متن
بداية المبتدي في فقه الإمام أبي حنيفة = كتاب الْهِبَة
الْهِبَة عقد مَشْرُوع وَتَصِح بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول وَالْقَبْض فَإِن
قبضهَا الْمَوْهُوب لَهُ فِي الْمجْلس بِغَيْر أَمر الْوَاهِب جَازَ وَإِن
قبض بعد الِافْتِرَاق لم يجز إِلَّا أَن يَأْذَن لَهُ
(1/183)
الْوَاهِب فِي الْقَبْض وتنعقد الْهِبَة
بقوله وهبت ونحلت وَأعْطيت وَكَذَا تَنْعَقِد بقوله أطعمتك هَذَا الطَّعَام
وَجعلت هَذَا الثَّوْب لَك وأعمرتك هَذَا الشَّيْء وحملتك على هَذِه
الدَّابَّة إِذْ نوى بِالْحملِ الْهِبَة وَلَو قَالَ كسوتك هَذَا الثَّوْب
يكون هبة وَلَو قَالَ منحتك هَذِه الْجَارِيَة كَانَت عَارِية وَلَو قَالَ
دَاري لَك هبة سُكْنى أَو سُكْنى هبة فَهِيَ عَارِية وَكَذَا إِذا قَالَ
عمري سُكْنى أَو نحلة سُكْنى أَو سُكْنى صَدَقَة أَو صَدَقَة عَارِية أَو
عَارِية هبة وَلَو قَالَ هبة تسكنها فَهِيَ هبة وَلَا تجوز الْهِبَة فِيمَا
يقسم إِلَّا محوزة مقسومة وَهبة الْمشَاع فِيمَا لَا يقسم جَائِزَة وَلَو
وهب من شَرِيكه لَا يجوز وَمن وهب شِقْصا مشَاعا فالهبة فَاسِدَة فَإِن
قسمه وَسلمهُ جَازَ وَلَو وهب دَقِيقًا فِي حِنْطَة أَو دهنا فِي سمسم
فالهبة فَاسِدَة فَإِن طحن وَسلمهُ لم يجز وَإِذا كَانَت الْعين فِي يَد
الْمَوْهُوب لَهُ ملكهَا بِالْهبةِ وَإِن لم يجدد فِيهَا قبضا وَإِذا وهب
الْأَب لِابْنِهِ الصَّغِير هبة ملكهَا الابْن بِالْعقدِ وَإِن وهب لَهُ
أَجْنَبِي هبة تمت بِقَبض الْأَب وَإِن وهب للْيَتِيم هبة فقبضها لَهُ وليه
وَهُوَ وَصِيّ الْأَب أَو جد الْيَتِيم أَو وَصِيَّة جَازَ وَإِن كَانَ فِي
حجر أمه فقبضها لَهُ جَائِز وَكَذَا إِذا فِي حجر أَجْنَبِي يربيه وَإِن
قبض الصَّبِي الْهِبَة بِنَفسِهِ جَازَ وَإِذا وهب اثْنَان من وَاحِد دَارا
جَازَ وَإِن وَهبهَا وَاحِد من اثْنَيْنِ لَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة
وَقَالا يَصح وَفِي الْجَامِع الصَّغِير إِذا تصدق على مُحْتَاجين بِعشْرَة
دَرَاهِم أَو وَهبهَا لَهما جَازَ وَلَو تصدق بهَا غلى غَنِيَّيْنِ أَو
وَهبهَا لَهما لم يجز وَقَالا يجوز للغنيين أَيْضا وَلَو وهب لِرجلَيْنِ
دَارا لأَحَدهمَا ثلثاها وَللْآخر ثلثهَا لم يجز عِنْد أبي حنيفَة وَأبي
يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد يجوز
بَاب الرُّجُوع فِي الْهِبَة
وَإِذا وهب هبة لأَجْنَبِيّ فَلهُ الرُّجُوع فِيهَا إِلَّا أَن يعوضه
عَنْهَا أَو تزيد زِيَادَة مُتَّصِلَة أَو يَمُوت أحد الْمُتَعَاقدين أَو
تخرج الْهِبَة عَن ملك الْمَوْهُوب لَهُ وَإِن وهب لآخر أَرضًا بَيْضَاء
فأنبت فِي نَاحيَة مِنْهَا نخلا أَو بنى بَيْتا أَو دكانا أَو أريا وَكَانَ
ذَلِك
(1/184)
زِيَادَة فِيهَا فَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع
فِي شَيْء مِنْهَا فَإِن بَاعَ نصفهَا غير مقسوم رَجَعَ فِي الْبَاقِي
وَإِن لم يبع شَيْئا مِنْهَا لَهُ أَن يرجع فِي نصفهَا وَإِن وهب هبة لذِي
رحم محرم مِنْهُ فَلَا رُجُوع فِيهَا وَكَذَلِكَ مَا وهب أحد الزَّوْجَيْنِ
للْآخر وَإِذا قَالَ الْمَوْهُوب لَهُ للْوَاهِب خُذ هَذَا عوضا عَن هِبتك
أَو بَدَلا عَنْهَا أَو فِي مقابلتها فَقَبضهُ الْوَاهِب سقط الرُّجُوع
وَإِن عوضه أَجْنَبِي عَن الْمَوْهُوب لَهُ مُتَبَرعا فَقبض الْوَاهِب
الْعِوَض بَطل الرُّجُوع وَإِذا اسْتحق نصف الْهِبَة رَجَعَ بِنصْف
الْعِوَض وَإِن اسْتحق نصف الْعِوَض لم يرجع فِي الْهِبَة إِلَّا أَن يرد
مَا بَقِي ثمَّ يرجع وَإِن وهب دَارا فَعوضهُ من نصفهَا رَجَعَ الْوَاهِب
فِي النّصْف الَّذِي
لم يعوض وَلَا يَصح الرُّجُوع إِلَّا بتراضيهما أَو بِحكم الْحَاكِم وَإِذا
تلفت الْعين الْمَوْهُوبَة فاستحقها مُسْتَحقّ وَضمن الْمَوْهُوب لَهُ لم
يرجع على الْوَاهِب بِشَيْء وَإِذ وهب بِشَرْط الْعِوَض اعْتبر التَّقَابُض
فِي الْمجْلس فِي الْعِوَضَيْنِ وَتبطل بالشيوع فَإِن تقابضا صَحَّ العقد
وَصَارَ فِي حكم البيع يرد بِالْعَيْبِ وَخيَار الرُّؤْيَة وتستحق فِيهِ
الشُّفْعَة
فصل
وَمن وهب جَارِيَة إِلَّا حملهَا صحت الْهِبَة وَبَطل الِاسْتِثْنَاء وَلَو
أعتق مَا فِي بَطنهَا ثمَّ وَهبهَا جَازَ وَلَو دبر مَا فِي بَطنهَا ثمَّ
وَهبهَا لم يجز فَإِن وَهبهَا لَهُ على أَن يردهَا عَلَيْهِ أَو على أَن
يعتقها أَو يتخذها أم ولد أَو وهب لَهُ دَارا أَو تصدق عَلَيْهِ بدار على
أَن يرد عَلَيْهِ شَيْئا مِنْهَا أَو يعوضه شَيْئا مِنْهَا فالهبة جَائِزَة
وَالشّرط بَاطِل وَمن كَانَ لَهُ على آخر ألف دِرْهَم فَقَالَ إِذا جَاءَ
غَد فَهِيَ لَك أَو أَنْت بَرِيء مِنْهَا أَو قَالَ إِذا أدّيت إِلَيّ
النّصْف فلك النّصْف أَو أَنْت بَرِيء من النّصْف الْبَاقِي فَهُوَ بَاطِل
والعمرى جَائِزَة للمعمر لَهُ حَال حَيَاته ولورثته من بعده والرقبى
بَاطِلَة عِنْد ابي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف جَائِزَة
فصل فِي الصَّدَقَة
وَالصَّدَََقَة كَالْهِبَةِ لَا تصح إِلَّا بِالْقَبْضِ فَلَا تجوز فِي
مشَاع يحْتَمل الْقِسْمَة وَلَا رُجُوع فِي الصَّدَقَة وَمن نذر أَن
يتَصَدَّق بِمَالِه يتَصَدَّق بِجِنْس مَا يجب فِيهِ الزَّكَاة وَمن نذر
(1/185)
أَن يتَصَدَّق بِملكه لزمَه أَن يتَصَدَّق
بِالْجَمِيعِ وَيُقَال لَهُ أمسك مَا تنفقه على نَفسك وَعِيَالك إِلَى أَن
تكتسب مَالا فَإِذا اكْتسب يتَصَدَّق بِمثل مَا أنْفق = كتاب الْإِجَارَات
الْإِجَارَة عقد على الْمَنَافِع بعوض وَلَا تصح حَتَّى تكون الْمَنَافِع
مَعْلُومَة وَالْأُجْرَة مَعْلُومَة وَمَا جَازَ أَن يكون ثمنا فِي البيع
جَازَ أَن يكون أُجْرَة فِي الْإِجَارَة وَالْمَنَافِع تَارَة تصير
مَعْلُومَة بالمدة كاستئجار الدّور للسُّكْنَى وَالْأَرضين للزِّرَاعَة
فَيصح العقد على مُدَّة مَعْلُومَة أَي مُدَّة كَانَت وَتارَة تصير
مَعْلُومَة بِالتَّسْمِيَةِ كمن اسْتَأْجر رجلا على صبغ ثَوْبه أَو خياطته
أَو اسْتَأْجر دَابَّة ليحمل عَلَيْهَا مِقْدَارًا مَعْلُوما أَو يركبهَا
مَسَافَة سَمَّاهَا وَتارَة تصير الْمَنْفَعَة مَعْلُومَة بِالتَّعْيِينِ
وَالْإِشَارَة كمن اسْتَأْجر رجلا لِأَن ينْقل لَهُ هَذَا الطَّعَام إِلَى
مَوضِع مَعْلُوم
بَاب الْأجر مَتى يسْتَحق
الْأُجْرَة لَا تجب بِالْعقدِ وتستحق بِأحد معَان ثَلَاثَة إِمَّا بِشَرْط
التَّعْجِيل أَو بالتعجيل من غير شَرط أَو بِاسْتِيفَاء الْمَعْقُود
عَلَيْهِ وَإِذا قبض الْمُسْتَأْجر الدَّار فَعَلَيهِ الْأُجْرَة وَإِن لم
يسكنهَا فَإِن غصبهَا غَاصِب من يَده سَقَطت الْأُجْرَة وَإِن وجد الْغَصْب
فِي بعض الْمدَّة سقط بِقَدرِهِ وَمن اسْتَأْجر دَارا فللمؤاجر أَن
يُطَالِبهُ بِأُجْرَة كل يَوْم إِلَّا أَن يبين وَقت الِاسْتِحْقَاق فِي
العقد وَكَذَلِكَ إِجَارَة الْأَرَاضِي وَمن اسْتَأْجر بَعِيرًا إِلَى
مَكَّة فللجمال أَن يُطَالِبهُ بِأُجْرَة كل مرحلة وَلَيْسَ للقصار والخياط
أَن يُطَالب بِالْأُجْرَةِ حَتَّى يفرغ من الْعَمَل إِلَّا أَن يشْتَرط
التَّعْجِيل وَمن اسْتَأْجر خبازا ليخبز لَهُ فِي بَيته قَفِيزا من دَقِيق
بدرهم لم يسْتَحق الْأجر حَتَّى يخرج الْخبز من التَّنور فَإِن أخرجه ثمَّ
احْتَرَقَ من غير فعله فَلهُ الْأُجْرَة وَمن اسْتَأْجر طباخا ليطبخ لَهُ
طَعَاما للوليمة فالغرف عَلَيْهِ وَمن اسْتَأْجر إنْسَانا ليضْرب لَهُ
لَبَنًا اسْتحق الْأُجْرَة إِذا أَقَامَهَا عِنْد أبي حنيفَة
(1/186)
وَقَالا لَا يَسْتَحِقهَا حَتَّى يشرجها
وكل صانع لعمله أثر فِي الْعين كالقصار والصباغ فَلهُ أَن يحبس الْعين بعد
الْفَرَاغ من عمله حَتَّى يَسْتَوْفِي الْأجر وكل صانع لَيْسَ لعمله أثر
فِي الْعين فَلَيْسَ لَهُ أَن يحبس الْعين لِلْأجرِ كالحمال والملاح وَإِذا
شَرط على الصَّانِع أَن يعْمل بِنَفسِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَن يسْتَعْمل غَيره
وَإِن أطلق لَهُ الْعَمَل فَلهُ أَن يسْتَأْجر من يعمله
فصل
وَمن اسْتَأْجر رجلا ليذْهب إِلَى الْبَصْرَة فَيَجِيء بعياله فَذهب وَوجد
بَعضهم قد مَاتَ فجَاء بِمن بَقِي فَلهُ الْأجر بِحِسَابِهِ وَإِن
اسْتَأْجرهُ ليذْهب بكتابه إِلَى فلَان بِالْبَصْرَةِ وَيَجِيء بجوابه
فَذهب فَوجدَ فلَانا مَيتا فَرده فَلَا أجر لَهُ وَإِن ترك الْكتاب فِي
ذَلِك الْمَكَان وَعَاد يسْتَحق الْأجر بالذهاب بِالْإِجْمَاع وَإِن
اسْتَأْجرهُ ليذْهب بِطَعَام إِلَى فلَان بِالْبَصْرَةِ فَذهب فَوجدَ
فلَانا مَيتا فَرده فَلَا أجر لَهُ فِي قَوْلهم جَمِيعًا
بَاب مَا يجوز من الْإِجَارَة وَمَا يكون خلافًا فِيهَا
وَيجوز اسْتِئْجَار الدّور والحوانيت للسُّكْنَى وَإِن لم يبين مَا يعْمل
فِيهَا وَله أَن يعْمل كل شَيْء إِلَّا أَنه لَا يسكن حدادا وَلَا قصارا
وَلَا طحانا لِأَن فِيهِ ضَرَرا ظَاهرا وَيجوز اسْتِئْجَار الْأَرَاضِي
للزِّرَاعَة وللمستأجر الشّرْب وَالطَّرِيق وَإِن لم يشْتَرط وَلَا يَصح
العقد حَتَّى يُسمى مَا يزرع فِيهَا أَو يَقُول على أَن يزرع فِيهَا مَا
شَاءَ وَيجوز أَن يسْتَأْجر للساحة ليبني فِيهَا أَو ليغرس فِيهَا نخلا أَو
شَجرا ثمَّ إِذا انْقَضتْ مُدَّة الْإِجَارَة لزمَه أَن يقْلع الْبناء
وَالْغَرْس ويسلمها فارغة إِلَّا أَن يخْتَار صَاحب الأَرْض أَن يغرم لَهُ
قيمَة ذَلِك مقلوعا ويتملكه فَلهُ ذَلِك أَو يرضى بِتَرْكِهِ على حَاله
فَيكون الْبناء لهَذَا وَالْأَرْض لهَذَا وَفِي الْجَامِع الصَّغِير إِذا
انْقَضتْ مُدَّة الْإِجَارَة وَفِي الأَرْض رطبَة فَإِنَّهَا تقلع وَيجوز
اسْتِئْجَار الدَّوَابّ للرُّكُوب وَالْحمل فَإِن أطلق الرّكُوب جَازَ لَهُ
أَن يركب من شَاءَ وَكَذَلِكَ إِذا اسْتَأْجر الدَّوَابّ للرُّكُوب
وَالْحمل فَإِن أطلق الرّكُوب جَازَ لَهُ أَن يركب من شَاءَ وَكَذَلِكَ
إِذا اسْتَأْجر ثوبا للبس وَأطلق جَازَ فِيمَا ذكرنَا وَإِن قَالَ على أَن
يركبهَا فلَان أَو يلبس الثَّوْب فلَان فاركبها غَيره أَو ألبسهُ غَيره
فَعَطب كَانَ ضَامِنا وَإِن سمى نوعا وَقدر مَعْلُوما يحملهُ على
الدَّابَّة مثل أَن يَقُول خَمْسَة أَقْفِزَة
(1/187)
حِنْطَة فَلهُ أَن يحمل مَا هُوَ مثل
الْحِنْطَة فِي الضَّرَر أَو أقل كالشعير والسمسم وَلَيْسَ لَهُ أَن يحمل
مَا هُوَ اضر من الْحِنْطَة كالملح وَالْحَدِيد وَإِن اسْتَأْجرهَا ليحمل
عَلَيْهَا قطنا سَمَّاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَن يحمل عَلَيْهَا مثل وَزنه حديدا
وَإِن اسْتَأْجرهَا ليرْكبَهَا فَأرْدف مَعَه رجلا فعطبت ضمن نصف قيمتهَا
وَلَا مُعْتَبر بالثقل وَإِن اسْتَأْجرهَا ليحمل عَلَيْهَا مِقْدَارًا من
الْحِنْطَة فَحمل عَلَيْهَا أَكثر مِنْهُ فعطبت ضمن مَا زَاد الثّقل إِلَّا
إِذا كَانَ حملا لَا يطيقه مثل تِلْكَ الدَّابَّة فَحِينَئِذٍ يضمن كل
قيمتهَا وَإِن كبح الدَّابَّة بِلِجَامِهَا أَو ضربهَا فعطبت ضمن عِنْد أبي
حنيفَة وَقَالا لَا يضمن إِذا فعل فعلا متعارفا وَإِن اسْتَأْجرهَا إِلَى
الْحيرَة فجاوز بهَا إِلَى الْقَادِسِيَّة ثمَّ ردهَا إِلَى الْحيرَة ثمَّ
نفقت فَهُوَ ضَامِن وَكَذَلِكَ الْعَارِية وَمن اكترى حمارا بسرج فَنزع
ذَلِك السرج وأسرجه بسرج يسرج بِمثلِهِ الْحمر فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِن
كَانَ لَا يسرج بِمثلِهِ الْحمر يضمن وَإِن أوكفه بإكاف لَا يوكف بِمثلِهِ
الْحمر يضمن وَإِن أوكفه بإكاف يوكف بِمثلِهِ الْحمر ضمن عِنْد أبي حنيفَة
وَقَالَ يضمن بِحِسَابِهِ وَإِن اسْتَأْجر حمالا ليحمل لَهُ طَعَاما فِي
طَرِيق كَذَا فَأخذ فِي طَرِيق غَيره يسلكه النَّاس فَهَلَك الْمَتَاع
فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِن بلغ فَلهُ الْأجر وَإِن كَانَ طَرِيقا لَا
يسلكه النَّاس فَهَلَك ضمن وَإِن بلغ فَلهُ الْأجر وَإِن حمله فِي الْبَحْر
فِيمَا يحملهُ النَّاس فِي الْبر ضمن وَإِن بلغ فَلهُ الْأجر وَمن
اسْتَأْجر ارضا ليزرعها حِنْطَة فزرعها رطبَة ضمن مَا نَقصهَا وَلَا أجرله
وَمن دفع إِلَى خياط ثوبا ليخيطه قَمِيصًا بدرهم فخاطه قبَاء فَإِن شَاءَ
ضمنه قيمَة الثَّوْب وَإِن شَاءَ أَخذ القباء وَأَعْطَاهُ اجْرِ مثله وَلَا
يُجَاوز بِهِ درهما
بَاب الْإِجَارَة الْفَاسِدَة
الْإِجَارَة تفسدها الشُّرُوط كَمَا تفْسد البيع وَالْوَاجِب فِي
الْإِجَارَة الْفَاسِدَة أجر الْمثل لَا يُجَاوز بِهِ الْمُسَمّى وَمن
اسْتَأْجر دَارا كل شهر بدرهم فَالْعقد صَحِيح فِي شهر وَاحِد فَاسد فِي
بَقِيَّة الشُّهُور إِلَّا أَن يُسَمِّي جملَة شهور مَعْلُومَة فَلَو سمى
جملَة شهور مَعْلُومَة جَازَ فَإِن سكن سَاعَة من الشَّهْر الثَّانِي صَحَّ
العقد فِيهِ وَلَيْسَ للمؤجر أَن يُخرجهُ
(1/188)
إِلَى أَن يَنْقَضِي وَكَذَلِكَ كل شهر سكن
فِي أَوله سَاعَة وَإِن اسْتَأْجر دَارا سنة بِعشْرَة دَرَاهِم جَازَ وَإِن
لم يبين قسط كل شهر من الْأُجْرَة ثمَّ يعْتَبر ابْتِدَاء الْمدَّة مِمَّا
سمى وَإِن لم يسم شَيْئا فَهُوَ من الْوَقْت الَّذِي اسْتَأْجرهُ ثمَّ إِن
كَانَ العقد حِين يهل الْهلَال فشهور السّنة كلهَا بِالْأَهِلَّةِ وَإِن
كَانَ فِي أثْنَاء الشَّهْر فَالْكل بِالْأَيَّامِ وَيجوز أخد أُجْرَة
الْحمام والحجام وَلَا يجوز أَخذ أُجْرَة عسب التيس وَلَا الِاسْتِئْجَار
على الْأَذَان وَالْحج وَكَذَا الْإِمَامَة وَتَعْلِيم الْقُرْآن
وَالْفِقْه وَلَا يجوز الِاسْتِئْجَار على الْغناء وَالنوح وَكَذَا سَائِر
الملاهي وَلَا يجوز إِجَارَة الْمشَاع عِنْد أبي حنيفَة إِلَّا من
الشَّرِيك وَقَالا إِجَارَة الْمشَاع جَائِزَة وَيجوز اسْتِئْجَار الظِّئْر
بِأُجْرَة مَعْلُومَة وَيجوز بطعامها وكسوتها اسْتِحْسَانًا عِنْد أبي
حنيفَة وقالالا يجوز وَفِي الْجَامِع الصَّغِير فَإِن سمي الطَّعَام
دَرَاهِم وَوصف جنس الْكسْوَة وأجلها ودرعها فَهُوَ جَائِز وَلَو سمى
الطَّعَام وَبَين قدره جَازَ وَلَا يشْتَرط تَأْجِيله وَيشْتَرط بَيَان
مَكَان الإيفاءعند أبي حنيفَة خلافًا لَهما وَفِي الْكسْوَة يشْتَرط بَيَان
الْأَجَل مَعَ بَيَان الْقدر وَالْجِنْس وَلَيْسَ للْمُسْتَأْجر أَن يمْنَع
زَوجهَا من وَطئهَا فَإِن حبلت كَانَ لَهُم أَن يفسخوا الْإِجَارَة إِذا
خَافُوا على الصَّبِي من لَبنهَا وَعَلَيْهَا أَن تصلح طَعَام الصَّبِي
وَإِن ارضعته فِي الْمدَّة بِلَبن شَاة فَلَا أجر لَهَا وَمن دفع إِلَى
حائك غزلا لينسجه بِالنِّصْفِ فَلهُ أجر مثله وَكَذَا إِذا اسْتَأْجر حمارا
يحمل عَلَيْهِ طَعَاما بقفيز مِنْهُ فَالْإِجَارَة فَاسِدَة وَلَا يُجَاوز
بِالْأَجْرِ قَفِيزا وَمن اسْتَأْجر رجلا ليخبز لَهُ هَذِه الْعشْرَة
المخاتيم من الدَّقِيق الْيَوْم بدرهم فَهُوَ فَاسد عِنْد أبي حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي الْإِجَارَات هُوَ جَائِز وَمن
اسْتَأْجر أَرضًا على أَن يكريها ويزرعها ويسقيها فَهُوَ جَائِز فَإِن شَرط
أَن يثنيها أَو يكْرِي أنهارها أَو يسرقنها فَهُوَ فَاسد وَإِن
اسْتَأْجرهَا ليزرعها بزراعة أَرض أُخْرَى فَلَا خير فِيهِ وَإِذا كَانَ
الطَّعَام بَين رجلَيْنِ فاستأجر أَحدهمَا صَاحبه أَو حمَار صَاحبه على أَن
يحمل نصِيبه فَحمل الطَّعَام كُله فَلَا أجر لَهُ وَمن اسْتَأْجر أَرضًا
وَلم يذكر أَنه يَزْرَعهَا أَو أَي شَيْء يَزْرَعهَا فَالْإِجَارَة
فَاسِدَة فَإِن زَرعهَا وَمضى الْأَجَل فَلهُ الْمُسَمّى وَمن اسْتَأْجر
حمارا إِلَى بَغْدَاد بدرهم
(1/189)
وَلم يسم مَا يحمل عَلَيْهِ فَحمل مايحمل
النَّاس فنفق فِي نصف الطَّرِيق فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فَإِن بلغ إِلَى
بَغْدَاد فَلهُ ألأجر الْمُسَمّى وَإِن اخْتَصمَا قبل أَن يحمل عَلَيْهِ
نقضت الْإِجَارَة
بَاب ضَمَان الْأَجِير
الأجراء على ضَرْبَيْنِ أجِير مُشْتَرك وأجير خَاص فالمشترك من لَا يسْتَحق
الْأُجْرَة حَتَّى يعْمل كالصباغ والقصار وَالْمَتَاع أَمَانَة فِي يَده
فَإِن هلك لم يضمن شَيْئا عِنْد أبي حنيفَة وَهُوَ قَول زفر وَيضمنهُ
عِنْدهمَا إِلَّا من شَيْء غَالب كالحريق الْغَالِب والعدو المكابر وَمَا
تلف بِعَمَلِهِ كتخريق الثَّوْب من دقه وزلق الْحمال وَانْقِطَاع الْحَبل
الَّذِي يشد بِهِ المكاري الْحمل وغرق السَّفِينَة من مدها مَضْمُون
عَلَيْهِ إِلَّا أَنه لَا يضمن بِهِ بني آدم مِمَّن غرق فِي السَّفِينَة
أَو سقط من الدَّابَّة وَإِن كَانَ بسوقه وقوده وَإِذا اسْتَأْجر من يحمل
لَهُ دنا من الْفُرَات فَوَقع فِي بعض الطَّرِيق فانكسر فَإِن شَاءَ ضمنه
قِيمَته فِي الْمَكَان الَّذِي حمله وَلَا أجر لَهُ وَإِن شَاءَ ضمنه
قِيمَته فِي الْموضع الَّذِي انْكَسَرَ وَأَعْطَاهُ أجره بِحِسَابِهِ
وَإِذا فصد الفصاد أَو بزغ البزاغ وَلم يتَجَاوَز الْموضع الْمُعْتَاد
فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا عطب من ذَلِك وَفِي الْجَامِع الصَّغِير
بيطار بزغ دَابَّة بدانق فنفقت أَو حجام حجم عبدا بِأَمْر مَوْلَاهُ
فَمَاتَ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ والأجير الْخَاص الَّذِي يسْتَحق الْأُجْرَة
بِتَسْلِيم نَفسه فِي الْمدَّة وَإِن لم يعْمل كمن اُسْتُؤْجِرَ شهرا
للْخدمَة أَو لرعي الْغنم وَلَا ضَمَان على الْأَجِير الْخَاص فِيمَا تلف
فِي يَده وَلَا مَا تلف من عمله
بَاب الْإِجَارَة على أحد الشَّرْطَيْنِ
وَإِذا قَالَ للخياط إِن خطت هَذَا الثَّوْب فارسيا فبدرهم وَإِن خطته
روميا فبدرهمين جَازَ وَأي عمل من هذَيْن العملين عمل اسْتحق الْأُجْرَة
وَكَذَا إِذا قَالَ للصباغ إِن صبغته بعصفر فبدرهم وَإِن صبغته بزعفران
فبدرهمين وَكَذَا إِذا خَيره
(1/190)
بَين شَيْئَيْنِ بِأَن قَالَ أجرتك هَذِه
الدَّار شهرا بِخَمْسَة أَو هَذِه الدَّار الْأُخْرَى بِعشْرَة وَكَذَا
إِذا خَيره بَين مسافتين مختلفتين بِأَن قَالَ أجرتك هَذِه الدَّابَّة
إِلَى الْكُوفَة بِكَذَا أَو إِلَيّ وَاسِط بِكَذَا وَكَذَا إِذا خَيره
بَين ثَلَاثَة أَشْيَاء وَإِن خَيره بَين أَرْبَعَة أَشْيَاء لم يجز وَلَو
قَالَ أَن خطته الْيَوْم فبدرهم وَإِن خطته غَدا فبنصف دِرْهَم فَإِن خاطه
الْيَوْم فَلهُ دِرْهَم وَإِن خاطه غَدا فَلهُ أجر مثله عِنْد أبي حنيفَة
لَا يُجَاوز بِهِ نصف دِرْهَم وَفِي الْجَامِع الصَّغِير لَا ينقص من نصف
دِرْهَم وَلَا يُزَاد على دِرْهَم وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الشرطان
جائزان وَلَو قَالَ أَن سكنت فِي هَذَا الدّكان عطارا فبدرهم فِي الشَّهْر
وَإِن سكنته حدادا فبدرهمين جَازَ وَأي الْأَمريْنِ فعل اسْتحق الْمُسَمّى
فِيهِ عِنْد أبي حنيفَة وَقَالا الْإِجَارَة فَاسِدَة وَكَذَا إِذا
اسْتَأْجر بَيْتا على أَنه إِن سكن فِيهِ عطارا فبدرهم وَإِن سكن فِيهِ
حدادا فبدرهمين فَهُوَ جَائِز عِنْد أبي حنيفَة وَقَالا ل يجوز وَمن
اسْتَأْجر دَابَّة إِلَى الْحيرَة بدرهم وَإِن جَاوز بهَا إِلَى
الْقَادِسِيَّة فبدرهمين فَهُوَ جَائِز وَمن اسْتَأْجرهَا إِلَى الْحيرَة
على أَنه حمل عَلَيْهَا كرّ شعير فبنصف دِرْهَم وَإِن حمل عَلَيْهَا كرّ
حِنْطَة فبدرهم فَهُوَ جَائِز فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالا لَا يجوز
بَاب إِجَارَة العَبْد
وَمن اسْتَأْجر عبدا ليخدمه فَلَيْسَ لَهُ أَن يُسَافر بِهِ إِلَّا أَن
يشْتَرط ذَلِك وَمن اسْتَأْجر عبدا مَحْجُورا عَلَيْهِ شهرا وَأَعْطَاهُ
الْأجر فَلَيْسَ للْمُسْتَأْجر أَن يَأْخُذ مِنْهُ الْأجر وَمن غصب عبدا
فآجر العَبْد نَفسه فَأخذ الْغَاصِب الْأُجْرَة فَأَكله فَلَا ضَمَان
عَلَيْهِ عِنْد أبي حنيفَة وَقَالا هُوَ ضَامِن وَإِن وجد الْمولى الْأجر
قَائِما بِعَيْنِه أَخذه وَيجوز قبض العَبْد الْأجر فِي قَوْلهم جَمِيعًا
وَمن اسْتَأْجر عبدا هذَيْن الشَّهْرَيْنِ شهرا بأَرْبعَة وشهرا بِخَمْسَة
فَهُوَ جَائِز وَالْأول مِنْهُمَا بأَرْبعَة وَمن اسْتَأْجر عبدا شهرا
بدرهم فَقَبضهُ فِي أول الشَّهْر ثمَّ جَاءَ آخر الشَّهْر وَهُوَ آبق أَو
مَرِيض فَقَالَ الْمُسْتَأْجر أبق أَو مرض حِين أَخَذته وَقَالَ الْمولى لم
يكن ذَلِك إِلَّا قبل أَن تَأتي بساعة فَالْقَوْل قَول الْمُسْتَأْجر وَإِن
جَاءَ بِهِ وَهُوَ صَحِيح فَالْقَوْل قَول المؤاجر
(1/191)
بَاب الِاخْتِلَاف فِي الْإِجَارَة وَإِذا
اخْتلف الْخياط وَرب الثَّوْب فَقَالَ رب الثَّوْب أَمرتك أَن تعمله قبَاء
وَقَالَ الْخياط بل قَمِيصًا أَو قَالَ صَاحب الثَّوْب للصباغ أَمرتك أَن
تصبغه أَحْمَر فصبغته أصفر وَقَالَ الصّباغ لَا بل أَمرتنِي أصفر
فَالْقَوْل لصَاحب الثَّوْب وَإِذا حلف فالخياط ضَامِن وَإِن قَالَ صَاحب
الثَّوْب عملته لي بِغَيْر أجر وَقَالَ الصَّانِع بِأَجْر فَالْقَوْل قَول
صَاحب الثَّوْب عِنْد أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن كَانَ الرجل
حريفا لَهُ فَلهُ الْأجر وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ مُحَمَّد إِن كَانَ
الصَّانِع مَعْرُوفا بِهَذِهِ الصَّنْعَة بِالْأَجْرِ فَالْقَوْل قَوْله
بَاب فسخ الْإِجَارَة
وَمن اسْتَأْجر دَارا فَوجدَ بهَا عَيْبا يضر بِالسُّكْنَى فَلهُ الْفَسْخ
وَإِذا خربَتْ الدَّار أَو انْقَطع شرب الضَّيْعَة أَو انْقَطع المَاء عَن
الرَّحَى انْفَسَخت الْإِجَارَة وَلَو انْقَطع مَاء الرَّحَى وَالْبَيْت
مِمَّا ينْتَفع بِهِ لغيرالطحن فَعَلَيهِ من الْأجر بِحِصَّتِهِ وَإِذا
مَاتَ أحد الْمُتَعَاقدين وَقد عقد الْإِجَارَة لنَفسِهِ انْفَسَخت
الْإِجَارَة وَإِن عقدهَا لغيره لم تَنْفَسِخ وَيصِح شَرط الْخِيَار فِي
الْإِجَارَة وتفسخ الْإِجَارَة بالأعذار عندنَا وَهُوَ كمن اسْتَأْجر حدادا
ليقلع ضرسه لوجع بِهِ فسكن الوجع أَو اسْتَأْجر طباخا ليطبخ لَهُ طَعَام
الْوَلِيمَة فَاخْتلعت مِنْهُ تفسخ الْإِجَارَة وَكَذَا من اسْتَأْجر دكانا
فِي السُّوق ليتجر فِيهِ فَذهب مَاله وَكَذَا إِذا آجر دكانا أَو دَارا
ثمَّ أفلس وَلَزِمتهُ دُيُون لَا يقدر على قَضَائهَا إِلَّا بِثمن مَا آجر
فسخ القَاضِي العقد وباعها فِي الدُّيُون وَمن اسْتَأْجر دَابَّة ليسافر
عَلَيْهَا ثمَّ بداله من السّفر فَهُوَ عذر وَإِن بدا للمكاري فَلَيْسَ
ذَلِك بِعُذْر وَلَو مرض المؤاجر فَقعدَ فَكَذَا الْجَواب وَمن أجر عَبده
ثمَّ بَاعه فَلَيْسَ بِعُذْر وَإِذا اسْتَأْجر الْخياط غُلَاما فأفلس وَترك
الْعَمَل فَهُوَ عذر وَإِن أَرَادَ ترك الْخياطَة وَإِن يعْمل فِي الصّرْف
فَهُوَ لَيْسَ بِعُذْر وَمن اسْتَأْجر غُلَاما ليخدمه فِي الْمصر ثمَّ
سَافر فَهُوَ عذر وَكَذَا إِذا أطلق
(1/192)
مسَائِل منثورة
وَمن اسْتَأْجر أَرضًا أَو استعارها فَأحرق الْحَصاد فَاحْتَرَقَ شَيْء من
أَرض أُخْرَى فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِذا أقعد الْخياط أَو الصّباغ فِي
حانوته من يطْرَح عَلَيْهِ الْعَمَل بِالنَّصِّ فَهُوَ جَائِز وَمن
اسْتَأْجر جملا يحمل عَلَيْهِ محملًا وراكبين إِلَى مَكَّة جَازَ وَله
الْمحمل الْمُعْتَاد وَإِن شَاهد الْجمال الْمحمل فَهُوَ أَجود وَإِن
اسْتَأْجر بَعِيرًا ليحمل عَلَيْهِ مِقْدَارًا من الزَّاد فَأكل مِنْهُ فِي
الطَّرِيق جَازَ لَهُ أَن يرد عوض مَا أكل وَكَذَا غير الزَّاد من الْمكيل
وَالْمَوْزُون |