متن بداية المبتدي في فقه الإمام أبي حنيفة

= كتاب الْقِسْمَة
وَيَنْبَغِي للْقَاضِي أَن ينصب قاسما يرزقه من بَيت المَال ليقسم بَين النَّاس بِغَيْر أجر فَإِن لم يفعل نصب قاسما يقسم بِالْأَجْرِ وَيجب أَن يكون عدلا مَأْمُونا عَالما بِالْقِسْمَةِ وَلَا يجْبر القَاضِي النَّاس على قَاسم وَاحِد وَلَو اصْطَلحُوا فاقتسموا جَازَ إِلَّا إِذا كَانَ فيهم صَغِير فَيحْتَاج إِلَى أَمر القَاضِي وَلَا يتْرك القسام يشتركون وَأُجْرَة الْقِسْمَة على عدد الرؤوس عِنْد أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد على قدر الْأَنْصِبَاء وَإِذا حضر الشُّرَكَاء عِنْد القَاضِي وَفِي أَيْديهم دَار أَو ضَيْعَة وَادعوا أَنهم ورثوها عَن فلَان لم يقسمها القَاضِي عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله حَتَّى يقيموا الْبَيِّنَة على مَوته وَعدد ورثته وَقَالَ صَاحِبَاه يقسمها باعترافهم وَيذكر فِي كتاب الْقِسْمَة أَنه قسمهَا بقَوْلهمْ وَإِن كَانَ المَال الْمُشْتَرك مَا سوى الْعقار وَادعوا أَنه مِيرَاث قسمه فِي قَوْلهم جَمِيعًا وَلَو ادعوا فِي الْعقار أَنهم اشتروه قسمه بَينهم وَإِن ادعوا الْملك وَلم يذكرُوا

(1/211)


كَيفَ انْتقل إِلَيْهِم قسمه بَينهم وَفِي الْجَامِع الصَّغِير أَرض ادَّعَاهَا رجلَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَة أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا وأرادا الْقِسْمَة لم يقسمها حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَة أَنَّهَا لَهما وَإِذا حضر وارثان وَأَقَامَا الْبَيِّنَة على الْوَفَاة وَعدد الْوَرَثَة وَالدَّار فِي أَيْديهم وَمَعَهُمْ وَارِث غَائِب قسمهَا القَاضِي بِطَلَب الْحَاضِرين وَينصب وَكيلا يقبض نصيب الْغَائِب وَكَذَا لَو كَانَ مَكَان الْغَائِب صبي يقسم وَينصب وَصِيّا يقبض نصِيبه وَلَو كَانُوا مشترين لم يقسم مَعَ غيبَة أحدهم وَإِن كَانَ الْعقار فِي يَد الْوَارِث الْغَائِب أَو شَيْء مِنْهُ لم يقسم وَكَذَا إِذا كَانَ فِي يَد مودعه وَكَذَا إِذا كَانَ فِي يَد الصَّغِير وَإِن حضر وَارِث وَاحِد لم يقسم وَإِن أَقَامَ الْبَيِّنَة وَلَو كَانَ الحاضرصغيرا وكبيرا نصب القَاضِي عَن الصَّغِير وَصِيّا وَقسم إِذا أُقِيمَت الْبَيِّنَة وَكَذَا إِذا حضر وَارِث كَبِير أَو موصى لَهُ بِالثُّلثِ فِيهَا فطلبا الْقِسْمَة وَأَقَامَا الْبَيِّنَة على الْمِيرَاث وَالْوَصِيَّة يقسمهُ
فصل فِي مَا يقسم وَمَا لَا يقسم
وَإِذا كَانَ كل وَاحِد من الشُّرَكَاء ينْتَفع بِنَصِيبِهِ قسم بِطَلَب أحدهم وَإِن كَانَ ينْتَفع أحدهم ويستضربه الآخر لقلَّة نصِيبه فَإِن طلب صَاحب الْكثير قسم وَإِن طلب صَاحب الْقَلِيل لم يقسم وَإِن كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا يستضر لصغره لم يقسمها إِلَّا بتراضيهما وَيقسم الْعرُوض إِذا كَانَت من صنف وَاحِد وَلَا يقسم الجنسين بعضهما فِي بعض وَيقسم كل مَكِيل وموزون والمعدود والمتقارب وتبر الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْحَدِيد والنحاس وَالْإِبِل بانفرادها وَالْبَقر وَالْغنم وَلَا يقسم شَاة وبعيرا وبرذونا وَحِمَارًا وَلَا يقسم الْأَوَانِي وَيقسم الثِّيَاب الهروية وَلَا يقسم ثوبا وَاحِدًا وَلَا ثَوْبَيْنِ إِذا اخْتلفت قيمتهمَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يقسم الرَّقِيق والجواهر وَقَالا يقسم الرَّقِيق وَلَا يقسم حمام وَلَا بِئْر وَلَا رحى إِلَّا أَن يتراضى الشُّرَكَاء وَكَذَا الْحَائِط بَين الدَّاريْنِ وَإِذا كَانَت دور مُشْتَركَة فِي مصر وَاحِد قسم كل دَار على حدتها فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالا إِن كَانَ الْأَصْلَح لَهُم قسْمَة بَعْضهَا فِي بعض قسمهَا وَإِن كَانَت دَار وضيعة أَو دَار وحانوت قسم كل وَاحِد مِنْهُمَا على حِدة

(1/212)


فصل فِي كَيْفيَّة الْقِسْمَة
وَيَنْبَغِي للقاسم أَن يصور مَا يقسمهُ ويعدله ويذرعه وَيقوم الْبناء ويفرز كل نصيب عَن الْبَاقِي بطريقه وشربه حَتَّى لَا يكون لنصيب بَعضهم بِنَصِيب الْبَعْض تعلق ثمَّ يلقب نَصِيبا بِالْأولِ وَالَّذِي يَلِيهِ بِالثَّانِي وَالثَّالِث على هَذَا ثمَّ يخرج الْقرعَة فَمن خرج اسْمه أَولا فَلهُ السهْم الأول وَمن خرج ثَانِيًا فَلهُ السهْم الثَّانِي وَلَا يدْخل فِي الْقِسْمَة الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير إِلَّا بتراضيهم وَإِذا كَانَ أَرض وَبِنَاء فَعَن أبي يُوسُف أَنه يقسم كل ذَلِك على اعْتِبَار الْقيمَة فَإِن قسم بَينهم ولأحدهم مسيل فِي نصيب الآخر أَو طَرِيق لم يشْتَرط فِي الْقِسْمَة فَإِن أمكن صرف الطَّرِيق والمسيل عَنهُ لَيْسَ لَهُ أَن يستطرق ويسيل فِي نصيب الآخر وَإِن لم يُمكن فسخت الْقِسْمَة وَلَو اخْتلفُوا فِي رفع الطَّرِيق بَينهم فِي الْقِسْمَة إِن كَانَ يَسْتَقِيم لكل وَاحِد طَرِيق يَفْتَحهُ فِي نصِيبه قسم الْحَاكِم من غير طَرِيق يرفع لجماعتهم وَإِن كَانَ لَا يَسْتَقِيم ذَلِك رفع طَرِيقا بَين جَمَاعَتهمْ وَلَو اخْتلفُوا فِي مِقْدَاره جعل على عرض بَاب الدَّار وَطوله وَالطَّرِيق على سِهَامهمْ كَمَا كَانَ قبل الْقِسْمَة وَلَو شرطُوا أَن يكون الطَّرِيق بَينهمَا أَثلَاثًا جَازَ وَإِن كَانَ أصل الدَّار نِصْفَيْنِ وَإِذا كَانَ سفل لَا علو عَلَيْهِ وعلو لَا سفل لَهُ وسفل لَهُ علو قوم كل وَاحِد على حِدته وَقسم بِالْقيمَةِ وَلَا مُعْتَبر بِغَيْر ذَلِك وَإِذا اخْتلف المتقاسمون وَشهد القاسمان قبلت شَهَادَتهمَا وَلَو شهد قَاسم وَاحِد لَا تقبل
بَاب دَعْوَى الْغَلَط فِي الْقِسْمَة والاستحقاق فِيهَا
وَإِذا ادّعى أحدهم الْغَلَط وَزعم أَن مِمَّا أَصَابَهُ شَيْئا فِي يَد صَاحبه وَقد أشهد على نَفسه بِالِاسْتِيفَاءِ لم يصدق على ذَلِك إِلَّا بِبَيِّنَة فَإِن لم تقم لَهُ بَيِّنَة اسْتحْلف الشُّرَكَاء فَمن نكل مِنْهُم جمع بَين نصيب الناكل وَالْمُدَّعِي فَيقسم بَينهمَا على قدر أنصبائهما وَإِن قَالَ قد استوفيت حَقي وَأخذت بعضه فَالْقَوْل قَول خَصمه مَعَ يَمِينه وَإِن قَالَ أصابني إِلَى مَوضِع كَذَا فَلم يُسلمهُ إِلَيّ وَلم يشْهد على نَفسه بِالِاسْتِيفَاءِ وَكذبه شَرِيكه تحَالفا وفسخت الْقِسْمَة

(1/213)


وَلَو اخْتلفَا فِي التَّقْوِيم لم يلْتَفت إِلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَت الْقِسْمَة بِقَضَاء القَاضِي والغبن فَاحش وَلَو اقْتَسمَا دَارا وَأصَاب كل وَاحِد طَائِفَة فَادّعى أَحدهمَا بَيْتا فِي يَد الآخر أَنه مِمَّا أَصَابَهُ بِالْقِسْمَةِ وَأنكر الآخر فَعَلَيهِ إِقَامَة الْبَيِّنَة وَإِن أَقَامَا الْبَيِّنَة يُؤْخَذ بِبَيِّنَة الْمُدَّعِي وَإِن كَانَ قبل الْإِشْهَاد على الْقَبْض تحَالفا وترادا وَكَذَا إِذا اخْتلفَا فِي الْحُدُود وَأَقَامَا الْبَيِّنَة يقْضى لكل وَاحِد بالجزء الَّذِي هُوَ فِي يَد صَاحبه وَإِن قَامَت لأَحَدهمَا بَيِّنَة قضي لَهُ وَإِن لم تقم لوَاحِد مِنْهُمَا تحَالفا
فصل
وَإِذا اسْتحق بعض نصيب أَحدهمَا بِعَيْنِه لم تفسخ القمسة عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَرجع بِحِصَّة ذَلِك فِي نصيب صَاحبه وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تفسخ الْقِسْمَة وَلَو وَقعت الْقِسْمَة ثمَّ ظهر فِي التَّرِكَة دين مُحِيط ردَّتْ الْقِسْمَة وَلَو أَبرَأَهُ الْغُرَمَاء بعد الْقِسْمَة أَو أَدَّاهُ الْوَرَثَة من مَالهم وَالدّين مُحِيط أَو غير مُحِيط جَازَت الْقِسْمَة
فصل فِي الْمُهَايَأَة
الْمُهَايَأَة جَائِزَة اسْتِحْسَانًا وَلَو وَقعت فِيمَا يحْتَمل الْقِسْمَة ثمَّ طلب أحدهم الْقِسْمَة يقسم وَتبطل الْمُهَايَأَة وَلَا يبطل التهايؤ بِمَوْت أَحدهمَا وَلَا بموتهما وَلَو تهايآ فِي دَار وَاحِدَة على أَن يسكن هَذَا طَائِفَة وَهَذَا طَائِفَة أَو هَذَا علوها وَهَذَا أَسْفَلهَا جَازَ وَلكُل وَاحِد أَن يستغل مَا أَصَابَهُ بالمهايأة شَرط ذَلِك فِي العقد أَو لم يشْتَرط وَلَو تهايآ فِي عبد وَاحِد على أَن يخْدم هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا جَازَ وَكَذَا فِي الْبَيْت الصَّغِير وَلَو اخْتلفَا فِي التهايؤ من حَيْثُ الزَّمَان وَالْمَكَان فِي مَحل يحتملهما يأمرهما القَاضِي بِأَن يتَّفقَا فَإِن اختاراه من حَيْثُ الزَّمَان يقرع فِي الْبِدَايَة وَلَو تهايآ فِي الْعَبْدَيْنِ على أَن يخْدم هَذَا هَذَا العَبْد وَالْآخر الآخر جَازَ عِنْدهمَا وَلَو تهايآ فيهمَا على أَن نَفَقَة كل عبد على من يَأْخُذهُ جَازَ وَلَو تهايآ فِي دارين عل ى أَن يسكن كل وَاحِد مِنْهُمَا دَارا جَازَ وَيجْبر القَاضِي عَلَيْهِ وَفِي الدابتين لَا يجوز التهايؤ على الرّكُوب

(1/214)


عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَعِنْدَهُمَا يجوز والتهايؤ على الاستغلال فِي الدَّاريْنِ جَائِز وَلَا يجوز فِي الدابتين عِنْده خلافًا لَهما وَلَو كَانَ نخل أَو شجر أَو غنم بَين اثْنَيْنِ فتهايآ على أَن يَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا طَائِفَة يستثمرها أَو يرعاها وَيشْرب أَلْبَانهَا لَا يجوز = كتاب الْمُزَارعَة
قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْمُزَارعَة بِالثُّلثِ وَالرّبع بَاطِلَة وَقَالا هِيَ جَائِزَة وَإِذا فَسدتْ عِنْده فَإِن سقى الأَرْض وكربها وَلم يخرج شَيْء مِنْهُ فَلهُ أجر مثله ثمَّ الْمُزَارعَة لصحتها على قَول من يجيزها شُرُوط أَحدهَا كَون الأَرْض صَالِحَة للزِّرَاعَة وَالثَّانِي أَن يكون رب الأَرْض والمزارع من أهل العقد وَهُوَ لايختص بِهِ وَالثَّالِث بَيَان الْمدَّة وَالرَّابِع بَيَان من عَلَيْهِ الْبذر وَالْخَامِس بَيَان نصيب من لَا بذر من قبله وَالسَّادِس أَن يخلي رب الأَرْض بَينهَا وَبَين الْعَامِل حَتَّى لَو شَرط عمل رب الأَرْض يفْسد العقد وَالسَّابِع الشّركَة فِي الْخَارِج بعد حُصُوله وَالثَّامِن بَيَان جنس الْبذر
وَهِي عِنْدهمَا على أَرْبَعَة أوجه إِن كَانَت الأَرْض وَالْبذْر لوَاحِد وَالْبَقر وَالْعَمَل لوَاحِد جَازَت الْمُزَارعَة وَإِن كَانَت الأَرْض لوَاحِد وَالْعَمَل وَالْبَقر وَالْبذْر لوَاحِد جَازَت وَإِن كَانَت الأَرْض وَالْبذْر وَالْبَقر لوَاحِد وَالْعَمَل من آخر جَازَت وَإِن كَانَت الأَرْض وَالْبَقر لوَاحِد وَالْبذْر وَالْعَمَل لآخر فَهِيَ بَاطِلَة
وَلَا تصح الْمُزَارعَة إِلَّا على مُدَّة مَعْلُومَة وَإِن يكون الْخَارِج شَائِعا بَينهمَا فَإِن شرطا لأَحَدهمَا قفزانا مُسَمَّاة فَهِيَ بَاطِلَة وَكَذَا إِذا شرطا أَن يرفع صَاحب الْبذر بذره وَيكون الْبَاقِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَكَذَلِكَ إِن شرطا مَا على الماذيانات والسواقي لأَحَدهمَا وَكَذَا إِذا شرطا لأَحَدهمَا التِّبْن وَللْآخر الْحبّ وَكَذَا إِذا شرطا التِّبْن نِصْفَيْنِ وَالْحب لأَحَدهمَا بِعَيْنِه وَلَو شرطا الْحبّ نِصْفَيْنِ وَلم يتعرضا

(1/215)


للتبن صحت ثمَّ التِّبْن يكون لصَاحب الْبذر وَلَو شرطا الْحبّ نِصْفَيْنِ والتبن لصَاحب الْبذر صحت وَإِن شرطا التِّبْن للْآخر فَسدتْ
وَإِذا صحت الْمُزَارعَة فالخارج على الشَّرْط وَإِن لم تخرج الأَرْض شَيْئا فَلَا شَيْء لِلْعَامِلِ وَإِذا فَسدتْ فالخارج لصَاحب الْبذر وَلَو كَانَ الْبذر من قبل رب الأَرْض فللعامل أجر مثله لَا يُزَاد على مِقْدَار مَا شَرط لَهُ من الْخَارِج عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد لَهُ أجر مثله بَالغا مَا بلغ وَإِن كَانَ الْبذر من قبل الْعَامِل فَلصَاحِب الأَرْض أجر مثل أرضه وَلَو جمع بَين الأَرْض وَالْبَقر حَتَّى فَسدتْ الْمُزَارعَة فعلى الْعَامِل أجر مثل الأَرْض وَالْبَقر وَإِذا اسْتحق رب الأَرْض الْخَارِج لبذره فِي الْمُزَارعَة الْفَاسِدَة طَابَ لَهُ جَمِيعه وَإِن اسْتَحَقَّه الْعَامِل أَخذ قدر بذره وَقدر أجر الأَرْض وَتصدق بِالْفَضْلِ وَإِذا عقدت الْمُزَارعَة فَامْتنعَ صَاحب الْبذر من الْعَمَل لم يجْبر عَلَيْهِ وَإِن امْتنع الَّذِي لَيْسَ من قبله الْبذر أجْبرهُ الْحَاكِم على الْعَمَل وَلَو امْتنع رب الأَرْض وَالْبذْر من قبله وَقد كرب الْمزَارِع الأَرْض فَلَا شَيْء لَهُ فِي عمل الكراب وَإِذا مَاتَ أحد الْمُتَعَاقدين بطلت الْمُزَارعَة وَلَو مَاتَ رب الأَرْض قبل الزِّرَاعَة بَعْدَمَا كرب الأَرْض وحفر الْأَنْهَار انتقضت الْمُزَارعَة وَلَا شَيْء لِلْعَامِلِ بِمُقَابلَة مَا عمل وَإِذا فسخت الْمُزَارعَة بدين فادح لحق صَاحب الأَرْض فَاحْتَاجَ إِلَى بيعهَا فَبَاعَ جَازَ كَمَا فِي الْإِجَارَة وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَن يُطَالِبهُ بِمَا كرب الأَرْض وحفر الْأَنْهَار بِشَيْء وَلَو نبت الزَّرْع وَلم يستحصد لم تبع الأَرْض فِي الدّين حَتَّى يستحصد الزَّرْع ويخرجه القَاضِي من الْحَبْس إِن كَانَ حَبسه بِالدّينِ وَإِذا انْقَضتْ مُدَّة الْمُزَارعَة وَالزَّرْع لم يدْرك كَانَ على الْمزَارِع أجر مثل نصِيبه من الأَرْض إِلَى أَن يستحصد وَالنَّفقَة على الزَّرْع عَلَيْهِمَا على مِقْدَار حقوقهما فَإِن أنْفق أَحدهمَا بِغَيْر إِذن صَاحبه وَأمر القَاضِي فَهُوَ مُتَطَوّع وَلَو أَرَادَ رب الأَرْض أَن يَأْخُذ الزَّرْع بقلا لم يكن لَهُ ذَلِك وَلَو أَرَادَ الْمزَارِع أَن يَأْخُذهُ بقلا قيل لصَاحب الأَرْض اقلع الزَّرْع فَيكون بَيْنكُمَا أَو اعطه قيمَة نصِيبه أَو أنْفق أَنْت على الزَّرْع وارجع بِمَا تنفقه فِي حِصَّته

(1/216)


وَلَو مَاتَ الْمزَارِع بعد نَبَات الزَّرْع فَقَالَت ورثته نَحن نعمل إِلَى أَن يستحصد الزَّرْع وأبى رب الأَرْض فَلهم ذَلِك وَلَا أجر لَهُم بِمَا عمِلُوا وَكَذَلِكَ أُجْرَة الْحَصاد والرفاع والدياس والتذرية عَلَيْهِمَا بِالْحِصَصِ فَإِن شرطاه فِي الْمُزَارعَة على الْعَامِل فَسدتْ = كتاب الْمُسَاقَاة
قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْمُسَاقَاة بِجُزْء من الثَّمر بَاطِلَة وَقَالا جَائِزَة إِذا ذكر مُدَّة مَعْلُومَة وسمى جزأ من الثَّمر مشَاعا وَيشْتَرط تَسْمِيَة الْجُزْء مشَاعا فَإِن سميا فِي الْمُعَامَلَة مُدَّة يعلم أَنه لَا يخرج الثَّمر فِيهَا فَسدتْ الْمُعَامَلَة وَلَو سميا مُدَّة قد يبلغ الثَّمر فِيهَا وَقد يتَأَخَّر عَنْهَا جَازَت ثمَّ لَو خرج فِي الْوَقْت المسمي فَهُوَ على الشّركَة وَإِن تَأَخّر فللعامل أجر الْمثل وَتجوز الْمُسَاقَاة فِي النّخل وَالشَّجر وَالْكَرم والرطاب وأصول الباذنجان وَلَيْسَ لصَاحب الْكَرم أَن يخرج الْعَامِل من غير عذر وَكَذَا لَيْسَ لِلْعَامِلِ أَن يتْرك الْعَمَل بِغَيْر عذر فَإِن دفع نخلا فِيهِ ثَمَر مُسَاقَاة وَالثَّمَر يزِيد بِالْعَمَلِ جَازَ وَإِن كَانَت قد انْتَهَت لم يجز وَإِذا فَسدتْ الْمُسَاقَاة فللعامل أجر مثله وَتبطل الْمُسَاقَاة بِالْمَوْتِ فَإِن مَاتَ رب الأَرْض وَالْخَارِج بسر فللعامل أَن يقوم عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يقوم قبل ذَلِك إِلَى أَن يدْرك الثَّمر وَلَو الْتزم الْعَامِل الضَّرَر يتَخَيَّر وَرَثَة الآخر بَين أَن يقتسموا الْبُسْر على الشَّرْط وَبَين أَن يعطوه قيمَة نصِيبه من الْبُسْر وَبَين أَن ينفقوا على الْبُسْر حَتَّى يبلغ فيرجعوا بذلك فِي حِصَّة الْعَامِل من الثَّمر وَلَو مَاتَ الْعَامِل فلورثته أَن يقومُوا عَلَيْهِ وَإِن كره رب الأَرْض فَإِن إرادوا أَن يصرموه بسرا كَانَ صَاحب الأَرْض بَين الخيارات الثَّلَاثَة وَإِن مَاتَا جَمِيعًا فَالْخِيَار لوَرَثَة الْعَامِل فَإِن أَبى وَرَثَة الْعَامِل أَن يقومُوا عَلَيْهِ كَانَ الْخِيَار فِي ذَلِك لوَرَثَة رب الأَرْض وَإِذا انْقَضتْ مُدَّة الْمُعَامَلَة وَالْخَارِج بسر أَخْضَر فَهَذَا وَالْأول سَوَاء لِلْعَامِلِ أَن يقوم عَلَيْهَا إِلَى أَن يدْرك لَكِن بِغَيْر أجر وتفسخ بالأعذار

(1/217)


وَمن دفع أَرضًا بَيْضَاء إِلَى رجل سِنِين مَعْلُومَة يغْرس فِيهَا شَجرا على أَن تكون الأَرْض وَالشَّجر بَين رب الأَرْض والغارس نِصْفَيْنِ لم يجز ذَلِك وَجَمِيع الثَّمر وَالْغَرْس لرب الأَرْض وللغارس قيمَة غرسه وَأجر مثله فِيمَا عمل