الهداية
في شرح بداية المبتدي ج / 3 ص -154-
كتاب الدعوى
قال:
"المدعي من لا يجبر على الخصومة إذا تركها
والمدعى عليه من يجبر على الخصومة"
ومعرفة الفرق بينهما من أهم ما يبتنى عليه
مسائل الدعوى، وقد اختلفت عبارات المشايخ
رحمهم الله فيه، فمنها ما قال في الكتاب وهو
حد عام صحيح. وقيل المدعي من لا يستحق إلا
بحجة كالخارج، والمدعى عليه من يكون مستحقا
بقوله من غير حجة كذي اليد، وقيل المدعي من
يتمسك بغير الظاهر والمدعى عليه من يتمسك
بالظاهر. وقال محمد رحمه الله في الأصل:
المدعى عليه هو المنكر، وهذا صحيح لكن الشأن
في معرفته والترجيح بالفقه عند الحذاق من
أصحابنا رحمهم الله لأن الاعتبار للمعاني دون
الصور، فإن المودع إذا قال رددت الوديعة
فالقول له مع اليمين وإن كان مدعيا للرد صورة
لأنه ينكر الضمان معنى.
قال:
"ولا تقبل الدعوى حتى يذكر شيئا معلوما في
جنسه وقدره" لأن فائدة الدعوى
الإلزام بواسطة إقامة الحجة، والإلزام في
المجهول لا يتحقق.
"فإن كان عينا في يد المدعى
عليه كلف إحضارها ليشير إليها بالدعوى"،
وكذا في الشهادة والاستحلاف، لأن الإعلام
بأقصى ما يمكن شرط وذلك بالإشارة في المنقول
لأن النقل ممكن والإشارة أبلغ في التعريف،
ويتعلق بالدعوى وجوب الحضور، وعلى هذا القضاة
من آخرهم في كل عصر، ووجوب الجواب إذا حضر
ليفيد حضوره ولزوم إحضار العين المدعاة لما
قلنا واليمين إذا أنكره، وسنذكره إن شاء الله
تعالى.
قال:
"وإن لم تكن حاضرة ذكر قيمتها ليصير المدعى
معلوما" لأن العين لا تعرف
بالوصف، والقيمة تعرف به وقد تعذر مشاهدة
العين. وقال الفقيه أبو الليث: يشترط مع بيان
القيمة ذكر الذكورة والأنوثة.
قال:
"وإن ادعى عقارا حدده وذكر أنه في يد المدعى
عليه وأنه يطالبه به" لأنه
تعذر التعريف بالإشارة لتعذر النقل فيصار إلى
التجديد فإن العقار يعرف به، ويذكر الحدود
ج / 3 ص -155-
الأربعة، ويذكر أسماء أصحاب الحدود وأنسابهم،
ولا بد من ذكر الجد لأن تمام التعريف به عند
أبي حنيفة على ما عرف هو الصحيح، ولو كان
الرجل مشهورا يكتفي بذكره، فإن ذكر ثلاثة من
الحدود يكتفى بها عندنا خلافا لزفر لوجود
الأكثر، بخلاف ما إذا غلط في الرابعة لأنه
يختلف به المدعى ولا كذلك بتركها، وكما يشترط
التحديد في الدعوى يشترط في الشهادة. وقوله في
الكتاب وذكر أنه في يد المدعى عليه لا بد منه
لأنه إنما ينتصب خصما إذا كان في يده، وفي
العقار لا يكتفى بذكر المدعي وتصديق المدعى
عليه أنه في يده بل لا تثبت اليد فيه إلا
بالبينة، أو علم القاضي هو الصحيح نفيا لتهمة
المواضعة إذ العقار عساه في يد غيرهما، بخلاف
المنقول لأن اليد فيه مشاهدة. وقوله وأنه
يطالبه به لأن المطالبة حقه فلا بد من طلبه،
ولأنه يحتمل أن يكون مرهونا في يده أو محبوسا
بالثمن في يده، وبالمطالبة يزول هذا الاحتمال،
وعن هذا قالوا في المنقول يجب أن يقول في يده
بغير حق.
قال:
"وإن كان حقا في الذمة ذكر أنه يطالبه به"
لما قلنا، وهذا لأن صاحب الذمة قد حضر فلم يبق
إلا المطالبة لكن لا بد من تعريفه بالوصف لأنه
يعرف به
قال:
"وإذا صحت الدعوى سأل المدعى عليه عنها"
لينكشف له وجه الحكم
"فإن اعترف قضي عليه بها" لأن
الإقرار موجب بنفسه فيأمره بالخروج عنه
"وإن أنكر سأل المدعي البينة"
لقوله عليه الصلاة والسلام:
" ألك بينة؟" فقال لا، فقال: "لك يمينه" سأل ورتب اليمين على فقد البينة فلا بد من السؤال ليمكنه
الاستحلاف.
قال:
"فإن أحضرها قضي بها" لانتفاء
التهمة عنها
"وإن عجز عن ذلك وطلب يمين خصمه استحلفه
عليها" لما روينا، ولا بد من
طلبه لأن اليمين حقه؛ ألا يرى أنه كيف أضيف
إليه بحرف اللام فلا بد من طلبه.
باب اليمين
"وإذا قال المدعي لي بينة حاضرة وطلب اليمين
لم يستحلف" عند أبي حنيفة
رحمه الله، معناه حاضرة في المصر وقال أبو
يوسف: يستحلف لأن اليمين حقه بالحديث المعروف،
فإذا طالبه به يجيبه. ولأبي حنيفة رحمه الله
أن ثبوت الحق في العين مرتب على العجز عن
إقامة البينة لما روينا فلا يكون حقه دونه،
كما إذا كانت البينة حاضرة في المجلس. ومحمد
مع أبي يوسف رحمهما الله فيما ذكره الخصاف،
ومع أبي حنيفة فيما ذكره الطحاوي رحمه الله.
قال:
"ولا ترد اليمين على المدعي"
لقوله عليه الصلاة والسلام: "البينة على المدعي
ج / 3 ص -156-
واليمين
على من أنكر" قسم والقسمة تنافي الشركة، وجعل جنس الأيمان على المنكرين وليس
وراء الجنس شيء، وفيه خلاف الشافعي رحمه الله.
قال:
"ولا تقبل بينة صاحب اليد في الملك المطلق،
وبينة الخارج أولى". وقال
الشافعي: يقضى ببينة ذي اليد لاعتضادها باليد
فيتقوى الظهور وصار كالنتاج والنكاح ودعوى
الملك مع الإعتاق والاستيلاد والتدبير. ولنا
أن بينة الخارج أكثر إثباتا أو إظهارا لأن قدر
ما أثبته اليد لا يثبته بينة ذي اليد، إذ اليد
دليل مطلق الملك، بخلاف النتاج لأن اليد لا
تدل عليه، وكذا على الإعتاق وأختيه وعلى
الولاء الثابت بها.
قال:
"وإذا نكل المدعى عليه عن اليمين قضي عليه
بالنكول وألزمه ما ادعى عليه"
وقال الشافعي: لا يقضى به بل يرد اليمين على
المدعي، فإذا حلف يقضي به لأن النكول يحتمل
التورع عن اليمين الكاذبة والترفع عن الصادقة
واشتباه الحال فلا ينتصب حجة مع الاحتمال،
ويمين المدعي دليل الظهور فيصار إليه. ولنا أن
النكول دل على كونه باذلا أو مقرا، إذ لولا
ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب ودفعا
للضرر عن نفسه فترجح هذا الجانب، ولا وجه لرد
اليمين على المدعي لما قدمناه.
قال:
"وينبغي للقاضي أن يقول له إني أعرض عليك
اليمين ثلاثا، فإن حلفت وإلا قضيت عليك بما
ادعاه" وهذا الإنذار لإعلامه
بالحكم إذ هو موضع الخفاء.
قال:
"فإذا كرر العرض عليه ثلاث مرات قضي عليه
بالنكول" وهذا التكرار ذكره
الخصاف رحمه الله لزيادة الاحتياط والمبالغة
في إبلاء العذر، فأما المذهب أنه لو قضي
بالنكول بعد العرض مرة جاز لما قدمناه هو
الصحيح والأول أولى، ثم النكول قد يكون حقيقيا
كقوله لا أحلف، وقد يكون حكميا بأن يسكت،
وحكمه حكم الأول إذا علم أنه لا آفة به من طرش
أو خرس هو الصحيح.
قال:
"وإن كانت الدعوى نكاحا لم يستحلف المنكر"
عند أبي حنيفة رحمه الله، ولا يستحلف عنده في
النكاح والرجعة والفيء في الإيلاء والرق
والاستيلاد والنسب والولاء والحدود واللعان.
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: يستحلف في
ذلك كله إلا في الحدود واللعان.
وصورة الاستيلاد: أن تقول الجارية أنا أم ولد
لمولاي وهذا ابني منه وأنكر المولى، لأنه لو
ادعى المولى ثبت الاستيلاد بإقراره ولا يلتفت
إلى إنكارها. لهما أن النكول إقرار لأنه يدل
على كونه كاذبا في الإنكار على ما قدمناه، إذ
لولا ذلك لأقدم على اليمين الصادقة
ج / 3 ص -157-
إقامة
للواجب فكان إقرارا أو بدلا عنه، والإقرار
يجري في هذه الأشياء لكنه إقرار فيه شبهة،
والحدود تندرئ بالشبهات، واللعان في معنى
الحد. ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه بذل
لأن معه لا تبقى اليمين واجبة لحصول المقصود
وإنزاله باذلا أولى كي لا يصير كاذبا في
الإنكار، والبذل لا يجري في هذه الأشياء.
وفائدة الاستحلاف القضاء بالنكول فلا يستحلف،
إلا أن هذا بذل لدفع الخصومة فيملكه المكاتب
والعبد المأذون بمنزلة الضيافة اليسيرة، وصحته
في الدين بناء على زعم المدعي وهو ما يقبضه
حقا لنفسه، والبذل معناه هاهنا ترك المنع وأمر
المال هين.
قال:
"ويستحلف السارق، فإن نكل ضمن ولم يقطع"
لأن المنوط بفعله شيئان: الضمان ويعمل فيه
النكول. والقطع ولا يثبت به فصار كما إذا شهد
عليها رجل وامرأتان.
قال:
"وإذا ادعت المرأة طلاقا قبل الدخول استحلف
الزوج، فإن نكل ضمن نصف المهر في قولهم جميعا"
لأن الاستحلاف يجري في الطلاق عندهم لا سيما
إذا كان المقصود هو المال، وكذا في النكاح إذا
ادعت هي الصداق لأن ذلك دعوى المال، ثم يثبت
المال بنكوله ولا يثبت النكاح، وكذا في النسب
إذا ادعى حقا كالإرث والحجر في اللقيط،
والنفقة وامتناع الرجوع في الهبة، لأن المقصود
هذه الحقوق، وإنما يستحلف في النسب المجرد
عندهما إذا كان يثبت بإقراره كالأب والابن في
حق الرجل والأب في حق المرأة، لأن في دعواها
الابن تحميل النسب على الغير والمولى والزوج
في حقهما.
قال:
"ومن ادعى قصاصا على غيره فجحده استحلف"
بالإجماع
"ثم إن نكل عن اليمين فيما دون النفس يلزمه
القصاص، وإن نكل في النفس حبس حتى يحلف أو
يقر" وهذا عند أبي حنيفة رحمه
الله، وقالا: لزمه الأرش فيهما لأن النكول
إقرار فيه شبهة عندهما فلا يثبت به القصاص
ويجب به المال، خصوصا إذا كان امتناع القصاص
لمعنى من جهة من عليه، كما إذا أقر بالخطأ
والولي يدعي العمد. ولأبي حنيفة رحمه الله أن
الأطراف يسلك بها مسلك الأموال فيجري فيها
البذل، بخلاف الأنفس فإنه لو قال اقطع يدي
فقطعها لا يجب الضمان، وهذا إعمال للبذل إلا
أنه لا يباح لعدم الفائدة، وهذا البذل مفيد
لاندفاع الخصومة به فصار كقطع اليد للآكلة
وقلع السن للوجع، وإذا امتنع القصاص في النفس
واليمين حق مستحق يحبس به كما في القسامة.
قال:
"وإذا قال المدعي لي بينة حاضرة قيل، لخصمه
أعطه كفيلا بنفسك ثلاثة أيام"
كي لا يغيب نفسه فيضيع حقه والكفالة بالنفس
جائزة عندنا وقد مر من قبل، وأخذ الكفيل
ج / 3 ص -158-
بمجرد
الدعوى استحسان عندنا لأن فيه نظرا للمدعي
وليس فيه كثير ضرر بالمدعى عليه وهذا لأن
الحضور مستحق عليه بمجرد الدعوى حتى يعدى عليه
ويحال بينه وبين أشغاله فصح التكفيل بإحضاره
والتقدير بثلاثة أيام مروي عن أبي حنيفة رحمه
الله، وهو الصحيح، ولا فرق في الظاهر بين
الخامل والوجيه والحقير من المال والخطير، ثم
لا بد من قوله لي بينة حاضرة للتكفيل ومعناه
في المصر، حتى لو قال المدعي لا بينة لي أو
شهودي غيب لا يكفل لعدم الفائدة.
قال:
"فإن فعل وإلا أمر بملازمته"
كي لا يذهب حقه
"إلا أن يكون غريبا فيلازم مقدار مجلس القاضي"
وكذا لا يكفل إلا إلى آخر المجلس، فالاستثناء
منصرف إليهما لأن في أخذ الكفيل والملازمة
زيادة على ذلك إضرارا به بمنعه عن السفر ولا
ضرر في هذا المقدار ظاهرا، وكيفية الملازمة
نذكرها في كتاب الحجر إن شاء الله تعالى.
فصل: في كيفية
اليمين والاستحلاف
قال:
"واليمين بالله عز وجل دون غيره"
لقوله عليه الصلاة والسلام:
"من كان منكم حالفا فليحلف بالله أو ليذر"
وقال عليه الصلاة والسلام:
"من حلف بغير الله فقد أشرك"
"وقد تؤكد بذكر أوصافه"
وهو التغليظ، وذلك مثل قوله: قل والله الذي لا
إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن
الرحيم، الذي يعلم من السر ما يعلم من
العلانية، ما لفلان هذا عليك ولا قبلك هذا
المال الذي ادعاه وهو كذا وكذا ولا شيء منه.
وله أن يزيد في التغليظ على هذا وله أن ينقص
منه، إلا أنه يحتاط فيه كي لا يتكرر عليه
اليمين، لأن المستحق يمين واحدة، والقاضي
بالخيار إن شاء غلظ وإن شاء لم يغلظ فيقول: قل
بالله أو والله، وقيل: لا يغلظ على المعروف
بالصلاح ويغلظ على غيره، وقيل: يغلظ في الخطير
من المال دون الحقير.
قال:
"ولا يستحلف بالطلاق ولا بالعتاق"
لما روينا، وقيل في زماننا إذا ألح الخصم ساغ
للقاضي أن يحلف بذلك لقلة المبالاة باليمين
بالله وكثرة الامتناع بسبب الحلف بالطلاق.
قال:
"ويستحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على
موسى عليه السلام، والنصراني بالله الذي أنزل
الإنجيل على عيسى عليه السلام"
لقوله عليه الصلاة والسلام لابن صوريا الأعور: "أنشدك
بالله الذي أنزل التوراة على موسى أن حكم
الزنا في كتابكم هذا" ولأن اليهودي يعتقد نبوة موسى والنصراني نبوة عيسى عليهما السلام
فيغلظ على كل واحد منهما بذكر المنزل على نبيه
ج / 3 ص -159-
يستحلف
"المجوسي بالله الذي خلق النار"
وهكذا ذكر محمد رحمه الله في الأصل. يروى عن
أبي حنيفة رحمه الله في النوادر أنه لا يستحلف
أحدا إلا بالله خالصا. وذكر الخصاف رحمه الله
أنه لا يستحلف غير اليهودي والنصراني إلا
بالله، وهو اختيار بعض مشايخنا لأن في ذكر
النار مع اسم الله تعالى تعظيما وما ينبغي أن
تعظم، بخلاف الكتابين لأن كتب الله معظمة
"والوثني لا يحلف إلا بالله"
لأن الكفرة بأسرهم يعتقدون الله تعالى، قال
الله تعالى:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ
اللَّهُ} [لقمان:25].
قال:
"ولا يحلفون في بيوت عبادتهم"
لأن القاضي لا يحضرها بل هو ممنوع عن ذلك.
قال:
"ولا يجب تغليظ اليمين على المسلم بزمان ولا
مكان" لأن المقصود تعظيم
المقسم به وهو حاصل بدون ذلك، وفي إيجاب ذلك
حرج على القاضي حيث يكلف حضورها وهو مدفوع.
قال:
"ومن ادعى أنه ابتاع من هذا عبده بألف فجحد
استحلف بالله ما بينكما بيع قائم فيه ولا
يستحلف بالله ما بعت" لأنه قد
يباع العين ثم يقال فيه
"ويستحلف في الغصب بالله ما يستحق عليك رده
ولا يحلف بالله ما غصبت" لأنه
قد يغصب ثم يفسخ بالهبة والبيع
"وفي النكاح بالله ما بينكما نكاح قائم في
الحال" لأنه قد يطرأ عليه
الخلع
"وفي دعوى الطلاق بالله ما هي بائن منك الساعة
بما ذكرت ولا يستحلف بالله ما طلقها"
لأن النكاح قد يجدد بعد الإبانة فيحلف على
الحاصل في هذه الوجوه، لأنه لو حلف على السبب
يتضرر المدعى عليه، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله.
أما على قول أبي يوسف رحمه الله يحلف في جميع
ذلك على السبب إلا إذا عرض بما ذكرنا فحينئذ
يحلف على الحاصل. وقيل: ينظر إلى إنكار المدعى
عليه إن أنكر السبب يحلف عليه، وإن أنكر الحكم
يحلف على الحاصل. فالحاصل هو الأصل عندهما إذا
كان سببا يرتفع إلا إذا كان فيه ترك النظر في
جانب المدعي فحينئذ يحلف على السبب بالإجماع،
وذلك أن تدعي مبتوتة نفقة العدة والزوج ممن لا
يراها، أو ادعى شفعة بالجوار والمشتري لا
يراها، لأنه لو حلف على الحاصل يصدق في يمينه
في معتقده فيفوت النظر في حق المدعي، وإن كان
سببا لا يرتفع برافع فالتحليف على السبب
بالإجماع
"كالعبد المسلم إذا ادعى العتق على مولاه،
بخلاف الأمة والعبد الكافر"
لأنه يكرر الرق عليها بالردة واللحاق وعليه
بنقض العهد واللحاق، ولا يكرر على العبد
المسلم.
ج / 3 ص -160-
قال:
"ومن ورث عبدا وادعاه آخر يستحلف على علمه"
لأنه لا علم له بما صنع المورث فلا يحلف على
البتات
"وإن وهب له أو اشتراه يحلف على البتات"
لوجود المطلق لليمين إذ الشراء سبب لثبوت
الملك وضعا وكذا الهبة.
قال:
"ومن ادعى على آخر مالا فافتدى يمينه أو صالحه
منها على عشرة فهو جائز" وهو
مأثور عن عثمان رضي الله عنه.
"وليس له أن يستحلفه على تلك اليمين أبدا"
لأنه أسقط حقه، والله أعلم
بالصواب.
باب التحالف
قال:
"وإذا اختلف المتبايعان في البيع فادعى أحدهما
ثمنا وادعى البائع أكثر منه أو اعترف البائع
بقدر من المبيع وادعى المشتري أكثر منه فأقام
أحدهما البينة قضى له بها"
لأن في الجانب الآخر مجرد الدعوى والبينة أقوى
منها
"وإن أقام كل واحد منهما بينة كانت البينة
المثبتة للزيادة أولى" لأن
البينات للإثبات ولا تعارض في الزيادة
"ولو كان الاختلاف في الثمن والمبيع جميعا
فبينة البائع أولى في الثمن وبينة المشتري
أولى في المبيع" نظرا إلى
زيادة الإثبات.
"وإن لم يكن لكل واحد منهما بينة قيل للمشتري
إما أن ترضى بالثمن الذي ادعاه البائع وإلا
فسخنا البيع، وقيل للبائع إما أن تسلم ما
ادعاه المشتري من المبيع وإلا فسخنا البيع"
لأن المقصود قطع المنازعة، وهذه جهة فيه لأنه
ربما لا يرضيان بالفسخ فإذا علما به يتراضيان
به
"فإن لم يتراضيا استحلف الحاكم كل واحد منهما
على دعوى الآخر" وهذا التحالف
قبل القبض على وفاق القياس، لأن البائع يدعي
زيادة الثمن والمشتري ينكره، والمشتري يدعي
وجوب تسليم المبيع بما نقد والبائع ينكره، فكل
واحد منهما منكر فيحلف؛ فأما بعد القبض فمخالف
للقياس لأن المشتري لا يدعي شيئا لأن المبيع
سالم له فبقي دعوى البائع في زيادة الثمن
والمشتري ينكرها فيكتفى بحلفه، لكنا عرفناه
بالنص وهو قوله عليه الصلاة والسلام:
"إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا".
قال:
"ويبتدئ بيمين المشتري"
وهذا قول محمد وأبي يوسف آخرا، وهو
رواية عن أبي حنيفة رحمه الله وهو الصحيح لأن
المشتري أشدهما إنكارا لأنه يطالب أولا بالثمن
ولأنه يتعجل فائدة النكول وهو إلزام الثمن،
ولو بدئ بيمين البائع تتأخر المطالبة بتسليم
المبيع إلى زمان استيفاء الثمن. وكان أبو يوسف
رحمه الله يقول أولا: يبدأ بيمين البائع لقوله
عليه الصلاة والسلام:
"إذا اختلف
المتبايعان فالقول ما قاله البائع" خصه
ج / 3 ص -161-
بالذكر، وأقل فائدته التقديم.
"وإن كان بيع عين بعين أو ثمن بثمن بدأ القاضي
بيمين أيهما شاء" لاستوائهما
"وصفة اليمين أن يحلف البائع بالله ما باعه
بألف ويحلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين"
وقال في الزيادات: يحلف بالله ما باعه بألف
ولقد باعه بألفين، يحلف المشتري بالله ما
اشتراه بألفين ولقد اشتراه بألف يضمن الإثبات
إلى النفي تأكيدا، والأصح الاقتصار على النفي
لأن الأيمان على ذلك وضعت، دل عليه حديث
القسامة
"بالله ما
قتلتم ولا علمتم له قاتلا".
قال:
"فإن حلفا فسخ القاضي البيع بينهما"
وهذا يدل على أنه لا ينفسخ بنفس التحالف لأنه
لم يثبت ما ادعاه كل واحد منهما فيبقى بيع
مجهول فيفسخه القاضي قطعا للمنازعة. أو يقال
إذا لم يثبت البدل يبقى بيعا بلا بدل وهو فاسد
ولا بد من الفسخ في البيع الفاسد.
قال:
"وإن نكل أحدهما عن اليمين لزمه دعوى الآخر"
لأنه جعل باذلا فلم يبق دعواه معارضا لدعوى
الآخر فلزم القول بثبوته.
قال:
"وإن اختلفا في الأجل أو في شرط الخيار أو في
استيفاء بعض الثمن فلا تحالف بينهما"
لأن هذا اختلاف في غير المعقود عليه والمعقود
به، فأشبه الاختلاف في الحط والإبراء، وهذا
لأن بانعدامه لا يختل ما به قوام العقد، بخلاف
الاختلاف في وصف الثمن وجنسه حيث يكون بمنزلة
الاختلاف في القدر في جريان التحالف لأن ذلك
يرجع إلى نفس الثمن فإن الثمن دين وهو يعرف
بالوصف، ولا كذلك الأجل لأنه ليس بوصف؛ ألا
ترى أن الثمن موجود بعد مضيه.
قال:
"والقول قول من ينكر الخيار والأجل مع يمينه"
لأنهما يثبتان بعارض الشرط والقول لمنكر
العوارض.
قال:
"فإن هلك المبيع ثم اختلفا لم يتحالفا عند أبي
حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله والقول قول
المشتري. وقال محمد رحمه الله: يتحالفان ويفسخ
البيع على قيمة الهالك" وهو
قول الشافعي رحمه الله، وعلى هذا إذا خرج
المبيع عن ملكه أو صار بحال لا يقدر على رده
بالعيب. لهما أن كل واحد منهما يدعي غير العقد
الذي يدعيه صاحبه والآخر ينكره وأنه يفيد دفع
زيادة الثمن فيتحالفان؛ كما إذا اختلفا في جنس
الثمن بعد هلاك السلعة، ولأبي حنيفة وأبي يوسف
رحمهما الله أن التحالف بعد القبض على خلاف
القياس لأنه سلم للمشتري ما يدعيه وقد ورد
الشرع به في حال قيام السلعة، والتحالف فيه
يفضي إلى
ج / 3 ص -162-
الفسخ،
ولا كذلك بعد هلاكها لارتفاع العقد فلم يكن في
معناه ولأنه لا يبالي بالاختلاف في السبب بعد
حصول المقصود، وإنما يراعى من الفائدة ما
يوجبه العقد، وفائدة دفع زيادة الثمن ليست من
موجباته وهذا إذا كان الثمن دينا، فإن كان
عينا يتحالفان لأن المبيع في أحد الجانبين
قائم فتوفر فائدة الفسخ ثم يرد مثل الهالك إن
كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل.
قال:
"وإن هلك أحد العبدين ثم اختلفا في الثمن لم
يتحالفا عند أبي حنيفة إلا أن يرضى البائع أن
يترك حصة الهالك من الثمن. وفي الجامع الصغير:
القول قول المشتري مع يمينه عند أبي حنيفة إلا
أن يشاء البائع أن يأخذ العبد الحي ولا شيء
له. وقال أبو يوسف: يتحالفان في الحي ويفسخ
العقد في الحي، والقول قول المشتري في قيمة
الهالك. وقال محمد: يتحالفان عليهما ويرد الحي
وقيمة الهالك" لأن هلاك كل
السلعة لا يمنع التحالف عنده فهلاك البعض
أولى. ولأبي يوسف أن امتناع التحالف للهلاك
فيتقدر بقدره. ولأبي حنيفة أن التحالف على
خلاف القياس في حال قيام السلعة وهي اسم لجميع
أجزائها فلا تبقى السلعة بفوات بعضها، ولأنه
لا يمكن التحالف في القائم إلا على اعتبار
حصته من الثمن فلا بد من القسمة وهي تعرف
بالحذر والظن فيؤدي إلى التحالف مع الجهل وذلك
لا يجوز إلا أن يرضى البائع أن يترك حصة
الهالك أصلا لأنه حينئذ يكون الثمن كله
بمقابلة القائم ويخرج الهالك عن العقد
فيتحالفان. هذا تخريج بعض المشايخ ويصرف
الاستثناء عندهم إلى التحالف كما ذكرنا
وقالوا: إن المراد من قوله في الجامع الصغير
يأخذ الحي ولا شيء له، معناه: لا يأخذ من ثمن
الهالك شيئا أصلا. وقال بعض المشايخ: يأخذ من
ثمن الهالك بقدر ما أقر به المشتري، وإنما لا
يأخذ الزيادة. وعلى قول هؤلاء ينصرف الاستثناء
إلى يمين المشتري لا إلى التحالف، لأنه لما
أخذ البائع بقول المشتري فقد صدقه فلا يحلف
المشتري، ثم تفسير التحالف على قول محمد ما
بيناه في القائم. وإذا حلفا ولم يتفقا على شيء
فادعى أحدهما الفسخ أو كلاهما يفسخ العقد
بينهما ويأمر القاضي المشتري برد الباقي وقيمة
الهالك.
واختلفوا في تفسيره على قول أبي يوسف رحمه
الله تعالى، والصحيح أنه يحلف المشتري بالله
ما اشتريتهما بما يدعيه البائع، فإن نكل لزمه
دعوى البائع، وإن حلف يحلف البائع بالله ما
بعتهما بالثمن الذي يدعيه المشتري، فإن نكل
لزمه دعوى المشتري، وإن حلف يفسخان
ج / 3 ص -163-
العقد
في القائم وتسقط حصته من الثمن ويلزم المشتري
حصة الهالك ويعتبر قيمتهما في الانقسام يوم
القبض.
"وإن اختلفا في قيمة الهالك يوم القبض فالقول
قول البائع، وأيهما أقام البينة تقبل بينته.
وإن أقاماها فبينة البائع أولى"
وهو قياس ما ذكر في بيوع الأصل
"اشترى عبدين وقبضهما ثم رد أحدهما بالعيب
وهلك الآخر عنده يجب عليه ثمن ما هلك عنده
ويسقط عنه ثمن ما رده وينقسم الثمن على
قيمتهما. فإن اختلفا في قيمة الهالك فالقول
قول البائع" لأن الثمن قد وجب
باتفاقهما ثم المشتري يدعي زيادة السقوط
بنقصان قيمة الهالك والبائع ينكره والقول
للمنكر
"وإن أقاما البينة فبينة البائع أولى"
لأنها أكثر إثباتا ظاهرا لإثباتها الزيادة في
قيمة الهالك وهذا لفقه. وهو أن في الأيمان
تعتبر الحقيقة لأنها تتوجه على أحد العاقدين
وهما يعرفان حقيقة الحال فبني الأمر عليها
والبائع منكر حقيقة فلذا كان القول قوله، وفي
البينات يعتبر الظاهر لأن الشاهدين لا يعلمان
حقيقة الحال فاعتبر الظاهر في حقهما والبائع
مدع ظاهرا فلهذا تقبل بينته أيضا وتترجح
بالزيادة الظاهرة على ما مر، وهذا يبين لك
معنى ما ذكرناه من قول أبي يوسف رحمه الله.
قال:
"ومن اشترى جارية وقبضها ثم تقايلا ثم اختلفا
في الثمن فإنهما يتحالفان ويعود البيع الأول"
ونحن ما أثبتنا التحالف فيه بالنص لأنه ورد في
البيع المطلق والإقالة فسخ في حق المتعاقدين،
وإنما أثبتناه بالقياس لأن المسألة مفروضة قبل
القبض والقياس يوافقه على ما مر ولهذا نقيس
الإجارة على البيع قبل القبض والوارث على
العاقد والقيمة على العين فيما إذا استهلكه في
يد البائع غير المشتري.
قال:
"ولو قبض البائع المبيع بعد الإقالة فلا تحالف
عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد"
لأنه يرى النص معلولا بعد القبض أيضا.
قال:
"ومن أسلم عشرة دراهم في كر حنطة ثم تقايلا ثم
اختلفا في الثمن فالقول قول المسلم إليه ولا
يعود السلم" لأن الإقالة في
باب السلم لا تحتمل النقض لأنه إسقاط فلا يعود
السلم، بخلاف الإقالة في البيع؛ ألا ترى أن
رأس مال السلم لو كان عرضا فرده بالعيب وهلك
قبل التسليم إلى رب السلم لا يعود السلم ولو
كان ذلك في بيع العين يعود البيع دل على الفرق
بينهما.
قال:
"وإذا اختلف الزوجان في المهر فادعى الزوج أنه
تزوجها بألف وقالت تزوجني بألفين فأيهما أقام
البينة تقبل بينته" لأنه نور
دعواه بالحجة.
"وإن أقاما البينة فالبينة بينة المرأة"
ج / 3 ص -164-
لأنها
تثبت الزيادة، معناه إذا كان مهر مثلها أقل
مما ادعته
"وإن لم يكن لهما بينة تحالفا عند أبي حنيفة
ولا يفسخ النكاح" لأن أثر
التحالف في انعدام التسمية، وأنه لا يخل بصحة
النكاح لأن المهر تابع فيه، بخلاف البيع لأن
عدم التسمية يفسده على ما مر فيفسخ،
"ولكن يحكم مهر المثل، فإن كان مثل ما اعترف
به الزوج أو أقل قضى بما قال الزوج"
لأن الظاهر شاهد له
"وإن كان مثل ما ادعته المرأة أو أكثر قضى بما
ادعته المرأة، وإن كان مهر المثل أكثر مما
اعترف به الزوج وأقل مما ادعته المرأة قضى لها
بمهر المثل" لأنهما لما
تحالفا لم تثبت الزيادة على مهر المثل ولا
الحط عنه.
قال رضي الله عنه: ذكر التحالف أولا ثم
التحكيم، وهذا قول الكرخي رحمه الله لأن مهر
المثل لا اعتبار له مع وجود التسمية وسقوط
اعتبارها بالتحالف ولهذا يقدم في الوجوه كلها،
ويبدأ بيمين الزوج عند أبي حنيفة ومحمد تعجيلا
لفائدة النكول كما في المشتري، وتخريج الرازي
بخلافه وقد استقصيناه في النكاح وذكرنا خلاف
أبي يوسف فلا نعيده.
"ولو ادعى الزوج النكاح على هذا العبد والمرأة
تدعيه على هذه الجارية فهو كالمسألة المتقدمة،
إلا أن قيمة الجارية إذا كانت مثل مهر المثل
يكون لها قيمتها دون عينها"
لأن تملكها لا يكون إلا بالتراضي ولم يوجد
فوجبت القيمة
"وإن اختلفا في الإجارة قبل استيفاء المعقود
عليه تحالفا وترادا" معناه
اختلفا في البدل أو في المبدل لأن التحالف في
البيع قبل القبض على وفاق القياس على ما مر،
والإجارة قبل القبض المنفعة نظير البيع قبل
قبض المبيع وكلامنا قبل استيفاء المنفعة
"فإن وقع الاختلاف في الأجرة يبدأ بيمين
المستأجر" لأنه منكر لوجوب
الأجرة
"وإن وقع في المنفعة يبدأ بيمين المؤجر،
وأيهما نكل لزمه دعوى صاحبه، وأيهما أقام
البينة قبلت، ولو أقاماها فبينة المؤجر أولى
إن كان الاختلاف في الأجرة، وإن كان في
المنافع فبينة المستأجر أولى، وإن كان فيهما
قبلت بينة كل واحد منهما فيما يدعيه من الفضل"
نحو أن يدعي هذا شهرا بعشرة والمستأجر شهرين
بخمسة يقضي بشهرين بعشرة.
قال:
"وإن اختلفا بعد الاستيفاء لم يتحالفا وكان
القول قول المستأجر" وهذا عند
أبي حنيفة وأبي يوسف ظاهر، لأن هلاك المعقود
عليه يمنع التحالف عندهما، وكذا على أصل محمد
لأن الهلاك إنما لا يمنع عنده في المبيع لما
أن له قيمة تقوم مقامه فيتحالفان عليها، ولو
جرى التحالف هاهنا وفسخ العقد فلا قيمة لأن
المنافع لا تتقوم بنفسها بل بالعقد وتبين أنه
لا عقد. وإذا امتنع فالقول للمستأجر مع يمينه
لأنه هو
ج / 3 ص -165-
المستحق عليه
"وإن اختلفا بعد استيفاء بعض المعقود عليه
تحالفا وفسخ العقد فيما بقي وكان القول في
الماضي قول المستأجر" لأن
العقد ينعقد ساعة فساعة فيصير في كل جزء من
المنفعة كأن ابتداء العقد عليها، بخلاف البيع
لأن العقد فيه دفعة واحدة، فإذا تعذر في البعض
تعذر في الكل.
قال:
"وإذا اختلف المولى والمكاتب في مال الكتابة
لم يتحالفا عند أبي حنيفة. وقالا: يتحالفان
وتفسخ الكتابة" وهو قول
الشافعي لأنه عقد معاوضة يقبل الفسخ فأشبه
البيع، والجامع أن المولى يدعي بدلا زائدا
ينكره العبد والعبد يدعي استحقاق العتق عليه
عند أداء القدر الذي يدعيه والمولى ينكره
فيتحالفان كما إذا اختلفا في الثمن. ولأبي
حنيفة أن البدل مقابل بفك الحجر في حق اليد
والتصرف للحال وهو سالم للعبد وإنما ينقلب
مقابلا بالعتق عند الأداء فقبله لا مقابلة
فبقي اختلافا في قدر البدل لا غير فلا
يتحالفان.
قال:
"وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت فما يصلح
للرجال فهو للرجل كالعمامة"
لأن الظاهر شاهد له
"وما يصلح للنساء فهو للمرأة كالوقاية"
لشهادة الظاهر لها
"وما يصلح لهما كالآنية فهو للرجل"
لأن المرأة وما في يدها في يد الزوج والقول في
الدعاوى لصاحب اليد، بخلاف ما يختص بها لأنه
يعارضه ظاهر أقوى منه، ولا فرق بين ما إذا كان
الاختلاف في حال قيام النكاح أو بعدما وقعت
الفرقة.
"فإن مات أحدهما واختلفت ورثته مع الآخر فما
يصلح للرجال والنساء فهو للباقي منهما"
لأن اليد للحي دون الميت، وهذا الذي ذكرناه
قول أبي حنيفة رحمه الله.
وقال أبو يوسف رحمه الله: يدفع إلى المرأة ما
يجهز به مثلها، والباقي للزوج مع يمينه لأن
الظاهر أن المرأة تأتي بالجهاز وهذا أقوى
فيبطل به ظاهر يد الزوج، ثم في الباقي لا
معارض لظاهر فيعتبر
"والطلاق والموت سواء" لقيام
الورثة مقام مورثهم
"وقال محمد: وما كان للرجال فهو للرجل، وما
كان للنساء فهو للمرأة، وما يكون لهما فهو
للرجل أو لورثته" لما قلنا
لأبي حنيفة
"والطلاق والموت سواء" لقيام
الوارث مقام المورث
"وإن كان أحدهما مملوكا فالمتاع للحر في حالة
الحياة" لأن يد الحر أقوى
"وللحي بعد الممات" لأنه لا
يد للميت فخلت يد الحي عن المعارض
"وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا: العبد
المأذون له في التجارة والمكاتب بمنزلة الحر"
لأن لهما يدا معتبرة في الخصومات.
ج / 3 ص -166-
فصل: فيمن لا يكون خصما
"وإن قال
المدعى عليه هذا الشيء أودعنيه فلان الغائب أو
رهنه عندي أو غصبته منه وأقام بينة على ذلك
فلا خصومة بينه وبين المدعي"
وكذا إذا قال: آجرنيه وأقام البينة لأنه أثبت
ببينته أن يده ليست بيد خصومة. وقال ابن
شبرمة: لا تندفع الخصومة لأنه تعذر إثبات
الملك للغائب لعدم الخصم عنه ودفع الخصومة
بناء عليه.
قلنا: مقتضى البينة شيئان ثبوت الملك للغائب
ولا خصم فيه فلم يثبت، ودفع خصومة المدعي وهو
خصم فيه فيثبت وهو كالوكيل بنقل المرأة
وإقامتها البينة على الطلاق كما بيناه من قبل،
ولا تندفع بدون إقامة البينة كما قاله ابن أبي
ليلى لأنه صار خصما بظاهر يده، فهو بإقراره
يريد أن يحول حقا مستحقا على نفسه فلا يصدق
إلا بالحجة، كما إذا ادعى تحول الدين من ذمته
إلى ذمة غيره.
"وقال أبو يوسف رحمه الله: إن كان الرجل صالحا
فالجواب كما قلناه، وإن كان معروفا بالحيل لا
تندفع عنه الخصومة" لأن
المحتال من الناس قد يدفع ماله إلى مسافر
يودعه إياه ويشهد عليه الشهود فيحتال لإبطال
حق غيره، فإذا اتهمه القاضي به لا يقبله.
"ولو قال الشهود: أودعه رجل لا نعرفه لا تندفع
عنه الخصومة" لاحتمال أن يكون
المودع هو هذا المدعي، ولأنه ما أحاله إلى
معين يمكن للمدعي اتباعه، فلو اندفعت لتضرر به
المدعي، ولو قالوا نعرفه بوجهه ولا نعرفه
باسمه ونسبه فكذلك الجواب عند محمد للوجه
الثاني، وعند أبي حنيفة تندفع لأنه أثبت
ببينته أن العين وصل إليه من جهة غيره حيث
عرفه الشهود بوجهه، بخلاف الفصل الأول فلم تكن
يده يد خصومة وهو المقصود، والمدعي هو الذي
أضر بنفسه حيث نسي خصمه أو أضره شهوده، وهذه
المسألة مخمسة كتاب الدعوى وقد ذكرنا الأقوال
الخمسة.
"وإن قال: ابتعته من الغائب فهو خصم"
لأنه لما زعم أن يده يد ملك اعترف بكونه خصما
"وإن قال المدعي: غصبته مني أو سرقته
مني لا تندفع الخصومة وإن أقام ذو اليد البينة
على الوديعة" لأنه إنما صار
خصما بدعوى الفعل عليه لا بيده، بخلاف دعوى
الملك المطلق لأنه خصم فيه باعتبار يده حتى لا
يصح دعواه على غير ذي اليد ويصح دعوى الفعل.
"وإن قال المدعي: سرق مني وقال صاحب اليد:
أودعنيه فلان وأقام البينة لم تندفع الخصومة"
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وهو استحسان،
وقال محمد: تندفع لأنه لم يدع الفعل عليه فصار
كما إذا قال: غصب مني على ما لم يسم فاعله.
ولهما أن ذكر الفعل يستدعي الفاعل
ج / 3 ص -167-
لا
محالة، والظاهر أنه هو الذي في يده إلا أنه لم
يعينه درءا للحد شفقة عليه وإقامة لحسبة السر
فصار كما إذا قال: سرقت، بخلاف الغصب لأنه لا
حد فيه فلا يحترز عن كشفه
"وإن قال المدعي: ابتعته من فلان وقال صاحب
اليد: أودعنيه فلان ذلك أسقطت الخصومة بغير
بينة" لأنهما توافقا على أن
أصل الملك فيه لغيره فيكون وصولها إلى يد ذي
اليد من جهته فلم تكن يده يد خصومة إلا أن
يقيم البينة أن فلانا وكله بقبضه لأنه أثبت
ببينته كونه أحق بإمساكها، والله أعلم.
باب ما يدعيه
الرجلان
قال:
"وإذا ادعى اثنان عينا في يد آخر كل واحد
منهما يزعم أنها له وأقاما البينة بها بينهما"
وقال الشافعي في قول: تهاترتا، وفي قول يقرع
بينهما؛ لأن إحدى البينتين كاذبة بيقين
لاستحالة اجتماع الملكين في الكل في حالة
واحدة وقد تعذر التمييز فيتهاتران أو يصار إلى
القرعة لأن النبي عليه الصلاة والسلام أقرع
فيه وقال:
"اللهم أنت الحكم بينهما" ولنا حديث تميم بن طرفة:
"أن رجلين اختصما إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام في ناقة وأقام كل
واحد منهما البينة فقضى بها بينهما نصفين". وحديث القرعة كان في الابتداء ثم نسخ، ولأن المطلق للشهادة في حق
كل واحد منهما محتمل الوجود بل يعتمد أحدهما
سبب الملك والآخر اليد فصحت الشهادتان فيجب
العمل بهما ما أمكن، وقد أمكن بالتنصيف إذ
المحل يقبله، وإنما ينصف لاستوائهما في سبب
الاستحقاق.
قال:
"فإن ادعى كل واحد منهما نكاح امرأة وأقاما
بينة لم يقض بواحدة من البينتين"
لتعذر العمل بهما؛ لأن المحل لا يقبل
الاشتراك.
قال:
"ويرجع إلى تصديق المرأة لأحدهما"
لأن النكاح مما يحكم به بتصادق الزوجين، وهذا
إذا لم تؤقت البينتان، فأما إذا وقتا فصاحب
الوقت الأول أولى "وإن
أقرت لأحدهما قبل إقامة البينة فهي امرأته"
لتصادقهما
"وإن أقام الآخر البينة قضي بها"
لأن البينة أقوى من الإقرار
"ولو تفرد أحدهما بالدعوى والمرأة تجحد فأقام
البينة وقضى بها القاضي له ثم ادعى الآخر
وأقام البينة على مثل ذلك لا يحكم بها"
لأن القضاء الأول قد صح فلا ينقض بما هو مثله
بل هو دونه
"إلا أن يؤقت شهود الثاني سابقا"
لأنه ظهر الخطأ في الأول بيقين. وكذا إذا كانت
المرأة في يد الزوج ونكاحه ظاهر لا تقبل بينة
الخارج إلا على وجه السبق.
قال:
"ولو ادعى اثنان كل واحد منهما أنه اشترى منه
هذا العبد" معناه من صاحب
اليد
"وأقاما بينة فكل واحد منهما بالخيار إن شاء
أخذ نصف العبد بنصف الثمن وإن شاء ترك"
ج / 3 ص -168-
لأن
القاضي يقضي بينهما نصفين لاستوائهما في السبب
فصار كالفضوليين إذا باع كل واحد منهما من رجل
وأجاز المالك البيعين يخير كل واحد منهما لأنه
تغير عليه شرط عقده، فلعل رغبته في تملك الكل
فيرده ويأخذ كل الثمن.
"فإن قضى القاضي به بينهما فقال أحدهما: لا
أختار لم يكن للآخر أن يأخذ جميعه"
لأنه صار مقضيا عليه في النصف فانفسخ البيع
فيه، وهذا لأنه خصم فيه لظهور استحقاقه
بالبينة لولا بينة صاحبه بخلاف ما لو قال ذلك
قبل تخيير القاضي حيث يكون له أن يأخذ الجميع
لأنه يدعي الكل ولم يفسخ سببه، والعود إلى
النصف للمزاحمة ولم توجد، ونظيره تسليم أحد
الشفيعين قبل القضاء، ونظير الأول تسليمه بعد
القضاء ولو ذكر كل واحد منهما تاريخا فهو
للأول منهما" لأنه أثبت الشراء في زمان لا
ينازعه فيه أحد فاندفع الآخر به
"ولو وقتت إحداهما ولم تؤقت الأخرى فهو لصاحب
الوقت" لثبوت ملكه في ذلك
الوقت واحتمل الآخر أن يكون قبله أو بعده فلا
يقضي له بالشك
"وإن لم يذكرا تاريخا ومع أحدهما قبض فهو
أولى" ومعناه أنه في يده لأن
تمكنه من قبضه يدل على سبق شرائه، ولأنهما
استويا في الإثبات فلا تنقض اليد الثابتة
بالشك، وكذا لو ذكر الآخر وقتا لما بينا. إلا
أن يشهدوا أن شراءه كان قبل شراء صاحب اليد
لأن الصريح يفوق الدلالة.
قال:
"وإن ادعى أحدهما شراء والآخر هبة وقبضا"
معناه من واحد
"وأقاما بينة ولا تاريخ معهما فالشراء أولى"
لأن الشراء أقوى لكونه معاوضة من الجانبين،
ولأنه يثبت الملك بنفسه والملك في الهبة يتوقف
على القبض، وكذا الشراء والصدقة مع القبض لما
بينا
"والهبة والقبض والصدقة مع القبض سواء حتى
يقضي بينهما" لاستوائهما في
وجه التبرع، ولا ترجيح باللزوم لأنه يرجع إلى
المآل والترجيح بمعنى قائم في الحال، وهذا
فيما لا يحتمل القسمة صحيح، وكذا فيما يحتملها
عند البعض لأن الشيوع طارئ. وعند البعض لا يصح
لأنه تنفيذ الهبة في الشائع وصار كإقامة
البينتين على الارتهان وهذا أصح.
قال:
"وإذا ادعى أحدهما الشراء وادعت امرأته أنه
تزوجها عليه فهما سواء"
لاستوائهما في القوة فإن كل واحد منهما عقد
معاوضة يثبت الملك بنفسه وهذا عند أبي يوسف.
وقال محمد: الشراء أولى ولها على الزوج القيمة
لأنه أمكن العمل بالبينتين بتقديم الشراء، إذ
التزوج على عين مملوكة للغير صحيح وتجب قيمته
عند تعذر تسليمه
"وإن ادعى أحدهما رهنا وقبضا والآخر هبة وقبضا
وأقاما بينة فالرهن أولى"
وهذا استحسان، وفي القياس الهبة أولى لأنها
تثبت الملك والرهن لا يثبته. وجه الاستحسان أن
ج / 3 ص -169-
المقبوض بحكم الرهن مضمون وبحكم الهبة غير
مضمون وعقد الضمان أقوى. بخلاف الهبة بشرط
العوض لأنه بيع انتهاء والبيع أولى من الرهن
لأنه عقد ضمان يثبت الملك صورة ومعنى، والرهن
لا يثبته إلا عند الهلاك معنى لا صورة فكذا
الهبة بشرط العوض
"وإن أقام الخارجان البينة على الملك
والتاريخ فصاحب التاريخ الأقدم أولى"
لأنه أثبت أنه أول المالكين فلا يتلقى الملك
إلا من جهته ولم يتلق الآخر منه.
قال:
"ولو ادعيا الشراء من واحد"
معناه من غير صاحب اليد
"وأقاما البينة على تاريخين فالأول أولى"
لما بينا أنه أثبته في وقت لا منازع له فيه
"وإن أقام كل واحد منهما البينة على الشراء من
آخر وذكرا تاريخا
فهما سواء" لأنهما
يثبتان الملك لبائعيهما فيصير كأنهما حضرا ثم
يخير كل واحد منهما كما ذكرنا من قبل
"ولو وقتت إحدى البينتين وقتا ولم تؤقت الأخرى
قضى بينهما نصفين" لأن توقيت
إحداهما لا يدل على تقدم الملك لجواز أن يكون
الآخر أقدم، بخلاف ما إذا كان البائع واحدا
لأنهما اتفقا على أن الملك لا يتلقى إلا من
جهته، فإذا أثبت أحدهما تاريخا يحكم به حتى
يتبين أنه تقدم شراء غيره.
"ولو ادعى أحدهما الشراء من رجل والآخر الهبة
والقبض من غيره والثالث الميراث من أبيه
والرابع الصدقة والقبض من آخر قضى بينهم
أرباعا" لأنهم يتلقون الملك
من باعتهم فيجعل كأنهم حضروا وأقاموا البينة
على الملك المطلق.
قال:
"وإن أقام الخارج البينة على ملك مؤرخ وصاحب
اليد بينة على ملك أقدم تاريخا كان أولى"
وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وهو رواية عن
محمد. وعنه أنه لا تقبل بينة ذي اليد رجع إليه
لأن البينتين قامتا على مطلق الملك ولم يتعرضا
لجهة الملك فكان التقدم والتأخر سواء.
ولهما أن البينة مع التاريخ متضمنة معنى
الدفع، فإن الملك إذا ثبت لشخص في وقت فثبوته
لغيره بعده لا يكون إلا بالتلقي من جهته وبينة
ذي اليد على الدفع مقبولة، وعلى هذا الخلاف لو
كانت الدار في أيديهما والمعنى ما بينا، ولو
أقام الخارج وذو اليد البينة على ملك مطلق
ووقتت إحداهما دون الأخرى فعلى قول أبي حنيفة
ومحمد الخارج أولى.
وقال أبو يوسف وهو رواية عن أبي حنيفة: صاحب
الوقت أولى لأنه أقدم وصار كما في دعوى الشراء
إذا أرخت إحداهما كان صاحب التاريخ أولى.
ولهما أن بينة ذي اليد إنما تقبل لتضمنها معنى
الدفع، ولا دفع هاهنا حيث وقع الشك في التلقي
من جهته،
ج / 3 ص -170-
وعلى
هذا إذا كانت الدار في أيديهما ولو كانت في يد
ثالث، المسألة بحالها فهما سواء عند أبي
حنيفة. وقال أبو يوسف: الذي وقت أولى. وقال
محمد: الذي أطلق أولى لأنه ادعى أولية الملك
بدليل استحقاق الزوائد ورجوع الباعة بعضهم على
البعض. ولأبي يوسف أن التاريخ يوجب الملك في
ذلك الوقت بيقين. والإطلاق يحتمل غير الأولية،
والترجيح بالتيقن؛ كما لو ادعيا الشراء. ولأبي
حنيفة أن التاريخ يضامه احتمال عدم التقدم
فسقط اعتباره فصار كما لو أقاما البينة على
ملك مطلق، بخلاف الشراء لأنه أمر حادث فيضاف
إلى أقرب الأوقات فيترجح جانب صاحب التاريخ.
قال:
"وإن أقام الخارج وصاحب اليد كل واحد منهما
بينة على النتاج فصاحب اليد أولى"
لأن البينة قامت على ما لا تدل عليه فاستويا،
وترجحت بينة ذي اليد باليد فيقضي له وهذا هو
الصحيح خلافا لما يقوله عيسى بن أبان إنه
تتهاتر البينتان ويترك في يده لا على طريق
القضاء, ولو تلقى كل واحد منهما الملك من رجل
أقام البينة على النتاج عنده فهو بمنزلة
إقامتها على النتاج في يد نفسه "ولو أقام أحدهما البينة على الملك
والآخر على النتاج فصاحب النتاج أولى أيهما
كان" لأن بينته قامت على
أولية الملك فلا يثبت للآخر إلا بالتلقي من
جهته، وكذلك إذا كانت الدعوى بين خارجين فبينة
النتاج أولى لما ذكرنا
"ولو قضى بالنتاج لصاحب اليد ثم أقام ثالث
البينة على النتاج يقضي له إلا أن يعيدها ذو
اليد" لأن الثالث لم يصر
مقضيا عليه بتلك القضية، وكذا المقضي عليه
بالملك المطلق إذا أقام البينة على النتاج
تقبل وينقض القضاء لأنه بمنزلة النص والأول
بمنزلة الاجتهاد.
قال:
"وكذلك النسج في الثياب التي لا تنسج إلا مرة"
كغزل القطن
"وكذلك كل سبب في الملك لا يتكرر"
لأنه في معنى النتاج كحلب اللبن واتخاذ الجبن
واللبد والمرعزى وجز الصوف، وإن كان يتكرر قضي
به للخارج بمنزلة الملك المطلق وهو مثل الخز
والبناء والغرس وزراعة الحنطة والحبوب، فإن
أشكل يرجع إلى أهل الخبرة لأنهم أعرف به، فإن
أشكل عليهم قضي به للخارج لأن القضاء ببينته
هو الأصل والعدول عنه بخبر النتاج، فإذا لم
يعلم يرجع إلى الأصل.
قال:
"وإن أقام الخارج البينة على الملك المطلق
وصاحب اليد البينة على الشراء منه كان صاحب
اليد أولى" لأن الأول إن كان
يدعي أولية الملك فهذا تلقى منه، وفي هذا لا
تنافي فصار كما إذا أقر بالملك له ثم ادعى
الشراء منه.
ج / 3 ص -171-
قال:
"وإن أقام كل واحد منهما البينة على الشراء من
الآخر ولا تاريخ معهما تهاترت البينتان وتترك
الدار في يد ذي اليد" قال:
وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وعلى قول محمد
يقضي بالبينتين ويكون للخارج لأن العمل بهما
ممكن فيجعل كأنه اشترى ذو اليد من الآخر وقبض
ثم باع الدار لأن القبض دلالة السبق على ما
مر، ولا يعكس الأمر لأن البيع قبل القبض لا
يجوز وإن كان في العقار عنده. ولهما أن
الإقدام على الشراء إقرار منه بالملك للبائع
فصار كأنهما قامتا على الإقرارين وفيه التهاتر
بالإجماع، كذا هاهنا، ولأن السبب يراد لحكمه
وهو الملك ولا يمكن القضاء لذي اليد إلا بملك
مستحق فبقي القضاء له بمجرد السبب وأنه لا
يفيده. ثم لو شهدت البينتان على نقد الثمن
فالألف بالألف قصاص عندهما إذا استويا لوجود
قبض مضمون من كل جانب، وإن لم يشهدوا على نقد
الثمن فالقصاص مذهب محمد للوجوب عنده. ولو شهد
الفريقان بالبيع والقبض تهاترتا بالإجماع، لأن
الجمع غير ممكن عند محمد لجواز كل واحد من
البيعين بخلاف الأول. وإن وقتت البينتان في
العقار ولم تثبتا قبضا ووقت الخارج أسبق يقضى
لصاحب اليد عندهما فيجعل كأن الخارج اشترى
أولا ثم باع قبل القبض من صاحب اليد، وهو جائز
في العقار عندهما. وعند محمد يقضي للخارج لأنه
لا يصح له بيعه قبل القبض فبقي على ملكه، وإن
أثبتا قبضا يقضي لصاحب اليد لأن البيعين
جائزان على القولين، وإن كان وقت صاحب اليد
أسبق يقضى للخارج في الوجهين فيجعل كأنه
اشتراها ذو اليد وقبض ثم باع ولم يسلم أو سلم
ثم وصل إليه بسبب آخر.
قال:
"وإن أقام أحد المدعيين شاهدين والآخر أربعة
فهما سواء" لأن شهادة كل
الشاهدين علة تامة كما في حالة الانفراد،
والترجيح لا يقع بكثرة العلل بل بقوة فيها على
ما عرف.
قال:
"وإذا كانت دار في يد رجل ادعاها اثنان أحدهما
جميعها والآخر نصفها وأقاما البينة فلصاحب
الجميع ثلاثة أرباعها ولصاحب النصف ربعها عند
أبي حنيفة" اعتبارا بطريق
المنازعة، فإن صاحب النصف لا ينازع الآخر في
النصف فسلم له بلا منازع واستوت منازعتهما في
النصف الآخر فينصف بينهما
"وقالا: هي بينهما أثلاثا"
فاعتبرا طريق العول والمضاربة، فصاحب الجميع
يضرب بكل حقه سهمين وصاحب النصف بسهم واحد
فتقسم أثلاثا، ولهذه المسألة نظائر وأضداد لا
يحتملها هذا المختصر وقد ذكرنا في الزيادات.
ج / 3 ص -172-
قال:
"ولو كانت في أيديهما سلم لصاحب الجميع نصفها
على وجه القضاء ونصفها لا على وجه القضاء"
لأنه خارج في النصف فيقضي ببينته، والنصف الذي
في يديه صاحبه لا يدعيه لأن مدعاه النصف وهو
في يده سالم له، ولو لم ينصرف إليه دعواه كان
ظالما بإمساكه ولا قضاء بدون الدعوى فيترك في
يده.
قال:
"وإذا تنازعا في دابة وأقام كل واحد منهما
بينة أنها نتجت عنده، وذكرا تاريخا وسن الدابة
يوافق أحد التاريخين فهو أولى"
لأن الحال يشهد له فيترجح
"وإن أشكل ذلك كانت بينهما"
لأنه سقط التوقيت فصار كأنهما لم يذكرا
تاريخا. وإن خالف سن الدابة الوقتين بطلت
البينتان، كذا ذكره الحاكم رحمه الله لأنه ظهر
كذب الفريقين فيترك في يد من كانت في يده.
قال:
"وإذا كان عبد في يد رجل أقام رجلان عليه
البينة أحدهما بغصب والآخر بوديعة فهو بينهما"
لاستوائهما في الاستحقاق.
فصل: في التنازع
بالأيدي
قال:
"وإذا تنازعا في دابة أحدهما راكبها والآخر
متعلق بلجامها فالراكب أولى"
لأن تصرفه أظهر فإنه يختص بالملك
"وكذلك إذا كان أحدهما راكبا في السرج والآخر
رديفه فالراكب أولى" بخلاف ما
إذا كانا راكبين حيث تكون بينهما لاستوائهما
في التصرف
"وكذا إذا تنازعا في بعير وعليه حمل لأحدهما
فصاحب الحمل أولى" لأنه هو
المتصرف
"وكذا إذا تنازعا في قميص أحدهما لابسه والآخر
متعلق بكمه فاللابس أولى"
لأنه أظهرهما تصرفا
"ولو تنازعا في بساط أحدهما جالس عليه والآخر
متعلق به فهو بينهما" معناه
لا على طريق القضاء لأن القعود ليس بيد عليه
فاستويا.
قال:
"وإذا كان ثوب في يد رجل وطرف منه في يد آخر
فهو بينهما نصفان" لأن
الزيادة من جنس الحجة فلا توجب زيادة في
الاستحقاق.
قال:
"وإذا كان صبي في يد رجل وهو يعبر عن نفسه
فقال: أنا حر فالقول قوله"
لأنه في يد نفسه
"ولو قال أنا عبد لفلان فهو عبد للذي هو في
يده" لأنه أقر بأنه لا يد له
حيث أقر بالرق
"وإن كان لا يعبر عن نفسه فهو عبد للذي هو في
يده" لأنه لا يد له على نفسه
لما كان لا يعبر عنها وهو بمنزلة المتاع،
بخلاف ما إذا كان يعبر، فلو كبر وادعى الحرية
لا يكون القول قوله لأنه ظهر الرق عليه في حال
صغره.
قال:
"وإذا كان الحائط لرجل عليه جذوع أو متصل
ببنائه ولآخر عليه هرادي فهو
ج / 3 ص -173-
لصاحب الجذوع والاتصال، والهرادي ليست بشيء" لأن صاحب الجذوع صاحب استعمال والآخر صاحب تعلق فصار كدابة تنازعا
فيها ولأحدهما حمل عليها وللآخر كوز معلق بها،
والمراد بالاتصال مداخلة لبن جداره فيه ولبن
هذا في جداره وقد يسمى اتصال تربيع، وهذا شاهد
ظاهر لصاحبه لأن بعض بنائه على بعض بناء هذا
الحائط. وقوله الهرادي ليست بشيء يدل على أنه
لا اعتبار للهرادي أصلا، وكذا البواري لأن
الحائط لا تبنى لها أصلا حتى لو تنازعا في
حائط ولأحدهما عليه هرادي وليس للآخر عليه شيء
فهو بينهما
"ولو كان لكل واحد منهما عليه جذوع
ثلاثة فهو بينهما" لاستوائهما
ولا معتبر بالأكثر منها بعد الثلاثة
"وإن كان جذوع أحدهما أقل من ثلاثة فهو لصاحب
الثلاثة وللآخر موضع جذعه" في
رواية، وفي رواية لكل واحد منهما ما تحت
خشبته، ثم قيل ما بين الخشب بينهما، وقيل على
قدر خشبهما، والقياس أن يكون بينهما نصفين
لأنه لا معتبر بالكثرة في نفس الحجة. وجه
الثاني أن الاستعمال من كل واحد بقدر خشبته.
ووجه الأول أن الحائط يبنى لوضع كثير الجذوع
دون الواحد والمثنى فكان الظاهر شاهدا لصاحب
الكثير، إلا أنه يبقى له حق الوضع لأن الظاهر
ليس بحجة في استحقاق يده
"ولو كان لأحدهما جذوع وللآخر اتصال فالأول
أولى" ويروى الثاني أولى. وجه
الأول أن لصاحب الجذوع التصرف ولصاحب الاتصال
اليد والتصرف أقوى. وجه الثاني أن الحائطين
بالاتصال يصيران كبناء واحد من ضرورة القضاء
له ببعضه القضاء بكله ثم يبقى للآخر حق وضع
جذوعه لما قلنا، وهذه رواية الطحاوي وصححها
الجرجاني.
قال:
"وإذا كانت دار منها في يد رجل عشرة أبيات وفي
يد آخر بيت فالساحة بينهما نصفان"
لاستوائهما في استعمالها وهو المرور فيها.
قال:
"وإذا ادعى رجلان أرضا" يعني
يدعي كل واحد منهما
"أنها في يده لم يقض أنها في يد واحد منهما
حتى يقيما البينة أنها في أيديهما"
لأن اليد فيها غير مشاهدة لتعذر إحضارها وما
غاب عن علم القاضي فالبينة تثبته
"وإن أقام أحدهما البينة جعلت في يده"
لقيام الحجة لأن اليد حق مقصود
"وإن أقاما البينة جعلت في أيديهما"
لما بينا فلا يستحق لأحدهما من غير حجة
"وإن كان أحدهما قد لبن في الأرض أو بني أو
حفر فهي في يده" لوجود التصرف
والاستعمال فيها.
باب دعوى النسب
قال:
"وإذا باع جارية فجاءت بولد فادعاه البائع
فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من
ج / 3 ص -174-
يوم باع فهو ابن البائع وأمه أم ولد له" وفي القياس هو قول زفر والشافعي رحمهما الله دعوته باطلة" لأن
البيع اعتراف منه بأنه عبد فكان في دعواه
مناقضا ولا نسب بدون الدعوى. وجه الاستحسان أن
اتصال العلوق بملكه شهادة ظاهرة على كونه منه
لأن الظاهر عدم الزنا. ومبنى النسب على الخفاء
فيعفى فيه التناقض، وإذا صحت الدعوى استندت
إلى وقت العلوق فتبين أنه باع أم ولده فيفسخ
البيع لأن بيع أم الولد لا يجوز
"ويرد الثمن" لأنه قبضه بغير
حق
"وإن ادعاه المشتري مع دعوة البائع أو بعده
فدعوة البائع أولى" لأنها
أسبق لاستنادها إلى وقت العلوق وهذه دعوة
استيلاد
"وإن جاءت به لأكثر من سنتين من وقت البيع لم
تصح دعوة البائع" لأنه لم
يوجد اتصال العلوق بملكه تيقنا وهو الشاهد
والحجة
"إلا إذا صدقه المشتري" فيثبت
النسب ويحمل على الاستيلاد بالنكاح، ولا يبطل
البيع لأنا تيقنا أن العلوق لم يكن في ملكه
فلا يثبت حقيقة العتق ولا حقه، وهذه دعوة
تحرير وغير المالك ليس من أهله.
"وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر من وقت البيع
ولأقل من سنتين لم تقبل دعوة البائع فيه إلا
أن يصدقه المشتري" لأنه احتمل
أن لا يكون العلوق في ملكه فلم توجد الحجة فلا
بد من تصديقه، وإذا صدقه يثبت النسب ويبطل
البيع والولد حر والأم أم ولد له كما في
المسألة الأولى لتصادقهما واحتمال العلوق في
ملكه.
قال:
"فإن مات الولد فادعاه البائع وقد جاءت به
لأقل من ستة أشهر لم يثبت الاستيلاد في الأم"
لأنها تابعة للولد ولم يثبت نسبه بعد الموت
لعدم حاجته إلى ذلك فلا يتبعه استيلاد الأم
"وإن ماتت الأم فادعاه البائع وقد جاءت به
لأقل من ستة أشهر يثبت النسب في الولد وأخذه
البائع"؛ لأن الولد هو الأصل
في النسب فلا يضره فوات التبع، وإنما كان
الولد أصلا لأنها تضاف إليه يقال أم الولد،
وتستفيد الحرية من جهته لقوله عليه الصلاة
والسلام:
"أعتقها ولدها" والثابت
لها حق الحرية وله حقيقتها، والأدنى يتبع
الأعلى
"ويرد الثمن كله في قول أبي حنيفة. وقالا: يرد
حصة الولد ولا يرد حصة الأم"
لأنه تبين أنه باع أم ولده، وماليتها غير
متقومة عنده في العقد والغصب فلا يضمنها
المشتري، وعندهما متقومة فيضمنها.
وفي الجامع الصغير: وإذا حملت الجارية في ملك
رجل فباعها فولدت في يد المشتري فادعى البائع
الولد وقد أعتق المشتري الأم فهو ابنه يرد
عليه بحصته من الثمن. ولو كان المشتري إنما
أعتق الولد فدعواه باطلة. ووجه الفرق أن الأصل
في هذا الباب الولد، والأم تابعة له على ما
مر. وفي الفصل الأول قام المانع من الدعوة
والاستيلاد وهو العتق في التبع وهو الأم فلا
يمتنع ثبوته في الأصل وهو الولد، وليس من
ضروراته. كما في ولد
ج / 3 ص -175-
المغرور فإنه حر وأمه أمة لمولاها، وكما في
المستولدة بالنكاح. وفي الفصل الثاني قام
المانع بالأصل وهو الولد فيمتنع ثبوته فيه وفي
التبع، وإنما كان الإعتاق مانعا لأنه لا يحتمل
النقض كحق استلحاق النسب وحق الاستيلاد
فاستويا من هذا الوجه، ثم الثابت من المشتري
حقيقة الإعتاق والثابت في الأم حق الحرية، وفي
الولد للبائع حق الدعوة والحق لا يعارض
الحقيقة، والتدبير بمنزلة الإعتاق لأنه لا
يحتمل النقض وقد ثبت به بعض آثار الحرية.
وقوله في الفصل الأول يرد عليه بحصته من الثمن
قولهما وعنده يرد بكل الثمن هو الصحيح كما
ذكرنا في فصل الموت.
قال:
"ومن باع عبدا ولد عنده وباعه المشتري من آخر
ثم ادعاه البائع الأول فهو ابنه ويبطل البيع"
لأن البيع يحتمل النقض، وما له من حق الدعوة
لا يحتمله فينقض البيع لأجله، وكذا إذا كاتب
الولد أو رهنه أو أجره أو كاتب الأم أو رهنها
أو زوجها ثم كانت الدعوة لأن هذه العوارض
تحتمل النقض فينقض ذلك كله وتصح الدعوة، بخلاف
الإعتاق والتدبير على ما مر، وبخلاف ما إذا
ادعاه المشتري أولا ثم ادعاه البائع حيث لا
يثبت النسب من البائع لأن النسب الثابت من
المشتري لا يحتمل النقض فصار كإعتاقه.
قال:
"ومن ادعى نسب أحد التوأمين ثبت نسبهما منه"
لأنهما من ماء واحد، فمن ضرورة ثبوت نسب
أحدهما ثبوت نسب الآخر، وهذا لأن التوأمين
ولدان بين ولادتهما أقل من ستة أشهر فلا يتصور
علوق الثاني حادثا لأنه لا حبل لأقل من ستة
أشهر.
وفي الجامع الصغير: إذا كان في يده غلامان
توأمان ولدا عنده فباع أحدهما وأعتقه المشتري
ثم ادعى البائع الذي في يده فهما ابناه وبطل
عتق المشتري؛ لأنه لما ثبت نسب الولد الذي
عنده لمصادفة العلوق والدعوة ملكه إذ المسألة
مفروضة فيه ثبت به حرية الأصل فيه فيثبت نسب
الآخر، وحرية الأصل فيه ضرورة لأنهما توأمان،
فتبين أن عتق المشتري وشراءه لاقى حرية الأصل
فبطل، بخلاف ما إذا كان الولد واحدا لأن هناك
يبطل العتق فيه مقصودا لحق دعوة البائع وهنا
ثبت تبعا لحريته فيه حرية الأصل فافترقا
"ولو لم يكن أصل العلوق في ملكه ثبت نسب الولد
الذي عنده، ولا ينقض البيع فيما باع"
لأن هذه دعوة تحرير لانعدام شاهد الاتصال
فيقتصر على محل ولايته.
قال:
"وإن كان الصبي في يد رجل فقال: هو ابن عبدي
فلان الغائب ثم قال: هو ابني لم يكن ابنه أبدا
وإن جحد العبد أن يكون ابنه"
وهذا عند أبي حنيفة
"وقالا: إذا جحد العبد فهو ابن المولى"
وعلى هذا الخلاف إذا قال: هو ابن فلان ولد على
فراشه ثم ادعاه لنفسه.
ج / 3 ص -176-
لهما
أن الإقرار ارتد برد العبد فصار كأن لم يكن
الإقرار، والإقرار بالنسب يرتد بالرد وإن كان
لا يحتمل النقض؛ ألا يرى أنه يعمل فيه الإكراه
والهزل فصار كما إذا أقر المشتري على البائع
بإعتاق المشترى فكذبه البائع ثم قال أنا
أعتقته يتحول الولاء إليه، بخلاف ما إذا صدقه
لأنه يدعي بعد ذلك نسبا ثابتا من الغير،
وبخلاف ما إذا لم يصدقه ولم يكذبه لأنه تعلق
به حق المقر له على اعتبار تصديقه فيصير كولد
الملاعنة فإنه لا يثبت نسبه من غير الملاعن؛
لأن له أن يكذب نفسه. ولأبي حنيفة أن النسب
مما لا يحتمل النقض بعد ثبوته والإقرار بمثله
لا يرتد بالرد فبقي فتمتنع دعوته، كمن شهد على
رجل بنسب صغير فردت شهادته لتهمة ثم ادعاه
لنفسه، وهذا لأنه تعلق به حق المقر له على
اعتبار تصديقه، حتى لو صدقه بعد التكذيب يثبت
النسب منه، وكذا تعلق به حق الولد فلا يرتد
برد المقر له. ومسألة الولاء على هذا الخلاف،
ولو سلم فالولاء قد يبطل باعتراض الأقوى كجر
الولاء من جانب الأم إلى قوم الأب. وقد اعترض
على الولاء الموقوف ما هو أقوى وهو دعوى
المشتري فيبطل به، بخلاف النسب على ما مر.
وهذا يصلح مخرجا على أصله فيمن يبيع الولد
ويخاف عليه الدعوة بعد ذلك فيقطع دعواه إقراره
بالنسب لغيره.
قال:
"وإذا كان الصبي في يد مسلم ونصراني فقال
النصراني: هو ابني وقال المسلم هو عبدي فهو
ابن النصراني وهو حر" لأن
الإسلام مرجح فيستدعي تعارضا، ولا تعارض لأن
نظر الصبي في هذا أوفر لأنه ينال شرف الحرية
حالا وشرف الإسلام مآلا، إذ دلائل الوحدانية
ظاهرة، وفي عكسه الحكم بالإسلام تبعا وحرمانه
عن الحرية لأنه ليس في وسعه اكتسابها
"ولو كانت دعوتهما دعوة البنوة فالمسلم أولى"
ترجيحا للإسلام وهو أوفر النظرين.
قال:
"وإذا ادعت امرأة صبيا أنه ابنها لم تجز
دعواها حتى تشهد امرأة على الولادة"
ومعنى المسألة أن تكون المرأة ذات زوج لأنها
تدعي تحميل النسب على الغير فلا تصدق إلا
بحجة، بخلاف الرجل لأنه يحمل نفسه النسب، ثم
شهادة القابلة كافية فيها لأن الحاجة إلى
تعيين الولد.
أما النسب فيثبت بالفراش القائم، وقد صح أن
النبي عليه الصلاة والسلام قبل شهادة القابلة
على الولادة
"ولو كانت معتدة فلا بد من حجة تامة" عند
أبي حنيفة وقد مر في الطلاق، وإن لم تكن
منكوحة ولا معتدة قالوا: يثبت النسب منها
بقولها لأن فيه إلزاما على نفسها دون غيرها.
"وإن كان لها زوج وزعمت أنه ابنهما منه وصدقها
فهو ابنهما وإن لم تشهد امرأة"
لأنه التزم نسبه فأغنى ذلك عن الحجة.
"وإن كان الصبي في أيديهما وزعم
ج / 3 ص -177-
الزوج أنه ابنه من غيرها وزعمت أنه ابنها من
غيره فهو ابنهما" لأن الظاهر أن الولد منهما لقيام أيديهما أو لقيام الفراش بينهما،
ثم كل واحد منهما يريد إبطال حق صاحبه فلا
يصدق عليه، وهو نظير ثوب في يد رجلين يقول كل
واحد منهما هو بيني وبين رجل آخر غير صاحبه
يكون الثوب بينهما إلا أن هناك يدخل المقر له
في نصيب المقر لأن المحل يحتمل الشركة، وهاهنا
لا يدخل لأن النسب لا يحتملها.
قال:
"ومن اشترى جارية فولدت ولدا عنده فاستحقها
رجل غرم الأب قيمة الولد يوم يخاصم"
لأنه ولد المغرور فإن المغرور من يطأ
امرأة معتمدا على ملك يمين أو نكاح فتلد منه
ثم تستحق، وولد المغرور حر بالقيمة بإجماع
الصحابة رضي الله عنهم، ولأن النظر من
الجانبين واجب فيجعل الولد حر الأصل في حق
أبيه رقيقا في حق مدعيه نظرا لهما، ثم الولد
حاصل في يده من غير صنعه فلا يضمنه إلا بالمنع
كما في ولد المغصوبة، فلهذا تعتبر قيمة الولد
يوم الخصومة لأنه يوم المنع.
"ولو مات الولد لا شيء على الأب"
لانعدام المنع، وكذا لو ترك مالا لأن الإرث
ليس ببدل عنه، والمال لأبيه لأنه حر الأصل في
حقه فيرثه
"ولو قتله الأب يغرم قيمته"
لوجود المنع وكذا لو قتله غيره فأخذ ديته، لأن
سلامة بدله له كسلامته، ومنع بدله كمنعه فيغرم
قيمته كما إذا كان حيا
"ويرجع بقيمة الولد على بائعه"
لأنه ضمن له سلامته كما يرجع بثمنه، بخلاف
العقر لأنه لزمه لاستيفاء منافعها فلا يرجع به
على البائع، والله أعلم بالصواب. |