الهداية في شرح بداية المبتدي

ج / 4 ص -296-       كتاب الغصب
الغصب في اللغة: أخذ الشيء من الغير على سبيل التغلب للاستعمال فيه. وفي الشريعة: أخذ مال متقوم محترم بغير إذن المالك على وجه يزيل يده. حتى كان استخدام العبد وحمل الدابة غصبا دون الجلوس على البساط، ثم إن كان مع العلم فحكمه المأثم والمغرم، وإن كان بدونه فالضمان؛ لأنه حق العبد فلا يتوقف على قصده ولا إثم؛ لأن الخطأ موضوع.
قال: "ومن غصب شيئا له مثل كالمكيل والموزون فهلك في يده فعليه مثله" وفي بعض النسخ: فعليه ضمان مثله، ولا تفاوت بينهما، وهذا لأن الواجب هو المثل لقوله تعالى:
{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ولأن المثل أعدل لما فيه من مراعاة الجنس والمالية فكان أدفع للضرر.
قال: "فإن لم يقدر على مثله فعليه قيمته يوم يختصمون" وهذا "عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: يوم الغصب. وقال محمد: يوم الانقطاع" لأبي يوسف أنه لما انقطع التحق بما لا مثل له فتعتبر قيمته يوم انعقاد السبب إذ هو الموجب. ولمحمد أن الواجب المثل في الذمة. وإنما ينتقل إلى القيمة بالانقطاع فتعتبر قيمته يوم الانقطاع. ولأبي حنيفة أن النقل لا يثبت بمجرد الانقطاع، ولهذا لو صبر إلى أن يوجد جنسه له ذلك، وإنما ينتقل بقضاء القاضي فتعتبر قيمته يوم الخصومة والقضاء بخلاف ما لا مثل له؛ لأنه مطالب بالقيمة بأصل السبب كما وجد فتعتبر قيمته عند ذلك.
قال: "وما لا مثل له فعليه قيمته يوم غصبه" معناه العدديات المتفاوتة، لأنه لما تعذر مراعاة الحق في الجنس فيراعى في المالية وحدها دفعا للضرر بقدر الإمكان. أما العددي المتقارب فهو كالمكيل حتى يجب مثله لقلة التفاوت. وفي البر المخلوط بالشعير القيمة؛ لأنه لا مثل له.
قال: "وعلى الغاصب رد العين المغصوبة" معناه ما دام قائما لقوله عليه الصلاة والسلام:
"على اليد ما أخذت حتى ترد" وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يحل لأحد أن يأخذ متاع أخيه لاعبا ولا جادا، فإن أخذه فليرده عليه" ولأن اليد حق مقصود وقد فوتها عليه

 

ج / 4 ص -297-       فيجب إعادتها بالرد إليه، وهو الموجب الأصلي على ما قالوا، ورد القيمة مخلص خلفا؛ لأنه قاصر، إذ الكمال في رد العين والمالية. وقيل الموجب الأصلي القيمة ورد العين مخلص، ويظهر ذلك في بعض الأحكام.
قال: "والواجب الرد في المكان الذي غصبه" لتفاوت القيم بتفاوت الأماكن "فإن ادعى هلاكها حبسه الحاكم حتى يعلم أنها لو كانت باقية لأظهرها ثم قضى عليه ببدلها"؛ لأن الواجب رد العين والهلاك بعارض، فهو يدعي أمرا عارضا خلاف الظاهر فلا يقبل قوله كما إذا ادعى الإفلاس وعليه ثمن متاع فيحبس إلى أن يعلم ما يدعيه، فإذا علم الهلاك سقط عنه رده فيلزمه رد بدله وهو القيمة.
قال: "والغصب فيما ينقل ويحول"؛ لأن الغصب بحقيقته يتحقق فيه دون غيره؛ لأن إزالة اليد بالنقل.
"وإذا غصب عقارا فهلك في يده لم يضمنه" وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد: يضمنه، وهو قول أبي يوسف الأول، وبه قال الشافعي لتحقق إثبات اليد، ومن ضرورته زوال يد المالك لاستحالة اجتماع اليدين على محل واحد في حالة واحدة فيتحقق الوصفان وهو الغصب على ما بيناه فصار كالمنقول وجحود الوديعة. ولهما أن الغصب إثبات اليد بإزالة يد المالك بفعل في العين، وهذا لا يتصور في العقار؛ لأن يد المالك لا تزول إلا بإخراجه عنها، وهو فعل فيه لا في العقار فصار كما إذا بعد المالك عن المواشي. وفي المنقول: النقل فعل فيه وهو الغصب. ومسألة الجحود ممنوعة، ولو سلم فالضمان هناك بترك الحفظ الملتزم وبالجحود تارك لذلك.
قال: "وما نقصه منه بفعله أو سكناه ضمنه في قولهم جميعا"؛ لأنه إتلاف والعقار يضمن به كما إذا نقل ترابه؛ لأنه فعل في العين ويدخل فيما قاله إذا انهدمت الدار بسكناه وعمله، فلو غصب دارا وباعها وسلمها وأقر بذلك والمشتري ينكر غصب البائع ولا بينة لصاحب الدار فهو على الاختلاف في الغصب هو الصحيح.
قال: "وإذا انتقص بالزراعة يغرم النقصان"؛ لأنه أتلف البعض فيأخذ رأس ماله ويتصدق بالفضل.
قال: "وهذا عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: لا يتصدق بالفضل" وسنذكر الوجه من الجانبين.
قال: "وإذا هلك النقلي في يد الغاصب بفعله أو بغير فعله ضمنه" وفي أكثر نسخ

 

ج / 4 ص -298-       المختصر: وإذا هلك الغصب والمنقول هو المراد لما سبق أن الغصب فيما ينقل، وهذا؛ لأن العين دخل في ضمانه بالغصب السابق إذ هو السبب. وعند العجز عن رده يجب القيمة أو يتقرر بذلك السبب ولهذا تعتبر قيمته يوم الغصب. "وإن نقص في يده ضمن النقصان"؛ لأنه يدخل جميع أجزائه في ضمانه بالغصب، فما تعذر رد عينه يجب رد قيمته، بخلاف تراجع السعر إذا رد في مكان الغصب؛ لأنه عبارة عن فتور الرغبات دون فوت الجزء، وبخلاف المبيع؛ لأنه ضمان عقد. أما الغصب فقبض والأوصاف تضمن بالفعل لا بالعقد على ما عرف. قال رضي الله عنه: ومراده غير الربوي، أما في الربويات لا يمكنه تضمين النقصان مع استرداد الأصل؛ لأنه يؤدي إلى الربا.
قال: "ومن غصب عبدا فاستغله فنقصته الغلة فعليه النقصان"؛ لما بينا "ويتصدق بالغلة" قال رضي الله عنه: وهذا عندهما أيضا. وعنده لا يتصدق بالغلة، وعلى هذا الخلاف إذا أجر المستعير المستعار. لأبي يوسف أنه حصل في ضمانه وملكه. أما الضمان فظاهر، وكذا الملك؛ لأن المضمونات تملك بأداء الضمان مستندا عندنا. ولهما أنه حصل بسبب خبيث وهو التصرف في ملك الغير، وما هذا حاله فسبيله التصدق، إذ الفرع يحصل على وصف الأصل والملك المستند ناقص فلا ينعدم به الخبث.
"فلو هلك العبد في يد الغاصب حتى ضمنه له أن يستعين بالغلة في أداء الضمان"؛ لأن الخبث لأجل المالك، ولهذا لو أدى إليه يباح له التناول فيزول الخبث بالأداء إليه، بخلاف ما إذا باعه فهلك في يد المشتري ثم استحق وغرمه ليس له أن يستعين بالغلة في أداء الثمن إليه؛ لأن الخبث ما كان لحق المشتري إلا إذا كان لا يجد غيره؛ لأنه محتاج إليه، وله أن يصرفه إلى حاجة نفسه، فلو أصاب مالا تصدق بمثله إن كان غنيا وقت الاستعمال، وإن كان فقيرا فلا شيء عليه لما ذكرنا.
قال: "ومن غصب ألفا فاشترى بها جارية فباعها بألفين ثم اشترى بالألفين جارية فباعها بثلاثة آلاف درهم فإنه يتصدق بجميع الربح، وهذا عندهما" وأصله أن الغاصب أو المودع إذا تصرف في المغصوب أو الوديعة وربح لا يطيب له الربح عندهما، خلافا لأبي يوسف، وقد مرت الدلائل وجوابهما في الوديعة أظهر؛ لأنه لا يستند الملك إلى ما قبل التصرف لانعدام سبب الضمان فلم يكن التصرف في ملكه ثم هذا ظاهر فيما يتعين بالإشارة، أما فيما لا يتعين كالثمنين فقوله في الكتاب اشترى بها إشارة إلى أن التصدق إنما يجب إذا اشترى بها ونقد منها الثمن. أما إذا أشار إليها ونقد من غيرها أو نقد

 

ج / 4 ص -299-       منها وأشار إلى غيرها أو أطلق إطلاقا ونقد منها يطيب له، وهكذا قال الكرخي؛ لأن الإشارة إذا كانت لا تفيد التعيين لا بد أن يتأكد بالنقد ليتحقق الخبث. وقال بعض مشايخنا رحمهم الله: لا يطيب له قبل أن يضمن، وكذا بعد الضمان بكل حال، وهو المختار لإطلاق الجواب في الجامعين والمبسوط.
قال: "وإن اشترى بالألف جارية تساوي ألفين فوهبها أو طعاما فأكله لم يتصدق بشيء"، وهذا قولهم جميعا؛ لأن الربح إنما يتبين عند اتحاد الجنس. والله سبحانه تعالى أعلم.

فصل: فيما يتغير بفعل الغاصب
قال: "وإذا تغيرت العين المغصوبة بفعل الغاصب حتى زال اسمها وعظم منافعها زال ملك المغصوب منه عنها وملكها الغاصب وضمنها، ولا يحل له الانتفاع بها حتى يؤدي بدلها، كمن غصب شاة وذبحها وشواها أو طبخها أو حنطة فطحنها أو حديدا فاتخذه سيفا أو صفرا فعمله آنية" وهذا كله عندنا. وقال الشافعي رحمه الله: لا ينقطع حق المالك وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله، غير أنه إذا اختار أخذ الدقيق لا يضمنه النقصان عنده؛ لأنه يؤدي إلى الربا، وعند الشافعي يضمنه، وعن أبي يوسف أنه يزول ملكه عنه لكنه يباع في دينه وهو أحق به من الغرماء بعد موته. للشافعي أن العين باق فيبقى على ملكه وتتبعه الصنعة كما إذا هبت الريح في الحنطة وألقتها في طاحونة فطحنت. ولا معتبر بفعله؛ لأنه محظور فلا يصلح سببا للملك على ما عرف، فصار كما إذا انعدم الفعل أصلا وصار كما إذا ذبح الشاة المغصوبة وسلخها وأربها. ولنا أنه أحدث صنعة متقومة صير حق المالك هالكا من وجه، ألا ترى أنه تبدل الاسم وفات معظم المقاصد وحقه في الصنعة قائم من كل وجه فيترجح على الأصل الذي هو فائت من وجه، ولا نجعله سببا للملك من حيث إنه محظور، بل من حيث إنه إحداث الصنعة، بخلاف الشاة؛ لأن اسمها باق بعد الذبح والسلخ، وهذا الوجه يشمل الفصول المذكورة ويتفرع عليه غيرها فاحفظه.
وقوله ولا يحل له الانتفاع بها حتى يؤدي بدلها استحسان والقياس أن يكون له ذلك وهو قول الحسن وزفر، وهكذا عن أبي حنيفة رحمه الله رواه الفقيه أبو الليث. ووجهه ثبوت الملك المطلق للتصرف؛ ألا ترى أنه لو وهبه أو باعه جاز. وجه الاستحسان قوله عليه الصلاة والسلام في الشاة المذبوحة المصلية بغير رضاء صاحبها

 

ج / 4 ص -300-       "أطعموها الأسارى" أفاد الأمر بالتصدق زوال ملك المالك وحرمة الانتفاع للغاصب قبل الإرضاء، ولأن في إباحة الانتفاع فتح باب الغصب فيحرم قبل الإرضاء حسما لمادة الفساد ونفاذ بيعه وهبته مع الحرمة لقيام الملك كما في الملك الفاسد. وإذا أدى البدل يباح له؛ لأن حق المالك صار موفى بالبدل فحصلت مبادلة بالتراضي، وكذلك إذا أبرأه لسقوط حقه به، وكذا إذا أدى بالقضاء أو ضمنه الحاكم أو ضمنه المالك لوجود الرضا منه؛ لأنه لا يقضي إلا بطلبه، وعلى هذا الخلاف إذا غصب حنطة فزرعها أو نواة فغرسها غير أنه عند أبي يوسف يباح الانتفاع فيهما قبل أداء الضمان لوجود الاستهلاك من كل وجه، بخلاف ما تقدم لقيام العين فيه من وجه. وفي الحنطة يزرعها لا يتصدق بالفضل عنده خلافا لهما، وأصله ما تقدم.
قال: "وإن غصب فضة أو ذهبا فضربها دراهم أو دنانير أو آنية لم يزل ملك مالكها عنها عند أبي حنيفة فيأخذها ولا شيء للغاصب، وقالا: يملكها الغاصب وعليه مثلها"؛ لأنه أحدث صنعة معتبرة صير حق المالك هالكا من وجه؛ ألا ترى أنه كسره وفات بعض المقاصد والتبر لا يصلح رأس المال في المضاربات والشركات والمضروب يصلح لذلك. وله أن العين باق من كل وجه؛ ألا ترى أن الاسم باق ومعناه الأصلي الثمنية وكونه موزونا وأنه باق حتى يجري فيه الربا باعتباره وصلاحيته لرأس المال من أحكام الصنعة دون العين، وكذا الصنعة فيها غير متقومة مطلقا؛ لأنه لا قيمة لها عند المقابلة بجنسها.
قال: "ومن غصب ساجة فبنى عليها زال ملك مالكها عنها ولزم الغاصب قيمتها" وقال الشافعي: للمالك أخذها، والوجه من الجانبين قدمناه. ووجه آخر لنا فيه أن فيما ذهب إليه إضرارا بالغاصب بنقض بنائه الحاصل من غير خلف، وضرر المالك فيما ذهبنا إليه مجبور بالقيمة فصار كما إذا خاط بالخيط المغصوب بطن جاريته أو عبده أو أدخل اللوح المغصوب في سفينته. ثم قال الكرخي والفقيه أبو جعفر: إنما لا ينقض إذا بنى في حوالي الساجة، ما إذا بنى على نفس الساجة ينقض؛ لأنه متعد فيه. وجواب الكتاب يرد ذلك وهو الأصح.
قال: "ومن ذبح شاة غيره فمالكها بالخيار، إن شاء ضمنه قيمتها وسلمها إليه، وإن شاء ضمنه نقصانها، وكذا الجزور، وكذا إذا قطع يدهما" هذا هو ظاهر الرواية. وجهه أنه إتلاف من وجه باعتبار فوت بعض الأغراض من الحمل والدر والنسل وبقاء بعضها وهو اللحم فصار كالخرق الفاحش في الثوب، ولو كانت الدابة غير مأكول اللحم فقطع الغاصب طرفها للمالك أن يضمنه جميع قيمتها لوجود الاستهلاك من كل وجه، بخلاف قطع طرف العبد

 

 

ج / 4 ص -301-       المملوك حيث يأخذه مع أرش المقطوع؛ لأن الآدمي يبقى منتفعا به بعد قطع الطرف.
قال: "ومن خرق ثوب غيره خرقا يسيرا ضمن نقصانه والثوب لمالكه"؛ لأن العين قائم من كل وجه، وإنما دخله عيب فيضمنه.
قال: "وإن خرق خرقا كبيرا يبطل عامة منافعه فلمالكه أن يضمنه جميع قيمته"؛ لأنه استهلاك من هذا الوجه فكأنه أحرقه.
قال رضي الله عنه: معناه يترك الثوب عليه: وإن شاء أخذ الثوب وضمنه النقصان؛ لأنه تعييب من وجه من حيث إن العين باق، وكذا بعض المنافع قائم، ثم إشارة الكتاب إلى أن الفاحش ما يبطل به عامة المنافع، والصحيح أن الفاحش ما يفوت به بعض العين وجنس المنفعة ويبقى بعض العين وبعض المنفعة، واليسير ما لا يفوت به شيء من المنفعة، وإنما يدخل فيه النقصان؛ لأن محمدا جعل في الأصل قطع الثوب نقصانا فاحشا والفائت به بعض المنافع.
قال: "ومن غصب أرضا فغرس فيها أو بنى قيل له اقلع البناء والغرس وردها" لقوله عليه الصلاة والسلام:
"ليس لعرق ظالم حق" ولأن ملك صاحب الأرض باق، فإن الأرض لم تصر مستهلكة والغصب لا يتحقق فيها، ولا بد للملك من سبب فيؤمر الشاغل بتفريغها، كما إذا شغل ظرف غيره بطعامه.
قال: "فإن كانت الأرض تنقص بقلع ذلك فللمالك أن يضمن له قيمة البناء والغرس مقلوعا ويكونان له"؛ لأن فيه نظرا لهما ودفع الضرر عنهما. وقوله قيمته مقلوعا معناه قيمة بناء أو شجر يؤمر بقلعه؛ لأن حقه فيه، إذ لا قرار له فيه فتقوم الأرض بدون الشجر والبناء وتقوم وبها شجر أو بناء، لصاحب الأرض أن يأمره بقلعه فيضمن فضل ما بينهما.
قال: "ومن غصب ثوبا فصبغه أحمر أو سويقا فلته بسمن فصاحبه بالخيار، إن شاء ضمنه قيمة ثوب أبيض ومثل السويق وسلمه للغاصب، وإن شاء أخذهما وغرم ما زاد الصبغ والسمن فيهما" وقال الشافعي في الثوب: لصاحبه أن يمسكه ويأمر الغاصب بقلع الصبغ بالقدر الممكن اعتبارا بفصل الساحة بنى فيها؛ لأن التمييز ممكن، بخلاف السمن في السويق؛ لأن التمييز متعذر. ولنا ما بينا أن فيه رعاية الجانبين والخيرة لصاحب الثوب لكونه صاحب الأصل، بخلاف الساحة بنى فيها؛ لأن النقض له بعد النقض؛ أما الصبغ

 

ج / 4 ص -302-       فيتلاشى، وبخلاف ما إذا انصبغ بهبوب الريح؛ لأنه لا جناية من صاحب الصبغ ليضمن الثوب فيتملك صاحب الأصل الصبغ.
قال أبو عصمة في أصل المسألة: وإن شاء رب الثوب باعه ويضرب بقيمته أبيض وصاحب الصبغ بما زاد الصبغ فيه؛ لأن له أن لا يتملك الصبغ بالقيمة، وعند امتناعه تعين رعاية الجانبين في البيع ويتأتى، هذا فيما إذا انصبغ الثوب بنفسه، وقد ظهر بما ذكرنا لوجه في السويق، غير أن السويق من ذوات الأمثال فيضمن مثله والثوب من ذوات القيم فيضمن قيمته.
وقال في الأصل: يضمن قيمة السويق؛ لأن السويق يتفاوت بالقلي فلم يبق مثليا. وقيل المراد منه المثل سماه به لقيامه مقامه، والصفرة كالحمرة. ولو صبغه أسود فهو نقصان عند أبي حنيفة، وعندهما زيادة. وقيل هذا اختلاف عصر وزمان. وقيل إن كان ثوبا ينقصه السواد فهو نقصان، وإن كان ثوبا يزيد فيه السواد فهو كالحمرة وقد عرف في غير هذا الموضع. ولو كان ثوبا تنقصه الحمرة بأن كانت قيمته ثلاثين درهما فتراجعت بالصبغ إلى عشرين، فعن محمد أنه ينظر إلى ثوب تزيد فيه الحمرة، فإن كانت الزيادة خمسة يأخذ ثوبه وخمسة دراهم؛ لأن إحدى الخمستين جبرت بالصبغ.

فصل: "ومن غصب عينا فغيبها فضمنه المالك قيمتها ملكها"
وهذا عندنا. وقال الشافعي: لا يملكها لأن الغصب عدوان محض فلا يصلح سببا للملك كما في المدبر. ولنا أنه ملك البدل بكماله، والمبدل قابل للنقل من ملك إلى ملك فيملكه دفعا للضرر عنه، بخلاف المدبر لأنه غير قابل للنقل لحق المدبر، نعم قد يفسخ التدبير بالقضاء لكن البيع بعده يصادف القن.
قال: "والقول في القيمة قول الغاصب مع يمينه" لأن المالك يدعي الزيادة وهو ينكر، والقول قول المنكر مع يمينه "إلا أن يقيم المالك البينة بأكثر من ذلك" لأنه أثبته بالحجة الملزمة.
قال: "فإن ظهرت العين وقيمتها أكثر مما ضمن وقد ضمنها بقول المالك أو ببينة أقامها أو بنكول الغاصب عن اليمين فلا خيار للمالك وهو الغاصب"؛ لأنه تم له الملك بسبب اتصل به رضا المالك حيث ادعى هذا المقدار.
قال: "فإن كان ضمنه بقول الغاصب مع يمينه فهو بالخيار، إن شاء أمضى الضمان، وإن شاء أخذ

 

ج / 4 ص -303-       العين ورد العوض" لأنه لم يتم رضاه بهذا المقدار حيث يدعي الزيادة وأخذه دونها لعدم الحجة. ولو ظهرت العين وقيمتها مثل ما ضمنه أو دونه في هذا الفصل الأخير فكذلك الجواب في ظاهر الرواية وهو الأصح خلافا لما قاله الكرخي رحمه الله أنه لا خيار له؛ لأنه لم يتم رضاه حيث لم يعط له ما يدعيه والخيار لفوات الرضا.
قال: "ومن غصب عبدا فباعه فضمنه المالك قيمته فقد جاز بيعه، وإن أعتقه ثم ضمن القيمة لم يجز عتقه" لأن ملكه الثابت فيه ناقص لثبوته مستندا أو ضرورة، ولهذا يظهر في حق الأكساب دون الأولاد، والناقص يكفي لنقود البيع دون العتق كملك المكاتب.
قال: "وولد المغصوبة ونماؤها، وثمرة البستان المغصوب أمانة في يد الغاصب إن هلك فلا ضمان عليه، إلا أن يتعدى فيها أو يطلبها مالكها فيمنعها إياه". وقال الشافعي: زوائد المغصوب مضمونة متصلة كانت أو منفصلة لوجود الغصب، وهو إثبات اليد على مال الغير بغير رضاه، كما في الظبية المخرجة من الحرم إذا ولدت في يده يكون مضمونا عليه. ولنا أن الغصب إثبات اليد على مال الغير على وجه يزيل يد المالك على ما ذكرنا، ويد المالك ما كانت ثابتة على هذه الزيادة حتى يزيلها الغاصب، ولو اعتبرت ثابتة على الولد لا يزيلها، إذ الظاهر عدم المنع، حتى لو منع الولد بعد طلبه يضمنه، وكذا إذا تعدى فيه كما قال في الكتاب: وذلك بأن أتلفه أو ذبحه وأكله أو باعه وسلمه، وفي الظبية المخرجة لا يضمن ولدها إذا هلك قبل التمكن من الإرسال لعدم المنع، وإنما يضمنه إذا هلك بعده لوجود المنع بعد طلب صاحب الحق وهو الشرع، على هذا أكثر مشايخنا. ولو أطلق الجواب فهو ضمان جناية، ولهذا يتكرر بتكررها، ويجب بالإعانة والإشارة، فلأن يجب بما هو فوقها وهو إثبات اليد على مستحق الأمن أولى وأحرى.
قال: "وما نقصت الجارية بالولادة في ضمان الغاصب، فإن كان في قيمة الولد وفاء به انجبر النقصان بالولد وسقط ضمانه عن الغاصب". وقال زفر والشافعي: لا ينجبر النقصان بالولد؛ لأن الولد ملكه فلا يصلح جابرا لملكه كما في ولد الظبية، وكما إذا هلك الولد قبل الرد أو ماتت الأم وبالولد وفاء، وصار كما إذا جز صوف شاة غيره أو قطع قوائم شجر غيره أو خصى عبد غيره أو علمه الحرفة فأضناه التعليم. ولنا أن سبب الزيادة والنقصان واحد، وهو الولادة أو العلوق على ما عرف، وعند ذلك لا يعد نقصانا فلا يوجب ضمانا، وصار كما إذا غصب جارية سمينة فهزلت ثم سمنت أو سقطت ثنيتها ثم نبتت أو قطعت يد المغصوب في يده وأخذ أرشها وأداه مع العبد يحتسب عن نقصان القطع، وولد الظبية ممنوع، وكذا إذا ماتت الأم. وتخريج الثانية: أن الولادة ليست بسبب لموت الأم

 

ج / 4 ص -304-       إذ الولادة لا تفضي إليه غالبا، وبخلاف ما إذا مات الولد قبل الرد؛ لأنه لا بد من رد أصله للبراءة، فكذا لا بد من رد خلفه، والخصاء لا يعد زيادة؛ لأنه غرض بعض الفسقة، ولا اتحاد في السبب فيما وراء ذلك من المسائل؛ لأن سبب النقصان القطع والجز، وسبب الزيادة النمو، وسبب النقصان التعليم، والزيادة سببها الفهم.
قال: "ومن غصب جارية فزنى بها فحبلت ثم ردها وماتت في نفاسها يضمن قيمتها يوم علقت، ولا ضمان عليه في الحرة، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: لا يضمن في الأمة أيضا" لهما أن الرد قد صح، والهلاك بعده بسبب حدث في يد المالك وهو الولادة فلا يضمن الغاصب. كما إذا حمت في يد الغاصب ثم ردها فهلكت. أو زنت في يده ثم ردها فجلدت فهلكت منه، وكمن اشترى جارية قد حبلت عند البائع فولدت عند المشتري وماتت في نفاسها لا يرجع على البائع بالثمن. وله أنه غصبها وما انعقد فيها سبب التلف وردت وفيها ذلك فلم يوجد الرد على الوجه الذي أخذ فلم يصح الرد، وصار كما إذا جنت في يد الغاصب جناية فقتلت بها في يد المالك، أو دفعت بها بأن كانت الجناية خطأ يرجع على الغاصب بكل القيمة. كذا هذا. بخلاف الحرة؛ لأنها لا تضمن بالغصب ليبقى ضمان الغصب بعد فساد الرد. وفي فصل الشراء الواجب ابتداء التسليم. ما ذكرنا شرط صحة الرد والزنا سبب لجلد مؤلم لا جارح ولا متلف فلم يوجد السبب في يد الغاصب.
قال: "ولا يضمن الغاصب منافع ما غصبه إلا أن ينقص باستعماله فيغرم النقصان" وقال الشافعي: يضمنها، فيجب أجر المثل، ولا فرق في المذهبين بين ما إذا عطلها أو سكنها.
وقال مالك: إن سكنها يجب أجر المثل، وإن عطلها لا شيء عليه. له أن المنافع أموال متقومة حتى تضمن بالعقود فكذا بالغصوب. ولنا أنها حصلت على ملك الغاصب لحدوثها في إمكانه إذ هي لم تكن حادثة في يد المالك؛ لأنها أعراض لا تبقى فيملكها دفعا لحاجته، والإنسان لا يضمن ملكه، كيف وأنه لا يتحقق غصبها وإتلافها؛ لأنه لا بقاء لها، ولأنها لا تماثل الأعيان لسرعة فنائها وبقاء الأعيان، وقد عرفت هذه المآخذ في المختلف، ولا نسلم أنها متقومة في ذاتها، بل تقوم ضرورة عند ورود العقد ولم يوجد العقد، إلا أن ما انتقص باستعماله مضمون عليه لاستهلاكه بعض أجزاء العين.

فصل: في غصب ما لا يتقوم
قال: "وإذا أتلف المسلم خمر الذمي أو خنزيره ضمن قيمتهما، فإن أتلفهما لمسلم لم

 

ج / 4 ص -305-       يضمن" وقال الشافعي: لا يضمنها للذمي أيضا وعلى هذا الخلاف إذا أتلفهما ذمي على ذمي أو باعهما الذمي من الذمي. له أنه سقط تقومهما في حق المسلم فكذا في حق الذمي؛ لأنهم أتباع لنا في الأحكام فلا يجب بإتلافهما مال متقوم وهو الضمان. ولنا أن التقويم باق في حقهم، إذ الخمر لهم كالخل لنا والخنزير لهم كالشاة لنا. ونحن أمرنا بأن نتركهم وما يدينون والسيف موضوع فيتعذر الإلزام، وإذا بقي التقوم فقد وجد إتلاف مال مملوك متقوم فيضمنه. بخلاف الميتة والدم؛ لأن أحدا من أهل الأديان لا يدين تمولهما، إلا أنه تجب قيمة الخمر وإن كان من ذوات الأمثال؛ لأن المسلم ممنوع عن تمليكه لكونه إعزازا له، بخلاف ما إذا جرت المبايعة بين الذميين؛ لأن الذمي غير ممنوع عن تمليك الخمر وتملكها. وهذا بخلاف الربا؛ لأنه مستثنى عن عقودهم، وبخلاف العبد المرتد يكون للذمي؛ لأنا ما ضمنا لهم ترك التعرض له لما فيه من الاستخفاف بالدين، وبخلاف متروك التسمية عامدا إذا كان لمن يبيحه؛ لأن ولاية المحاجة ثابتة.
قال: "فإن غصب من مسلم خمرا فخللها أو جلد ميتة فدبغه فلصاحب الخمر أن يأخذ الخل بغير شيء ويأخذ جلد الميتة ويرد عليه ما زاد الدباغ فيه"، والمراد بالفصل الأول إذا خللها بالنقل من الشمس إلى الظل ومنه إلى الشمس، وبالفصل الثاني إذا دبغه بما له قيمة كالقرظ والعفص ونحو ذلك. والفرق أن هذا التخليل تطهير له بمنزلة غسل الثوب النجس فيبقى على ملكه إذ لا تثبت المالية به وبهذا الدباغ اتصل بالجلد مال متقوم للغاصب كالصبغ في الثوب فكان بمنزلته فلهذا يأخذ الخل بغير شيء ويأخذ الجلد ويعطي ما زاد الدباغ فيه. وبيانه أنه ينظر إلى قيمته ذكيا غير مدبوغ، وإلى قيمته مدبوغا فيضمن فضل ما بينهما، وللغاصب أن يحبسه حتى يستوفي حقه كحق الحبس في البيع.
قال: "وإن استهلكهما ضمن الخل ولم يضمن الجلد عند أبي حنيفة، وقالا: يضمن الجلد مدبوغا ويعطي ما زاد الدباغ فيه" ولو هلك في يده لا يضمنه بالإجماع.
أما الخل: فلأنه لما بقي على ملك مالكه وهو مال متقوم ضمنه بالإتلاف، يجب مثله؛ لأن الخل من ذوات الأمثال. وأما الجلد فلهما أنه باق على ملك المالك حتى كان له أن يأخذه وهو مال متقوم فيضمنه مدبوغا بالاستهلاك ويعطيه المالك ما زاد الدباغ فيه كما إذا غصب ثوبا فصبغه ثم استهلكه ويضمنه ويعطيه المالك ما زاد الصبغ فيه، ولأنه واجب الرد، فإذا فوته عليه خلفه قيمته كما في المستعار. وبهذا فارق الهلاك بنفسه. وقولهما يعطي ما زاد الدباغ فيه محمول على اختلاف الجنس.

 

ج / 4 ص -306-       أما عند اتحاده فيطرح عنه ذلك القدر ويؤخذ منه الباقي لعدم الفائدة في الأخذ منه ثم في الرد عليه. وله أن التقوم حصل بصنع الغاصب وصنعته متقومة لاستعماله مالا متقوما فيه، ولهذا كان له أن يحبسه حتى يستوفي ما زاد الدباغ فيه فكان حقا له والجلد تبع له في حق التقوم، ثم الأصل وهو الصنعة غير مضمون عليه فكذا التابع، كما إذا هلك من غير صنعة، بخلاف وجوب الرد حال قيامه؛ لأنه يتبع الملك، والجلد غير تابع للصنعة في حق الملك لثبوته قبلها وإن لم يكن متقوما، بخلاف الذكي والثوب؛ لأن التقوم فيهما كان ثابتا قبل الدبغ والصبغ فلم يكن تابعا للصنعة، ولو كان قائما فأراد المالك أن يتركه على الغاصب في هذا الوجه ويضمنه قيمته قيل: ليس له ذلك؛ لأن الجلد لا قيمة له، بخلاف صبغ الثوب؛ لأن له قيمة. وقيل ليس له ذلك عند أبي حنيفة، وعندهما له ذلك؛ لأنه إذا تركه عليه وضمنه عجز الغاصب عن رده فصار كالاستهلاك، وهو على هذا الخلاف على ما بيناه. ثم قيل: يضمنه قيمة جلد مدبوغ ويعطيه ما زاد الدباغ فيه كما في الاستهلاك. وقيل يضمنه قيمة جلد ذكي غير مدبوغ، ولو دبغه بما لا قيمة له كالتراب والشمس فهو لمالكه بلا شيء؛ لأنه بمنزلة غسل الثوب. ولو استهلكه الغاصب يضمن قيمته مدبوغا. وقيل طاهرا غير مدبوغ؛ لأن وصف الدباغة هو الذي حصله فلا يضمنه.
وجه الأول وعليه الأكثرون أن صفة الدباغة تابعة للجلد فلا تفرد عنه، وإذا صار الأصل مضمونا عليه فكذا صفته، ولو خلل الخمر بإلقاء الملح فيه قالوا عند أبي حنيفة: صار ملكا للغاصب ولا شيء له عليه. وعندهما أخذه المالك وأعطى ما زاد الملح فيه بمنزلة دبغ الجلد، ومعناه هاهنا أن يعطي مثل وزن الملح من الخل، وإن أراد المالك تركه عليه وتضمينه فهو على ما قيل. وقيل في دبغ الجلد ولو استهلكها لا يضمنها عند أبي حنيفة خلافا لهما كما في دبغ الجلد.
ولو خللها بإلقاء الخل فيهما، فعن محمد أنه إن صار خلا من ساعته يصير ملكا للغاصب ولا شيء عليه؛ لأنه استهلاك له وهو غير متقوم، وإن لم تصر خلا إلا بعد زمان بأن كان الملقى فيه خلا قليلا فهو بينهما على قدر كليهما؛ لأن خلط الخل بالخل في التقدير وهو على أصله ليس باستهلاك وعند أبي حنيفة هو للغاصب في الوجهين، ولا شيء عليه؛ لأن نفس الخلط استهلاك عنده، ولا ضمان في الاستهلاك؛ لأنه أتلف ملك نفسه. وعند محمد لا يضمن بالاستهلاك في الوجه الأول لما بينا. ويضمن في الوجه الثاني؛ لأنه أتلف ملك غيره. وبعض المشايخ أجروا جواب الكتاب على إطلاقه أن للمالك أن يأخذ الخل في الوجوه كلها بغير شيء؛ لأن الملقى فيه يصير مستهلكا

 

ج / 4 ص -307-       في الخمر فلم يبق متقوما. وقد كثرت فيه أقوال المشايخ وقد أثبتناها في كفاية المنتهى.
قال: "ومن كسر لمسلم بربطا أو طبلا أو مزمارا أو دفا أو أراق له سكرا أو منصفا فهو ضامن، وبيع هذه الأشياء جائز" وهذا عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد: لا يضمن ولا يجوز بيعها. وقيل الاختلاف في الدف والطبل الذي يضرب للهو. فأما طبل الغزاة والدف الذي يباح ضربه في العرس يضمن بالإتلاف من غير خلاف. وقيل الفتوى في الضمان على قولهما. والسكر اسم للنيء من ماء الرطب إذا اشتد. والمنصف ما ذهب نصفه بالطبخ. وفي المطبوخ أدنى طبخة وهو الباذق عن أبي حنيفة روايتان في التضمين والبيع. لهما أن هذه الأشياء أعدت للمعصية فبطل تقومها كالخمر، ولأنه فعل ما فعل آمرا بالمعروف وهو بأمر الشرع فلا يضمنه كما إذا فعل بإذن الإمام. ولأبي حنيفة أنها أموال لصلاحيتها لما يحل من وجوه الانتفاع وإن صلحت لما لا يحل فصار كالأمة المغنية. وهذا؛ لأن الفساد بفعل فاعل مختار فلا يوجب سقوط التقوم، وجواز البيع والتضمين مرتبان على المالية والتقوم والأمر بالمعروف باليد إلى الأمراء لقدرتهم وباللسان إلى غيرهم، وتجب قيمتها غير صالحة للهو كما في الجارية المغنية والكبش النطوح والحمامة الطيارة والديك المقاتل والعبد الخصي تجب القيمة غير صالحة لهذه الأمور، كذا هذا، وفي السكر والمنصف تجب قيمتهما، ولا يجب المثل؛ لأن المسلم ممنوع عن تملك عينه وإن كان لو فعل جاز، وهذا بخلاف ما إذا أتلف على نصراني صليبا حيث يضمن قيمته صليبا؛ لأنه مقر على ذلك.
قال: "ومن غصب أم ولد أو مدبرة فماتت في يده ضمن قيمة المدبرة ولا يضمن قيمة أم الولد" عند أبي حنيفة، وقالا: يضمن قيمتهما؛ لأن مالية المدبرة متقومة بالاتفاق، ومالية أم الولد غير متقومة عنده، وعندهما متقومة، والدلائل ذكرناها في كتاب العتاق من هذا الكتاب والله أعلم بالصواب.