الهداية في شرح بداية المبتدي

ج / 2 ص -415-       كتاب اللقيط
اللقيط سمي به باعتبار مآله لما أنه يلقط والالتقاط مندوب إليه لما فيه من إحيائه وإن غلب على ظنه ضياعه فواجب.
قال: "اللقيط حر" لأن الأصل في بني آدم إنما هو الحرية وكذا الدار دار الأحرار ولأن الحكم للغالب "ونفقته في بيت المال" هو المروي عن عمر وعلي رضي الله عنهما ولأنه مسلم عاجز عن التكسب ولا مال له ولا قرابة فأشبه المقعد الذي لا مال له ولا قرابة ولأن ميراثه لبيت المال والخراج بالضمان ولهذا كانت جنايته فيه والملتقط متبرع في الإنفاق عليه لعدم الولاية إلا أن يأمره القاضي به ليكون دينا عليه لعموم الولاية.
قال: "فإن التقطه رجل لم يكن لغيره أن يأخذه منه" لأنه ثبت حق الحفظ له لسبق يده "فإن ادعى مدع أنه ابنه فالقول قوله" معناه إذا لم يدع الملتقط نسبه وهذا استحسان والقياس أن لا يقبل قوله لأنه يتضمن إبطال حق الملتقط وجه الاستحسان أنه إقرار للصبي بما ينفعه لأنه يتشرف بالنسب ويعير بعدمه ثم قيل يصح في حقه دون إبطال يد الملتقط وقيل يبتنى عليه بطلان يده ولو ادعاه الملتقط قيل يصح قياسا واستحسانا والأصح أنه على القياس والاستحسان وقد عرف في الأصل "وإن ادعاه اثنان ووصف أحدهما علامة في جسده فهو أولى به" لأن الظاهر شاهد له لموافقة العلامة كلامه وإن لم يصف أحدهما علامة فهو ابنهما لاستوائهما في السبب ولو سبقت دعوة أحدهما فهو ابنه لأنه ثبت حقه في زمان لا منازع له فيه إلا إذا أقام الآخر البينة لأن البينة أقوى.
"وإذا وجد في مصر من أمصار المسلمين أو في قرية من قراهم فادعى ذمي أنه ابنه ثبت نسبه منه وكان مسلما" وهذا استحسان لأن دعواه تضمن النسب وهو نافع للصغير وإبطال الإسلام ثابت بالدار وهو يضره فصحت دعوته فيما ينفعه دون ما يضره "وإن وجد في قرية من قرى أهل الذمة أو في بيعة أو كنيسة كان ذميا" وهذا الجواب فيما إذا كان الواجد ذميا رواية واحدة وإن كان الواجد مسلما في هذا المكان أو ذميا في مكان المسلمين اختلفت الرواية فيه ففي رواية كتاب اللقيط اعتبر المكان لسبقه وفي كتاب الدعوى في بعض النسخ

 

ج / 2 ص -416-       اعتبر الواجد وهو رواية ابن سماعة عن محمد رحمه الله لقوة اليد ألا ترى أن تبعية الأبوين فوق تبعية الدار حتى إذا سبي مع الصغير أحدهما يعتبر كافرا وفي بعض نسخه اعتبر الإسلام نظرا للصغير.
"ومن ادعى أن اللقيط عبده لم يقبل منه" لأنه حر ظاهرا إلا أن يقيم البينة أنه عبده "فإن ادعى عبد أنه ابنه ثبت نسبه منه" لأنه ينفعه "وكان حرا" لأن المملوك قد تلد له الحرة فلا تبطل الحرية الظاهرة بالشك.
"والحر في دعوته اللقيط أولى من العبد والمسلم أولى من الذمي" ترجيحا لما هو الأنظر في حقه "وإن وجد مع اللقيط مال مشدود عليه فهو له" اعتبارا للظاهر وكذا إذا كان مشدودا على دابة وهو عليها لما ذكرنا ثم يصرفه الواجد إليه بأمر القاضي لأنه مال ضائع وللقاضي ولاية صرف مثله إليه وقيل يصرفه بغير أمر القاضي لأنه للقيط ظاهرا "وله ولاية الإنفاق وشراء مالا بد له منه" كالطعام والكسوة لأنه من الإنفاق.
"ولا يجوز تزويج الملتقط" لانعدام سبب الولاية من القرابة والملك والسلطنة. قال "ولا تصرفه في مال الملتقط" اعتبارا بالأم وهذا لأن ولاية التصرف لتثمير المال وذلك يتحقق بالرأي الكامل والشفقة الوافرة والموجود في كل واحد منهما أحدهما.
قال: "ويجوز أن يقبض له الهبة" لأنه نفع محض ولهذا يملكه الصغير بنفسه إذا كان عاقلا وتملكه الأم ووصيها.
قال: "ويسلمه في صناعة" لأنه من باب تثقيفه وحفظ حاله قال: "ويؤاجره" قال العبد الضعيف: وهذا رواية القدوري في مختصره.
وفي الجامع الصغير لا يجوز أن يؤاجره ذكره في الكراهية وهو الأصح وجه الأول أنه يرجع إلى تثقيفه ووجه الثاني أنه لا يملك إتلاف منافعه فأشبه العم بخلاف الأم لأنها تملكه على ما نذكره في الكراهية إن شاء الله تعالى والله أعلم بالصواب.