الهداية في شرح بداية المبتدي

ج / 3 ص -267-       كتاب الولاء
الولاء نوعان: ولاء عتاقة ويسمى ولاء نعمة وسببه العتق على ملكه في الصحيح، حتى لو عتق قريبه عليه بالوراثة كان الولاء له. وولاء موالاة، وسببه العقد ولهذا يقال ولاء العتاقة وولاء الموالاة، والحكم يضاف إلى سببه، والمعنى فيهما التناصر، وكانت العرب تتناصر بأشياء، وقرر النبي صلى الله عليه وسلم تناصرهم بالولاء بنوعيه فقال: "إن مولى القوم منهم وحليفهم منهم" والمراد بالحليف مولى الموالاة لأنهم كانوا يؤكدون الموالاة بالحلف.
قال: "وإذا أعتق المولى مملوكه فولاؤه له" لقول عليه الصلاة والسلام:
"الولاء لمن أعتق"، ولأن التناصر به فيعقله وقد أحياه معنى بإزالة الرق عنه فيرثه ويصير الولاء كالولاد، ولأن الغنم بالغرم، وكذا المرأة تعتق لما روينا، "ومات معتق لابنة حمزة رضي الله عنهما عنها وعن بنت فجعل النبي عليه الصلاة والسلام المال بينهما نصفين". ويستوى فيه الإعتاق بمال وبغيره لإطلاق ما ذكرناه.
قال: "فإن شرط أنه سائبة فالشرط باطل والولاء لمن أعتق" لأن الشرط مخالف للنص فلا يصح.
قال: "وإذا أدى المكاتب عتق وولاؤه للمولى وإن عتق بعد موت المولى" لأنه عتق عليه بما باشر من السبب وهو الكتابة وقد قررناه في المكاتب "وكذا العبد الموصى بعتقه أو بشرائه وعتقه بعد موته" لأن فعل الوصي بعد موته كفعله والتركة على حكم ملكه "وإن مات المولى عتق مدبروه وأمهات أولاده" لما بينا في العتاق "وولاؤهم له" لأنه أعتقهم بالتدبير والاستيلاد.
"ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه" لما بينا في العتاق "وولاؤه له" لوجود السبب وهو العتق عليه
"وإذا تزوج عبد رجل أمة لآخر فأعتق مولى الأمة الأمة وهي حامل من العبد عتقت وعتق حملها، وولاء الحمل لمولى الأم لا ينتقل عنه أبدا" لأنه عتق على معتق الأم

 

ج / 3 ص -268-       مقصودا إذ هو جزء منها يقبل الإعتاق مقصودا فلا ينتقل ولاؤه عنه عملا بما روينا "وكذلك إذا ولدت ولدا لأقل من ستة أشهر" للتيقن بقيام الحمل وقت الإعتاق "أو ولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر" لأنهما توأمان يتعلقان معا. وهذا بخلاف ما إذا والت رجلا وهي حبلى والزوج والى غيره حيث يكون ولاء الولد لمولى الأب لأن الجنين غير قابل لهذا الولاء مقصودا، لأن تمامه بالإيجاب والقبول وهو ليس بمحل له.
قال: "فإن ولدت بعد عتقها لأكثر من ستة أشهر ولدا فولاؤه لموالي الأم" لأنه عتق تبعا للأم لاتصاله بها بعد عتقها فيتبعها في الولاء ولم يتيقن بقيامه وقت الإعتاق حتى يعتق مقصودا "فإن أعتق الأب جر ولاء ابنه وانتقل عن موالي الأم إلى موالي الأب" لأن العتق هاهنا في الولد يثبت تبعا للأم، بخلاف الأول، وهذا لأن الولاء بمنزلة النسب قال عليه الصلاة والسلام:
"الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث" ثم النسب إلى الآباء فكذلك الولاء والنسبة إلى موالي الأم كانت لعدم أهلية الأب ضرورة، فإذا صار أهلا عاد الولاء إليه؛ كولد الملاعنة ينسب إلى قوم الأم ضرورة، فإذا أكذب الملاعن نفسه ينسب إليه، بخلاف ما إذا أعتقت المعتدة عن موت أو طلاق فجاءت بولد لأقل من سنتين من وقت الموت أو الطلاق حيث يكون الولد مولى لموالي الأم وإن أعتق الأب لتعذر إضافة العلوق إلى ما بعد الموت والطلاق البائن لحرمة الوطء وبعد الطلاق الرجعي لما أنه يصير مراجعا بالشك فأسند إلى حالة النكاح فكان الولد موجودا عند الإعتاق فعتق مقصودا.
"وفي الجامع الصغير وإذا تزوجت معتقة بعبد فولدت أولادا فجنى الأولاد فعقلهم على موالي الأم" لأنهم عتقوا تبعا لأمهم ولا عاقلة لأبيهم ولا مولى، فألحقوا بموالي الأم ضرورة كما في ولد الملاعنة على ما ذكرنا "فإن أعتق الأب جر ولاء الأولاد إلى نفسه" لما بينا "ولا يرجعون على عاقلة الأب بما عقلوا" لأنهم حين عقلوه كان الولاء ثابتا لهم، وإنما يثبت للأب مقصودا لأن سببه مقصود وهو العتق، بخلاف ولد الملاعنة إذا عقل عنه قوم الأم ثم أكذب الملاعن نفسه حيث يرجعون عليه، لأن النسب هنالك يثبت مستندا إلى وقت العلوق وكانوا مجبورين على ذلك فيرجعون.
قال: "ومن تزوج من العجم بمعتقة من العرب فولدت له أولادا فولاء أولادها لمواليها عند أبي حنيفة رحمه الله وهو قول محمد رحمه الله". وقال أبو يوسف: حكمه حكم أبيه، لأن النسب إلى الأب كما إذا كان الأب عربيا، بخلاف ما إذا كان الأب عبدا لأنه هالك معنى. ولهما أن ولاء العتاقة قوي معتبر في حق الأحكام حتى اعتبرت الكفاءة فيه، والنسب في حق العجم ضعيف فإنهم ضيعوا أنسابهم ولهذا لم تعتبر الكفاءة فيما بينهم

 

ج / 3 ص -269-       بالنسب، والقوي لا يعارضه الضعيف، بخلاف ما إذا كان الأب عريبا لأن أنساب العرب قوية معتبرة في حكم الكفاءة والعقل، كما أن تناصرهم بها فأغنت عن الولاء. قال رضي الله عنه: الخلاف في مطلق المعتقة والوضع في معتقة العرب وقع اتفاقا.
"وفي الجامع الصغير: نبطي كافر تزوج بمعتقة كافرة ثم أسلم النبطي ووالى رجلا ثم ولدت أولادا. قال أبو حنيفة ومحمد: مواليهم موالي أمهم. وقال أبو يوسف: مواليهم موالي أبيهم" لأن الولاء وإن كان أضعف فهو من جانب الأب فصار كالمولود بين واحد من الموالي وبين العربية. ولهما أن ولاء الموالاة أضعف حتى يقبل الفسخ، وولاء العتاقة لا يقبله، والضعيف لا يظهر في مقابلة القوي، وإن كان الأبوان معتقين فالنسبة إلى قوم الأب لأنهما استويا، والترجيح لجانبه لشبهه بالنسب أو لأن النصرة به أكثر.
قال: "وولاء العتاقة تعصيب وهو أحق بالميراث من العمة والخالة" لقوله عليه الصلاة والسلام للذي اشترى عبدا فأعتقه:
"هو أخوك ومولاك، إن شكرك فهو خير له وشر لك، وإن كفرك فهو خير لك وشر له، ولو مات ولم يترك وارثا كنت أنت عصبته" وورث ابنة حمزة رضي الله عنهما على سبيل العصوبة مع قيام وارث وإذ كان عصبة تقدم على ذوي الأرحام وهو المروي عن علي رضي الله عنه: "فإن كان للمعتق عصبة من النسب فهو أولى من المعتق"، لأن المعتق آخر العصبات، وهذا لأن قوله عليه الصلاة والسلام: "ولم يترك وارثا" قالوا: المراد منه وارث هو عصبة بدليل الحديث الثاني فتأخر عن العصبة دون ذوي الأرحام.
قال: "فإن كان للمعتق عصبة من النسب فهو أولى" لما ذكرنا "وإن لم يكن له عصبة من النسب فميراثه للمعتق".
تأويله إذا لم يكن هناك صاحب فرض ذو حال، أما إذا كان فله الباقي بعد فرض لأنه عصبة على ما روينا، وهذا لأن العصبة من يكون التناصر به لبيت النسبة وبالموالي الانتصار على ما مر والعصبة تأخذ ما بقي "فإن مات المولى ثم مات المعتق فميراثه لبني المولى دون بناته، وليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو كاتبن" أو كاتب من كاتبن بهذا اللفظ ورد الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي آخره
"أو جر ولاء معتقهن" وصورة الجر قدمناها، ولأن ثبوت المالكية والقوة في العتق من جهتها فينسب بالولاء إليها وينسب إليها من ينسب إلى مولاها، بخلاف النسب لأن سبب النسبة فيه الفراش، وصاحب الفراش إنما هو الزوج، والمرأة مملوكة لا مالكة، وليس حكم ميراث المعتق مقصورا على بني المولى بل

 

ج / 3 ص -270-       هو لعصبته الأقرب فالأقرب، لأن الولاء لا يورث ويخلفه فيه من تكون النصرة به، حتى لو ترك المولى أبا وابنا فالولاء للابن عند أبي حنيفة ومحمد لأنه أقربهما عصوبة، وكذلك الولاء للجد دون الأخ عند أبي حنيفة لأنه أقرب في العصوبة عنده. وكذا الولاء لابن المعتقة حتى يرثه دون أخيها لما ذكرنا، إلا أن عقل جناية المعتق على أخيها لأنه من قوم أبيها وجنايته كجنايتها "ولو ترك المولى ابنا وأولاد ابن آخر" معناه بني ابن آخر "فميراث المعتق للابن دون بني الابن لأن الولاء للكبر" هو المروي عن عدة من الصحابة رضي الله عنهم منهم عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، ومعناه القرب على ما قالوا، والصلبي أقرب.

فصل: في ولاء الموالاة
قال: "وإذا أسلم رجل على يد رجل ووالاه على أن يرثه ويعقل عنه أو أسلم على يد غيره ووالاه فالولاء صحيح وعقله على مولاه، فإن مات ولا وارث له غيره فميراثه للمولى" وقال الشافعي رحمه الله: الموالاة ليس بشيء لأن فيه إبطال حق بيت المال ولهذا لا يصح في حق وارث آخر ولهذا لا يصح عنده الوصية بجميع المال وإن لم يكن للموصي وارث لحق بيت المال وإنما يصح في الثلث. ولنا قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء:33] والآية في الموالاة. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل أسلم على يد رجل آخر ووالاه فقال: "هو أحق الناس به محياه ومماته" وهذا يشير إلى العقل والإرث في الحالتين هاتين، ولأن ماله حقه فيصرفه إلى حيث شاء، والصرف إلى بيت المال ضرورة عدم المستحق لا أنه مستحق.
قال: "وإن كان له وارث فهو أولى منه، وإن كانت عمة أو خالة أو غيرهما من ذوي الأرحام" لأن الموالاة عقدهما فلا يلزم غيرهما، وذو الرحم وارث، ولا بد من شرط الإرث والعقل كما ذكر في الكتاب لأنه بالالتزام وهو بالشرط، ومن شرطه أن لا يكون المولى من العرب لأن تناصرهم بالقبائل فأغنى عن الموالاة.
قال: "وللمولى أن ينتقل عنه بولائه إلى غيره ما لم يعقل عنه" لأنه عقد غير لازم بمنزلة الوصية، وكذا للأعلى أن يتبرأ عن ولائه لعدم اللزوم، إلا أنه يشترط في هذا أن يكون بمحضر من الآخر كما في عزل الوكيل قصدا، بخلاف ما إذا عقد الأسفل مع غيره بغير محضر من الأول لأنه فسخ حكمي بمنزلة العزل الحكمي في الوكالة.

 

ج / 3 ص -271-       قال: "وإذا عقل عنه لم يكن له أن يتحول بولائه إلى غيره" لأنه تعلق به حق الغير، ولأنه قضى به القاضي، ولأنه بمنزلة عوض ناله كالعوض في الهبة، وكذا لا يتحول ولده، وكذا إذا عقل عن ولده لم يكن لكل واحد منهما أن يتحول لأنهم في حق الولاء كشخص واحد.
قال: "وليس لمولى العتاقة أن يوالي أحدا" لأنه لازم، ومع بقائه لا يظهر الأدنى.