف القسم وحروف القسم الواو كقوله والله والباء كقوله بالله والتاء كقوله تالله" لأن كل ذلك معهود في الأيمان ومذكور في القرآن "وقد يضمر الحرف فيكون حالفا كقوله الله لا أفعل كذا" لأن حذف الحرف من عادة العرب إيجازا ثم قيل ينصب لانتزاع الحرف الخافض وقيل يخفض فتكون الكسرة دالة على المحذوف وكذا إذا قال لله في المختار لأن الباء تبدل بها قال الله تعالى:
{آمَنْتُمْ لَهُ} [طـه: 71] أي آمنتم به.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: إذا قال وحق الله فليس بحالف وهو قول محمد رحمه الله وإحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمه الله وعنه رواية أخرى أنه يكون يمينا لأن الحق من صفات الله تعالى وهو حقيته فصار كأنه قال والله الحق والحلف به متعارف ولهما أنه يراد به طاعة الله تعالى إذ الطاعات حقوقه فيكون حلفا بغير الله قالوا ولو قال والحق يكون يمينا ولو قال حقا لا يكون يمينا لأن الحق من أسماء الله تعالى والمنكر يراد به تحقيق الوعد.
"ولو قال اقسم أو أقسم بالله أو أحلف أو أحلف بالله أو أشهد أو أشهد بالله فهو حالف" لأن هذه الألفاظ مستعملة في الحلف وهذه الصيغة للحال حقيقة وتستعمل

 

ج / 2 ص -319-       للاستقبال بقرينة فجعل حالفا في الحال والشهادة يمين قال الله تعالى: {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] ثم قال {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المجادلة: 16] والحلف بالله هو المعهود المشروع وبغيره محظور فصرف إليه ولهذا قيل لا يحتاج إلى النية وقيل لا بد منها لاحتمال العدة واليمين بغير الله.
"ولو قال بالفارسية سوكند ميخورم بخداي يكون يمينا" لأنه للحال ولو قال سوكندخورم قيل لا يكون يمينا ولو قال بالفارسية سوكندخورم بطلاق زنم لا يكون يمينا لعدم التعارف قال رضي الله عنه "وكذا قوله لعمر الله وأيم الله" لأن عمر الله بقاء الله وأيم الله معناه أيمن الله وهو جمع يمين وقيل معناه والله وأيم صلة كالواو والحلف باللفظين متعارف "وكذا قوله وعهد الله وميثاقه" لأن العهد يمين قال الله تعالى:
{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} [النحل: 91] والميثاق عبارة عن العهد "وكذا إذا قال علي نذر أو نذر الله" لقوله عليه الصلاة والسلام "من نذر نذرا ولم يسم فعليه كفارة يمين" "وإن قال إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو كافر يكون يمينا" لأنه لما جعل الشرط علما على الكفر فقد اعتقده واجب الامتناع وقد أمكن القول بوجوبه لغيره بجعله يمينا كما تقول في تحريم الحلال ولو قال ذلك لشيء قد فعله فهو الغموس ولا يكفر اعتبارا بالمستقبل وقيل يكفر لأنه تنجيز معنى فتصار كما إذا قال هو يهودي والصحيح أنه لا يكفر فيهما إن كان يعلم أنه يمين وإن كان عنده أنه يكفر بالحلف يكفر فيهما لأنه رضي بالكفر حيث أقدم على الفعل.
"ولو قال: إن فعلت كذا فعلي غضب الله أو سخط الله فليس بحالف" لأنه دعاء على نفسه ولا يتعلق ذلك بالشروط ولأنه غير متعارف "وكذا إذا قال إن فعلت كذا فأنا زان أو سارق أو شارب خمر أو آكل ربا" لأن حرمة هذه الأشياء تحتمل النسخ والتبديل فلم تكن في معنى حرمة الاسم ولأنه ليس بمتعارف.

فصل في الكفارة
قال: "كفارة اليمين عتق رقبة يجزي فيها ما يجزي في الظهار وإن شاء كسا عشرة مساكين كل واحد ثوبا فما زاد وأدناه ما يجوز فيه الصلاة وإن شاء أطعم عشرة مساكين كالإطعام في كفارة الظهار" والأصل فيه قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] الآية وكلمة أو للتخيير فكان الواجب أحد الأشياء الثلاثة قال: "فإن لم يقدر على أحد الأشياء الثلاثة صام ثلاثة أيام متتابعات" وقال الشافعي رحمه الله يخير

 

ج / 2 ص -320-       لإطلاق النص ولنا قراءة ابن مسعود رضي الله عنه فصيام ثلاثة أيام متتابعات وهي كالخبر المشهور ثم المذكور في الكتاب في بيان أدنى الكسوة مروي عن محمد وعن أبي يوسف وأبي حنيفة رحمهما الله أن أدناه ما يستر عامة بدنه حتى لا يجوز السراويل وهو الصحيح لأن لابسه يسمى عريانا في العرف لكن ما لا يجزيه عن الكسوة يجزيه عن الطعام باعتبار القيمة "وإن قدم الكفارة على الحنث لم يجزه".
وقال الشافعي رحمه الله يجزيه بالمال لأنه أداها بعد السبب وهو اليمين فأشبه التكفير بعد الجرح ولنا أن الكفارة لستر الجناية ولا جناية ههنا واليمين ليست بسبب لأنه مانع غير مفض بخلاف الجرح لأنه مفض "ثم لا يسترد من المسكين" لوقوعه صدقة.
قال: "ومن حلف على معصية مثل أن لا يصلي أو لا يكلم أباه أو ليقتلن فلانا ينبغي أن يحنث نفسه ويكفر عن يمينه" لقوله عليه الصلاة والسلام: "
من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها فليأت بالذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه" ولأن فيما قلنا تفويت البر إلى جابر وهو الكفارة ولا جابر للمعصية في ضده.
"وإذا حلف الكافر ثم حنث في حال كفره أو بعد إسلامه فلا حنث عليه" لأنه ليس بأهل لليمين لأنها تعقد لتعظيم الله تعالى ومع الكفر لا يكون معظما ولا هو أهل للكفارة لأنها عبادة.
"ومن حرم على نفسه شيئا مما يملكه لم يصر محرما وعليه إن استباحه كفارة يمين" وقال الشافعي رحمه الله لا كفارة عليه لأن تحريم الحلال قلب المشروع فلا ينعقد به تصرف مشروع وهو اليمين ولنا أن اللفظ ينبئ عن إثبات الحرمة وقد أمكن إعماله بثبوت الحرمة لغيره بإثبات موجب اليمين فيصار إليه ثم إذا فعل مما حرمه قليلا أو كثيرا حنث ووجبت الكفارة وهو المعنى من الاستباحة المذكورة لأن التتحريم إذا ثبت تناول كل جزء منه.
"ولو قال كل حل علي حرام فهو على الطعام والشراب إلا أن ينوي غير ذلك" والقياس أن يحنث كما فرغ لأنه باشر فعلا مباحا وهو التنفس ونحوه وهذا قول زفر رحمه الله وجه الاستحسان أن المقصود وهو البر لا يتحصل مع اعتبار العموم وإذا سقط اعتباره ينصرف إلى الطعام والشراب للعرف فإنه يستعمل فيما يتناول عادة ولا يتناول المرأة إلا بالنية لإسقاط اعتبار العموم وإذا نواها كان إيلاء ولا تصرف اليمين عن المأكول والمشروب وهذا كله جواب ظاهر الرواية ومشايخنا رحمهم الله قالوا يقع به الطلاق عن غير نية

 

ج / 2 ص -321-       لغلبة الاستعمال وعليه الفتوى وكذا ينبغي في قوله حلال يروى حرام للعرف.
واختلفوا في قوله هرجه بردست راست كيرم بروى حرام أنه هل تشترط النية والأظهر أنه يجعل طلاقا من غير نية للعرف.
"ومن نذر نذرا مطلقا فعليه الوفاء" لقوله عليه الصلاة والسلام: "
من نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى" "وإن علق النذر بشرط فوجد الشرط فعليه الوفاء بنفس النذر" لإطلاق الحديث ولأن المعلق بشرط كالمنجز عنده "وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه رجع عنه وقال إذا قال إن فعلت كذا فعلي حجة أو صوم سنة أو صدقة ما أملكه أجزأه من ذلك كفارة يمين وهو قول محمد رحمه الله" ويخرج عن العهدة بالوفاء بما سمى أيضا وهذا إذا كان شرطا لا يريد كونه لأن فيه معنى اليمين وهو المنع وهو بظاهره نذر فيتخير ويميل إلى أي الجهتين شاء بخلاف ما إذا كان شرطا يريد كونه كقوله إن شفى الله مريضي لانعدام معنى اليمين فيه وهو المنع وهذا التفصيل هو الصحيح.
قال: "ومن حلف على يمين وقال إن شاء الله متصلا بيمينه فلا حنث" عليه لقوله عليه الصلاة والسلام "
من حلف على يمين وقال إن شاء الله فقد بر في يمينه" إلا أنه لا بد من الاتصال لأنه بعد الفراغ رجوع ولا رجوع في اليمين والله تعالى أعلم بالصواب.

باب اليمين في الدخول والسكنى
"ومن حلف لا يدخل بيتا فدخل الكعبة أو المسجد أو البيعة أو الكنيسة لم يحنث" لأن البيت ما أعد للبيتوتة وهذه البقاع ما بنيت لها "وكذا إذا دخل دهليزا أو ظلة باب الدار" لما ذكرنا والظلة ما تكون على السكة وقيل إذا كان الدهليز بحيث لو أغلق الباب يبقى داخلا وهو مسقف يحنث لأنه يبات فيه عادة "وإن دخل صفة حنث" لأنها تبنى للبيتوتة فيها في بعض الأوقات فصار كالشتوي والصيفي وقيل هذا إذا كانت الصفة ذات حوائط أربعة وهكذا كانت صفافهم وقيل الجواب مجرى على إطلاقه وهو الصحيح.
من حلف لا يدخل دارا فدخل دارا خربة لم يحنث ولو حلف لا يدخل هذه الدار فدخلها بعد ما انهدمت وصارت صحراء حنث" لأن الدار اسم للعرصة عند العرب والعجم يقال دار عامرة ودار غامرة وقد شهدت أشعار العرب بذلك والبناء وصف فيها غير أن الوصف في الحاضر لغو وفي الغائب معتبر.
"ولو حلف لا يدخل هذه الدار فخربت ثم بنيت أخرى فدخلها يحنث" لما ذكرنا أن الاسم باق بعد الانهدام "وإن جعلت مسجدا أو حماما أو بستانا أو بيتا فدخله لم يحنث" لأنه

 

ج / 2 ص -322-       لم يبق دارا لاعتراض اسم آخر عليه وكذا إذا دخله بعد انهدام الحمام وأشباهه لأنه لا يعود اسم الدارية "وإن حلف لا يدخل هذا البيت فدخله بعد ما انهدم وصار صحراء لم يحنث" لزوال اسم البيت لأنه لا يبات فيه حتى لو بقيت الحيطان وسقط السقف يحنث لأنه يبات فيه والسقف وصف فيه "وكذا إذا بنى بيتا آخر فدخله لم يحنث" لأن الاسم لم يبق بعد الانهدام.
قال: "ومن حلف لا يدخل هذه الدار فوقف على سطحها حنث" لأن السطح من الدار ألا ترى أن المعتكف لا يفسد اعتكافه بالخروج إلى سطح المسجد وقيل في عرفنا لا يحنث وهو اختيار الفقيه أبي الليث قال "وكذا إذا دخل دهليزها" ويجب أن يكون على التفصيل الذي تقدم "وإن وقف في طاق الباب بحيث إذا أغلق الباب كان خارجا لم يحنث" لأن الباب لإحزاز الدار وما فيها فلم يكن الخارج من الدار.
قال: "ومن حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها لم يحنث بالقعود حتى يخرج ثم يدخل" استحسانا والقياس أن يحنث لأن الدوام له حكم الابتداء وجه الاستحسان أن الدخول لا دوام له لأنه انفصال من الخارج إلى الداخل.
"ولو حلف لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه فنزعه في الحال لم يحنث" وكذا إذا حلف لا يركب هذه الدابة وهو راكبها فنزل من ساعته لم يحنث وكذا لو حلف لا يسكن هذه الدار وهو ساكنها فأخذ في النقلة من ساعته وقال زفر رحمه الله يحنث لوجود الشرط وإن قل ولنا أن اليمين تعقد للبر فيستثنى منه زمان تحققه "فإن لبث على حاله ساعة حنث" لأن هذه الأفاعيل لها دوام بحدوث أمثالها ألا يرى أنه يضرب لها مدة يقال ركبت يوما ولبست يوما بخلاف الدخول لأنه لا يقال دخلت يوما بمعنى المدة والتوقيت ولو نوى الابتداء الخالص يصدق لأنه محتمل كلامه.
قال: "ومن حلف لا يسكن هذه الدار فخرج بنفسه ومتاعه وأهله فيها ولم يرد الرجوع إليها حنث" لأنه يعد ساكنها ببقاء أهله ومتاعه فيها عرفا فإن السوقي عامة نهاره في السوق ويقول أسكن سكة كذا والبيت والمحلة بمنزلة الدار ولو كان اليمين على المصر لا يتوقف البر على نقل المتاع والأهل فيما روي عن أبي يوسف رحمه الله لأنه لا يعد ساكنا في الذي انتقل عنه عرفا بخلاف الأول والقرية بمنزلة المصر في الصحيح من الجواب ثم قال أبو حنيفة رحمه الله لا بد من نقل لك المتاع حتى لو بقي وقد يحنث لأن السكنى قد ثبت بالكل فيبقى ما بقي شيء منه وقال أبو يوسف رحمه الله يعتبر نقل الأكثر لأن نقل الكل قد يتعذر وقال محمد رحمه الله يعتبر نقل ما يقوم به كدخدائيته لأن ما وراء

 

ج / 2 ص -323-       ذلك ليس من السكنى قالوا هذا أحسن وأرفق بالناس وينبغي أن ينتقل إلى منزل آخر بلا تأخير حتى يبر فإن انتقل إلى السكة إو إلى المسجد قالوا لا يبر دليله في الزيادات أن من خرج بعياله من مصره فما لم يتخذ وطنا آخر يبقى وطنه الأول في حق الصلاة كذا هذا والله أعلم بالصواب.

باب اليمين في الخروج والإتيان والركوب وغير ذلك
قال: "ومن حلف لا يخرج من المسجد فأمر إنسانا فحمله فأخرجه حنث" لأن فعل المأمور مضاف إلى الآمر فصار كما إذا ركب دابة فخرجت "ولو أخرجه مكرها لم يحنث" لأن الفعل لم ينتقل إليه لعدم الأمر "ولو حمله برضاه لا بأمره لا يحنث" في الصحيح لأن الانتقال بالأمر لا بمجرد الرضا.
قال: "ولو حلف لا يخرج من داره إلا إلى جنازة فخرج إليها ثم أتى حاجة أخرى لم يحنث" لأن الموجود خروج مستثنى والمضي بعد ذلك ليس بخروج "ولو حلف لا يخرج إلى مكة فخرج يريدها ثم رجع حنث" لوجود الخروج على قصد مكة وهو الشرط إذ الخروج هو الانفصال من الداخل إلى الخارج.
"ولو حلف لا يأتيها لم يحنث حتى يدخلها" لأنه عبارة عن الوصول قال الله تعالى:
{فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا} [الشعراء: 16] ولو حلف لا يذهب إليها قيل هو كالإتيان وقيل هو كالخروج وهو الأصح لأنه عبارة عن الزوال "وإن حلف ليأتين البصرة فلم يأتها حتى مات حنث في آخر جزء من أجزاء حياته" لأن البر قبل ذلك مرجو.
"ولو حلف ليأتينه غدا إن استطاع فهذا على استطاعة الصحة دون القدرة وفسره في الجامع الصغير وقال إذا لم يمرض ولم يمنعه السلطان ولم يجئ أمر لا يقدر على إتيانه فلم يأته حنث وإن عنى استطاعة القضاء دين فيما بينه وبين الله تعالى" وهذا لأن حقيقة الاستطاعة فيما يقارن الفعل ويطلق الاسم على سلامة الآلات وصحة الأسباب في المتعارف فعند الإطلاق ينصرف إليه وتصح نية الأول ديانة لأنه نوى حقيقة كلامه ثم قيل وتصح قضاء أيضا لما بينا وقيل لا تصح لأنه خلاف الظاهر.
قال: "ومن حلف لا تخرج امرأته إلا بإذنه فأذن لها مرة فخرجت ثم خرجت مرة أخرى بغير إذنه حنث ولا بد من الإذن في كل خروج" لأن المستثنى خروج مقرون بالإذن وما وراءه داخل في الحظر العام ولو نوى الإذن مرة يصدق ديانة لا قضاء لأنه محتمل كلامه لكنه خلاف الظاهر.

 

ج / 2 ص -324-       "ولو قال إلا أن آذن لك فأذن لها مرة واحدة فخرجت ثم خرجت بعدها بغير إذنه لم يحنث" لأن هذه كلمة غاية فتنتهي اليمين به كما إذا قال حتى آذن لك.
"ولو أرادت المرأة الخروج فقال إن خرجت فأنت طالق فجلست ثم خرجت لم يحنث" وكذلك إذا أراد رجل ضرب عبده فقال له آخر إن ضربته فعبدي هو حر فتركه ثم ضربه وهذه تسمى يمين فور وتفرد أبو حنيفة رحمه الله بإظهاره ووجهه أن مراد المتكلم الرد عن تلك الضربة والخرجة عرفا ومبني الأيمان عليه.
"ولو قال له رجل اجلس فتغد عندي فقال إن تغديت فعبدي حر فخرج فرجع إلى منزله وتغدى لم يحنث" لأن كلامه خرج مخرج الجواب فينطبق على السؤال فينصرف إلى الغداء المدعو إليه بخلاف ما إذا قال إن تغديت اليوم لأنه زاد على حرف الجواب فيجعل مبتدئا.
"ومن حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبد مأذون له مديون أو غير مديون لم يحنث" عند أبي حنيفة رحمه الله إلا أنه إذا كان عليه دين مستغرق لا يحنث وإن نوى لأنه لا ملك للمولى فيه عنده وإن كان الدين غير مستغرق أو لم يكن عليه دين لا يحنث ما لم ينوه لأن الملك فيه للمولى لكنه يضاف إلى العبد عرفا وكذا شرعا قال عليه الصلاة والسلام "
من باع عبدا وله مال فهو للبائع" الحديث فتختل الإضافة إلى المولى فلا بد من النية وقال أبو يوسف رحمه الله في الوجوه كلها يحنث إذا نواه لاختلال الإضافة وقال محمد رحمه الله يحنث وإن لم ينوه لاعتبار حقيقة الملك إذ الدين لا يمنع وقوعه السيد عندهما.

باب اليمين في الأكل والشرب
قال: "ومن حلف لا يأكل من هذه النخلة فهو على ثمرها" لأنه أضاف اليمين إلى مالا يؤكل فينصرف إلى ما يخرج منه وهو الثمر لأنه سبب له فيصلح مجازا عنه لكن الشرط أن لا يتغير بصنعة جديدة حتى لا يحنث بالنبيذ والخل والدبس المطبوخ "وإن حلف لا يأكل من هذا البسر فصار رطبا فأكله لم يحنث وكذا إذا حلف لا يأكل من هذا الرطب أو من هذا اللبن فصار تمرا أو صار اللبن شبرازا لم يحنث" لأن صفة البسورة والرطوبة داعية إلى اليمين وكذا كونه لبنا فيتقيد به ولأن اللبن مأكول فلا ينصرف اليمين إلى ما يتخذ منه بخلاف ما إذا حلف لا يكلم هذا الصبي أو هذا الشاب فكلمه بعد ما شاخ لأن هجران المسلم بمنع الكلام منهي عنه فلا يعتبر الداعي داعيا في الشرع.

 

ج / 2 ص -325-       "ولو حلف لا يأكل لحم هذا الحمل فأكل بعد ما صار كبشا حنث" لأن صفة الصغر في هذا ليست بداعية إلى اليمين فإن الممتنع عنه أكثر امتناعا عن لحم الكبش قال "ومن حلف لا يأكل بسرا فأكل رطبا لم يحنث" لأنه ليس ببسر "ومن حلف لا يأكل رطبا أو بسرا أو حلف لا يأكل رطبا ولا بسرا فأكل مذنبا حنث عند أبي حنيفة وقالا لا يحنث في الرطب" يعني بالبسر المذنب ولا في البسر بالرطب المذنب لأن الرطب المذنب يسمى رطبا والبسر المذنب يسمى بسرا فصار كما إذا كان اليمين على الشراء وله أن الرطب المذنب ما يكون في ذنبه قليل بسر والبسر المذنب على عكسه فيكون آكله آكل البسر والرطب وكل واحد مقصود في الأكل بخلاف الشراء لأنه يصادف الجملة فيتبع القليل فيه الكثير.
"ولو حلف لا يشتري رطبا فاشترى كباسة بسر فيها رطب لا يحنث" لأن الشراء يصادف الجملة والمغلوب تابع ولو كانت اليمين على الأكل يحنث لأن الأكل يصادفه شيئا فشيئا فكان كل منهما مقصودا وصار كما إذا حلف لا يشتري شعيرا أو لا يأكله فاشترى حنطة فيها حبات شعير وأكلها يحنث في الأكل دون الشراء لما قلنا.
قال: "ومن حلف لا يأكل لحما فأكل لحم السمك لا يحنث" والقياس أن يحنث لأنه يسمى لحما في القرآن وجه الاستحسان أن التسمية مجازية لأن اللحم منشؤه من الدم ولا دم فيه لكونه في الماء "وإن أكل لحم خنزير أو لحم إنسان يحنث" لأنه لحم حقيقي إلا أنه حرام واليمين قد تعقد للمنع من الحرام "وكذا إذا أكل كبدا أو كرشا" لأنه لحم حقيقة فإن نموه من الدم ويستعمل استعمال اللحم وقيل في عرفنا لا يحنث لأنه لا يعد لحما.
قال: "ولو حلف لا يأكل أو لا يشتري شحما لم يحنث إلا في شحم البطن عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا يحنث في شحم الظهر أيضا" وهو اللحم السمين لوجود خاصية الشحم فيه وهو الذوب بالنار وله أنه لحم حقيقة ألا ترى أنه ينشأ من الدم ويستعمل استعماله وتحصل به قوته ولهذا يحنث بأكله في اليمين على أكل اللحم ولا يحنث ببيعه في اليمين على بيع الشحم وقيل هذا بالعربية فأما اسم بيه بالفارسية لا يقع على شحم الظهر بحال.
"ولو حلف لا يشتري أو لا يأكل لحما أو شحما فاشترى ألية أو أكلها لم يحنث" لأنه نوع ثالث حتى لا يستعمل استعمال اللحوم والشحوم.
"ومن حلف لا يأكل من هذه الحنطة لم يحنث حتى يقضمها ولو أكل من خبزها لم

 

ج / 2 ص -326-       يحنث عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا إن أكل من خبزها حنث أيضا" لأنه مفهوم منه عرفا ولأبي حنيفة رحمه الله أن له حقيقة مستعملة فإنها تقلى وتغلى وتؤكل قضما وهي قاضية على المجاز المتعارف على ما هو الأصل عنده ولو قضمها حنث عندهما هو الصحيح لعموم المجاز كما إذا حلف لا يضع قدمه في دار فلان وإليه الإشارة بقوله في الخبز حنث أيضا.
قال: "ولو حلف لا يأكل من هذا الدقيق فأكل من خبزه حنث" لأن عينه غير مأكول فانصرف إلى ما يتخذ منه "ولو استفه كما هو لا يحنث" هو الصحيح لتعين المجاز مرادا.
"ولو حلف لا يأكل خبزا فيمينه على ما يعتاد أهل المصر أكله خبزا" وذلك خبز الحنط والشعير لأنه هو المعتاد في غالب البلدان "ولو أكل من خبز القطائف لا يحنث" لأنه لا يسمى خبزا مطلقا إلا إذا نواه لأنه محتمل كلامه "وكذا لو أكل خبز الأرز بالعراق لم يحنث" لأنه غير معتاد عندهم حتى لو كان بطبرستان أو في بلدة طعامهم ذلك يحنث.
"ولو حلف لا يأكل الشواء فهو على اللحم دون الباذنجان والجزر" لأنه يراد به اللحم المشوي عند الإطلاق إلا أن ينوي ما يشوى من بيض أو غيره لمكان الحقيقة "وإن حلف لا يأكل الطبيخ فهو على ما يطبخ من اللحم" وهذا استحسان اعتبارا للعرف وهذا لأن التعميم متعذر فيصرف إلى خاص هو متعارف وهو اللحم المطبوخ بالماء إلا إذا نوى غير ذلك لأن فيه تشديدا وإن أكل من مرقه يحنث لما فيه من أجزاء اللحم ولأنه يسمى طبيخا.
"ومن حلف لا يأكل الرؤوس فيمينه على ما يكبس في التنانير ويباع في المصر" ويقال يكنس.
"وفي الجامع الصغير لو حلف لا يأكل رأس فهو على رؤوس البقر والغنم عند أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله على الغنم خاصة" وهذا اختلاف عصر وزمان كان العرف في زمنه فيهما وفي زمنهما في الغنم خاصة وفي زماننا يفتي على حسب العادة كما هو المذكور في المختصر.
قال: "ومن حلف لا يأكل فاكهة فأكل عنبا أو رمانا أو رطبا أو قثاء أو خيارا لم يحنث وإن أكل تفاحا أو بطيخا أو مشمشا حنث وهذا عند أبي أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله حنث في العنب والرطب والرمان أيضا" والأصل أن الفاكهة اسم لما يتفكه به قبل الطعام وبعده أي يتنعم به زيادة على المعتاد والرطب واليابس فيه سواء بعد أن يكون التفكه به معتادا حتى لا يحنث بيابس البطيخ وهذا المعنى موجود في التفاح وأخواته فيحنث بها وغير موجود في القثاء والخيار لأنهما من البقول

 

ج / 2 ص -327-       بيعا وأكلا فلا يحنث بهما وأما العنب والرطب والرمان فهما يقولان إن معنى التفكه موجود فيها فإنها أعز الفواكه والتنعم بها يفوق التنعم بغيرها وأبو حنيفة رحمه الله يقول إن هذه الأشياء مما يتغذى بها ويتداوى بها فأوجب قصورا في معنى التفكه للاستعمال في حاجة البقاء ولهذا كان اليابس منها من التوابل أو من الأقوات.
قال: "ولو حلف لا يأتدم فكل شيء اصطبغ به فهو إدام والشواء ليس بإدام والملح إدام وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله كل ما يؤكل مع الخبز غالبا فهو إدام" وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله لأن الإدام من الموادمة وهي الموافقة وكل ما يؤكل مع الخبز موافق له كاللحم والبيض ونحوه ولهما أن الإدام ما يؤكل تبعا والتبعية في الاختلاط حقيقة ليكون قائما به وفي أن لا يؤكل على الانفراد حكما وتمام الموافقة في الامتزاج أيضا والخل وغيره من المائعات لا يؤكل وحده بل يشرب والملح لا يؤكل بانفراده عادة ولأنه يذوب فيكون تبعا بخلاف اللحم وما يضاهيه لأنه يؤكل وحده إلا أن ينويه لما فيه من التشديد والعنب والبطيخ ليسا بإدام هو الصحيح.
"وإذا حلف لا يتغدى فالغداء الأكل من طلوع الفجر إلى الظهر والعشاء من صلاة الظهر إلى نصف الليل" لأن ما بعد الزوال يسمى عشاء ولهذا تسمى الظهر إحدى صلاتي العشاء في الحديث.
"والسحور من نصف الليل إلى طلوع الفجر" لأنه مأخوذ من السحر ويطلق على ما يقرب منه ثم الغداء والعشاء ما يقصد به الشبع عادة وتعتبر عادة أهل كل بلدة في حقهم ويشترط أن يكون أكثر من نصف الشبع.
"ومن قال إن لبست أو أكلت أو شربت فعبدي حر وقال عنيت شيئا دون شيء لم يدين في القضاء وغيره" لأن النية إنما تصح في الملفوظ والثوب وما يضاهيه غير مذكور تنصيصا والمقتضى لا عموم له فلغت نية التخصيص فيه "وإن قال إن لبست ثوبا أو أكلت طعاما أو شربت شرابا لم يدين في القضاء خاصة" لأنه نكرة في محل الشرط فتعم فعملت نية التخصيص فيه إلا أنه خلاف الظاهر فلا يدين في القضاء.
قال: "ومن حلف لا يشرب من دجلة فشرب منها بإناء لم يحنث حتى يكرع منها كرعا عند أبي حنيفة رحمه الله" وقالا إذا شرب منها بإناء يحنث لأنه المتعارف المفهوم وله أن كلمة من للتبعيض وحقيقته في الكرع وهي مستعملة ولهذا يحنث بالكرع إجماعا فمنعت المسير إلى المجاز وإن كان متعارفا "وإن حلف لا يشرب من ماء دجلة فشرب منها بإناء

 

ج / 2 ص -328-       حنث" لأنه بعد الاغتراف بقي منسوبا إليه وهو الشرط فصار كما إذا شرب من ماء نهر يأخذ من دجلة.
"ومن قال إن لم أشرب الماء الذي في هذا الكوز اليوم فامرأته طالق وليس في الكوز ماء لم يحنث فإن كان فيه ماء فأهريق قبل الليل لم يحنث وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف يحنث في ذلك كله" يعني إذا مضى اليوم وعلى هذا الخلاف إذا كان اليمين بالله تعالى وأصله أن من شرط انعقاد اليمين وبقائه تصور البر عندهما خلافا لأبي يوسف رحمه الله لأن اليمين إنما تعقد للبر فلا بد من تصور البر ليمكن إيجابه وله أنه أمكن القول بانعقاده موجبا للبر على وجه يظهر في حق الخلف وهو الكفارة قلنا لا بد من تصور الأصل لينعقد في حق الخلف ولهذا لا ينعقد الغموس موجبا للكفارة "ولو كانت اليمين مطلقة ففي الوجه الأول لا يحنث عندهما وعند أبي يوسف رحمه الله يحنث في الحال وفي الوجه الثاني يحنث في قولهم جميعا" فأبو يوسف رحمه الله فرق بين المطلق والمؤقت ووجه الفرق أن التوقيت للتوسعة فلا يجب الفعل إلا في آخر الوقت فلا يحنث قبله وفي المطلق يجب البر كما فرغ وقد عجز فيحنث في الحال وهما فرقا بينهما ووجه الفرق أن في المطلق يجب البر كما فرغ فإذا فات البر بفوات ما عقد عليه اليمين يحنث في يمينه كما إذا مات الحالف والماء باق أما في المؤقت فيجب البر في الجزء الأخير من الوقت وعند ذلك لم تبق محلية البر لعدم التصور فلا يجب البر فيه فتبطل اليمين كما إذا عقده ابتداء في هذه الحالة.
قال: "ومن حلف ليصعدن السماء أو ليقلبن هذا الحجر ذهبا انعقدت يمينه وحنث عقيبها" وقال زفر رحمه الله لا تنعقد لأنه مستحيل عادة فأشبه المستحيل حقيقة فلا ينعقد ولنا أن البر متصور حقيقة لأن الصعود إلى السماء ممكن حقيقة ألا ترى أن الملائكة يصعدون السماء وكذا تحول الحجر ذهبا بتحويل الله تعالى وإذا كان متصورا ينعقد اليمين موجبا لخلفه ثم يحنث بحكم العجز الثابت عادة كما إذا مات الحالف فإنه يحنث مع احتمال إعادة الحياة بخلاف مسئلة الكوز لأن شرب الماء الذي في الكوز وقت الحلف ولا ماء فيه لا يتصور فلم ينعقد.

باب اليمين في الكلام
قال: "ومن حلف لا يكلم فلانا فكلمه وهو بحيث يسمع إلا أنه نائم حنث" لأنه قد كلمه ووصل إلى سمعه لكنه لم يفهم لنومه فصار كما إذا ناداه وهو بحيث يسمع لكنه لم

 

ج / 2 ص -329-       يفهم لتغافله وفي بعض روايات المبسوط شرط أن يوقظه وعليه عامة مشايخنا لأنه إذا لم يتتبه كان كما إذا ناداه من بعيد وهو بحيث لا يسمع صوته.
"ولو حلف لا يكلمه إلا بإذنه فأذن له ولم يعلم بالإذن حتى كلمه حنث" لأن الإذن مشتق من الأذان الذي هو الإعلام أو من الوقوع في الإذن وكل ذلك لا يتحقق إلا بالسماع وقال أبو يوسف لا يحنث لأن الإذن هو الإطلاق وإنه يتم بالإذن كالرضا قلنا الرضا من أعمال القلب ولا كذلك الإذن على ما مر.
قال: "وإن حلف لا يكلمه شهرا فهو من حين حلف" لأنه لو لم يذكر الشهر لتأبد اليمين فذكر الشهر لإخراج ما وراءه فبقي الذي يلي يمينه داخلا عملا بدلالة حاله بخلاف ما إذا قال والله لأصومن شهرا لأنه لو لم يذكر الشهر لم تتأبد اليمين فكان ذكره لتقدير الصوم به وأنه منكر فالتعيين إليه "وإن حلف لا يتكلم فقرأ القرآن في صلاته لا يحنث وإن قرأ في غير صلاته حنث" وعلى هذا التسبيح والتهليل والتكبير وفي القياس يحنث فيهما وهو قول الشافعي رحمه الله لأنه كلام حقيقة ولنا أنه في الصلاة ليس بكلام عرفا ولا شرعا قال عليه الصلاة والسلام "
إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" وقيل في عرفنا لا يحنث في غير الصلاة أيضا لأنه لا يسمى متكلما بل قارئا ومسبحا.
"ولو قال يوم أكلم فلانا فامرأته طالق فهو على الليل والنهار" لأن اسم اليوم إذا قرن بفعل لا يمتد يراد به مطلق الوقت قال الله تعالى:
{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [لأنفال: 16] والكلام لا يمتد "وإن عنى النهار خاصة دين في القضاء" لأنه مستعمل فيه أيضا وعن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يدين في القضاء لأنه خلاف المتعارف "ولو قال ليلة أكلم فلانا فهو على الليل خاصة" لأنه حقيقة في سواد الليل كالنهار للبياض خاصة وما جاء استعماله في مطلق الوقت.
"ولو قال إن كلمت فلانا إلا أن يقدم فلان أو قال حتى يقدم فلان أو قال إلا أن يأذن فلان أو حتى يأذن فلان فامرأته طالق فكلمه قبل القدوم والإذن حنث ولو كلمه بعد القدوم والإذن لم يحنث" لأنه غاية واليمين باقية قبل الغاية ومنتهية بعدها فلا يحنث بالكلام بعد انتهاء اليمين "وإن مات فلان سقطت اليمين" خلافا لأبي يوسف رحمه الله لأن الممنوع عنه كلام ينتهي بالإذن والقدوم ولم يبق بعد الموت متصور الوجود فسقطت اليمين وعنده التصور ليس بشرط فعند سقوط الغاية تأبد اليمين.
"ومن حلف لا يكلم عبد فلان ولم ينو عبدا بعينه أو امرأة فلان أو صديق فلان فباع

 

ج / 2 ص -330-       فلان عبده أو بانت منه امرأته أو عادى صديقه فكلمهم لم يحنث" لأنه عقد يمينه على فعل واقع في محل مضاف إلى فلان إما إضافة ملك أو إضافة نسبة ولم يوجد فلا يحنث قال رضي الله عنه هذا في إضافة الملك بالاتفاق وفي إضافة النسبة عند محمد رحمه الله يحنث كالمرأة والصديق قال في الزيادات لأن هذه الإضافة للتعريف لأن المرأة والصديق مقصودان بالهجران فلا يشترط دوامها فيتعلق الحكم بعينه كما في الإشارة ووجه ما ذكر ههنا وهو رواية الجامع الصغير أنه يحتمل أن يكون غرضه هجرانه لأجل المضاف إليه ولهذا لم يعينه فلا يحنث بعد زوال الإضافة بالشك "وإن كانت يمينه على عبد بعينه بأن قال عبد فلان هذا أو امرأة فلان بعينها أو صديق فلان بعينه لم يحنث في العبد وحنث في المرأة والصديق وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله يحنث في العبد أيضا" وهو قول زفر رحمه الله "وإن حلف لا يدخل دار فلان هذه فباعها ثم دخلها فهو على هذا الاختلاف" وجه قول محمد وزفر رحمهما الله أن الإضافة للتعريف والإشارة أبلغ منها فيه لكونها قاطعة للشركة بخلاف الإضافة فاعتبرت الإشارة ولغت الإضافة وصار كالصديق والمرأة ولهما أن الداعي إلى اليمين معني في المضاف إليه لأن هذه الأعيان لا تهجر ولا تعادى لذواتها وكذا العبد لسقوط منزلته بل لمعنى في ملاكها فتتقيد اليمين بحال قيام الملك بخلاف ما إذا كانت الإضافة إضافة نسبة كالصديق والمرأة لأنه يعادى لذاته فكانت الإضافة للتعريف والداعي لمعنى في المضاف إليه غير ظاهر لعدم التعيين بخلاف ما تقدم.
قال: "وإن حلف لا يكلم صاحب هذا الطيلسان فباعه ثم كلمه حنث" لأن هذه الإضافة لا تحتمل إلا التعريف لأن الإنسان لا يعادى لمعنى في الطيلسان فصار كما إذا أشار إليه.
"ومن حلف لا يكلم هذا الشاب فكلمه وقد صار شيخا حنث" لأن الحكم تعلق بالمشار إليه إذ الصفة في الحاضر لغو وهذه الصفة ليست بداعية إلى اليمين على ما مر من قبل.

فصل
قال: "ومن حلف لا يكلمه حينا أو زمانا أو الحين أو الزمان فهو على ستة أشهر" لأن الحين قد يراد به الزمان القليل وقد يراد به أربعون سنة قال الله تعالى:
{هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الانسان:1] وقد يراد به ستة أشهر قال الله تعالى:{تُؤْتِي أُكُلَهَا

 

ج / 2 ص -331-       كُلَّ حِينٍ} [ابراهيم: 25] وهذا هو الوسط فينصرف إليه وهذا لأن اليسير لا يقصد بالمنع لوجود الامتناع فيه عادة والمؤبد لا يقصد غالبا لأنه بمنزلة الأبد ولو سكت عنه يتأبد فيتعين ما ذكرنا وكذا الزمان يستعمل استعمال الحين يقال ما رأيتك منذ حين ومنذ زمان بمعنى وهذا إذا لم تكن له نية أما إذا نوى شيئا فهو على ما نوى لأنه نوى حقيقة كلامه "وكذلك الدهر عندهما وقال أبو حنيفة رحمه الله الدهر لا أدري ما هو" وهذا الاختلاف في المنكر هو الصحيح أما المعرف بالألف واللام يراد به الأبد عرفا لهما أن دهرا يستعمل استعمال الحين والزمان يقال ما رأيتك منذ حين ومنذ دهر بمعنى وأبو حنيفة رحمه الله توقف في تقديره لأن اللغات لا تدرك قياسا والعرف لم يعرف استمراه لاختلاف في الاستعمال.
"ولو حلف لا يكلمه أياما فهو على ثلاثة أيام" لأنه اسم جمع ذكر منكرا فيتناول أقل الجمع وهو الثلاث ولو حلف لا يكلمه الأيام فهو على عشرة أيام عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا على أيام الأسبوع ولو حلف لا يكلمه الشهور فهو على عشرة أشهر عنده وعندهما على اثني عشر شهرا لأن اللام للمعهود وهو ما ذكرنا لأنه يدور عليها وله أنه جمع معرف فينصرف إلى أقصى ما يذكر بلفظ الجمع وذلك عشرة "وكذا الجواب عنده في الجمع والسنين" وعندهما ينصرف إلى العمر لأنه لا معهود دونه "ومن قال لعبده إن خدمتني أياما كثيرة فأنت حر فالأيام الكثيرة عند أبي حنيفة رحمه الله عشرة أيام" لأنه أكثر ما يتناوله اسم الأيام وقالا سبعة أيام لأن ما زاد عليها تكرار وقيل لو كان اليمين بالفارسية ينصرف إلى سبعة أيام لأنه يذكر فيها بلفظ الفرد دون الجمع والله أعلم بالصواب.

باب اليمين في العتق والطلاق
"ومن قال لامرأته إذا ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدا ميتا طلقت وكذلك إذا قال لأمته إذا ولدت ولدا فأنت حرة" لأن الموجود مولود فيكون ولدا حقيقة ويسمى به في العرف ويعتبر ولدا في الشرع حتى تنقضي به العدة والدم بعده نفاس وأمه أم ولد له فتحقق الشرط وهو ولادة الولد.
"ولو قال إذا ولدت ولدا فهو حر فولدت ولدا ميتا ثم آخر حيا عتق الحي وحده عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا لا يعتق واحد منهما" لأن الشرط قد تحقق بولادة الميت على ما بينا فتنحل اليمين لا إلى جزاء لأن الميت ليس بمحل للحرية وهي الجزاء ولأبي حنيفة رحمه الله أن مطلق اسم الولد مقيد بوصف الحياة لأنه قصد إثبات الحرية جزاء،

 

ج / 2 ص -332-       وهي قوة حكمية تظهر في دفع تسلط الغير ولا تثبت في الميت فيتقيد بوصف الحياة فصار كما إذا قال إذا ولدت ولدا حيا بخلاف جزاء الطلاق وحرية الأم لأنه لا يصلح مقيدا.
"وإذا قال أول عبد أشتريه فهو حر فاشترى عبدا عتق" لأن الأول اسم لفرد سابق "فإن اشترى عبدين معا ثم آخر لم يعتق أحد منهم" لانعدام التفرد في الأولين والسبق في الثالث فانعدمت الأولية "وإن قال أول عبد أشتريه وحده فهو حر عتق الثالث" لأنه يراد به التفرد في حالة الشراء لأن وحده للحال لغة والثالث سابق في هذا الوصف "وإن قال آخر عبد أشتريه فهو حر فاشترى عبدا ثم مات لم يعتق" لأن الآخر اسم لفرد لاحق ولا سابق له فلا يكون لاحقا "ولو اشترى عبدا ثم عبدا ثم مات عتق الآخر" لأنه فرد لاحق فاتصف بالآخرية "ويعتق يوم اشتراه عند أبي حنيفة رحمه الله حتى يعتبر من جميع المال وقال يعتق يوم مات" حتى يعتبر من الثلث لأن الآخرية لا تثبت إلا بعدم شراء غيره بعده وذلك يتحقق بالموت فكان الشرط متحققا عند الموت فيقتصر عليه ولأبي حنيفة رحمه الله أن الموت معرف فأما اتصافه بالآخرية فمن وقت الشراء فيثبت مستندا وعلى هذا الخلاف تعليق الطلقات الثلاث به وفائدته تظهر في جريان حرمان الإرث وعدمه.
"ومن قال كل عبد بشرني بولادة فلانة فهو حر فبشره ثلاثة متفرقين عتق الأول" لأن البشارة اسم لخبر يغير بشرة الوجه ويشترط كونه سارا بالعرف وهذا إنما يتحقق من الأول "وإن بشروه معا عتقوا" لأنها تحققت من الكل "ولو قال إن اشتريت فلانا فهو حر فاشتراه ينوي به كفارة يمينه لم يجزه" لأن الشرط قران النية بعلة العتق وهي اليمين فأما الشراء فشرطه "وإن اشترى أباه ينوي عن كفارة يمينه أجزأه عندنا" خلافا لزفر والشافعي رحمهما الله لهما أن الشراء شرط العتق فأما العلة فهي القرابة وهذا لأن الشراء إثبات الملك والإعتاق إزالته وبينهما منافاة ولنا أن شراء القريب إعتاق لقوله عليه الصلاة والسلام "
لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه" جعل نفس الشراء إعتاقا لأنه لا يشترط غيره فصار نظير قوله سقاه فأرواه "ولو اشترى أم ولده لم يجزه" ومعنى هذه المسئلة أن يقول لأمة قد استولدها بالنكاح إن اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يميني ثم اشتراها فإنها تعتق لوجود الشرط ولا يجزيه عن الكفارة لأن حريتها مستحقة بالاستيلاد فلا تضاف إلى اليمين من كل وجه بخلاف ما إذا قال لقنة إن اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يميني حيث يجزيه عنها إذا اشتراها لأن حريتها غير مستحقة بجهة أخرى فلم تختل الإضافة إلى اليمين وقد قارنته النية.
"ومن قال إن تسريت جارية فهي حرية فتسرى جارية كانت في ملكه عتقت" لأن

 

ج / 2 ص -333-       اليمين انعقدت في حقها لمصادفتها الملك وهذا لأن الجارية منكرة في هذا الشرط لتتناول كل جارية على الانفراد "وإن اشترى جارية فتسراها لم تعتق بهذه اليمين" خلافا لزفر رحمه الله فإنه يقول التسري لا يصح إلا في الملك فكان ذكره ذكر الملك وصار كما إذا قال لأجنبية إن طلقتك فعبدي حر يصير التزوج مذكورا ولنا أن الملك يصير مذكورا ضرورة صحة التسري وهو شرط فيتقدر بقدره فلا يظهر في حق صحة الجزاء وهو الحرية وفي مسئلة الطلاق إنما يظهر في حق الشرط دون الجزاء حتى لو قال لها إن طلقتك فأنت طالق ثلاثا فتزوجها وطلقها واحدة لا تطلق ثلاثا فهذه وزان مسألتنا.
"ومن قال كل مملوك لي حر تعتق أمهات أولاده ومدبروه وعبيده" لوجود الإضافة المطلقة في هؤلاء إذ الملك ثابت فيهم رقبة ويدا "ولا يعتق مكاتبوه إلا أن ينويهم" لأن الملك غير ثابت يدا ولهذا لا يملك أكسابه ولا يحل له وطء المكاتبة بخلاف أم الولد والمدبرة فاختلت الإضافة فلا بد من النية.
"ومن قال لنسوة له هذه طالق أو هذه وهذه طلقت الأخيرة وله الخيار في الأوليين" لأن كلمة أو لإثبات أحد المذكورين وقد أدخلها بين الأوليين ثم عطف الثالثة على المطلقة لأن العطف للمشاركة في الحكم فيختص بمحله فصار كما إذا قال إحداكما طالق وهذه "وكذا إذا قال لعبيده هذا حر أو هذا وهذا عتق الأخير" وله الخيار في الأوليين لما بينا والله أعلم بالصواب.

باب اليمين في البيع والشراء والتزوج وغير ذلك
"ومن حلف لا يبيع أو لا يشتري أو لا يؤاجر فوكل من فعل ذلك لم يحنث" لأن العقد وجد من العاقد حتى كانت الحقوق عليه ولهذا لو كان العاقد هو الحالف يحنث في يمينه فلم يوجد ما هو الشرط وهو العقد من الآمر وإنما الثابت له حكم العقد "إلا أن ينوي ذلك" لأن فيه تشديدا "أو يكون الحالف ذا سلطان" لا يتولى العقد بنفسه لأنه يمنع نفسه عما يعتاده "ومن حلف لا يتزوج أولا يطلق أولا يعتق فوكل بذلك حنث" لأن الوكيل في هذا سفير ومعبر ولهذا لا يضيفه إلى نفسه بل إلى الآمر وحقوق العقد ترجع إلى الآمر لا إليه "ولو قال عنيت أن لا أتكلم به لم يدين في القضاء خاصة" وسنشير إلى المعنى في الفرق إن شاء الله تعالى "ولو حلف لا يضرب عبده أو لا يذبح شاته فأمر غيره ففعل يحنث في يمينه" لأن المالك له ولاية ضرب عبده وذبح شاته فيملك تولية غيره ثم منفعته راجعة إلى الآمر، فيجعل هو مباشرا إذ لا حقوق له ترجع إلى المأمور "ولو قال عنيت أن لا أتولى ذلك بنفسي

 

ج / 2 ص -334-       دين في القضاء" بخلاف ما تقدم من الطلاق وغيره ووجه الفرق أن الطلاق ليس إلا تكلما بكلام يفضي إلى وقوع الطلاق عليها والأمر بذلك مثل التكلم به واللفظ ينتظمهما فإذا نوى التكلم به فقد نوى الخصوص في العام فيدين ديانة لا قضاء أما الذبح والضرب ففعل حسي يعرف بأثره والنسبة إلى الآمر بالتسبيب مجاز فإذا نوى الفعل بنفسه فقد نوى الحقيقة فيصدق ديانة وقضاء "ومن حلف لا يضرب ولده فأمر إنسانا فضربه لم يحنث في يمينه" لأن منفعة ضرب الولد عائدة إليه وهو التأدب والتثقف فلم ينسب فعله إلى الآمر بخلاف الأمر بضرب العبد لأن منفعة الائتمار بأمره عائدة إلى الآمر فيضاف الفعل إليه.
"ومن قال لغيره إن بعت لك هذا الثوب فامرأته طالق فدس المحلوف عليه ثوبه في ثياب الحلف فباعه ولم يعلم لم يحنث" لأن حرف اللام دخل على البيع فيقتضي اختصاصه به وذلك بأن يفعله بأمره إذ البيع تجري فيه النيابة ولم توجد بخلاف ما إذا قال إن بعت ثوبا لك حيث يحنث إذا باع ثوبا مملوكا له سواء كان بأمره أو بغير أمره علم بذلك أو لم يعلم لأن حرف اللام دخل على العين لنه أقرب إليه فيقتضي الاختصاص به وذلك بأن يكون مملوكا له ونظيره الصياغة والخياطة وكل ما تجري فيه النيابة بخلاف الأكل والشرب وضرب الغلام لأنه لا يحتمل النيابة فلا يفترق الحكم فيه في الوجهين.
"ومن قال هذا العبد حر إن بعته فباعه على أنه بالخيار عتق" لوجود الشرط وهو البيع والملك فيه قائم فينزل الجزاء "وكذلك لو قال المشتري إن اشتريته فهو حر فاشتراه على أنه بالخيار عتق" أيضا لأن الشرط قد تحقق وهو الشراء والملك قائم فيه وهذا على أصلهما ظاهر وكذا على أصله لأن هذا العتق بتعليقه والمعلق كالمنجز ولو نجز العتق يثبت الملك سابقا عليه فكذا هذا.
"ومن قال إن لم أبع هذا لعبد أو هذه الأمة فامرأته طالق فأعتق أو دبر طلقت امرأته" لأن الشرط قد تحقق وهو عدم البيع لفوات محلية البيع.
"وإذا قالت المرأة لزوجها تزوجت علي فقال كل امرأة لي طالق ثلاثا طلقت هذه التي حلفته في القضاء" وعن أبي يوسف رحمه الله أنها لا تطلق لأنه أخرجه جوابا فينطبق عليه ولأن غرضه إرضاؤها وهو بطلاق غيرها فيتقيد به ووجه الظاهر عموم الكلام وقد زاد على حرف الجواب فيجعل مبتدئا وقد يكون غرضه إيحاشها حين اعترضت عليه فيما أحله الشرع ومع التردد لا يصلح مقيدا وإن نوى غيرها يصدق ديانة لا قضاء لأنه تخصيص العام والله أعلم بالصواب.

 

ج / 2 ص -335-       باب اليمين في الحج والصلاة والصوم
قال: "ومن قال وهو في الكعبة أو في غيرها علي المشي إلى بيت الله تعالى أو إلى الكعبة فعليه حجة أو عمرة ماشيا وإن شاء ركب وأهراق دما" وفي القياس لا يلزمه شيء لأنه التزم ما ليس بقربة واجبة ولا مقصودة في الأصل ومذهبنا مأثور عن علي رضي الله عنه ولأن الناس تعارفوا إيجاب الحج والعمرة بهذا اللفظ فصار كما إذا قال علي زيارة البيت ماشيا فيلزمه ماشيا وإن شاء ركب وأهراق دما وقد ذكرناه في المناسك.
"ولو قال علي الخروج أو الذهاب إلى بيت الله تعالى فلا شيء عليه" لأن التزام الحج أو العمرة بهذا الففظ غير متعارف.
"ولو قال علي المشي إلى الحرم إو إلى الصفا والمروة فلا شيء عليه" وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله "وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله في قوله علي المشي إلى الحرم حجة أو عمرة" ولو قال إلى المسجد الحرام فهو على هذا الاختلاف لهما أن الحرم شامل على البيت بالاتصال وكذا المسجد الحرام شامل على البيت فصار ذكره كذكره بخلاف الصفا والمروة لأنهما منفصلان عنه وله أن التزام الإحرام بهذه العبارة غير متعارف ولا يمكن إيجابه باعتبار حقيقة اللفظ فامتنع أصلا.
"ومن قال عبدي حر إن لم أحج العام فقال حججت وشهد شاهدان على أنه ضحى العام بالكوفة لم يعتق عبده وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله يعتق" لأن هذه شهادة قامت على أمر معلوم وهو التضحية ومن ضرورته انتفاء الحج فيتحقق الشرط ولهما أنها قامت على النفي لأن المقصود منها نفي الحج لا إثبات التضحية لأنه لا مطالب لها فصار كما إذا شهدوا أنه لم يحج العام غاية الأمر أن هذا النفي مما يحيط علم الشاهد به ولكنه لا يميز بين نفي ونفي تيسيرا.
"ومن حلف لا يصوم فنوى الصوم وصام ساعة ثم أفطر من يومه حنث" لوجود الشرط إذ الصوم هو ا لإمساك عن المفطرات على قصد التقرب.
"ولو حلف لا يصوم يوما أو صوما فصام ساعة ثم أفطر لا يحنث" لأنه يراد به الصوم التام المعتبر شرعا وذلك بإنهائه إلى آخر اليوم واليوم صريح في تقدير المدة به.
"ولو حلف لا يصلي فقام وقرأ وركع لم يحنث وإن سجد مع ذلك ثم قطع حنث" والقياس أن يحنث بالافتتاح اعتبارا بالشروع في الصوم وجه الاستحسان أن الصلاة عبارة

 

ج / 2 ص -336-       عن الأركان المختلفة فما لم يأت بجميعها لا يسمى صلاة بخلاف الصوم لأنه ركن واحد وهو الإمساك ويتكرر في الجزء الثاني.
"ولو حلف لا يصلي صلاة لا يحنث مالم يصل ركعتين" لأنه يراد به الصلاة المعتبرة شرعا وأقلها ركعتان للنهي عن البتيراء والله أعلم.

باب اليمين في لبس الثياب والحلي وغير ذلك
"ومن قال لامرأته إن لبست من غزلك فهو هدي فاشترى قطنا لغزلته ونسجته فلبسه فهو هدي عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا ليس عليه أن يهدي حتى تغزل من قطن ملكه يوم حلف" ومعنى الهدي التصدق به بمكة لأنه اسم لما يهدى إليها لهما أن النذر إنما يصح في الملك أو مضافا إلى سبب الملك ولم يوجد لأن اللبس وغزل المرأة ليسا من أسباب ملكه وله أن غزل المرأة عادة يكون من قطن الزوج والمعتاد هو المراد وذلك سبب لملكه ولهذا يحنث إذا غزلت من قطن مملوك له وقت النذر لأن القطن لم يصر مذكورا.
"ومن حلف لا يلبس حليا فلبس خاتم فضة لم يحنث" لأنه ليس بحلي عرفا ولا شرعا حتى أبيح استعماله للرجال والتختم به لقصد الختم "وإن كان من ذهب حنث" لأنه حلي ولهذا لا يحل استعماله للرجال.
"ولو لبس عقد لؤلؤ غير مرصع لا يحنث عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا يحنث" لأنه حلي حقيقة حتى سمي به في القرآن وله أنه يتحلى به عرفا إلا مرصعا ومبنى الأيمان على العرف وقيل هذا اختلاف عصر وزمان ويفتى بقولهما لأن التحلي به على الإنفراد معتاد.
"ومن حلف لا ينام على فراش فنام عليه وفوقه قرام حنث" لأنه تبع للفراش فيعد نائما عليه "وإن جعل فوقه فراشا آخر فنام عليه لم يحنث" لأن مثل الشيء لا يكون تبعا له فقطع النسبة عن الأول "ولو حلف لا يجلس على الأرض فجلس على بساط أو حصير لم يحنث" لأنه لا يسمى جالسا على الأرض بخلاف ما إذا حال بينه وبين الأرض لباسه لأنه تبع له فلا يعتبر حائلا "وإن حلف لا يجلس على سرير فجلس على سرير فوقه بساط أو حصير حنث" لأنه يعد جالسا عليه والجلوس على السرير في العادة كذلك بخلاف ما إذا جعل فوقه سريرا آخر لأنه مثل الأول فقطع النسبة عنه والله أعلم بالصواب.

باب اليمين في القتل والضرب وغيره
"ومن قال لآخر: إن ضربتك فعبدي حر فمات فضربه فهو على الحياة" لأن الضرب

 

ج / 2 ص -337-       اسم لفعل مؤلم يتصل بالبدن والإيلام لا يتحقق في الميت ومن يعذب في القبر توضع فيه الحياة في قول العامة وكذلك الكسوة لأنه يراد به التمليك عند الإطلاق ومنه الكسوة في الكفارة وهو من الميت لا يتحقق إلا أن ينوي به الستر وقيل بالفارسية ينصرف إلى اللبس "وكذا الكلام والدخول" لأن المقصود من الكلام الإفهام والموت ينافيه والمراد من الدخول عليه زيارته وبعد الموت يزار قبره لا هو.
"ولو قال إن غسلتك فعبدي حر فغسله بعد ما مات يحنث" لأن الغسل هو الإسالة ومعناه التطهير ويتحقق ذلك في الميت "ومن حلف لا يضرب امرأته فمد شعرها أو خنقها أو عضها حنث" لأنه اسم لفعل مؤلم وقد تحقق الإيلام وقيل لا يحنث في حال الملاعبة لأنه يسمى ممازحة لا ضربا "ومن قال إن لم أقتل فلانا فامرأته طالق وفلان ميت وهو عالم به حنث" لأنه عقد يمينه على حياة يحدسها الله تعالى فيه وهو متصور فينعقد ثم يحنث للعجز العادي "وإن لم يعلم به لا يحنث" لأنه عقد يمينه على حياة كانت فيه ولا تتصور فيصير قياس مسئلة الكوز على الاختلاف وليس في تلك المسئلة تفصيل العلم هو الصحيح والله أعلم بالصواب.

باب اليمين في تقاضي الدراهم
قال: "ومن حلف ليقضين دينه إلى قريب فهو على ما دون الشهر وإن قال إلى بعيد فهو أكثر من شهر" لأن ما دونه يعد قريبا والشهر وما زاد عليه يعد بعيدا ولهذا يقال عند بعد العهد ما لقيتك منذ شهر "ومن حلف ليقضين فلانا دينه اليوم فقضاه ثم وجد فلان بعضها زيوفا أو نبهرجة أو مستحقة لم يحنث الحالف" لأن الزيافة عيب والعيب لا يعدم الجنس ولهذا لو تجوز به صار مستوفيا فوجد شرط البر وقبض المستحقة صحيح ولا يرتفع برده البر المتحقق "وإن وجدها رصاصا أو ستوقة حنث" لأنهما ليسا من جنس الدراهم حتى لا يجوز التجوز بهما في الصرف والسلم "وإن باعه بها عبدا وقبضه بر في يمينه" لأن قضاء الدين طريقه المقاصة وقد تحققت بمجرد البيع فكأنه شرط القبض ليتقرر به "وإن وهبها له" يعني الدين "لم يبر" لعدم المقاصة لأن القضاء فعله والهبة إسقاط من صاحب الدين.
"ومن حلف لا يقبض دينه درهما دون درهم فقبض بعضه لم يحنث حتى يقبض جميعه متفرقا" لأن الشرط قبض الكل لكنه بوصف التفرق ألا يرى أنه أضاف القبض إلى دين معرف مضاف إليه فينصرف إلى كله فلا يحنث إلا به "فإن قبض دينه في وزنين ولم يتشاغل بينهما إلا بعمل الوزن لم يحنث وليس ذلك بتفريق" لأنه قد يتعذر قبض الكل دفعة واحدة

 

ج / 2 ص -338-       عادة فيصير هذا القدر مستثنى عنه "ومن قال إن كان لي إلا مائة درهم فامرأته طالق فلم يملك إلا خمسين درهما لم يحنث" لأن المقصود منه عرفا نفي ما زاد على المائة ولأن استثناء المائة استثناؤها بجميع أجزائها "وكذلك لو قال غير مائة أو سوى مائة" لأن كل ذلك أداة الاستثناء والله أعلم بالصواب.

مسائل متفرقة
"وإذا حلف لا يفعل كذا تركه أبدا" لأنه نفي الفعل مطلقا فعم الامتناع ضرورة عموم النفي "وإن حلف ليفعلن كذا ففعله مرة واحدة بر في يمينه" لأن الملتزم فعل واحد غير عين إذ المقام مقام الإثبات فيبر بأي فعل فعله وإنما يحنث بوقوع اليأس عنه وذلك بموته أو بفوت محل الفعل.
"وإذا استحلف الوالي رجلا ليعلمنه بكل داعر دخل البلد فهذا على حال ولايته خاصة" لأن المقصود منه دفع شره أو شر غيره بزجره فلا يفيد فائدته بعد زوال سلطنته والزوال بالموت وكذا بالعزل في ظاهر الرواية "ومن حلف أن يهب عبده لفلان فوهبه ولم يقبل فقد بر في يمينه" خلافا لزفر رحمه الله فإنه يعتبره بالبيع لأنه تمليك مثله ولنا أنه عقد تبرع فيتم بالمتبرع ولهذا يقال وهب ولم يقبل ولأن المقصود إظهار السماحة وذلك يتم به أما البيع فمعاوضة فاقتضى الفعل من الجانبين.
"ومن حلف لا يشم ريحانا فشم وردا أو ياسمينا لا يحنث" لأنه اسم لما لا ساق له ولهما ساق "ولو حلف لا يشتري بنفسجا ولا نية له فهو على دهنه" اعتبارا للعرف ولهذا يسمى بائعه بائع البنفسج والشراء ينبني عليه وقيل في عرفنا يقع على الورق "وإن حلف على الورد فاليمين على الورق" لأنه حقيقة فيه والعرف مقرر له وفي البنفسج قاض عليه والله أعلم بالصواب.