الهداية في شرح بداية المبتدي

ج / 3 ص -250-       كتاب المكاتب
قال: "وإذا كاتب المولى عبده أو أمته على مال شرطه عليه وقبل العبد ذلك صار مكاتبا" أما الجواز فلقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور:33] وهذا ليس أمر إيجاب بإجماع بين الفقهاء، وإنما هو أمر ندب هو الصحيح. وفي الحمل على الإباحة إلغاء الشرط إذ هو مباح بدونه، أما الندبية معلقة به، والمراد بالخير المذكور على ما قيل أن لا يضر بالمسلمين بعد العتق، فإن كان يضر بهم فالأفضل أن لا يكاتبه وإن كان يصح لو فعله. وأما اشتراط قبول العبد فلأنه مال يلزمه فلا بد من التزامه ولا يعتق إلا بأداء كل البدل لقوله عليه الصلاة والسلام: "أيما عبد كوتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد" وقال عليه الصلاة والسلام: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم" وفيه اختلاف الصحابة رضي الله عنهم، وما اخترناه قول زيد بن ثابت رضي الله عنه ويعتق بأدائه وإن لم يقل المولى إذا أديتها فأنت حر لأن موجب العقد يثبت من غير التصريح به كما في البيع، ولا يجب حط شيء من البدل اعتبارا بالبيع.
قال: "ويجوز أن يشترط المال حالا ويجوز مؤجلا ومنجما" وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز حالا ولا بد من نجمين، لأنه عاجز عن التسليم في زمان قليل لعدم الأهلية قبله للرق، بخلاف السلم على أصله لأنه أهل للملك فكان احتمال القدرة ثابتا، وقد دل الإقدام على العقد عليها فيثبت. ولنا ظاهر ما تلونا من غير شرط التنجيم، ولأنه عقد معاوضة والبدل معقود به فأشبه الثمن في البيع في عدم اشتراط القدرة عليه، بخلاف السلم على أصلنا لأن المسلم فيه معقود عليه فلا بد من القدرة عليه، ولأن مبنى الكتابة على المساهلة فيمهله المولى ظاهرا، بخلاف السلم لأن مبناه على المضايقة وفي الحال كما امتنع من الأداء يرد إلى الرق.
قال: "وتجوز كتابة العبد الصغير إذا كان يعقل الشراء والبيع" لتحقق الإيجاب والقبول، إذ العاقل من أهل القبول والتصرف نافع في حقه. والشافعي يخالفنا فيه وهو بناء على مسألة إذن الصبي في التجارة، وهذا بخلاف ما إذا كان لا يعقل البيع

 

ج / 3 ص -251-       والشراء لأن القبول لا يتحقق منه فلا ينعقد العقد، حتى لو أدى عنه غيره لا يعتق ويسترد ما دفع.
قال: "ومن قال لعبده: جعلت عليك ألفا تؤديها إلي نجوما أول النجم كذا وآخره كذا فإذا أديتها فأنت حر وإن عجزت فأنت رقيق فإن هذه مكاتبة" لأنه أتى بتفسير الكتابة، ولو قال: إذا أديت إلي ألفا كل شهر مائة فأنت حر فهذه مكاتبة في رواية أبي سليمان. لأن التنجيم يدل على الوجوب وذلك بالكتابة. وفي نسخ أبي حفص لا تكون مكاتبة اعتبارا بالتعليق بالأداء مرة.
قال: "وإذا صحت الكتابة خرج المكاتب عن يد المولى ولم يخرج عن ملكه" أما الخروج من يده فلتحقيق معنى الكتابة وهو الضم فيضم مالكية يده إلى مالكية نفسه أو لتحقيق مقصود الكتابة وهو أداء البدل فيملك البيع والشراء والخروج إلى السفر وإن نهاه المولى، وأما عدم الخروج عن ملكه فلما روينا، ولأنه عقد معاوضة ومبناه على المساواة، وينعدم ذلك بتنجز العتق ويتحقق بتأخره لأنه يثبت له نوع مالكية ويثبت له في الذمة حق من وجه "فإن أعتقه عتق بعتقه" لأنه مالك لرقبته "وسقط عنه بدل الكتابة" لأنه ما التزمه إلا مقابلا بحصول العتق به وقد حصل دونه.
قال: "وإذا وطئ المولى مكاتبته لزمه العقر" لأنها صارت أخص بأجزائها توسلا إلى المقصود بالكتابة وهو الوصول إلى البدل من جانبه وإلى الحرية من جانبها بناء عليه، ومنافع البضع ملحقة بالأجزاء والأعيان "وإن جنى عليها أو على ولدها لزمته الجناية" لما بينا "وإن أتلف مالا لها غرم" لأن المولى كالأجنبي في حق أكسابها ونفسها، إذ لو لم يجعل كذلك لأتلفه المولى فيمتنع حصول الغرض المبتغى بالعقد، والله أعلم بالصواب.

فصل: في الكتابة الفاسدة
قال: "وإذا كاتب المسلم عبده على خمر أو خنزير أو على قيمة نفسه فالكتابة فاسدة" أما الأول فلأن الخمر والخنزير لا يستحقه المسلم لأنه ليس بمال في حقه فلا يصلح بدلا فيفسد العقد. وأما الثاني فلأن القيمة مجهولة قدرا وجنسا ووصفا فتفاحشت الجهالة وصار كما إذا كاتب على ثوب أو دابة، ولأنه تنصيص على ما هو موجب العقد الفاسد لأنه موجب للقيمة.
قال: "فإن أدى الخمر عتق" وقال زفر: لا يعتق إلا بأداء قيمة نفسه، لأن البدل هو القيمة. وعن أبي يوسف رحمه الله: أنه يعتق بأداء الخمر لأنه بدل صورة، ويعتق بأداء القيمة

 

ج / 3 ص -252-       أيضا لأنه هو البدل معنى. وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه إنما يعتق بأداء عين الخمر إذا قال إن أديتها فأنت حر لأنه حينئذ يكون العتق بالشرط لا بعقد الكتابة، وصار كما إذا كاتب على ميتة أو دم ولا فصل في ظاهر الرواية. ووجه الفرق بينهما وبين الميتة أن الخمر والخنزير مال في الجملة فأمكن اعتبار معنى العقد فيه، وموجبه العتق عند أداء العوض المشروط. وأما الميتة فليست بمال أصلا فلا يمكن اعتبار معنى العقد فيه فاعتبر فيه معنى الشرط وذلك بالتنصيص عليه "وإذا عتق بأداء عين الخمر لزمه أن يسعى في قيمته" لأنه وجب عليه رد رقبته لفساد العقد وقد تعذر بالعتق فيجب رد قيمته كما في البيع الفاسد إذا تلف المبيع.
قال: "ولا ينقص عن المسمى ويزاد عليه" لأنه عقد فاسد فتجب القيمة عند هلاك المبدل بالغة ما بلغت كما في البيع الفاسد، وهذا لأن المولى ما رضي بالنقصان والعبد رضي بالزيادة كي لا يبطل حقه في العتق أصلا فتجب قيمته بالغة ما بلغت، وفيما إذا كاتبه على قيمته يعتق بأداء القيمة لأنه هو البدل. وأمكن اعتبار معنى العقد فيه وأثر الجهالة في الفساد، بخلاف ما إذا كاتبه على ثوب حيث لا يعتق بأداء ثوب لأنه لا يوقف فيه على مراد العاقد لاختلاف أجناس الثوب فلا يثبت العتق بدون إرادته.
قال: "وكذلك إن كاتبه على شيء بعينه لغيره لم يجز" لأنه لا يقدر على تسليمه. ومراده شيء يتعين بالتعيين، حتى لو قال كاتبتك على هذه الألف الدراهم وهي لغيره جاز لأنها لا تتعين في المعاوضات فيتعلق بدراهم دين في الذمة فيجوز. وعن أبي حنيفة رضي الله عنه في رواية الحسن أنه يجوز، حتى إذا ملكه وسلمه يعتق، وإن عجز يرد في الرق لأن المسمى مال والقدرة على التسليم موهوم فأشبه الصداق. قلنا: إن العين في المعاوضات معقود عليه والقدرة على المعقود عليه شرط للصحة إذا كان العقد يحتمل الفسخ كما في البيع، بخلاف الصداق في النكاح لأن القدرة على ما هو المقصود بالنكاح ليس بشرط، فعلى ما هو تابع فيه أولى. فلو أجاز صاحب العين ذلك فعن محمد أنه يجوز لأنه يجوز البيع عند الإجازة فالكتابة أولى. وعن أبي حنيفة أنه لا يجوز اعتبارا بحال عدم الإجازة على ما قال في الكتاب، والجامع أنه لا يفيد ملك المكاسب وهو المقصود لأنها تثبت للحاجة إلى الأداء منها ولا حاجة فيما إذا كان البدل عينا معينا، والمسألة فيه على ما بيناه. وعن أبي يوسف أنه يجوز أجاز ذلك أو لم يجز، غير أنه عند الإجازة يجب تسليم عينه، وعند عدمها يجب تسليم قيمته كما في النكاح، والجامع بينهما صحة التسمية لكونه مالا، ولو ملك المكاتب ذلك العين، فعن أبي حنيفة رواه أبو يوسف أنه إذا أداه لا يعتق، وعلى هذه الرواية لم ينعقد

 

ج / 3 ص -253-       العقد إلا إذا قال له إذا أديت إلي فأنت حر فحينئذ يعتق بحكم الشرط، وهكذا عن أبي يوسف رحمه الله. وعنه أنه يعتق قال ذلك أو لم يقل، لأن العقد ينعقد مع الفساد لكون المسمى مالا فيعتق بأداء المشروط. ولو كاتبه على عين في يد المكاتب ففيه روايتان، وهي مسألة الكتابة على الأعيان، وقد عرف ذلك في الأصل، وقد ذكرنا وجه الروايتين في كفاية المنتهى.
قال: "وإذا كاتبه على مائة دينار على أن يرد المولى عليه عبدا بغير عينه فالكتابة فاسدة عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: هي جائزة، ويقسم المائة الدينار على قيمة المكاتب وعلى قيمة عبد وسط فيبطل منها حصة العبد فيكون مكاتبا بما بقي" لأن العبد المطلق يصلح بدل الكتابة وينصرف إلى الوسط، فكذا يصلح مستثنى منه وهو الأصل في أبدال العقود. ولهما أنه لا يستثنى العبد من الدنانير، وإنما تستثنى قيمته والقيمة لا تصلح بدلا فكذلك مستثنى.
قال: "وإذا كاتبه على حيوان غير موصوف فالكتابة جائزة" معناه أن يبين الجنس ولا يبين النوع والصفة "وينصرف إلى الوسط ويجبر على قبول القيمة" وقد مر في النكاح.
أما إذا لم يبين الجنس مثل أن يقول دابة لا يجوز لأنه يشمل أجناسا مختلفة فتتفاحش الجهالة، وإذا بين الجنس كالعبد والوصيف فالجهالة يسيرة ومثلها يتحمل في الكتابة فتعتبر جهالة البدل بجهالة الأجل فيه. وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز، وهو القياس لأنه معاوضة فأشبه البيع. ولنا أنه معاوضة مال بغير مال أو بمال لكن على وجه يسقط الملك فيه فأشبه النكاح، والجامع أنه يبتنى على المسامحة، بخلاف البيع لأنه مبني على المماكسة.
قال: "وإذا كاتب النصراني عبده على خمر فهو جائز" معناه إذا كان مقدارا معلوما والعبد كافرا لأنها مال في حقهم بمنزلة الخل في حقنا "وأيهما أسلم فللمولى قيمة الخمر" لأن المسلم ممنوع عن تمليك الخمر وتملكها، وفي التسليم ذلك إذ الخمر غير معين فيعجز عن تسليم البدل فيجب عليه قيمتها، وهذا بخلاف ما إذا تبايع الذميان خمرا ثم أسلم أحدهما حيث يفسد البيع على ما قاله البعض، لأن القيمة تصلح بدلا في الكتابة في الجملة، فإنه لو كاتب على وصيف وأتى بالقيمة يجبر على القبول فجاز أن يبقى العقد على القيمة، فأما البيع فلا ينعقد صحيحا على القيمة فافترقا.
قال: "وإذا قبضها عتق" لأن في الكتابة معنى المعاوضة. فإذا وصل أحد العوضين

 

ج / 3 ص -254-       إلى المولى سلم العوض الآخر للعبد وذلك بالعتق، بخلاف ما إذا كان العبد مسلما حيث لم تجز الكتابة لأن المسلم ليس من أهل التزام الخمر، ولو أداها عتق وقد بيناه من قبل. والله أعلم بالصواب.

باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله
قال: "ويجوز للمكاتب البيع والشراء والسفر" لأن موجب الكتابة أن يصير حرا يدا، وذلك بمالكية التصرف مستبدا به تصرفا يوصله إلى مقصوده وهو نيل الحرية بأداء البدل، والبيع والشراء من هذا القبيل، وكذا السفر لأن التجارة ربما لا تتفق في الحضر فتحتاج إلى المسافرة، ويملك البيع بالمحاباة لأنه من صنيع التجار، فإن التاجر قد يحابي في صفقة ليربح في أخرى.
قال: "فإن شرط عليه أن لا يخرج من الكوفة فله أن يخرج استحسانا" لأن هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد وهو مالكية اليد من جهة الاستبداد وثبوت الاختصاص فبطل الشرط وصح العقد لأنه شرط لم يتمكن في صلب العقد، وبمثله لا تفسد الكتابة، وهذا لأن الكتابة تشبه البيع وتشبه النكاح فألحقناه بالبيع في شرط تمكن في صلب العقد، كما إذا شرط خدمة مجهولة لأنه في البدل وبالنكاح في شرط لم يتمكن في صلبه هذا هو الأصل. أو نقول: إن الكتابة في جانب العبد إعتاق لأنه إسقاط الملك، وهذا الشرط يخص العبد فاعتبر إعتاقا في حق هذا الشرط، والإعتاق لا يبطل بالشروط الفاسدة.
قال: "ولا يتزوج إلا بإذن المولى" لأن الكتابة فك الحجر مع قيام الملك ضرورة التوسل إلى المقصود، والتزوج ليس وسيلة إليه، ويجوز بإذن المولى لأن الملك له "ولا يهب ولا يتصدق إلا بالشيء اليسير" لأن الهبة والصدقة تبرع وهو غير مالك ليملكه، إلا أن الشيء اليسير من ضرورات التجارة لأنه لا يجد بدا من ضيافة وإعارة ليجتمع عليه المجاهزون. ومن ملك شيئا يملك ما هو من ضروراته وتوابعه "ولا يتكفل" لأنه تبرع محض، فليس من ضرورات التجارة والاكتساب ولا يملكه بنوعيه نفسا ومالا لأن كل ذلك تبرع "ولا يقرض" لأنه تبرع ليس من توابع الاكتساب "فإن وهب على عوض لم يصح" لأنه تبرع ابتداء "وإن زوج أمته جاز" لأنه اكتساب للمال فإنه يتملك به المهر فدخل تحت العقد.
قال: "وكذلك إن كاتب عبده" والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر والشافعي، لأن مآله العتق والمكاتب ليس من أهله كالإعتاق على مال. وجه الاستحسان أنه عقد اكتساب للمال فيملكه كتزويج الأمة وكالبيع وقد يكون هو أنفع له

 

ج / 3 ص -255-       من البيع لأنه لا يزيل الملك إلا بعد وصول البدل إليه والبيع يزيله قبله ولهذا يملكه الأب والوصي ثم هو يوجب للمملوك مثل ما هو ثابت له. بخلاف الإعتاق على مال لأنه يوجب فوق ما هو ثابت له.
قال: "فإن أدى الثاني قبل أن يعتق الأول فولاؤه للمولى" لأن له فيه نوع ملك. وتصح إضافة الإعتاق إليه في الجملة، فإذا تعذر إضافته إلى مباشر العقد لعدم الأهلية أضيف إليه كما في العبد إذا اشترى شيئا يثبت الملك للمولى.
قال: "فلو أدى الأول بعد ذلك وعتق لا ينتقل الولاء إليه" لأن المولى جعل معتقا والولاء لا ينتقل عن المعتق "وإن أدى الثاني بعد عتق الأول فولاؤه له" لأن العاقد من أهل ثبوت الولاء وهو الأصل فيثبت له.
قال: "وإن أعتق عبده على مال أو باعه من نفسه أو زوج عبده لم يجز" لأن هذه الأشياء ليست من الكسب ولا من توابعه. أما الأول فلأنه إسقاط الملك عن رقبته وإثبات الدين في ذمه المفلس فأشبه الزوال بغير عوض، وكذا الثاني لأنه إعتاق على مال في الحقيقة. وأما الثالث فلأنه تنقيص للعبد وتعييب له وشغل رقبته بالمهر والنفقة، بخلاف تزويج الأمة لأنه اكتساب لاستفادته المهر على ما مر.
قال: "وكذلك الأب والوصي في رقيق الصغير بمنزلة المكاتب" لأنهما يملكان الاكتساب كالمكاتب، ولأن في تزويج الأمة والكتابة نظرا له، ولا نظر فيما سواهما والولاية نظرية.
قال: "فأما المأذون له فلا يجوز له شيء من ذلك عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: له أن يزوج أمته" وعلى هذا الخلاف المضارب والمفاوض والشريك شركة عنان هو قاسه على المكاتب واعتبره بالإجارة. ولهما أن المأذون له يملك التجارة وهذا ليس بتجارة، فأما المكاتب يتملك الاكتساب وهذا اكتساب، ولأنه مبادلة المال بغير المال فيعتبر بالكتابة دون الإجارة، إذ هي مبادلة المال بالمال ولهذا لا يملك هؤلاء كلهم تزويج العبد، والله أعلم بالصواب.

فصل: قال: "وإذا اشترى المكاتب أباه أو ابنه دخل في كتابته"
لأنه من أهل أن يكاتب وإن لم يكن من أهل الإعتاق فيجعل مكاتبا تحقيقا للصلة بقدر الإمكان، ألا ترى أن الحر متى كان يملك الإعتاق يعتق عليه "وإن اشترى ذا رحم محرم منه لأولاد له لم يدخل في كتابته عند

 

ج / 3 ص -256-       أبي حنيفة. وقالا: يدخل" اعتبارا بقرابة الولاد إذ وجوب الصلة ينتظمهما ولهذا لا يفترقان في الحر في حق الحرية. وله أن للمكاتب كسبا لا ملكا، غير أن الكسب يكفي الصلة في الولاد حتى أن القادر على الكسب يخاطب بنفقة الوالد والولد ولا يكفي في غيرهما حتى لا تجب نفقة الأخ إلا على الموسر، ولأن هذه قرابة توسطت بين بني الأعمام وقرابة الولاد فألحقناها بالثاني في العتق، وبالأول في الكتابة وهذا أولى لأن العتق أسرع نفوذا من الكتابة، حتى أن أحد الشريكين إذا كاتب كان للآخر فسخه، وإذا أعتق لا يكون له فسخه.
قال: "وإذا اشترى أم ولده دخل ولدها في الكتابة ولم يجز بيعها" ومعناه إذا كان معها ولدها، أما دخول الولد في الكتابة فلما ذكرناه. وأما امتناع بيعها فلأنها تبع للولد في هذا الحكم، قال عليه الصلاة والسلام:
"أعتقها ولدها" وإن لم يكن معها ولدها فكذلك الجواب في قول أبي يوسف ومحمد لأنها أم ولد خلافا لأبي حنيفة. وله أن القياس أن يجوز بيعها وإن كان معها ولد لأن كسب المكاتب موقوف فلا يتعلق به ما لا يحتمل الفسخ، إلا أنه يثبت به هذا الحق فيما إذا كان معها ولد تبعا لثبوته في الولد بناء عليه، وبدون الولد لو ثبت ثبت ابتداء والقياس ينفيه "وإن ولد له ولد من أمة له دخل في كتابته" لما بينا في المشترى "فكان حكمه كحكمه وكسبه له" لأن كسب الولد كسب كسبه ويكون كذلك قبل الدعوة فلا ينقطع بالدعوة اختصاصه، "وكذلك إن ولدت المكاتبة ولدا" لأن حق امتناع البيع ثابت فيها مؤكدا فيسري إلى الولد كالتدبير والاستيلاد.
قال: "ومن زوج أمته من عبده ثم كاتبهما فولدت منه ولدا دخل في كتابتها وكان كسبه لها" لأن تبعية الأم أرجح ولهذا يتبعها في الرق والحرية.
قال: "وإن تزوج المكاتب بإذن مولاه امرأة زعمت أنها حرة فولدت منه ثم استحقت فأولادها عبيد ولا يأخذهم بالقيمة، وكذلك العبد يأذن له المولى بالتزويج، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد: أولادها أحرار بالقيمة" لأنه شارك الحر في سبب ثبوت هذا الحق وهو الغرور، وهذا لأنه ما رغب في نكاحها إلا لينال حرية الأولاد، ولهما أنه مولود بين رقيقين فيكون رقيقا، وهذا لأن الأصل أن الولد يتبع الأم في الرق والحرية، وخالفنا هذا الأصل في الحر بإجماع الصحابة رضي الله عنهم، وهذا ليس في معناه لأن حق المولى هناك مجبور بقيمة ناجزة وهاهنا بقيمة متأخرة إلى ما بعد العتق فيبقى على الأصل ولا يلحق به.

 

ج / 3 ص -257-       قال: "وإن وطئ المكاتب أمة على وجه الملك بغير إذن المولى ثم استحقها رجل فعليه العقر يؤخذ به في الكتابة، وإن وطئها على وجه النكاح لم يؤخذ به حتى يعتق وكذلك المأذون له" ووجه الفرق أن في الفصل الأول ظهر الدين في حق المولى لأن التجارة وتوابعها داخلة تحت الكتابة، وهذا العقر من توابعها، لأنه لولا الشراء لما سقط الحد وما لم يسقط الحد لا يجب العقر. أما لم يظهر في الفصل الثاني لأن النكاح ليس من الاكتساب في شيء فلا تنتظمه الكتابة كالكفالة.
قال: "وإذا اشترى المكاتب جارية شراء فاسدا ثم وطئها فردها أخذ بالعقر في المكاتبة، وكذلك العبد المأذون له" لأنه من باب التجارة، فإن التصرف تارة يقع صحيحا ومرة يقع فاسدا، والكتابة والإذن ينتظمانه بنوعيه كالتوكيل فكان ظاهرا في حق المولى.

فصل: قال: "وإذا ولدت المكاتبة من المولى فهي بالخيار إن شاءت مضت على الكتابة، وإن شاءت عجزت نفسها، وصارت أم ولد له"
لأنها تلقتها جهتا حرية عاجلة ببدل وآجلة بغير بدل فتخير بينهما، "ونسب ولدها ثابت من المولى وهو حر", لأن المولى يملك الإعتاق في ولدها وما له من الملك يكفي لصحة الاستيلاد بالدعوة. وإذا مضت على الكتابة أخذت العقر من مولاها لاختصاصها بنفسها وبمنافعها على ما قدمنا. ثم إن مات المولى عتقت بالاستيلاد وسقط عنها بدل الكتابة، وإن ماتت هي وتركت مالا تؤدى منه مكاتبتها وما بقي ميراث لابنها جريا على موجب الكتابة، وإن لم تترك مالا فلا سعاية على الولد لأنه حر، ولو ولدت ولدا آخر لم يلزم المولى إلا أن يدعي لحرمة وطئها عليه، فلو لم يدع وماتت من غير وفاء سعى هذا الولد لأنه مكاتب تبعا لها، فلو مات المولى بعد ذلك عتق وبطل عنه السعاية لأنه بمنزلة أم الولد إذ هو ولدها فيتبعها.
قال: "وإذا كاتب المولى أم ولده جاز" لحاجتها إلى استفادة الحرية قبل موت المولى وذلك بالكتابة، ولا تنافي بينهما لأنه تلقتها جهتا حرية "فإن مات المولى عتقت بالاستيلاد" لتعلق عتقها بموت السيد "وسقط عنها بدل الكتابة" لأن الغرض من إيجاب البدل العتق عند الأداء، فإذا عتقت قبله لم يمكن توفير الغرض عليه فسقط وبطلت الكتابة لامتناع إبقائها بغير فائدة، غير أنه تسلم لها الأكساب والأولاد لأن الكتابة انفسخت في حق البدل وبقيت في حق الأكساب والأولاد، لأن الفسخ لنظرها والنظر فيما ذكرناه. ولو أدت المكاتبة قبل موت المولى عتقت بالكتابة لأنها باقية.

 

ج / 3 ص -258-       قال: "وإن كاتب مدبرته جاز" لما ذكرنا من الحاجة ولا تنافي، إذ الحرية غير ثابتة، وإنما الثابت مجرد الاستحقاق "وإن مات المولى ولا مال له غيرها فهي بالخيار بين أن تسعى في ثلثي قيمتها أو جميع مال الكتابة" وهذا عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: تسعى في أقل منهما. وقال محمد: تسعى في الأقل من ثلثي قيمتها وثلثي بدل الكتابة، فالخلاف في الخيار والمقدار، فأبو يوسف مع أبي حنيفة في المقدار، ومع محمد في نفي الخيار. أما الخيار ففرع تجزؤ الإعتاق عنده لما تجزأ بقي الثلثان رقيقا وقد تلقاها جهتا حرية ببدلين معجل بالتدبير ومؤجل بالكتابة فتخير. وعندهما لما عتق كلها بعتق بعضها فهي حرة وجب عليها أحد المالين فتختار الأقل لا محالة فلا معنى للتخيير. وأما المقدار فلمحمد رحمه الله أنه قابل البدل بالكل وقد سلم لها الثلث بالتدبير فمن المحال أن يجب البدل بمقابلته، ألا ترى أنه لو سلم لها الكل بأن خرجت من الثلث يسقط كل بدل الكتابة فهنا يسقط الثلث وصار كما إذا تأخر التدبير عن الكتابة. ولهما أن جميع البدل مقابل بثلثي رقبتها فلا يسقط منه شيء، وهذا لأن البدل وإن قوبل بالكل صورة وصيغة لكنه مقيد بما ذكرنا معنى وإرادة لأنها استحقت حرية الثلث ظاهرا، والظاهر أن الإنسان لا يلتزم المال بمقابلة ما يستحق حريته وصار كما إذا طلق امرأته ثنتين ثم طلقها ثلاثا على ألف كان جميع الألف بمقابلة الواحدة الباقية لدلالة الإرادة، كذا هاهنا، بخلاف ما إذا تقدمت الكتابة وهي المسألة التي تليه لأن البدل مقابل بالكل إذ لا استحقاق عنده في شيء فافترقا.
قال: "وإن دبر مكاتبته صح التدبير" لما بينا. "ولها الخيار، إن شاءت مضت على الكتابة، وإن شاءت عجزت نفسها وصارت مدبرة" لأن الكتابة ليست بلازمة في جانب المملوك، فإن مضت على كتابتها فمات المولى ولا مال له غيرها فهي بالخيار إن شاءت سعت في ثلثي مال الكتابة أو ثلثي قيمتها عند أبي حنيفة. وقالا: تسعى في الأقل منهما، فالخلاف في هذا الفصل في الخيار بناء على ما ذكرنا. أما المقدار فمتفق عليه، ووجهه ما بينا.
قال: "وإذا أعتق المولى مكاتبه عتق بإعتاقه" لقيام ملكه فيه "وسقط بدل الكتابة" لأنه ما التزمه إلا مقابلا بالعتق وقد حصل له دونه فلا يلزمه، والكتابة وإن كانت لازمة في جانب المولى ولكنه يفسخ برضا العبد والظاهر رضاه توسلا إلى عتقه بغير بدل مع سلامة الأكساب له لأنا نبقي الكتابة في حقه.
قال: "وإن كاتبه على ألف درهم إلى سنة فصالحه على خمسمائة معجلة فهو جائز"

 

ج / 3 ص -259-       استحسانا. وفي القياس لا يجوز لأنه اعتياض عن الأجل وهو ليس بمال والدين مال فكان ربا، ولهذا لا يجوز مثله في الحر ومكاتب الغير. وجه الاستحسان أن الأجل في حق المكاتب مال من وجه لأنه لا يقدر على الأداء إلا به فأعطي له حكم المال، وبدل الكتابة مال من وجه حتى لا تصح الكفالة به فاعتدلا فلا يكون ربا، ولأن عقد الكتابة عقد من وجه دون وجه والأجل ربا من وجه فيكون شبهة الشبهة، بخلاف العقد بين الحرين لأنه عقد من كل وجه فكان ربا والأجل فيه شبهة.
قال: "وإذا كاتب المريض عبده على ألفي درهم إلى سنة وقيمته ألف ثم مات ولا مال له غيره ولم تجز الورثة فإنه يؤدي ثلثي الألفين حالا والباقي إلى أجله أو يرد رقيقا عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد: يؤدي ثلثي الألف حالا والباقي إلى أجله" لأن له أن يترك الزيادة بأن يكاتبه على قيمته فله أن يؤخرها وصار كما إذا خالع المريض امرأته على ألف إلى سنة جاز، لأن له أن يطلقها بغير بدل، ولهما أن جميع المسمى بدل الرقبة حتى أجري عليها أحكام الأبدال وحق الورثة متعلق بالمبدل فكذا بالبدل، والتأجيل إسقاط معنى فيعتبر من ثلث الجميع، بخلاف الخلع لأن البدل فيه لا يقابل المال فلم يتعلق حق الورثة بالمبدل فلا يتعلق بالبدل، ونظير هذا إذا باع المريض داره بثلاثة آلاف إلى سنة وقيمتها ألف ثم مات ولم تجز الورثة فعندهما يقال للمشتري أد ثلثي جميع الثمن حالا والثلث إلى أجله وإلا فانقض البيع، وعنده يعتبر الثلث بقدر القيمة لا فيما زاد عليه لما بينا من المعنى.
قال: "وإن كاتبه على ألف إلى سنة وقيمته ألفان ولم تجز الورثة يقال له أد ثلثي القيمة حالا أو ترد رقيقا في قولهم جميعا" لأن المحاباة هاهنا في القدر والتأخير فاعتبر الثلث فيهما.

باب من يكاتب عن العبد
قال: "وإذا كاتب الحر عن عبد بألف درهم، فإن أدى عنه عتق، وإن بلغ العبد فقبل فهو مكاتب" وصورة المسألة أن يقول الحر لمولى العبد كاتب عبدك على ألف درهم على أني إن أديت إليك ألفا فهو حر فكاتبه المولى على هذا يعتق بأدائه بحكم الشرط، وإذا قبل العبد صار مكاتبا، لأن الكتابة كانت موقوفة على إجارته وقبوله إجازة، ولو لم يقل على أني إن أديت إليك ألفا فهو حر فأدى لا يعتق قياسا لأنه لا شرط والعقد موقوف على إجازة العبد. وفي الاستحسان يعتق لأنه لا ضرر للعبد الغائب في تعليق العتق بأداء القائل فيصح في حق

 

ج / 3 ص -260-       هذا الحكم ويتوقف في حق لزوم الألف على العبد. وقيل هذه هي صورة مسألة الكتاب "ولو أدى الحر البدل لا يرجع على العبد" لأنه متبرع.
قال: "وإذا كاتب العبد عن نفسه وعن عبد آخر لمولاه وهو غائب، فإن أدى الشاهد أو الغائب عتقا" ومعنى المسألة أن يقول العبد كاتبني بألف درهم على نفسي وعلى فلان الغائب، وهذه كتابة جائزة استحسانا. وفي القياس: يصح على نفسه لولايته عليها ويتوقف في حق الغائب لعدم الولاية عليه. وجه الاستحسان أن الحاضر بإضافة العقد إلى نفسه ابتداء جعل نفسه فيه أصلا والغائب تبعا، والكتابة على هذا الوجه مشروعة كالأمة إذا كوتبت دخل أولادها في كتابتها تبعا حتى عتقوا بأدائها وليس عليهم من البدل شيء وإذا أمكن تصحيحه على هذا الوجه ينفرد به الحاضر فله أن يأخذه بكل البدل لأن البدل عليه لكونه أصلا فيه، ولا يكون على الغائب من البدل شيء لأنه تبع فيه.
قال: "وأيهما أدى عتقا ويجبر المولى على القبول" أما الحاضر فلأن البدل عليه. وأما الغائب فلأنه ينال به شرف الحرية، وإن لم يكن البدل عليه وصار كمعير الرهن إذا أدى الدين يجبر المرتهن على القبول لحاجته إلى استخلاص عينه وإن لم يكن الدين عليه.
قال: "وأيهما أدى لا يرجع على صاحبه" لأن الحاضر قضى دينا عليه والغائب متبرع به غير مضطر إليه.
قال: "وليس للمولى أن يأخذ الغائب بشيء" لما بينا "فإن قبل العبد الغائب أو لم يقبل فليس ذلك منه بشيء، والكتابة لازمة للشاهد" لأن الكتابة نافذة عليه من غير قبول الغائب فلا تتغير بقبوله، كمن كفل عن غيره بغير أمره فبلغه فأجازه لا يتغير حكمه، حتى لو أدى لا يرجع عليه، كذا هذا.
قال: "وإذا كاتبت الأمة عن نفسها وعن ابنين لها صغيرين فهو جائز، وأيهم أدى لم يرجع على صاحبه ويجبر المولى على القبول ويعتقون" لأنها جعلت نفسها أصلا في الكتابة وأولادها تبعا على ما بينا في المسألة الأولى وهي أولى بذلك من الأجنبي، والله أعلم بالصواب.

باب كتاب العبد المشترك
قال: "وإذا كان العبد بين رجلين أذن أحدهما لصاحبه أن يكاتب نصيبه بألف درهم ويقبض بدل الكتابة فكاتب وقبض بعض الألف ثم عجز فالمال للذي قبض عند أبي حنيفة، وقالا: هو مكاتب بينهما وما أدى فهو بينهما" وأصله أن الكتابة تتجزأ

 

ج / 3 ص -261-       عنده خلافا لهما بمنزلة الإعتاق، لأنها تفيد الحرية من وجه فتقتصر على نصيبه عنده للتجزؤ، وفائدة الإذن أن لا يكون له حق الفسخ كما يكون له إذا لم يأذن، وإذنه له بقبض البدل إذن للعبد بالأداء فيكون متبرعا بنصيبه عليه فلهذا كان كل المقبوض له. وعندهما الإذن بكتابة نصيبه إذن بكتابة الكل لعدم التجزؤ، فهو أصيل في النصف وكيل في النصف فهو بينهما والمقبوض مشترك بينهما فيبقى كذلك بعد العجز.
قال: "وإذا كانت جارية بين رجلين كاتباها فوطئها أحدهما فجاءت بولد فادعاه ثم وطئها الآخر فجاءت بولد فادعاه ثم عجزت فهي أم ولد للأول" لأنه لما ادعى أحدهما الولد صحت دعوته لقيام الملك له فيها وصار نصيبه أم ولد له، لأن المكاتبة لا تقبل النقل من ملك إلى ملك فتقتصر أمومية الولد على نصيبه كما في المدبرة المشتركة، وإذا ادعى الثاني ولدها الأخير صحت دعوته لقيام ملكه ظاهرا، ثم إذا عجزت بعد ذلك جعلت الكتابة كأن لم تكن وتبين أن الجارية كلها أم ولد للأول لأنه زال المانع من الانتقال ووطؤه سابق.
قال: "ويضمن نصف قيمتها" لأنه تملك نصيبه لما استكمل الاستيلاد.
قال: "ونصف عقرها" لوطئه جارية مشتركة.
قال: "ويضمن شريكه كمال عقرها وقيمة الولد ويكون ابنه" لأنه بمنزلة المغرور، لأنه حين وطئها كان ملكه قائما ظاهرا. وولد المغرور ثابت النسب منه حر بالقيمة على ما عرف لكنه وطئ أم ولد الغير حقيقة فيلزمه كمال العقر.
قال: "وأيهما دفع العقر إلى المكاتبة جاز" لأن الكتابة ما دامت باقية فحق القبض لها لاختصاصها بمنافعها وأبدالها، وإذا عجزت ترد العقر إلى المولى لظهور اختصاصه "وهذا" الذي ذكرنا "كله قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد: هي أم ولد للأول ولا يجوز وطء الآخر" لأنه لما ادعى الأول الولد صارت كلها أم ولد له لأن أمومية الولد يجب تكميلها بالإجماع ما أمكن، وقد أمكن بفسخ الكتابة لأنها قابلة للفسخ فتفسخ فيما لا تتضرر به المكاتبة وتبقى الكتابة فيما وراءه، بخلاف التدبير لأنه لا يقبل الفسخ، وبخلاف بيع المكاتب لأن في تجويزه إبطال الكتابة إذ المشتري لا يرضى ببقائه مكاتبا. وإذا صارت كلها أم ولد له فالثاني وطئ أم ولد الغير.
قال:"فلا يثبت نسب الولد منه ولا يكون حرا عليه بالقيمة" غير أنه لا يجب الحد عليه للشبهة.
قال: "ويلزمه جميع العقر" لأن الوطء لا يعرى عن إحدى الغرامتين، وإذا بقيت

 

ج / 3 ص -262-       الكتابة وصارت كلها مكاتبة له، قيل يجب عليها نصف بدل الكتابة لأن الكتابة انفسخت فيما لا تتضرر به المكاتبة ولا تتضرر بسقوط نصف البدل. وقيل يجب كل البدل لأن الكتابة لم تنفسخ إلا في حق التملك ضرورة فلا يظهر في حق سقوط نصف البدل وفي إبقائه في حقه نظر للمولى وإن كان لا تتضرر المكاتبة بسقوطه، والمكاتبة هي التي تعطي العقر لاختصاصها بأبدال منافعها. ولو عجزت وردت في الرق ترد إلى المولى لظهور اختصاصه على ما بينا.
قال: "ويضمن الأول لشريكه في قياس قول أبي يوسف رحمه الله نصف قيمتها مكاتبة" لأنه تملك نصيب شريكه وهي مكاتبة فيضمنه موسرا كان أو معسرا لأنه ضمان التملك.
قال: "وفي قول محمد: يضمن الأقل من نصف قيمتها ومن نصف ما بقي من بدل الكتابة" لأن حق شريكه في نصف الرقبة على اعتبار العجز، وفي نصف البدل على اعتبار الأداء فلتردد بينهما يجب أقلهما.
قال: "وإذا كان الثاني لم يطأها ولكن دبرها ثم عجزت بطل التدبير" لأنه لم يصادف الملك. أما عندهما فظاهر لأن المستولد تملكها قبل العجز. وأما عند أبي حنيفة رحمه الله فلأنه بالعجز تبين أنه تملك نصيبه من وقت الوطء فتبين أنه مصادف ملك غيره والتدبير يعتمد الملك، بخلاف النسب لأنه يعتمد الغرور على ما مر.
قال: "وهي أم ولد للأول" لأنه تملك نصيب شريكه وكمل الاستيلاد على ما بينا.
قال: "ويضمن لشريكه نصف عقرها" لوطئه جارية مشتركة.
قال: "ونصف قيمتها" لأنه تملك نصفها بالاستيلاد وهو تملك بالقيمة.
قال: "والولد ولد الأول" لأنه صحت دعوته لقيام المصحح، وهذا قولهم جميعا. ووجهه ما بينا.
قال: "وإن كانا كاتباها ثم أعتقها أحدهما وهو موسر ثم عجزت يضمن المعتق لشريكه نصف قيمتها ويرجع بذلك عليها عند أبي حنيفة، وقالا: لا يرجع عليها" لأنها لما عجزت وردت في الرق تصير كأنها لم تزل قنة، والجواب فيه على الخلاف في الرجوع وفي الخيارات وغيرها كما هو مسألة تجزؤ الإعتاق وقد قررناه في الإعتاق، فأما قبل العجز ليس له أن يضمن المعتق عند أبي حنيفة لأن الإعتاق لما كان يتجزأ عنده كان أثره أن يجعل نصيب غير المعتق كالمكاتب فلا يتغير به نصيب صاحبه لأنها مكاتبة قبل ذلك وعندهما لما كان لا يتجزأ بعتق الكل فله أن يضمنه قيمة نصيبه مكاتبا إن كان

 

ج / 3 ص -263-       موسرا، ويستسعى العبد إن كان معسرا لأنه ضمان إعتاق فيختلف باليسار والإعسار.
قال: "وإذا كان العبد بين رجلين دبره أحدهما ثم أعتقه الآخر وهو موسر، فإن شاء الذي دبره ضمن المعتق نصف قيمته مدبرا، وإن شاء استسعى العبد، وإن شاء أعتق، وإن أعتقه أحدهما ثم دبره الآخر لم يكن له أن يضمن المعتق ويستسعى أو يعتق، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله" ووجهه أن التدبير يتجزأ عنده فتدبير أحدهما يقتصر على نصيبه لكن يفسد به نصيب الآخر فيثبت له خيرة الإعتاق والتضمين والاستسعاء كما هو مذهبه، فإذا أعتق لم يبق له خيار التضمين والاستسعاء، وإعتاقه يقتصر على نصيبه لأنه يتجزأ عنده، ولكن يفسد به نصيب شريكه فله أن يضمنه قيمة نصيبه، وله خيار العتق والاستسعاء أيضا كما هو مذهبه ويضمنه قيمة نصيبه مدبرا لأن الإعتاق صادف المدبر. ثم قيل: قيمة المدبر تعرف بتقويم المقومين، وقيل يجب ثلثا قيمته زهو قن لأن المنافع أنواع ثلاثة: البيع وأشباهه، والاستخدام وأمثاله، والإعتاق وتوابعه، والفائت البيع فيسقط الثلث. وإذا ضمنه لا يتملكه بالضمان لأنه لا يقبل الانتقال من ملك إلى ملك، كما إذا غصب مدبرا فأبق. وإن أعتقه أحدهما أولا كان للآخر الخيارات الثلاث عنده، فإذا دبره لم يبق له خيار التضمين وبقي خيار الإعتاق والاستسعاء لأن المدبر يعتق ويستسعى "وقال أبو يوسف ومحمد: إذا دبره أحدهما فعتق الآخر باطل" لأنه لا يتجزأ عندهما فيتملك نصيب صاحبه بالتدبير
قال: "ويضمن نصف قيمته موسرا كان أو معسرا" لأنه ضمان تملك فلا يختلف باليسار والإعسار، ويضمن نصف قيمته قنا لأنه صادفه التدبير وهو قن.
قال: "وإن أعتقه أحدهما فتدبير الآخر باطل" لأن الإعتاق لا يتجزأ فعتق كله فلم يصادف التدبير الملك وهو يعتمده.
قال: "ويضمن نصف قيمته إن كان موسرا" ويسعى العبد في ذلك إن كان معسرا لأن هذا ضمان الإعتاق فيختلف ذلك باليسار والإعسار عندهما، والله أعلم.

باب موت المكاتب وعجزه وموت المولى
قال: "وإذا عجز المكاتب عن نجم نظر الحاكم في حاله، فإن كان له دين يقبضه أو مال يقدم عليه لم يعجل بتعجيزه وانتظر عليه اليومين أو الثلاثة" نظرا للجانبين، والثلاث هي المدة التي ضربت لإبلاء الأعذار كإمهال الخصم للدفع والمديون للقضاء فلا يزاد عليه.
قال: "فإن لم يكن له وجه وطلب المولى تعجيزه عجزه وفسخ الكتابة، وهذا عند

 

ج / 3 ص -264-       أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: لا يعجزه حتى يتوالى عليه نجمان" لقول علي رضي الله عنه: إذا توالى على المكاتب نجمان رد في الرق علقه بهذا الشرط، ولأنه عقد إرفاق حتى كان أحسنه مؤجله وحالة الوجوب بعد حلول نجم فلا بد من إمهال مدة استيسارا، وأولى المدد ما توافق عليه العاقدان. ولهما أن سبب الفسخ قد تحقق وهو العجز، لأن من عجز عن أداء نجم واحد يكون أعجز عن أداء نجمين، وهذا لأن مقصود المولى الوصول إلى المال عند حلول نجم وقد فات فيفسخ إذا لم يكن راضيا بدونه، بخلاف اليومين والثلاثة لأنه لا بد منها لإمكان الأداء فلم يكن تأخيرا، والآثار متعارضة، فإن المروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن مكاتبة له عجزت عن أداء نجم واحد فردها فسقط الاحتجاج بها.
قال: "فإن أخل بنجم عند غير السلطان فعجز فرده مولاه برضاه فهو جائز" لأن الكتابة تفسخ بالتراضي من غير عذر فبالعذر أولى.
قال: "ولو لم يرض به العبد لا بد من القضاء بالفسخ" لأنه عقد لازم تام فلا بد من القضاء أو الرضا كالرد بالعيب بعد القبض.
قال: "وإذا عجز المكاتب عاد إلى أحكام الرق" لانفساخ الكتابة "وما كان في يده من الأكساب فهو لمولاه" لأنه ظهر أنه كسب عبده، وهذا لأنه كان موقوفا عليه أو على مولاه وقد زال التوقف.
قال: "فإن مات المكاتب وله مال لم تنفسخ الكتابة وقضى ما عليه من ماله وحكم بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته وما بقي فهو ميراث لورثته ويعتق أولاده" وهذا قول علي وابن مسعود رضي الله عنهما، وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله. وقال الشافعي رحمه الله: تبطل الكتابة ويموت عبدا وما تركه لمولاه، وإمامه في ذلك زيد بن ثابت رضي الله عنه ولأن المقصود من الكتابة عتقه وقد تعذر إثباته فتبطل، وهذا لأنه لا يخلو إما أن يثبت بعد الممات مقصودا أو يثبت قبله أو بعده مستندا، لا وجه إلى الأول لعدم المحلية، ولا إلى الثاني لفقد الشرط وهو الأداء، ولا إلى الثالث لتعذر الثبوت في الحال والشيء يثبت ثم يستند. ولنا أنه عقد معاوضة، ولا يبطل بموت أحد المتعاقدين وهو المولى فكذا بموت الآخر، والجامع بينهما الحاجة إلى إبقاء العقد لإحياء الحق، بل أولى لأن حقه آكد من حق المولى حتى لزم العقد في جانبه، والموت أنفى للمالكية منه للمملوكية فينزل حيا تقديرا، أو

 

ج / 3 ص -265-       تستند الحرية باستناد سبب الأداء إلى ما قبل الموت ويكون أداء خلفه كأدائه، وكل ذلك ممكن على ما عرف تمامه في الخلافيات.
قال: "وإن لم يترك وفاء وترك ولدا مولودا في الكتابة سعى في كتابة أبيه على نجومه فإذا أدى حكمنا بعتق أبيه قبل موته وعتق الولد" لأن الولد داخل في كتابته وكسبه ككسبه فيخلفه في الأداء وصار كما إذا ترك وفاء "وإن ترك ولدا مشترى في الكتابة قيل له إما أن تؤدي الكتابة حالة أو ترد رقيقا" وهذا عند أبي حنيفة. وأما عندهما يؤديه إلى أجله اعتبارا بالولد المولود في الكتابة، والجامع أنه يكاتب عليه تبعا له ولهذا يملك المولى إعتاقه بخلاف سائر أكسابه. ولأبي حنيفة وهو الفرق بين الفصلين أن الأجل يثبت شرطا في العقد فيثبت في حق من دخل تحت العقد والمشترى لم يدخل لأنه لم يضف إليه العقد ولا يسري حكمه إليه لانفصاله، بخلاف المولود في الكتابة لأنه متصل وقت الكتابة فيسري الحكم إليه وحيث دخل في حكمه سعى في نجومه "فإن اشترى ابنه ثم مات وترك وفاء ورثه ابنه" لأنه لما حكم بحريته في آخر جزء من أجزاء حياته يحكم بحرية ابنه في ذلك الوقت، لأنه تبع لأبيه في الكتابة فيكون هذا حرا يرث عن حر "وكذلكم إن كان هو وابنه مكاتبين كتابة واحدة" لأن الولد إن كان صغيرا فهو تبع لأبيه وإن كان كبيرا جعلا كشخص واحد، فإذا حكم بحرية الأب يحكم بحريته في تلك الحالة على مامر.
قال: "وإن مات المكاتب وله ولد من حرة وترك دينا وفاء بمكاتبته فجنى الولد فقضي به على عاقلة الأم لم يكن ذلك قضاء بعجز المكاتب" لأن هذا القضاء يقرر حكم الكتابة، لأن من قضيتها إلحاق الولد بموالي الأم وإيجاب العقل عليهم، لكن على وجه يحتمل أن يعتق فينجر الولاء إلى موالي الأب، والقضاء بما يقرر حكمه لا يكون تعجيزا "وإن اختصم موالي الأم وموالي الأب في ولائه فقضى به لموالي الأم فهو قضاء بالعجز" لأن هذا اختلاف في الولاء مقصودا، وذلك يبتني على بقاء الكتابة وانتقاضها، فإنها إذا فسخت مات عبدا واستقر الولاء على موالي الأم، وإذا بقيت واتصل بها الأداء مات حرا وانتقل الولاء إلى موالي الأب، وهذا فصل مجتهد فيه فينفذ ما يلاقيه من القضاء فلهذا كان تعجيزا.
قال: "وما أدى المكاتب من الصدقات إلى مولاه ثم عجز فهو طيب للمولى لتبدل الملك" فإن العبد يتملكه صدقة والمولى عوضا عن العتق، وإليه وقعت الإشارة النبوية في حديث بريرة رضي الله تعالى عنها
"هي لها صدقة ولنا هدية" وهذا بخلاف ما إذا أباح للغني والهاشمي، لأن المباح له يتناوله على ملك المبيح، ونظيره المشتري شراء فاسدا إذا أباح لغيره لا يطيب له ولو ملكه يطيب، ولو عجز قبل الأداء

 

ج / 3 ص -266-       إلى المولى فكذلك الجواب، وهذا عند محمد ظاهر لأن بالعجز يتبدل الملك عنده، وكذا عند أبي يوسف، وإن كان بالعجز يتقرر ملك المولى عنده لأنه لا خبث في نفس الصدقة، وإنما الخبث في فعل الآخذ لكونه إذلالا به. ولا يجوز ذلك للغني من غير حاجة وللهاشمي لزيادة حرمته والأخذ لم يوجد من المولى فصار كابن السبيل إذا وصل إلى وطنه والفقير إذا استغنى وقد بقي في أيديهما ما أخذا من الصدقة فإنه يطيب لهما، وعلى هذا إذا أعتق المكاتب واستغنى يطيب له ما بقي من الصدقة في يده.
قال: "وإذا جنى العبد فكاتبه مولاه ولم يعلم بالجناية ثم عجز فإنه يدفع أو يفدي" لأن هذا موجب جناية العبد في الأصل ولم يكن عالما بالجناية عند الكتابة حتى يصير مختارا للفداء إلا أن الكتابة مانعة من الدفع، فإذا زال عاد الحكم الأصلي "وكذلك إذا جنى المكاتب ولم يقض به حتى عجز" لما بينا من زوال المانع "وإن قضى به عليه في كتابته ثم عجز فهو دين يباع فيه" لانتقال الحق من الرقبة إلى قيمته بالقضاء، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، وقد رجع أبو يوسف إليه، وكان يقول أولا يباع فيه وإن عجز قبل القضاء، وهو قول زفر لأن المانع من الدفع وهو الكتابة قائم وقت الجناية، فكما وقعت انعقدت موجبة للقيمة كما في جناية المدبر وأم الولد. ولنا أن المانع قابل للزوال للتردد ولم يثبت الانتقال في الحال فيتوقف على القضاء أو الرضا وصار كالعبد المبيع إذا أبق قبل القبض يتوقف الفسخ على القضاء لتردده واحتمال عوده، كذا هذا، بخلاف التدبير والاستيلاد لأنهما لا يقبلان الزوال بحال.
قال: "وإذا مات المولى المكاتب لم تنفسخ الكتابة" كي لا يؤدي إلى إبطال حق المكاتب، إذ الكتابة سبب الحرية وسبب حق المرء حقه "وقيل له أد المال إلى ورثة المولى على نجومه" لأنه استحقاق الحرية على هذا الوجه والسبب انعقد كذلك فيبقى بهذه الصفة ولا يتغير، إلا أن الورثة يخلفونه في الاستيفاء.
"فإن أعتقه أحد الورثة لم ينفذ عتقه" لأنه لم يملكه، وهذا لأن المكاتب لا يملك بسائر أسباب الملك فكذا بسبب الوراثة. وإن أعتقوه جميعا عتق وسقط عنه بدل الكتابة لأنه يصير إبراء عن بدل الكتابة فإنه حقهم وقد جرى فيه الإرث، وإذا برئ المكاتب عن بدل الكتابة يعتق كما إذا أبرأه المولى، إلا أنه إذا أعتقه أحد الورثة لا يصير إبراء عن نصيبه، لأنا نجعله إبراء اقتضاء تصحيحا لعتقه. والعتق لا يثبت بإبراء البعض أو أدائه في المكاتب لا في بعضه ولا في كله، ولا وجه إلى إبراء الكل لحق بقية الورثة، والله أعلم.