الهداية في شرح بداية المبتدي

ج / 3 ص -200-       كتاب المضاربة
المضاربة: مشتقة من الضرب في الأرض؛ سمي بها لأن المضارب يستحق الربح بسعيه وعمله، وهي مشروعة للحاجة إليها، فإن الناس بين غني بالمال غبي عن التصرف فيه، وبين مهتد في التصرف صفر اليد عنه، فمست الحاجة إلى شرع هذا النوع من التصرف لينتظم مصلحة الغبي والذكي والفقير والغني. وبعث النبي صلى الله عليه وسلم والناس يباشرونه فقررهم عليه وتعاملت به الصحابة، ثم المدفوع إلى المضارب أمانة في يده لأنه قبضه بأمر مالكه لا على وجه البدل والوثيقة، وهو وكيل فيه لأنه يتصرف فيه بأمر مالكه، وإذا ربح فهو شريك فيه لتملكه جزءا من المال بعمله، فإذا فسدت ظهرت الإجارة حتى استوجب العامل أجر مثله، وإذا خالف كان غاصبا لوجود التعدي منه على مال غيره.
قال: "المضاربة عقد على الشركة بمال من أحد الجانبين" ومراده الشركة في الربح وهو يستحق بالمال من أحد الجانبين "والعمل من الجانب الآخر" ولا مضاربة بدونها؛ ألا ترى أن الربح لو شرط كله لرب المال كان بضاعة، ولو شرط جميعه للمضارب كان قرضا.
قال: "ولا تصح إلا بالمال الذي تصح به الشركة" وقد تقدم بيانه من قبل، ولو دفع إليه عرضا وقال بعه واعمل مضاربة في ثمنه جاز له لأنه يقبل الإضافة من حيث إنه توكيل وإجارة فلا مانع من الصحة، وكذا إذا قال له اقبض ما لي على فلان واعمل به مضاربة جاز لما قلنا، بخلاف ما إذا قال له اعمل بالدين الذي في ذمتك حيث لا تصح المضاربة، لأن عند أبي حنيفة رحمه الله لا يصح هذا التوكيل على ما مر في البيوع. وعندهما يصح لكن يقع الملك في المشترى للآمر فيصير مضاربة بالعرض.
قال: "ومن شرطها أن يكون الربح بينهما مشاعا لا يستحق أحدهما دراهم مسماة" من الربح لأن شرط ذلك يقطع الشركة بينهما ولا بد منها كما في عقد الشركة.
قال: "فإن شرط زيادة عشرة فله أجر مثله" لفساده فلعله لا يربح إلا هذا القدر فتنقطع الشركة في الربح، وهذا لأنه ابتغى عن منافعه عوضا ولم ينل لفساده، والربح لرب المال لأنه

 

 

ج / 3 ص -201-       نماء ملكه، وهذا هو الحكم في كل موضع لم تصح المضاربة ولا تجاوز بالأجر القدر المشروط عند أبي يوسف خلافا لمحمد كما بينا في الشركة، ويجب الأجر وإن لم يربح في رواية الأصل لأن أجر الأجير يجب بتسليم المنافع أو العمل وقد وجد. وعن أبي يوسف أنه لا يجب اعتبارا بالمضاربة الصحيحة مع أنها فوقها، والمال في المضاربة الفاسدة غير مضمون بالهلاك اعتبارا بالصحيحة، ولأنه عين مستأجرة في يده، وكل شرط يوجب جهالة في الربح يفسده لاختلال مقصوده، وغير ذلك من الشروط الفاسدة لا يفسدها، ويبطل الشرط كاشتراط الوضيعة على المضارب.
قال: "ولا بد أن يكون المال مسلما إلى المضارب ولا يد لرب المال فيه" لأن المال أمانة في يده فلا بد من التسليم إليه، وهذا بخلاف الشركة لأن المال في المضاربة من أحد الجانبين والعمل من الجانب الآخر، فلا بد من أن يخلص المال للعامل ليتمكن من التصرف فيه.
أما العمل في الشركة من الجانبين فلو شرط خلوص اليد لأحدهما لم تنعقد الشركة، وشرط العمل على رب المال مفسد للعقد لأنه يمنع خلوص يد المضارب فلا يتمكن من التصرف فلا يتحقق المقصود سواء كان المالك عاقدا أو غير عاقد كالصغير لأن يد المالك ثابتة له، وبقاء يده يمنع التسليم إلى المضارب، وكذا أحد المتفاوضين وأحد شريكي العنان إذا دفع المال مضاربة وشرط عمل صاحبه لقيام الملك له وإن لم يكن عاقدا، واشتراط العمل على العاقد مع المضارب وهو غير مالك يفسده إن لم يكن من أهل المضاربة فيه كالمأذون، بخلاف الأب والوصي لأنهما من أهل أن يأخذا مال الصغير مضاربة بأنفسهما فكذا اشتراطه عليهما بجزء من المال.
قال: "وإذا صحت المضاربة مطلقة جاز للمضارب أن يبيع ويشتري ويوكل ويسافر ويبضع ويودع" لإطلاق العقد والمقصود منه الاسترباح ولا يتحصل إلا بالتجارة، فينتظم العقد صنوف التجارة وما هو من صنيع التجار، والتوكيل من صنيعهم، وكذا الإبضاع والإيداع والمسافرة؛ ألا ترى أن المودع له أن يسافر فالمضارب أولى، كيف وأن اللفظ دليل عليه لأنها مشتقة من الضرب في الأرض وهو السير. وعن أبي يوسف رحمه الله أنه ليس له أن يسافر. وعنه وعن أبي حنيفة رحمهما الله أنه إن دفع في بلده ليس له أن يسافر لأنه تعريض على الهلاك من غير ضرورة وإن دفع في غير بلده له أن يسافر إلى بلده لأنه هو المراد في الغالب، والظاهر ما ذكر في الكتاب.

 

ج / 3 ص -202-       قال: "ولا يضارب إلا أن يأذن له رب المال أو يقول له اعمل برأيك" لأن الشيء لا يتضمن مثله لتساويهما في القوة فلا بد من التنصيص عليه أو التفويض المطلق إليه وكان كالتوكيل، فإن الوكيل لا يملك أن يوكل غيره إلا إذا قيل له اعمل برأيك، بخلاف الإيداع والإبضاع لأنه دونه فيتضمنه، وبخلاف الإقراض حيث لا يملكه. وإن قيل له اعمل برأيك لأن المراد منه التعميم فيما هو من صنيع التجار وليس الإقرار منه وهو تبرع كالهبة والصدقة فلا يحصل به الغرض وهو الربح لأنه لا تجوز الزيادة عليه، أما الدفع مضاربة فمن صنيعهم، وكذا الشركة والخلط بمال نفسه فيدخل تحت هذا القول.
قال: "وإن خص له رب المال التصرف في بلد بعينه أو في سلعة بعينها لم يجز له أن يتجاوزها" لأنه توكيل. وفي التخصيص فائدة فيتخصص، وكذا ليس له أن يدفعه بضاعة إلى من يخرجها من تلك البلدة لأنه لا يملك الإخراج بنفسه فلا يملك تفويضه إلى غيره.
قال: "فإن خرج إلى غير ذلك البلد فاشترى ضمن" وكان ذلك له، وله ربحه لأنه تصرف بغير أمره وإن لم يشتر حتى رده إلى الكوفة وهي التي عينها برئ من الضمان كالمودع إذا خالف في الوديعة ثم ترك ورجع المال مضاربة على حاله لبقائه في يده بالعقد السابق، وكذا إذا رد بعضه واشترى ببعضه في المصر كان المردود والمشترى في المصر على المضاربة لما قلنا، ثم شرط الشراء بها هاهنا وهو رواية الجامع الصغير، وفي كتاب المضاربة ضمنه بنفس الإخراج. والصحيح أن بالشراء يتقرر الضمان لزوال احتمال الرد إلى المصر الذي عينه.
أما الضمان فوجوبه بنفس الإخراج، وإنما شرط الشراء للتقرر لا لأصل الوجوب، وهذا بخلاف ما إذا قال على أن يشتري في سوق الكوفة حيث لا يصح التقييد لأن المصر مع تباين أطرافه كبقعة واحدة فلا يفيد التقييد، إلا إذا صرح بالنهي بأن قال اعمل في السوق ولا تعمل في غير السوق لأنه صرح بالحجر والولاية إليه ومعنى التخصيص أن يقول له على أن تعمل كذا أو في مكان كذا، وكذا إذا قال خذ هذا المال تعمل به في الكوفة لأنه تفسير له، أو قال فاعمل به في الكوفة لأن الفاء للوصل أو قال خذه بالنصف بالكوفة لأن الباء للإلصاق.
أما إذا قال خذ هذا المال واعمل به بالكوفة فله أن يعمل فيها وفي غيرها لأن الواو للعطف فيصير بمنزلة المشورة، ولو قال على أن تشتري من فلان وتبيع منه صح التقييد لأنه مفيد لزيادة الثقة به في المعاملة، بخلاف ما إذا قال على أن تشتري بها من أهل الكوفة

 

ج / 3 ص -203-       أو دفع في الصرف على أن يشتري به من الصيارفة ويبيع منهم فباع بالكوفة من غير أهلها أو من غير الصيارفة جاز؛ لأن فائدة الأول التقييد بالمكان، وفائدة الثاني التقييد بالنوع، وهذا هو المراد عرفا لا فيما وراء ذلك.
قال: "وكذلك إن وقت للمضاربة وقتا بعينه يبطل العقد بمضيه" لأنه توكيل فيتوقت بما وقته والتوقيت مفيد وأنه تقييد بالزمان فصار كالتقييد بالنوع والمكان.
قال: "وليس للمضارب أن يشتري من يعتق على رب المال لقرابة أو غيرها" لأن العقد وضع لتحصيل الربح وذلك بالتصرف مرة بعد أخرى، ولا يتحقق فيه لعتقه ولهذا لا يدخل في المضاربة شراء ما لا يملك بالقبض كشراء الخمر والشراء بالميتة. بخلاف البيع الفاسد لأنه يمكنه بيعه بعد قبضه فيتحقق المقصود.
قال: "ولو فعل صار مشتريا لنفسه دون المضاربة" لأن الشراء متى وجد نفاذا على المشتري نفذ عليه كالوكيل بالشراء إذا خالف.
قال: "فإن كان في المال ربح لم يجز له أن يشتري من يعتق عليه" لأنه يعتق عليه نصيبه ويفسد نصيب رب المال أو يعتق على الاختلاف المعروف فيمتنع التصرف فلا يحصل المقصود "وإن اشتراهم ضمن مال المضاربة" لأنه يصير مشتريا العبد لنفسه فيضمن بالنقد من مال المضاربة وإن لم يكن في المال ربح جاز أن يشتريهم لأنه لا مانع من التصرف، إذ لا شركة له فيه ليعتق عليه "فإن زادت قيمتهم بعد الشراء عتق نصيبه منهم" لملكه بعض قريبه "ولم يضمن لرب المال شيئا" لأنه لا صنع من جهته في زيادة القيمة ولا في ملكه الزيادة، لأن هذا شيء يثبت من طريق الحكم فصار كما إذا ورثه مع غيره "ويسعى العبد في قيمة نصيبه منه" لأنه احتسبت ماليته عنده فيسعى فيه كما في الورثة.
قال: "فإن كان مع المضارب ألف بالنصف فاشترى بها جارية قيمتها ألف فوطئها فجاءت بولد يساوي ألفا فادعاه ثم بلغت قيمة الغلام ألفا وخمسمائة والمدعي موسر، فإن شاء رب المال استسعى الغلام في ألف ومائتين وخمسين، وإن شاء أعتق" ووجه ذلك أن الدعوة صحيحة في الظاهر حملا على فراش النكاح، لكنه لم ينفذ لفقد شرطه وهو الملك لعدم ظهور الربح لأن كل واحد منهما: أعني الأم والولد مستحق برأس المال، كمال المضاربة إذا صار أعيانا كل عين منها يساوي رأس المال لا يظهر الربح كذا هذا، فإذا زادت قيمة الغلام الآن ظهر الربح فنفذت الدعوة السابقة، بخلاف ما إذا أعتق الولد ثم ازدادت القيمة. لأن ذلك إنشاء العتق، فإذا بطل لعدم الملك لا ينفذ بعد ذلك بحدوث الملك، أما هذا

 

ج / 3 ص -204-       فإخبار فجاز أن ينفذ عند حدوث الملك كما إذا أقر بحرية عبد غيره ثم اشتراه، وإذا صحت الدعوة وثبت النسب عتق الولد لقيام ملكه في بعضه، ولا يضمن لرب المال شيئا من قيمة الولد لأن عتقه ثبت بالنسب والملك والملك آخرهما فيضاف إليه ولا صنع له فيه، وهذا ضمان إعتاق فلا بد من التعدي ولم يوجد "وله أن يستسعي الغلام" لأنه احتبست ماليته عنده، وله أن يعتق لأن المستسعى كالمكاتب عند أبي حنيفة، ويستسعيه في ألف ومائتين وخمسين، لأن الألف مستحق برأس المال والخمسمائة ربح والربح بينهما فلهذا يسعى له في هذا المقدار. ثم إذا قبض رب المال الألف له أن يضمن المدعي نصف قيمة الأم لأن الألف المأخوذ لما استحق برأس المال لكونه مقدما في الاستيفاء ظهر أن الجارية كلها ربح فيكون بينهما، وقد تقدمت دعوة صحيحة لاحتمال الفراش الثابت بالنكاح وتوقف نفاذها لفقد الملك، فإذا ظهر الملك نفذت تلك الدعوة وصارت الجارية أم ولد له ويضمن نصيب رب المال لأن هذا ضمان تملك وضمان التملك لا يستدعي صنعا كما إذا استولد جارية بالنكاح ثم ملكها هو وغيره وراثة يضمن نصيب شريكه كذا هذا؛ بخلاف ضمان الولد على ما مر.

باب المضارب يضارب
قال: "وإذا دفع المضارب المال إلى غيره مضاربة ولم يأذن له رب المال لم يضمن بالدفع ولا يتصرف المضارب الثاني حتى يربح، فإذا ربح ضمن الأول لرب المال" وهذا رواية الحسن عن أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد: إذا عمل به ضمن ربح أو لم يربح، وهذا ظاهر الرواية. وقال زفر رحمه الله: يضمن بالدفع عمل أو لم يعمل، وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله لأن المملوك له الدفع على وجه الإيداع، وهذا الدفع على وجه المضاربة. ولهما أن الدفع إيداع حقيقة، وإنما يتقرر كونه للمضاربة بالعمل فكان الحال مراعى قبله. ولأبي حنيفة أن الدفع قبل العمل إيداع وبعده إبضاع، والفعلان يملكهما المضارب فلا يضمن بهما، إلا أنه إذا ربح فقد أثبت له شركة في المال فيضمن كما لو خلطه بغيره، وهذا إذا كانت المضاربة صحيحة، فإن كانت فاسدة لا يضمنه الأول، وإن عمل الثاني لأنه أجير فيه وله أجر مثله فلا تثبت الشركة به. ثم ذكر في الكتاب يضمن الأول ولم يذكر الثاني. وقيل ينبغي أن لا يضمن الثاني عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يضمن بناء على اختلافهم في مودع المودع. وقيل رب المال بالخيار إن شاء ضمن الأول وإن شاء ضمن الثاني بالإجماع وهو المشهور، وهذا عندهما ظاهر وكذا عنده، ووجه الفرق له بين هذه وبين مودع المودع أن المودع الثاني يقبضه لمنفعة الأول فلا يكون ضامنا.

 

ج / 3 ص -205-       أما المضارب الثاني يعمل فيه لنفع نفسه فجاز أن يكون ضامنا. ثم إن ضمن الأول صحت المضاربة بين الأول وبين الثاني وكان الربح بينهما على ما شرطا لأنه ظهر أنه ملكه بالضمان من حين خالف بالدفع إلى غيره لا على الوجه الذي رضي به فصار كما إذا دفع مال نفسه، وإن ضمن الثاني رجع على الأول بالعقد لأنه عامل له كما في المودع ولأنه مغرور من جهته في ضمن العقد. وتصح المضاربة والربح بينهما على ما شرطا لأن قرار الضمان على الأول فكأنه ضمنه ابتداء، ويطيب الربح للثاني ولا يطيب للأعلى لأن الأسفل يستحقه بعمله ولا خبث في العمل، والأعلى يستحقه بملكه المستند بأداء الضمان ولا يعرى عن نوع خبث.
قال: "فإذا دفع رب المال مضاربة بالنصف وأذن له بأن يدفعه إلى غيره فدفعه بالثلث وقد تصرف الثاني وربح، فإن كان رب المال قال له على أن ما رزق الله فهو بيننا نصفان فلرب المال النصف وللمضارب الثاني الثلث وللمضارب الأول السدس" لأن الدفع إلى الثاني مضاربة قد صح لوجود الأمر به من جهة المالك ورب المال شرط لنفسه نصف جميع ما رزق الله تعالى فلم يبق للأول إلا النصف فيتصرف تصرفه إلى نصيبه وقد جعل من ذلك بقدر ثلث الجميع للثاني فيكون له فلم يبق إلا السدس، ويطيب لهما ذلك لأن فعل الثاني واقع للأول كمن استؤجر على خياطة ثوب بدرهم واستأجر غيره عليه بنصف درهم "وإن كان قال له على أن ما رزقك الله فهو بيننا نصفان فللمضارب الثاني الثلث والباقي بين المضارب الأول ورب المال نصفان" لأنه فوض إليه التصرف وجعل لنفسه نصف ما رزق الأول وقد رزق الثلثين فيكون بينهما، بخلاف الأول لأنه جعل لنفسه نصف جميع الربح فافترقا "ولو كان قال له فما ربحت من شيء فبيني وبينك نصفان وقد دفع إلى غيره بالنصف فللثاني النصف والباقي بين الأول ورب المال" لأن الأول شرط للثاني نصف الربح وذلك مفوض إليه من جهة رب المال فيستحقه. وقد جعل رب المال لنفسه نصف ما ربح الأول ولم يربح إلا النصف فيكون بينهما "ولو كان قال له على أن ما رزق الله تعالى فلي نصفه أو قال فما كان من فضل فبيني وبينك نصفان وقد دفع إلى آخر مضاربة بالنصف فلرب المال النصف وللمضارب الثاني النصف ولا شيء للمضارب الأول" لأنه جعل لنفسه نصف مطلق الفضل فينصرف شرط الأول النصف للثاني إلى جميع نصيبه فيكون للثاني بالشرط ويخرج الأول بغير شيء، كمن استؤجر ليخيط ثوبا بدرهم فاستأجر غيره ليخيطه بمثله "وإن شرط للمضارب الثاني ثلثي الربح فلرب المال النصف وللمضارب الثاني النصف ويضمن المضارب الأول للثاني سدس الربح في ماله" لأنه شرط للثاني شيئا هو مستحق لرب المال

 

ج / 3 ص -206-       فلم ينفذ في حقه لما فيه من الإبطال، لكن التسمية في نفسها صحيحة لكون المسمى معلوما في عقد يملكه وقد ضمن له السلامة فيلزمه الوفاء به، ولأنه غره في ضمن العقد وهو سبب الرجوع فلهذا يرجع عليه، وهو نظير من استؤجر لخياطة ثوب بدرهم فدفعه إلى من يخيطه بدرهم ونصف.

فصل: قال: "وإذا شرط المضارب لرب المال ثلث الربح ولعبد رب المال ثلث الربح على أن يعمل معه ولنفسه ثلث الربح فهو جائز"
لأن للعبد يدا معتبرة خصوصا إذا كان مأذونا له واشتراط العمل إذن له، ولهذا لا يكون للمولى ولاية أخذ ما أودعه العبد وإن كان محجورا عليه، ولهذا يجوز بيع المولى من عبده المأذون له، وإذا كان كذلك لم يكن مانعا من التسليم والتخلية بين المال والمضارب، بخلاف اشتراط العمل على رب المال لأنه مانع من التسليم على ما مر، وإذا صحت المضاربة يكون الثلث للمضارب بالشرط والثلثان للمولى، لأن كسب العبد للمولى إذا لم يكن عليه دين، وإن كان عليه دين فهو للغرماء. هذا إذا كان العاقد هو المولى، "ولو عقد العبد المأذون عقد المضاربة مع أجنبي وشرط العمل على المولى لا يصح إن لم يكن عليه دين" لأن هذا اشتراط العمل على المالك، "وإن كان على العبد دين صح عند أبي حنيفة" لأن المولى بمنزلة الأجنبي عنده على ما عرف، والله أعلم.

فصل: في العزل والقسمة
قال: "وإذا مات رب المال أو المضارب بطلت المضاربة" لأنه توكيل على ما تقدم، وموت الموكل يبطل الوكالة، وكذا موت الوكيل ولا تورث الوكالة وقد مر من قبل. "وإن ارتد رب المال عن الإسلام" والعياذ بالله "ولحق بدار الحرب بطلت المضاربة" لأن اللحوق بمنزلة الموت؛ ألا ترى أنه يقسم ماله بين ورثته وقبل لحوقه يتوقف تصرف مضاربه عند أبي حنيفة رحمه الله لأنه يتصرف له فصار كتصرفه بنفسه "ولو كان المضارب هو المرتد فالمضاربة على حالها" لأن له عبارة صحيحة، ولا توقف في ملك رب المال فبقيت المضاربة.
قال: "فإن عزل رب المال المضارب ولم يعلم بعزله حتى اشترى وباع فتصرفه جائز" لأنه وكيل من جهته وعزل الوكيل قصدا يتوقف على علمه "وإن علم بعزله والمال عروض فله أن يبيعها ولا يمنعه العزل من ذلك" لأن حقه قد ثبت في الربح، وإنما يظهر بالقسمة وهي تبتنى على رأس المال، وإنما ينقض بالبيع.

 

ج / 3 ص -207-       قال: "ثم لا يجوز أن يشتري بثمنها شيئا آخر" لأن العزل إنما لم يعمل ضرورة معرفة رأس المال وقد اندفعت حيث صار نقدا فيعمل العزل "فإن عزله ورأس المال دراهم أو دنانير وقد نضت لم يجز له أن يتصرف فيها" لأنه ليس في إعمال عزله إبطال حقه في الربح فلا ضرورة.
قال: وهذا الذي ذكره إذا كان من جنس رأس المال، فإن لم يكن بأن كان دراهم ورأس المال دنانير أو على القلب له أن يبيعها بجنس رأس المال استحسانا لأن الربح لا يظهر إلا به وصار كالعروض، وعلى هذا موت رب المال ولحوقه بعد الردة في بيع العروض ونحوها.
قال: "وإذا افترقا وفي المال ديون وقد ربح المضارب فيه أجبره الحاكم على اقتضاء الديون" لأنه بمنزلة الأجير والربح كالأجر له "وإن لم يكن له ربح لم يلزمه الاقتضاء" لأنه وكيل محض والمتبرع لا يجبر على إيفاء ما تبرع به، "ويقال له وكل رب المال في الاقتضاء" لأن حقوق العقد ترجع إلى العاقد، فلا بد من توكيله وتوكله كي لا يضيع حقه. وقال في الجامع الصغير: يقال له أجل مكان قوله وكل، والمراد منه الوكالة وعلى هذا سائر الوكالات والبياع والسمسار يجبران على التقاضي لأنهما يعملان بأجر عادة.
قال: "وما هلك من مال المضاربة فهو من الربح دون رأس المال" لأن الربح تابع وصرف الهلاك إلى ما هو التبع أولى كما يصرف الهلاك إلى العفو في الزكاة "فإن زاد الهالك على الربح فلا ضمان على المضارب" لأنه أمين "وإن كانا يقتسمان الربح والمضاربة بحالها ثم هلك المال بعضه أو كله ترادا الربح حتى يستوفي رب المال رأس المال" لأن قسمة الربح لا تصح قبل استيفاء رأس المال لأنه هو الأصل وهذا بناء عليه وتبع له، فإذا هلك ما في يد المضارب أمانة تبين أن ما استوفياه من رأس المال، فيضمن المضارب ما استوفاه لأنه أخذه لنفسه وما أخذه رب المال محسوب من رأس ماله "وإذا استوفى رأس المال، فإن فضل شيء كان بينهما لأنه ربح وإن نقص فلا ضمان على المضارب" لما بينا "ولو اقتسما الربح وفسخا المضاربة ثم عقداها فهلك المال لم يترادا الربح الأول" لأن المضاربة الأولى قد انتهت والثانية عقد جديد، وهلاك المال في الثاني لا يوجب انتقاض الأول كما إذا دفع إليه مالا آخر.

فصل: فيما يفعله المضارب
قال: "ويجوز للمضارب أن يبيع بالنقد والنسيئة" لأن كل ذلك من صنيع

 

ج / 3 ص -208-       التجار فينتظمه إطلاق العقد إلا إذا باع إلى أجل لا يبيع التجار إليه لأن له الأمر العام المعروف بين الناس، ولهذا كان له أن يشتري دابة للركوب، وليس له أن يشتري سفينة للركوب، وله أن يستكريها اعتبارا لعادة التجار، وله أن يأذن لعبد المضاربة في التجارة في الرواية المشهورة لأنه من صنيع التجار. ولو باع بالنقد ثم أخر الثمن جاز بالإجماع، أما عندهما فلأن الوكيل يملك ذلك فالمضارب أولى، إلا أن المضارب لا يضمن لأن له أن يقايل ثم يبيع نسيئة، ولا كذلك الوكيل لأنه لا يملك ذلك. وأما عند أبي يوسف فلأنه يملك الإقالة ثم البيع بالنساء. بخلاف الوكيل لأنه لا يملك الإقالة.
"ولو احتال بالثمن على الأيسر أو الأعسر جاز" لأن الحوالة من عادة التجار، بخلاف الوصي يحتال بمال اليتيم حيث يعتبر فيه الأنظر، لأن تصرفه مقيد بشرط النظر، والأصل أن ما يفعله المضارب ثلاثة أنواع:
نوع يملكه بمطلق المضاربة وهو ما يكون من باب المضاربة وتوابعها وهو ما ذكرنا، ومن جملته التوكيل بالبيع والشراء للحاجة إليه والرهن والارتهان لأنه إيفاء واستيفاء والإجارة والاستئجار والإيداع والإبضاع والمسافرة على ما ذكرناه من قبل.
ونوع لا يملكه بمطلق العقد ويملكه إذا قيل له اعمل برأيك، وهو ما يحتمل أن يلحق به فيلحق عند وجود الدلالة، وذلك مثل دفع المال مضاربة أو شركة إلى غيره وخلط مال المضاربة بماله أو بمال غيره لأن رب المال رضي بشركته لا بشركة غيره، وهو أمر عارض لا يتوقف عليه التجارة فلا يدخل تحت مطلق العقد ولكنه جهة في التثمير، فمن هذا الوجه يوافقه فيدخل فيه عند وجود الدلالة وقوله اعمل برأيك دلالة على ذلك.
ونوع لا يملكه بمطلق العقد ولا بقوله اعمل برأيك إلا أن ينص عليه رب المال وهو الاستدانة، وهو أن يشتري بالدراهم والدنانير بعدما اشترى برأس المال السلعة وما أشبه ذلك لأنه يصير المال زائدا على ما انعقد عليه المضاربة ولا يرضى به ولا يشغل ذمته بالدين، ولو أذن له رب المال بالاستدانة صار المشترى بينهما نصفين بمنزلة شركة الوجوه وأخذ السفاتج لأنه نوع من الاستدانة، وكذا إعطاؤها لأنه إقراض والعتق بمال وبغير مال والكتابة لأنه ليس بتجارة والإقراض والهبة والصدقة لأنه تبرع محض.
قال: "ولا يزوج عبدا ولا أمة من مال المضاربة" وعن أبي يوسف أنه يزوج الأمة لأنه من باب الاكتساب؛ ألا ترى أنه يستفيد به المهر وسقوط النفقة. ولهما أنه ليس بتجارة والعقد لا يتضمن إلا التوكيل بالتجارة وصار كالكتابة والإعتاق على مال لأنه

 

ج / 3 ص -209-       اكتساب، ولكن لما لم يكن تجارة لا يدخل تحت المضاربة فكذا هذا.
قال: "فإن دفع شيئا من مال المضاربة إلى رب المال بضاعة فاشترى رب المال وباع فهو على المضاربة" وقال زفر: تفسد المضاربة لأن رب المال متصرف في مال نفسه فلا يصلح وكيلا فيه فيصير مستردا ولهذا لا تصح إذا شرط العمل عليه ابتداء. ولنا أن التخلية فيه قد تمت وصار التصرف حقا للمضارب فيصلح رب المال وكيلا عنه في التصرف والإبضاع توكيل منه فلا يكون استردادا، بخلاف شرط العمل عليه في الابتداء لأنه يمنع التخلية، وبخلاف ما إذا دفع المال إلى رب المال مضاربة حيث لا يصح لأن المضاربة تنعقد شركة على مال رب المال وعمل المضارب ولا مال هاهنا، فلو جوزناه يؤدي إلى قلب الموضوع، وإذا لم تصح بقي عمل رب المال بأمر المضارب فلا تبطل به المضاربة الأولى.
قال: "وإذا عمل المضارب في المصر فليست نفقته في المال، وإن سافر فطعامه وشرابه وكسوته وركوبه" ومعناه شراء وكراء في المال. ووجه الفرق أن النفقة تجب بإزاء الاحتباس كنفقة القاضي ونفقة المرأة، والمضارب في المصر ساكن بالسكنى الأصلي، وإذا سافر صار محبوسا بالمضاربة فيستحق النفقة فيه، وهذا بخلاف الأجير لأنه يستحق البدل لا محالة فلا يتضرر بالإنفاق من ماله، أما المضارب فليس له إلا الربح وهو في حيز التردد، فلو أنفق من ماله يتضرر به، وبخلاف المضاربة الفاسدة لأنه أجير، وبخلاف البضاعة لأنه متبرع.
قال: "فإن بقي شيء في يده بعدما قدم مصره رده في المضاربة" لانتهاء الاستحقاق، ولو كان خروجه دون السفر فإن كان بحيث يغدو ثم يروح فيبيت بأهله فهو بمنزلة السوقي في المصر، وإن كان بحيث لا يبيت بأهله فنفقته في مال المضاربة لأن خروجه للمضاربة، والنفقة هي ما يصرف إلى الحاجة الراتبة وهو ما ذكرنا، ومن ذلك غسل ثيابه وأجرة أجير يخدمه وعلف دابة يركبها والدهن في موضع يحتاج إليه عادة كالحجاز، وإنما يطلق في جميع ذلك بالمعروف حتى يضمن الفضل إن جاوزه اعتبارا للمتعارف بين التجار.
قال: "وأما الدواء ففي ماله" في ظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه يدخل في النفقة لأنه لإصلاح بدنه ولا يتمكن من التجارة إلا به فصار كالنفقة، وجه الظاهر أن الحاجة إلى النفقة معلومة الوقوع وإلى الدواء بعارض المرض، ولهذا كانت نفقة المرأة على الزوج ودواؤها في مالها.

 

ج / 3 ص -210-       قال: "وإذا ربح أخذ رب المال ما أنفق من رأس المال، فإن باع المتاع مرابحة حسب ما أنفق على المتاع من الحملان ونحوه، ولا يحتسب ما أنفق على نفسه" لأن العرف جار بإلحاق الأول دون الثاني، ولأن الأول يوجب زيادة في المالية بزيادة القيمة والثاني لا يوجبها.
قال: "فإن كان معه ألف فاشترى بها ثيابا فقصرها أو حملها بمائة من عنده وقد قيل له اعمل برأيك فهو متطوع" لأنه استدانة على رب المال فلا ينتظمه هذا المقال على ما مر "وإن صبغها أحمر فهو شريك بما زاد الصبغ فيه ولا يضمن" لأنه عين مال قائم به حتى إذا بيع كان له حصة الصبغ وحصة الثوب الأبيض على المضاربة بخلاف القصارة والحمل لأنه ليس بعين مال قائم به، ولهذا إذا فعله الغاصب ضاع ولا يضيع إذا صبغ المغصوب، وإذا صار شريكا بالصبغ انتظمه قوله اعمل برأيك انتظامه الخلطة فلا يضمنه.

فصل آخر: قال "فإن كان معه ألف بالنصف فاشترى بها بزا فباعه بألفين ثم اشترى بالألفين عبدا فلم ينقدهما حتى ضاعا يغرم رب المال ألفا وخمسمائة والمضارب خمسمائة ويكون ربع العبد للمضارب وثلاثة أرباعه على المضاربة".
قال رحمه الله: هذا الذي ذكره حاصل الجواب، لأن الثمن كله على المضارب إذ هو العاقد، إلا أن له حق الرجوع على رب المال بألف وخمسمائة على ما نبين فيكون عليه في الأجرة. ووجهه أنه لما نض المال ظهر الربح وله منه وهو خمسمائة، فإذا اشترى بالألفين عبدا صار مشتريا ربعه لنفسه وثلاثة أرباعه للمضاربة على حسب انقسام الألفين، وإذا ضاعت الألفان وجب عليه الثمن لما بيناه، وله الرجوع بثلاثة أرباع الثمن على رب المال لأنه وكيل من جهته فيه ويخرج نصيب المضارب وهو الربع من المضاربة لأنه مضمون عليه ومال المضاربة أمانة وبينهما منافاة ويبقى ثلاثة أرباع العبد على المضاربة لأنه ليس فيه ما ينافي المضاربة "ويكون رأس المال ألفين وخمسمائة" لأنه دفع مرة ألفا ومرة ألفا وخمسمائة "ولا يبيعه مرابحة إلا على ألفين" لأنه اشتراه بألفين، ويظهر ذلك فيما إذا بيع العبد بأربعة آلاف فحصة المضاربة ثلاثة آلاف يرفع رأس المال ويبقى خمسمائة ربح بينهما.
قال: "وإن كان معه ألف فاشترى رب المال عبدا بخمسمائة وباعه إياه بألف فإنه يبيعه مرابحة على خمسمائة" لأن هذا البيع مقضي بجوازه لتغاير المقاصد دفعا للحاجة وإن كان بيع ملكه بملكه إلا أن فيه شبهة العدم، ومبنى المرابحة على الأمانة والاحتراز عن شبهة

 

ج / 3 ص -211-       الخيانة فاعتبر أقل الثمنين، ولو اشترى المضارب عبدا بألف وباعه من رب المال بألف ومائتين باعه مرابحة بألف ومائة لأنه اعتبر عدما في حق نصف الربح وهو نصيب رب المال وقد مر في البيوع.
قال: "فإن كان معه ألف بالنصف فاشترى بها عبدا قيمته ألفان فقتل العبد رجلا خطأ فثلاثة أرباع الفداء على رب المال وربعه على المضارب" لأن الفداء مؤنة الملك فيتقدر بقدر الملك وقد كان الملك بينهما أرباعا، لأنه لما صار المال عينا واحدا ظهر الربح وهو ألف بينهما وألف لرب المال برأس ماله لأن قيمته ألفان، وإذا فديا خرج العبد عن المضاربة، أما نصيب المضارب فلما بيناه، وأما نصيب رب المال فلقضاء القاضي بانقسام الفداء عليهما لما أنه يتضمن قسمة العبد بينهما والمضاربة تنتهي بالقسمة، بخلاف ما تقدم لأن جميع الثمن فيه على المضارب وإن كان له حق الرجوع فلا حاجة إلى القسمة، ولأن العبد كالزائل عن ملكهما بالجناية، ودفع الفداء كابتداء الشراء فيكون العبد بينهما أرباعا لا على المضاربة يخدم المضارب يوما ورب المال ثلاثة أيام، بخلاف ما تقدم.
قال: "فإن كان معه ألف فاشترى بها عبدا فلم ينقدها حتى هلكت يدفع رب المال ذلك الثمن ورأس المال جميع ما يدفع إليه رب المال" لأن المال أمانة في يده ولا يصير مستوفيا، والاستيفاء إنما يكون بقبض مضمون وحكم الأمانة ينافيه فيرجع مرة بعد أخرى، بخلاف الوكيل إذا كان الثمن مدفوعا إليه قبل الشراء وهلك بعد الشراء حيث لا يرجع إلا مرة لأنه أمكن جعله مستوفيا، لأن الوكالة تجامع الضمان كالغاصب إذا توكل ببيع المغصوب، ثم في الوكالة في هذه الصورة يرجع مرة، وفيما إذا اشترى ثم دفع الموكل إليه المال فهلك لا يرجع لأنه ثبت له حق الرجوع بنفس الشراء فجعل مستوفيا بالقبض بعده، أما المدفوع إليه قبل الشراء أمانة في يده وهو قائم على الأمانة بعده فلم يصر مستوفيا، فإذا هلك رجع عليه مرة ثم لا يرجع لوقوع الاستيفاء على ما مر.

فصل: في الاختلاف
قال: "وإن كان مع المضارب ألفان فقال دفعت إلي ألفا وربحت ألفا وقال رب المال لا بل دفعت إليك ألفين فالقول قول المضارب" وكان أبو حنيفة يقول أولا القول قول رب المال وهو قول زفر، لأن المضارب يدعي عليه الشركة في الربح وهو ينكر والقول قول المنكر، ثم رجع إلى ما ذكر في الكتاب لأن الاختلاف في الحقيقة في مقدار المقبوض وفي مثله القول قول القابض ضمينا كان أو أمينا لأنه أعرف بمقدار المقبوض؛

 

ج / 3 ص -212-       ولو اختلفا مع ذلك في مقدار الربح فالقول فيه لرب المال لأن الربح يستحق بالشرط وهو يستفاد من جهته، وأيهما أقام البينة على ما ادعى من فضل قبلت لأن البينات للإثبات.
قال: "ومن كان معه ألف درهم فقال هي مضاربة لفلان بالنصف وقد ربح ألفا وقال فلان هي بضاعة فالقول قول رب المال" لأن المضارب يدعي عليه تقويم عمله أو شرطا من جهته أو يدعي الشركة وهو ينكر، "ولو قال المضارب أقرضتني وقال رب المال هو بضاعة أو وديعة فالقول لرب المال والبينة بينة المضارب"، لأن المضارب يدعي عليه التملك وهو ينكر. "ولو ادعى رب المال المضاربة في نوع وقال الآخر ما سميت لي تجارة بعينها فالقول للمضارب" لأن الأصل فيه العموم والإطلاق، والتخصيص يعارض الشرط، بخلاف الوكالة لأن الأصل فيه الخصوص. "ولو ادعى كل واحد منهما نوعا فالقول لرب المال" لأنهما اتفقا على التخصيص، والإذن يستفاد من جهته، والبينة بينة المضارب لحاجته إلى نفي الضمان وعدم حاجة الآخر إلى البينة، ولو وقتت البينتان وقتا فصاحب الوقت الأخير أولى لأن آخر الشرطين ينقض الأول.