بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

"كتاب الوصايا"
الكلام في هذا الكتاب يقع في مواضع: في بيان جواز الوصية, وفي بيان ركن الوصية, وفي بيان معنى الوصية, وفي بيان شرائط ركن الوصية, وفي بيان صفة عقد الوصية, وفي بيان حكم الوصية, وفي بيان ما تبطل به الوصية. "أما" الأول فالقياس يأبى جواز الوصية؛ لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت والموت مزيل للملك فتقع الإضافة إلى زمان زوال الملك فلا يتصور وقوعه تمليكا فلا يصح, إلا أنهم استحسنوا جوازها بالكتاب العزيز والسنة الكريمة والإجماع, أما الكتاب العزيز فقوله تبارك وتعالى في آية المواريث: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} إلى قوله جلت عظمته {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} و {يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} و {وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} و {تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} شرع الميراث مرتبا على الوصية فدل أن الوصية جائزة, وقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ}, ندبنا سبحانه وتعالى إلى الإشهاد على حال الوصية فدل أنها مشروعة. "وأما" السنة فما روي "أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو سعد بن مالك كان مريضا فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: أوصي بجميع مالي؟ فقال: لا, فقال بثلثي مالي؟ قال: لا, قال: فبنصف مالي؟ قال: لا قال: فبثلث مالي؟ فقال عليه السلام "الثلث, والثلث كثير إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس". وروي: فقراء يتكففون الناس فقد جوز رسول الله صلى الله عليه وسلم الوصية بالثلث. وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "إن الله تبارك وتعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة على أعمالكم فضعوه حيث شئتم". أخبر عليه الصلاة والسلام أن الله تبارك وتعالى جعلنا أخص بثلث أموالنا في آخر أعمارنا لنكسب به زيادة في أعمالنا. والوصية تصرف في ثلث المال في آخر العمر زيادة في العمل فكانت مشروعة. وأما الإجماع: فإن الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا يوصون من غير إنكار من أحد, فيكون إجماعا من الأمة على ذلك, والقياس يترك بالكتاب العزيز, والسنة الكريمة والإجماع مع ما أن ضربا من القياس يقتضي الجواز وهو أن الإنسان يحتاج إلى أن يكون ختم عمله بالقربة زيادة على القرب السابقة على ما نطق به الحديث أو تداركا لما فرط في حياته وذلك بالوصية, وهذه العقود ما شرعت إلا لحوائج العباد, فإذا مست حاجتهم إلى الوصية وجب القول بجوازها, وبه تبين أن ملك الإنسان لا يزول بموته فيما يحتاج إليه ألا يرى: أنه بقي في قدر جهازه من الكفن, والدفن وبقي في قدر الدين الذي هو مطالب به من جهة العباد لحاجة إلى ذلك كذلك ههنا, وبعض الناس يقول: الوصية واجبة لما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر له مال يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عند رأسه". وفي نفس الحديث ما ينفي الوجوب؛ لأن فيه تحريم ترك الإيصاء عند إرادة الإيصاء, والواجب لا يقف وجوبه على إرادة من عليه كسائر الواجبات, أو يحمل الحديث بما عليه من الفرائض, والواجبات كالحج والزكاة, والكفارات, والوصية بها واجبة عندنا على أنه من أخبار الآحاد ورد فيما تعم به البلوى, وأنه دليل على عدم الثبوت فلا يقبل, وقيل إنها كانت واجبة في الابتداء للوالدين والأقربين المسلمين لقول الله تبارك وتعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ}, ثم نسخت واختلف في الناسخ قال بعضهم: نسخها الحديث وهو ما روي عن أبي قلابة رضي الله عنه  عن النبي عليه

 

ج / 7 ص -331-       الصلاة والسلام أنه قال: "لا وصية لوارث" والكتاب العزيز قد ينسخ بالسنة فإن قيل إنما ينسخ الكتاب عندكم بالسنة المتواترة, وهذا من الآحاد, فالجواب أن هذا الحديث متواتر غير أن التواتر ضربان: تواتر من حيث الرواية, وهو أن يرويه جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب, وتواتر من حيث ظهور العمل به قرنا فقرنا من غير ظهور المنع والنكير عليهم في العمل به إلا أنهم ما رووه على التواتر؛ لأن ظهور العمل به أغناهم عن روايته, وقد ظهر العمل بهذا مع ظهور القول أيضا من الأئمة بالفتوى به بلا تنازع منهم, ومثله يوجب العمل قطعا, فيجوز نسخ الكتاب العزيز به كما يجوز بالمتواتر في الرواية إلا أنهما يفترقان من وجه, وهو أن جاحد المتواتر في الرواية يكفر وجاحد المتواتر في ظهور العمل لا يكفر لمعنى عرف في أصول الفقه. وقال بعض العلماء: نسختها آية المواريث, وفي الحديث ما يدل عليه, فإنه عليه الصلاة والسلام قال: "إن الله تبارك وتعالى أعطى كل ذي حق حقه, فلا وصية لوارث" وقوله كل ذي حق حقه أي: كل حقه فقد أشار عليه الصلاة والسلام إلى أن الميراث الذي أعطي للوارث كل حقه, فيدل على ارتفاع الوصية, وتحول حقه من الوصية إلى الميراث وإذا تحول فلا يبقى له حق له في الوصية كالقبلة لما تحولت من بيت المقدس إلى الكعبة لم يبق ببيت المقدس قبلة. وكالدين إذا تحول من ذمة إلى ذمة لا يبقى في الذمة الأولى. وكما في الحوالة الحقيقية. وقال بعضهم: الوصية بقيت واجبة للوالدين والأقربين غير الوارثين بسبب الكفر والرق والآية, وإن كانت عامة في المخرج لكن خص منها الوالدان والأقربون الوارثون بالحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام "لا وصية لوارث" فكان الحديث مخصصا لعموم الكتاب لا ناسخا والحمل على التخصيص أولى من الحمل على النسخ إلا أن عامة أهل التأويل قالوا: إن الوصية في الابتداء كانت فريضة للوالدين والأقربين المسلمين, ثم نسخت بحديث أبي قلابة. وقال بعضهم: إن كان عليه حج, أو زكاة, أو كفارة, أو غير ذلك من الواجبات فالوصية بذلك واجبة, وإن لم يكن فهي غير واجبة بل جائزة وبه أخذ الفقيه أبو الليث "وأما" الكلام في الاستحباب فقد قالوا: إن كان ماله قليلا, وله ورثة فقراء فالأفضل أن لا يوصي لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث سعد رضي الله تعالى عنه: "إنك إن تركت ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس", ولأن الوصية في هذه الحالة تكون صلة بالأجانب, والترك يكون صلة بالأقارب, فكان أولى, وإن كان ماله كثيرا, فإن كانت ورثته فقراء فالأفضل أن يوصي بما دون الثلث ويترك المال لورثته؛ لأن غنية الورثة تحصل بما زاد على الثلث إذا كان المال كثيرا ولا تحصل عند قلته. والوصية بالخمس أفضل من الوصية بالربع, والوصية بالربع أفضل من الوصية بالثلث لما روي عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال: لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع, ولأن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث, ومن أوصى بالثلث لم يترك شيئا أي: لم يترك من حقه شيئا لورثته؛ لأن الثلث حقه, فإذا أوصى بالثلث, فلم يترك من حقه شيئا لهم. وروي عن سيدنا أبي بكر, وسيدنا عمر, وسيدنا عثمان رضي الله تعالى عنهم أنهم قالوا: الخمس اقتصاد, والربع جهد, والثلث حيف, وإن كان ورثته أغنياء, فالأفضل الوصية بالثلث, ثم الوصية بالثلث لأقاربه الذين لا يرثون أفضل من الوصية به للأجانب, والوصية للقريب المعادي أفضل من الوصية للقريب الموالي؛ لأن الصدقة على المعادي تكون أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء, ونظير قوله عليه الصلاة والسلام لذلك الذي اشترى عبدا, فأعتقه, فإن شكرك فهو خير له وشر لك, وإن كفرك, فهو شر له وخير لك, ولأن الوصية للمعادي سبب لزوال العداوة, وصيانة للقرابة عن القطيعة فكانت أولى هذا إذا استوى الفريقان في الفضل, والدين والحاجة, وأحدهما معادي "فأما" إذا كان الموالي منهما أعفهما, وأصلحهما وأحوجهما, فالوصية له أفضل؛ لأن الوصية له تقع إعانة على طاعة الله تبارك وتعالى.

"فصل": وأما ركن الوصية فقد اختلف فيه قال أصحابنا الثلاثة رحمهم الله: هو الإيجاب, والقبول الإيجاب من الموصي, والقبول من الموصى له فما لم يوجدا جميعا لا يتم الركن, وإن شئت قلت: ركن الوصية الإيجاب من الموصي, وعدم الرد من الموصى له وهو أن يقع اليأس عن رده, وهذا أسهل لتخريج المسائل على ما نذكر. وقال زفر رحمه الله: الركن هو

 

ج / 7 ص -332-       الإيجاب من الموصي فقط. "وجه" قول زفر أن ملك الموصى له بمنزلة ملك الوارث؛ لأن كل واحد من الملكين ينتقل بالموت, ثم ملك الوارث لا يفتقر إلى قبوله. وكذا ملك الموصى له "ولنا": قوله تبارك وتعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} فظاهره أن لا يكون للإنسان شيء بدون سعيه فلو ثبت الملك للموصى له من غير قبول لثبت من غير سعيه, وهذا منفي إلا ما خص بدليل, ولأن القول بثبوت الملك له من غير قبوله يؤدي إلى الإضرار به من وجهين: أحدهما أنه يلحقه ضرر المنة؛ ولهذا توقف ثبوت الملك للموهوب له على قبوله دفعا لضرر المنة, والثاني أن الموصى به قد يكون شيئا يتضرر به الموصى له, كالعبد الأعمى والزمن, والمقعد, ونحو ذلك, وإلى هذا أشار في الأصل فقال: أريت لو أوصى بعبيد عميان أيجب عليه القبول شاء, أو أبى, وتلحقه نفقتهم من غير أن يكون له منهم نفع فلو لزمه الملك من غير قبوله للحقه الضرر من غير التزامه وإلزام من له ولاية الإلزام إذ ليس للموصي ولاية إلزام الضرر, فلا يلزمه, بخلاف ملك الوارث؛ لأن اللزوم هناك بإلزام من له ولاية الإلزام, وهو الله تبارك وتعالى فلم يقف على القبول كسائر الأحكام التي تلزم بإلزام الشرع ابتداء. وعلى هذا يخرج ما إذا كان الموصى له أنه لا يعتق عليه ما لم يقبل, أو يمت من غير قبول؛ لأنه لا عتق بدون الملك ولا ملك بدون القبول, أو بدون عدم الرد, ووقوع اليأس عنه, ولم يوجد القبول منه, ولا وقع اليأس عن الرد ما دام حيا فلا يعتق. ولو مات الموصي, ثم مات الموصى له قبل القبول صار الموصى به ملكا لورثة الموصى له استحسانا, والقياس: أن تبطل الوصية ويكون لورثته الخيار إن شاءوا قبلوا, وإن شاءوا ردوا "وجه" القياس الأول أن القبول أحد ركني العقد, وقد فات بالموت, فيبطل الركن الآخر كما إذا أوجب البيع, ثم مات المشتري قبل القبول, أو أوجب الهبة, ثم مات الموهوب له قبل القبول, أنه يبطل الإيجاب لما قلنا كذا هذا "وجه" القياس الثاني: أن الموصى له في حياته كان له القبول, والرد فإذا مات تقوم ورثته مقامه. "وجه" الاستحسان: أن أحد الركنين من جانب الموصى له هو عدم الرد منه, وذلك بوقوع اليأس على الرد منه, وقد حصل ذلك بموته فتم الركن. "وأما" على عبارة القبول فنقول: إن القبول من الموصى له لا يشترط لعينه بل لوقوع اليأس عن الرد, وقد حصل ذلك بموت الموصى له وعلى هذا يخرج ما إذا أوصى له بجاريته التي ولدت من الموصى له بالنكاح أنها لا تصير أم ولد له ما لم يقبل الوصية, أو يموت قبل القبول, فإذا مات صارت أم ولد له؛ لأنه ملك جارية قد ولدت منه بالنكاح, فتصير أم ولد له, وينفسخ النكاح, وإن لم يعلم الموصى له بالوصية حتى مات, أو علم ولم يقبل حتى مات فهو على القياس والاستحسان اللذين ذكرنا, ولو كان حيا ولم يعلم بالوصية, وهو يطؤها بالنكاح حتى ولدت أولادا, ثم علم بالوصية, فهو بالخيار إن شاء قبل الوصية, فكانت الجارية أم ولد له, وأولادها أحرار إن كانوا يخرجون من الثلث, وإن شاء لم يقبل فلا تكون الجارية أم ولد له؛ لأن قبوله شرط, فإن قبل, فقد صارت الجارية أم ولد له؛ لأنه ملكها بالقبول, ومن استولد جارية غيره بالنكاح, ثم ملكها تصير أم ولد له, وأولادها أحرار إن كانوا يخرجون من الثلث؛ لأن عند القبول يثبت الملك من وقت موت الموصي, فتبين أن الملك ثبت له في الجارية من ذلك الوقت كما في البيع بشرط الخيار أن عند الإجازة يثبت الحكم, وهو الملك من وقت البيع كذا ههنا وإذا ثبت الملك من وقت موت الموصي يحكم بفساد النكاح من ذلك الوقت فتبين أن الأولاد ولدوا على فراش ملك اليمين, فدخلوا تحت الوصية فيملكهم بالقبول فيعتقون إذا كانوا يخرجون من الثلث, وإن لم يقبل الوصية كانت الجارية ملكا لورثة الموصي, والأولاد أرقاء؛ لأن الولد يتبع الأم في الرق, والحرية. ولو أوصى بالثلث لرجلين ومات الموصي فرد أحدهما وقبل الآخر الوصية كان للآخر حصته من الوصية؛ لأنه أضاف الثلث إليهما, وقد صحت الإضافة فانصرف إلى كل واحد منهما نصف الثلث فإذا رد أحدهما الوصية ارتد في نصفه وبقي النصف الآخر لصاحبه الذي قبل كمن أقر بألف لرجلين فرد أحدهما إقراره ارتد في نصيبه خاصة, وكان للآخر نصف الإقرار كذا ههنا, بخلاف ما إذا أوصى بالثلث لهذا, والثلث لهذا فرد أحدهما وقبل الآخر أن كل الثلث للذي قبل إلا أنه إذا قبل صاحبه يقسم الثلث بينهما لضرورة المزاحمة إذ ليس أحدهما بأولى من الآخر فإذا رد أحدهما زالت المزاحمة فكان جميع الثلث له وإذا ثبت أن القبول ركن في عقد الوصية

 

ج / 7 ص -333-       فوقت القبول ما بعد موت الموصي, ولا حكم للقبول والرد قبل موته حتى لو رد قبل الموت, ثم قبل بعده صح قبوله؛ لأن الوصية إيجاب الملك بعد الموت, والقبول أو الرد يعتبر, كذا الإيجاب؛ لأنه جواب, والجواب لا يكون إلا بعد تقدم السؤال. ونظيره إذا قال لامرأته: إذا جاء غد فأنت طالق على ألف درهم أنه إنما يعتبر القبول أو الرد إذا جاء غد كذا هذا, فإذا كان التصرف يقع إيجابا بعد الموت يعتبر القبول بعده, والله سبحانه وتعالى أعلم.

"فصل": وأما بيان معنى الوصية فالوصية اسم لما أوجبه الموصي في ماله بعد موته وبه تنفصل عن البيع, والإجارة, والهبة؛ لأن شيئا من ذلك لا يحتمل الإيجاب بعد الموت ألا ترى: أنه لو أوجبها بعد الموت بطل. وذكر الكرخي عليه الرحمة في حد الوصية ما أوجبه الموصي في ماله تطوعا بعد موته, أو في مرضه الذي مات فيه فقوله: ما أوجبه الموصي في ماله تطوعا بعد موته لا يشمل جميع أفراد الوصايا فإنه لا يتناول الوصية بالقرب الواجبة التي تسقط بالموت من غير وصية: كالحج, والزكاة, والكفارات, ونحوها فلم يكن الحد جامعا. وقوله: أو في مرضه حد مقسم وأنه فاسد, وكذا تبرع الإنسان بماله في مرضه الذي مات فيه من الإعتاق, والهبة والمحاباة, والكفالة وضمان الدرك لا يكون وصية حقيقة؛ لأن حكم هذه التصرفات منجز نافذ في الحال قبل الموت. وحكم الوصية يتأخر إلى ما بعد الموت فلم تكن هذه التصرفات من المريض وصية حقيقة إلا أنها تعتبر بالوصايا في حق اعتبار الثلث, فأما أن تكون وصية حقيقة فلا, وعلى هذا يخرج ما إذا أوصى بثلث ماله, أو ربعه, وقد ذكر قدرا من ماله مشاعا, أو معينا أن قدر ما يستحقه الموصى له من مال هو: ماله الذي عند الموت لا ما كان عند الوصية حتى لو أوصى بثلث ماله, وماله يوم أوصى ثلاثة آلاف, ويوم مات ثلثمائة لا يستحق الموصى له إلا مائة, ولو لم يكن له مال يوم أوصى, ثم اكتسب مالا, ثم مات فله ثلث المال يوم مات. ولو كان له مال يوم أوصى فمات, وليس له مال بطلت, وصيته, وإنما كان كذلك لما ذكرنا أن الوصية تمليك مضاف إلى وقت الموت؛ فيستحق الموصى له ما كان على ملك الموصي عند موته, ويصير المضاف إلى الوقت كالمنجز عنده كأنه قال عند الموت: لفلان ثلث مالي فيعتبر ما يملكه في ذلك الوقت لا ما قبله, وذكر ابن سماعة في نوادره عن أبي يوسف رحمه الله تعالى فقال: إذا أوصى رجل فقال: لفلان شاة من غنمي, أو نخلة من نخلي, أو جارية من جواري, ولم يقل: من غنمي هذه, ولا من جواري هؤلاء, ولا من نخلي هذه فإن الوصية في هذا تقع يوم موت الموصي, ولا تقع يوم أوصى حتى لو ماتت غنمه تلك, أو باعها فاشترى مكانها أخرى, أو ماتت جواريه فاشترى غيرهن, أو باع النخل, واشترى غيرها, فإن للموصى له نخلة من نخله يوم يموت. وليس للورثة أن يعطوه غير ذلك لما بينا: أن الوصية عقد مضاف إلى الموت فكانه قال في تلك الحالة: لفلان شاة من غنمي فيستحق شاة من الموجود دون ما قبله قال: فإن ولدت الغنم قبل أن يموت الموصي, أو ولدت الجواري قبل موته, فلحقت الأولاد الأمهات, ثم مات الموصي فإن للورثة أن يعطوه إن شاءوا من الأمهات, وإن شاءوا من الأولاد؛ لأن الاسم يتناول الكل عند الموت فكان المستفاد بالولادة كالمستفاد بالشراء قال فإن اختار الورثة أن يعطوه شاة من غنمه, ولها ولد قد ولدته بعد موت الموصي فإن ولدها يتبعها. وكذلك صوفها, ولبنها؛ لأن الوصية وإن تعلقت بشاة غير معينة لكن التعيين من الورثة يكون بيانا أن الشاة المعينة, هي من الموصى بها كأن الوصية وقعت بهذه المعينة ابتداء فما حدث من نمائها بعد الموت يكون للموصى له قال: فأما ما ولدت قبل موت الموصي فلا يستحقه الموصى له؛ لأن الوصية اعتبارها عند الموت فالحادث قبل الموت يحدث على ملك الورثة, وكذلك الصوف المنفصل, واللبن المنفصل قبل الموت لما قلنا, فأما إن كان متصلا بها فهو للموصى له, وإن حدث قبل الموت؛ لأنه لا ينفرد عنها بالتمليك قال: ولو استهلكت الورثة لبن الشاة, أو صوفها, وقد حدث بعد الموت فعليهم ضمانه؛ لأن الموصى له ملكه بملك الأصل, فيكون مضمونا بالإتلاف قال: ولو قال: أوصيت له بشاة من غنمي هذه, أو بجارية من جواري هؤلاء, أو قال: قد أوصيت له بإحدى جاريتي هاتين فهذا على هذه الغنم, وهؤلاء الجواري؛ لأنه عين الموصى به, وهو الشاة من الغنم المشار إليها حتى لو ماتت الغنم, أو باعها بطلت الوصية كما لو قال أوصيت بهذه الشاة, أو بهذه الجارية فهلكت. ولو ولدت الغنم أو الجواري في حال

 

ج / 7 ص -334-       حياة الموصي, ثم أراد الورثة أن يعطوه من الأولاد ليس لهم ذلك؛ لأن الوصية تعلقت بعين مشار إليها, وإن لم يثبت الملك فيها ينزل في غيرها, فإن دفع الورثة إليه جارية من الجواري لم يستحق ما ولدت قبل الموت؛ لأن الوصية لم تكن, وجبت فيها؛ لأن الملك في الوصية إنما ينقل بالموت فما حدث قبل الموت يحدث على ملك الميت, فيكون للورثة, وما ولدت بعد الموت فهو للموصى له؛ لأنه ملكها بالموت فحدث الولد على ملكه قال: فإن ماتت الأمهات كلها إلا واحدة تعينت الوصية فيها؛ لأنه لم يبق من يزاحمها في تعلق الوصية فتعينت ضرورة انتفاء المزاحم, فإن ماتت الأمهات كلها, وقد بقي لها أولاد حدثت بعد الموت, أو أحرق النخل, وبقي لها ثمر حدث بعد الموت فعلى الورثة أن يدفعوا إليه ولد جارية, وثمرة نخلة؛ لأن الوصية كانت متعلقة بها فيظهر الاستحقاق في الولد الحادث بعده, فإذا هلكت الأم بقي الحق في الولد على حاله, ولا يظهر فيما حدث قبل الموت, والله سبحانه وتعالى عز وجل أعلم.

"فصل": وأما شرائط الركن فبعضها يرجع إلى نفس الركن, وبعضها يرجع إلى الموصي, وبعضها يرجع إلى الموصى له, وبعضها يرجع إلى الموصى به "أما" الذي يرجع إلى نفس الركن: فهو أن يكون القبول موافقا للإيجاب, فإن خالف الإيجاب لم يصح القبول؛ لأنه إذا خالفه لم يرتبط فبقي الإيجاب بلا قبول فلا يتم الركن, وبيان ذلك إذا قال لرجلين: أوصيت بهذه الجارية لكما فقبل أحدهما بعد موت الموصي, ورد الآخر لم يصح القبول؛ لأنه أوصى لهما جميعا فكان وصية لكل, واحد منهما بنصف الجارية. وكانت الجارية بينهما لو قبلا فإذا رد أحدهما لم يوجد الشرط, وهو قبولهما جميعا, فبطلت الوصية, ولو أوصى بها لإنسان, ثم أوصى بها لآخر, فقبل أحدهما الوصية بعد موت الموصي, ورد الآخر فالنصف للموصى له, والنصف لورثة الموصي؛ لأنه أوصى لكل واحد منهما على حياله فلا يشترط اجتماعهما في القبول, فإذا رد أحدهما بعد موت الموصي لم يتم الركن في حقه, بل بطل الإيجاب في حقه فعاد نصيبه إلى ورثة الموصي فصح القبول من الآخر فاستحق نصف الوصية كالشفيعين إذا سلم أحدهما الشفعة بعد قضاء القاضي بالشفعة أن ذلك النصف يكون للمشتري, ولا يكون للشفيع الآخر. "وأما" الذي يرجع إلى الموصي فأنواع: منها أن يكون من أهل التبرع في الوصية بالمال, وما يتعلق به؛ لأن الوصية بذلك تبرع بإيجابه بعد موته فلا بد من أهلية التبرع فلا تصح من الصبي, والمجنون؛ لأنهما ليسا من أهل التبرع لكونه من التصرفات الضارة المحضة إذ لا يقابله عوض دنيوي, وهذا عندنا. وقال الشافعي رحمه الله في أحد قوليه, وصية الصبي العاقل في القرب صحيحة, واحتج بما روي أن سيدنا عمر رضي الله عنه أجاز, وصية غلام يافع, وهو الذي قرب إدراكه؛ ولأن في وصيته نظرا له؛ لأنه يثاب عليه, ولو لم يوص لزال ملكه إلى الوارث من غير ثواب؛ لأنه يزول عنه جبرا شاء, أو أبى فكان هذا تصرفا نافعا في حقه فأشبه صلاة التطوع, وصوم التطوع, والجواب إما إجازة سيدنا عمر رضي الله عنه فيحتمل أن وصية ذلك الصبي كانت لتجهيزه, وتكفينه, ودفنه. ووصية الصبي في مثله جائزة عندنا لأنه يثبت من غير وصية "وأما" قوله: يحصل له عوض, وهو الثواب فمسلم لكنه ليس بعوض دنيوي, فلا يملكه الصبي كالصدقة مع ما أن هذا في حد التعارض؛ لأنه كما يثاب على الوصية يثاب على الترك للوارث, بل هو أولى في بعض الأموال لما بينا فيما تقدم. وسواء مات قبل الإدراك, أو بعده؛ لأنها, وقعت باطلة, فلا تنقلب إلى الجواز بالإدراك إلا بالاستئناف, وسواء كان الصبي مأذونا في التجارة, أو محجورا؛ لأن الوصية ليست من باب التجارة إذ التجارة معاوضة المال بالمال, ولو أضاف الوصية إلى ما بعد الإدراك بأن قال: إذا أدركت, ثم مت فثلث مالي لفلان لم يصح؛ لأن عبارته لم تقع صحيحة, فلا تعتبر في إيجاب الحكم بعد الموت. ولا تصح وصية العبد المأذون, والمكاتب؛ لأنهما ليسا من أهل التبرع, ولو أوصيا, ثم أعتقا وملكا مالا, ثم ماتا: لم تجز لوقوعها باطلة من الابتداء, ولو أضاف أحدهما الوصية إلى ما بعد العتق بأن قال: إذا أعتقت, ثم مت فثلث مالي لفلان: صح فرقا بين العبد, والصبي. ووجه الفرق: أن عبارة الصبي فيما يتضرر به ملحقة بالعدم لنقصان عقله فلم تصح عبارته من الأصل, بل بطلت. والباطل لا حكم له بل هو ذاهب متلاش في حق الحكم, فأما عبارة العبد: فصحيحة لصدورها عن عقل مميز إلا أن امتناع تبرعه لحق المولى فإذا

 

ج / 7 ص -335-       عتق فقد زال المانع والله سبحانه وتعالى أعلم. ومنها رضا الموصي؛ لأنها إيجاب ملك, أو ما يتعلق بالملك فلا بد فيه من الرضا كإيجاب الملك بسائر الأشياء فلا تصح, وصية الهازل, والمكره, والخاطئ؛ لأن هذه العوارض تفوت الرضا. وأما إسلام الموصي فليس بشرط لصحة وصيته فتصح وصية الذي بالمال للمسلم, والذمي في الجملة؛ لأن الكفر لا ينافي أهلية التمليك ألا ترى: أنه يصح بيع الكافر, وهبته فكذا وصيته وكذا الحربي المستأمن إذا أوصى للمسلم, أو الذمي يصح في الجملة لما ذكرنا غير أنه إن كان دخل وارثه معه في دار الإسلام, وأوصى بأكثر من الثلث وقف ما زاد على الثلث على إجازة وارثه؛ لأنه بالدخول مستأمنا التزم أحكام الإسلام, أو ألزمه من غير التزامه لإمكان إجراء الإحكام عليه ما دام في دار الإسلام, ومن أحكام الإسلام: أن الوصية بما زاد على الثلث ممن له وارث تقف على إجازة وارثه. وإن لم يكن له وارث أصلا: تصح من جميع المال, كما في المسلم, والذمي. وكذلك إذا كان له وارث لكنه في دار الحرب؛ لأن امتناع الزيادة على الثلث لحق الورثة. وحقهم غير معصوم؛ لأنه لا عصمة لأنفسهم, وأموالهم فلأن لا يكون لحقهم الذي في مال مورثهم عصمة أولى. وذكر في الأصل, ولو أوصى الحربي في دار الحرب بوصية, ثم أسلم أهل الدار, أو صاروا ذمة, ثم اختصما إلي في تلك الوصية, فإن كانت قائمة بعينها أجزتها, وإن كانت قد استهلكت قبل الإسلام أبطلتها؛ لأن الحربي من أهل التمليك. ألا يرى: أنه من أهل سائر التمليكات كالبيع, ونحوه فكانت وصيته جائزة في نفسها إلا أنه ليس لنا ولاية إجراء أحكام الإسلام, وتنفيذها في دارهم, فإذا أسلموا أو صاروا ذمة قدرنا على التنفيذ فننفذها ما دام الموصى به قائما, فأما إذا صار مستهلكا أبطلنا الوصية, وألحقناها بالعدم؛ لأن أهل الحرب إذا أسلموا, أو صاروا ذمة لا يؤاخذون بما استهلك بعضهم على بعض. وبما اغتصب بعضهم من بعض بل يبطل ذلك كذا هذا, ومنها أن لا يكون على الموصي دين مستغرق لتركته, فإن كان لا تصح وصيته؛ لأن الله تبارك وتعالى قدم الدين على الوصية, والميراث لقوله تبارك, وتعالى في آية المواريث: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} و{يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}, و {يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}, ولما روي عن سيدنا علي رضي الله تعالى عنه أنه قال: إنكم تقرءون الوصية قبل الدين, وقد "شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالدين قبل الوصية" أشار سيدنا علي رضي الله عنه إلى أن الترتيب في الذكر لا يوجب الترتيب في الحكم. وروي أنه قيل لابن عباس رضي الله عنهما إنك تأمر بالعمرة قبل الحج, وقد بدأ الله تبارك, وتعالى بالحج, فقال تبارك, وتعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فقال رضي الله عنه كيف تقرءون آية الدين, فقالوا من بعد وصية يوصي بها أو دين, فقال: وبماذا تبدءون قالوا بالدين قال رضي الله عنه هو ذاك, ولأن الدين واجب, والوصية تبرع والواجب مقدم على التبرع, ومعنى تقدم الدين على الوصية والميراث أنه يقضى الدين أولا, فإن فضل منه شيء يصرف إلى الوصية والميراث, وإلا فلا "وأما" معنى تقدم الوصية على الميراث, فليس معناه أن يخرج الثلث, ويعزل عن التركة, ويبدأ بدفعه إلى الموصى له, ثم يدفع الثلثان إلى الورثة؛ لأن التركة بعد قضاء الدين تكون بين الورثة وبين الموصى له على الشركة والموصى له شريك الورثة في الاستحقاق كأنه واحد من الورثة لا يستحق الموصى له من الثلث شيئا قل, أو كثر إلا. ويستحق منه الورثة ثلثيه, ويكون فرضهما معا لا يقدم أحدهما على الآخر حتى لو هلك شيء من التركة قبل القسمة يهلك على الموصى له والورثة جميعا, ولا يعطى الموصى له كل الثلث من الباقي بل الهالك يهلك على الحقين والباقي يبقى على الحقين, كما إذا هلك شيء من المواريث بعد الوصايا, بخلاف الدين, فإنه إذا هلك بعض التركة, وبقي البعض يستوفى كل الدين من الباقي وإنما معناه أنه يحسب قدر الوصية من جملة التركة, أولا؛ لتظهر سهام الورثة, كما تحسب سهام أصحاب الفرائض, أولا ليظهر الفاضل للعصبة, ويحتمل أن يكون معنى قوله تبارك, وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ} إلى قوله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا} أي سوى ما لكم أن توصوه من الثلث أوصاكم الله بكذا وتكون بعد بمعنى سوى والله تعالى عز شأنه أعلم.

"فصل" وأما الذي يرجع إلى الموصى له, فمنها أن يكون موجودا, فإن لم يكن موجودا لا تصح الوصية؛ لأن الوصية للمعدوم لا تصح, وعلى هذا يخرج ما إذا قال: أوصيت بثلث مالي لما في بطن فلانة إنها, إن ولدت لما يعلم أنه كان موجودا في البطن؛ صحت الوصية وإلا فلا

 

ج / 7 ص -336-       وإنما يعلم ذلك إذا ولدت لأقل من ستة أشهر, ثم يعتبر ذلك من وقت موت الموصي في ظاهر الرواية, وعند الطحاوي رحمه الله من وقت وجود الوصية وجه ما ذكره الطحاوي رحمه الله أن سبب الاستحقاق هو الوصية, فيعتبر وجوده "وجه" ظاهر الرواية أن وقت نفوذ الوصية واعتبارها في حق الحكم وقت الموت, فيعتبر وجوده من ذلك الوقت؛ لأنها إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الموت, أو من وقت الوصية على اختلاف الروايتين تيقنا أنه كان موجودا إذ المرأة لا تلد لأقل من ستة أشهر. وإذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا لا يعلم وجوده في البطن لاحتمال أنها علقت بعده. فلا يعلم وجوده بالشك إلا إذا كانت المرأة معتدة من زوجها من طلاق, أو وفاة, فولدت إلى سنتين منذ طلقها, أو مات عنها زوجها, فله الوصية؛ لأن نسب الولد يثبت من زوجها إلى سنتين, ومن ضرورة ثبات النسب الحكم بوجوده في البطن وقت موت الموصي فرق بين الوصية لما في البطن وبين الهبة لما في البطن أن الهبة لا تصح, والوصية صحيحة؛ لأن الهبة لا صحة لها بدون القبض, ولم يوجد, والوصية لا تقف صحتها على القبض. ولو قال: إن كان في بطن فلانة جارية؛ فلها وصية ألف وإن كان في بطنها غلام؛ فله وصية ألفان, فولدت جارية لستة أشهر إلا يوما وولدت غلاما بعد ذلك بيومين؛ فلهما جميع الوصية؛ لأنهما أوصي لهما جميعا لكن لأحدهما بألف وللآخر بألفين, وقد علم كونهما في البطن أما الجارية, فلا شك فيها؛ لأنها ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الموصي فعلم أنها كانت موجودة في البطن في ذلك الوقت. وكذا الغلام؛ لأنه لما ولد لأكثر من ستة أشهر بيوم, أو يومين علم أنه كان في البطن مع الجارية؛ لأنه توأم, فكان من ضرورة كون أحدهما في البطن كون الآخر كذلك؛ لأنهما علقا من ماء واحد, فإن ولدت غلامين وجاريتين لأقل من ستة أشهر, فذلك إلى الورثة يعطون أي الغلامين شاءوا وأي الجاريتين شاءوا إلا أنه ما أوصى لهما جميعا, وإنما أوصى لأحدهما وليس أحدهما بأولى من الآخر, فكان البيان إلى الورثة؛ لأنهم قائمون مقام المورث, وقيل إن هذا الجواب على مذهب محمد رحمه الله تعالى, فأما على قول أبي حنيفة رضي الله عنه فالوصية باطلة بناء على مسألة أخرى, وهو ما إذا أوصى بثلث ماله لفلان وفلان أو أوصى بثلث ماله لأحد هذين الرجلين روي عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن الوصية باطلة, وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله أنها صحيحة غير أن عند أبي يوسف الوصية لهما جميعا, وعند محمد لأحدهما وخيار التعيين إلى الورثة يعطون أيهما شاءوا, فقاسوا هذه المسألة على تلك؛ لأن المعنى يجمعهما, وهو جهالة الموصى له, ومنهم من قال: ههنا يجوز في قولهم جميعا وفرق بين المسألتين من حيث إن الجهالة هناك مقارنة للعقد, وههنا طارئة؛ لأن الوصية هناك حال وجودها أضيفت إلى ما في البطن لا إلى أحد الغلامين وإحدى الجاريتين, ثم طرأت بعد ذلك بالولادة. والبقاء أسهل من الابتداء كالعدة إذا قارنت النكاح منعته من الانعقاد, فإذا طرأت عليه لا ترفعه كذا ههنا, ولو قال: إن كان الذي في بطن فلانة غلاما؛ فله ألفان, وإن كان جارية؛ فلها ألف, فولدت غلاما وجارية, فليس لواحد منهما شيء من الوصية؛ لأنه جعل شرط استحقاق الوصية لكل واحد منهما أن يكون هو كل ما في البطن بقوله إن كان الذي في بطنها كذا فله كذا, وكل واحد منهما ليس هو كل ما في البطن بل بعض ما فيه, فلم يوجد شرط صحة استحقاق الوصية, في كل واحد منهما, فلا يستحق أحدهما شيئا, بخلاف المسألة الأولى؛ لأن قوله إن كان في بطن فلانة جارية؛ فلها كذا, وإن كان في بطنها غلام؛ فله كذا ليس فيه شرط أن يكون كل واحد كل ما في البطن بل الشرط فيه أن يكون في بطنها غلام, وأن يكون في بطنها جارية, وقد كان في بطنها غلام وجارية, فوجد شرط الاستحقاق, وكذلك لو أوصى بما في بطن دابة فلان أن ينفق عليه, أن الوصية جائزة إذا قبل صاحبها, وتعتبر فيه المدة على ما ذكرنا هذا هو حكم الوصية لما في البطن, فأما حكم الإقرار بمال لما في بطن فلانة, فهذا في الأصل على وجهين "أما" إن بين السبب "وأما" إن لم يبين بل أطلق, فإن بين السبب "فإما" إن بين سببا هو جائز الوجود. "وإما" إن بين سببا هو مستحيل الوجود عادة, فإن بين سببا هو جائز الوجود عادة بأن قال: لما في بطن فلانة علي ألف درهم؛ لأني استهلكت ماله, أو غصبت أو سرقت؛ جاز إقراره في قولهم جميعا, وإن بين سببا, هو مستحيل الوجود عادة بأن قال: لما في بطن فلانة

 

ج / 7 ص -337-       علي ألف درهم لأني استقرضت منه لا يجوز في قولهم جميعا؛ لأنه أسند إقراره إلى سبب هو محال عادة, وإن لم يبين للإقرار سببا بل سكت عنه بأن قال: لما في بطن فلانة علي ألف درهم, ولم يزد عليه, فهذا الإقرار باطل في قولهما وعند محمد صحيح. "وجه" قوله أن تصرف العاقل يحمل على الصحة ما أمكن؛ وأمكن تصحيحه بالحمل على سبب متصور الوجود, فيحمل عليه تصحيحا له؛ ولهما أن الإقرار المطلق بالدين يراد به الإقرار بسبب المداينة؛ لأنه هو السبب الموضوع لثبوت الدين, وإنه في الدين ههنا محال عادة, والمستحيل عادة كالمستحيل حقيقة. ومنها أن يكون حيا وقت موت الموصي حتى لو قال: أوصيت بثلث مالي لما في بطن فلانة, فولدت لأقل من ستة أشهر من وقت موت الموصي ولدا ميتا لا وصية له؛ لأن الميت ليس من أهل استحقاق الوصية, كما ليس من أهل استحقاق الميراث بأن ولد ميتا, وإنها أخت الميراث, ولو ولدت ولدين حيا وميتا, فجميع الوصية للحي؛ لأن الميت لا يصلح محلا لوضع الوصية فيه؛ ولهذا لو أوصى لحي وميت كان كل الوصية للحي, كما لو أوصى لآدمي وحائط والله سبحانه وتعالى أعلم. "ومنها" أن لا يكون وارث الموصي وقت موت الموصي, فإن كان لا تصح الوصية لما روي عن أبي قلابة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن الله تبارك وتعالى أعطى كل ذي حق حقه, فلا وصية لوارث" وفي هذا حكاية, وهي ما حكي أن سليمان بن الأعمش رحمه الله تعالى كان مريضا, فعاده أبو حنيفة رضي الله عنه فوجده يوصي لابنيه, فقال أبو حنيفة: رضي الله عنه إن هذا لا يجوز, فقال: ولم يا أبا حنيفة فقال: لأنك رويت لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا وصية لوارث" فقال سليمان رحمه الله: يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة. فقد نفى الشارع عليه الصلاة والسلام أن يكون لوارث وصية نصا. وأشار إلى تحول الحق من الوصية إلى الميراث على ما بينا فيما تقدم, ولأنا لو جوزنا الوصية للورثة؛ لكان للموصي أن يؤثر بعض الورثة, وفيه إيذاء البعض وإيحاشهم, فيؤدي إلى قطع الرحم, وإنه حرام وما أفضى إلى الحرام, فهو حرام دفعا للتناقض, ثم الشرط أن لا يكون وارث الموصي وقت موت الموصي لا وقت الوصية حتى لو أوصى لأخيه وله ابن وقت الوصية, ثم مات قبل موت الموصي, ثم مات الموصي لم تصح الوصية؛ لأن الموصى له, وهو الأخ صار وارث الموصي عند موته ولو أوصى لأخيه ولا ابن له وقت الوصية, ثم ولد له ابن, ثم مات الموصي صحت الوصية؛ لأن الأخ ليس بوارثه عند الموت لصيرورته محجوبا بالابن. وإنما اعتبرت الوراثة وقت موت الموصي لا وقت وصيته؛ لأن الوصية ليست بتمليك للحال ليعتبر كونه وارثا وقت وجودها, بل هي تمليك عند الموت, فيعتبر ذلك عند الموت, وكذلك الهبة في المرض بأن وهب المريض لوارثه شيئا, ثم مات إنه يعتبر كونه وارثا له وقت الموت لا وقت الهبة؛ لأن هبة المريض في معنى الوصية حتى تعتبر من الثلث. وعلى هذا يخرج ما إذ أوصى لامرأة أجنبية, وهو مريض أو صحيح, ثم تزوجها إنه لا يصح, ولو أقر المريض لامرأة أجنبية بدين, ثم تزوجها جاز إقراره؛ لأن الوصية إنما تصير ملكا عند موت الموصي فيعتبر كونها وارثة له حينئذ, وهي وارثته عند موته؛ لأنها زوجته فلم تصح الوصية "فأما" الإقرار فاعتباره حال وجوده وهي أجنبية حال وجوده فاعتراض الزوجية بعد ذلك لا يبطله وكذا لو وهب لها هبة في مرض موته, ثم تزوجها بطلت الهبة؛ لأن تبرعات المريض مرض الموت تعتبر بالوصايا ولو أوصى وهو مريض, أو صحيح لابنه النصراني صح؛ لأنه ليس بوارثه, فلو أسلم الابن قبل موته بطلت وصيته لما قلنا أن اعتبارها بعد الموت وهو وارث بعد الموت, ولو أقر المريض بدين لابنه النصراني, ثم أسلم لم يجز إقراره عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله تعالى وعند زفر رحمه الله تعالى يصح "وجه" قوله على نحو ما ذكرنا في المرأة أن الإقرار يعتبر حال وقوعه وإنه غير وارث وقت الإقرار, فاعتراض الوراثة بعد ذلك لا يبطل الدين الثابت, كما قلنا في المرأة. "ولنا" أن الوراثة, وإن لم تكن موجودة عند الإقرار لكن سببها كان قائما وهو القرابة لكن لم يظهر عملها للحال لمانع, وهو الكفر, فعند زوال المانع يلحق بالعدم من الأصل, ويعمل السبب من وقت وجوده لا من وقت زاول المانع, كما في البيع بشرط الخيار إن عند سقوط الخيار يعمل السبب, وهو البيع في الحكم من, وقت وجوده لا من وقت

 

ج / 7 ص -338-       سقوط الخيار, والجامع أن العامل عند ارتفاع المانع ذات البيع وذات القرابة فتستند السببية إلى وقت وجود ذاته فيظهر أنه أقر لوارثه فلم يصح, أو يقال إن إقرار المريض لوارثه إنما يرد للتهمة, وسبب التهمة وقت الإقرار موجود, وهو القرابة, بخلاف ما إذا أقر لامرأة أجنبية, ثم تزوجها؛ لأن هناك سبب القرابة لم يكن موجودا وقت الإقرار؛ لأن السبب هو الزوجية, ولم تكن وقت الإقرار, وإنما وجدت بعد ذلك, وبعد وجودها لا تحتمل الاستناد, فيقتصر على حال وجودها ولم يكن ذلك إقرارا لوارثه فيصح, ويثبت الدين في ذمته, فلا يسقط بحدوث الزوجية, وعلى التقريب الثاني لم يوجد سبب التهمة وقت الإقرار فيصح, ولو كان ابنه مسلما, لكنه مملوك, فأوصى له, ثم أعتق, فالوصية باطلة لما ذكرنا أن أوان اعتبار الوصية أوان الموت, وهو وارثه عند الموت. ولو أقر له بالدين وهو مريض, أو وهب له هبة, فقبضها, فإن لم يكن عليه دين؛ جاز ذلك؛ لأنه إذا لم يكن عليه دين كان الإقرار والهبة لمولاه وإنه أجنبي عن الموصي, فجاز, وإن كان عليه دين لا يجوز؛ لأن الإقرار والهبة يقعان له لا لمولاه؛ لأنه يقضي منه ديونه فتبين أن الإقرار كان لوارثه من طريق الاستناد, فلا يصح, أو لا يصح لقيام سبب شبهة التهمة وقت الإقرار, كما قلنا في الإقرار لابنه النصراني إذا أسلم. ولو أوصى لبعض ورثته, فأجاز الباقون؛ جازت الوصية؛ لأن امتناع الجواز كان لحقهم لما يلحقهم من الأذى والوحشة بإيثار البعض, ولا يوجد ذلك عند الإجازة, وفي بعض الروايات عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال "لا وصية لوارث إلا أن يجيزها الورثة", ولو أوصى بثلث ماله لبعض ورثته ولأجنبي, فإن أجاز بقية الورثة؛ جازت الوصية لهما جميعا. وكان الثلث بين الأجنبي وبين الوارث نصفين, وإن ردوا, جازت في حصة الأجنبي, وبطلت في حصة الوارث. وقال بعض الناس: يصرف الثلث كله إلى الأجنبي؛ لأن الوارث ليس بمحل للوصية فالتحقت الإضافة إليه بالعدم, كما لو أوصى لحي وميت إن الوصية كلها للحي لما قلنا كذا هذا وهذا غير سديد؛ لأن الوصية للوارث ليست وصية باطلة بدليل أنه لو اتصلت بها الإجازة جازت, والباطل لا يحتمل الجواز بالإجازة, وبه تبين أن الوارث محل للوصية؛ لأن التصرف المضاف إلى غير محله يكون باطلا دل أنه محل, وأن الإضافة إليه وقعت صحيحة إلا أنها تبطل في حصته برد الباقين, وإذا وقعت صحيحة, فقد أوصى لكل واحد منهما بنصف الثلث, ثم بطلت الوصية في حق الوارث بالرد, فبقيت في حق الأجنبي على حالها, كما لو أوصى لأجنبيين؛ فرد أحدهما دون الآخر, بخلاف المريض إذا أقر بدين لبعض ورثته ولأجنبي, كما إذ أقر لهما بألف درهم والوارث مع الأجنبي تصادقا إنه لا يصح لهما الإقرار أصلا لا للوارث, ولا للأجنبي؛ لأن الوصية تمليك, فبطلانه في حق أحدهما لا يوجب البطلان في حق الآخر؛ لأنه لا يوجب الشركة, والإقرار لهما بالدين إخبار عن دين مشترك بينهما, فلو صح في حق الأجنبي؛ لكان فيه قسمة الدين قبل القبض, وأنها باطلة؛ ولأنه إذا كان إخبارا عن دين مشترك بينهما فالوارث يشارك الأجنبي فيما يقبض, ثم تبطل حصته وفيه إقرار للوارث وأنه باطل, بخلاف الوصية, فإن الوارث لا يشارك الأجنبي. وإذا بطل الإقرار أصلا تقسم التركة بين ورثة المقر فما أصاب الوارث المقر له من ذلك يكون بينه وبين الأجنبي إلى تمام الإقرار وما زاد على ذلك يكون للوارث؛ لأنهما إذا تصادقا, فمن زعمهما أن هذا القدر دين على الميت, والدين مقدم على الميراث هذا إذا تصادقا, فإن تكاذبا, أو أنكر الأجنبي شركة الوارث, أو رد الورثة إقراره فالإقرار باطل أيضا في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لما ذكرنا, وإذا بطل كان المال ميراثا بين ورثة المقر, فما أصاب الوارث, فهو له كله ولا شركة للأجنبي فيه؛ لأنه يكذبه في ذلك وعند محمد يصح إقراره في حق الأجنبي, ويكون له خمسمائة وإن كان الأجنبي يكذب الوارث, والوارث يصدقه في ذلك فالخمسمائة مما أصابه للأجنبي؛ لأنه لما صدقه الوارث فقد أقر أنه كان له على الميت خمسمائة دين وأنه مقدم على الميراث إلا أنه ادعى الشركة فيه وهو يكذبه في الشركة, فكان القول قول الأجنبي, ويأخذ تلك الخمسمائة كلها, ولو أوصى لعبد وارثه لا يصح سواء كان على العبد دين, أو لم يكن. "أما" إذا لم يكن عليه دين, فظاهر؛ لأن الوصية تقع لمولاه؛ لأن الملك يقع له, فكانت الوصية لوارثه, وإن كان عليه دين؛ فالوصية تقع لمولاه من وجه؛ لأنه إذا سقط عنه الدين يصير الموصى به للوارث وقت الوصية فكان وصية للوارث من

 

ج / 7 ص -339-       وجه, فلا تصح إلا إذا عتق قبل موت الموصي, فتصح الوصية؛ لأن الوصية إيجاب الملك عند موت الموصي, وهو كان حرا عند موته. وكذا إذا أوصى لعبد نفسه فأعتقه قبل موته صحت وصيته له, فإن مات وهو عبد بطلت؛ لأن وصيته لمولاه ومولاه وارثه, ولو أوصى لمكاتب وارثه لا يصح؛ لأن منفعة الوصية تحصل لوارثه في الحال والمآل, في الحال بأداء بدل الكتابة, وفي المآل بالعجز, ولو أوصى لمكاتب نفسه جاز؛ لأنه "إما" أن يعتق بأداء بدل الكتابة, فيصير أجنبيا, فتجوز له الوصية "وإما" أن يعجز ويرد في الرق, فيصير ميراثا لجميع ورثته لا لبعضهم دون بعض, فلا يكون في هذه الوصية إيثار بعض الورثة على بعض, فتجوز, كما أوصى بثلث ماله لورثته. "ومنها" أن لا يكون قاتل الموصي قتلا حراما على سبيل المباشرة, فإن كان؛ لم تصح الوصية له عندنا وبه أخذ الشافعي رحمه الله وقال مالك رحمه الله هذا ليس بشرط, وتصح الوصية للقاتل, واحتج بما ذكرنا من الدلائل لجواز الوصية في أول الكتاب من غير فصل بين القاتل وغيره؛ ولأن الوصية تمليك, وتملك والقتل لا ينافي أهلية التمليك. "ولنا" ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لا وصية لقاتل" وهذا نص ويروى أنه قال: "ليس لقاتل شيء" ذكر الشيء نكرة في محل النفي فتعم الميراث والوصية جميعا وبه تبين أن القاتل مخصوص عن عمومات الوصية؛ ولأن الوصية أخت الميراث ولا ميراث للقاتل لما روي عن سيدنا عمر وسيدنا علي رضي الله عنهما أنهما لم يجعلا للقاتل ميراثا وعن عبيدة السلماني أنه قال: لا يرث قاتل بعد صاحب البقرة ويروى لا يورث قاتل بعد صاحب البقرة. وهذا منه بيان لإجماع المسلمين من زمن سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام إلى زمن التابعين رضي الله عنهم على أنه لا ميراث للقاتل, وذكر محمد رحمه الله هذه الآثار في الأصل. وقال: والوصية عندنا بمنزلة ذلك لا وصية للقاتل؛ ولأن الورثة تتأذى بوضع الوصية في القاتل, كما يتأذى البعض بوضعها في البعض فيؤدي إلى قطع الرحم, وإنه حرام؛ ولأن المجروح إذا صار صاحب فراش, فقد تعلق حق الورثة بماله نظرا لهم لئلا يزيل المورث ملكه إلى غيرهم لعداوة, أو أذى لحقه من جهتهم فيتضررون بذلك لكن مع بقاء ملك المورث نظرا له لحاجته إلى دفع حوائجه الأصلية وسبب ثبوت حقهم في مرض الموت ما هو سبب ثبوت ملكهم بعد الموت, وهو القرابة, فكان ينبغي أن لا يملك التبرع بشيء من ماله إلا أنه ملك ذلك على غير القاتل والوارث. بخلاف القياس, فيبقى الأمر فيهما على أصل القياس؛ ولأن القتل بغير حق جناية عظيمة, فتستدعي الزجر بأبلغ الوجوه, وحرمان الوصية يصلح زاجرا لحرمان الميراث فيثبت وسواء كان القتل عمدا أو خطأ؛ لأن القتل الخطأ قتل وإنه جاز المؤاخذة عليه عقلا وسواء أوصى له بعد الجناية أو قبلها؛ لأن الوصية إنما تقع تمليكا بعد الموت فتقع وصية للقاتل تقدمت الجناية, أو تأخرت ولا تجوز الوصية لعبد القاتل كان على العبد دين, أو لم يكن ولا لمكاتبه لما ذكرنا في عبد الوارث ومكاتبه وتجوز الوصية لابن القاتل ولأبويه ولجميع قرابته؛ لأن ملك كل واحد منهما منفصل عن ملك صاحبه, فلا تكون الوصية لأحدهما وصية لصاحبه. ولو اشترك عشرة في قتل رجل, فأوصى لبعضهم بعد الجناية لم تصح؛ لأن كل واحد منهم قاتل على الكمال حين وجب القصاص على كل واحد منهم, فكانت وصية لقاتله, فلم تصح, ولو كان أحدهم عبد الموصي فأوصى لبعضهم بعد الجناية, وأعتق عبده, ثم مات, فالوصية باطلة, ولا يبطل العتق, ولكن العبد يسعى في قيمته "وأما" بطلان الوصية فلما ذكرنا أن كل واحد منهم قاتل, فكان الموصى له قاتلا, فلم تصح الوصية له "وأما" صحة الإعتاق ونفاذه ففيه ضرب إشكال وهو أن الإعتاق حصل في مرض الموت, والإعتاق في مرض الموت وصية, والوصية للقاتل لا تصح, والعبد قاتل, فينبغي أن لا ينفذ إعتاقه, والجواب عنه من وجهين أحدهما أن الإعتاق في مرض الموت ليس بوصية حقيقة؛ لأن الوصية تمليك والإعتاق إسقاط الملك وإزالته لا إلى أحدهما متغايران بل متنافيان حقيقة, وكذا الإعتاق ينجر حكمه للحال وحكم الوصية يتأخر إلى ما بعد الموت فلم يكن الإعتاق في مرض الموت وصية حقيقة إلا أنه يشبه الوصية من حيث إنه يعتبر من الثلث لا غير والثاني إن كان في معنى الوصية فالوصية بالإعتاق مردودة من حيث المعنى. وإن كانت نافذة صورة ألا

 

ج / 7 ص -340-       ترى أن العبد يسعى في قيمته والسعاية قيمة الرقبة, فكانت السعاية ردا للوصية معنى, والعتق بعد وقوعه, وإن كان لا يحتمل النقض صورة يحتمله معنى برد السعاية التي هي قيمة الرقبة. ولو أوصى لعبده بالثلث, ثم قتله العبد لم تصح وصيته, غير أنه يعتق, ويسعى في جميع قيمته أما بطلان الوصية فلأنه وصية للقاتل. وأما نفاذ العتق فلأن الوصية للقاتل ليست بباطلة, بل هي صحيحة ألا ترى أنها تقف على إجازة الورثة في ظاهر الرواية, فإذا أوصى له بثلث ماله, فقد أوصى له بثلث رقبته؛ لأن رقبته من ماله, فدخلت تحت الوصية بالثلث, فلما مات الموصى ملك ثلث رقبته وتمليك ثلث رقبته منه يكون إعتاقا لثلثه عند الموت, فيعتق ثلثه عند الموت, ثم ينقض من حيث المعنى برد السعاية, كما لو أعتقه نصا في مرض موته, أو أضاف العتق إلى ما بعد الموت بالتدبير غير أن عند أبي حنيفة رضي الله عنه وقعت الوصية له بثلث الرقبة. لأن الإعتاق متجزئ عنده فيعتق ثلث رقبته ويسعى في ثلثيه؛ لأنه معتق البعض ويسعى في ذلك الثلث الذي عتق ردا للوصية معنى بالسعاية؛ لأنه لا وصية للقاتل فيرد برد السعاية, وعندهما وقعت الوصية له بكل الرقبة؛ لأنه عتق كله؛ لأن الإعتاق لا يتجزأ عندهما, ومتى عتق كله يسعى في كل قيمته ردا للوصية معنى فاتفق الجواب, وهو السعاية في جميع قيمته, وإنما اختلف الطريق, ولو أوصى للقاتل, ثم أجازت الورثة الوصية بعد موت الموصى ذكر في الأصل أنه يجوز, ولم يذكر خلافا, وذكر في الزيادات أن على قول أبي يوسف لا يجوز, وسكت عن قولهما, فيدل على الجواز عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله, لأبي يوسف ما روينا عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لا وصية لقاتل" وقال عليه الصلاة والسلام "ليس لقاتل شيء" من غير فصل بين حال الإجازة وعدمها. ولأن المانع من الجواز هو القتل, والإجازة لا تمنع القتل, ولهما أن امتناع الجواز كان لحق الورثة؛ لأنهم يتأذون بوضع الوصية في القاتل أكثر مما يتأذى البعض بإيثار البعض بالوصية, ثم جازت الوصية للبعض بإجازة الباقين, فههنا أولى, والدليل على أن المانع هو حق الورثة أن الورثة ينتفعون ببطلان الوصية للقاتل, وحق الإنسان ما ينتفع به, فإذا جازوا, فقد زال المانع, فجازت؛ ولهذا جازت الوصية لبعض الورثة بإجازة الباقين كذا هذا, ولو كان القتل قصاصا لا يمنع صحة الوصية؛ لأنه ليس بقتل حرام. وكذا لو كان القاتل صبيا؛ لأن قتله لا يوصف بالحرمة؛ ولهذا لم يتعلق بشيء من ذلك حرمان الميراث, فكذا حرمان الوصية. وكذا القتل تسبيبا لا يمنع جواز الوصية, كما لا يمنع حرمان الميراث على ما عرف في كتاب الفرائض. وأما الإقرار للقاتل بالدين, فإن صار صاحب فراش لم يجز, وإن كان يذهب, ويجيء؛ جاز؛ لأن إقرار المريض مرض الموت في معنى الوصية ألا ترى أنه لا يصح لوارثه, كما لا تصح وصيته له, وإذا كان يذهب, ويجيء كان في حكم الصحيح فيجوز, كما لو أقر لوارثه في هذه الحالة. وكذا الهبة في المرض في معنى الوصية, فلا تصح للقاتل, وعفو المريض عن القاتل في دم العمد جائز لقوله تعالى {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} مطلقا من غير فصل بين حال المرض والصحة؛ ولأن المانع من نفاذ تصرف المريض هو تعلق حق الورثة, أو الغرماء, وإنما يتعلق حقهم بالمال, والقصاص ليس بمال, وبهذا علل في الأصل, وإن كان القتل خطأ؛ يجوز العفو من الثلث؛ لأن القتل الخطأ يوجب المال, فكان عفوه بمنزلة الوصية بالمال وإنها جائزة من الثلث ودلت هذه المسألة على أن الدية كلها تجب على العاقلة, ولا يجب على القاتل شيء؛ لأنه لو وجب لم يصح عفوه من الثلث في حصة القاتل؛ لأنه يكون وصية للقاتل في ذلك القدر, ولا وصية للقاتل, ولما جاز العفو ههنا من الثلث علم أن الدية لا تجب على القاتل, وإنما تجب على عاقلة القاتل حتى تكون وصية لعاقلة القاتل, ثم الوصية للقاتل إنما لا تجوز إذا لم تجز الورثة, فإن أجازوا؛ جازت, ولم يذكر في الأصل اختلافا وذكر في الزيادات قول أبي يوسف إنها لا تجوز, وإن أجازت الورثة, وسكت عن قول أبي حنيفة ومحمد رحمهم الله تعالى وجه قول أبي يوسف أن المانع من الجواز هو القتل, وإنه لا ينعدم بالإجازة؛ ولهذا حرم الميراث أجازته الورثة أو لا؛ ولأنه لما قتله بغير حق صار كالحربي والوصية للحربي لا تجوز, أجازت الورثة أم لم تجز كذا القاتل وجه ظاهر الرواية أن عدم الجواز لمكان حق الورثة لما ذكرنا في الوصية لبعض الورثة, فيجوز عند إجازتهم, كما جازت لبعض الورثة عند إجازة الباقين

 

ج / 7 ص -341-       بل أولى؛ لأن من الناس من يقول بجواز الوصية للقاتل وهو مالك, ولا أحد يقول بجواز الوصية للوارث, فلما لحقتها الإجازة هناك فلأن تلحقها ههنا أولى. ومنها أن لا يكون حربيا عند مستأمن, فإن كان لا تصح الوصية له من مسلم أو ذمي؛ لأن التبرع بتمليك المال إياه يكون إعانة له على الخراب, وإنه لا يجوز. وأما كونه مسلما, فليس بشرط حتى لو كان ذميا, فأوصى له مسلم أو ذمي؛ جاز. وكذا لو أوصى ذمي ذميا لقوله عليه الصلاة والسلام "فإذا قبلوا عقد الذمة, فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وللمسلم" أن يوصي مسلما أو ذميا كذا لهم, وسواء أوصى لأهل ملته أو لغير أهل ملته لعموم الحديث؛ ولأن الاختلاف بينه وبين غير أهل ملته لا يكون أكثر من الاختلاف بيننا وبينهم, وذا لا يمنع جواز الوصية, فهذا أولى. وإن كان مستأمنا, فأوصى له مسلم, أو ذمي. ذكر في الأصل أنه يجوز؛ لأنه في عهدنا, فأشبه الذمي الذي هو في عهدنا, وتجوز الوصية للذمي. وكذا الحربي المستأمن وروي عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه لا يجوز, وهذه الرواية بقول أصحابنا رحمهم الله: أشبه فإنهم قالوا: إنه لا يجوز صرف الكفارة والنذر وصدقة الفطر والأضحية إلى الحربي المستأمن لما فيه من الإعانة على الحراب, ويجوز صرفها إلى الذمي؛ لأنا ما نهينا عن بر أهل الذمة لقوله سبحانه وتعالى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} وقيل إن في التبرع عليه في حال الحياة بالصدقة والهبة روايتين عن أصحابنا, فالوصية له على تلك الروايتين أيضا وكذا كونه من أهل الملك ليس بشرط حتى لو أوصى مسلم بثلث ماله للمسجد أن ينفق عليه في إصلاحه وعمارته وتجصيصه يجوز؛ لأن قصد المسلم من هذه الوصية التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بإخراج ماله إلى الله سبحانه وتعالى لا التمليك إلى أحد ولو أوصى المسلم لبيعة أو كنيسة بوصية, فهو باطل؛ لأنه معصية. ولو أوصى الذمي بثلث ماله للبيعة, أو لكنيسة أن ينفق عليها في إصلاحها. أو أوصى لبيت النار أو أوصى بأن يذبح لعيدهم, أو للبيعة أو لبيت النار ذبيحة جاز في قول أبي حنيفة رحمه الله وعندهما لا يجوز, وجملة الكلام في وصايا أهل الذمة أنها لا تخلو إما إن كان الموصى به أمرا, هو قربة عندنا وعندهم, أو كان أمرا هو قربة عندنا لا عندهم وأما إن كان أمرا هو قربة عندهم لا عندنا. فإن كان الموصى به شيئا هو قربة عندنا وعندهم بإن أوصى بثلث ماله أن يتصدق به على فقراء المسلمين أو على فقراء أهل الذمة, أو بعتق الرقاب, أو بعمارة المسجد الأقصى ونحو ذلك جاز في قولهم جميعا؛ لأن هذا مما يتقرب به المسلمون وأهل الذمة. وإن كان شيئا هو قربة عندنا وليس بقربة عندهم بأن أوصى بأن يحج عنه, أو أوصى أن يبني مسجدا للمسلمين, ولم يبين لا يجوز في قولهم جميعا؛ لأنهم لا يتقربون به فيما بينهم, فكان مستهزئا في وصيته, والوصية يبطلها الهزل والهزل, وإن كان شيئا هو قربة عندهم لا عندنا بأن أوصى بأرض له تبنى بيعة أو كنيسة, أو بيت نار أو بعمارة البيعة, أو الكنيسة, أو بيت النار, أو بالذبح لعيدهم, أو للبيعة أو لبيت النار ذبيحة, فهو على الاختلاف الذي ذكرنا إن عند أبي حنيفة رحمه الله يجوز, وعندهما لا يجوز وجه قولهما أن الوصية بهذه الأشياء وصية بما هو معصية, والوصية بالمعاصي لا تصح وجه قول أبي حنيفة رحمه الله إن المعتبر في وصيتهم ما هو قربة عندهم لا ما هو قربة حقيقة؛ لأنهم ليسوا من أهل القربة الحقيقة؛ ولهذا لو أوصى بما هو قربة عندنا, وليس بقربة عندهم لم تجز وصيته كالحج وبناء المسجد للمسلمين, فدل أن المعتبر ما هو قربة عندهم, وقد وجد ولكنا أمرنا أن لا نتعرض لهم فيما يدينون, كما لا نتعرض لهم في عبادة الصليب وبيع الخمر والخنزير فيما بينهم. ولو بنى الذمي في حياته بيعة أو كنيسة أو بيت نار كان ميراثا بين ورثته في قولهم جميعا على اختلاف المذهبين أما على أصلهما, فظاهر؛ لأنه معصية. وأما عنده فلأنه بمنزلة الوقف والمسلم لو جعل دارا وقفا إن مات؛ صارت ميراثا كذا هذا, فإن قيل لم لا يجعل حكم البيعة فيما بينهم كحكم المسجد فيما بين المسلمين, فالجواب أن حال المسجد يخالف حال البيعة؛ لأن المسجد صار خالصا لله تبارك وتعالى, وانقطعت عنه منافع المسلمين. وأما البيعة, فإنها باقية على منافعهم, فإنه يسكن فيها أساقفتهم ويدفن فيها موتاهم, فكانت باقية على منافعهم, فأشبه الوقف فيما بين المسلمين, والوقف فيما بين المسلمين لا يزيل ملك الرقبة عنده, فكذا هذا. ولو أوصى مسلم بغلة جاريته أن تكون في نفقة المسجد ومؤنته

 

ج / 7 ص -342-       فانهدم المسجد, وقد اجتمع من غلتها شيء أنفق ذلك في بنائه؛ لأنه بالانهدام لم يخرج من أن يكون مسجدا, وقد أوصى له بغلتها, فتنفق في بنائه وعمارته, والله سبحانه وتعالى أعلم. ومنها أن لا يكون مملوكا للموصي إذا كانت الوصية بدراهم أو دنانير مسماة, أو بشيء معين من ماله سوى رقبة العبد حتى لو أوصى لعبده بدراهم, أو دنانير مسماة, أو بشيء معين من ماله سوى رقبة العبد لا تصح الوصية؛ لأنه إذ ذاك يكون موصيا لنفسه, ولو أوصى له بشيء من رقبته بأن أوصى له بثلث رقبته جاز؛ لأن الوصية له بثلث رقبته تمليك ثلث رقبته منه, وتمليك نفس العبد منه يكون إعتاقا, فيصير ثلثه مدبرا في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما يصير كله مدبرا؛ لأن التدبير يتجزأ عنده كالإعتاق, وعندهما لا يتجزأ. ولو أوصى له بثلث ماله؛ جازت وصيته, وعتق ثلثه بعد موته؛ لأن رقبته دخلت في الوصية؛ لأنها ماله, فوقعت الوصية عليها وعلى سائر أملاكه, ثم ينظر إن كان ماله دراهم ودنانير ينظر إلى ثلثي العبد, فإن كانت قيمة ثلثي العبد مثل ما وجب له في سائر أمواله صار قصاصا, وإن كان في المال زيادة تدفع إليه الزيادة, وإن كان في ثلثي قيمة العبد زيادة تدفع الزيادة إلى الورثة, وإن كانت التركة عروضا لا تصير قصاصا إلا بالتراضي لاختلاف الجنس وعليه أن يسعى في ثلثي قيمته, وله الثلث من سائر أمواله, وللورثة أن يبيعوا الثلث من سائر أمواله حتى تصل إليهم السعاية, وهذا قول أبي حنيفة رضي الله عنه وأما عندهما صار كله مدبرا, فإذا مات عتق كله ويكون العتق مقدما على سائر الوصايا. فإن زاد الثلث على مقدار قيمته, فعلى الورثة أن يدفعوا إليه, فإن كانت قيمته أكثر, فعليه أن يسعى في الفضل والله سبحانه وتعالى أعلم. ومنها أن لا يكون مجهولا جهالة لا يمكن إزالتها, فإن كان لم تجز الوصية له؛ لأن الجهالة التي لا يمكن استدراكها تمنع من تسليم الموصى به إلى الموصى له, فلا تفيد الوصية وعلى هذا يخرج ما إذا أوصى بثلث ماله لرجل من الناس إنه لا يصح بلا خلاف, ولو أوصى لأحد هذين الرجلين لا يصح في قول أبي حنيفة رضي الله عنه. وعندهما يصح غير أن عند أبي يوسف رحمه الله الوصية تكون بينهما نصفين, وعند محمد رحمه الله الخيار إلى الوارث يعطى أيهما شاء. "وجه" قول محمد أن الإيجاب وقع صحيحا؛ لأن أحدهما وإن كان مجهولا, ولكن هذه جهالة تمكن إزالتها ألا ترى أن الموصي لو عين أحدهما حال حياته لتعين, ثم إن محمدا يقول: لما مات عجز عن التعيين بنفسه, فيقوم وارثه مقامه في التعيين وأبو يوسف يقول: لما مات قبل التعيين شاعت الوصية لهما, وليس أحدهما بأولى من الآخر كمن أعتق أحد عبديه, ثم مات قبل البيان إن العتق يشيع فيهما جميعا فيعتق من كل واحد منهما نصفه كذا ههنا يكون لكل واحد منهما نصف الوصية ولأبي حنيفة أن الوصية تمليك عند الموت, فتستدعي كون الموصى له معلوما عند الموت والموصى له عند الموت مجهول, فلم تصح الوصية من الأصل, كما لو أوصى لواحد من الناس فلا يمكن القول بالشيوع ولا يقام الوارث مقام الموصي في البيان؛ لأن ذلك حكم الإيجاب الصحيح. ولم يصح إلا أن الموصي لو بين الوصية في أحدهما حال حياته صحت؛ لأن البيان إنشاء الوصية لأحدهما فكان وصية مستأنفة لأحدهما عينا, وإنها صحيحة. ولو كان عبدان فأوصى بأرفعهما لرجل وبأخسهما لآخر, ثم مات الموصي, ثم مات أحد العبدين, ولا يدرى أيهما هو فالوصية بطلت في قول أبي حنيفة وزفر رحمهما الله اجتمعا على أخذ الباقي أو لم يجتمعا. وقال أبو يوسف رحمه الله: إن اجتمعا على أخذ الباقي, فهو بينهما نصفان, وإن لم يجتمعا على أخذه, فلا شيء لهما. وروي عن أبي يوسف أنه بينهما نصفان اجتمعا, أو لم يجتمعا, وعلى هذا يخرج الوصية لقوم لا يحصون أنها باطلة إذا لم يكن في اللفظ ما ينبئ عن الحاجة, وإن كان فيه ما ينبئ عن الحاجة, فالوصية جائزة؛ لأنهم إذا كانوا لا يحصون. ولم يذكر في اللفظ ما يدل على الحاجة, وقعت الوصية تمليكا منهم, وهم مجهولون, والتمليك من المجهول جهالة لا يمكن إزالتها لا يصح, ثم اختلف في تفسير الإحصاء قال أبو يوسف إن كانوا لا يحصون إلا بكتاب أو حساب فهم لا يحصون. وقال محمد إن كانوا أكثر من مائة فهم لا يحصون, وقيل إن كانوا بحيث لا يحصيهم محص حتى يولد منهم مولود, ويموت منهم ميت, فهم لا يحصون, وقيل يفوض إلى رأي القاضي, وإن كان في اللفظ ما يدل على الحاجة كان وصيته بالصدقة, وهي إخراج المال إلى الله سبحانه وتعالى, والله سبحانه وتعالى, واحد معلوم فصحت

 

ج / 7 ص -343-       الوصية, ثم إذا صحت الوصية فالأفضل للوصي أن يعطي الثلث لمن يقرب إليهم منهم, فإن جعله في, واحد فما زاد جاز عند أبي حنيفة, وأبي يوسف, وعند محمد لا يجوز إلا أن يعطي اثنين منهم فصاعدا, ولا يجوز أن يعطي واحدا إلا نصف الوصية, وبيان هذه الجملة في مسائل إذا أوصى بثلث ماله للمسلمين لم تصح؛ لأن المسلمين لا يحصون, وليس في لفظ المسلمين ما ينبئ عن الحاجة فوقعت الوصية تمليكا من مجهول, فلم تصح. ولو أوصى لفقراء المسلمين, أو لمساكينهم صحت الوصية؛ لأنهم, وإن كانوا لا يحصون لكن عندهم اسم الفقير. والمسكين ينبئ عن الحاجة, فكانت الوصية لهم تقربا إلى الله تبارك, وتعالى طلبا لمرضاته لا لمرضاة الفقير, فيقع المال لله تعالى عز وجل, ثم الفقراء يتملكون بتمليك الله تعالى منهم, والله سبحانه وتعالى عز شأنه واحد معلوم؛ ولذا كان إيجاب الصدقة من الله سبحانه, وتعالى من الأغنياء على الفقراء صحيحا, وإن كانوا لا يحصون, وإذا صحت الوصية, فلو صرف الوصي جميع الثلث إلى فقير واحد جاز عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد: لا يجوز إلا أن يعطي منهم اثنين فصاعدا, ولا يجوز أن يعطي واحدا منهم إلا نصف الثلث وجه قول محمد إن الفقراء اسم جمع, وأقل الجمع الصحيح ثلاثة إلا أنه أقام الدليل على أن الاثنين في باب الوصية يقومان مقام الثلاث؛ لأن الوصية أخت الميراث. والله تعالى أقام الثنتين من البنات مقام الثلاث منهن في استحقاق الثلثين. وكذا الاثنان من الإخوة والأخوات يقومان مقام الثلاث في نقص حق الأم من الثلث إلى السدس, ولا دليل على قيام الواحد مقام الجماعة مع ما أن الجمع مأخوذ من الاجتماع, وأقل ما يحصل به الاجتماع اثنان, ومراعاة معنى الاسم, واجب ما أمكن, ولهما أن هذا النوع من الوصية, وصية بالصدقة, وهي إلزام المال حقا لله تبارك وتعالى, وجنس الفقراء مصرف ما يجب لله عز وجل من الحقوق المالية, فكان ذكر الفقراء لبيان المصرف لا لإيجاب الحق لهم, فيجب الحق لله تبارك وتعالى, ثم يصرف إلى من ظهر رضا الله سبحانه وتعالى بصرف حقه المآل إليه, وقد حصل بصرفه إلى, فقير واحد؛ ولهذا جاز صرف ما وجب من الصدقات الواجبة بإيجاب الله عز وجل إلى فقير واحد, وإن كان المذكور بلفظ الجماعة بقوله تبارك وتعالى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ}. وقد خرج الجواب عما ذكره محمد رحمه الله على أن مراعاة معنى الجمع إنما تجب عند الإمكان, فأما عند التعذر, فلا بل يحمل اللفظ على مطلق الجنس كما في قوله, والله لا أتزوج النساء, وقوله إن كلمت بني آدم, أو إن اشتريت العبيد إنه يحمل على الجنس, ولا يراعى فيه معنى الجمع حتى يحنث بوجود الفعل منه في واحد من الجنس, وههنا لا يمكن اعتبار معنى الجمع؛ لأن ذلك مما لا غاية له, ولا نهاية, فيحمل على الجنس, بخلاف ما إذا أوصى لمواليه, وله مولى واحد أنه لا يصرف كل الثلث إليه بل نصفه؛ لأن هناك ما التزم المال حقا لله تعالى عز وجل بل ملكه للموالي, وهو اسم جمع, فلا بد من اعتباره. وكذا ذلك الجمع له غاية ونهاية, فكان اعتبار معنى الجمع ممكنا, فلا ضرورة إلى الحمل على الجنس, بخلاف جمع الفقراء. وكذلك لو أوصى لفقراء بني فلان دون أغنيائهم, وبنو فلان قبيلة لا تحصى, ولا يحصى فقراؤهم, فالوصية جائزة لما قلنا بل أولى؛ لأنه لما صحت الوصية لفقراء المسلمين مع كثرتهم, فلأن تصح لفقراء القبيلة أولى. فإن لم يقل لفقرائهم, ولكنه أوصى لبني فلان, ولم يزد عليه, فهذا لا يخلو من أحد, وجهين: "إما" إن كان فلان أبا قبيلة. "وإما" إن لم يكن أبا قبيلة بل هو رجل من الناس يعرف بأبي فلان فإن كان أبا قبيلة مثل تميم, وأسد, ووائل, فإن كان بنوه يحصون؛ جازت الوصية لهم؛ لأنهم إذا كانوا يحصون, فقد قصد الموصي تمليك المال منهم لا الإخراج إلى الله تعالى, فكان الموصى له بالثلث معلوما, فتصح الوصية له, كما لو أوصى لأغنياء بني فلان, وهم يحصون, ويدخل فيه الذكور والإناث؛ لأن الإضافة إلى أب القبيلة إضافة النسبة كالإضافة إلى القبيلة ألا يرى أنه يصح أن يقال هذه المرأة من بني تميم, كما يصح أن يقال هذا الرجل من بني تميم, فيدخل فيه كل من ينتسب إلى فلان ذكرا كان أو أنثى غنيا كان أو فقيرا؛ لأنه ليس في اللفظ ما ينبئ عن الحاجة, وصار, كما لو أوصى لقبيلة فلان, ولو كان لبني فلان موالي عتاقة يدخلون في الوصية, وكذا موالي مواليهم وحلفائهم وعبيدهم. وكذا لو كان لهم موالي الموالاة لما ذكرنا أن المراد من قوله بني فلان إذا كان فلان أبا قبيلة هو القبيلة لا أبناؤه حقيقة, فكان المراد منه المنتسبين إلى هذه القبيلة, والمنتمون إليهم, والحلفاء, والموالي

 

ج / 7 ص -344-       ينتسبون إلى القبيلة, وينتمون إليهم في العرف, والشرع قال عليه الصلاة والسلام: "موالي القوم منهم". وفي رواية "موالي القوم من أنفسهم, وحليفهم منهم". وروي أنه قال في جملة ذلك: وعبيدهم منهم؛ ولأن بني فلان إذا كانوا لا يحصون سقط اعتبار حقيقة البنوة, فصار عبارة عمن يقع بهم لهم التناصر, والموالي يقع بهم لهم التناصر. وكذا الحليف, والعديد إذ الحليف هو الذي حلف للقبيلة أنه ينصرهم, ويذب عنهم كما يذب عن نفسه, وهم حلفوا له كذلك, والعديد هو الذي يلحق بهم من غير حلف. ولو أوصى لقبيلة فلان دخل فيه الموالي؛ لأن المراد من القبيلة الذين ينسبون إليه والموالي ينسبون إليه هذا إذا كانوا يحصون, فإن كانوا لا يحصون لا تجوز الوصية لما قلنا في الوصية لبني فلان, بخلاف ما إذا أوصى لبني فلان, وهم يحصون, وفلان أب خاص لهم, وليس بأبي قبيلة حيث كان الثلث لبني صلبه, ولا يدخل فيه مواليه؛ لأنه ما جرى العرف هناك أنهم يريدون بهذه اللفظة المنتسب إليهم, فبقيت اللفظة محمولة على الحقيقة؛ ولهذا لا يدخل في الوصية بنو بنيه, والدليل على التفرقة بين الفصلين أن زيدا لو أعتق عبدا لا يقول المعتق أنا من بني زيد إذا كان زيد أبا خاصا, وإن كان زيد أبا قبيلة يقول: المعتق أنا من بني زيد هذا هو المتعارف عندهم, ولأن بني فلان إذا كانوا لا يحصون لم تصح الوصية؛ لأن الوصية, وقعت لهم تمليك المال منهم, وهم مجهولون, ولا يمكن أن يجعل هذا, وصية بالصدقة؛ لأنه ليس في لفظ الابن ما ينبئ عن الحاجة لغة, فلا يصح, كما لو أوصى للمسلمين أنه لا يصح لجهالة الملك منه, ولم يجعل وصية بالصدقة لما قلنا كذا هذا, وإن كان أبا نسب, وهو رجل من الناس يعرف كابن أبي ليلى, وابن سيرين, ونحو ذلك. فإن كانوا كلهم ذكورا دخلوا في الوصية؛ لأن حقيقة اسم البنين للذكور؛ لأنه جمع الابن, فيجب العمل بالحقيقة ما أمكن, وقد أمكن, وإن كانوا كلهم إناثا لا يدخل فيه, واحدة منهن؛ لأن اللفظ لا يتناولهن عند انفرادهن, وإن كانوا ذكورا وإناثا, فقد اختلف فيه قال أبو حنيفة, وأبو يوسف رضي الله عنهم: الوصية للذكور دون الإناث. وقال محمد: عليه الرحمة يدخل فيه الذكور والإناث, وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة رواه يوسف بن خالد السمتي, وذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي الخلاف بين أبي حنيفة, وصاحبيه. "وجه" قول محمد رحمه الله إن الذكور مع الإناث إذا اجتمعا غلب الذكور الإناث, ويتناول اسم الذكور الذكور والإناث, وإن كان لا يتناولهن حالة الانفراد؛ ولهذا تتناول الخطابات التي في القرآن العظيم باسم الجمع الذكور, والإناث جميعا, فكذا في الوصية, ولهما اعتبار الحقيقة, وهو أن البنين جمع ابن, والابن اسم للذكر حقيقة. وكذا البنون, فلا يتناول إلا الذكور, ولهذا لم يتناولهن حالة الانفراد, فكذا حالة الاجتماع, وهكذا نقول في خطابات القرآن العظيم إن خطاب الذكور لا يتناول الإناث بصيغته بل بدليل زائد, والدليل عليه ما روي أن النساء شكون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن يا رسول الله إن الله سبحانه, وتعالى يخاطب الرجال دوننا, فنزل قوله تبارك وتعالى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} الآية, فلو كان خطاب الرجال يتناولهن لم يكن لشكايتهن معنى, بخلاف ما إذا كان فلان أبا قبيلة أو بطن أو فخذ؛ لأن الإضافة إلى القبيلة, والبطن والفخذ لا يراد بها الأعيان. وإنما يراد بها الإنسان, وهي أن يكون منسوبا إلى القبيلة, والبطن والفخذ والذكر والأنثى في النسبة على السواء, ولهذا يتناول الاسم الإناث منهم, وإن لم يكن فيهن ذكر, ولا يتناول الاسم من ولد الرجل المعروف الإناث اللاتي لا ذكر معهن, فإن كان لفلان بنو صلب وبنو ابن, فالوصية لبني الصلب؛ لأنهم بنوه في الحقيقة "وأما" بنو الابن, فبنو بنيه حقيقة لا بنوه, وإنما يسمون بنيه مجازا, وإطلاق اللفظ يحمل على الحقيقة ما أمكن, فإن لم يكن له بنو الصلب, فالوصية لبني الابن؛ لأنهم بنوه مجازا, فيحمل عليه عند تعذر العمل بالحقيقة. وأما أبناء البنات, فلا يدخلون في الوصية عند أبي حنيفة عليه الرحمة, وذكر الخصاف عن محمد رحمه الله أنهم يدخلون كأبناء البنين, وسنذكر المسألة إن شاء الله تعالى. فإن كان له ابنان لصلبه, فالوصية لهما في قولهم جميعا؛ لأن اسم الجمع في باب الوصية يتناول الاثنين فصاعدا, فقد وجد من يستحق كل الوصية, فلا يحمل على غيرهم, وإن كان له ابن واحد لصلبه؛ صرف نصف الثلث إليه؛ لأن المذكور بلفظ الجمع, وليس في الواحد معنى الجمع, فلا يستحق الواحد كل الوصية بل النصف, ويرد النصف الباقي إلى, ورثة الموصي, وإن كان له ابن, واحد لصلبه وابن

 

ج / 7 ص -345-       ابنه, فالنصف لابنه, والباقي يرد على ورثة الموصي في قول أبي حنيفة رضي الله عنه وعندهما النصف لابنه, وما بقي, فلابن ابنه, والصحيح قول أبي حنيفة؛ لأن اللفظ الواحد لا يحمل على الحقيقة, والمجاز في زمان واحد, وإذا صارت الحقيقة مرادة سقط المجاز, وعندهما يجوز حمل اللفظ الواحد على الحقيقة والمجاز في حالة واحدة, وهذا غير سديد؛ لأن الحقيقة اسم للثابت المستقر في موضعه, والمجاز ما انتقل عن موضعه, والشيء الواحد في زمان واحد يستحيل أن يكون ثابتا في محله, ومنتقلا عن محله. ولو كان له بنات وبنو ابن, فلا شيء للفريقين في قول أبي حنيفة رضي الله عنه وفي قولهما هو بينهم بالسوية؛ لأن عند أبي حنيفة, ولد الصلب إذا كان حيا يسقط معه, ولد الولد غير أن ولد الصلب ههنا البنات على الانفراد, واسم البنين لا يتناول البنات على الانفراد, فلم تصح الوصية في الفريقين جميعا, وعلى أصلهما تحمل الوصية على ولد الولد إذا لم يجز أولاد الولد بالوصية, ويتناولهما الاسم على الاشتراك, وصاروا كالبطن الواحد, فيشترك ذكورهم وإناثهم, ولو قال: أوصيت بثلث مالي لإخوة فلان, وهم ذكور وإناث, فهو على الخلاف الذي ذكرنا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله هو للذكور دون الإناث, وعند محمد رحمه الله هو بينهم بالسواء لا يزاد الذكر على الأنثى, والحجج على نحو ما ذكرنا في المسألة المتقدمة. ولو أوصى لولد فلان, فالذكر فيه والأنثى سواء في قولهم جميعا؛ لأن الولد اسم للمولود, وإنه يتناول الذكر, والأنثى, ولو كانت له امرأة حامل دخل ما في بطنها في الوصية؛ لأن الوصية أخت الميراث؛ لأن الاستحقاق في كل واحد منهما يتعلق بالموت, ثم الحمل يدخل في الميراث, فيدخل في الوصية, فإن كان له بنات وبنو ابن, فالوصية لبناته دون بني ابنه؛ لأن اسم الولد للبنات بانفرادهن حقيقة ولأولاد الابن مجاز, ومهما أمكن حمل اللفظ على الحقيقة لا يحمل على المجاز, فإن لم يكن له ولد صلب, فالوصية لولد الابن يستوي فيه ذكورهم وإناثهم؛ لأنه تعذر العمل بحقيقة اللفظ, فيعمل بالمجاز تصحيحا لكلام العاقل, ولا يدخل أولاد البنات في الوصية في قول أبي حنيفة رضي الله عنه وذكر الخصاف عن محمد رحمهما الله أن ولد البنات يدخلون فيها كولد البنين, وذكر في السير الكبير إذا أخذ الأمان لنفسه, وولده لم يدخل فيه أولاد البنات, فصار عن محمد رحمه الله روايتان "وجه" رواية الخصاف أن الولد ينسب إلى أبويه جميعا؛ لأنه ولد أبيه وولد أمه حقيقة لانخلاقه من مائهما جميعا, ثم ولد ابنه ينسب إليه, فكذا ولد بنته؛ ولهذا يضاف أولاد سيدتنا, فاطمة رضي الله عنها إلى أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم "وقال صلى الله عليه وسلم للحسن رضي الله عنه إن "ابني هذا لسيد, وإن الله تبارك وتعالى يصلح به بين الفئتين". وروي أنه عليه الصلاة والسلام "قال للحسن والحسين رضي الله عنهما "إن ابني لسيدا كهول أهل الجنة". وكذا يقال لسيدنا عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام أنه من بني آدم, وإن كان لا ينتسب إليه إلا من قبل أمه, ولأبي حنيفة أن أولاد البنات ينسبون إلى آبائهم لا إلى أب الأم قال الشاعر:

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا                       بنوهن أبناء الرجال الأباعد

"وأما" قوله إن الولد ينسب إلى أبيه وإلى أمه قلنا: نعم, وبنت الرجل ولده حقيقة, فكان ولدها ولده حقيقة بواسطتها حتى تثبت جميع أحكام الأولاد في حقه, كما تثبت في أولاد البنين إلا أن النسب إلى الأمهات مهجور عادة, فلا ينسب أولاد البنات إلى آباء الأمهات بوساطتهن, ولا يدخلون تحت النسبة المطلقة, وأولاد سيدتنا, فاطمة رضي الله تعالى عنهم لم تهجر نسبتهم إليها, فينسبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطتها, وقيل إنهم خصوا بالنسبة إليه عليه الصلاة والسلام تشريفا وإكراما لهم, وقد روى بعض مشايخنا عن شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في هذا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل بني بنت بنو أبيهم إلا أولاد, فاطمة رضي الله تعالى عنها فإنهم أولادي", فإن لم يكن له إلا ولد واحد, فالثلث له سواء كان ذكرا أو أنثى؛ لأن اسم الولد يتناول الولد الواحد, فما زاد عليه حقيقة, ولا يتناول الجمع قال هشام: سألت محمدا عن رجل له ابن وبنت, فقال: أوصيت لفلان بمثل نصيب أحد ابني, ثم مات الموصي, فكم يجعل للموصى له قال: ذلك إلى الورثة إن شاءوا أعطوه أقل الأنصباء قلت له: فإن كان له ابنتان, وابن قال: فكذلك أيضا قلت

 

ج / 7 ص -346-       فإن كان له ابنان وبنت أو ابنان وبنتان أو بنون وبنات, فقال: قد أوصيت: لفلان بمثل نصيب أحد ابني, فقال: يعطى الموصى له في هذا نصيب ابن, وإنما كان كذلك؛ لأنه إذا قال: أحد ابني وله ابن وبنت علم أنه سمى الأنثى ابنا لاجتماعها مع الذكر, فدخلت في الكلام, فكان للورثة أن يحملوا الوصية على نصيبهما, وإذا كان له بنون, وبنات أو ابنان وبنات فقال: أحد بني يقع على الذكور, فتحمل الوصية على نصيب, واحد منهم دون نصيب البنات قال محمد رحمه الله: فإذا كان له بنت وابن أو ابن وبنتان أو ابن وبنات فالابن وحده لا يكون بنين. والأمر على ما ذكره محمد؛ لأن اسم الجمع لا يتناول الواحد, فلا بد من إدخال الإناث معه, فحملت الوصية على نصيب أحدهم, فهذا إشارة إلى اعتباره حقيقة اللفظ, وإن الاسم يحمل على الذكور إلا عند التعذر. ولو أوصى ليتامى بني فلان فإن كان يتاماهم يحصون جازت الوصية؛ لأنهم إذا كانوا يحصون, وقعت الوصية لهم بأعيانهم؛ لكونهم معلومين, فأمكن إيقاعها تمليكا منهم, فصحت كما لو أوصى ليتامى هذه السكة, أو هذه الدار, ويستوي فيها الغني والفقير؛ لأن اليتيم في اللغة اسم لمن مات أبوه, ولم يبلغ الحلم, وهذا لا يتعرض للفقر والغنى. وقال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} وقال عليه الصلاة والسلام "ابتغوا في أموال اليتامى خيرا كي لا تأكلها الصدقة" قد سموا يتامى, وإن كان لهم مال, فكل صغير مات أبوه يدخل تحت الوصية, ومن لا فلا, فإن كانوا لا يحصون, فالوصية جائزة, وتصرف إلى الفقراء منهم؛ لأنها لو صرفت إلى الأغنياء لبطلت لجهالة الموصى له, ولو صرفت إلى الفقراء لجازت؛ لأنها وصية بالصدقة, وإخراج للمال إلى الله تعالى, والله تعالى واحد معلوم, وأمكن أن تجعل الوصية للفقراء, وإن لم يكن في اللفظ ما ينبئ عن الحاجة لغة لكنه ينبئ عن سبب الحاجة, وعما يوجب الحاجة بطريق الضرورة؛ لأن الصغر والانفراد عن الأب أعظم أسباب الحاجة إذ الصغير عاجز عن الانتفاع بماله, ولا بد له ممن يقوم بإيصال منافع ماله إليه, وكذا هو عاجز عن القيام بحفظ ماله, واستنمائه, ولا بقاء للمال عادة إلا بالحفظ والاستنماء, وهو عاجز عن ذلك كله, فيصير في الحكم كمن انقطعت عليه منافع ماله بسبب بعده عن ماله, وهو ابن السبيل, فصار الاسم بهذه الوساطة منبئا عن الحاجة؛ ولهذا المعنى جعل الله لليتامى سهما من خمس الغنيمة بقوله تبارك وتعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى}. وقال تبارك وتعالى {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى}, وأراد به المحتاجين منهم دون الأغنياء. وإذا كان كذلك أمكن تصحيح هذا التصرف بجعله إيصاء بالصدقة. وكذلك إذا أوصى لزمنى بني فلان أو لعميانهم؛ لأن الاسم يدل على سبب الحاجة عادة, وهو الزمانة, والعمى, بخلاف ما إذا أوصى لبني فلان, وهم لا يحصون إنه لا يصح؛ لأنه لا يمكن تصحيحه بطريق التمليك بجهالة الموصى لهم, ولا بطريق الإيصاء بالصدقة؛ لأنه ليس في لفظ الابن ما ينبئ عن الحاجة, ولا ما يوجب الحاجة, وههنا, بخلافه على ما بينا, فتصح الوصية, ثم إذا صحت, وانصرفت الوصية إلى الفقراء من اليتامى, فإن صرف إلى اثنين منهم فصاعدا؛ جاز بالإجماع, وإن صرف جميع الثلث إلى, واحد؛ فهو على الخلاف الذي ذكرنا, والأفضل للموصي أن يصرف إلى كل من قدر منهم؛ لأنه أقرب إلى العمل بحقيقة اللفظ, وتحقيق مقصود الموصي, ولو أوصى بثلث ماله لأرامل بني فلان؛ جازت الوصية سواء كن يحصين, أو لا يحصين أما إذا كن يحصين, فلا يشكل, فإن الوصية وقعت تمليكا منهن بأعيانهن؛ لكونهن معلومات. وكذلك إذا كن لا يحصين؛ لأن في الاسم ما يدل على الحاجة؛ لأن الأرملة اسم لامرأة بالغة, فارقت زوجها بطلاق أو وفاة دخل بها أو لم يدخل كذا قال محمد رحمه الله. وقال ابن الأنباري: الأرملة التي لا زوج لها من قولهم أرمل القوم, فهم مرملون إذا فني زادهم ومن فني زاده كان محتاجا, فكان في الاسم ما ينبئ عن الحاجة, فتقع وصية بالصدقة, وإخراج المال إلى الله تبارك وتعالى والله سبحانه وتعالى واحد معلوم وهل يدخل في هذه الوصية الرجال الذين فارقوا أزواجهم؟ قال عامة العلماء: رضي الله عنهم لا يدخلون. وقال الشافعي: رحمه الله يدخل في كل من خرج من كرمة فلان ذكرا كان أو أنثى, وإليه ذهب القتبي, واحتجا بقول جرير الشاعر

 

ج / 7 ص -347-                               هذي الأرامل قد قضيت حاجتها       فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر

أطلق اسم الأرمل على الرجل. "ولنا" أن حقيقة هذا الاسم للمرأة لما ذكرنا عن محمد, وهو من كبار أهل اللغة روى عنه أبو عبيد وأبو العباس ثعلب وأقرانهم كما روينا عن الخليل, والأصمعي, وأقرانهما. وقال الخليل: يقال: امرأة أرملة, ولا يقال: رجل أرمل إلا في المليح من الشعر. وقال ابن الأنباري رحمه الله لا يقال: رجل أرمل إلا في الشعر, ونحو ذلك, ولأن الاسم لما كان مشتقا من قولهم أرمل القوم إذا فني زادهم, فالمرأة هي التي فني زادها بموت زوجها؛ لأن النفقة على الزوج لا على المرأة, فإذا مات, فقد فني زادها, وبه تبين أن قول جرير محمول على مليح الشعر كما قال الخليل أو هو شاذ كما قال ابن الأنباري, أو لازدواج الكلام قال الله سبحانه وتعالى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}. وقال تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}, وقوله سبحانه وتعالى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}. وكما قال الشاعر:

فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي                 مدى الدهر ما لم تنكحي أتأيم

"ومعلوم" أن الرجل لا يسمى أيما لكن أطلق عليه لازدواجه بقوله, وإن تتأيمي كذا ههنا, وإطلاق الاسم لا ينصرف إلى ما لا يذكر إلا لضرورة تمليح الشعر, وازدواج الكلام, أو في الشذوذ؛ لأن مطلق الاسم ينصرف إلى ما تتسارع إليه الأفهام والأوهام, وذلك ما قلنا, ولو أوصى لأيامى بني فلان, فإن كن يحصين؛ جازت الوصية لما قلنا, وإن كن لا يحصين لا تجوز؛ لأنه ليس في لفظ الأيم ما ينبئ عن الحاجة لتجعل, وصيته بالصدقة؛ لأن الأيم في اللغة اسم لامرأة جومعت في قبلها, وفارقها زوجها, وشرحه محمد رحمه الله قال الأيم كل امرأة جومعت بنكاح جائز أو فاسد أو فجور, ولا زوج لها غنية كانت أو فقيرة صغيرة كانت أو كبيرة, وليس في هذه المعاني ما ينبئ عن الحاجة, فلا يكون إيصاء بالتصدق, بخلاف الوصية لأرامل بني فلان, وهن لا يحصين إنها جائزة؛ لأن اسم الأرملة ينبئ عن الحاجة على ما بينا, فجعل وصية بالصدقة, ثم إذا كن يحصين حتى جازت الوصية يدخل فيها الصغيرة, والبالغة, والغنية والفقيرة؛ لأن الاسم في اللغة لا يتعرض لما سوى الأنوثة وحلول الجماع بها في قبلها وفراقها زوجها. وقال الله تبارك وتعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ}, وأنه يتناول الكبيرة والصغيرة حتى يجوز إنكاح الصغار, كما يجوز إنكاح الكبار, وكذا لا يتعرض للفقر والغنى؛ لأنه سبحانه وتعالى قال عز من قائل {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}, ولو كان متعرضا لشيء من ذلك لم يكن لقوله سبحانه, وتعالى {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ} معنى, وهذا الذي ذكرنا أن الأيم اسم لامرأة جومعت في قبلها, فارقها زوجها قول عامة المسلمين. وقال أبو القاسم الصفار البلخي, وأبو الحسن الكرخي رحمهما الله إن الجماع ليس بشرط لثبوت هذا الاسم. وكذا الأنوثة بل يقع هذا الاسم على المدخول بها وعلى البكر, ويقع على الرجل كما يقع على المرأة, واحتجا بقول الشاعر:

إن القبور تنكح الأيامى                          النسوة الأرامل اليتامى

ومعلوم أن القبر يضم البكر إلى نفسه كما يضم الثيب. وقال الشاعر:

فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي                 مدى الدهر ما لم تنكحي أتأيم

أي أمكث بلا زوج ما مكثت أنت بلا زوج. وقال آخر:

فلا تنكحن جبارة إن شرها                     عليك حرام فانكحن أو تأيما

والجواب أن حقيقة اللغة ما حكينا عن نقلة اللغة, وهم أهل دقائق الألفاظ, فيقبل نقلهم إياه فيما وضعت له, وما ورد في استعمال بعض الفصحاء معدولا به عن تلك الحقائق, فحمل على المجاز إما بطريق المقابلة, والازدواج أو باعتبار بعض المعاني التي وضع لها الاسم, والدليل على أن الأنوثة أصل, وأنه لا يقع على الذكر أنه لا يدخل علامة التأنيث فيه يقال: امرأة أيم, ولا يقال أيمة, ولو كان الاسم يتناول الذكر, والأنثى لفرقوا بينهما بإدخال علامة التأنيث في المرأة, وذكر الفقيه أبو جعفر الهندواني أن ما ذكر محمد في صفة الأيم جومعت بفجور, أو غير فجور مذهبهما, فأما عند أبي حنيفة رحمه الله التي جومعت بفجور لا تدخل في هذه الوصية؛ لأن التي جومعت بفجور بكر لا أيم عنده حتى

 

ج / 7 ص -348-       تزوج, كما تزوج الأبكار عنده, ومنهم من قال: هذا قولهم جميعا؛ لأنها أيم حقيقة لوجود الجماع إلا أنها تزوج كما تزوج الأبكار عنده لمشاركتها الأبكار عنده في المعنى الذي أقيم فيه السكوت مقام الرضا نطقا في حقها باعتبار السكوت, وهو الحياء على ما عرف في مسائل الخلاف, ولو أوصى لكل ثيب من بني فلان إن كن يحصين صحت الوصية لما ذكرنا في المسائل المتقدمة, ويدخل تحت هذه الوصية كل امرأة جومعت بحلال أو حرام لها زوج, أو لم يكن لها زوج بلغت مبلغ النساء, أو لم تبلغ كذا ذكر محمد, ويدخل فيه الفقيرة والغنية والصغيرة والكبيرة؛ لأن اللفظ لا يتعرض لذلك. وقال الله تبارك وتعالى {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} أدخل فيه الصغار والكبار, والفقيرات والغنيات يدل عليه أنهن دخلن فيما يقابله, وهو قوله سبحانه وتعالى, وأبكارا فكذا في قوله تعالى ثيبات فدل الأمر على اشتراط الدخول؛ لأنه قابل الثيبات بالأبكار, وهن اللاتي لم يجامعن, فكانت الثيبات اللاتي جومعن لتصح المقابلة, ولا تشترط مفارقتها زوجها, بخلاف الأرملة؛ لأن اللغة كذا تقتضي, فيتبع فيه وضع أرباب اللغة, ولا يدخل فيه الرجل؛ لأن هذا الاسم لا يتناول الرجل حقيقة, وإن ورد في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة"؛ لأن ذلك إطلاق بطريق المجاز للازدواج والمقابلة, وإن كن لا يحصين لم تجز الوصية؛ لأنه ليس في الاسم ما ينبئ عن الحاجة لما ذكرنا أنه اسم لأنثى من بنات آدم عليه الصلاة والسلام جومعت, وليس في الأوصاف المذكورة في الحد ما ينبئ عن الحاجة, فلا يراد بهذه الوصية إلا التمليك والمتملك مجهول, فلا يصح, ولو أوصى لكل بكر من بني فلان يجوز إذا كن محصوات لما قلنا, ويدخل فيه الصغيرة والكبيرة الغنية والفقيرة إذ البكر اسم لامرأة لم تجامع بنكاح, ولا غيره كذا قال محمد رحمه الله, وإطلاق هذا الاسم على الذكر في الحديث, وهو قوله عليه الصلاة والسلام "البكر بالبكر جلد مائة, وتغريب عام" بطريق المجاز, وهو المجاز بطريق المقابلة والازدواج, أو كان لها حقيقة, ثم غلب استعماله في متعارف الخلق على الأنثى, فصار بحال لا تنصرف أوهام الناس عند إطلاقه إلا إلى الأنثى, فيحمل الحديث على المجاز, ولو كانت عذرتها زالت بالوضوء أو بالوثبة, أو بذرور الدم تستحق الوصية؛ لأنها لم تجامع ومن الناس من خالف محمدا رحمه الله قالوا إن هذه أيضا لا تستحق الوصية؛ لأنها ليست ببكر, والصحيح ما ذكره محمد رحمه الله لما ذكرنا, وذكر محمد رحمه الله أن التي زالت بكارتها بفجور لا تكون بكرا, ولا تكون لها, وصية. وقال بعض مشايخنا منهم الفقيه أبو جعفر الهندواني رحمه الله: إن هذا قولهما "فأما" عند أبي حنيفة رحمه الله, فإنها بكر, وتستحق الوصية, ومنهم من قال: لا خلاف في أنها لا تستحق الوصية؛ لأنها ليست ببكر حقيقة لعدم حد البكارة, وإنما تزوج تزوج الأبكار عند أبي حنيفة رحمه الله لما ذكرنا, والله سبحانه, وتعالى أعلم بالصواب. ولو أوصى لذوي قرابته أو قراباته, أو لأنسابه أو لأرحامه, أو لذوي أرحامه هذه الألفاظ الخمسة سواء, فعند أبي حنيفة الوصية بهذه الألفاظ للأقرب, فالأقرب فالحاصل أن عند أبي حنيفة عليه الرحمة يعتبر في هذه الوصية خمسة أشياء الرحم المحرم والأقرب فالأقرب وجمع الوصية وهو اثنان فصاعدا, وأن يكون سوى الوالدين والمولودين, وأن يكون ممن لا يرث, وعندهما يدخل في هذه الوصية ذو الرحم المحرم والقريب والبعيد إلى أقصى أب له في الإسلام حتى لو أوصى للعلوية والعباسية يصرف الثلث إلى من اتصل بسيدنا علي, وبسيدنا العباس رضي الله عنهما لا إلى من فوقهما من الآباء, ولا خلاف في اعتبار الأوصاف الثلاثة, وهي: اعتبار جمع الوصية وأن لا يكون والدا ولا ولدا وأن يكون ممن لا يرث "أما" الأول؛ فلأن لفظ ذوي: لفظ جمع, وأقل الجمع في باب الوصية اثنان؛ لأن الوصية أخت الميراث, وفي باب الميراث كذلك, فإن الثنتين من البنات, والأخوات ألحقتا بالثلاث, فصاعدا في استحقاق الثلثين, وحجب الأم من الثلث إلى السدس على ما مر حتى لو أوصى لذوي قرابته استحق الواحد فصاعدا كل الوصية؛ لأن ذي ليس بلفظ جمع. وأما الثاني؛ فلأن الوالد والولد لا يسميان قرابتين عرفا وحقيقة أيضا؛ لأن الأب أصل, والولد فرعه وجزؤه, والقريب من يقرب من غيره لا من نفسه, فلا يتناوله اسم القريب. وقال الله سبحانه وتعالى {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} عطف الأقرب على الوالد, والعطف يقتضي المغايرة في الأصل, وإذا لم يدخل الوالد والولد في

 

ج / 7 ص -349-       هذه الوصية, فهل يدخل فيها الجد وولد الولد؟ ذكر في الزيادات أنهما يدخلان, ولم يذكر فيه خلافا, وذكر الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمه الله أنهما لا يدخلان, وهكذا روي عن أبي يوسف رحمه الله وهو الصحيح؛ لأن الجد بمنزلة الأب, وولد الولد بمنزلة الولد, فإذا لم يدخل فيها الوالد, والولد كذا الجد وولد الولد "وأما" الثالث فلما روينا عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لا, وصية لوارث", وإنما الخلاف في موضعين: أحدهما: أنه يعتبر المحرم عند أبي حنيفة, وعندهما لا يعتبر, والثاني: أنه يعتبر الأقرب, فالأقرب عنده, وعندهما لا يعتبر "وجه" قولهما أن القريب اسم مشتق من معنى, وهو القرب, وقد وجد القرب, فيتناول الرحم المحرم, وغيره والقريب والبعيد, وصار كما لو أوصى لإخوته أنه يدخل الإخوة لأب وأم والإخوة لأب والإخوة لأم؛ لكونه اسما مشتقا من الأخوة كذا هذا. والدليل عليه ما روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه "لما نزل قوله تبارك وتعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا, فخص, وعم, فقال "يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار, فإني لا أملك لكم من الله تبارك وتعالى ضرا ولا نفعا يا معشر بني قصي أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم من الله عز شأنه ضرا, ولا نفعا", وكذلك قال عليه الصلاة والسلام لبني عبد المطلب, ومعلوم أنه كان فيهم الأقرب والأبعد وذو الرحم المحرم وغير المحرم, فدل أن الاسم يتناول كل قريب إلا أنه لا يمكن العمل بعمومه لتعذر إدخال أولاد سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام فيه, فتعتبر النسبة إلى أقصى أب في الإسلام؛ لأنه لما ورد الإسلام صارت المعرفة بالإسلام, والشرف به, فصار الجد المسلم هو النسب, فتشرفوا به, فلا يعتبر من كان قبله, ولأبي حنيفة رحمه الله أن الوصية لما كانت باسم القرابة أو الرحم, فالقرابة المطلقة هي قرابة ذي الرحم المحرم؛ ولأن معنى الاسم يتكامل بها. وأما في غيرها من الرحم غير المحرم فناقص, فكان الاسم للرحم المحرم لا لغيره؛ لأنه لو كان حقيقة لغيره, فأما أن يعتبر الاسم مشتركا أو عاما, ولا سبيل إلى الاشتراك؛ لأن المعنى متجانس, ولا إلى العموم؛ لأن المعنى متفاوت, فتعين أن يكون الاسم لما قلنا حقيقة, ولغيره مجازا, بخلاف الوصية لإخوته؛ لأن مأخذ الاسم, وهو الإخوة لا يتفاوت, فكان اسما عاما, فيتناول الكل, وههنا بخلافه على ما بينا. ولأن المقصود من هذه الوصية هو صلة القرابة, وهذه القرابة هي واجبة الوصل محرمة القطع لا تلك, والظاهر من حال المسلم الدين المسارعة إلى إقامة الواجب, فيحمل مطلق اللفظ عليه, بخلاف ما إذا أوصى لإخوته؛ لأن قرابة الإخوة واجبة الوصل محرمة القطع على اختلاف جهاتها, فهو الفرق بين الفصلين, وجواب أبي يوسف ومحمد رحمهما الله على زعمهما كان يستقيم في زمانهما؛ لأن أقصى أب الإسلام كان قريبا يصل إليه بثلاثة آباء أو أربعة آباء, فكان الموصى له معلوما, فأما في زماننا, فلا يستقيم؛ لأن عهد الإسلام قد طال, فتقع الوصية لقوم مجهولين, فلا تصح إلا أن نقول أنه يصرف إلى أولاد أبيه وأولاد جده وأولاد جد أبيه وإلى أولاد أمه وأولاد جدته وجدة أمه؛ لأن هذا القدر قد يكون معلوما, فيصرف إليهم, فأما الزيادة على ذلك فلا, والله سبحانه وتعالى أعلم, فإن ترك عمين وخالين, وهم ليسوا بورثته بأن مات, وترك ابنا وعمين وخالين, فالوصية للعمين لا للخالين في قول أبي حنيفة رضي الله عنه؛ لأنه يعتبر الأقرب, فالأقرب, والعمان أقرب إليه من الخالين, فكانا أولى بالوصية, وعندهما الوصية تكون بين العمين, والخالين أرباعا؛ لأن القريب والبعيد سواء عندهما. ولو كان له عم واحد وخالان, فللعم نصف الثلث, وللخالين النصف الآخر؛ لأن الوصية حصلت باسم الجمع, وأقل من يدخل تحت اسم الجمع في الوصية اثنان, فلا يستحق العم الواحد أكثر من نصف الوصية؛ لأن أقل من ينضم إليه مثله, وإذا استحق هو النصف بقي النصف الآخر لا مستحق له أقرب من الخالين, فكان لهما, وعندهما يقسم الثلث بينهم أثلاثا لاستواء الكل في الاستحقاق, فإن كان له عم واحد, ولم يكن له غيره من ذوي الرحم المحرم, فنصف الثلث لعمه, والنصف يرد على ورثة الموصي عنده؛ لأن العم الواحد لا يستحق أكثر من النصف, فبقي النصف الآخر لا مستحق له, فتبطل فيه الوصية, وعندهما يصرف النصف الآخر إلى ذي الرحم الذي ليس بمحرم. ولو أوصى لأهل بيته يدخل فيه من جمعه آباؤهم أقصى أب في الإسلام حتى أن الموصي لو كان علويا يدخل في هذه الوصية كل من ينسب إلى سيدنا علي رضي الله

 

ج / 7 ص -350-       عنه من قبل الأب, وإن كان عباسيا يدخل فيها كل من ينسب إلى العباس رضي الله عنه من قبل الأب سواء كان بنفسه ذكرا أو أنثى بعد إن كانت نسبته إليه من قبل الآباء, ولا يدخل من كانت نسبته من قبل الأم؛ لأن المراد من أهل البيت أهل بيت النسب والنسب إلى الآباء وأولاد النساء آباؤهم قوم آخرون, فلا يكون من أهل بيته, ويدخل تحت الوصية لأهل بيته أبوه وجده إذا كان ممن لا يرث؛ لأن بيت الإنسان أبوه ومن ينسب إلى بيته, فالأب أصل البيت, فيدخل في الوصية, ولا يدخل في الوصية بالقرابة؛ لأن القرابة من تقرب إلى الإنسان بغيره لا بنفسه, وذلك لا يوجد في أب. وكذلك لو أوصى لنسبه أو حسبه, فهو على قرابته الذين ينسبون إلى أقصى أب له في الإسلام حتى لو كان آباؤه على غير دينه دخلوا في الوصية؛ لأن النسب عبارة عمن ينسب إلى الأب دون الأم. وكذلك الحسب, فإن الهاشمي إذا تزوج أمة, فولدت منه ينسب الولد إليه لا إلى أمه, وحسبه أهل بيت أبيه دون أمه, فثبت أن النسب والحسب يختص بالأب دون الأم. وكذلك إذا أوصى لجنس فلان, فهم بنو الأب؛ لأن الإنسان يتجنس بأبيه, ولا يتجنس بأمه, فكان المراد منه جنسه في النسب. وكذلك اللحمة عبارة عن الجنس, وذكر المعلى عن أبي يوسف إذا أوصى لقرابته, فالقرابة من قبل الأب والأم والجنس واللحمة من قبل الأب؛ لأن القرابة من يتقرب إلى الإنسان بغيره, وهذا المعنى يوجد في الطرفين, بخلاف الجنس على ما بينا. وكذلك الوصية لآل فلان هو بمنزلة الوصية لأهل بيت فلان, فلا يدخل أحد من قرابة الأم في هذه الوصية, ولو أوصى لأهل فلان, فالوصية لزوجة فلان خاصة في قول أبي حنيفة, وعندهما هذا على جميع من يعولهم فلان ممن تضمه نفقته من الأحرار, فيدخل فيه زوجته واليتيم في حجره, والولد إذا كان يعوله, فإن كان كبيرا قد اعتزل عنه, أو كان بنتا قد تزوجت, فليس من أهله, ولا يدخل فيه مماليكه, ولا وارث الموصي, ولا الموصى لأهله "وجه" قولهما أن الأهل عبارة عمن ينفق عليه قال الله تبارك وتعالى خبرا عن نبيه سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي}. وقال تبارك وتعالى في قصة لوط عليه الصلاة والسلام: {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ}, ولأبي حنيفة رحمه الله أن الأهل عند الإطلاق يراد به الزوجة في متعارف الناس يقال: فلان متأهل وفلان لم يتأهل, وفلان له أهل, وفلان ليس له أهل, ويراد به الزوجة, فتحمل الوصية على ذلك, ولا يدخل فيه المماليك؛ لأنهم لا يسمون أهل المولى, ولا يدخل فيه وارث الموصي؛ لأنه إن خرج منه لا يدخل, فعند الإطلاق أولى, ولا يدخل فلان الذي أوصى لأهله؛ لأن الوصية وقعت للمضاف إليه, والمضاف غير المضاف إليه, فلا يدخل في الوصية كما لو أوصى لولد فلان إن فلانا لا يدخل في الوصية لما قلنا كذا هذا والله سبحانه, وتعالى أعلم ولو أوصى بثلث ماله لإخوته, وله ستة إخوة متفرقة, وله أولاد يحوزون ميراثه, فالثلث بين إخوته سواء؛ لأنهم في استحقاق الاسم سواء, بخلاف الوصية لأقرباء فلان أنه يصرف إلى الأقرب فالأقرب عند أبي حنيفة؛ لأن القرابة تحتمل التفاوت في القرب والبعد. وأما الأخوة, فلا تحتمل التفاوت ألا ترى أنه يقال هذا أقرب من فلان, ولا يقال هذا أكثر أخوة من فلان هذا إذا كان له, ولد يحوز ميراثه, فإن لم يكن؛ فلا شيء للإخوة من الأب والأم والإخوة من الأم؛ لأنهم ورثة, ولا وصية لوارث, وللإخوة من قبل الأب ثلث ذلك الثلث؛ لأنهم لا يرثون, ولا يقال: إذا لم تصح الوصية للإخوة لأب وأم, وللإخوة لأم ينبغي أن يصرف كل الثلث إلى الإخوة للأب لأنا نقول نعم هكذا لو لم تصح الإضافة إلى الإخوة لأب, وأم وإلى الإخوة لأم, والإضافة إليهم وقعت صحيحة بدليل أنه لو أجازت الورثة؛ جازت الوصية لهم, وصار هذا كرجل أوصى بثلث ماله لثلاثة نفر, فمات اثنان منهم قبل موت الموصي, فللباقي منهم ثلث الثلث؛ لأن الإضافة إليهم, وقعت صحيحة كذا هذا, بخلاف ما إذا أوصى لفلان وفلان, وأحدهما ميت؛ لأن هناك الإضافة لم تصح؛ لأن الميت ليس بمحل للوصية أصلا, فلم يدخل تحت الإضافة قال أبو يوسف رحمه الله في رجل أوصى بثلث ماله في الصلة وله إخوة وأخوات وبنو أخ وبنو أخت: يوضع الثلث في جميع قرابته من هؤلاء, ومن ولد منهم بعد موته لأقل من ستة أشهر؛ لأن الصلة يراد بها صلة الرحم, فكأنه نص عليه, ومن ولد منهم لأقل من ستة أشهر علم أنه كان موجودا يوم موت الموصي, فيدخل في الوصية. وذكر محمد رحمه

 

ج / 7 ص -351-       الله في الزيادات إذا أوصى بثلث ماله لأختانه, ثم مات, فالأختان أزواج البنات, والأخوات, والعمات, والخالات, فكل امرأة ذات رحم محرم من الموصي, فزوجها من أختانه, وكل ذي رحم محرم من زوجها من ذكر, وأنثى, فهو أيضا من أختانه, ولا يكون الأختان إلا أزواج ذوات الرحم المحرم, ومن كان من قبلهم من ذي الرحم المحرم, ولا يكون من الأختان من كان من قبل نساء الموصي أي: زوجاته؛ لأن من ينسب إلى الزوجة, فهو صهر, وليس بختن على ما نذكر إن شاء الله تعالى, وقول محمد رحمه الله حجة في اللغة, وذكر محمد رحمه الله في الإملاء أيضا إذا قال: قد أوصيت لأختاني, فأختانه أزواج كل ذات رحم محرم من الزوج, فإن كانت له أخت, وبنت أخت, وخالة, ولكل واحدة منهن زوج, ولزوج كل واحدة منهن أب, فكلهم جميعا أختان, والثلث بينهم بالسوية الذكر, والأنثى فيه سواء, أم الزوج, وأختانه, وغير ذلك فيه سواء على ما بينا, فقد نص محمد رحمه الله في موضعين على أن الأختان ما ذكر, وقول محمد حجة في اللغة. وقال في الإملاء: إذا قال: أوصيت بثلث مالي لأصهاري, فهو على كل ذي رحم محرم من زوجته, وزوجة أبيه, وزوجة ابنه, وزوجة كل ذي رحم محرم منه, فهؤلاء كلهم أصهاره, ولا تدخل في ذلك الزوجة, ولا امرأة أبيه, ولا امرأة أخيه, وقول محمد رحمه الله حجة في اللغة, والدليل أيضا على أن الأصهار من كان من أهل الزوجة ما روي "أنه عليه الصلاة والسلام لما أعتق صفية, وتزوجها أعتق من ملك ذا رحم محرم منها إكراما لها". وكانوا يسمون أصهاره عليه الصلاة والسلام. وقال في الإملاء: قال أبو حنيفة رضي الله عنه: إذا أوصى فقال: ثلث مالي لجيراني, فهو لجيرانه الملاصقين لداره من السكان عبيدا كانوا أو أحرارا نساء كانوا أو رجالا ذمة كانوا أو مسلمين بالسوية قربت الأبواب, أو بعدت إذا كانوا ملاصقين للدار, وعندهما الثلث لهؤلاء الذين ذكرهم أبو حنيفة رضي الله عنه ولغيرهم من الجيران من أهل المحلة ممن يضمهم مسجد, أو جماعة واحدة, ودعوة واحدة, فهؤلاء جيرانه في كلام الناس. وقال في الزيادات عن أبي حنيفة رضي الله عنه إذا أوصى لجيرانه, فقياسه أن يكون للملاصقين, وقول أبي حنيفة عليه الرحمة ينبغي أن يكون الثلث للسكان, وغيرهم ممن يسكن تلك الدور التي تجب لأجلها الشفعة, ومن كان منهم له دار في تلك الدور, وليس بساكن فيها, فليس من جيرانه قال محمد رحمه الله: فأما أنا, فأستحسن أن أجعل الوصية لجيرانه الملاصقين ممن يملك الدور, وغيرهم ممن لا يملكها, ولمن يجمعه مسجد تلك المحلة التي فيها الموصي من الملاصقين, وغيرهم من السكان ممن في تلك المحلة, وغيرهم سواء في الوصية الأقربون, والأبعدون, والكافر, والمسلم, والصبي, والمرأة في ذلك سواء, وليس للمماليك, والمدبرين, وأمهات الأولاد في ذلك شيء "وأما" المكاتبون, فهم في الوصية إذا كانوا سكانا في المحلة "وجه" قولهما: إن اسم الجار كما يقع على الملاصق يقع على المقابل, وغيره ممن يجمعهما مسجد واحد, فإن كل واحد منهما يسمى جارا. وقال "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" "وروي" أن سيدنا عليا رضي الله عنه فسر ذلك, فقال: هم الذين يجمعهم مسجد واحد؛ ولأن مقصود الموصي من الوصية للجار هو البر به, والإحسان إليه, وإنه لا يختص بالملاصق, ولأبي حنيفة رحمه الله أن الجوار المطلق ينصرف إلى الحقيقة, وهي الاتصال بين الملكين بلا حائل بينهما هو حقيقة المجاورة, فأما مع الحائل, فلا يكون مجاورا حقيقة, ولهذا وجبت الشفعة للملاصق لا للمقابل؛ لأنه ليس بجار حقيقة "ومطلق" الاسم محمول على الحقيقة؛ ولأن الجيران الملاصقين هم الذين يكون لبعضهم على بعض حقوق يلزم الوفاء بها حال حياتهم, فالظاهر أنه أراد بهذه الوصية قضاء حق كان عليه, وإذا كان كذلك, فتنصرف الوصية إلى الجيران الملاصقين إلا أنه لا بد من السكنى في الملك الملاصق لملك الموصي, فإذا وجد ذلك صار كأنه جار له, فيستحق الوصية, والمذكور في الحديث جار المسجد, وجار المسجد فسره علي رضي الله تعالى عنه, فإذا أوصى لموالي فلان, وهو أبو فخذ أو قبيلة, أو لبني فلان, فإنه يصير كأنه قال: لموالي قبيلة فلان, ولبني قبيلة فلان, ويريد به المنتسبين إليهم بالنسب, والمنتمين إليهم بالولاء هذا هو المتعارف بين أهل اللسان, ومطلق الكلام ينصرف إليه, ويصير كالمنطوق بما هو المتعارف عندهم, ولو قال: نص هذا ثبت المال للمنتسبين إلى هذه القبيلة, والمنتمين إليهم بالولاء كان الجواب ما قلنا كذا ههنا, بخلاف ما إذا لم يكن فلان أبا فخذ أو قبيلة

 

ج / 7 ص -352-       فإن هناك لا عرف فعمل بحقيقة اللفظ, ولا يصار إلى المجاز إلا بالدليل الظاهر, ولا يدخل فيه مولى الموالاة؛ لأن مولى العتاقة يتقدم عليه, والله سبحانه وتعالى أعلم, ثم لا خلاف في أنه إذا قال: ثلث مالي لموالي فلان أنه يدخل في الوصية جميع من نجز عتاقه في صحته, وفي مرضه, وسواء كان أعتقه قبل الوصية أو بعدها؛ ; لأن نفاذ الوصية متعلق بالموت, وكل من أعتقه في المرض أو في الصحة بعد أن نجز إعتاقه صار مولى بعد الموت, فيستحق الوصية, فأما المدبرون, وأمهات الأولاد, فهل يدخلون تحت هذه الوصية؟ "روي" عن أبي يوسف أنهم يدخلون, وروي عنه رواية أخرى أنهم لا يدخلون, وهو قول محمد ذكره في الجامع, وجه الرواية الأولى أن تعلق نفوذ الوصية أوان الموت, وهم مواليه في ذلك الوقت, فإنهم يستحقون الوصية "وجه" ظاهر الرواية أن أوان نفوذ الوصية, وهو وقت الموت أوان عتقهم, فيعتقون في تلك الحالة, ثم يصيرون مواليه بعده, والوصية تناولت من كان مولى عند موته, وهم في تلك الحالة ليسوا بمواليه, فلا يدخلون في الوصية "ولو كان" قال ذلك بعد أن قال إن لم أضربك, فأنت حر, فمات قبل أن يضربه عتق, ودخل في الوصية؛ لأنه عتق في آخر جزء من أجزاء حياته لتحقق عدم الضرب منه في تلك الحالة, ووقوع اليأس عن حصوله من قبله, فيصير مولى له, ثم يعتقه الموت, ثم تنفذ الوصية, فكان مولى وقت نفوذ الوصية, ووجوبها, بخلاف المسألة الأولى, والله تعالى أعلم بالصواب.

"فصل" وأما الذي يرجع إلى الموصى به, فأنواع منها أن يكون مالا, أو متعلقا بالمال؛ لأن الوصية إيجاب الملك, أو إيجاب ما يتعلق بالملك من البيع, والهبة, والصدقة, والإعتاق, ومحل الملك هو المال, فلا تصح الوصية بالميتة, والدم من أحد, ولأحد؛ لأنهما ليس بمال في حق أحد, ولا بجلد الميتة قبل الدباغ, وكل ما ليس بمال, وقد ذكرنا ذلك في كتاب البيوع. "ومنها" أن يكون المال متقوما, فلا تصح الوصية بمال غير متقوم كالخمر فإنها, وإن كانت مالا حتى تورث لكنها غير متقومة في حق المسلم حتى لا تكون مضمونة بالإتلاف, فلا تجوز الوصية من المسلم, وله بالخمر, ويجوز ذلك من الذمي؛ لأنها مال متقوم في حقهم كالخل, وتجوز بالكلب المعلم؛ لأنه متقوم عندنا ألا ترى أنه مضمون بالإتلاف, ويجوز بيعه, وهبته سواء كان المال عينا, أو منفعة عند عامة العلماء حتى تجوز الوصية بالمنافع من خدمة العبد, وسكنى الدار, وظهر الفرس. وقال ابن أبي ليلى رحمه الله لا تجوز الوصية بالمنافع "وجه" قوله: أن الوصية بالمنافع وصية بمال الوارث؛ لأن نفاذ الوصية عند الموت, وعند الموت تحصل المنافع على ملك الورثة؛ لأن الرقبة ملكهم, وملك المنافع تابع لملك الرقبة, فكانت المنافع ملكهم؛ لأن الرقبة ملكهم, فكانت الوصية بالمنافع وصية من مال الوارث, فلا تصح؛ ولأن الوصية بالمنافع في معنى الإعارة إذ الإعارة تمليك المنفعة بغير عوض, والوصية بالمنفعة كذلك, والعارية تبطل بموت المعير, فالموت لما أثر في بطلان العقد على المنفعة بعد صحته, فلأن يمنع من الصحة أولى؛ لأن المنع أسهل من الرفع. "ولنا" أنه لما ملك تملك حال حياته بعقد الإجارة, والإعارة, فلأن يملك بعقد الوصية أولى؛ لأنه أوسع العقود ألا ترى أنها تحتمل ما لا يحتمله سائر العقود من عدم المحل, والحظر, والجهالة, ثم لما جاز تمليكها ببعض العقود, فلأن يجوز بهذا العقد أولى, والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب "وأما" قوله إن الوصية وقعت بمال الوارث, فممنوع, وقوله: ملك الرقبة عند موت الموصي مسلم لكن ملك المنفعة يتبع ملك الرقبة إذا أفرد المنفعة بالتمليك وإذا لم يفرد الأول ممنوع والثاني مسلم وهنا أفرد بالتمليك فلا يتبع ملك الرقبة وهذا لأن الموصي إذا أفرد ملك المنفعة بالوصية, فقد جعله مقصودا بالتمليك, وله هذه الولاية, فلا يبقى تبعا لملك الذات بل يصير مقصودا بنفسه, بخلاف الإعارة؛ لأن المعير, وإن جعل ملك المنفعة مقصودا بالتمليك لكن في الحال لا بعد الموت؛ لأنه إنما يعار الشيء للانتفاع في حال الحياة عادة لا بعد الموت, فينتفي العقد بالموت. وأما الوصية, فتمليك بعد الموت, فكان قصده تمليكه المنفعة بعد الموت, فكانت المنافع مقصودة بالتمليك بعد الموت, فهو الفرق, ونظيره من وكل وكيلا في حال حياته, فمات الموكل ينعزل الوكيل, ولو أضاف الوكالة إلى ما بعد موته؛ جاز حتى يكون وصيا بعد موته, وسواء كانت الوصية بالمنافع مؤقتة بوقت من سنة أو شهر, أو كانت مطلقة عن التوقيت؛ لأن الوصية بالمنافع في معنى الإعارة؛ لأنها تمليك المنفعة بغير عوض, ثم الإعارة تصح مؤقتة, ومطلقة عن الوقت. وكذا الوصية غير أنها إذا كانت

 

ج / 7 ص -353-       مطلقة, فللموصى له أن ينتفع بالعين ما عاش, وإذا كانت مؤقتة بوقت, فله أن ينتفع به إلى ذلك الوقت, وإذا جازت الوصية بالمنافع يعتبر فيها خروج العين التي أوصى بمنفعتها من الثلث, ولا يضم إليها قيمة, وإن كان الموصى به هو المنفعة, والعين ملك لم يزل عنه؛ ; لأن الموصي بوصيته بالمنافع منع العين عن الوارث, وحبسها عنه لفوات المقصود من العين, وهو الانتفاع بها, فصارت ممنوعة عن الوارث محبوسة عنه, والموصي لا يملك منع ما زاد عن الثلث على الوارث, فاعتبر خروج العين من ثلث المال "ولهذا" لو أجل المريض مرض الموت دينا معجلا له لا يصح إلا في الثلث, وإن كان التأجيل لا يتضمن إبطال ملك الدين لكن لما كان فيه منع الوارث عن الدين قبل حلول الأجل لم يصح إلا في قدر الثلث كذا ههنا, وإذا كان المعتبر خروج العين من الثلث, فإن خرجت من الثلث؛ جازت الوصية في جميع المنافع, فللموصى له أن ينتفع بها, فيستخدم العبد, ويسكن الدار ما عاش إن كانت الوصية مطلقة عن الوقت, فإذا مات الموصى له بالمنفعة انتقلت إلى ملك صاحب العين؛ لأن الوصية بالمنفعة قد بطلت بموت الموصى له؛ لأنها تمليك المنفعة بغير عوض كالإعارة, فتبطل بموت المالك إياه كما تبطل الإعارة بموت المستعير على أن المنافع بانفرادها لا تحتمل الإرث, وإن كان تملكها بعوض على أصل أصحابنا رضي الله عنهم كإجارة فلان لا يحتمل فيما هو تمليك بغير عوض أولى, بخلاف ما إذا أوصى بغلة داره, أو ثمرة نخله, فمات الموصى له, وفي النخل ثمر. وكان وجب بما استغل الدار آخر أن ذلك يكون لورثة الموصى له؛ لأن ذلك عين ملكها الموصى له, وتركه بالموت, فيصير ميراثا لورثته, وفي المنفعة لا حتى أن ما يحصل بعد موته لا يكون لورثته بل لورثة الموصي؛ لأنه لم يملكه الموصى له, فلا يورث, وإن كانت العين لا تخرج من ثلث ماله؛ جازت الوصية في المنافع في قدر ما تخرج العين من ثلث ماله بأن لم يكن له مال آخر سوى العين من العبد, والدار, تقسم المنفعة بين الموصى له, وبين الورثة أثلاثا ثلثها للموصى له, وثلثاها للورثة, فيستخدم الموصى له العبد يوما, والورثة يومين, وفي الدار يسكن الموصى له ثلثها, والورثة ثلثيها ما دام الموصى له حيا, فإذا مات ترد المنفعة إلى الورثة, وحكى أبو يوسف عن ابن أبي ليلى رحمهما الله أنه إذا أوصى بسكنى داره لرجل, وليس له مال غيرها, ولم تجز الورثة إن الوصية باطلة؛ لأن الوصية لم تصح في الثلثين, والشيوع شائع في الثلثين, والشيوع يؤثر في المنافع كما في الإجارة "وهذا" لا يتفرع على أصل ابن أبي ليلى؛ لأن الوصية بالمنافع باطلة على أصله, فتبقى السكنى كلها على ملك الورثة, فلا يتحقق الشيوع, ولو أراد الورثة بيع الثلثين, أو القسمة ليس لهم ذلك "عند" أبي حنيفة, وعند أبي يوسف لهم ذلك "وجه" قول أبي يوسف إن الملك مطلق للتصرف في الأصل, وإنما الامتناع لتعلق حق الغير به, وحق الغير ههنا تعلق بالثلث لا بالثلثين؛ لأن الوصية تعلقت بالثلث لا غير, فخلا ثلثا الدار عن تعلق حق الغير بها, فكان لهم ولاية البيع, والقسمة. وكذا الحاجة دعت إلى القسمة لتكميل المنفعة, ولأبي حنيفة رضي الله عنه أن حق الموصى له بالمنفعة متعلق بمنافع كل الدار على الشيوع, وذلك بمنع جواز البيع كما في الإجارة, فإن رقبة المستأجر ملك المؤجر لكن لما تعلق بها حق المستأجر منع جواز البيع, ونفاذه بدون إجازة المستأجر كذا ههنا. وكذا في القسمة إبطال حق الموصى له هذا إذا كانت الوصية بالمنافع مطلقة عن الوقت, فإن كانت مؤقتة, فإن كانت العين تخرج من ثلث ماله؛ فإن الموصى له ينتفع بها إلى الوقت المذكور, فإن كان المذكور سنة غير معينة, فينتفع بها الموصى له سنة كاملة, ثم يعود بعد ذلك إلى الورثة, وإن كانت لا تخرج من ثلث ماله فبقدر ما يخرج, وإن لم يكن له مال آخر كانت المنفعة بين الموصى له, وبين الورثة أثلاثا يخدم العبد يوما للموصى له, ويومين للورثة, فيستوفي الموصى له خدمة السنة في ثلاث سنين, وإن كانت العين الموصى بمنفعتها دارا يسكن الموصى له ثلثها, والورثة ثلثيها يهايئان مكانا؛ لأن التهايؤ بالمكان في الدار ممكن, وفي العبد لا يمكن لاستحالة خدمة العبد بثلثه لأحدهما, وبثلثيه للآخر, فمست الضرورة إلى المهايئات زمانا, وإن كان المذكور من الوقت سنة بعينها بأن قال: سنة كذا, أو شهر كذا, فإن كان الموصى به خدمة العبد, فإن كان العبد يخرج من الثلث ينتفع بها تلك السنة أو الشهر, وإن لم يكن له مال آخر, ففي العبد ينتفع به الورثة يومين

 

ج / 7 ص -354-       والموصى له يوما, وفي الدار يسكن الموصى له ثلثها, والورثة ثلثيها على طريق المهايأة, فإذا مضت تلك السنة, أو ذلك الشهر على هذا الحساب يحصل للموصى له منفعة السنة أو الشهر, ولو أراد أن يكمل ذلك من سنة أخرى, أو من شهر آخر ليس له ذلك؛ لأن الوصية أضيفت إلى تلك السنة, أو ذلك الشهر لا إلى غيرهما. ولو عين الشهر الذي هو فيه أو السنة التي هو فيها بأن قال: هذا الشهر, أو هذه السنة ينظر إن مات بعد مضي ذلك الشهر, أو تلك السنة بطلت وصيته؛ لأن الوصية نفاذها عند موته, وقد مضى ذلك الشهر, أو تلك السنة قبل موته فبطلت الوصية, وإن مات قبل أن يمضي ذلك الشهر, أو السنة, فإن كانت العين تخرج من الثلث ينتفع بها فما بقي من الشهر, أو السنة, وإن كانت لا تخرج, وليس له مال آخر ففي العبد ينتفع بها الموصى له يوما, والورثة يومين إلى أن يمضي ذلك الشهر, أو السنة, وفي الدار يسكناها أثلاثا على طريق المهايأة على ما بينا, ولو أوصى بخدمة عبده لإنسان, وبرقبته لآخر, أو بسكنى داره لإنسان, وبرقبتها لآخر, والرقبة تخرج من الثلث فالرقبة لصاحب الرقبة, والخدمة كلها لصاحب الخدمة؛ لأن المنفعة لما احتملت الإفراد من الرقبة بالوصية حتى لا تملك الورثة الرقبة, والموصى له المنفعة, فيستوي فيها الإفراد باستيفاء الرقبة لنفسه, وتمليكها من غيره, فيكون أحدهما موصى له بالرقبة, والآخر بالمنفعة, فإذا مات الموصى ملك صاحب الرقبة الرقبة, وصاحب المنفعة المنفعة, وكذلك إذا أوصى برقبة شجرة أو بستان لإنسان, وبثمرته لآخر, أو برقبة أرض لرجل, وبغلتها لآخر, أو بأمة لرجل, وبما في بطنها لآخر؛ لأن الثمر, والغلة, والحمل كل واحد منها يحتمل الإفراد بالوصية, فلا فرق بين أن يستبقي الأصل لنفسه, وبين أن يملكه من غيره على ما ذكرنا في الوصية بالمنفعة وسواء كان الموصى به موجودا وقت كلام الوصية, أو لم يكن موجودا عنده, فالوصية جائزة إلا إذا كان في كلام الموصي ما يقتضي الوجود للحال, فتصح الوصية بثلث ماله, ولا مال له عند كلام الوصية. وكذا تصح الوصية بغلة بستانه, أو بغلة أرضه, أو بغلة أشجاره أو بغلة عبده, أو بسكنى داره, أو بخدمة عبده, وتصح الوصية بما في بطن جاريته, أو دابته, وبالصوف على ظهر غنمه,, وباللبن في ضرعها, وثمرة بستانه, وثمرة أشجاره, وإن لم يكن شيء من ذلك موجودا للحال.

"فصل" وأما وجوده عند موت الموصي, فهل هو شرط بقاء الوصية على الصحة؟ "فأما" في الثلث, والعين المشار إليها فشرط, حتى لو أوصى بثلث ماله, وله مال عند كلام الوصية, ثم هلك, ثم مات الموصى بطلت الوصية. وكذلك الوصية بما في البطن, والضرع, وبما على الظهر من الصوف, واللبن, والولد, حتى لو مات الموصى بطلت الوصية إذا لم يكن ذلك موجودا وقت موته. وأما في الوصية بالثمرة فليس بشرط استحسانا, والقياس أن يكون شرطا, ولا يشترط ذلك في الوصية بغلة الدار, والعبد, والحاصل أن جنس هذه الوصايا على أقسام بعضها يقع على الموجود وقت موت الموصي, والذي يوجد بعد موته سواء ذكر الموصي في وصيته الأبد, أو لم يذكر, وهو الوصية بالغلة, وسكنى الدار, وخدمة العبد, وبعضها يقع على الموجود قبل الموت, ولا يقع على ما يحدث بعد موته سواء ذكر الأبد أو لم يذكر, وهو الوصية بما في البطن, والضرع, وبما على الظهر, فإن كان في بطنها, ولد, وفي ضرعها لبن, وعلى ظهرها صوف وقت موت الموصي فالوصية جائزة, وإلا فلا, وفي بعضها إن ذكر لفظ الأبد يقع على الموجود, والحادث, وإن لم يذكر, فإن كان موجودا وقت موت الموصي يقع على الموجود, ولا يقع على الحادث, وإن لم يكن موجودا فالقياس أن تبطل الوصية كما في الصوف, والولد, واللبن, وفي الاستحسان لا تبطل, وتقع على ما يحدث كما لو ذكر الأبد, وهذه الوصية بثمرة البستان. والشجر إنما كان كذلك؛ لأن الوصية إنما تجوز فيما يجري فيه الإرث, أو فيما يدخل تحت عقد من العقود في حالة الحياة, والحادث من الولد, وأخواته لا يجري فيه الإرث, ولا يدخل تحت عقد من العقود فلا يدخل تحت الوصية, بخلاف الغلة فإن له نظيرا في العقود, وهو عقد المعاملة, والإجارة, وكذلك سكنى الدار, وخدمة العبد يدخلان تحت عقد الإجارة, والإعارة فكان لهما نظير في العقود. وأما الوصية بثمرة البستان, والشجر فلا شك أنها تقع عن الموجود وقت موت الموصي, والحادث بعد موته إن ذكر الأبد؛ لأن اسم الثمرة يقع على الموجود, والحادث, والحادث منها يحتمل الدخول تحت بعض العقود, وهو عقد المعاملة, والوقف, فإذا ذكر الأبد يتناوله, وإن لم يذكر الأبد, فإن كان وقت موت

 

ج / 7 ص -355-       الموصي ثمرة موجودة دخلت تحت الوصية, ولا يدخل ما يحدث بعد الموت, وإن لم يكن فالقياس أن لا يتناول ما يحدث, وتبطل الوصية, وفي الاستحسان يتناوله, ولا تبطل الوصية. "وجه" القياس أن الثمرة بمنزلة الولد, والصوف, واللبن, والوصية بشيء من ذلك لا يتناول الحادث كذا الثمرة. "وجه" الاستحسان أن الاسم يحتمل الحادث, وفي حمل الوصية عليه تصحيح العقد, ويمكن تصحيحه؛ لأن له نظيرا من العقود, وهو الوقف, والمعاملة, ولهذا لو نص على الأبد يتناوله, بخلاف الولد, والصوف, واللبن؛ لأنه عقد ما لا يحتمله فلم يكن ممكن التصحيح, ولهذا لو نص على الأبد لا يتناول الحادث, وههنا بخلافه, ولو أوصى لرجل ببستانه يوم يموت, وليس له يوم أوصى بستان, ثم اشترى بستانا, ثم مات فالوصية جائزة؛ لأن الوصية بالمال إيجاب الملك عند الموت فيراعى وجود الموصى به وقت الموت. ألا ترى أنه لو أوصى له بعين البستان, وليس في ملكه البستان يوم الوصية, ثم ملكه, ثم مات صحت الوصية, ولو قال: أوصيت لفلان بغلة بستاني, ولا بستان له فاشترى بعد ذلك ذلك ومات ذكر الكرخي عليه الرحمة أن الوصية جائزة, وذكر في الأصل أنها غير جائزة. "وجه" رواية الأصل أن قوله بستاني يقتضي وجود البستان للحال, فإذا لم يوجد لم يصح. "والصحيح" ما ذكره الكرخي؛ لأن الوصية إيجاب الملك بعد الموت فيستدعي وجود الموصى به عند الموت لا وقت كلام الوصية, ولو أوصى لرجل بثلث غنمه فهلكت الغنم قبل موته, أو لم يكن له غنم من الأصل فمات ولا غنم له فالوصية باطلة. وكذلك العروض كلها؛ لأن الوصية تمليك عند الموت, ولا غنم له عند الموت, فإن لم يكن له غنم وقت كلام الوصية, ثم استفاد بعد ذلك ذكر في الأصل أن الوصية باطلة؛ لأن قوله غنمي يقتضي غنما موجودة وقت الوصية كما قلنا في البستان. وعلى رواية الكرخي رحمه الله ينبغي أن يجوز لما ذكرنا في البستان. وكذلك لو قال أوصيت له بشاة من غنمي, أو بقفيز من حنطتي, ثم مات وليس له غنم ولا حنطة فالوصية باطلة لما قلنا, ولو لم يكن له غنم, ولا حنطة ثم استفاد بعد ذلك ثم مات, فهو على الروايتين اللتين ذكرناهما, وبمثله لو قال: شاة من مالي أو قفيز حنطة من مالي, وليس له غنم, ولا حنطة فالوصية جائزة, ويعطى قيمة الشاة؛ لأنه لما أضاف إلى المال, وعين الشاة لا توجد في المال علم أنه أراد به قدر مالية الشاة, وهي قيمتها, ولو أوصى بشاة, ولم يقل من غنمي, ولا من مالي فمات وليس له غنم لم يذكر هذا الفصل في الكتاب, واختلف المشايخ فيه قال بعضهم: لا تصح الوصية؛ لأن الشاة اسم للصورة. والمعنى جميعا إلا أنا حملنا هذا الاسم على المعنى في الفصل الأول بقرينة الإضافة إلى المال, ولم توجد ههنا. وقال بعضهم: يصح؛ لأن الشاة إذا لم تكن موجودة في ماله فالظاهر أنه أراد به مالية الشاة تصحيحا لتصرفه فيعطى قيمة شاة, وقد ذكر في السير الكبير مسألة تؤيد هذا القول, وهي أن الإمام إذا نفل سرية فقال: من قتل قتيلا فله جارية من السبايا. فإن كان في السبي جارية يعطى من قتل قتيلا, وإن لم يكن في السبي جارية لا يعطى شيئا, ولو قال: من قتل قتيلا فله جارية, ولم يقل من السبي فإنه يعطى من قتل قتيلا قدر مالية الجارية كذا ههنا. ولا تجوز الوصية بسكنى داره, أو خدمة عبده أو ظهر فرسه للمساكين في قول أبي حنيفة عليه الرحمة, ولا بد من أن يكون ذلك لإنسان معلوم. وعندهما رحمهما الله تجوز الوصية بذلك كله للمساكين, كذا ذكر الكرخي في مختصره, وذكر في الأصل, والوصية بسكنى الدار, وخدمة العبد أنها لا تجوز, ولم يذكر فيها الاختلاف, وإنما ذكره في الوصية بظهر الفرس. "وجه" قولهما أن الوصية للمساكين وصية بطريق الصدقة, والصدقة إخراج المال إلى الله سبحانه وتعالى, والله عز وجل واحد معلوم, ولهذا جازت الوصية بسائر الأعيان للمساكين فكذا بالمنافع,, ولأبي حنيفة رضي الله عنه أن الموصى له بالخدمة. والركوب, والسكنى تلزمه النفقة على العبد, والفرس, والدار؛ لأنه لا يمكنه الانتفاع إلا بعد بقاء الدين, ولا يبقى عادة بدون النفقة فبعد ذلك لا يخلو إما أن تلزمه النفقة أو لا, فإن لم تلزمه النفقة لا يمكن تنفيذ هذه الوصية؛ لأنه لا يمكن إيجابها على الورثة؛ لأن المؤنة لا تجب إلا على من له المنفعة, والمنفعة للموصى له لا للورثة, ولا يمكن الاستغلال بأن يستغل فينفق عليه من الغلة؛ لأن الوصية لم تقع بالغلة؛ ولأن الاستغلال يقع تبديلا للوصية, وأنه لا يجوز فتعذر تنفيذ هذه الوصية, وإن لزمه النفقة فكان هذا معاوضة معنى

 

ج / 7 ص -356-       لا وصية, ولا صدقة. والجهالة تمنع صحة المعاوضة, وهذا المعنى لا يوجد في الأعيان, وفي الوصية لرجل بعينه, وقيل: إن الوصية بظهر فرسه للمساكين, أو في سبيل الله تبارك وتعالى فريعة مسألة الوقف, أن عند أبي حنيفة رضي الله عنه لو جعل فرسه للمساكين وقفا في حال الحياة لا يجوز, ولا تجوز الوصية به بعد الوفاة. وعندهما لو جعله وقفا في حال حياته جاز فكذا إذا أوصى بعد وفاته, وسواء كان الموصى به معلوما, أو مجهولا فالوصية جائزة؛ لأن هذه جهالة تمكن إزالتها من جهة الموصي ما دام حيا, ومن جهة ورثته بعد موته فأشبهت جهالة المقر به في حال الإقرار, وإنها لا تمنع صحة الإقرار, بخلاف جهالة المقر له تمنع صحة الإقرار كذا جهالة الموصى له تمنع صحة الوصية أيضا. وعلى هذا مسائل: بعضها يرجع إلى. بيان قدر ما يستحقه الموصى له من الوصايا التي فيها ضرب إبهام, وبعضها يرجع إلى بيان استخراج القدر المستحق من الوصية المجهول بالحساب, وهي المسائل الحسابية, وبيان هذه الجملة في مسائل منها ما إذا أوصى لرجل بجزء من ماله أو بنصيب من ماله أو بطائفة من ماله أو ببعض أو بشقص من ماله, فإن بين في حياته شيئا, وإلا أعطاه الورثة بعد موته ما شاءوا؛ لأن هذه الألفاظ تحتمل القليل, والكثير, فيصح البيان فيه مادام حيا, ومن ورثته إذا مات؛ لأنهم قائمون مقامه لو أوصى بألف إلا شيئا, أو إلا قليلا, أو إلا يسيرا, أو زهاء ألف, أو جل هذه الألف, أو عظم هذا الألف, وذلك يخرج من الثلث فله النصف من ذلك, وزيادة. وما زاد على النصف فهو إلى الورثة يعطون منه ما شاءوا؛ لأن القليل, والكثير, واليسير من أسماء المقابلة فلا يكون قليلا إلا, وبمقابلته أكثر منه, فيقتضي وجود الأكثر, وهو النصف, وزيادة عليه, وتلك الزيادة مجهولة فيعطيه الورثة من الزيادة ما شاءوا. والشيء في مثل هذا الموضع يراد به اليسير, وقوله: جل هذه الألف, وعامة هذه الألف, وعظم هذه الألف عبارات عن أكثر الألف, وهو الزيادة على النصف, وزهاء ألف عبارة عن القريب من الألف, وأكثر الألف قريب من الألف, ولو أوصى له بسهم من ماله فله مثل أخس الأنصباء يزاد على الفريضة ما لم يزد على السدس عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعندهما رحمهما الله ما لم يزد على الثلث كذا ذكر في الأصل, وذكر في الجامع الصغير له مثل نصيب أحد الورثة, ولا يزاد على السدس عند أبي حنيفة, وعندهما لا يزاد على الثلث, فعلى رواية الأصل يجوز النقصان عن السدس عنده, وعلى رواية الجامع الصغير لا يجوز, وبيان هذه الجملة إذا مات الموصي, وترك زوجة, وابنا, فللموصى له على رواية الأصل أخس سهام الورثة, وهو الثمن, ويزاد على ثمانية أسهم سهم آخر فيصير تسعة فيعطى تسعة المال, وعلى رواية الجامع الصغير يعطى السدس؛ لأنه أخس سهام الورثة. ولو ترك زوجة, وأخا لأب, وأم, أو لأب فللموصى له السدس عنده؛ لأن أخس سهام الورثة الربع ههنا, وهو لا يجوز الزيادة على السدس, وعندهما له الربع؛ لأنه أقل سهام الورثة, وأنه أقل من الثلث فزاد على أربعة مثل ربعها, وذلك سهم, وهو خمس المال. وكذلك لو ماتت امرأة, وتركت زوجا, وابنا, ولو ترك ابنين فله السدس عنده, وعندهما له ثلث جميع المال. وكذلك إن ترك ثلاث بنين, فإن ترك خمسة بنين فله سدس جميع المال عنده, وعندهما يجعل المال على ثلاثة أسهم, ثم يزاد عليه سهم فيعطى أربعة إذا, وإن أقر بسهم من داره لإنسان فله السدس عنده, وعندهما البيان إلى المقر. وكذلك إذا أعتق سهما من عبده يعتق سدسه عنده لا غير, وعندهما يعتق كله؛ لأن العتق يتجزأ عنده, وعندهما لا يتجزأ. "وجه" قولهما أن السهم اسم لنصيب مطلق ليس له حد مقدر بل يقع على القليل, والكثير كاسم الجزء إلا أنه لا يسمى سهما إلا بعد القسمة فيقدر بواحد من أنصباء الورثة, والأقل متيقن فيقدر به إلا إذا كان يزيد ذلك على الثلث فيزاد إلى الثلث؛ لأن الوصية لا جواز لها بأكثر من الثلث من غير إجازة الورثة,, ولأبي حنيفة رضي الله عنه "ما روي" عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن رجل أوصى بسهم من ماله فقال له السدس. "والظاهر" أن الصحابة رضي الله عنهم بلغتهم فتواه, ولم ينقل أنه أنكر عليه أحد فيكون إجماعا. وروي عن إياس بن معاوية رضي الله عنه أنه قال: السهم في كلام العرب السدس إلا أنه يستعمل أيضا في أحد سهام الورثة, والأقل متيقن به فيصرف إليه, فإن كان أقل منه لا يبلغ به السدس؛ لأنه يحتمل أنه أراد به السدس, ويحتمل أنه أراد به مطلق سهم من سهام الورثة, فلا يزاد على أقل سهامهم بالشك

 

ج / 7 ص -357-       والاحتمال. ولو أوصى له بمائة دينار إلا درهم, أو بكر حنطة إلا درهم أو إلا محتوم شعير جائز, وهو كما قال, وكذلك لو قال: داري هذه, أو عبدي هذا إلا مائة درهم جاز عن الثلث, وبطل عنه قيمة مائة درهم, وهذا قول أبي حنيفة, وأبي يوسف رحمهما الله. وقال محمد رحمه الله: الاستثناء باطل, ولقب المسألة أن استثناء المقدر من المقدر في الجنس, وخلاف الجنس بعد إن كان الاستثناء مقدرا بعد إن كان من المكيلات, أو الموزونات, أو العدديات المتقاربة صحيح عندهما, وعنده لا يصح إلا في الجنس, وهي من مسائل كتاب الإقرار. ولو قال: أوصيت لفلان ما بين العشرة والعشرين, أو ما بين العشرة إلى العشرين, أو من العشرة إلى عشرين فهو سواء, وله تسعة عشر درهما. وكذلك لو قال: ما بين المائة, والمائتين, أو ما بين المائة إلى المائتين, أو من المائة إلى المائتين, فله مائة وتسعة وتسعون درهما, وهذا قول أبي حنيفة, وعندهما له في الأول عشرون, وفي الثاني مائتان, وعند زفر له ثمانية عشر في الأول, ومائة وثمانية وتسعون في الثاني, وأصل المسألة أن الغايتين يدخلان عندهما, وعند زفر رحمه الله لا يدخلان, وعند أبي حنيفة عليه الرحمة تدخل الأولى دون الثانية,, والمسألة مرت في كتاب الطلاق. ولو أوصى لفلان بعشرة دراهم في عشرة ونوى الضرب والحساب فله عشرة دراهم عند أصحابنا الثلاثة, وعند زفر له مائة درهم,, وقد ذكرنا المسألة في كتاب الطلاق, وبمثله لو أوصى لفلان بعشرة أذرع في عشرة أذرع من داره فله مائة ذراع مكسرة. "ووجه" الفرق بين المسألتين على أصل أصحابنا الثلاثة أن الضرب يراد به تكسير الأجزاء فيما يحتمل المساحة في الطول, والعرض, وذلك يوجد في الدار, والدراهم موزونة, وليس لها طول, ولا عرض, فلا يراد بالضرب فيها تكسير أجزائها, ومعنى قوله: المكسرة, أي: المكسرة في المساحة, وهو أن يكون طولها عشرة أذرع, وعرضها عشرة. ولو أوصى له بثوب سبعة في أربعة فله كما قال, وهو ثوب طوله سبعة أذرع, وعرضه أربعة أذرع؛ لأن مفهوم هذا اللفظ في الثوب هذا فينصرف اللفظ إليه. ولو قال: عبدي هذا وهذا لفلان وصية وهما يخرجان من الثلث كان للورثة أن يعطوه أيهما شاءوا؛ لما ذكرنا أن الوارث يقوم مقام المورث في جهالة يمكن إزالتها, ولو كان المورث حيا كان البيان إليه فإذا مات قام الوارث مقامه, والفقه في ذلك أن الوصية تمليك بعد الموت, والورثة تقوم مقامه في التمليك, بخلاف ما إذا قال: عبدي هذا, أو هذا حر أن البيان إليه لا إلى الورثة, وينقسم العتق عليهما؛ ; لأن ذلك ليس بتمليك بل هو إتلاف الملك, وقد انقسم ذلك عليهما إذ ليس أحدهما بأولى من الآخر فلا يحتمل البيان من جهة الوارث. ولو أوصى له بحنطة في جوالق فله الحنطة دون الجوالق؛ لأن الموصى به الحنطة دون الجوالق, والجوالق ليس من توابع الحنطة ألا يرى لو باع الحنطة في الجوالق لا يدخل فيه الجوالق, وبيع الحنطة مع الجوالق ليس بمعتاد فلا يدخل في الوصية, ولو أوصى له بهذا الجراب الهروي فله الجراب, وما فيه؛ لأن الجراب يعد تابعا لما فيه عادة حتى يدخل في البيع فكذا في الوصية. وكذا لو أوصى له بهذا الدن من الخل فله الدن, والخل. وكذا لو أوصى بقوصرة تمر فله القوصرة, وما فيها؛ لأن الدن يعد تابعا للخل, والقوصرة للتمر, ولهذا يدخل ذلك في عقد البيع كذا في الوصية, ولو أوصى له بالسيف فله السيف بجفنه, وحمائله "وقال" أبو يوسف: له النصل دون الجفن, والحمائل, فأصل أبي يوسف في هذا الباب أنه يعتبر الاتصال, والانفصال فما كان متصلا به يدخل, وما كان منفصلا عنه لا يدخل, والجفن, والحمائل منفصلان عن السيف فلا يدخلان تحت الوصية به. ولهذا لو أوصى بدار لا يدخل ما فيها من المتاع كذا هذا, والمعتبر على ظاهر الرواية التبعية, والأصالة في العرف, والعادة, والجفن, والحمائل يعدان تابعان للسيف عرفا, وعادة. ألا ترى أنهما يدخلان في البيع كذا في الوصية, ولو أوصى له بسرج فله السرج, وتوابعه من اللبد, والرفادة, والطفر, والركابات, واللبب في ظاهر الرواية؛ لأنه لا ينتفع بالسرج إلا بهذه الأشياء فكانت من توابعه فتدخل في الوصية به. وقال أبو يوسف: له الدفتان, والركابان, واللبب, ولا يكون له اللبد, ولا الرفادة, ولا الطفر؛ لأنها منفصلة عن السرج, ولو أوصى له بمصحف, وله غلاف فله المصحف دون الغلاف في قول أبي يوسف, وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنهما كذا ذكر القدوري عليه الرحمة. وقال زفر رحمه الله: له المصحف, والغلاف أما على أصل أبي يوسف؛ فلأن الغلاف منفصل

 

ج / 7 ص -358-       عن المصحف فلا يدخل في الوصية من غير تسمية,, وأبو حنيفة رحمه الله يقول ليس بتابع للمصحف بدليل أنه لا يكره للجنب, والمحدث مس المصحف بغلافه فلا يدخل, وزفر يقول: هو تابع للمصحف فيدخل في الوصية, ولو أوصى بميزان قال أبو يوسف: له الكفتان, والعمود الذي فيه الكفتان, واللسان, وليس له الطرازدان, والصنجات "وأما" الشاهين فله الكفتان, والعمود, وليس له الصنجات, والتخت. "وقال" زفر: إذا أوصى بميزان فله الطرازدان, والصنجات, والكفتان, وإن أوصى له بشاهين فله التخت والصنجات1 فأبو يوسف مر على أصله أن الصنجة والطرازدان شيئان منفصلان فلا يدخلان في الوصية إلا بالتسمية,, وزفر يجعل ذلك من توابع الميزان لما أن الانتفاع لا يكون إلا بالجميع فصار كتوابع السرج, ولو أوصى له بالقبان والفرسطون فله العمود, والحديد, والرمانة, والكفة التي يوضع فيها المتاع في قولهم جميعا؛ لأن اسم القبان يشمل هذه الجملة فيستوى فيها الاتصال, والانفصال, ولو أوصى له بقبة فله عيدان القبة دون كسوتها؛ لأن القبة اسم للخشب لا للثياب, وإنما الثياب اسم للزينة ألا ترى أنه يقال: كسوة القبة, والشيء لا يضاف إلى نفسه هو الأصل. وكذا الكسوة منفصلة منها على أصل من يعتبر الاتصال. ولو أوصى بقبة تركية, وهي ما يقال لها بالعجمية: خركاه فله القبة مع الكسوة, وهي اللبود؛ لأنه لا يقال لها قبة تركية إلا بلبودها, بخلاف القبة البلدية, ويعتبر في ذلك العرف, والعادة, ويختلف الجواب باختلاف العرف, والعادة, ولو أوصى له بحجلة فله الكسوة دون العيدان؛ لأنها اسم للكسوة في العرف. ولو أوصى بسلة زعفران فله الزعفران دون السلة هكذا ذكر في الأصل, وذكر القدوري رحمه الله أن محمدا إنما أجاب فيه على عادة زمانه؛ لأن في ذلك الوقت كان لا تباع السلة مع الزعفران بل كانت تفرد عنه في البيع. وأما الآن في العادة أن الزعفران يباع بظروفه فيدخل في الوصية, والتعويل في الباب على العرف, والعادة, ولو أوصى له بهذا العسل وهو في زق فله العسل دون الزق. وكذلك السمن, والزيت, وما أشبه ذلك؛ لأنه أوصى له بالعسل لا بالزق, والعسل يباع بدون ظرفه عادة فلا يتبعه في الوصية, والله سبحانه وتعالى أعلم. ولو أوصى بنصيب ابنه أو ابنته لإنسان, فإن كان له ابن أو ابنة لم يصح؛ لأن نصيب ابنه أو ابنته ثابت بنص قاطع فلا يحتمل التحويل إلى غيره بالوصية, وإن لم يكن له ابن, أو ابنة صحت الوصية؛ لأنها لم تتضمن تحويل نصيب ثابت, فكان وصية بمثل نصيب ابنه أو ابنته, وليس له ابن أو ابنة, وإنها صحيحة لما نذكر, وإن أوصى بمثل نصيب ابنه أو ابنته, وله ابن أو ابنة جازت؛ لأن مثل الشيء غيره لا عينه فليس في هذه الوصية تحويل نصيب ثابت إلى الموصى له بل يبقى نصيبه, ويزاد عليه بمثله فيعطى الموصى له, ثم إن كان أكثر من الثلث تحتاج الزيادة إلى الإجازة. وإن كان ثلثا أو أقل منه لا تحتاج إلى الإجازة, حتى لو أوصى بمثل نصيب ابنه, وله ابن واحد فللموصى له نصف المال, ولابنه النصف؛ لأنه جعل له مثل نصيبه, فيقتضي أن يكون للابن نصيب, وأن يكون نصيب الموصى له مثل نصيبه, وذلك هو النصف فكان المال بينهما نصفين كما لو كانا ابنين, غير أن الزيادة على الثلث ههنا تقف على إجازة الابن إن أجاز جازت الزيادة, وإلا فلا, وإن كان له ابنان فللموصى له ثلث المال؛ لأنه جعل للموصى له مثل نصيب ابن واحد منهما, ولا يكون له مثل نصيب ابن واحد منهما إلا, وأن يكون المال بينهم أثلاثا, ولا يحتاج ههنا إلى الإجازة, ولو أوصى بمثل نصيب بنته, فإن كان له بنت واحدة فللموصى له نصف المال إن أجازت؛ لأن نصيب البنت الواحدة النصف, فكان مثل نصيبها النصف, فكان له النصف إن أجازت, وإلا فالثلث, وإن كان له بنتان فللموصى له ثلث المال؛ لأنه إذا كان لهما الثلثان كان لكل واحد منهما الثلث, وقد جعل نصيبه مثل نصيب واحدة منهما, ونصيب واحدة منهما الثلث فكان نصيبه أيضا الثلث, ولو أوصى له بنصيب ابن لو كان فهو كما لو أوصى بمثل نصيب ابنه, وله نصف المال إن أجازت الورثة. ولو أوصى له بمثل نصيب ابن لو كان فللموصى له ثلث المال؛ لأنه أوصى بمثل نصيب مقدر لابن مقدر, ونصيب الابن المقدر سهم فمثل نصيبه يكون سهما, فكان هذا وصية له بسهم من ثلاثة أسهم, والله سبحانه وتعالى أعلم. ولو أوصى لرجل بمثل نصيب أحد بنيه وله ثلاثة بنين وأوصى لرجل آخر بثلث ما يبقى من الثلث بعد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل

 

ج / 7 ص -359-       النصب فالمسألة تخرج من ثلاثة, وثلاثين للموصى له بالنصيب ثمانية, وللموصى له الآخر سهم, ولكل واحد من البنين ثمانية أما تخريجها بطريقة الحشو فهو أن تأخذ عدد البنين, وذلك ثلاثة وزد عليه واحدا لأجل الوصية بمثل نصيب أحد البنين؛ لأن مثل الشيء يزاد عليه فيصير أربعة ثم اضرب الأربعة في ثلاثة لأجل تنفيذ الوصية الأخرى, وهي الوصية بثلث ما يبقى من الثلث بعد النصب فيصير اثني عشر, ثم تطرح منها سهما واحدا؛ لأن الوصية الثانية توجب النقصان في نصيب الورثة. ونصيب الموصى له الأول شائعا في كل المال فتنقص من كل ثلث سهما؛ ولأنك لو لم تنقص لا يستقيم الحساب لو اعتبرته لوجدته كذلك, فإذا أنقصت سهما من اثني عشر بقي أحد عشر هو ثلث المال, وثلثاه, وهو اثنان وعشرون, وجميع المال ثلاثة وثلاثون, وإذا أردت معرفة النصيب فخذ النصيب الذي كان, وذلك سهم واحد, واضربه في ثلاثة كما ضربت أصل المال, وهو ثلاثة ثم اضرب ثلاثة في ثلاثة كما ضربت أصل المال؛ لأنك احتجت إلى ضرب أصل المال في ثلاثة مرة أخرى حتى بلغ جميع المال ثلاثة وثلاثين, فإذا ضربت ثلاثة في ثلاثة صار تسعة, ثم اطرح منها سهما كما طرحت من أصل المال فيبقى ثمانية فهو نصيب الموصى له بمثل النصيب, ثم أعط للموصى له نصيبه, وهو ثلث ما يبقى من الثلث, وذلك سهم يبقى إلى تمام الثلث سهمان ضمهما ثلثي المال, وذلك اثنان, وعشرون فتصير أربعة, وعشرين لكل واحد من البنين الثلاثة ثمانية فاستقام الحساب بحمد الله سبحانه وتعالى. "وأما" تخريجها على طريق الخطأين فهو أن تجعل ثلث المال عددا لو أعطيت منه النصيب, وهو سهم, يبقى, وراءه عدد له ثلث لحاجتك إلى تنفيذ الوصية الأخرى, وهو الوصية بثلث ما يبقى من الثلث بعد النصيب, وأقله أربعة فإذا جعلت ثلث المال أربعة أعط للموصى له بالنصيب سهما من أربعة يبقى ثلاثة فأعط للموصى له بثلث ما بقي ثلث ما بقي, وذلك سهم, يبقى سهمان ضمهما إلى ثلثي المال, وذلك ثمانية؛ لأن ثلث المال لما كان أربعة كان ثلثاه مثليه, وذلك ثمانية, ومتى ضممت اثنين إلى ثمانية صارت عشرة, وحاجتك إلى ثلاثة أسهم لا غير للبنين الثلاثة؛ لأنك قد أعطيت الموصى له بالنصيب سهما, فظهر أنك قد أخطأت بزيادة سبعة فزد في النصيب؛ لأنه ظهر أن هذا الخطأ ما جاء إلا من قبل نقصان النصيب, فظهر أن النصيب يجب أن يكون أزيد من سهم فزد في النصيب فاجعله سهمين. فيصير الثلث خمسة فأعط الموصى له بمثل النصيب سهمين, ثم أعط للموصى له الآخر سهما مما بقي, يبقى سهمان ضمهما إلى ثلثي المال, وذلك عشرة فتصير اثني عشر, وحاجتك إلى ستة فظهر أنك أخطأت في هذه الكرة بزيادة ستة أسهم. وكان الخطأ الأول بزيادة سبعة فانتقص بزيادة سهم في النصيب سهم من سهام الخطأ, فعلمت أنك مهما زدت في النصيب سهما ينتقص من سهام الخطأ سهم, وأنك تحتاج إلى أن يذهب ما بقي من سهام الخطأ, والباقي من سهام الخطأ ستة فالذي يذهب به ستة أسهم من الخطأ ستة أسهم من النصيب فزد في النصيب ستة أسهم, فتصير ثمانية فهذا هو النصيب,, وبقي إلى تمام الثلث ثلاثة أعط منها سهما للموصى له الآخر يبقى سهمان ضمهما إلى ثلثي المال, وذلك اثنان, وعشرون فتصير أربعة, وعشرين لكل واحد من البنين ثمانية, وطريقة الجامع الأصغر, أو الأكبر, أو الصغير, أو الكبير مبنية على هذه الطريقة. أما طريقة الجامع الأصغر أو الصغير: فهي أنه إذا تبين لك أنك أخطأت مرتين, وأردت معرفة الثلث فاضرب الثلث الأول في الخطأ الثاني, والثلث الثاني في الخطأ الأول فما اجتمع فاطرح الأقل من الأكثر فما بقي فهو الثلث, وإن أردت معرفة النصيب فاضرب النصيب الأول في الخطأ الثاني, واضرب النصيب الثاني في الخطأ الأول, ثم اطرح الأقل من الأكثر فما بقي فهو النصيب, وإذا عرفت هذا ففي هذه المسألة الثلث الأول أربعة, والخطأ الثاني ستة فاضرب أربعة في ستة فتصير أربعة, وعشرين, والثلث الثاني خمسة, والخطأ الأول سبعة فاضرب خمسة في سبعة فتكون خمسة, وثلاثين, ثم اطرح أربعة, وعشرين من خمسة, وثلاثين فيبقى أحد عشر فهو ثلث المال, والنصيب الأول سهم, والخطأ الثاني ستة فاضرب سهما في ستة تكون ستة, والنصيب الثاني سهمان, والخطأ الأول سبعة فاضرب سهمين في سبعة فتكون أربعة عشر, واطرح الأقل, وهو ستة

 

ج / 7 ص -360-       من الأكثر, وهو أربعة عشر فيبقى ثمانية فهو النصيب. "وأما" طريقة الجامع الكبير, أو الأكبر: فهي أنه إذا ظهر لك الخطأ الأول فلا تزد في النصيب, ولكن ضعف ما وراء النصيب من الثلث, ثم انظر في الخطأين, واعمل ما عملت في طريقة الجامع الأصغر, إذا عرفت هذا ففي هذه المسألة ظهر الخطأ الأول سبعة فضعف ما وراء النصيب من الثلث, وذلك بأن تزيد عليه مثله فتصير ستة فصار الثلث مع النصيب سبعة فأعط بالنصيب سهما, وأعط بالوصية الأخرى ثلث الباقي, وذلك سهمان يبقى أربعة ضم ذلك إلى ثلثي المال, وذلك أربعة عشر فتصير ثمانية عشر, وحاجتك إلى ثلاثة فظهر الخطأ بخمسة عشر فإذا أردت معرفة الثلث فخذ الثلث الأول, وذلك أربعة, واضربه في الخطأ الثاني, وذلك خمسة عشر فتصير ستين, وخذ الثلث الثاني, وذلك سبعة واضربه في الخطأ الأول, وذلك سبعة فتصير تسعة, وأربعين, ثم اطرح الأقل, وذلك تسعة, وأربعون من الأكثر, وذلك ستون, يبقى أحد عشر فهو الثلث, وإن أردت معرفة النصيب فخذ النصيب الأول, وذلك سهم, واضربه في الخطأ الثاني, وذلك خمسة عشر فتكون خمسة عشر, وخذ النصيب الثاني, وذلك سهم, واضربه في الخطأ الأول, وذلك سبعة ثم اطرح سبعة من خمسة عشر تبقى ثمانية فهو النصيب. ولو كان له خمس بنين فأوصى لرجل بمثل نصيب, أحدهم وأوصى لرجل آخر بثلث ما بقي من الثلث بعد النصيب, فالفريضة من أحد, وخمسين سهما لصاحب النصيب ثمانية أسهم, ولصاحب ثلث ما بقي ثلثه, ولكل ابن ثمانية. "أما" تخريج المسألة على طريق الحشو: فهو أن تأخذ عدد البنين, وذلك خمسة, وتفرز نصيبهم, وذلك خمسة أسهم, وتزيد عليه سهما آخر لأجل الموصى له بمثل النصيب؛ لأن مثل الشيء غيره فتصير ستة فاضربها في مخرج الثلث, وذلك ثلاثة لأجل وصيته بثلث ما يبقى من الثلث بعد النصيب فتصير ثمانية عشر, ثم اطرح منها سهما واحدا لأجل الوصية بثلث ما يبقى من الثلث؛ لأنه زاد في الوصية, والزيادة في الوصية توجب نقصانا في نصيب الموصى له الأول, وثلث ما يبقى من الثلث ثمانية لما نذكر إن شاء الله تعالى, ويستحق ذلك من جميع الثلث من كل ثلث سهم فوجب أن ينقص من هذا الثلث سهم؛ لذلك قلنا: إنه يطرح من هذا الثلث سهم فيبقى سبعة عشر فاجعل هذا ثلث المال, وثلثا المال مثلاه. وذلك أربعة وثلاثون, وجميع المال أحد, وخمسون وثلث المال سبعة عشر, وإذا أردت أن تعرف قدر النصيب فخذ النصيب, وذلك سهم, واضربه في ثلاثة, ثم اضرب ثلاثة في ثلاثة لقوله: ثلث ما بقي من الثلث بعد النصيب فتصير تسعة ثم انقص منها واحدا لأجل الموصى له كما نقصت في الابتداء, فيبقى ثمانية فذلك نصيب الموصى له بمثل النصيب من ثلث المال يبقى إلى تمام المال تسعة فأعط الموصى له بثلث ما بقي من الثلث بعد النصيب ثلثها, وذلك ثلاثة فيبقى ستة ضمها إلى ثلثي المال, وذلك أربعة وثلاثون فتصير أربعين سهما فتقسم بين البنين الخمس لكل واحد ثمانية مثل ما أعطيت الموصى له بمثل النصيب. "وأما" التخريج على طريقة الخطأين: فهو أن تجعل ثلث المال عددا لو أعطيت منه سهما, وهو النصيب يبقى وراءه عدد له ثلث لحاجتك إلى إعطاء الموصى له الآخر ثلث ما يبقى من الثلث بعد النصيب, وأقله أربعة فاجعل ثلث المال أربعة فأنفذ منه الوصيتين, فأعط الموصى له بالنصيب سهما, والآخر ثلث ما بقي, وهو سهم آخر فيبقى وراءه سهمان ضمهما إلى ثلثي المال, وذلك ثمانية فتصير عشرة بين البنين الخمس فتبين أنك قد أخطأت بخمسة؛ لأن حاجتك إلى خمسة؛ لأنك قد أعطيت للموصى له بالنصيب سهما فلا تحتاج إلا إلى خمسة فأزل هذا الخطأ, وذلك بالزيادة في النصيب؛ لأن هذا الخطأ إنما جاء من قبل نقصان النصيب فزد في النصيب سهما فتصير الثلث على خمسة, فنفذ منها الوصيتين فأعط الموصى له بالنصيب سهمين. والموصى له بثلث ما يبقى سهما يبقى سهمان ضمهما إلى ثلثي المال, وذلك عشرة فتصير اثني عشر بين البنين الخمس فيظهر أنك أخطأت بسهمين؛ لأن حاجتك إلى عشرة. وكان الخطأ الأول خمسة فذهب من سهام الخطأ ثلاثة فتبين أنك مهما زدت في النصيب سهما تماما يذهب من سهام الخطأ ثلاثة, وأنك تحتاج إلى أن يذهب ما بقي من سهام الخطأ, وهو سهمان, وطريقة أن تزيد على النصيب ثلثي سهم حتى يذهب الخطأ كله؛ لأن بزيادة سهم تام إذا كان يذهب ثلاثة أسهم من سهام الخطأ

 

ج / 7 ص -361-       يعلم ضرورة أن بزيادة كل ثلث على النصيب يذهب سهم من سهام الخطأ, فيذهب بزيادة ثلثي سهم سهمان فصار النصيب سهمين, وثلثي سهم, وتمام الثلث وراءه ثلاثة فصار الثلث كله خمسة أسهم, وثلثي سهم فانكسر فاضرب خمسة, وثلثين في ثلاثة فتصير سبعة عشر؛ لأن خمسة في ثلاثة تكون خمسة عشر, وثلثان في ثلاثة تكون سهمين فذلك سبعة عشر فهو الثلث, والثلثان مثلا ذلك فتصير أحدا, وخمسين, والنصيب سهمان, وثلثا سهم مضروب في ثلاثة فتصير ثمانية.؛ لأن سهمين في ثلاثة ستة, وثلثان في ثلثين سهمان فتصير ثمانية فذلك للموصى له بمثل النصيب بقي إلى تمام الثلث تسعة فأعط للموصى له بثلث ما يبقى من الثلث بعد النصيب ثلثها, وذلك ثلاثة يبقى ستة ضمها إلى ثلثي المال, وذلك أربعة وثلاثون فتصير أربعين لكل واحد من البنين الخمسة ثمانية. "وأما" تخريجه على طريقة الجامع الأصغر, وهو أنه إذا ظهر لك الخطأ فلا تزيد على النصيب شيئا, ولكن اضرب الثلث الأول في الخطأ الثاني, والثلث الثاني في الخطأ الأول فما بلغ فاطرح منه أقلهما من أكثرهما فما بقي فهو ثلث المال, والثلث الأول ههنا كان أربعة, والخطأ الثاني كان سهمين فاضرب سهمين في أربعة فتصير ثمانية, والثلث الثاني خمسة, والخطأ الأول كان خمسة فاضرب خمسة في خمسة فتصير خمسة وعشرين فاطرح الأقل من خمسة, وعشرين, وذلك ثمانية فيبقى سبعة عشر فهو ثلث المال, وهكذا اعمل في النصيب, وهو أنك تضرب النصيب الأول في الخطأ الثاني, والنصيب الثاني في الخطأ الأول فما بلغ فاطرح مثل أقلهما من أكثرهما فما بقي فهو النصيب, والنصيب الأول سهم, والخطأ الثاني سهمان فسهم في سهمين يكون سهمين, والنصيب الثاني سهمان, والخطأ الأول خمسة فاضرب سهمين في خمسة تكون عشرة, ثم اطرح الأقل, وهو سهمان من الأكثر, وهو عشرة فيبقى ثمانية وهو النصيب, والقسمة بينهم على نحو ما ذكرنا, واختار الحساب في الخطأين هذه الطريقة لما فيها من اللين, والسهولة؛ لأنه لو زيد على النصيب بعد ظهور الخطأين يتعين الآخر؛ لأنه قد زاد عليه من حيث الأجزاء من الثلث, والثلثين, ثم يحتاج إلى الضرب, وفيه نوع عسر. "وأما" التخريج على طريقة الجامع الأكبر: فهو أنه إذا تبين لك الخطأ الأول فلا تزد على النصيب, ولكن ضعف ما وراء النصيب ووراء النصيب ههنا ثلاثة فإذا ضعفت الثلاثة صارت ستة, والثلث سبعة فأعط بالنصيب سهما, وبثلث ما يبقى سهمين, يبقى أربعة ضمها إلى ثلثي المال, وهو أربعة عشر فيصير ثمانية عشر بين البنين الخمسة, وحاجتك إلى خمسة فتبين أنك قد أخطأت بثلاثة عشر, ثم اضرب هذا الخطأ في الثلث الأول يصير اثنين, وخمسين, واضرب الخطأ الأول, وهو خمسة في الثلث الثاني, وهو سبعة فتصير خمسة وثلاثين, ثم اطرح الأقل من الأكثر فتصير سبعة عشر, وفي النصيب اعمل هكذا فاضرب النصيب الأول في الخطأ الثاني فتصير ثلاثة عشر, والنصيب الثاني في الخطأ الأول فتصير خمسة ثم اطرح خمسة من ثلاثة عشر فما بقي فهو النصيب, وطريقة الجامع الأصغر أسهل. ولو أوصى بمثل نصيب, أحدهم ولآخر بربع ما يبقى من الثلث بعد النصيب, فالمسألة تخرج من تسعة, وستين للموصى له بمثل النصيب أحد عشر, وللموصى له بربع ما يبقى من الثلث ثلاثة, ولكل ابن أحد عشر. "أما" التخريج على طريقة الحشو فهو أن تأخذ عدد البنين, وهو خمسة, وتزيد عليها سهما لأجل صاحب النصيب فتصير ستة ثم اضرب الستة في مخرج الربع, وذلك أربعة لأجل صاحب الربع فتصير أربعة وعشرين, ثم اطرح منها سهما لما ذكرنا فيبقى ثلاثة وعشرون فهو ثلث المال, وثلثاه مثلاه, وذلك ستة وأربعون, وجملة المال تسعة وستون, والنصيب سهم مضروب في أربعة, ثم الأربعة في ثلاثة فتصير اثني عشر, ثم اطرح منه سهما يبقى أحد عشر فهو للموصى له بمثل النصيب, فيبقى إلى تمام الثلث اثنا عشر فأعط منها ربع ما بقي من الثلث بعد النصيب, وذلك ثلاثة يبقى تسعة ضمها إلى ثلثي المال, وذلك ستة وأربعون فتصير خمسة وخمسين بين البنين الخمسة لكل واحد أحد عشر فاستقام الحساب. "وأما" التخريج على طريقة الخطائين: فهو أن تجعل ثلث المال عددا لو أعطيت منه النصيب يبقى وراءه عدد له ربع, وأقله خمسة فأعط بالنصيب سهما يبقى أربعة فأعط ربع ما يبقى سهما, ويبقى ثلاثة ضمها إلى ثلثي المال, وذلك عشرة فتصير ثلاثة

 

ج / 7 ص -362-       عشر, وحاجتك إلى خمسة لكل واحد من البنين سهم ليكون نصيب كل واحد منهم مثل نصيب صاحب النصيب, فظهر أنك أخطأت بثمانية أسهم فزد في النصيب سهما فيصير الثلث ستة فأعط بالنصيب سهمين, وبربع ما يبقى سهما يبقى ثلاثة ضمها إلى ثلثي المال, وهو اثنا عشر فيصير خمسة عشر فظهر لك أنك أخطأت بخمسة؛ لأن حاجتك إلى عشرة لكل واحد من البنين الخمسة سهمان كما للموصى له النصيب إلا أنه انتقص من سهام الخطأ في هذه الكرة ثلاثة؛ لأن الخطأ الأول كان بثمانية, وفي هذه الكرة بخمسة, فتبين أنك مهما زدت في النصيب سهما كاملا يذهب من سهام الخطأ ثلاثة فزد ثلثي سهم على سهمين حتى يذهب الخطأ كله, فصار النصيب ثلاثة أسهم, وثلثي سهم ووراءه أربعة أسهم فيصير الثلث سبعة أسهم, وثلثي سهم. وانكسر بالأثلاث فاضرب سبعة أسهم, وثلثي سهم في ثلاثة ليزول الكسر فيصير ثلاثة, وعشرين فهو ثلث المال, وثلثاه مثلاه, وهو ستة, وأربعون, فكل المال تسعة وستون, والنصيب ثلاثة وثلثان مضروبا في ثلاثة فيكون أحد عشر, والباقي إلى تمام الثلث اثنا عشر, ثلاثة منها وهي ربع ما بقي من كل الثلث بعد النصيب للموصى له بالربع, فيبقى تسعة ضمها إلى ثلثي المال فيصير خمسة وخمسين لكل واحد من البنين أحد عشر, والتخريج على طريقة الأصغر, والأكبر على نحو ما بينا. ولو أوصى بمثل نصيب أحدهم ولآخر بخمس ما بقي من الثلث بعد النصيب, فالمسألة تخرج من سبعة وثمانين لصاحب النصيب أربعة عشر, ولصاحب الخمس ثلاثة, ولكل ابن أربعة عشر. "أما" التخريج على طريقة الحشو: فعلى نحو ما ذكرنا أنك تأخذ عدد البنين, وذلك خمسة, وتزيد عليها واحدا كما فعلت في المسائل المتقدمة فتصير ستة ثم اضرب ستة في مخرج الخمس, وهو خمسة فتصير ثلاثين, ثم انقص منها واحدا للمعنى الذي ذكرنا فيبقى تسعة وعشرون فاجعل هذا ثلث المال, وثلثاه مثلاه, وذلك ثمانية وخمسون, وجميع المال سبعة وثمانون فإذا أردت أن تعرف النصيب فخذ النصيب, وذلك سهم فاضربه في خمسة, ثم اضرب خمسة في ثلاثة لما ذكرنا فيما تقدم فيصير خمسة عشر, ثم انقص منها سهما فيبقى أربعة عشر فهذا هو النصيب. فأعط للموصى له بمثل النصيب, يبقى إلى تمام الثلث خمسة عشر, فأعط للموصى له بالخمس خمس ذلك, وذلك ثلاثة يبقى هناك اثنا عشر ضمها إلى ثلثي المال, وذلك ثمانية وخمسون فتصير سبعين فاقسمها بين البنين الخمسة لكل ابن أربعة عشر مثل ما كان للموصى له بالنصيب. "وأما" التخريج على طريقة الخطائين فعلى نحو ما بينا أنك تجعل ثلث المال عددا لو أعطينا منه نصيبا يبقى وراءه عدد له خمس, وأقل ذلك ستة فتعطي منها سهما بالنصيب, وسهما بخمس ما يبقى من الثلث بعد النصيب, فيبقى وراءه أربعة ضمها إلى ثلثي المال فتصير ستة عشر, فتبين أنك أخطأت بأحد عشر؛ لأن حاجتك إلى خمسة لكل واحد من البنين سهم مثل ما كان للموصى له بالنصيب, فزد في النصيب سهما فيصير الثلث سبعة فأعط بالنصيب سهمين, ثم أعط بخمس ما بقي سهما فيبقى هناك أربعة ضمها إلى ثلثي المال, وذلك أربعة عشر فتصير ثمانية عشر, فتبين أنك أخطأت في هذه الكرة بزيادة ثمانية؛ لأن حاجتك إلى عشرة لكل ابن سهمان كما كان للموصى له, فظهر لك أن بزيادة كل سهم على النصيب يذهب ثلاثة أسهم من الخطأ, وأنك تحتاج إلى أن يذهب ما بقي من سهام الخطأ, وهي ثمانية أسهم فزد سهمين, وثلثي سهم على سهمين فتصير أربعة أسهم, وثلثي سهم. وما وراءه خمسة أسهم فصار الثلث تسعة أسهم, وثلثي سهم فاضرب هذه الجملة في ثلاثة فتصير تسعة وعشرين فهو ثلث المال, وثلثاه مثلاه فتصير جملة المال سبعة وثمانين, فالنصيب أربعة, وثلثان مضروب في ثلاثة فتصير أربعة عشر, والباقي إلى تمام الثلث خمسة عشر فأخرج منها الخمس, وضم الباقي إلى ثلثي المال على ما علمناك, وطريقنا الجامع الأصغر, والأكبر على نحو ما ذكرنا. ولو أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما بقي من الثلث بعد النصيب فالمسألة تخرج من سبعة وخمسين, فالنصيب عشرة, والاستثناء ثلاثة, ولكل ابن عشرة. "أما" على طريقة الحشو فهو أنك تأخذ نصيب الورثة على عددهم, وذلك خمسة, وتزيد عليها واحدا فتصير ستة ثم اضرب ستة في ثلاثة لقوله: إلا ثلث ما بقي من الثلث بعد النصيب فتصير ثمانية عشر, ثم زد عليها سهما؛ لأن الاستثناء من وصيته يوجب زيادة

 

ج / 7 ص -363-       في نصيب الورثة, وهي شائعة في كل المال فتزيد على كل ثلث سهما كما كنت تنقص في المسائل المتقدمة من كل ثلث سهما؛ لأن النقصان هناك ما كان لذاته لما ذكرنا, ولاستقامة الحساب, وههنا لا يستقيم إلا بالزيادة فتزاد فتصير تسعة عشر, فاجعل هذا ثلث المال, وثلثاه مثلاه, وذلك ثمانية وثلاثون, وجميع المال سبعة وخمسون. وإذا أردت معرفة النصيب فالنصيب كان واحدا فاضربه في ثلاثة, ثم اضرب ثلاثة في ثلاثة لما ذكرنا فتصير تسعة ثم زد عليها واحدا كما زدت في الابتداء فتصير عشرة فهذا هو النصيب, وبقي إلى تمام ثلث المال تسعة فاستثن من النصيب مقدار ثلث ما بقي, وهو ثلاثة فإذا استثنيت من العشرة ثلاثة يبقى للموصى له سبعة أسهم فضم المستثنى, وهو الثلاثة مع ما بقي, وهو تسعة وذلك اثنا عشر إلى ثلثي المال, وذلك ثمانية وثلاثون فتصير خمسين فاقسمها على البنين الخمس لكل ابن عشرة, مثل ما كان للموصى له قبل الاستثناء. وأما طريقة الخطائين: فهي أن تجعل الثلث على عدد لو أعطيت منه نصيبا يبقى وراءه ثلاثة, ولو استثنيت من النصيب ثلث ما يبقى يبقى وراءه سهم. وأقل ذلك أن يجعل الثلث على خمسة أسهم فأعط للموصى له بالنصيب سهمين, ثم استثن منه مثل ثلث ما يبقى, وهو واحد, وضمه إلى ما بقي فتصير أربعة فضمها إلى ثلثي المال, وهو عشرة أسهم فتصير أربعة عشر سهما. وحاجتك إلى عشرة أسهم لكل ابن سهمان مثل ما أعطيت للموصى له بالنصيب, فظهر أنك أخطأت بزيادة أربعة أسهم, فزد في النصيب سهما فتصير ثلاثة ووراءه ثلاثة ثم استثن منه سهما, وضمه إلى ما بقي فتصير أربعة ثم ضمها إلى ثلثي المال, وذلك اثنا عشر فتصير ستة عشر, وحاجتك إلى خمسة عشر لكل ابن ثلاثة, مثل ما أعطيت للموصى له بالنصيب, فظهر أنك أخطأت بسهم, والخطأ الأول كان بأربعة, فظهر أن بزيادة سهم على النصيب يذهب ثلاثة أسهم من الخطأ, فتعلم أن بزيادة ثلاثة أسهم أخر يذهب ما بقي من الخطأ, فرد ثلثا آخر فيصير النصيب ثلاثة أسهم, وثلث سهم, وما بقي ثلاثة أسهم فتصير ستة أسهم, وثلث سهم, فاضربها في ثلاثة فتصير تسعة عشر فهذا ثلث المال, والنصيب ثلاثة وثلث سهم مضروب في ثلاثة فيكون عشرة, والاستثناء منه ثلاثة فذلك سبعة, وهي للموصى له, ولكل ابن عشرة فخرجت الفريضة من سبعة وخمسين. وهذا إذا استثنى ثلث ما يبقى من الثلث بعد النصيب, فأما إذا استثنى ربع ما يبقى من الثلث بعد النصيب, بأن أوصى له بمثل نصيب أحد بنيه الخمس إلا ربع ما يبقى من الثلث بعد النصيب, فالفريضة من خمسة وسبعين, النصيب منها ثلاثة عشر, والاستثناء ثلاثة, ولكل ابن أربعة عشر. "أما" طريقة الحشو: فما ذكرنا أن تأخذ عدد البنين, وتزيد عليه سهما فتصير ستة ثم اضربه في مخرج الربع, وذلك أربعة فتصير أربعة وعشرين, ثم زد عليها واحدا لما ذكرنا فتصير خمسة وعشرين فاجعل هذا ثلث المال, وثلثاه مثلاه, وذلك خمسون, وجميع المال خمسة وسبعون, هذا لمعرفة أصل المال. "وأما" معرفة النصيب: فإن كان واحدا فاضربه في أربعة لما ذكرنا فيما تقدم فيصير أربعة ثم اضرب أربعة في ثلاثة فتصير اثني عشر فزد عليها واحدا لما ذكرنا أيضا, فتصير ثلاثة عشر هذا هو النصيب, فيبقى إلى تمام ثلث المال, وهو خمسة, وعشرون اثنا عشر فاسترجع من النصيب بحكم الاستثناء ربع ذلك, وهو ثلاثة فبقي للموصى له عشرة, ثم ضم هذه الثلاثة إلى اثني عشر فاسترجع من النصيب بحكم الاستثناء ربع ذلك, وهو ثلاثة فبقي للموصى له عشرة, ثم ضم هذه الثلاثة إلى اثني عشر فتصير خمسة عشر, ثم تضمها إلى ثلثي المال خمسون فتصير خمسة وستين, فاقسم بين البنين الخمس لكل واحد ثلاثة عشر, مثل ما كان للموصى له بالنصيب قبل الاستثناء. "وأما" طريقة الخطائين: فهي أن تجعل ثلث المال عددا إذا أعطيت منه النصيب يبقى وراءه أربعة, وإذا استثنيت من النصيب مثل ربع ما بقي من الثلث بعد النصيب يبقى وراءه سهم, وأقل ذلك ستة فاجعلها ثلثي المال, فأعط بالنصيب سهمين, ثم استرجع منه بالاستثناء مثل ربع ما بقي, وذلك سهم, وضمه إلى ما بقي فتصير خمسة ثم ضمها إلى ثلثي المال, وذلك اثنا عشر فتصير سبعة عشر, فتبين أنك أخطأت بزيادة سبعة, وإن حاجتك إلى العشرة لكل ابن سهمان, مثل ما أعطيت لصاحب النصيب؛ لأن نصيبه مثل نصبهم فزد في النصيب سهما فتصير ثلاثة فأعط بالنصيب ثلاثة أسهم, ثم استرجع منه مثل ربع ما يبقى, وهو سهم, وضمه إلى ما بقي, وذلك أربعة فتصير خمسة فضمها إلى ثلثي المال, وذلك أربعة عشر فتصير تسعة عشر فيظهر أنك أخطأت في

 

ج / 7 ص -364-       هذه الكرة بأربعة؛ لأن حاجتك إلى خمسة عشر لكل ابن ثلاثة مثل ما أعطيت للموصى له بالنصيب, وتبين لك أنك مهما زدت في النصيب سهما انتقص من سهام الخطأ ثلاثة, وقد بقي من سهام الخطأ أربعة, وأنك تحتاج إلى إذهابها, فزد في النصيب قدر ما يذهب به, وهو أربعة فزد في النصيب سهما, وثلث سهم حتى تذهب به سهام الخطأ كلها فصار النصيب أربعة أسهم, وثلث سهم, وما بقي أربعة أسهم فتصير ثمانية أسهم, وثلث سهم فاضربها في ثلاثة فتصير خمسة, وعشرين, وهي ثلث المال, وثلثاه مثلاه, وذلك خمسون, وجملته خمسة, وسبعون, والنصيب أربعة أسهم, وثلث سهم مضروب في ثلاثة فيكون ثلاثة عشر استثن منها ثلاثة فيبقى عشرة, ثم ضم هذه الثلاثة إلى اثني عشر يصير خمسة عشر, ثم تضم إلى ثلثي المال, وذلك خمسون فتصير خمسة وستين, واقسمه بين البنين الخمسة لكل ابن ثلاثة عشر, مثل ما كان للموصى له قبل الاستثناء, والتخريج على طريقة الجامع الأصغر, والأكبر على نحو ما ذكرنا. ولو كان ثلاث بنين, وأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد النصيب, فالمسألة تخرج من تسعة وثلاثين الثلث منها ثلاثة عشر, والنصيب بعد الاستثناء تسعة, وتخريجها على طريقة الحشو أن تأخذ عدد البنين, وهو ثلاثة ثم زد عليها سهما لأجل النصيب فتصير أربعة ثم اضرب الأربعة في ثلاثة؛ ; لأن المستثنى ثلاثة فتصير اثني عشر, ثم زد واحدا فتصير ثلاثة عشر فهذا ثلث المال, وثلثاه مثلاه, وذلك ستة وعشرون. "وأما" معرفة النصيب الكامل فهو أن تأخذ النصيب, وذلك سهم واحد, واضربه في مخرج الثلث فتصير ثلاثة, ثم اضرب ثلاثة في ثلاثة لمكان الثلث فتصير تسعة, ثم زد عليها واحدا كما زدت في الثلث فتصير عشرة فهو النصيب الكامل, فأعط لصاحب النصيب عشرة من الثلث, وهو ثلاثة عشر, فيبقى من الثلث بعد النصيب ثلاثة ثم استرجع من النصيب بسبب الاستثناء ثلث ما يبقى من الثلث, وذلك واحد, وضمه إلى ما بقي من الثلث, فتصير أربعة. فهذه الأربعة فضلت عن الوصية فضمها إلى ثلثي المال, وذلك ستة وعشرون فتصير ثلاثين لكل ابن عشرة مثل النصيب الكامل قبل الاستثناء, وحصل للموصى له بعد الاستثناء تسعة. "وأما" التخريج على طريقة الخطائين: فهو أن تجعل ثلث المال عددا لو أعطيت بالنصيب شيئا, ثم استرجعت من النصيب بالاستثناء ثلث ما بقي من الثلث بعد النصيب, يبقى في يد الموصى له شيء, وأقل ذلك خمسة فأعط بالنصيب سهمين, ثم استرجع منه سهما لمكان الاستثناء, وضمه إلى ما بقي من الثلث بعد النصيب فتصير أربعة فهي فاضلة من الوصية فضمها إلى ثلثي المال, وذلك عشرة فصار أربعة عشر, وحاجتك إلى ستة؛ لأنك أعطيت بالنصيب الكامل سهمين فظهر أنك أخطأت بثمانية, فزد على النصيب سهما آخر حتى إذا أعطيت بالنصيب ثلاثة يبقى بعده ماله ثلث لمكان الاستثناء. فاجعل الثلث ستة فأعط النصيب ثلاثة يبقى ثلاثة ثم استرجع من النصيب سهما فصار معك أربعة فضمها إلى ثلثي المال, وذلك اثنا عشر فصار ستة عشر, وحاجتك إلى تسعة؛ لأنك أعطيت بالنصيب ثلاثة فيجب أن يكون لكل ابن مثل ذلك ثلاثة فظهر أنك أخطأت في هذه الكرة بزيادة سبعة, والخطأ الأول كان بزيادة ثمانية, فتبين لك أن كل سهم زيد على الثلث يذهب سهما من الخطأ, فزد سبعة على الثلث الأول, وهو ستة فتصير ثلاثة عشر فهو الثلث, فأعط بالنصيب عشرة يبقى إلى تمام الثلث ثلاثة ثم استرجع سهما فصار أربعة فضمها إلى ثلث المال, وهو ستة وعشرون فتصير ثلاثين على نحو ما ذكرنا, وطريقة الجامع الأصغر على ما بينا, وهو أن لا تزيد على النصيب عند ظهور الخطأين, ولكن خذ الثلث الأول, وذلك خمسة, واضربه في الخطأ الثاني, وذلك سبعة فتصير خمسة وثلاثون, ثم خذ الثلث الثاني, وذلك ستة واضربه في الخطأ الأول, وذلك ثمانية يصير ثمانية وأربعين, ثم اطرح الأقل من الأكثر يبقى ثلاثة عشر فهو ثلث المال. "وأما" معرفة النصيب: فخذ النصيب الأول بعد الاستثناء, وذلك سهم, واضربه في الخطأ الثاني, وذلك سبعة فتصير سبعة ثم خذ النصيب الثاني, وذلك سهمان, واضربه في الخطأ الأول, وذلك ثمانية فتصير ستة عشر, ثم اطرح الأقل من الأكثر يبقى تسعة فهو النصيب, ثم الباقي على نحو ما ذكرنا. "وأما" طريقة الجامع الأكبر: فهو أن تضعف الثلث الأول سوى النصيب, وذلك أربعة فضعفها فتصير

 

ج / 7 ص -365-       ثمانية ثم زد عليه النصيب, وذلك سهم فتصير تسعة فهو الثلث الثاني, فأعط بالنصيب ثلاثة يبقى ستة فثلث ما بقي سهمان, ثم استرجع من النصيب ثلث ما يبقى, وذلك سهمان, وضمهما إلى ما معك, وذلك ستة فتصير ثمانية فهي فاضلة عن الوصية, وضمها إلى ثلثي المال, وذلك ثمانية عشر فتصير ستة وعشرين, وحاجتك إلى تسعة؛ لأنك أعطيت بالنصيب ثلاثة فيجب أن يكون لكل ابن ثلاثة فظهر أنك أخطأت بزيادة سبعة عشر في طريقة الجامع الأكبر, والخطأ الأول في طريقة الخطائين كان بزيادة ثمانية, فخذ الثلث الأول في طريقة الخطائين وذلك خمسة, واضربه في الخطأ الثاني, وذلك سبعة عشر فتصير خمسة وثمانين, ثم خذ الثلث الثاني, وذلك تسعة, واضربه في الخطأ الأول, وذلك ثمانية فتصير اثنين, وسبعين, ثم اطرح الأقل من الأكثر يبقى ثلاثة عشر فهو ثلث المال. "وأما" معرفة النصيب: فخذ النصيب الأول من طريق الخطائين, وذلك سهم, واضربه في الخطأ الثاني من الجامع الأكبر, وذلك سبعة عشر بسبعة عشر, وخذ النصيب الثاني, وذلك سهم من طريقة الجامع الأكبر, واضربه في الخطأ الأول, وذلك ثمانية بثمانية, واطرح الأقل من الأكثر فيبقى تسعة فهو النصيب يبقى ثلاثون بين البنين لكل واحد منهم عشرة, هذا إذا قال: إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد النصيب "فأما" إذا قال: إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد الوصية, فأصل المسألة ما ذكرنا في الفصل الأول إلا أن في تخريجه ضرب تفاوت. "أما" على طريقة الحشو: فهو أن تأخذ عدد البنين, وذلك ثلاثة, وتزيد عليه واحدا, ثم تضربها في مخرج النصف, وهو سهمان, وإنما ضربنا هذا في سهمين, والأول في ثلاثة؛ لأن مقصود الموصي ههنا أن يكون المستثنى بعد الوصية الحاصلة ثلث ما بقي, ولن يكون ذلك إلا أن يكون قبل الاسترجاع معه سهمان, حتى إذا استرجعت منه شيئا يكون المسترجع ثلث ما بقي, ومقصوده في المسألة الأولى إلا أن يكون المستثنى بعد النصيب قبل الاسترجاع مثل ثلاثة, ولن يكون ذلك إلا وأن يكون معه ثلاثة قبل الاسترجاع, حتى إذا استرجعت شيئا يكون المسترجع ربعه, فإذا ضربت أربعة في اثنين بلغ ثمانية ثم تزيد واحدا فتصير تسعة فهذا ثلث المال, وثلثاه مثلاه, وهو ثمانية عشر. "فأما" معرفة النصيب فخذ النصيب, وذلك واحد, واضربه في مخرج الثلث, فتصير ثلاثة فاضرب الثلاثة في مخرج النصف, وذلك سهمان فتصير ستة ثم زد عليه سهما فتصير سبعة فهو النصيب, فأعط صاحب النصيب سبعة يبقى إلى تمام الثلث سهمان, ثم استرجع منه سهما فضمه إلى ذلك فتصير ثلاثة فضمها إلى ثلث المال فيصير واحدا وعشرين لكل ابن سبعة. "وأما" طريقة الخطائين: فهي أن تجعل ثلث المال عددا لو أعطيت منه نصيبا, واسترجعت منه شيئا يكون المسترجع مثل نصف, وأقل ذلك أربعة ادفع للموصى له بالنصيب سهمين, ثم استرجع منه سهما, ضمه إلى ما بقي, وهي اثنان وما بقي وهو سهم المال فتصير ثلاثة فضمها إلى ثلثي المال, وذلك ثمانية فتصير أحد عشر, وحاجتك إلى ستة؛ لأنك أعطيت بالنصيب سهمين فظهر أنك أخطأت بزيادة خمسة فزد في النصيب سهما, وأعط بالنصيب ثلاثة ثم استرجع منه سهما, وضمه إلى ما بقي فتصير ثلاثة فضمها إلى ثلثي المال, وذلك عشرة فتصير ثلاثة عشر, وحاجتك إلى تسعة؛ لأنك أعطيت بالنصيب ثلاثة فظهر أنك قد أخطأت بزيادة أربعة, فظهر أنك كلما زدت درهما يزول خطأ درهم, فزد في الابتداء على النصيب قدر خطأ الأول, وهو خمسة فبلغ سبعة, وبقي إلى تمام الثلث بعد النصيب سهمان فاسترجع منه سهما, وضمه مع الباقي إلى ثلثي المال, وهو ثمانية عشر فصار أحدا, وعشرين, فأعط لكل ابن سبعة, وللموصى له ستة هذا إذا قيد قوله: إلا ثلث ما يبقى من الثلث بالنصيب, أو بالوصية. "فأما" إذا أطلق بأن قال: إلا ثلث ما يبقى من الثلث ولم يزد عليه, قال محمد: قال عامة الحساب يعني: المعروفين بعلم الحساب من أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه مثل الحسن بن زياد, وغيره: هذا بمنزلة الفصل الأول, وهو ما إذا قال: إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد النصيب. وقال محمد رحمه الله هو بمنزلة الفصل الثاني, وهو ما إذا قال: إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد الوصية. "وجه" قول العامة: أنه لما قال: أوصيت لك بمثل نصيب أحد بني, فقد أتى بوصية صحيحة, واستحق ربع المال؛ لأنه جعل نصيبه مثل نصيب أحد بنيه كأنه أحد بنيه, فلما قال: إلا ثلث ما يبقى من الثلث, فقد استخرج بالاستثناء بعض الوصية مطلقا, وذلك

 

ج / 7 ص -366-       يحتمل بعد الوصية, ويحتمل بعد النصيب إلا أن المستخرج بالاستثناء بعد النصيب أقل, والمستخرج بعد الوصية أكثر, والأقل متيقن به في استخراجه, وفي استخراج الزيادة شك فلا يثبت استخراج الزيادة بالشك, بل تبقى الزيادة داخلة تحت المستثنى منه. "وجه" قول محمد أن الاستثناء ليس باستخراج بعض الكلام لما فيه من التناقض على ما عرف في أصول الفقه, بل هو تكلم بالباقي بعد الثنيا فلم يدخل المستثنى في صدر الكلام؛ لأنه دخل, ثم خرج بكلام الاستثناء, فلفظ الوصية ههنا مع الاستثناء لم يتناول إلا المستثنى منه, والمستثنى يحتمل الأقل, والأكثر, فلا يتناول اللفظ إلا القدر المتيقن به, وهو الأقل. ولو أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ربع ما يبقى من الثلث بعد النصيب فالمسألة تخرج من أحد وخمسين, النصيب إثناء عشر, والاستثناء خمسة, ولكل ابن ثلاثة عشر. "أما" تخريجها على طريقة الحشو: فهو أن تأخذ عدد البنين, وهو ثلاثة, وتزيد عليه واحدا فيصير أربعة فاضرب أربعة في مخرج السهم المستثنى, وهو أربعة فتصير ستة عشر, ثم زد سهما فتصير سبعة عشر هذا ثلث المال, وثلثاه مثلاه أربعة وثلاثون فجملته واحد وخمسون, هذا لمعرفة أصل المال. "وأما" معرفة النصيب: فهي أن تأخذ النصيب, وذلك سهم, وتضربه في مخرج الثلث فتصير ثلاثة ثم تضرب الثلاثة في مخرج السهم المستثنى, وذلك أربعة فتصير اثني عشر, ثم تزيد عليه سهما فتصير ثلاثة عشر هذا هو النصيب, بقي إلى تمام الثلث أربعة فأعط بالنصيب ثلاثة عشر, ثم استرجع مثل ربع ما بقي, وهو سهم, وضمه إلى ما بقي فصار خمسة فضمها إلى ثلثي المال, وذلك أربعة وثلاثون فيبلغ تسعة وثلاثين, فأعط لكل ابن ثلاثة عشر كما أعطيت بالنصيب قبل الاسترجاع. "وأما" التخريج على طريقة الخطائين: فهو أن تجعل ثلث المال ستة ليبقى بعد إعطاء النصيب, والاسترجاع منه مثل ربع ما يبقى فأعط بالنصيب سهمين, ثم استرجع منه مثل ربع ما يبقى, وذلك سهم, وضمه إلى ثلثي المال, وذلك اثنا عشر فتصير سبعة عشر, وحاجتك إلى ستة؛ لأنك أعطيت بالنصيب سهمين فظهر أنك أخطأت بزيادة أحد عشر, فزد في النصيب سهما تصير ثلاثة فأعط بالنصيب ثلاثة ثم استرجع منه سهما, وضمه مع الباقي إلى ثلثي المال, وذلك أربعة عشر فتصير تسعة عشر, وحاجتك إلى تسعة؛ لأنك أعطيت بالنصيب ثلاثة. فظهر أنك أخطأت بزيادة عشرة, وظهر أن كل سهم زائد يزيل خطأ سهم, فزد على النصيب قدر الخطأ الأول, وذلك أحد عشر ليزول الخطأ, فصار ثلاثة عشر, فأعط بالنصيب ثلاثة عشر, ثم استرجع منه سهما, وضمه إلى ما بقي, وهي أربعة فضمها إلى ثلثي المال, وذلك أربعة وثلاثون فتصير تسعة وثلاثين كما ذكرنا. ولو كان له خمس بنين فأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث وربع ما يبقى من الثلث بعد النصيب, فتخريج المسألة على طريقة الحشو: أن تأخذ عدد البنين خمسة, وتزيد عليها واحدا فتصير ستة ثم تضرب ستة في مخرج الجزء المستثنى, وهو مثل الثلث, والربع, وذلك اثنا عشر فتصير اثنين وسبعين, ثم تزيد ثلث مخرج المستثنى, وربعه, وذلك اثنا عشر, وثلثه, وربعه سبعة فتصير تسعة وسبعين فهذا ثلث المال, وثلثاه مثلاه, وذلك مائة وثمانية وخمسون. "وأما" معرفة النصيب: فهو أن تأخذ النصيب, وذلك سهم, وتضربه في مخرج الثلث, وذلك ثلاثة فتصير ثلاثة ثم تضرب الثلاثة في مخرج السهم المستثنى, وذلك اثنا عشر فتصير ستة, وثلاثة ثم تزيد عليه مثل ثلثه وربعه, وهو سبعة فتصير ثلاثة وأربعين فهو النصيب, بقي إلى تمام الثلث ستة وثلاثون, وأعط بالنصيب ثلاثة وأربعين, ثم استرجع مثل ثلث ما بقي, وربعه بعد النصيب, وذلك واحد وعشرون, وضمها إلى ما بقي, وهو ستة وثلاثون فتصير سبعة وخمسين, ثم ضمها إلى ثلثي المال, وذلك مائة وثمانية وخمسون فتبلغ مائتين وخمسة عشر, فأعط لكل ابن ثلاثة وأربعين مثل ما أعطيت بالنصيب قبل الاسترجاع, وللموصى له اثنين وعشرين. ولو قال: إلا ثلث, وربع ما بقي من الثلث بعد الوصية الحاصلة فتخريجها على طريقة الحشو: أن تأخذ عدد البنين خمسة ثم زد عليه واحدا فتصير ستة ثم تضربه في خمسة لما بينا فتصير ثلاثين, ثم زد عليه مخرج الثلث, والربع, وذلك سبعة فتصير سبعة وثلاثين فهو الثلث, والثلثان أربعة وسبعون. "وأما" معرفة النصيب: فخذ النصيب, وذلك واحد, واضربه في ثلاثة, ثم ثلاثة في خمسة فصارت خمسة عشر

 

ج / 7 ص -367-       ثم زد عليه مثل مخرج الثلث, والربع, وهو سبعة فتصير اثنين وعشرين. وبقي إلى تمام الثلث خمسة عشر فأعط صاحب النصيب اثنين وعشرين, ثم استرجع منه مثل ثلث ما بقي, وربعه بعد النصيب, وذلك أحد وعشرون, وضمها إلى ما بقي من الثلث, وهو خمسة عشر فتصير ستة وثلاثين ضمها إلى ثلثي المال, وذلك أربعة وسبعون تبلغ مائة, وعشرة لكل ابن اثنان وعشرون مثل ما أعطيت صاحب الوصية قبل الاسترجاع, وللموصى له درهم, والله سبحانه وتعالى أعلم. ولو ترك خمسة بنين وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم وثلثي ما بقي من الثلث فالثلث سبعة عشر, والنصيبين أربعة عشر, والباقي بعد النصيبين من الثلث ثلاثة تعطي ثلثي ما يبقى من الثلث سهمان من ذلك يبقى سهم يرد إلى ثلثي المال, وذلك أربعة وثلاثون, فتصير خمسة وثلاثين, وتخريجه على طريقة الحشو: أن تأخذ عدد البنين, وذلك خمسة, وتزيد عليه بالنصيبين سهمين؛ لأن الموصى له بالنصيبين بمنزلة الابنين, فكان البنون سبعة فتصير الفريضة من سبعة. ثم اضربها في ثلاثة لأجل الثلث فتصير أحدا وعشرين, ثم اطرح منه أربعة: سهمين بالوصية بالنصيبين, وسهمين بثلثي ما يبقى من الثلث لتخريج المسألة فيبقى سبعة عشر, وهو الثلث, وإذا أردت معرفة النصيب. فالوجه فيه أن تأخذ النصيبين, وذلك سهمان, وتضربهما في ثلاثة فتصير ستة؛ لأن الوصية تنفذ من الثلث, ثم اضربه في ثلاثة لأجل ما يبقى من الثلث فيصير ثمانية عشر, ثم اطرح منه أربعة مثل ما طرحت من الأول يبقى أربعة عشر فهو النصيبان, يبقى إلى تمام الثلث ثلاثة. فأعط بثلثي ما يبقى من الثلث سهمين, يبقى سهم فاضل عن الوصايا يرد إلى ثلثي المال, وذلك أربعة وثلاثون فتصير خمسة وثلاثين بين البنين الخمسة لكل ابن سبعة, وهو نصف النصيبين, والله سبحانه وتعالى أعلم. "وأما" التخريج على طريقة الخطائين: فهو أن تجعل ثلث المال سهاما لو أعطيت بالنصيبين سهمين يبقى بعده ما يخرج منه ثلثان, وذلك خمسة فأعط بالنصيبين سهمين يبقى ثلاثة فأعط بثلثي ما يبقى سهمين يبقى سهم يرد إلى ثلثي المال, وذلك عشرة فتصير أحد عشر, وحاجتنا إلى خمسة حتى يكون لكل ابن سهم, فظهر أنك أخطأت بزيادة ستة فزد في ثلثي المال سهمين فتصير سبعة فأعط بالنصيبين أربعة يبقى ثلاثة فأعط بثلثي ما يبقى سهمين يبقى سهم فزده إلى ثلث المال, وذلك أربعة عشر فيصير خمسة عشر, وحاجتك إلى عشرة؛ لأنك أعطيت بالنصيبين أربعة فيجب أن يكون لكل ابن سهمان, وهم خمسة فيكون لهم عشرة, فظهر أنك أخطأت في هذه الكرة بزيادة خمسة, والخطأ الأول كان ستة فمتى زدت سهمين ذهب به من الخطأ سهم, فعلم أن كل سهم يزاد على الثلث يذهب به سهم من الخطأ, فيزاد اثنا عشر على الثلث الأول, وهو خمسة حتى يزول الخطأ كله فتصير سبعة عشر فهو الثلث, ثم الباقي إلى آخره. وأما على طريقة الجامع الأصغر, فهو أن تأخذ الثلث الأول, وهو خمسة, واضربه في الخطأ الثاني, وهو خمسة فتصير خمسة وعشرين, وتأخذ الثلث الثاني, وذلك سبعة, وتضربه في الخطأ الأول, وذلك ستة فتصير اثنين وأربعين, ثم اطرح الأقل من الأكثر يبقى سبعة عشر فهو الثلث. "والوجه" في معرفة النصيب: أن تأخذ النصيب الأول, وذلك سهمان, وتضربه في الخطأ الثاني, وذلك خمسة, فتصير عشرة, ثم تضرب النصيب الثاني, وذلك أربعة في الخطأ الأول, وذلك ستة فتصير أربعة وعشرين, ثم اطرح الأقل من الأكثر فيبقى أربعة عشر فهو النصيبان. "وأما" على طريقة الجامع الأكبر: فهو أن تضعف الثلث الأول إلا النصيبين, وذلك ثلاثة فتصير ستة ثم زد عليه النصيبين فتصير ثمانية, وهذا هو الثلث فأعط بالنصيبين سهمين فيبقى ستة, وأعط ثلثي ما يبقى أربعة يبقى سهمان, يرد إلى ثلثي المال, وذلك ستة عشر فتصير ثمانية عشر, وحاجتك إلى خمسة؛ لأنك أعطيت بالنصيبين سهمين فيجب أن يكون لكل ابن سهم, فالخطأ الثاني في الجامع الأكبر زيادة ثلاثة, والخطأ الأول في الخطأين كان زيادة ستة, فخذ الثلث الأول في الخطأين, وذلك خمسة, واضربه في الخطأ الثاني, وذلك ثلاثة عشر, فتصير خمسة وستين, وخذ الثلث الثاني في الجامع الأكبر, وذلك ثمانية, واضربه في الخطأ الأول, وذلك ستة فتصير ثمانية وأربعين, ثم اطرح الأقل من الأكثر يبقى سبعة عشر فهو الثلث. "والوجه" في معرفة النصيب أن تأخذ ما جمع من الخطأين أحدهما ستة, والآخر ثلاثة عشر فاطرح الأقل من الأكثر, فإذا طرحت ستة

 

ج / 7 ص -368-       من ثلاثة عشر يبقى سبعة فهو النصيب, ولو أوصى بثلث ما يبقى, والمسألة بحالها فالفريضة من سبعة وخمسين, والثلث تسعة عشر, والنصيبان ستة عشر وثلث ما يبقى واحد. "وتخريجها" على طريقة الحشو: أن تأخذ عدد البنين خمسة ثم زد عليها النصيبين, وذلك سهمان فتصير سبعة ثم اضربها في ثلاثة فتصير أحدا وعشرين, ثم اطرح منها النصيبين, وذلك سهمان يبقى تسعة عشر فهو الثلث, فقد طرح محمد رحمه الله في هذه المسألة سهمين, وفي المسألة المتقدمة طرح أربعة أسهم: سهمين بالنصيبين, وسهمين بثلثي ما يبقى, فعلى قياس ما ذكر هناك يجب أن يطرح ههنا أيضا أربعة. "والوجه" في معرفة النصيب: أن تأخذ النصيبين, وذلك سهمان, وتضربهما في ثلاثة فتصير ستة ثم تضرب ستة في ثلاثة فتصير ثمانية عشر, ثم اطرح منه سهمين يبقى ستة عشر فهو النصيب, وبقي إلى تمام ثلث المال ثلاثة فأعط بثلث ما يبقى ثلثه, وذلك سهم, يبقى سهمان يرد إلى ثلثي المال, وذلك ثمانية وثلاثون فتصير أربعين تقسم بين البنين لكل ابن ثمانية. "وأما" التخريج على طريقة الخطائين: فهو أن تجعل ثلث المال خمسة فأعط بالنصيبين سهمين يبقى ثلاثة فأعط بثلث ما يبقى سهما يبقى سهم ترد إلى ثلثي المال, وذلك عشرة فتصير اثني عشر, وحاجتك إلى خمسة فتبين أنك أخطأت بزيادة سبعة فزد على الثلث سهمين فتصير سبعة, فأعط بالنصيبين أربعة يبقى ثلاثة فأعط بثلث ما يبقى سهما يبقى سهمان تضم إلى ثلثي المال, وذلك أربعة عشر فتصير ستة عشر, وحاجتك إلى عشرة, فظهر أنك أخطأت في هذه الكرة بزيادة ستة, والخطأ الأول كان زيادة سبعة, فعلمت أن كل سهمين تزاد في الثلث تذهب من الخطأ سهما, فزد في الثلث الأول أربعة عشر سهما, حتى يزول الخطأ كله, فإذا زدت على خمسة أربعة عشر تصير تسعة عشر فهو الثلث, ثم يأتي الكلام على نحو ما ذكرنا. "والتخريج" على طريقة الجامع الأصغر, والأكبر على نحو ما بينا. فإذا مات رجل, وترك أما وابنتين وامرأتين وعصبة وأوصى لرجل بمثل نصيب إحدى ابنتيه, وبثلث ما يبقى من الثلث لآخر, فالفريضة من ستة وستين, والنصيب ستة عشر, وثلث الباقي اثنان وللبنتين اثنان وثلاثون, وللأم ثمانية, وللمرأة ستة, وللعصبة سهمان, هكذا خرجها محمد رحمه الله في الأصل, ومشايخنا رحمهم الله خرجوها من نصف ما خرجها في الكتاب من غير كسر, وهو ثلاثة وثلاثون. "وطريق" هذا التخريج أن أصل هذه الفريضة من أربعة وعشرين لحاجتك إلى الثمن, والثلثين, والسدس, فللمرأة الثمن ثلاثة أسهم, وللبنتين الثلثان ستة عشر, وللأم السدس أربعة أسهم, وللعصبة سهم, فالبنتان يستحقان السهمين, وهو الثلثان, والباقون يستحقون سهما واحدا, وهو الثلث, فصار في المعنى كأن عدد الورثة ثلاثة؛ لأن سهامهم ثلاثة فاجعل كأن له ثلاثة بنين أوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم, وبثلث ما يبقى من الثلث. ولو كان هكذا فالجواب سهل, وهو أن تأخذ عدد البنين ثلاثة, وتزيد عليها سهما لأجل الوصية الأولى, وتضربها في ثلاثة لأجل الوصية الثانية فتصير اثني عشر, ثم اطرح منها سهما لأجل الوصية الثانية, فيصير ثلث المال أحد عشر, وثلثاه مثلاه, وذلك اثنان وعشرون فتصير جملة المال ثلاثة وثلاثين, والنصيب سهم واحد مضروب في ثلاثة, ثم في ثلاثة فتصير تسعة ثم اطرح منها سهما فيبقى ثمانية فأعط لصاحب النصيب ثمانية, وأعط ثلث ما يبقى, وذلك سهم واحد فتصير تسعة, وبقي إلى تمام الثلث سهمان ضمها إلى الثلثين, وهو اثنان وعشرون فتصير أربعة وعشرين للبنتين الثلثان لكل واحدة ثمانية مثل ما أعطيت لصاحب النصيب, وللأم أربعة أسهم, وللمرأة ثلاثة أسهم, وللعصبة سهم فخرجت المسألة من نصف ما خرج في الكتاب. ولو أوصى بمثل نصيب إحدى البنتين إلا ثلث ما بقي من الثلث بعد النصيب فالفريضة من ستمائة وأربعة وعشرين, والنصيب مائة وستون, وثلث الباقي ستة عشر, وطريق التخريج أن تجعل كأن عدد الورثة ثلاثة زد عليها سهما لأجل الوصية فتصير أربعة ثم اضرب أربعة في ثلاثة فتصير اثني عشر, ثم زد عليها سهما فتصير ثلاثة عشر, فاجعل هذا ثلث المال, وثلثاه مثلاه فتصير تسعة وثلاثين, والنصيب سهم في ثلاثة, ثم في ثلاثة فذلك تسعة ثم زد عليها سهما فتصير عشرة, ثم استثن منها سهما مثل ثلث ما يبقى, وضمه إلى ما بقي فتصير أربعة ثم ضم الأربعة إلى ثلثي المال فتصير ثلاثين لكل بنت عشرة مثل ما أعطيت قبل الاستثناء, وللأم السدس خمسة بقي خمسة

 

ج / 7 ص -369-       بين المرأة, والعصبة أرباعا؛ لأن حق المرأة في ثلاثة أسهم, وحق العصبة في سهم فيكون حقها ثلاثة أضعاف حق العصبة, فإن رضيت بالكسر فاجعل الخمسة الباقية بينهما أرباعا, وإن لم ترض فاضرب أصل الحساب في أربعة فتكون مائة وستة وخمسين منها تخرج السهام على الصحة, وهو ربع ما خرجه محمد في الكتاب. ولو أوصى بمثل نصيب المرأة, وبثلث ما يبقى من الثلث, فالفريضة من مائتين وأربعة وثلاثين, والنصيب أربعة وعشرون, وثلث الباقي ثمانية عشر, وطريقه أن تجعل كأن عدد الورثة ثمانية لأن السهام ثمانية فكأنه أوصى بمثل نصيب أحدهم, فزد عليه سهما فتصير تسعة ثم اضربها في ثلاثة فتصير سبعة وعشرين, ثم اطرح منها سهما فيبقى ستة وعشرون فهذا ثلث المال, وجميع المال ثمانية وسبعون, والنصيب سهم مضروب في ثلاثة, ثم في ثلاثة فتصير تسعة ثم اطرح منها سهما فيبقى ثمانية, وثلث ما يبقى ستة فيبقى اثنا عشر ضمها إلى ثلثي المال, وذلك اثنان وخمسون فتصير أربعة وستين للمرأة منها ثمانية وتبين أنك. أعطيت للموصى له بمثل نصيبها مثل نصيبها ثمانية فيبقى ستة وخمسون لا تستقيم بين الأم, والبنتين, والعصبة؛ لأنه يجب أن يكون للبنتين ثلثا أربعة وستين. وليس لها ثلث صحيح, وللأم سدسها, وليس لها سدس صحيح أيضا غير أن بين مخرج السدس وحسابنا موافقة بنصف, ونصف, فاضرب أحدهما في وفق الآخر, وهو ثمانية وسبعون في ثلاثة, فيبلغ الحساب مائتين وأربعة وثلاثين كما قال في الكتاب, فكل من كان له سهم في الحساب الأول صار له ثلاثة في الحساب الثاني, كان حق الموصى له في ثمانية فصار أربعة وعشرين, وحق البنتين في اثنين وأربعين, وثلثي درهم فصار مائة وثمانية وعشرين, وحق الأم في عشرة, وثلثي درهم مضروبا في ثلاثة, فيكون اثنين وثلاثين, وحق العصبة في درهمين, وثلثي درهم مضروب في ثلاثة فيكون ثمانية دراهم. ولو كان لرجل خمسة بنين فأوصى لأحدهم بكمال الربع, بنصيبه ولآخر بثلث ما يبقى من الثلث فأجازوا, فالفريضة من اثني عشر النصيب اثنان, وتكملة الربع سهم واحد, وثلث ما يبقى من الثلث واحد؛ لأن الوصية للوارث صحيحة عند إجازة الورثة, وتفاوت ما بين نصيبه, والربع سهم؛ لأنه لو لم يكن ههنا وصية لأجنبي لكان له الربع, والباقي بين البنين الأربعة أرباعا فاحتجنا إلى حساب له ربع, ولباقيه ربع, وأقله ستة عشر فيعطى له ربع المال أربعة, والباقي بين البنين الأربعة أرباعا لكل ابن ثلاثة, وله أربعة فتبين أنه بهذه الوصية لا يستحق إلا سهما. فإذا أوصى لغيره بثلث ما يبقى من الثلث فخذ حسابا له ثلث, وربع, وأقله اثنا عشر فثلثه أربعة, وربعه ثلاثة فأعط للموصى له بكمال الربع سهمان, وللآخر سهما؛ لأن ثلث ما يبقى من الثلث بعد كمال الربع سهم بقي اثنان ضمهما إلى ثلثي المال فتصير بين البنين الخمسة لكل ابن سهمان. "فتبين" أنا إذا أعطينا له ربع المال فنصيبه بنصيبه سهمان مثل ما أصاب هؤلاء, والله سبحانه وتعالى أعلم. "ومنها" التقدير بثلث المال إذا كان هناك وارث, ولم يجز الزيادة, فلا تجوز الزيادة على الثلث إلا بإجازة الوارث الذي هو من أهل الإجازة, والأصل في اعتبار هذا الشرط ما روينا من حديث سعد رضي الله عنه أنه "قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أوصي بجميع مالي؟ فقال: لا, فقال: فبثلثيه؟ فقال: لا, فقال: فبنصفه؟ قال عليه الصلاة والسلام: لا, قال: فبثلثه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "الثلث, والثلث كثير إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس", وقوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله تبارك وتعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم آخر أعماركم زيادة في أعمالكم"؛ ولأن الوصية بالمال إيجاب الملك عند الموت, وعند الموت حق الورثة متعلق بماله إلا في قدر الثلث, فالوصية بالزيادة على الثلث تتضمن إبطال حقهم, وذلك لا يجوز من غير إجازتهم, وسواء كانت وصيته في المرض, أو في الصحة؛ لأن الوصية إيجاب مضاف إلى زمان الموت فيعتبر وقت الموت لا وقت وجود الكلام. واعتبارها وقت الموت يوجب اعتبارها من الثلث لما ذكرنا أنه وقت تعلق حق الورثة بالتركة, إذ الموت لا يخلو عن مقدمة مرض, وحقهم يتعلق بماله في مرض موته إلا في القدر المستثنى, وهو الثلث فرق بين الوصية, وغيرها من التبرعات كالهبة, والصدقة أن المعتبر هناك وقت العقد, فإن كان صحيحا تجوز في جميع ماله, وإن كان مريضا لا تجوز إلا في الثلث؛ لأن الهبة, والصدقة كل واحد منهما إيجاب الملك

 

ج / 7 ص -370-       للحال فيعتبر فيهما حال العقد, فإذا كان صحيحا فلا حق لأحد في ماله فيجوز من جميع المال وإذا كان مريضا كان حق الورثة متعلقا بماله, فلا يجوز إلا في قدر الثلث, وكذا الإعتاق في مرض الموت, والبيع, والمحاباة قدر ما لا يتغابن الناس فيه, وإبراء الغريم, والعفو عن دم الخطأ يعتبر ذلك كله من الثلث كالهبة, والصدقة لتعلق حق الورثة بمال المريض مرض الموت فيما وراء الثلث. ويجوز العفو عن دم العمد, ولا يعتبر فيه الثلث؛ لأن حق الورثة إنما يتعلق بالمال, والقصاص ليس بمال. وكذا إن شاء الكفالة بالدين في حال المرض, وضمان الدرك؛ لأنه تبرع بالتزام الدين فيعتبر من الثلث كما تعتبر الهبة؛ لأنه يتهم فيه كما يتهم في الهبة. ولو أقر في مرضه بكفالته بالدين حال صحته فحكم هذا الدين حكم دين المرض حتى لا يصدق في حق غرماء الصحة, ويكون المكفول له مع غرماء المرض سواء, ولو كفل في صحته, وأضاف ذلك إلى ما يستقبل بأن قال للمكفول له: كفلت بما يذوب لك على فلان, ثم وجب له على فلان دين في حال مرض الكفيل فحكم هذا الدين, وحكم دين الصحة سواء حتى يضرب المكفول له بجميع ما يضرب به غريم الصحة؛ لأن الكفالة وجدت في حالة الصحة. وعن إبراهيم النخعي رحمه الله فيمن أوصى لأم ولده في حياته وصحته, ثم مات أنه ميراث, ولو أوصى عند موته لها بوصية فهي لها من الثلث, والأول محمول على ما إذا أعطاها شيئا في حياته على وجه الهبة؛ لأن الهبة منها لا تتصور حقيقة لكونها تمليكا, وهي ليست من أهل الملك؛ لأنها مملوكة, والثاني يجرى على ظاهره؛ لأن الوصية بالمال إيجاب الملك عند الموت, وهي عند الموت من أهل الملك لكونها حرة, فكانت من أهل الوصية لها. ولو أوصى بما زاد على الثلث, ولا وارث له تجوز من جميع المال عندنا, وعند الشافعي لا تجوز إلا من الثلث, والمسألة ذكرناها في كتاب الولاء. وكذلك إذا كان له وارث وأجاز الزيادة على الثلث؛ لأن امتناع النفاذ في الزيادة لحقه, وإلا فالمنفذ للتصرف, وهو الملك قائم فإذا أجاز فقد زال المانع, ثم إذا جازت بإجازته فالموصى له يملك الزيادة من قبل الموصي لا من قبل الوارث, فالزيادة جوازها جواز وصيته من الموصي, لا جواز عطية من الوارث, وهذا قول أصحابنا رضي الله عنهم. وقال الشافعي رحمه الله: جوازها جواز هبة, وعطية حتى يقف ثبوت الملك فيها على القبض عنده, وعندنا لا يقف. "وجه" قوله: أن النفاذ لما, وقف على إجازة الوارث فدل أن الإجازة هبة منه, والدليل عليه أن الوارث لو أجاز الوصية في مرض موته تعتبر إجازته من ثلثه وثبت أن التمليك منه. "ولنا" أن الموصي بالوصية متصرف في ملك نفسه, والأصل فيه النفاذ لصدور التصرف من الأهل في المحل, وإنما الامتناع لمانع, وهو حق الوارث, فإذا أجاز فقد أزال المانع, وينفذ بالسبب السابق لا بإزالة المانع؛ لأن إزالته شرط, والحكم بعد وجود الشرط يضاف إلى السبب لا إلى الشرط, ويتوقف ثبوته على السبب في الحقيقة لا على الشرط؛ لأن الشروط كلها شروط الأسباب, لا شروط الأحكام على ما عرف في أصول الفقه, وقد خرج الجواب عما ذكر. "وأما" إجازته في مرض موته فإنما اعتبرت من ثلثه لا لكون الإجازة منه تمليكا, وإيجابا للملك؛ لأن الإجازة لا تنبئ عن التمليك بل هي إزالة المانع عن وقوع التصرف تمليكا بإسقاط الحق عن مال التصرف, وهو متبرع في هذا الإسقاط فيعتبر تبرعه من الثلث كما يعتبر تبرعه بالتمليك بالهبة من الثلث فإن أجاز بعض الورثة, ورد بعضهم جازت الوصية بقدر حصة المجيز منهم, وبطلت بقدر أنصباء الرادين؛ لأن لكل واحد منهم ولاية الإجازة والرد في قدر حصته فتصرف كل واحد منهم في نصيبه صدر عن ولاية شرعية فينفذ, ثم إنما تعتبر إجازة من أجاز إذا كان المجيز من أهل الإجازة بأن كان بالغا عاقلا. فإن كان مجنونا أو صبيا لا يعقل لا تعتبر إجازته, فإن كان عاقلا بالغا لكنه مريض مرض الموت جازت إجازته, ثم إن كان الوارث واحدا كانت إجازته بمنزلة ابتداء الوصية حتى لو كان الموصى له وارثه لا تجوز إجازته إلا أن تجيزها ورثة المريض بعد موته, وإن كان أجنبيا تجوز إجازته, وتعتبر من الثلث, ثم وقت الإجازة هو ما بعد موت الموصي, ولا تعتبر الإجازة حال حياته حتى إنهم لو أجازوا في حياته لهم أن يرجعوا عن ذلك بعد موته, وهذا قول عامة العلماء رضي الله عنهم. وقال ابن أبي ليلى رحمه الله: تجوز إجازتهم بعد موته, وحال حياته, وإذا أجازوا في حياته فليس لهم أن يرجعوا بعد موته, ولا خلاف في أنهم إذا أجازوا بعد موته ليس لهم أن

 

ج / 7 ص -371-       يرجعوا بعد ذلك. "وجه" قول ابن أبي ليلى: أن إجازتهم في حال الحياة صادفت محلها؛ لأن حقهم يتعلق بماله في مرض موته إلا أنه لا يظهر كون هذا المرض مرض الموت إلا بالموت, فإذا اتصل به الموت تبين أنه كان مرض الموت, فتبين أن حقهم كان متعلقا بماله فتبين أنهم أسقطوا حقهم بالإجازة فجازت إجازتهم. "ولنا" أن حقهم إنما يثبت عند الموت؛ لأنه إنما يعلم بكون المرض مرض الموت عند الموت, فإذا مات الآن علم كونه مرض الموت فيثبت حقهم الآن إلا أنه إذا ثبت حقهم عند الموت استند الحق الثابت إلى أول المرض, والاستناد إنما يظهر في القائم لا في الماضي, وإجازتهم قد مضت لغوا ضائعا؛ لانعدام الحق حال وجودها فلا تلحقها الإجازة, والدليل على أن حق الورثة لا يثبت في حال المرض بطريق الظهور المحض: أن المريض يحل له أن يطأ جاريته, ولو ثبت الملك عند الموت بطريق الظهور المحض لتبين أنه وطئ ملك غيره فتبين أنه كان حراما, وليس كذلك بالإجماع على أن في إثبات الحق في المرض على طريق الظهور المحض إبطال الحقيقة عند الموت فلا يجوز اعتبار الحق للحال؛ لإبطال الحقيقة عند الموت, فكان اعتباره من طريق الاستناد فيظهر في القائم لا في الماضي. ولو أوصى بألف درهم من مال رجل, أو عبد أو شيء آخر له فأجازه ذلك الرجل قبل موته, أو بعد موته فله أن يرجع عنه ما لم يدفعه إلى الموصى له, فإذا دفعه إليه جاز؛ لأن جوازه ليس بجواز وصيته؛ إذ لا ولاية على مال الغير, وإنما جوازه جواز هبة من صاحب المال فلم تكن إجازته إجازة إسقاط حق بل هو عقد هبة منه؛ لأن تصرف الموصي صادف ملك غيره, فوقف على إجازته, فإذا أجازه الغير فوقع هبة من جهته لا وصية من الموصي كأنه وهبه ابتداء, فإن سلم جازت الهبة, وإلا فلا, بخلاف الوصية بما زاد على الثلث إذا أجازها الورثة إنها تجوز. ولا يشترط فيها التسليم إلى الموصى له؛ لأن التصرف هناك وقع وصية لمصادفته ملك نفسه فلا يفتقر إلى التسليم, وإنما يفتقر إلى الإجازة, فإذا وجدت الإجازة جازت الوصية, ونفذت, وسواء كان الموصى به جزءا مسمى كالثلث, والنصف, أو كان جميع المال, أو كان عينا مشارا إليها بأن أوصى بعبد له أو ثوب له إنه يعتبر في ذلك كله الثلث, فإن كان يخرج من ثلث جميع ماله فهو له, وإن كان لا يخرج فله منه قدر ما يخرج, وإن لم يكن له مال آخر فله ثلثه, والثلثان للورثة, وسواء كانت الوصية واحدة أو اجتمعت الوصايا إنه ينفذ الكل من الثلث إن أمكن تنفيذ الكل منه, وإن لم يمكن وضاق الثلث عن الكل يتضارب فيه, ويقدم البعض على البعض عند وجود سبب التقدم. وبيان هذه الجملة: أن الوصايا إذا اجتمعت فالثلث لا يخلو: إما إن كان يسع كل الوصايا, وإما أن لا يسع الكل, فإن كان يسع الكل تنفذ الوصية من الثلث في الكل؛ لأن الوصية تعلقت بالكل, وأمكن تنفيذها في الكل فتنفذ سواء كانت الوصايا لله تبارك وتعالى كالوصية بالقرب من الوصية بالحج الفرض, والزكاة, والصوم, والصلاة, والكفارات, والنذور وصدقة الفطر, والأضحية, وحج التطوع وصوم التطوع, وبناء المساجد, وإعتاق النسمة, وذبح البدنة, ونحو ذلك أو كانت للعباد كالوصية لزيد, وعمرو, وبكر, وخالد. وكذلك لو كان الثلث لا يسع الكل لكن الورثة أجازت "فأما" إذا كان الثلث لا يسع, ولم تجز الورثة؛ فالوصايا لا تخلو: "إما" إن كانت كلها لله تعالى عز وجل, وهي الوصية بالقرب, أو كان بعضها لله تعالى, والبعض للعباد, فإن كان الكل لله تعالى فلا يخلو "إما" إن كان الكل فرائض أو واجبات, أو نوافل أو اجتمع في الوصايا من كل جنس من الفرائض, والواجبات, والتطوعات. فإن كان الكل فرائض متساوية يبدأ بما قدمه الموصي؛ لأن عند تساويهما لا يمكن الترجيح بالذات فيرجح بالبداية؛ لأن البداية دليل اهتمامه بما بدأ به؛ لأن الإنسان يبدأ بالأهم فالأهم عادة, واختلفت الرواية عن أبي يوسف في الحج, والزكاة روي عنه أنه يبدأ بالحج, وإن أخره الموصي في الذكر, وروي عنه أنه يبدأ بالزكاة, وهو قول محمد. "وجه" الرواية الأولى: أن الحج عبادة بدنية, والزكاة عبادة مالية, والعبادة البدنية أولى؛ لأن النفس أنفس, وأعز من المال فكان تقربا إلى الله تبارك وتعالى بأعز الأشياء, وأنفسها عنده فكان أقوى فكانت البداية به أولى على أن الحج عبادة بدنية لها تعلق بالمال, والزكاة عبادة مالية لا تعلق لها بالبدن فكان الحج أقوى فكان أولى بالتقدم. "وجه" الرواية الأخرى: أن الحج تمحض حقا لله تعالى. والزكاة يتعلق بها حق العبد فيقدم لحاجة العبد, وغنى الله عز وجل. وقالوا في الحج, والزكاة إنهما

 

ج / 7 ص -372-       يقدمان على الكفارات؛ لأنهما واجبان بإيجاب الله ابتداء من غير تعلق وجوبهما بسبب من جهة العبد, والكفارات يتعلق وجوبها بأسباب توجد من العبد من القتل, والظهار, واليمين, والواجب ابتداء أقوى فيقدم, والكفارات متقدمة على صدقة الفطر؛ لأن صدقة الفطر واجبة, والكفارات فرائض, والفرض مقدم على الواجب؛ ولأن هذه الكفارات منصوص عليها في الكتاب العزيز, ولا نص في الكتاب على صدقة الفطر, وإنما عرفت بالسنة المطهرة, فكان المنصوص عليه في الكتاب العزيز أقوى فكان أولى وصدقة الفطر مقدمة على الأضحية, وإن كانت الأضحية أيضا واجبة عندنا لكن صدقة الفطر متفق على وجوبها, والأضحية وجوبها محل الاجتهاد فالمتفق على الوجوب أقوى فكان بالبداية أولى, وكذا صدقة الفطر مقدمة على كفارة الفطر في رمضان؛ لأن وجوب تلك الكفارة ثبت بخبر الواحد وصدقة الفطر ثبت وجوبها بأخبار مشهورة. والثابت بالخبر المشهور أقوى فيقدم. وقالوا: إن صدقة الفطر تقدم على المنذور به؛ لأنها وجبت بإيجاب الله تبارك وتعالى ابتداء, والمنذور به, وجب بإيجاب العبد, وقد تعلق وجوبه أيضا بسبب مباشرة العبد فتقدم الصدقة, والإشكال عليه: أن صدقة الفطر من الواجبات لا من الفرائض؛ لأن وجوبها ثبت بدليل مقطوع به بل بدليل فيه شبهة العدم, ولهذا لا يكفر جاحده, والوفاء بالمنذور به فرض؛ لأنه وجوبه ثبت بدليل مقطوع به, وهو النص المفسر من الكتاب العزيز قال الله تبارك وتعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}, والفرض مقدم على الواجب, ولهذا يكفر جاحد وجوب الوفاء بالنذر, وفي كتاب الله عز وجل دليل عليه, وهو قوله سبحانه وتعالى {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ}, والمنذور به مقدم على الأضحية؛ لأنه واجب الوفاء بيقين وفي وجوب الأضحية شبهة العدم لكونه محل الاجتهاد. والأضحية تقدم على النوافل؛ لأنها واجبة عند أبي حنيفة رضي الله عنه وسنة مؤكدة عندهما, والشافعي رحمه الله, والواجب, والسنة المؤكدة أولى من النافلة, فالظاهر من حال الموصي أنه قصد تقديمها على النافلة تحسينا للظن بالمسلم إلا أنه تركه سهوا فيقدم بدلالة حالة التقديم, وإن أخره بالذكر على سبيل السهو, هذا الذي ذكرنا, إذا لم يكن في الوصايا بالقرب إعتاق منجز, وهو الإعتاق في مرض الموت, أو إعتاق معلق بالموت, وهو التدبير, فإن كان تقدم ذلك؛ لأن الإعتاق المنجز, والمعلق بالموت لا يحتمل الفسخ فكان أقوى فيقدم. "وأما" الوصية بالإعتاق, فإن كان إعتاقا واجبا في كفارة فحكمه حكم الكفارات, وقد ذكرنا ذلك, وإن لم يكن واجبا فحكمه حكم سائر الوصايا المتنفل بها من الصدقة على الفقراء, وبناء المساجد, وحج التطوع, ونحو ذلك؛ لأن الوصية بالإعتاق يلحقها الفسخ كما يلحق سائر الوصايا فكانت الوصية بالإعتاق غير واجبة مثل سائر الوصايا فلا تقدم, بخلاف الإعتاق المنجز في المرض, والمعلق بالموت؛ لأنه لا يلحقهما الفسخ فكان أقوى فيقدم على سائر الوصايا. وإن كانت الوصايا بعضها لله سبحانه وتعالى وبعضها للعباد, فإن أوصى لقوم بأعيانهم يتضاربون بوصاياهم في الثلث, ثم ما أصاب العباد فهو لهم لا يقدم بعضهم على بعض لما نبين, وما كان لله تبارك وتعالى يجمع ذلك فيبدأ منها بالفرائض, ثم بالواجبات, ثم بالنوافل, وإن كان مع الوصايا لله تبارك وتعالى وصية لواحد معين من العباد فإنه يضرب بما أوصى له به مع الوصايا بالقرب, ويجعل كل جهة من جهات القرب مفردة بالضرب, فإن قال: ثلث مالي في الحج, والزكاة, والكفارات, ولزيد فإن الثلث يقسم على أربعة أسهم: سهم للموصى له, وسهم للحج, وسهم للزكاة, وسهم للكفارات؛ لأن كل جهة من هذه الجهات غير الأخرى فتفرد كل جهة بسهم, كما لو أوصى بثلث ماله لقوم معينين, فإن قيل: جهات القرب, وإن اختلفت فالمقصود منها كلها واحد, وهو طلب مرضات الله تبارك وتعالى وابتغاء وجهه الكريم فينبغي أن يضرب للموصى له بسهم, والقرب بسهم. فالجواب: أن المقصود من الكل, وإن كان واحدا, وهو ابتغاء وجه الله عز وجل وطلب مرضاته لكن الجهة منصوص عليها فيجب اعتبارها كما لو أوصى بثلث ماله للفقراء, والمساكين, وأبناء السبيل, إن كان كل واحد منهم يضرب بسهمه, وإن

 

ج / 7 ص -373-       كان المقصود من الكل التقرب إلى الله سبحانه وتعالى لكن لما كانت الجهة منصوصا عليها اعتبر المنصوص عليه كذا ههنا هذا؛ إذ كانت الوصايا كلها لله تبارك وتعالى أو بعضها لله تبارك وتعالى وبعضها للعباد. "فأما" إذا كانت كلها للعباد فإنها لا تخلو من أحد وجهين: "إما" إن كانت كلها في الثلث لم يجاوز واحدة منها قدر الثلث. "وإما" إن جاوزت, فإن لم تجاوز بأن أوصى لإنسان بثلث ماله, ولآخر بالربع, ولآخر بالسدس فإنهم يتضاربون في الثلث بقدر حقوقهم فيضرب صاحب الثلث بثلث الثلث. وصاحب الربع بربع الثلث, وصاحب السدس بسدس الثلث فيضرب كل واحد منهم بقدر فريضته من الثلث فلا يقدم بعضهم على بعض إلا إذا كان مع هذه الوصايا أحد الأشياء الثلاثة: الإعتاق المنجز في المرض, أو المعلق بالموت في المرض أو في الصحة, وهو التدبير أو البيع بالمحاباة بما لا يتغابن الناس فيه في المرض فيقدم هو على سائر الوصايا التي هي للعباد كما يقدم على الوصايا بالقرب فيبدأ بذلك قبل كل وصية ثم يتضارب أهل الوصايا فيما يبقى من الثلث, ويكون بينهم على قدر وصاياهم. وإنما قلنا إنه لا يقدم البعض على البعض في غير المواضع المستثناة؛ لأن تقديم البعض على البعض يستدعي وجود المرجح, ولم يوجد؛ لأن الوصايا كلها استوت في سبب الاستحقاق؛ لأن سبب استحقاق كل واحد منهم مثل سبب صاحبه, والاستواء في السبب يوجب الاستواء في الحكم, ولا استواء في سبب الاستحقاق في مواضع الاستثناء؛ لأن الإعتاق المنجز, والمعلق بالموت لا يحتمل الفسخ, والمحاباة تستحق بعقد ضمان, وهو البيع؛ إذ هو عقد معاوضة فكان البيع مضمونا بالثمن, والوصية تبرع فكانت المحاباة المتعلقة بعقد الضمان أقوى فكانت أولى بالتقديم. وإن اجتمع العتق, والمحاباة وضاق الثلث عنهما فقد قال أبو حنيفة رحمه الله: إن كانت المحاباة قبل العتق يبدأ بالمحاباة, وإلا استويا هكذا روى المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة. وقال أبو يوسف, ومحمد: يبدأ بالعتق تقدم أو تأخر. "وجه" قولهما: أن العتق أقوى من المحاباة؛ لأنه لا يحتمل الفسخ, والمحاباة تحتمل, وفي باب الوصايا يقدم الأقوى فالأقوى إذا كان الثلث لا يسع الكل, ولهذا قدم العتق على سائر الوصايا, وبه تبين أنه لا عبرة بالتقديم في الذكر فإنه يقدم على سائر الوصايا, وإن كانت مقدمة في الذكر على العتق على أن التقدم في الذكر يعتبر ترجيحا, والترجيح إنما يكون بعد الاستواء في ركن العلة, ولا استواء ههنا لما بينا, فبطل الترجيح, ولأبي حنيفة رحمه الله: أن المحاباة أقوى من العتق؛ لأنها تستحق بعقد ضمان على ما بينا. والعتق تبرع محض, فلا يزاحمها. وكان ينبغي أن يقدم على العتق تقدمت في الذكر أو تأخرت إلا أن مزاحمة العتق إياها حالة التأخير ثبت لضرورة التعارض حالة التقدم على ما نذكره "وأما" قولهما: إن الإعتاق لا يحتمل الفسخ فبعض المشايخ قالوا: إن كل واحد منهما لا يحتمل الفسخ من جهة الموصي فإن من باع ماله بالمحاباة في مرض موته لا يملك فسخه كما لو أعتق عبده في مرض موته أنه لا يملك فسخه فاستويا في عدم احتمال الفسخ من جهة الموصي, وهو المعتق, والبائع, فإذا كانت البداية بالمحاباة ترجحت بالبداية لكون البداية بها دليل الاهتمام, ولا يمكن ترجيح العتق عند البداية به؛ لأن تعلق المحاباة بعقد الضمان يقتضي ترجيحها على العتق الذي هو تبرع محض, فتعارض الوجهان, فسقطا والتحقا بالعدم, فبقي أصل التعارض بلا ترجيح, فتقع المزاحمة بين المحاباة, والعتق, فيقسم الثلث بينهما. وهذا الجواب ضعيف؛ لأن البيع بالمحاباة تصرف يحتمل الفسخ في نفسه في الجملة, فيفسخ بخيار العيب, والرؤية, والشرط, والإقالة؛ إذ هي فسخ في حق المتعاقدين عند أبي حنيفة, ومحمد رحمهما الله فكانت المحاباة محتملة للفسخ في الجملة, والعتق لا يحتمله رأسا, فكان أقوى من المحاباة, فيجب أن يقدم عليها, كما هو مذهبهما "ومنهم" من قال: إن عدم احتمال العتق للفسخ إن كان يقتضي ترجيحه على المحاباة, كما ذكرنا من تعلق المحاباة بعقد الضمان يقتضي ترجيحا على العتق, فوقع التعارض, فترجح المحاباة بالبداية, وإذا لم يبدأ بها, فلم يوجد الترجيح, فبقيت المعارضة, فثبتت المزاحمة, وهذا أيضا ضعيف؛ لأنه لو كان كذلك للزم تقديم العتق على المحاباة؛ إذا بدأ بالعتق لوجود المرجح للعتق عند وقوع التعارض, ولا يقدم غيره بل يقسم الثلث بينهما "ومنهم" من قال: تعلق المحاباة بعقد الضمان من حيث استحقاقها به أقوى في الدلالة من العتق من

 

ج / 7 ص -374-       حيث عدم احتمال الفسخ بدليل أن الدين مقدم على الإعتاق حتى لو أعتق عبدا مستغرقا بالدين لا ينفذ, وإن كان الإعتاق لا يحتمل الفسخ, والمعارضة محتملة للفسخ لكونها عقد ضمان, فلا يعارضها العتق إلا عند البداية, وعلى الجملة تقرير مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه في هذه المسألة بالإضافة إلى عقولنا مشكل, والله سبحانه وتعالى أعلم, وفرع أبو حنيفة رضي الله عنه على هذا, فقال: إذا أعتق ثم حابى ثم أعتق يقسم الثلث بين العتق الأول, وبين المحاباة نصفين ثم ما أصاب العتق الأول يقسم بينه, وبين العتق الثاني لاستوائهما في القوة, ولو حابى ثم أعتق ثم حابى يقسم الثلث بين المحابتين نصفين ثم ما أصاب المحاباة الأخيرة يقسم بينهما, وبين العتق نصفين, كما إذا أعتق ثم حابى, والله سبحانه وتعالى أعلم هذا إذا كان مع الوصايا للعباد عتق أو محاباة. فإن لم يكن يضرب كل واحد منهما بقدر حقه من الثلث حتى لو أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بالسدس ولم تجز الورثة يقسم الثلث بينهما أثلاثا: سهمان لصاحب الثلث, وسهم لصاحب السدس, أصل المسألة من ستة: ثلث المال ثلاثة, وثلثاه مثلاه, وذلك ستة فجملة المال تسعة ثلثه, وذلك ثلاثة للموصى لهما بالثلث, والسدس بينهما أثلاثا, وثلثاه, وذلك ستة للورثة, فاستقام الثلث, والثلثان, وإن أجازت الورثة فللموصى له بالثلث سهمان, وللموصى له بالسدس سهم, والباقي, وهو ثلاثة من ستة للورثة على فرائض الله تبارك وتعالى. ولو أوصى لرجل بالثلث ولآخر بالربع, ولم تجز الورثة فالثلث بينهما على سبعة أسهم: لصاحب الثلث أربعة, ولصاحب الربع ثلاثة. أصل المسألة من اثني عشر للموصى له بالثلث ثلثها, وذلك أربعة عشر, فيكون كل المال أحدا وعشرين: الثلث من ذلك سبعة للموصى له بالثلث, والثلثان, وهو أربعة عشر للورثة, وإن أجازت الورثة فللموصى له بالثلث ما أوصى له, وهو أربعة وللموصى له بالربع ما أوصى له, وهو ثلاثة, والباقي, وهو خمسة من اثني عشر للورثة على فرائض الله تعالى. ولو أوصى لرجل بالثلث ولآخر بالربع ولآخر بالسدس, فثلث المال تسعة أصل المسألة من اثني عشر: لصاحب الثلث أربعة, ولصاحب الربع ثلاثة, ولصاحب السدس سهمان, وذلك تسعة, وثلثا المال مثلاه, وذلك ثمانية عشر, فيكون جملته سبعة وعشرين, سهام الوصية منها تسعة: ثلاثة وأربعة, وسهمان, وثمانية عشر, سهام الورثة, هذا إذا لم يكن في الوصايا ما يزيد على الثلث. فإن كان بأن أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بالنصف, فإن أجازت الورثة فلكل واحد ما أوصى له به فالثلث للموصى له بالثلث, والنصف للموصى له بالنصف, أصل المسألة من ستة للموصى له بالثلث سهمان, وللموصى له بالنصف ثلاثة, وذلك خمسة, والباقي للورثة, وإن لم تجز الورثة فالثلث بينهما نصفين في قول أبي حنيفة لكل واحد منهما سهم من ستة, وعند أبي يوسف, ومحمد رحمهما الله على خمسة: لصاحب النصف ثلاثة, ولصاحب النصف الثلث سهمان. وإن أوصى لرجل بربع, ماله ولآخر بنصف ماله, فإن أجازت الورثة فلكل واحد منهما ما أوصى له به فالربع للموصى له بالربع, والنصف للموصى له بالنصف والربع الباقي بين الورثة على فرائض الله تعالى؛ لأن المانع من الزيادة على الثلث حق الورثة, وقد زال بإجازتهم, وإن ردوا فلا خلاف في أن الوصية بالزيادة على الثلث لم تنفذ, وإن نفذت ففي الثلث لا غير. وإنما الخلاف في كيفية قسمة الثلث بينهما فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى: يقسم الثلث بينهما على سبعة أسهم للموصى له بالنصف أربعة, وللموصى له بالربع ثلاثة, وعند أبي يوسف, ومحمد: على ثلاثة سهمان للموصى له بالربع؛ لأن الموصى له بالنصف لا يضرب إلا بالثلث عنده, والموصى له بالربع يضرب بالربع, فيحتاج إلى حساب له ثلث, وربع, وأقله اثنا عشر ثلثها أربعة, وربعها ثلاثة فتجعل وصيتهما على سبعة, وذلك ثلث الميراث, وثلثاه مثلاه, وذلك أربعة عشر, وجميع المال أحد وعشرون: سبعة منها للموصى لهما: أربعة للموصى له بالنصف, وثلاثة للموصى له بالربع. وعند أبي يوسف, ومحمد: يقسم الثلث بينهما على ثلاثة أسهم؛ لأن الموصى له بالنصف يضرب بجميع وصيته عندهما, والموصى له بالربع يضرب بالربع, والربع مثل نصف النصف فيجعل كل ربع سهما, فالنصف يكون سهمين, والربع سهما, فيكون ثلاثة فيصير الثلث بينهما على ثلاثة أسهم: سهمان للموصى له بالنصف, وسهم للموصى له بالربع, وهذا بناء على أصل, وهو: أن الموصى له بأكثر من الثلث لا يضرب في الثلث بأكثر من الثلث من غير إجازة الورثة عند أبي حنيفة رحمه الله

 

ج / 7 ص -375-       تعالى إلا في خمس مواضع: في العتق في المرض, وفي الوصية بالعتق في المرض, وفي المحاباة في المرض, وفي الوصية بالمحاباة, وفي الوصية بالدراهم المرسلة, فإنه يضرب في هذه المواضع بجميع وصية من غير إجازة الورثة. وصورة ذلك في الوصية بالعتق إذا كان له عبدان لا مال له غيرهما أوصى بعتقهما, وقيمة أحدهما ألف, وقيمة الآخر ألفان, ولم تجز الورثة عتقا من الثلث, وثلث ماله ألف درهم, فالألف بينهما على قدر, وصيتهما ثلثا الألف للذي قيمته ألفان فيعتق ثلثه, ويسعى في الثلثين للورثة, والثلث للذي قيمته ألف فيعتق ثلثه, ويسعى في الثلثين للورثة, فإن أجازت الورثة عتقا جميعا, وصورة ذلك في المحاباة إذا كان له عبدان أوصى بأن يباع أحدهما من فلان, والآخر من فلان آخر بيعا بالمحاباة, وقيمة أحدهما مثلا ألف, ومائة, وقيمة الآخر ستمائة, فأوصى بأن يباع الأول من فلان بمائة, والآخر من فلان آخر بمائة, فههنا حصلت المحاباة لأحدهما بألف, وللآخر بخمسمائة, وذلك كله وصية؛ لأنها حصلت في حالة المرض, فإن خرج ذلك من الثلث أو أجازت الورثة جاز, وإن لم يخرج من الثلث, ولا أجازت الورثة جازت محاباتهما بقدر الثلث, وذلك يكون بينهما على قدر وصيتهما يضرب أحدهما فيها بألف, والآخر بخمسمائة. وصورة ذلك في الدراهم المرسلة, إذا أوصى لإنسان بألف وللآخر بالدين, وثلث ماله ألف فالثلث يكون بينهما أثلاثا كل واحد منهما يضرب بجميع وصيته, ولا خلاف أيضا في الوصية بأقل من الثلث كالربع, والسدس, ونحو ذلك أن الموصى له يضرب بجميع وصيته. "وجه" قولهما: أن الوصية وقعت باسم الزيادة على الثلث من النصف, ونحوه, فيجب اعتبارها ما أمكن إلا أنه تعذر اعتبارها في حق الاستحقاق؛ لما فيه من إبطال حق الورثة, وأنه إضرار بهم فوجب اعتبارها في حق الضرب, وأنه يمكن؛ إذ لا ضرر فيه على الورثة, ولهذا اعتبرت التسمية في حق الضرب. فيما ذكرنا من المسائل, ولأبي حنيفة رحمه الله: أن الوصية بالزيادة على الثلث عند رد الورثة وصية باطلة من كل وجه بيقين. والضرب بالوصية الباطلة من كل وجه بيقين باطل, وإنما قلنا: إن الوصية بالزيادة وصية باطلة؛ لأنها في قدر الزيادة صادفت حق الورثة إلا أنها وقفت على الإجازة, والرد, فإذا ردوا تبين أنها وقعت باطلة, وقوله من كل وجه يعني به استحقاقا, وتسمية, وهي تسمية النصف فالكل, فلم تقع الوصية صحيحة في مخرجها, وقولنا: بيقين؛ لأنها لا يحتمل النفاذ لحال. ألا يرى أنه لو ظهر للميت مال آخر لنفذت هذه الوصية, وهي الوصية بالزيادة على الثلث بخلاف المواضع الخمس فإن هناك ما وقعت باطلة بيقين بل تحتمل التنفيذ في الجملة بأن يظهر مال آخر للميت يخرج هذا القدر من الثلث فبين أن الوصية ما وقعت بالزيادة على الثلث, فلم تقع باطلة بيقين. وههنا بخلافه؛ لأنه, وإن ظهر له مال آخر يدخل ذلك المال في الوصية, ولا يخرج من الثلث, وهذا القدر يشكل بالوصية بيقين, فإن زادت قيمته على الثلث بأن أوصى بثلث عبد لرجل, وبثلثيه لآخر, ولا مال له سواه فردت الورثة أن صاحب الثلثين لا يضرب بالثلث الزائد عندنا, وإن لم تكن الوصية باطلة بيقين لجواز أن يظهر له مال آخر فتنفذ تلك الوصية فينتفي أن يضرب الموصى له بالثلثين بالثلث الزائد, ومع هذا لا يضرب عندنا, فأشكل القدر, وبخلاف الوصية بالأقل من الثلث؛ لأن الوصية هناك وقعت صحيحة في مخرجها من حيث التسمية؛ لأن التسمية وقعت بالربع, والسدس, وكل ذلك مخارج الوصية بالتسمية صادفت محل الوصية, وإنما يظهر الفرق عند اجتماع الوصيتين, فإذا ردت الورثة فالرد ورد عليهما جميعا فيقسم بينهما على قدر نصيبهما. ولو أوصى لرجل بجميع ماله ثم أوصى لآخر بثلث ماله فأجازت الورثة الوصيتين جميعا فقد روى أبو يوسف, ومحمد عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال: الموصى له بالجميع يأخذ الثلثين خاصة, ويكون الباقي بين صاحب الجميع, وبين صاحب الثلث. وقال حسن بن زياد: ليس هذا قول أبي حنيفة إن للموصى له ربع المال, وللموصى له بالجميع ثلاثة أرباعه, وذكر الكرخي رحمه الله: أنه ليس في هذه المسألة نص رواية عن أبي حنيفة رحمه الله, وإنما اختلفوا في قياس قوله, والصحيح أن قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيها ما روى عنه أبو يوسف, ومحمد رحمهما الله؛ لأنه قسمة على اعتبار المنازعة, وما ذكر حسن رحمه الله تعالى اعتبار العول, والمضاربة, والقسمة على اعتبار العول, والمضاربة من أصولهما لا من أصله فإن من أصله اعتبار المنازعة في القسمة "ووجهه" ههنا أن ما زاد على

 

ج / 7 ص -376-       الثلث يعطى كله للموصى له بجميع المال؛ لأنه لا ينازعه فيه أحد. وأما قدر الثلث فينازعه فيه الموصى له بالثلث فاستوت منازعتهما فيه؛ إذ لا ترجيح لأحدهما على الآخر فيقسم بينهما نصفين, فيكون أصل مسألة الحساب من ثلاثة لحاجتنا إلى الثلث: الثلثان للموصى له بالجميع بلا منازعة, والثلث بينهما نصفان إلا أنه ينكسر الحساب فيضرب اثنين في ثلاثة فيصير ستة فيسلم ثلثاها للموصى له بالجميع بلا منازعة, وثلثها, وهو سهمان ينازعه فيه الموصى له بالثلث, فيقسم بينهما, فحصل للموصى له بالجميع خمسة, وللموصى له بالثلث سهم. وأما القسمة على طريق العول, والمضاربة عندهما ههنا أن كل واحد منهما يضرب بجميع وصيته فالموصى له بالثلث يضرب بالثلث, وهو سهم, والموصى له بالجميع يضرب بكل المال وهو ثلاثة أسهم فيجعل المال على أربعة أسهم: لصاحب الثلث سهم, ولصاحب الجميع ثلاثة هذا إذا أجازت الورثة, فإن ردت الورثة جازت الوصية من الثلث ثم الثلث يكون بينهما نصفين في قول أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن الموصى له بأكثر من الثلث لا يضرب إلا بالثلث, إذا لم تجز الورثة عنده, وعندهما يضرب لكل واحد منهما بجميع وصيته أرباعا على ما بينا, والله تعالى الموفق هذا إذا اجتمعت الوصايا فيما سوى العين. فإن اجتمعت الوصايا في العين, فإن اجتمعت في عين مشار إليها بأن أوصى بعين واحدة لاثنين أو أكثر أو أوصى لكل واحد بجميع العين فقد قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: تقسم العين بين أصحاب الوصايا على عددهم فيضرب كل واحد منهم بالقدر الذي حصل له بالقسمة,, ولا يضرب بجميع تلك العين, وإن وقعت القسمة بجميع العين, وذلك نحو أن يقول: أوصيت بعبدي هذا لفلان ثم قال: وقد أوصيت بعبدي هذا لفلان آخر, والعبد يخرج من ثلث ماله؛ فإن العبد يقسم بينهما نصفين على عددهما, وهما اثنان فيضرب كل واحد منهما بنصف العبد, ولا يضرب بأكثر من ذلك. وكذلك إن أوصى به لثلاثة أو لأربعة. وقال أبو يوسف, ومحمد رحمهما الله: يضرب كل واحد منهما بجميع وصيته, ويتفق الجواب في تقديم ما يستحق كل واحد منهما من العبد في هذه الصورة لكن بناء على أصلين مختلفين, وإنما يظهر ثمرة اختلاف الأصلين فيما إذا انضمت إلى الوصية لهما وصية لثالث بأن كان له عبد, وألفا درهم سوى ذلك فأوصى بالعبد لإنسان, ثم أوصى به لآخر, وأوصى لرجل آخر بألف درهم فعند أبي حنيفة رحمه الله يضرب كل واحد من الموصى له بالعبد بنصف العبد, وهذا بنصفه, وهذا بنصفه, ويضرب الموصى له بألف درهم بألف, فيقتسمون بالثلث أرباعا, وعند أبي يوسف,, ومحمد رحمهما الله: يضرب كل واحد من الموصى لهما بالعبد بجميع العبد, والموصى له بألف يضرب بألف فيقتسمون الثلث أثلاثا بناء على الأصل الذي ذكرنا فيما تقدم: أن الموصى له بأكثر من الثلث لا يضرب بأكثر من الثلث عنده, وعندهما يضرب بجميع وصيته, فهما يقولان:؛ لأن التسمية وقعت لجميع العين إلا أنها لا تظهر في حق الاستحقاق فتظهر في حق الضرب, كما في أصحاب الديون, وأصحاب العول, وأبو حنيفة رحمه الله يقول: إن الموصى قد أبطل وصية كل واحد منهما في نصف العين فله ولاية الإبطال. ألا يرى أن له أن يرجع فيبطل استحقاق كل واحد منهما نصف العين, فالضرب بالجميع يكون ضربا بوصية باطلة فكان باطلا, بخلاف الغرماء فإنه ليس لمن عليه الدين ولأنه إبطال حقهم فيضرب كل واحد منهم بكل حقه, وبخلاف أصحاب العول؛ لأنه لم يؤخذ من جهة الميت سبب يبطل شهادتهم فيضربون بجميع ما ثبت حقهم فيه. ولو كان له عبد آخر قيمته ألف درهم وألف درهم فأوصى بعبد لرجل وأوصى لرجل آخر بثلث ماله فالثلث, وهو قدر ألف درهم يكون بينهما نصفين: خمسمائة للموصى له بجميع العبد وخمسمائة للموصى له بالثلث غير أن ما أصابه الموصى له بالجميع يكون في العبد, وذلك خمسة أسداس العبد, وما أصاب الموصى له بالثلث يكون بعضه في العبد, وهو سدس ما بقي من العبد, وهو عشر العبد, والبعض في الدراهم, وهو خمس الألفين, فيضرب الموصى له بجميع العبد بخمسة أسداسه, والموصى له بالثلث يضرب بسدس العبد, وبخمس الألفين على أصل أبي حنيفة رحمه الله تعالى؛ لأنه اجتمع في العبد, وصيتان: وصية بجميعه, ووصية بثلثه؛ لأن الوصية بثلث المال تناولت العبد لكونه مالا فاجتمعت في العبد وصيتان فسلم للموصى له بجميع العبد: ثلثاه بلا منازعة, والثلث ينازعه فيه الموصى له بالثلث, فيكون على الحساب من ثلاثة؛ لحاجتنا إلى الثلث, وأقل حساب يخرج

 

ج / 7 ص -377-       منه الثلث ثلاثة: قسمان خليا عن منازعة الموصى له بالثلث فسلم ذلك للموصى له بالجميع بلا منازعة بقي سهم استوت منازعتهما فيه فيكون بينهما فينكسر فنضرب اثنين في ثلاثة فيكون ستة فثلثا الستة, وهو أربعة سلم للموصى له بالجميع؛ لأنه لا ينازعه فيه أحد, وثلثها, وهو سهمان ينازعه فيه الموصى له بالثلث, واستوت منازعتهما فيه فيقسم بينهما لكل واحد منهما سهم, وإذا صار العبد, وقيمته ألف على ستة يصير كل ألف من الدراهم على ستة فصار الألفان على اثني عشر للموصى له بالثلث منهما: أربعة أسهم فصار له خمسة أسهم: أربعة أسهم من الدراهم, وسهم من العبد, وللموصى له بالجميع خمسة أسهم كلها في العبد؛ لأنه لا وصية له في الدراهم فصارت وصيتهما جميعا عشرة أسهم فاجعل ثلث المال على عشرة أسهم, فالثلثان عشرون سهما فالكل ثلاثون سهما, والعبد ثلث المال؛ لأن قيمته ألف درهم فصار العبد على عشرة أسهم, والألفان على عشرين سهما فادفع وصيتهما من العبد فوصية الموصى له بالجميع خمسة, وهو نصف العبد, ووصية الموصى له بالثلث سهم, وذلك خمس ما بقي من العبد, وادفع وصية الموصى له بالثلث من الدراهم, وذلك عشرون سهما: أربعة أسهم, وهو خمس الألفين على ما ذكره في الأصل فبقي من العبد أربعة أسهم لا وصية فيها فيدفع إلى الورثة فيكمل لهم الثلثان؛ لأن الموصى له بالثلث قد أخذ من الألفين أربعمائة, وذلك أربعة أسهم, وحصل للموصى له بالعبد خمسة أسهم من العبد, وذلك نصفه, وحصل للموصى له بالثلث أربعمائة من الدراهم, وذلك خمسها؛ لأنا جعلنا الألفين على عشرين سهما, وأربعة من عشرين خمسها, وحصل له من العبد سهم, وذلك خمس العبد, وحصل للورثة عشرون سهما, وهي الثلثان ستة عشر سهما, وذلك أربعة أخماسها, وأربعة أسهم من العبد, وذلك خمساه, هذا قول أبي حنيفة رحمه الله "وأما" على قولهما فيقسم على طريق العول, والمضاربة, فصاحب العبد يضرب بجميع ثلثه وصاحب الثلث يضرب بالثلث سهما, فيحتاج إلى حساب له ثلث, وأقله ثلاثة فصاحب العبد يضرب بالجميع, وذلك ثلاثة وصاحب الثلث يضرب بالثلث, وذلك سهم فصار العبد على أربعة أسهم, وإذا صار العبد على أربعة أسهم مع العول صار كل ألف على ثلاثة بغير عول؛ لأنه لا حاجة إلى العول في الألف فصارت الألفان على ستة أسهم فللموصى له بالثلث ثلثها, وذلك سهمان فتبين أن وصيتهما ستة أسهم, وصية صاحب العبد ثلاثة كلها في العبد, ووصية صاحب الثلث ثلاثة أسهم: سهمان في الدراهم, وسهم في العبد فاجعل ذلك ثلث المال واجعل العبد ثلث المال, واجعل العبد على ستة أسهم, وادفع إليهما وصيتهما من العبد لصاحب العبد ثلاثة أسهم, ولصاحب الثلث سهم بقي سهمان فاضلان لا وصية فيهما فادفع ذلك إلى الورثة حتى يكمل لهم الثلثان؛ لأن صاحب الثلث قد أخذ سهمين من الدراهم, وانتقص نصيب الورثة من الدراهم, فيدفع سهمين من العبد إليهم حتى يكمل لهم الثلثان, وقد جعل ثلث المال, وهو العبد على ستة أسهم فالثلثان يكونان اثني عشر, فادفع وصية صاحب الثلث من ذلك سهمين ثم ضم السهمين من العبد الذي لا وصية فيهما إلى عشرة أسهم حتى يكمل لهم الثلثان فحصل للورثة عشرة أسهم من الدراهم, وسهمان من العبد, وللموصى له بالعبد ثلاثة أسهم, وذلك نصف العبد, كله في العبد, وللموصى له بالثلث سهم في العبد, وذلك سدس العبد, وسدس الألفين, وهما سهمان من اثني عشر, والله تعالى أعلم. ولو كان له عبدان قيمتهما واحدة لا مال له غيرهما فأوصى لرجل بأحدهما بعينه, ولآخر بثلث ماله فإن الثلث يقسم بينهما على سبعة أسهم, وهذه المسألة مبنية على مسألتين: إحداهما: أن الثلث يقسم بينهما على طريقة المنازعة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى, وعندهما على طريق العول, والثانية: أن المذهب عند أبي حنيفة أن الموصى له بأكثر من الثلث لا يضرب إلا بالثلث إلا في مواضع الاستثناء على ما بينا إذا عرفت هذا فنقول: القسمة في هذه المسألة على طريق المنازعة عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنه اجتمع في العبد وصيتان: وصية بجميعه, ووصية بثلثه, والثلثان يسلمان لصاحب الجميع بلا منازعة؛ لأنه لا ينازعه فيه صاحب الثلث, وذلك سهمان من ثلاثة, والثلث, وهو سهم استوت منازعتهما فيه فيقسم بينهما لكل واحد منهما نصف سهم فانكسر فنضرب اثنين في ثلاثة فيصير ستة قلنا: الستة تسلم لصاحب الجميع بلا منازعة, وهو أربعة والثلث, وهو سهمان استوت

 

ج / 7 ص -378-       منازعتهما فيه فيقسم بينهما كل واحد منهما سهم فصار لصاحب الجميع خمسة أسهم, ولصاحب الثلث سهم فلما صار هذا العبد على ستة أسهم صار العبد الآخر على ستة للموصى له بالثلث منهما سهمان فصار وصية صاحب الثلث ثلاثة أسهم: سهمان في العبد الذي لا وصية فيه, وسهم في العبد الذي فيه وصية, ووصية صاحب العبد خمسة أسهم, وذلك أكثر من ثلث المال؛ لأن جميع المال اثنا عشر فثلثها أربعة. والمذهب عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أن الموصى له بأكثر من الثلث لا يضرب له إلا بالثلث فنطرح من وصيته سهما فتصير وصيته أربعة أسهم, ووصية الآخر ثلاثة أسهم وذلك سبعة أسهم فاجعل هذا ثلث المال, وثلثاه مثلاه, وذلك أربعة عشر, وجميع المال أحد وعشرون, وماله عبدان فتبين أن كل عبد على عشرة, ونصف؛ لأن كل عبد مقدار نصف المال فيدفع من العبد الموصى به وصيتهما فيه, ويدفع إليهما بوصية صاحب الجميع أربعة أسهم في العبد فيدفع ذلك إليه, ووصية صاحب العبد سهم واحد في العبد, فيدفع ذلك إليه فبقي من العبد خمسة أسهم, ونصف فادفع ذلك إلى الورثة فيقسم بينهم على فرائض الله تعالى, ويؤخذ من العبد الذي لا وصية فيه سهمان, ويدفع إلى الموصى له بالثلث فيبقى من هذا العبد ثمانية ونصف يدفع إلى الورثة فيقسم بينهم على فرائض الله تعالى فصارت كلها سبعة أسهم, وهي ثلث المال, فحصل للموصى له بالعبد منهما خمسة أسهم, وللموصى له بالثلث سهمان, وحصل للورثة من العبد الموصى به خمسة ونصف, ومن العبد الذي لا وصية فيه ثمانية ونصف فذلك أربعة عشر, وهي ثلثا المال فاستقام الحساب على الثلث, والثلثين. وأما على قول أبي يوسف, ومحمد: فيقسم على طريق العول فنقول: اجتمع في العبد وصيتان: وصية بجميعه, ووصية بثلثه, ومخرج الثلث ثلاثة فصاحب الجميع يضرب بالجميع, وذلك ثلاثة أسهم, وصاحب الثلث يضرب بثلثه, وهو سهم فصار العبد على أربعة أسهم, وهو معنى العول فلما صار هذا العبد على أربعة بالعول يجعل العبد الآخر على ثلاثة بغير عول؛ لأنه لا حاجة إلى العول في ذلك العبد فسهم من ذلك العبد للموصى له بالثلث فصارت وصية صاحب الثلث سهمين: سهم من العبد الذي فيه الوصية, وسهم من العبد الذي لا وصية فيه, ووصية صاحب العبد ثلاثة أسهم فذلك خمسة أسهم فاجعل هذا ثلث المال, وثلثاه مثلاه, وذلك عشرة, والجميع خمسة عشر, وماله عبدان فيصير كل عبد على سبعة, ونصف فيدفع وصية صاحب العبد من العبد إليه, وذلك ثلاثة, ووصية صاحب الثلث إليه, وذلك سهم يبقى من هذا العبد ثلاثة ونصف فيدفع ذلك إلى الورثة, ويدفع من العبد الآخر سهم إلى الموصى له بالثلث يبقى ستة أسهم, ونصف من العبد الذي فيه الوصية وستة أسهم, ونصف من العبد الآخر فاستقامت القسمة على الثلث, والثلثين, والله تعالى أعلم.

"فصل": وأما صفة هذا العقد فله صفتان إحداهما قبل الوجود, والأخرى بعد الوجود, أما التي هي قبل الوجود فهي أن الوصية بالفرائض والواجبات واجبة, وبما وراءها جائزة, ومندوب إليها, ومستحبة في بعض الأحوال, وعند بعض الناس: الكل واجب, وقد بينا ذلك كله في صدر الكتاب. وأما التي هي بعد الوجود فهي أن هذا عقد غير لازم في حق الموصى حتى يملك الرجوع عندنا ما دام حيا؛ لأن الموجود قبل موته مجرد إيجاب, وأنه محتمل الرجوع في عقد المعاوضة فهي بالتبرع أولى كما في الهبة, والصدقة إلا التدبير المطلق خاصة فإنه لازم لا يحتمل الرجوع أصلا, وإن كان وصية؛ لأنه إيجاب يضاف إلى الموت, ولهذا يعتبر من الثلث؛ لأنه سبب لثبوت العتق, والعتق لازم. وكذا سببه؛ لأنه سبب حكم لازم. وكذا التدبير المقيد لا يحتمل الرجوع نصا, ولكنه يحتمله دلالة بالتمليك من غيره؛ لأن العتق فيه تعلق بموت موصوف بصفة, وقد لا توجد تلك الصفة فلم يستحكم السبب, ثم الرجوع قد يكون نصا, وقد يكون دلالة, وقد يكون ضرورة, أما النص فهو أن يقول الموصي: رجعت, أما الدلالة فقد تكون فعلا, وقد تكون قولا, وهو أن يفعل في الموصى به فعلا يستدل به على الرجوع أو يتكلم بكلام يستدل به على الرجوع, وبيان هذه الجملة إذا فعل في الموصى به فعلا لو فعله في المغصوب لانقطع به ملك المالك كان رجوعا كما إذا أوصى بثوب ثم قطعه, وخاطه قميصا أو قباء أو بقطن ثم غزله أو لم يغزله ثم نسجه أو بحديدة ثم صنع منها إناء أو سيفا أو سكينا أو بفضة ثم صاغ منها حليا, ونحو ذلك؛ لأن هذه الأفعال لما

 

ج / 7 ص -379-       أوجبت بطلان حكم ثابت في المحل, وهو الملك؛ فلأن توجب بطلان مجرد كلام من غير حكم أصلا أولى, ثم وجه الدلالة منها على التفصيل: أن كل واحد منها تبديل العين, وتصييرها شيئا آخر معنى, واسما, فكان استهلاكا لها من حيث المعنى, فكان دليل الرجوع فصار كالمشتري بشرط الخيار إذا فعل في المبيع فعلا يدل على إبطال الخيار يبطل خياره, والأصل في اعتبار الدلالة إشارة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله للمخيرة "إن وطئك زوجك فلا خيار لك". ولو أوصى بقميص ثم نقضه فجعله قباء فهو رجوع؛ لأن الخياطة في ثوب غير منقوض دليل الرجوع فمع النقض أولى, وإن نقضه, ولم يخطه لم يذكر في الكتاب, واختلف المشايخ فيه, والأشهر أنه ليس برجوع؛ لأن العين بعد النقض قائمة تصلح لما كانت تصلح له قبل النقض. ولو باع الموصى به أو أعتقه أو أخرجه عن ملكه بوجه من الوجوه كان رجوعا؛ لأن هذه التصرفات وقعت صحيحة لمصادفتها ملك نفسه فأوجبت زوال الملك فلو بقيت الوصية مع وجودها لتعينت في غير ملكه, ولا سبيل إليه. ولو باع الموصى به ثم اشتراه أو وهبه, وسلم, ورجع في الهبة لا تعود الوصية؛ لأنها قد بطلت بالبيع, والهبة مع التسليم لزوال الملك, والعائد ملك جديد غير موصى به فلا يصير موصى به إلا بوصية جديدة. ولو أوصى بعبد فغصبه رجل ثم رده بعينه فالوصية على حالها؛ لأن الغصب ليس فعل الموصي, والموصى به على حاله فبقيت الوصية إلا إذا استهلكه الغاصب أو هلك في يده فتبطل الوصية لبطلان محل الوصية. وكذا لو أوصى بعبد ثم دبره أو كاتبه, أو باع نفسه منه كان رجوعا؛ لأن التدبير إعتاق من وجه أو مباشرة سبب لازم لا يحتمل الفسخ, والنقض, وكل ذلك دليل الرجوع, والمكاتبة معاوضة إلا أن العوض متأخر إلى وقت أداء البدل, فكان دليل الرجوع كالبيع, وبيع نفس العبد منه إعتاق فكان رجوعا. ولو أوصى بعبد لإنسان, ثم أوصى أن يباع من إنسان آخر لم يكن رجوعا, وكانت الوصية لهما جميعا؛ لأنه لا تنافي بين الوصيتين؛ لأن كل واحدة منهما تمليك إلا أن إحداهما تمليك بغير بدل, والأخرى تمليك ببدل فيكون العبد بينهما: نصفه للموصى له به, ونصفه يباع للموصى له بالبيع. ولو أوصى أن يعتق عبده, ثم أوصى بعد ذلك أن يباع من فلان أو أوصى أولا بالبيع ثم أوصى بالإعتاق كان رجوعا لما بين الوصيتين من التنافي؛ إذ لا يمكن الجمع بين الإعتاق, والبيع, فكان الإقدام على الثانية دليل الرجوع عن الأولى, وهذا هو الأصل في جنس هذه المسائل أنه إذا أوصى بوصيتين متنافيتين كانت الثانية مبطلة للأولى, وهو معنى الرجوع, وإن كانتا غير متنافيتين نفذتا جميعا. ولو أوصى بشاة ثم ذبحها كان رجوعا؛ لأن الملك في باب الوصية يثبت عند الموت, والشاة المذبوحة لا تبقى إلى وقت الموت عادة بل تفسد, فكان الذبح دليل الرجوع. ولو أوصى بثوب ثم غسله أو بدار ثم جصصها أو هدمها لم يكن شيء من ذلك رجوعا؛ لأن الغسل إزالة الدرن, والوصية لم تتعلق به فلم يكن الغسل تصرفا في الموصى به, وتجصيص الدار ليس تصرفا في الدار بل في البناء؛ لأن الدار اسم للعرصة, والبناء بمنزلة الصفة فيكون تبعا للدار, والتصرف في التبع لا يدل على الرجوع عن الأصل, ونقض البناء تصرف في البناء, والبناء صفة, وأنها تابعة. ولو أوصى لرجل أن يشتري له عبدا بعينه ثم رجع العبد إلى الموصي بهبة أو صدقة أو وصية أو ميراث فالوصية لا تبطل, ويجب تنفيذها؛ لأن الوصية ما وقعت بثمن العبد بل بعين العبد, وهو مقصود الموصى, وإنما ذكر الشراء للتوصل به إلى ملكه, وقد ملكه فتنفذ فيه الوصية. ولو أوصى بشيء لإنسان ثم أوصى به لآخر فجملة الكلام فيه أنه إذا أعاد عند الوصية الثانية الوصية الأولى, والموصى له الثاني محل قابل للوصية كان رجوعا. وكان إشراكا في الوصية, وبيان هذه الجملة إذا قال: أوصيت بثلث مالي لفلان ثم قال: أوصيت بثلث مالي لفلان آخر ممن تجوز له الوصية فالثلث بينهما نصفان. وكذا لو قال: أوصيت بهذا العبد لفلان, وهو يخرج من الثلث, ثم قال: أوصيت به لفلان آخر ممن تجوز له الوصية كان العبد بينهما نصفين. ولو قال: أوصيت بثلث مالي لفلان أو بعبدي هذا لفلان ثم قال: الذي أوصيت به لفلان أو العبد الذي أوصيت به لفلان فهو لفلان كان رجوعا عن الأولى, وإمضاء للثانية, وإنما كان كذلك؛ لأن الأصل في الوصية بشيء لإنسان ثم الوصية به لآخر هو الإشراك؛ لأن فيه عملا بالوصيتين بقدر الإمكان,, والأصل في تصرف العاقل صيانته عن الإبطال ما أمكن, وفي الحمل على الرجوع إبطال إحدى الوصيتين من كل وجه, وفي الحمل على

 

ج / 7 ص -380-       الإشراك عمل بكل واحد منهما من وجه فيحمل عليه ما أمكن, وعند الإعادة. وكون الثاني محلا للوصية لا يمكن الحمل على الإشراك؛ لأنه لما أعاد علم أنه أراد نقل تلك الوصية من الأول إلى الثاني, ولا ينتقل إلا بالرجوع, فكان ذلك منه رجوعا هذا إذا قال: الوصية التي أوصيت بها لفلان فهي لفلان. وكذا إذا قال: الوصية التي أوصيت بها لفلان قد أوصيتها لفلان أو فقد أوصيتها لفلان, فأما إذا قال: وقد أوصيت بها لفلان, فهذا يكون إشراكا؛ لأن الواو للشركة, وللاجتماع. ولو قال: كل وصية أوصيت بها لفلان فهي باطلة فهذا رجوع؛ لأنه نص على إبطال الوصية الأولى, وهو من أهل الإبطال, والمحل قابل للبطلان فتبطل, وهو معنى الرجوع. ولو قال: كل وصية أوصيت بها لفلان فهي حرام أو هي ربا لا يكون رجوعا؛ لأن الحرمة لا تنافي الوصية فلم يكن دليل الرجوع. ولو قال: كل وصية أوصيت بها لفلان فهي لفلان وارثي كان هذا رجوعا عن وصيته لفلان, ووصيته للوارث فيقف على إجازة الورثة؛ لأنه نقل الوصية الأولى بعينها إلى من يصح النقل إليه؛ لأن الوصية للوارث صحيحة بدليل أنها تقف على إجازة بقية الورثة, والباطل لا يحتمل التوقف, وإذا انتقلت إليه لم يبق للأول ضرورة, وهذا معنى الرجوع ثم إن أجازت بقية الورثة الوصية لهذا الوارث نفذت وصار الموصى به للموصى له, وإن ردوا بطلت, ولم يكن للموصى له الأول لصحة الرجوع لانتقال الوصية منه, وصار ميراثا لورثة الموصى كما لو رجع صريحا. ولو قال: الوصية التي أوصيت بها لفلان فهي لعمرو بن فلان, وعمرو حي يوم قال الموصي هذه المقالة كان رجوعا عن وصيته؛ لأن الوصية لعمرو وقعت صحيحة؛ لأنه كان حيا وقت كلام الوصية فيصح النقل إليه فصح الرجوع, ولو كان عمرو ميتا يوم كلام الوصية لم تصح الوصية؛ لأن الميت ليس بمحل للوصية فلم يصح إيجاب الوصية له فلم يثبت ما في ضمنه, وهو الرجوع, ولو كان عمرو حيا يوم الوصية حتى صحت, ثم مات عمرو قبل موت الموصي بطلت الوصية؛ لأن نفاذها عند موت الموصي, وتعذر تنفيذها عند موته؛ لكون الموصى له ميتا, فكان المال كله للورثة. ولو قال: الثلث الذي أوصيت به لفلان فهو لعقب عمرو, فإذا عمرو حي, ولكنه مات قبل موت الموصي فالثلث لعقبه. وكان رجوعا عن وصية فلان؛ لأن قوله لعقب عمرو وقع صحيحا إذا كان لعمرو عقب يوم موت الموصي؛ لأن عقب الرجل من يعقبه بعد موته, وهو ولده فلما مات عمرو قبل موت الموصي فقد صار ولده عقبا له يوم نفاذ الإيجاب, وهو يوم موت الموصي فصحت الوصية كما لو أوصى بثلث ماله لولد فلان, ولا ولد له يومئذ ثم ولد له ولد ثم مات الموصي إن الثلث يكون له كذا ههنا ثم إذا صح إيجاب الثلث له بطل حق الأول؛ لما قلنا, فإن مات عقب عمرو بعد موت عمرو قبل موت الموصي رجع الثلث إلى الورثة؛ لأن الإيجاب لهم قد صح لكونهم عقبا لعمرو, فثبت الرجوع عن الأول ثم بطل استحقاقهم بموتهم قبل موت الموصي فلا يبطل الرجوع. ولو مات الموصي في حياة عمرو فالثلث للموصى له؛ لأن الموصي قد مات, ولم يثبت للموصى لهم اسم العقب بعد فبطل الإيجاب لهم أصلا, فبطل ما كان ثبت في ضمنه, وهو الرجوع عن الوصية الأولى. ولو أوصى ثم جحد الوصية ذكر في الأصل أنه يكون رجوعا, ولم يذكر خلافا قال المعلى عن أبي يوسف في نوادره قال أبو يوسف رحمه الله تعالى: في رجل أوصى بوصية ثم عرضت عليه من الغد فقال: لا أعرف هذه الوصية, قال: هذا رجوع منه. وكذلك لو قال: لم أوص بهذه الوصية قال: وسألت محمدا عن ذلك فقال: لا يكون الجحد رجوعا, وذكر في الجامع إذا أوصى بثلث ماله لرجل ثم قال بعد ذلك: اشهدوا أني لم أوص لفلان بقليل, ولا كثير لم يكن هذا رجوعا منه عن وصية فلان, ولم يذكر خلافا, فيجوز أن يكون ما ذكر في الأصل قول أبي يوسف, وما ذكر في الجامع قول محمد, ويجوز أن يكون في المسألة روايتان. "وجه" ما ذكر في الجامع: أن الرجوع عن الوصية يستدعي سابقية وجود الوصية, والجحود إنكار وجودها أصلا, فلا يتحقق فيه معنى الرجوع فلا يمكن أن يجعل رجوعا, ولهذا لم يكن جحود النكاح طلاقا؛ ولأن إنكار الوصية بعد وجودها يكون كذبا محضا, فكان باطلا لا يتعلق به حكم كالإقرار الكاذب حتى لو أقر بجارية لإنسان كاذبا, والمقر له يعلم ذلك لا يثبت الملك حتى لا يحل وطؤها. وكذا سائر الأقارير الكاذبة إنها باطلة في الحقيقة كذا الإنكار الكاذب

 

ج / 7 ص -381-       "وجه" ما ذكر في الأصل: أن معنى الرجوع عن الوصية هو فسخها, وإبطالها, وفسخ العقد كلام يدل على عدم الرضا بالعقد السابق, وبثبوت حكمه, والجحود في معناه؛ لأن الجاحد لتصرف من التصرفات غير راض به, وبثبوت حكمه فيتحقق فيه معنى الفسخ فحصل معنى الرجوع. وروى ابن رستم عن محمد رحمه الله تعالى: لو أن رجلا أوصى بوصايا إلى رجل فقيل له: إنك ستبرأ فأخر الوصية فقال: أخرتها فهذا ليس برجوع, ولو قيل له: اتركها, فقال: قد تركتها فهذا رجوع؛ لأن الرجوع عن الوصية هو إبطال الوصية, والتأخير لا ينبئ عن الإبطال, والترك ينبئ عنه. ألا يرى أنه لو قال: أخرت الدين كان تأجيلا له لا إبطالا ؟, ولو قال: تركته كان إبراء؟. روى بشر عن أبي يوسف رحمه الله تعالى في رجل أوصى بثلث ماله لرجل مسمى, وأخبر الموصي أن ثلث ماله ألف أو قال: هو هذا, فإذا ثلث ماله أكثر من ألف فإن أبا حنيفة رحمه الله قال: أن له الثلث من جميع ماله, والتسمية التي سمى باطلة لا ينقض الوصية خطؤه في ماله إنما غلط في الحساب, ولا يكون رجوعا في الوصية "وهذا" قول أبي يوسف رحمه الله تعالى؛ لأنه لما أوصى بثلث ماله فقد أتى بوصية صحيحة؛ لأن صحة الوصية لا تقف على بيان مقدار الموصى به, فوقعت الوصية صحيحة بدونه ثم بين المقدار, وغلط فيه, والغلط في قدر الموصى به لا يقدح في أصل الوصية فبقيت الوصية متعلقة بثلث جميع المال؛ ولأنه يحتمل أن يكون هذا رجوعا عن الزيادة على القدر المذكور, ويحتمل أن يكون غلطا, فوقع الشك في بطلان الوصية, فلا تبطل مع الشك على الأصل المعهود أن الثابت بيقين لا يزول بالشك. ولو قال: أوصيت بغنمي كلها وهي مائة شاة, فإذا هي أكثر من مائة وهي تخرج من الثلث فالوصية جائزة في جميعها؛ لما ذكرنا أنه أوصى بجميع غنمه ثم غلط في العدد قال: ولو قال: أوصيت له بغنمي, وهي هذه, وله غنم غيرها تخرج من الثلث فإن هذا في القياس مثل ذلك, ولكني أدع القياس في هذا, وأجعل له الغنم التي تسمى من الثلث؛ لأنه جمع بين التسمية, والإشارة, وكل واحد منهما للتعيين غير أن هذه الإشارة أقوى؛ لأنها تحصر العين, وتقطع الشركة, فتعلقت الوصية بالمشار إليه فلا يستحق الموصى له غيره بخلاف ما إذا قال: أوصيت له بثلث مالي, وهو هذا, وله مال آخر غيره إنه يستحق ثلث جميع المال؛ لأن الإشارة هناك لم تصح؛ لأنه قال: ثلث مالي, والثلث اسم للشائع والمعين غير الشائع فلغت الإشارة فتعلقت الوصية بالمسمى, وهو ثلث المال, وههنا صحت, وصية الإشارة, وهي أقوى من التسمية فتعلقت الوصية بالمشار إليه. ولو قال: قد أوصيت لفلان برقيقي, وهم ثلاثة فإذا هم خمسة جعلت الخمسة كلهم في الثلث؛ لأنه أوصى برقيقه كلهم لكنه غلط في عددهم, والغلط في العدد لا يمنع استحقاق الكل بالوصية العامة. ولو أوصى بثلث ماله لبني عمرو بن حماد وهم سبعة فإذا بنوه خمسة كان الثلث كله لهم؛ لأنه جعل الثلث لبني عمرو بن حماد ثم وصف بنيه, وهم خمسة بأنهم سبعة غلطا فيلغو الغلط, ويلحق بالعدم كأنه لم يتكلم به؛ لأنه لما قال: وهم سبعة, ولم يكونوا إلا خمسة فقد أوصى لخمسة موجودين, ولمعدومين, ومتى جمع بين موجود, ومعدوم, وأوصى لهما يلغو ذكر المعدوم, وتكون الوصية للموجود, كما لو قال: أوصيت بثلث مالي لعمرو, وخالد ابني فلان, فإذا أحدهما ميت إن الثلث كله للحي منهما كذا هذا. وكذلك لو قال: لبني فلان, وهم خمسة فإذا هم ثلاثة أو قال: وهم سبعة, فإذا هم ثلاثة أو اثنان؛ لما قلنا. ولو قال: أوصيت بثلث مالي لبني فلان وله ثلاث بنين أو ابنان كان جميع الثلث لهم؛ لأن الثلاث يقال لهم: بنون, والاثنان في هذا الباب ملحق بالجميع؛ لأن الوصية أخت الميراث, وهناك ألحق الاثنتان بالثلاث في حق استحقاق الثلثين كذا هذا ولو كان لفلان ابن واحد استحق نصف الثلث؛ لأنه جعل الثلث للبنين, والواحد لا ينطلق عليه اسم البنين لغة, ولا له حكم الجماعة في باب الوصية, والميراث فلا يستحق الكل, وإنما صرف إليه نصف الثلث؛ لأن أقل من يستحق كمال الثلث في هذا الباب اثنان, ولو كان معه آخر لصرف إليهما كمال الثلث, فإذا كان, وحده يصرف إليه نصف الثلث. ولو قال: قد أوصيت بثلث مالي لابني فلان عمرو وحماد, فإذا ليس له إلا عمرو كان جميع الثلث له؛ لأنه جعل عمرا, وحمادا بدلين عن قوله ابني فلان, كما يقال: جاءني أخوك عمرو, والبدل عند أهل النحو: هو الإعراض عن قوله الأول, والأخذ بالثاني, فكان المعتبر هو الثاني, والأول يلغو, كما إذا قلت: جاءني أخوك زيد يصير كأنك قلت جاءني زيد, واعتمدت عليه, وأعرضت

 

ج / 7 ص -382-       عن قولك: أخوك إلى هذا ذهب الأئمة من النحويين وهذا قول سيبويه وإذا كان كذلك صار الموصي معتمدا على قوله: عمرو, وحماد, معرضا عن قوله: ابني فلان, فصار كأنه قال: أوصيت بثلث مالي لعمرو, وحماد, وحماد ليس بموجود, ولو كان كذلك لصرف كل الثلث إلى عمر وكذا ههنا, والإشكال على هذا أن قوله: عمرو, وحماد, كما يصلح أن يكون بدلا عن قوله: ابني فلان, يصلح أن يكون عطف بيان, والمعتبر في عطف البيان: المذكور أولا, والثاني يذكر لإزالة الجهالة عن الأول, كما في قول القائل جاءني أخوك زيد إذا كان في إخوته كثرة كان زيد مذكورا بطريق عطف البيان لإزالة الجهالة المتمكنة في قوله: أخوك لكثرة الإخوة بمنزلة النعت, وإذا كان المعتبر هو المذكور أولا, وهو قوله: ابني فلان, فإذا لم يكن لفلان إلا ابن, واحد, وهو عمرو, فينبغي أن لا يكون له إلا نصف الثلث, والجواب: نعم, هذا الكلام يصلح لهما جميعا لكن الحمل على ما قلنا أولى؛ لأن فيه تصحيح جميع تصرفه, وهو تمليكه جميع الثلث, وأنه أوصى بتمليك جميع الثلث, وفي الحمل على عطف البيان: إثبات تمليك النصف, فكان ما قلناه أولى على أن من شرط عطف البيان: أن يكون الثاني معلوما, كما في قول القائل جاءني أخوك زيد كان زيد معلوما, فزال به وصف الجهالة المعترضة في قوله: أخوك بسبب كثرة الإخوة, وفي مسألتنا: الثاني غير معلوم؛ لأن اسم حماد ليس له مسمى موجود له ليكون معلوما, فيحصل به بإزالة الجهالة فتعذر حمله على عطف البيان فيجعل بدلا للضرورة. "ولو" قال: أوصيت لبني فلان وهم خمسة ولفلان ابن فلان بثلث مالي, فإذا بنو فلان ثلاثة فإن لبني فلان ثلاثة أرباع الثلث, ولفلان ابن فلان ربع الثلث ذكرنا أن قوله, وهم خمسة لغو إذا كانوا ثلاثة فبقي قوله: أوصيت بثلث مالي لبني فلان, ولفلان ابن فلان, فيكون الثلث بينهم أرباعا لحصول الوصية لأربعة, فيكون بينهم أرباعا؛ لاستواء كل سهم فيها. "ولو" قال: قد أوصيت لبني فلان وهم ثلاثة بثلث مالي, فإذا بنو فلان خمسة فالثلث لثلاثة منهم؛ لأن قوله: لبني فلان اسم عام, وقوله: وهم ثلاثة تخصيص أي: أوصيت لثلاثة من بني فلان, فصح الإيصاء لثلاثة منهم غير معينين, وهذه الجهالة لا تمنع صحة الوصية؛ لأنها محصورة مستدركة, ومثل هذه الجهالة لا تمنع صحة الوصية؛ لأن تنفيذها ممكن, كما لو أوصى لأولاد فلان. وكما لو أوصى بثلث ماله, وهو مجهول لا يدري كم يكون عند موت الموصي؟ بخلاف ما أوصى لواحد من عرض الناس حيث لم يصح؛ لأن تلك الجهالة غير مستدركة. وكذا لو أوصى لقبيلة لا يحصون؛ لأنه لا يمكن حصرها, والخيار في تعيين الثلاثة من بنيه إلى ورثة الموصي؛ لأنهم قائمون مقامه, والبيان كان إليه؛ لأنه هو المبهم, فلما مات عجز عن البيان بنفسه, فقام من يخلفه مقامه بخلاف ما إذا أوصى لمواليه حيث لم تصح, ولم تقم الورثة مقامه؛ لأن هناك تخلف المقصود من الوصية, ولا يقف على مقصود الموصي أنه أراد به زيادة في الإنعام أو الشكر أو مجازاة أحد من الورثة, فلا يمكنهم التعيين, وههنا الأمر بخلافه, واستشهد محمد رحمه الله لصحة هذه الوصية فقال: ألا يرى أن رجلا لو قال: أوصيت بثلث مالي لبني فلان, وهم ثلاثة: فلان,, وفلان, وفلان, فإذا بنو فلان غير الذين سماهم إن الوصية جائزة لمن سمى؛ لأنه خص البعض فكذا ههنا. أوضح محمد رحمه الله تعالى جواز تخصيص ثلاثة مجهولين بعلمه لجواز تخصيص ثلاثة معينين, وأنه إيضاح صحيح, ولو قال: قد أوصيت بثلث مالي لبني فلان, وهم ثلاثة, ولفلان ابن فلان, فإذا بنو فلان خمسة فلفلان ابن فلان ربع الثلث؛ لأن قوله وهم ثلاثة صحيح لما ذكرنا أنه تخصيص العام فصار موصيا بثلث ماله لثلاثة من بني فلان, ولفلان ابن فلان, فكان فلان رابعهم, فكان له ربع الثلث, وثلاثة أرباعه لثلاثة من بني فلان, ولو أوصى لرجل بمائة, ولرجل آخر بمائة ثم قال لآخر: قد أشركتك معهما فله ثلث كل مائة؛ لأن الشركة تقتضي التساوي, وقد أضافها إليهما فيقتضي أن يستوي كل واحد منهما, ولا تتحقق المساواة إلا بأن يأخذ من كل واحد منهما ثلث ما في يده, فيكون لكل واحد ثلثا المائة فتحصل المساواة, وإن أوصى لرجل بأربعمائة, ولآخر بمائتين ثم قال لآخر: قد أشركتك معهما فله نصف ما أوصى لكل واحد منهما؛ لأن تحقيق المشاركة بينهم على سبيل الجملة غير ممكن في هذه الصورة لاختلاف الأنصباء, فيتحقق التساوي على سبيل الانفراد تحقيقا لمقتضى الشركة بقدر الإمكان "وكذا" لو أوصى لاثنين لكل واحد جارية ثم أشرك فيهما ثالثا كان له نصف كل واحدة منهما؟ لما ذكرنا

 

ج / 7 ص -383-       أن إثبات الاستواء على سبيل الاجتماع غير ممكن. "ولو قال:" سدس مالي لفلان, ثم قال في ذلك المجلس أو في مجلس آخر: ثلث مالي لفلان, فأجازت الورثة فله ثلث المال؛ لأن الموصي أثبت الثلث, فثبت, وهو يتضمن السدس, فثبت المتضمن به بثبوت المتضمن, فيصير كأنه أعاد الأول زيادة.
ولو قال: سدس مالي لفلان وصية سدس مالي لفلان فإنما هو سدس واحد؛ لأن الأصل أن المعرفة إذا كررت كان المراد بالثاني هو الأول, والسدس ههنا ذكر معرفة لإضافته إلى المال المعروف بالإضافة إلى ضمير المتكلم, والله تعالى أعلم. وعلى هذا يخرج ما إذا أوصى بخاتم لفلان وبفصه لفلان آخر, وجملة الكلام فيه: أن الأمر لا يخلو: إما إن كانت الوصيتان في كلام واحد متصل, وإما إن كانتا في كلام منفصل, فإن كانتا في كلام منفصل فالحلقة للموصى له بالخاتم, والفص للموصى له بالفص بلا خلاف, وإن كانتا في كلام منفصل فكذلك في قول أبي يوسف, وقيل: إنه قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى أيضا. وقال محمد رحمه الله تعالى: الحلقة للموصى له بالخاتم, والفص بينهما "وجه" قوله: أن الوصية بالخاتم تتناول الحلقة, والفص, وبالوصية لآخر بالفص لم يتبين أن الفص لم يدخل, وإذا كان كذلك بقي الفص داخلا في الوصية بالخاتم, وإذا أوصى بالفص لآخر فقد اجتمع في الفص وصيتان, فيشتركان فيه, ويسلم الحلقة للأول, ولأبي يوسف رحمه الله تعالى: إن اسم الخاتم يتناول الفص الذي فيه, إما بطريق التضمن؛ لأنه جزء من أجزاء الخاتم بمنزلة اسم الإنسان أنه يتناول جميع أجزائه بطريق التضمن, وإما بطريق التبعية لكن عند الإطلاق, فإذا أفرد البعض بالوصية لآخر تبين أنه لم يتناوله حيث جعله منصوصا عليه أو مقصودا بالوصية فبطلت التبعية؛ لأن الثابت نصا فوق الثابت ضمنا, وتبعا. والأصل في الوصايا أن يقدم الأقوى فالأقوى وصار هذا كما إذا أوصى بعبده لإنسان, وبخدمته لآخر إن الرقبة تكون للموصى له الأول, والخدمة للموصى له الثاني؟ لما قلنا كذا هذا, وبهذا تبين أن هذا ليس نظير اللفظ العام, إذا ورد عليه التخصيص؛ لأن اللفظ العام يتناول كل فرد من أفراد العموم بحروفه, فيصير كل فرد من أفراده منصوصا عليه, وههنا كل جزء من أجزاء الخاتم لا يصير منصوصا عليه بذكر الخاتم. ألا يرى أن كل جزء من أجزاء الخاتم لا يسمى خاتما كما لا يسمى كل جزء من أجزاء الإنسان إنسانا, فلم يكن هذا نظير اللفظ العام, فلا يستقيم قياسه عليه مع ما أن المذهب الصحيح في العام أنه يحتمل التخصيص بدليل متصل, ومنفصل, والبيان المتأخر لا يكون نسخا لا محالة بل قد يكون نسخا, وقد يكون تخصيصا على ما عرف في أصول الفقه على أن الوصية بالخاتم, وإن تناولت الحلقة, والفص لكنه لما أوصى بالفص لآخر فقد رجع عن وصيته بالفص للأول, والوصية عقد غير لازم ما دام الموصي حيا فتحتمل الرجوع. ألا يرى أنه يحتمل الرجوع عن كل ما أوصى به ففي البعض أولى, فيجعل رجوعا في الوصية بالفص للموصى له بالخاتم. وعلى هذا إذا أوصى بهذه الأمة لفلان, وبما في بطنها لآخر أو أوصى بهذه الدار لفلان, وببنائها لآخر أو أوصى بهذه القوصرة لفلان, وبالثمر الذي فيها لآخر إنه إن كان موصولا كان لكل واحد منهما ما أوصى له به بالإجماع, وإن كان مفصولا, فعلى الاختلاف الذي ذكرنا, ولو أوصى بهذا العبد لفلان, وبخدمته لفلان آخر, أو أوصى بهذه الدار لفلان, وبسكناها لآخر, وبهذه الشجرة لفلان, وثمرتها لآخر أو بهذه الشاة لفلان, وبصوفها لآخر فلكل واحد منهما ما سمى له بلا خلاف سواء كان موصولا أو مفصولا؛ لأن اسم العبد لا يتناول الخدمة. واسم الدار لا يتناول السكنى, واسم الشجرة لا يتناول الثمرة لا بطريق العموم, ولا بطريق التضمن؛ لأن هذه الأشياء ليست من أجزاء العين إلا أن الحكم متى ثبت في العين ثبت فيها بطريق التبعية لكن إذا لم يفرد التبع بالوصية, فإذا أفردت صارت مقصودة بالوصية, فلم تبق تابعة, فيكون لكل واحد منهما ما أوصى له به أو تجعل الوصية الثابتة رجوعا عن الوصية بالخدمة, والسكنى, والثمرة, والوصية تقبل الرجوع, وهذه المسائل حجة أبي يوسف في المسألة الأولى. ولو ابتدأ بالتبع في هذه المسائل ثم بالأصل بأن أوصى بخدمة العبد لفلان ثم بالعبد لآخر أو أوصى بسكنى هذه الدار لإنسان ثم بالدار لآخر, أو بالثمرة لإنسان ثم بالشجرة لآخر, فإذا ذكر موصولا فلكل واحد منهما ما أوصى له به, وإن ذكر مفصولا فالأصل للموصى له بالأصل, والتبع بينهما نصفان؛ لأن الوصية الثابتة

 

ج / 7 ص -384-       تناولت الأصل, والتبع جميعا, فقد اجتمع في التبع وصيتان, فيشتركان فيه, ويسلم الأصل لصاحب الأصل, وهذا حجة محمد رحمه الله تعالى في المسألة المتقدمة. ولو أوصى بعبده لإنسان ثم أوصى بخدمته لآخر ثم أوصى له بالعبد بعد ما أوصى له بالخدمة, أو أوصى بخاتمه لإنسان ثم أوصى بفصه لآخر ثم أوصى له بالخاتم بعد ما أوصى له بالفص أو أوصى بجاريته لإنسان ثم أوصى بولدها لآخر ثم أوصى له بالجارية بعد ما أوصى له بولدها فالأصل, والتبع بينهما نصفان: نصف العبد لهذا, ونصفه للآخر, ولهذا نصف خدمته, وللآخر نصف خدمته, وكذا في الجارية مع ولدها, والخاتم مع الفص؛ لأن الوصية لأحدهما بالأصل وصية بالتبع, ويبطل حكم الوصية بالتبع بانفراده وصار كأنه أوصى لكل واحد بالأصل, والتبع نصا, ولو كان كذلك لاشتركا في الأصل, والتبع كذا هذا, فإن كان أوصى للثاني بنصف العبد يقسم العبد بينهما أثلاثا. وكان للثاني نصف الخدمة؛ لأنه لما أوصى له بنصف العبد بطلت وصيته في خدمة ذلك النصف لدخولها تحت الوصية بنصف العبد, وبقيت وصيته بالخدمة في النصف الآخر, وذكر ابن سماعة أن أبا يوسف رجع عن هذا. وقال: إذا أوصى بالعبد لرجل, وأوصى بخدمته لآخر ثم أوصى برقبة العبد أيضا لصاحب الخدمة, فإن العبد بينهما, والخدمة كلها للموصى له بالخدمة لإفراده بالوصية بالخدمة, فوقع صحيحا, فلا تبطل بالوصية بالرقبة, فصار الموصى له الثاني موصى له بالرقبة, والخدمة على الانفراد, فيستحق نصف الرقبة لمساواته صاحبه في الوصية بها, وينفرد بالوصية بالخدمة. وقال: لو أوصى لرجل بأمة تخرج من الثلث, وأوصى لآخر بما في بطنها, وأوصى بها أيضا للذي أوصى له بما في البطن, فالأمة بينهما نصفان, والولد كله للذي أوصى له به خاصة لا يشركه فيه صاحبه؛ لما ذكرنا أنهما تساويا في استحقاق الرقبة, وانفرد صاحب الولد بالوصية به خاصة. ولو أوصى بالدار لرجل وأوصى ببيت فيها بعينه لآخر, فإن البيت بينهما بالحصص. وكذا لو أوصى بألف درهم بعينها لرجل, وأوصى بمائة منها لآخر كان تسعمائة لصاحب الألف, والمائة بينهما نصفان؛ لأن اسم الدار يتناول البيوت التي فيها بطريق الأصالة لا بطريق التبعية. وكذا اسم الألف يتناول كل مائة منها بطريق الأصالة, وكان كل واحد منهما أصلا في كونه موصى به, فيكون بينهما, وهذا مما لا خلاف فيه, وإنما الخلاف في كيفية القسمة, فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى على طريق المنازعة, وعند أبي يوسف على طريق المضاربة, فيقسم على أحد عشر: لصاحب المائة جزء من أحد عشر في المائة, ولصاحب الألف عشرة أجزاء في جميع الألف. وكذلك الدار, والبيت. ولو أوصى ببيت بعينه لرجل, وساحته لآخر كان البناء بينهما بالحصص؛ لأن البيت لا يسمى بيتا بدون البناء, فكانت وصية الأول متناولة للبناء بطريق الأصالة, فيشارك الموصى له بالساحة بخلاف الوصية بدار لإنسان, وببنائها لآخر أنهما لا يشتركان في البناء بل تكون العرصة للموصى له بالدار, والبناء لآخر؛ لأن اسم الدار لا يتناول البناء بطريق الأصالة بل بطريق التبعية؛ إذ الدار اسم للعرصة في اللغة, والبناء فيها تبع بدليل أنها تسمى دارا بعد زوال البناء, فكان دخول البناء في الوصية بالدار من طريق التبعية, فكانت العرصة للأول, والبناء للثاني, والله تعالى أعلم. "وأما". الرجوع الثابت من طريق الضرورة فنوعان: أحدهما أن يتصل بالعين الموصى به زيادة لا يمكن تسليم العين بدونها, كما إذا أوصى بسويق ثم لته بالسمن؛ لأن الموصى به اتصل بما ليس بموصى به بحيث لا يمكن تسليمه بدونه لتعذر التمييز بينهما, فثبت الرجوع ضرورة. وكذا إذا وصى بدار ثم بنى فيها أو أوصى بقطن ثم حشاه جبة فيه أو أوصى ببطانة, ثم بطن بها أو بظهارة, ثم ظهر بها؛ لأنه لا يمكن تسليم الموصى به إلا بتسليم ما اتصل به, ولا يمكن تسليمه إلا بالنقض, ولا سبيل إلى التكليف بالنقض؛ لأنه تصرف في ملك نفسه, فجعل رجوعا من طريق الضرورة, ويمكن إثبات الرجوع في هذه المسائل من طريق الدلالة أيضا؛ لأن اتصال الموصى به بغيره حصل بصنع الموصي, فكان تعدد التسليم مضافا إلى فعله, وكان رجوعا منه دلالة. والثاني: أن يتغير الموصى به بحيث يزول معناه, واسمه سواء كان التغيير إلى الزيادة أو إلى النقصان, كما إذا أوصى لإنسان بثمر هذا النخل ثم لم يمت الموصي حتى صار بسرا أو أوصى له بهذا البسر ثم صار رطبا أو أوصى بهذا العنب, فصار زبيبا, أو بهذا السنبل, فصار حنطة, أو بهذا القصيل, فصار شعيرا أو بالحنطة المبذورة في

 

ج / 7 ص -385-       الأرض, فنبتت وصارت بقلا أو بالبيضة, فصارت فرخا أو نحو ذلك ثم مات الموصي بطلت الوصية فيما أوصى به, فيثبت الرجوع ضرورة هذا إذا تغير الموصى به قبل موت الموصي؛ لأنه صار شيئا آخر لزوال معناه, واسمه, فتعذر تنفيذ الوصية فيما أوصى به. وأما إذا تغير بعد موته, فحكمه يذكر في بيان ما تبطل به إن شاء الله تعالى, ولو أوصى برطب هذا النخل, فصار بسرا فالقياس أن تبطل الوصية لتغير الموصى به, وهو الرطب من الرطوبة إلى اليبوسة. وزوال اسمه, وفي الاستحسان لا تبطل؛ لأن معنى الذات لم يتغير من كل وجه بل بقي من وجه. ألا يرى أن غاصبا لو غصب رطب إنسان, فصار تمرا في يده لا ينقطع حق المالك بل يكون له الخيار إن شاء أخذه تمرا, وإن شاء ضمنه رطبا مثل رطبه.

"فصل": وأما بيان حكم الوصية فالوصية في الأصل نوعان: وصية بالمال, ووصية بفعل متعلق بالمال لا يتحقق بدون المال, أما الوصية بالمال فحكمها ثبوت الملك في المال الموصى به للموصى له. والمال قد يكون عينا, وقد يكون منفعة, ويتعلق بالملك في كل واحد منهما أحكام أما ملك العين فحكم مطلق ملكه, وحكم سائر الأعيان المملوكة بالأسباب الموضوعة لها سواء كالبيع, والهبة, والصدقة, ونحوها, فيملك الموصى له التصرف فيها بالانتفاع بعينها, والتمليك من غيره بيعا, وهبة, ووصية؛ لأنه ملك بسبب مطلق, فيظهر في الأحكام كلها, ويظهر في الزوائد المتصلة أو المنفصلة الحادثة بعد موت الموصي سواء حدثت بعد قبول الموصى له أو قبل قبوله بأن حدثت ثم قبل الوصية, أما بعد القبول فظاهر؛ لأنها حدثت بعد ملك الأصل, وملك الأصل موجب ملك الزيادة. "وأما" قبل القبول فلأن الملك بعد القبول ثبت من وقت الموت؛ لأن الكلام السابق صار سببا لثبوت الملك في الأصل وقت الموت لكونه مضافا إلى وقت الموت, فصار سببا عند الموت, فإذا قبل ثبت الملك فيه من ذلك الوقت لوجود السبب في ذلك الوقت كالجارية المبيعة بشرط الخيار للمشتري إذا ولدت في مدة الخيار ثم أجاز المشتري البيع إنه يملك الولد؛ لما قلنا, كذا هذا. وكانت الزوائد موصى بها حتى يعتبر خروجها من الثلث؛ لأن الملك فيها بواسطة ملك الأصل مضاف إلى كلام سابق كأنها كانت موجودة في ذلك الوقت, وهل يكون موصى بها بعد القبول قبل القسمة؟ لم يذكر في الأصل, واختلف المشايخ فيه قال بعضهم: لا يكون حتى لا يعتبر فيها الثلث. ويكون في جميع المال كما لو حدثت بعد القسمة؛ لأنها حدثت بعد ملك الأصل. وقال عامتهم: يكون؛ لأن ملك الأصل, وإن ثبت لكنه لم يتأكد بدليل أنه لو هلك ثلث التركة قبل القسمة وصارت الجارية بحيث لا تخرج من ثلث المال كانت له الجارية بقدر ثلث الباقي, ويستوي فيما ذكرنا من الزيادة المنفصلة المتولدة من الأصل أو في معنى المتولدة كالولد, والأرش, والعقر وما لم يكن متولدا من الأصل رأسا كالكسب. والغلة فرقا بين الوصية, وبين البيع حيث ألحق الكسب, والغلة بالمتولد في الوصية, ولم يلحقهما في البيع, والفرق: أن الكسب, والغلة بدل المنفعة, والمنفعة تملك بالوصية مقصودا كذا بدلها, بخلاف البيع ثم إذا صارت الزوائد موصى بها حتى يعتبر خروجها من الثلث, فإن كانت الجارية مع الزيادة يخرجان من الثلث يعطيان للموصى له, وإن كان لا يخرجان جميعا من الثلث فعند أبي حنيفة رحمه الله يعطى للموصى له الجارية أولا من الثلث, فإن فضل من الثلث شيء يعطى من الزيادة بقدر ما فضل, وعند أبي يوسف, ومحمد رحمهما الله يعطى الثلث منهما جميعا بقدر الحصص. "وجه" قولهما: أن الزيادة إن صارت موصى بها صارت كالموجودة عند العقد, فيعطى الثلث منهما جميعا. أكثر ما في الباب: أن فيه تغيير حكم العقد في الأصل بسبب الزيادة لكن هذا جائز, كما في الزيادة المتصلة, ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى: أن القول بانقسام الثلث على الأصل, والزيادة إضرار بالموصى له من غير ضرورة, وهذا لا يجوز, بيان ذلك: أن حكم الوصية في الأصل قبل حدوث الزيادة كان سلامة كل الجارية للموصى له, وبعد الانقسام لا تسلم الجارية له بل تصير مشتركة, والشركة في الأعيان عيب خصوصا في الجواري, فيتضرر به الموصى له ولا ضرورة إلى إلحاق هذا الضرر لإمكان تنفيذ الوصية في الأصل بدون الزيادة بخلاف الزيادة المتصلة, فإن هناك ضرورة لتعذر تنفيذ الوصية في الأصل بدون الزيادة لعدم إمكان التمييز, فمست الضرورة إلى التنفيذ فيهما من الثلث. وأما الزوائد الحادثة قبل موت الموصي فلا يملكها الموصى له؛ لأنها حدثت قبل

 

ج / 7 ص -386-       ملك الأصل, وقبل انعقاد سبب الملك؛ لأن الكلام السابق إنما يصير سببا عند الموت, فإذا مات الموصي ملكها الورثة, والله تعالى أعلم. "وأما" ملك المنفعة بالوصية المضافة إليها مقصودا, فيتعلق بها أحكام مختلفة, فنذكرها, فنقول, وبالله التوفيق: إن الملك في المنفعة ثبت موقتا لا مطلقا, فإن كانت الوصية مؤقتة إلى مدة تنتهي بانتهاء المدة, ويعود ملك المنفعة إلى الموصى له بالرقبة إن كان قد أوصى بالرقبة إلى إنسان, وإن لم يكن يعود إلى ورثة الموصي, وإن كانت مطلقة تثبت إلى وقت موت الموصى له بالمنفعة ثم ينتقل إلى الموصى له بالرقبة إن كان هناك موصى له بالرقبة وإن لم يكن ينتقل إلى ورثة الموصي وليس للموصى له بالخدمة, والسكنى أن يؤاجر العبد أو الدار من غيره عندنا, وعند الشافعي: له ذلك. "وجه" قوله: أن الموصى له بالمنفعة قد ملك المنفعة كالمستأجر له أن يؤاجر من غيره كذا هذا, ولهذا يملك الإعارة كذا الإجارة "ولنا" أن الثابت للموصى له بالسكنى, والخدمة ملك المنفعة بغير عوض, فلا يحتمل التمليك بعوض كالملك الثابت للمستعير بالإعارة حتى لا يملك الإجارة كذا هذا أو يخدم العبد بنفسه. ولو أوصى بغلة الدار والعبد, فأراد أن يسكن بنفسه أو يستخدم العبد بنفسه هل له ذلك؟ لم يذكر في الأصل, واختلف المشايخ فيه قال أبو بكر الإسكاف: له ذلك. وقال أبو بكر الأعمش: ليس له ذلك, وهو الصحيح؛ لأنه أوصى له بالغلة لا بالسكنى, والخدمة, وليس له أن يخرج العبد من الكوفة إلا أن يكون أهل الموصى له في غير الكوفة, فله أن يخرجه إلى أهله ليخدمه هناك إذا كان يخرج من الثلث؛ لأن الوصية بالخدمة تقع على الخدمة المعهودة المتعارفة, وهي الخدمة عند أهله, فكان ذلك مأذونا فيه دلالة؛ لأن لصاحب الرقبة حق الحفظ, والصيانة. وإنما يمكنه إذا كانت الخدمة بحضرته, هذا إذا كان العبد يخرج من الثلث, فإن كان لا يخرج من الثلث فليس له أن يخرجه إلى مصير آخر؛ لأنه إذا لم يكن له مال آخر سواه يخدم الموصى له يوما, والورثة يومين, فيكون كالعبد المشترك, فلا يملك إخراجه؛ لما في الإخراج من إبطال حق الورثة. وما وهب للعبد أو تصدق به عليه أو اكتسبه فهو لصاحب الرقبة؛ لأن ذلك مال العبد, والعبد في الحقيقة لصاحب الرقبة, فكان كسبه له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من باع عبدا وله مال فماله لبائعه إلا أن يشترطه المبتاع", ولو كان مكان العبد أمة, فولدت ولدا فهو لصاحب الرقبة؛ لأنه متولد من الرقبة, والرقبة له؛ ولأنه أوصى له بخدمة شخص واحد, فلا يستحق خدمة شخصين. ونفقة العبد العبد وكسوته على صاحب الخدمة إن كان العبد كبيرا؛ لأن منفعته له, فكانت النفقة, والكسوة عليه؛ إذ الخراج بالضمان, ولهذا كانت نفقة العبد المستعار على المستعير كذا هذا بخلاف العبد الرهن إن نفقته على الراهن لا على المرتهن؛ لأن منفعته للراهن. ألا يرى أنه لو هلك يسقط عنه من الدين بقدره, كذا له أن يفتكه في أي وقت شاء فينتفع به, وإن كان العبد صغيرا يخرج من الثلث, فنفقته على صاحب الرقبة إلى أن يدرك الخدمة. ويصير من أهلها؛ لأنه لا منفعة لصاحب الخدمة للحال, ومنفعة النماء, والزيادة لصاحب الرقبة, فكانت النفقة عليه حتى يبلغ الخدمة فإذا بلغ, فنفقته على صاحب الخدمة؛ لأن المنفعة تحصل له. وعلى هذا إذا أوصى بغلة نخل أبر لرجل ولآخر برقبته ولم تدرك, أو لم تحمل فالنفقة في سقيها, والقيام عليها على صاحب الرقبة, فإذا أثمرت فالنفقة على صاحب الغلة لأنها إذا لم تدرك أو لم تحمل, فصاحب الغلة لا ينتفع بها, فلا يكون عليه نفقتها. وكانت على صاحب الرقبة لإصلاح ملكه إلى أن تثمر, فإذا أثمرت فقد صارت منتفعا بها في حق صاحب الغلة, فكانت عليه نفقتها, فإن حملت عاما واحدا ثم حالت ولم تحمل شيئا فالقياس: أن لا يكون عليه نفقتها في العام الذي حالت فيه؛ لأنه لا ينتفع بها فيه, وفي الاستحسان عليه نفقتها؛ لأن بانعدام حملها عاما لا تعد منقطعة المنفعة؛ لأن من الأشجار ما لا يحمل كل عام ولا يعد ذلك انقطاع النفع بل يعد نفعا, ونماء, كذا الأشجار ولا تخرج إلا في بعض فصول السنة. ولا يعد ذلك انقطاع النفع بل يعد نفعا, ونماء حتى كانت نفقتها على الموصى له بالغلة, فكذا هذا, فإن لم ينفق الموصى له بالغلة, وأنفق صاحب الرقبة عليها حتى حملت فإنه يستوفي نفقته من ذلك الحمل, وما يبقى من الحمل فهو لصاحب الغلة؛ لأنه فعل ذلك مضطرا لإصلاح ملك نفسه, ودفع الفساد عن ماله, فلم يكن متبرعا, فله أن يرجع فيما حملت؛ لأنه إنما حصل هذه الفائدة بسبب نفقته. ولو هلكت الغلة قبل أن تصل إلى صاحب الغلة ليس له أن يرجع عليه بما أنفق؛ لأن هذا ليس بدين واجب

 

ج / 7 ص -387-       عليه, وإنما هو شيء يفتى به ولا يقضى. ولو جنى العبد جناية فالفداء على صاحب الخدمة؛ لأن منفعة الرقبة له, فكان الفداء عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم "الخراج بالضمان", وصار كعبد الرهن إذا جنى جناية إن الفداء على المرتهن؛ لأنه هو المنتفع به بحبسه في دينه أو يقال: إن الفداء على صاحب الرقبة؛ لأن الجناية حصلت من الرقبة حقيقة, والرقبة له, ولكن يقال لصاحب الخدمة: إن حقك يفوت لو فدى صاحب الرقبة, أو دفع, وإن أردت أن تحيي حقك فافد, وهكذا يقال للمرتهن في العبد الرهن إذا جنى؛ لأن الرقبة للراهن, فإذا فدى صاحب الخدمة فقد طهره عن الجناية, فتكون الخدمة على حالها. وإن أبى أن يفدي يقال لصاحب الرقبة: ادفعه أو افده؛ لأن الرقبة له, وأي شيء اختاره بطل حق صاحب الخدمة في الخدمة, أما إذا دفع, فلا شك فيه؛ لأنه بطل ملك الموصى له بالخدمة بالدفع, فلا يستحق الخدمة على ملك غيره. وكذلك إذا أفدى؛ لأنه يصير كالمشتري منهم الرقبة, فيتجدد الملك, ويبطل حكم الملك الأول فيه, فإن مات صاحب الخدمة, وقد فدى قبل ذلك بطلت وصيته؛ لما قلنا: إن ملك المنفعة بالوصية بمنزلة ملك المستعير, والعارية تبطل بموت المستعير؛ لأن المعير ملك المنفعة منه لا من غيره كذا ههنا, ويقال لصاحب الرقبة: أد إلى ورثته الفداء الذي فدى؛ لأنه تبين أن الفداء كان عليه لا على صاحب الخدمة؛ لأنه إنما التزم ذلك على ظن أن كل منفعة الرقبة مصروف إليه, ومتى ظهر أنه مصروف إلى غيره ظهر أنه على غيره, فتبين أنه تحمل عن غيره, وهو صاحب الرقبة إحياء لملكه, وهو مضطر فيه, فرجع عليه "وليس" لصاحب الرقبة أن ينتفع به ما لم يدفع إليهم ما دفع صاحب الخدمة من الفداء, فإن أبى صاحب الرقبة دفع ذلك الفداء إلى ورثة صاحب الخدمة بيع العبد فيه. وكان بمنزلة الدين في عتقه؛ لأن هذا الدين وجب بسبب كان في رقبته, فصار كسائر الديون. ولو لم يجن العبد ولكن قتله رجل خطأ فعلى عاقلة القاتل قيمته يشتري بها عبدا يخدم صاحب الخدمة؛ لأن البدل يقوم مقام المبدل كالعبد الرهن إذا قتل في يد المرتهن, وغرم القاتل قيمته يكون رهنا مكانه, بخلاف العبد المستأجر إذا قتل, وغرم القاتل القيمة إنه لا يشتري بها عبدا آخر حتى يستعمله المستأجر؛ لأن القاتل يغرم القيمة دراهم أو دنانير, والدراهم, والدنانير لا يجوز استئناف عقد الإجارة عليها, فلا يبقى عليها العقد, فتبطل, ويجوز استئناف عقد الوصية على الدراهم, والدنانير, فجاز أن تبقى عليها, فيشتري بها عبدا آخر يقوم مقام الأول "وإن" كان القتل عمدا فلا قصاص على القاتل إلا أن يجتمع على ذلك صاحب الرقبة وصاحب الخدمة؛ لأن لصاحب الرقبة ملكا, ولصاحب الخدمة حقا يشبه الملك, فصار كعبد بين شريكين قتل عمدا إنه لا ينفرد أحدهما باستيفاء القصاص كذا هذا, وإن اختلفا في ذلك بأن طلب أحدهما القصاص ولم يطلب الآخر سقط القصاص للشبهة, وصار مالا, فصار بمعنى الخطأ, فيشتري به عبدا للخدمة كما لو كان القتل خطأ. "ولو" فقأ رجل عينيه أو قطع يديه دفع إليه العبد, وأخذ قيمته صحيحا فاشترى بها عبدا مكانه؛ ; لأن فقء العينين, وقطع اليدين بمنزلة استهلاكه إلا أنه مما يصلح خراجا بضمان, فيضمن قيمته, ويأخذه خراجا بضمانه ثم يفعل بالقيمة ما وصفنا, وهو أن يشتري بها عبدا للخدمة. "ولو" فقئت عينه أو قطعت يده أو شج موضحته, فأدى القاتل أرش ذلك فهذا على وجهين: إما أن كانت الجناية تنقص الخدمة, وإما أن كانت لا تنقص, فإن كانت تنقص, فإن اتفق الموصى له بالرقبة, والموصى له بالخدمة على أن يشتريا بالأرش عبدا بأن كان الأرش يبلغ قيمة عبد حتى يخدم الموصى له بالخدمة مع العبد الأول فعلا ذلك وجاز "وإن" اتفقا على أن يباع هذا العبد, ويضم ثمنه إلى ذلك الأرش فاشتريا بهما عبدا آخر جاز أيضا؛ لأن الجناية إذا كانت تنقص الخدمة كان لكل واحد منهما حق في ذلك الأرش, فكان لهما أن يتفقا على أحد هذين الشيئين "وإن" اختلفا, ولم يتفقا فلا يباع العبد الموصى به؛ لأن لكل واحد منهما حقا, فلا يباع إلا برضاهما, ويشترى بالأرش عبد لخدمتهما حتى يقوم مقام الجزء الفائت, فإن لم يؤخذ بالأرش عبد يوقف ذلك حتى يصطلحا عليه, فإن اصطلحا على أن يقتسماه نصفين جاز؛ لأن الحق لهما, وإذا اقتسماه جاز ذلك "وإن لم" يصطلحا لا يقضي القاضي بشيء ولكن يوقف ذلك المال, وإن كانت الجناية لا تنقص الخدمة فوصيته على حالها, والأرش لصاحب الرقبة؛ لأن الأرش بدل جزء من أجزاء الرقبة, فيكون لمالك الرقبة. "ولو" كان لرجل

 

ج / 7 ص -388-       ثلاثة أعبد فأوصى برقبة أحدهم لرجل وأوصى بخدمة آخر لرجل آخر ولا مال له غيرهم, وقيمة الذي أوصى بخدمته خمسمائة, وقيمة الذي أوصى برقبته ثلاثمائة, وقيمة الباقي ألف درهم فالثلث بينهما على ثلاثة أسهم, والأصل: أن الوصية بالخدمة تعتبر من الثلث كالوصية بالرقبة؛ لأن الوصية بالخدمة وصية بحبس الرقبة عن الوارث, فيعتبر من الثلث, وإذا عرف هذا فجميع مال الميت ألف وثمانمائة درهم: ثلثها ستمائة, وجميع سهام الوصايا ثمانمائة, فإذا زادت سهام الوصايا على ثلث المال مائتين, وذلك بالنسبة إلى سهام الوصايا ربعها, فينقص من وصية كل واحد منها مثل ربعها, وينفذ في ثلاثة أرباعها, فيكون ثلاثة أرباع وصيتهما, وثلث المال سواء, فأما قيمة العبد الموصى له برقبته فثلاثمائة, فينقص منه ربعها, وذلك خمسة وسبعون, وتنفذ الوصية في ثلاثة أرباعها, وذلك مائتان وخمسة وعشرون, وقيمة العبد الموصى له بخدمته خمسمائة, فينقص منه ربعها, وذلك مائة وخمسة وعشرون, وتنفذ الوصية في ثلاثة أرباعها, وذلك ثلاثمائة وخمسة وسبعون, فيضم إلى وصية صاحب الرقبة, وذلك مائتان وخمس وعشرون, فيصير ستمائة, وذلك ثلث المال, وخمسة وسبعون من العبد الموصى برقبته وخمسة وعشرون من العبد الموصى بخدمته يضم إلى العبد الباقي, وقيمته ألف درهم, فصار ألفا, ومائتين, وذلك ثلثا المال, فاستقام على الثلث, والثلثين. "وإذا" نفذت الوصية في ثلاثة أرباع العبد الموصى بخدمته يخدم الموصى له ثلاثة أيام, والورثة يوما واحدا, فإن مات صاحب الخدمة استكمل صاحب الرقبة عبده كله؛ لأن وصية صاحب الخدمة قد بطلت بموته, وبقيت وصية صاحب الرقبة, وهي تخرج من الثلث, فتكون له "وكذلك" إن مات العبد الذي كان يخدمه كان العبد الآخر كله لصاحب الرقبة؛ لأن التوزيع, والتقسيم إنما كان بينهما لثبوت حقهما, فإذا ذهب أحدهما صار كأنه أوصى له وحده, فيعتبر من الثلث, وهو يخرج من الثلث "ولو" كانت قيمة العبيد سواء كان لصاحب الخدمة نصف خدمة العبد, ولصاحب الرقبة نصف رقبة الآخر؛ لأن قيمة العبد خمسمائة, وقيمة العبدين اللذين أوصى بهما ألف درهم قيمة كل واحد خمسمائة, فصار ثلث ماله خمسمائة, فيقسم الثلث بينهما, فصح من وصية كل واحد منهما نصفان, فيكون لصاحب الرقبة نصف الرقبة وللموصى له بالخدمة نصف الخدمة يخدمه يوما, والورثة يوما "وإنما" يضرب لصاحب الخدمة, كما يضرب لصاحب الرقبة؟ لما ذكرنا أنه أوصى بحبس الرقبة عن الوارث, فكأنه أوصى بالتمليك لانقطاع حق الورثة, فهي, والوصية بالتمليك سواء. "ولو" أوصى بالعبيد كلهم لصاحب الرقبة وبخدمة أحدهم لصاحب الخدمة لم يضرب صاحب الرقاب إلا بقيمة واحد منهم, ويضرب الآخر بخدمة الآخر, فيكون كالباب الذي قبله "وهذا" قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى؛ لأن الموصى له بالرقاب في الحكم كأنه أوصى له برقبتين؛ لأن العبد الذي أوصى بخدمته لغيره هو ممنوع؛ لأنه مشغول بحق غيره, فما دام مشغولا جعل كأنه لم يوص له به. "ومن" أصل أبي حنيفة أن الموصى له بأكثر من الثلث لا يضرب له إلا بالثلث فالموصى له بالعبدين ههنا لا يضرب له إلا بالثلث, وهو عبد واحد, والموصى له بالخدمة يضرب أيضا بعبد واحد, فيصير الثلث بينهما نصفين لكل واحد منهما نصف الرقبة, فالذي أوصى له بالعبدين له نصف العبد في العبدين جميعا؛ لأن حقه في العبدين, فيكون له من كل عبد ربعه, والموصى له بالخدمة له نصف العبد الذي أوصى له بخدمته يخدم الموصى له يوما, والورثة يوما, كما في الفصل الأول. "وأما" على قولهما الموصى له بالرقاب يضرب بالعبدين, والموصى له بخدمة العبد يضرب بعبد واحد, فيصير الثلث بينهما أثلاثا: سهمان لصاحب الرقاب, وسهم لصاحب الخدمة, فلما صار الثلث على ثلاثة صار الثلثان على ستة, والجميع تسعة: كل عبد ثلاثة أسهم, فللموصى له بالرقاب سهمان في العبدين من كل رقبة سهم وللموصى له بالخدمة سهم في العبد الذي أوصى له بخدمته يخدم العبد الموصى به للموصى له بالخدمة يوما, وللورثة يومين, فحصل للموصى لهما ثلاثة أسهم, وللورثة ستة أسهم "ولو" كانوا يخرجون من الثلث كان لصاحب الرقبة ما أوصى له به, ولصاحب الخدمة ما أوصى له به؛ لأن كل واحد منهما يصل إلى تمام حقه. ولو لم يكن له مال غيرهم, فأوصى بثلث كل عبد منهم لفلان وأوصى بخدمة أحدهم

 

ج / 7 ص -389-       لفلان فإنه يقسم الثلث بينهما على خمسة أسهم لصاحب الخدمة ثلاثة أخماس الثلث في خدمة ذلك العبد يخدمه ثلاثة أيام, ويخدم الورثة يومين؛ فيكون للآخر خمس الثلث في العبدين الباقيين في كل واحد منهما خمس رقبته "وجه" ذلك: أن الموصى له بثلث الرقاب أن الموصى له بالرقاب لا حق له في العبد الذي أوصى بخدمته ما دام الموصى له باقيا, فصار كأنه أوصى بخدمة أحدهم لرجل, وبثلث العبدين الآخرين لرجل, فاجعل كل ثلث سهما, فيضرب صاحب الرقبة بثلث كل عبد, وذلك سهمان, ويضرب صاحب الخدمة بالجميع, وذلك ثلاثة أسهم, فاجعل ثلث المال على خمسة, فيقسم بينهما لصاحب الرقبة سهمان في كل عبد من العبدين سهم ولصاحب الخدمة ثلاثة أسهم في العبد الموصى له بخدمته, فيخدمه ثلاثة أيام وللورثة يومين, فجميع ما حصل للموصى لهما خمسة أسهم: سهمان للموصى له بالرقبة, وثلاثة أسهم للموصى له بالخدمة, وجميع ما حصل للورثة عشرة أسهم: ثمانية أسهم في العبدين في كل عبد أربعة, وسهمان من العبد الموصى له بالخدمة, فاستقام على الثلث, والثلثين. ولو كان أوصى بثلث ماله لصاحب الرقاب, وبخدمة أحدهم بعينه لصاحب, الخدمة ولا مال غيرهم له قسم الثلث بينهما نصفين. ووجه ذلك: أن العبد الموصى بخدمته اجتمع فيه وصيتان: وصية بجميعه, ووصية بثلثه؛ لأنه أوصى له بثلث ماله, وخدمة العبد مال. ألا ترى أن من أوصى لآخر بخدمة عبده اعتبر ذلك من الثلث بخلاف ما ذكرنا في المسألة الأولى أنه إذا أوصى له بثلث الرقاب أن الموصى له بالرقاب لا حق له في العبد الذي أوصى بخدمته ما دام الموصى له باقيا؛ لأنه أوصى له بالرقبة, والخدمة ليست من الرقبة في شيء, وههنا أوصى له بالمال, والخدمة مال؛ فلذلك قلنا: إنه إذا اجتمع في العبد الموصى بخدمته وصيتان: وصية بجميعه, ووصية بثلثه فالثلثان لصاحب الخدمة بلا منازعة, والثلث بينهما نصفان, فيجعل العبد على ستة أسهم: أربعة أسهم خلت عن دعوى صاحب الثلث, وسلمت لصاحب الخدمة بلا منازعة, وسهمان استوت منازعتهما فيهما, فينقسم بينهما لكل واحد منهما سهم. فصار لصاحب الخدمة خمسة أسهم ولصاحب الثلث سهم, فإذا صار هذا العبد على ستة أسهم صار العبدان الآخران على اثني عشر: فثلثها أربعة ضمت إلى ستة, فتصير عشرة, فهذه جملة وصاياهم, فاجعل هذا ثلث المال, وثلثاه مثلاه عشرون, وجميع المال ثلاثون, فيتبين أن كل عبد صار عشرة, فالعبد الموصى بخدمته عشرة يخدم الموصى له بخدمته خمسة أيام وللورثة أربعة أيام, ويخدم صاحب الثلث يوما ولصاحب الثلث من العبدين الآخرين أربعة أسهم, فتصير الوصية عشرة: ستة في العبد الموصى بخدمته وأربعة أسهم في العبدين الباقيين, وللورثة عشرون في كل عبد من الباقيين ثمانية أسهم وأربعة من الموصى بخدمته, فاستقام على الثلث, والثلثين, وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله "وأما" على قولهما فإنهما يسلكان مسلك العول, فالعبد الذي أوصى بخدمته اجتمع فيه وصيتان: وصية بجميعه, ووصية بثلثه, ومخرج الثلث ثلاثة فصاحب الجميع يضرب له بالجميع ثلاثة وصاحب الثلث يضرب له بالثلث سهم وصار هذا العبد على أربعة, فلما صار هذا العبد على أربعة صار العبدان الآخران كل واحد منهما على ثلاثة بغير عول؛ لأنه لا حاجة إلى العول في ذلك, فالثلث بينهما سهمان ضمه إلى أربعة, فيصير ستة فاجعل هذا ثلث المال, وثلثاه مثلاه اثنا عشر, والجميع ثمانية عشر, فتبين أن العبد الموصى بخدمته صار على ستة: يخدم لصاحب الخدمة ثلاثة أيام وللآخر يوما وللورثة يومين, وللموصى له بالثلث من العبدين الآخرين سهمان, فصارت الوصية ستة: أربعة أسهم في العبد الموصى له بخدمته, وسهمان في العبدين, وللورثة اثنا عشر سهما: سهمان في العبد الموصى له بخدمته, وعشرة أسهم في العبدين, فاستقام على الثلث, والثلثين. ولو أوصى بخدمة عبده لرجل وبغلته لآخر, وهو يخرج من الثلث, فإنه يخدم صاحب الخدمة شهرا, وعليه طعامه, ولصاحب الغلة شهرا, وعليه طعامه, وكسوته عليهما نصفان, وإنما كان كذلك؛ لأنه أوصى لكل واحد منهما بجميع الرقبة؛ لأن الوصية بالخدمة وصية بحبس الرقبة؛ لأنه لا يمكن الاستخدام إلا بعد حبسها, والوصية بالغلة أيضا وصية بالقربة؛ لأنه لا يمكن استغلاله إلا بعد حبس الرقبة, فقد أوصى لكل واحد منهما بجميع الرقبة, وحظهما سواء, فيخدم هذا شهرا, ويستغله الآخر شهرا؛ لأن العبد مما لا يمكن قسمته بالأجزاء, فيقسم بالأيام, وطعامه في مدة الخدمة على صاحب

 

ج / 7 ص -390-       الخدمة؛ لأنه هو الذي ينتفع به دون صاحب الغلة, والنفقة على من يحصل له المنفعة, وفي مدة الغلة على صاحب الغلة؛ لأن منفعته في تلك المدة تحصل له "وأما" الكسوة فعليهما جميعا لأن الكسوة لا تتقدر بهذه المدة؛ لأنها تبقى أكثر من هذه المدة ولا تتجدد الحاجة إليها بانقضاء هذا القدر من المدة, كما تتجدد إلى الطعام في كل وقت, وهما فيه سواء, فكانت الكسوة عليهما؛ لهذا المعنى. فإن جنى هذا العبد جناية قيل لهما: افدياه؛ لأن منفعته لهما فيخاطبان به كما يخاطب به المرتهن في العبد المرهون, فإن فدياه كانا على حالهما, وإن أبيا الفداء, ففداه الورثة بطلت وصيتهما؛ لأنهما لما أبيا الفداء, فقد رضيا بهلاك الرقبة, فبطل حقهما, والله تعالى أعلم. فإذا مات الموصى له بالغلة وقد بقي من الغلة شيء رد ذلك إلى صاحب الرقبة. وكذلك ما حبس له من ثمن الرقبة يرد على صاحب الرقبة؛ لأنه بطلت وصيته بموته, فيرجع ذلك إلى صاحب الرقبة, وعلى قولهما يقسم الثلث بينهما على أربعة: صاحب الغلة يضرب بالجميع ثلاثة وصاحب الثلث يضرب بالثلث سهم ولو أوصى لرجل بغلة داره, ولآخر بعبد ولآخر بثوب, فهذه المسألة على وجهين: إما أن تخرج هذه الأشياء كلها من الثلث, أو لا تخرج من الثلث, فإن كانت تخرج من الثلث أخذ كل واحد منهم ما أوصى له به؛ لأنه أوصى بالجميع, والوصية بغلة الدار وصية بحبس رقبتها على ما بينا, وإن كانت لا تخرج من الثلث لكن الورثة أجازوا فكذلك, وإن لم تجز الورثة ضرب كل واحد منهم بقدر حقه إلا أن تكون وصية أحدهم تزيد على الثلث, فلا يضرب بالزيادة على قول أبي حنيفة رحمه الله, وإذا مات صاحب الغلة بطلت وصيته, وقسم الثلث بين ما بقي منهم؟ لما ذكرنا. ولو أوصى بغلة داره لرجل وبسكناها لآخر, وبرقبتها لآخر, وهي الثلث, فهدمها رجل بعد موت الموصي غرم قيمة ما هدمه من بنائها ثم تبنى مساكن, كما كانت, فتؤاجر, ويأخذ غلتها صاحب الغلة, ويسكنها الآخر؛ لأن الوصية بالغلة, والسكنى لا تبطل بهدم الدار لقيام القيمة مقام الدار, كما قلنا في العبد الموصى بخدمته لرجل, وبرقبته لآخر إذا قتل: إن الوصية لا تبطل, ويشتري بقيمته عبدا آخر لخدمته, وكذا البستان إذا أوصى بغلته لرجل, وبرقبته لآخر, فقطع رجل نخله أو شجره يغرم قيمتها, فيشتري بها أشجارا مثلها, فتغرس. فإذا أوصى لرجل بثلث ماله, ولآخر بغلة داره وقيمة الدار ألف درهم, وله ألفا درهم سوى ذلك فلصاحب الغلة نصف غلة الدار, ولصاحب الثلث نصف الثلث فيما بقي من المال, والدار, خمس ذلك في الدار, وأربعة أخماسه في المال. "ووجه" ذلك: أن يقول: إن الوصية بثلث المال وصية بثلث الغلة أيضا؛ لأن الغلة مال الميت يقضى منه ديونه, وإذا كان كذلك فالدار تخرج من ثلث ماله؛ لأن قيمة الدار ألف درهم, وله ألفا درهم سوى ذلك, فقد اجتمع في الدار وصيتان: وصية بجميعها, ووصية بثلثها, فيجعل الدار على ثلاثة, ويقسم بينهما على طريق المنازعة وصاحب الثلث لا يدعي أكثر من الثلث, وهو سهم واحد, والثلثان سهمان لصاحب الغلة, وهو صاحب الجميع بلا منازعة؛ لأن الوصية بالغلة وصية بجميع الدار على ما ذكرنا أنه يحبس جميع الدار لأجله. واستوت منازعتهما في سهم واحد. وكان بينهما, فانكسر على سهمين, فاضرب سهمين في ثلاثة, فيصير ستة فصاحب الثلث لا يدعي أكثر من سهمين, وأربعة أسهم خلت عن دعواه, وسلمت لصاحب الجميع, وهو صاحب الغلة بلا منازعة, واستوت منازعتهما في سهمين, فيقسم بينهما لكل واحد منهما سهم. وإذا صارت الدار, وهي الثلث على ستة, والألفان اثنا عشر فلصاحب الثلث من ذلك الثلث أربعة أسهم فضمها إلى ستة تصير سهام الوصايا عشرة, وجملة ذلك ثلاثون, فنقول: ثلث المال عشرة, فنقسمها بينهم لصاحب الغلة خمسة أسهم كلها في الدار

 

ج / 7 ص -391-       ولصاحب الثلث خمسة أسهم: أربعة أسهم في الألفين, وسهم في الدار, فهذا معنى قوله في الأصل لصاحب الغلة نصف غلة الدار, وذلك خمسة؛ لأنا جعلنا الدار على عشرة. ولصاحب الثلث نصف الثلث خمسة: أربعة أخماسه في المال, وخمس ذلك في الدار, وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعلى قولهما تقسم الدار على طريق العول, فصاحب الجميع يضرب بالجميع, وصاحب الثلث يضرب بالثلث, ومخرج الثلث ثلاثة فصاحب الجميع يضرب بالجميع ثلاثة وصاحب الثلث يضرب بسهم, فاجعل الدار على أربعة أسهم. وإذا صارت الدار على أربعة أسهم مع العول صار كل ألف من الألفين على ثلاثة من غير عول فالألفان تصير ستة أسهم, فللموصى له بالثلث ثلث ذلك, وذلك سهمان ضم ذلك إلى أربعة أسهم, فيصير ستة فاجعل هذا ثلث المال, والثلثان اثنا عشر, والجميع ثمانية عشر, فللموصى له بثلث المال ثلث الألفين, وذلك أربعة أسهم من اثني عشر, وذلك ثلثا الثلث؛ لأنا جعلنا الثلث على ستة أسهم, وأربعة أسهم من ستة ثلثاه, وهذا معنى قوله في الأصل: وإن شئت قلت: ثلثا ذلك في ثلث المال. وقال أيضا: ثلاثة في الدار؛ لأنك جعلت الدار على ثلاثة قبل العول وللموصى له بالثلث سهم من الدار وذلك ثلث الدار, فإن مات صاحب الغلة فلصاحب الثلث ثلث الدار, والمال؛ لأنه لما مات الموصى له بالغلة بطلت وصيته, وصار كأنه لم يوص له بشيء, وإنما أوصى لصاحب الثلث بثلث المال, والدار, فيكون له ذلك. وإن استحقت الدار بطلت وصية صاحب الغلة, وأخذ صاحب الثلث ثلث المال؛ لأنه لا يملك استغلالها بعد استحقاقها ولو لم يستحق ولكنها انهدمت قيل لصاحب الغلة: ابن نصيبك فيها, ويبني صاحب الثلث نصيبه, والورثة نصيبهم؛ لأن ذلك مشترك بينهم, فيبني كل واحد نصيبه, وأيهم أبى أن يبني لم يجبر على ذلك؛ لأن الإنسان لا يجبر على إصلاح حقه, ولم يمنع الآخر أن يبني نصيبه من ذلك, ويؤاجره, ويسكنه؛ لأن الذي امتنع من البناء رضي ببطلان حقه, فلا يوجب ذلك بطلان حق صاحبه, وليس هذا كالسفل إذا كان لرجل, وعلوه لآخر, فانهدما, وأبى صاحب السفل أن يبني سفله إنه يقال لصاحب العلو: ابن سفله من مالك ثم ابن علية العلو, فإذا أراد صاحب السفل أن ينتفع بالسفل, فامنعه حتى يدفع إليك قيمة السفل؛ لأن هناك لا يمكن بناء العلو إلا بعد بناء السفل, فكان لصاحب العلو أن يبني سفله حتى يمكنه بناء العلو عليه, فأما ههنا, فيمكن أن يقسم عرصة الدار, فيبني كل واحد منهم في نصيبه. ولو أوصى لرجل بسكنى داره أو بغلتها, فادعاها رجل وأقام البينة أنها له, فشهد الموصى له بالغلة أو السكنى أنه أقر بها للميت لم تجز شهادته؛ لأنه يجر بشهادته إلى نفسه مغنما؛ لأنه لو قبلت شهادته لسلمت له الوصية ولا شهادة لجار المغنم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذا إذا شهد للميت بمال أو بقتل خطأ لا تقبل شهادته؛ لأنه مهما كثر مال الميت كثرت وصيته. وكان بشهادته جارا المغنم إلى نفسه, فلا تقبل. ولو أوصى لرجل بثلث غلة بستانه أبدا ولا مال له غيره, فقاسم الورثة البستان, فأغل أحد النصيبين, ولم يغل الآخر, فإنهم يشتركون فيما خرج من الغلة؛ لأن قسمته وقعت باطلة؛ لأن الموصى له بالغلة لا يملك رقبة البستان, والقسمة فيما ليس بملك له باطلة, والثمرة غير موجودة, وإنما حدثت بعد ذلك, وقسمة المعدوم باطلة وللورثة أن يبيعوا ثلثي البستان؛ فيكون المشتري شريك صاحب الغلة أراد به أنه يبيع ثلثي البستان مشاعا؛ لأن الثلث مشغول بحق صاحب الغلة, والورثة ممنوعون عن ذلك الثلث ما دام الموصى له حيا, فإذا كان هكذا فلا يجوز البيع إلا في مقدار نصيبهم. وروي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه قال: لا يجوز بيع نصيبهم؛ لأن ذلك ضرر بالموصى له؛ لأنه تنقص الغلة, وتعيب. ولو أوصى بغلة بستانه الذي فيه لرجل وأوصى له بغلته أيضا أبدا, ثم مات الموصي ولا مال له غيره, والغلة القائمة للحال تساوي مائة درهم, والبستان يساوي ثلاثمائة درهم, فللموصى له ثلث الغلة فيه, وثلث ما يخرج من الغلة فيما يستقبل أبدا؛ لأنه أوصى له هكذا, فإنه أوصى له بالغلة القائمة للحال, وبالغلة التي تحدث أبدا, فيعتبر في كل واحد منهما ثلثه, ولا يسلم إليه كل الغلة القائمة في الحال, وإن كان يخرج من ثلث المال؛ لأنه أوصى له أيضا بثلث ما يخرج من بستانه فيما يستقبل, وإذا ضمت تلك الوصية إلى هذه الوصية زادت الوصية على الثلث. ولو أوصى بعشرين درهما من غلته كل سنة

 

ج / 7 ص -392-       ولو أوصى بعشرين درهما من غلته كل سنة لرجل, فأغل سنة قليلا وسنة كثيرا, فله ثلث الغلة يحبس, وينفق عليه كل سنة من ذلك عشرون درهما؛ لأن الوصية بعشرين درهما من غلته وصية بجميع الغلة لجواز أن يطول عمره فيستوفي ذلك كله, فلذلك جاز في ثلثه, وتحبس غلته حتى ينفق عليه كل سنة عشرون درهما إلى أن يموت. ولو أوصى أن ينفق عليه أربعة كل شهر من عرض ماله وعلى آخر خمسة كل شهر من غلة, بستانه ولا مال له غير البستان فثلث غلة البستان بينهما نصفين, يباع سدس غلة البستان لكل واحد منهما فيوقف ثمنه على يد الوصي. أو على يد ثقة إن لم يكن هناك وصي, وينفق على كل واحد منهما كما سمى. وكذلك الوصية بإنفاق درهم, ولا عبرة بالأقل. والأكثر لجواز أن يعيش صاحب الأقل أكثر مما يعيش صاحب الأكثر فيباع سدس الغلة لكل واحد منهما, ويوقف ثمنه, وينفق على كل واحد منهما ما سمى له؛ لأنه أوصى لأحدهما أن ينفق عليه من عرض ماله, والبستان ماله ولا يسلم المال إليهما بل يوضع على يد الوصي, فإن لم يكن له وصي فالقاضي يضعه على يد ثقة عدل؛ لأنه أمر بالإنفاق عليهما ولم يوص بدفع المال إليهما, فإن ماتا, وقد بقي شيء من المال رد على ورثة الموصي لأن الوصية قد بطلت بموته فيعود إلى الورثة. وكذلك لو قال: ينفق على فلان أربعة وعلى فلان, وفلان خمسة حبس السدس على المنفرد, والسدس الآخر على المجموعين في النفقة؛ لأنه أضاف الأربعة إلى شخص واحد, وأضاف الخمسة إلى شخصين؛ لأنه جمعهما في الوصية, فصار كأنه أوصى بأن ينفق على فلان أربعة, وعلى فلان خمسة؛ لذلك يقسم الثلث بينهم: سدس يوقف للمنفرد, وسدس للمجموعين. ولو أوصى بغلة بستانه لرجل وبنصف غلته لآخر, وهو ثلث ماله قسم ثلث الغلة بينهما نصفين كل سنة؛ لأن الوصية بالزيادة على الثلث لا تجوز, فيصير كأنه أوصى لكل واحد منهما بالثلث, فيكون الثلث بينهما لاستوائهما. ولو كان البستان يخرج من ثلث ماله فإنه يقسم غلة البستان بينهما على طريق المنازعة على قول أبي حنيفة رضي الله عنه؛ لأن صاحب النصف لا يدعي إلا النصف, فالنصف خلا عن دعواه فسلم لصاحب الجميع بلا منازعة, والنصف الآخر استوت منازعتهما فيه فيقسم بينهما نصفين فيحتاج إلى حساب له نصف, ولنصفه نصف, وذلك أربعة فصاحب النصف لا يدعي أكثر من سهمين فسهمان خليا عن دعواه سلما لصاحب الجميع بلا منازعة, وسهمان آخران استوت منازعتهما فيهما فيقسم بينهما لكل واحد منهما سهم, فصار لصاحب الجميع ثلاثة أسهم, ولصاحب النصف سهم. وعلى قولهما يقسم على طريق العول, فصاحب الجميع يضرب بالجميع, وصاحب النصف يضرب بالنصف, والحساب الذي له نصف سهمان, فصاحب الجميع يضرب بسهمين وصاحب النصف يضرب بسهم واحد, فيقسم بينهما أثلاثا: سهمان لصاحب الجميع, وسهم لصاحب النصف. ولو أوصى لرجل بغلة بستانه وقيمته ألف درهم ولآخر بقيمة عبده وقيمته خمسمائة, وله سوى ذلك ثلاثمائة, فالثلث بينهما على أحد عشر سهما في قول أبي حنيفة رضي الله عنه لصاحب العبد خمسة أسهم في العبد, ولصاحب البستان ستة أسهم في غلته؛ لأن جميع ماله ألف درهم وثمانمائة درهم, والثلث من ذلك ستمائة, ووصية صاحب البستان ألف درهم, وذلك أكثر من الثلث. ومن مذهب أبي حنيفة رحمه الله أن الموصى له بأكثر من الثلث لا يضرب إلا بالثلث, فاطرح ما زاد على ستمائة؛ لأن ذلك زيادة على الثلث, فصاحب البستان يضرب بستمائة وصاحب العبد يصرف بخمسمائة, فاجعل ثلث المال, وهو ستمائة على أحد عشر سهما, لصاحب البستان ستة أسهم, ولصاحب العبد خمسة أسهم, فما أصاب صاحب البستان كان في البستان في غلته, وما أصاب صاحب العبد كان في العبد, وهذا قول أبي حنيفة رضي الله عنه وعلى قولهما صاحب البستان يضرب بجميع البستان, وهو ألف وصاحب العبد بخمسمائة, فيقسم ثلث المال بينهما أثلاثا على طريق العول.
ولو أوصى لرجل بغلة أرضه وليس فيها نخل ولا شجر ولا مال له غيرها, فإنها تؤاجر, فتكون تلك الغلة له. ولو كان فيها شجر أعطي ثلث ما يخرج منها؛ لأن اسم الغلة يقع على الثمرة, وعلى الأجرة, فإن كان فيها ثمر انصرفت الوصية إلى ما يخرج منها؛ لأن الغلة في الحقيقة اسم لما يخرج إذا كان

 

ج / 7 ص -393-       في الأرض أشجار, وإن لم يكن فيها شجر فالوصية بالغلة وصية بالدراهم, والدنانير, وذلك هي الأجرة, فإن قيل: إذا لم يكن في الأرض شجر, فينبغي أن يزرعها فيستوفي زرعها, فالجواب أنه لو زرع لحصل له ملك الخارج ببذره, والموصى به غلة أرضه لا غلة بذره. ولو أوصى لرجل بغلة أرضه ولآخر برقبتها وهي تخرج من الثلث, فباعها صاحب الرقبة وسلم صاحب الغلة المبيع جاز, وبطلت وصية صاحب الغلة ولا حق له في الثمن, أما جواز الوصية بالغلة فلما ذكرنا فيما تقدم. وأما جواز بيع الرقبة من صاحبها إذا سلم صاحب الغلة المبيع فلأن ملك الرقبة لصاحب الرقبة, وأنه يقتضي النفاذ إلا أن حق صاحب الغلة متعلق به, فإذا أجاز فقد رضي بإبطال حقه, فزال المانع فنفذ, وبطلت وصية صاحب الغلة؛ لأنه إنما أوصى له بالغلة في ملك الموصى له بالرقبة, وقد زال ملكه عن الرقبة, ولا حق له في الثمن؛ لأن الثمن بدل الرقبة ولا ملك له في الرقبة. ولو أوصى له بغلة بستانه فأغل البستان سنتين قبل موت الموصي ثم مات الموصي لم يكن للموصى له من تلك الغلة شيء إنما له الغلة التي فيه يوم يموت لما ذكرنا أن الوصية إيجاب الملك عند الموت, فتكون له الثمرة التي فيه يوم الموت, وما يحدث بعد الموت لا ما كان قبل الموت. فإن اشترى الموصى له البستان من الورثة بعد موته جاز الشراء, وبطلت الوصية؛ لأنه ملك العين بالشراء, فاستغنى بملكها عن الوصية كمن استعار شيئا, ثم اشتراه أنه تبطل الإعارة. وكمن تزوج أمة إنسان ثم اشتراها يبطل النكاح لما قلنا, كذا هذا. وكذلك لو أعطوه شيئا على أن يبرأ من الغلة. وكذلك سكنى الدار, وخدمة العبد إذا صالحوه منه على شيء جاز, وتبطل الوصية؛ لأن له حقا, وقد أسقط حقه بعوض, فجاز كالخلع, والطلاق على مال, والله سبحانه وتعالى أعلم. "وأما" الوصية بأمر متعلق بالمال فالوصية بالعتق, والوصية بالإعتاق, والوصية بالإنفاق, والوصية بالقرب من الفرائض, والواجبات, والنوافل "أما" الوصية بالعتق فحكمها ثبوت العتق بعد موت الموصي بلا فصل, كما إذا قال وهو مريض أو صحيح: أنت حر بعد موتي, أو قال: دبرتك أو أنت مدبر أو إن مت من مرضي هذا أو في سفري هذا فأنت حر, فمات من مرضه ذلك أو سفره ذلك يعتق من غير الحاجة إلى إعتاق أحد؛ لأن معنى ذلك: أنت حر بعد موتي, أو بعد موتي من هذا المرض, أو في هذا السفر, ويعتبر في ذلك كله الثلث, فإن كان العبد يخرج كله من ثلث ماله يعتق كله, وإن لم يخرج كله يعتق منه بقدر ما يخرج من الثلث, وإن لم يكن له مال سواه يعتق ثلثه, ويسعى في الثلثين للورثة؛ لأن هذا كله وصية, فلا تنفذ فيما زاد على الثلث إلا بإجازة الورثة على ما بينا فيما تقدم. "وأما" الوصية بالإعتاق فحكمها وجوب الإعتاق بعد موت الموصي, ولا يعتق من غير إعتاق من الوارث أو الوصي أو القاضي, والأصل فيه أن كل عتق تأخر عن موت الموصي ولو بساعة, لا يثبت, ولا يعتق من غير إعتاق, كما إذا قال: هو حر بعد موتي بساعة أو بأقل أو بأكثر؛ لأن غرض الموصي هو عتق العبد بعد الموت, والعتق لا بد له من الإعتاق ولا يمكن جعل الموصي معتقا بعد الموت فكان أمرا بالإعتاق دلالة, فيعتق الوارث أو الوصي أو القاضي. "وأما" الوصية بإعتاق نسمة, وهي أن يوصي بأن يشترى رقبة, فتعتق عنه, والنسمة اسم لرقبة تشترى للعتق فحكمها حكم وجوب الشراء, والإعتاق يعتبر من الثلث. ولو أوصى أن يعتق عنه نسمة بمائة درهم فلم يبلغ ثلث ماله مائة درهم لم يعتق عنه عند أبي حنيفة, وعندهما يعتق عنه بالثلث. ولو أوصى بأن يحج عنه بمائة وثلث ماله لا يبلغ مائة, فإنه يحج عنه من حيث يبلغ بالإجماع "وجه" قولهما أن تنفيذ الوصية واجب ما أمكن, والتقدير بالمائة لا يقتضي التنفيذ؛ لأنه يحتمل أنه إنما قدر ظنا منه أن ثلث ماله يبلغ ذلك أو رجاء إجازة الورثة, فإذا لم يبلغ ذلك أو لم تجز الورثة يجب تنفيذها فيما دون ذلك, كما في الوصية بالحج, ولأبي حنيفة رضي الله عنه أنه أوصى بعتق عبد يشترى بمائة درهم فلو نفذنا الوصية في عبد يشترى بخمسين كان ذلك تنفيذ الوصية لغير من أوصى له, وهذا؛ لأن الوصية للعبد في الحقيقة فهو الموصى له, وقد جعل الوصية بعبد موصوف بأنه يشترى بمائة, والمشترى بدون المائة غير المشترى بمائة, فلا يمكن تنفيذ الوصية له بخلاف الوصية بالحج فإنها وصية بالوصول إلى البيت, وأنه يحصل بالحج عنه من حيث يبلغ الثلث. وعلى هذا إذا أوصى أن يعتق عنه نسمة بجميع ماله فلم تجز ذلك الورثة لم يشتر به شيء, والوصية باطلة في قول أبي حنيفة رحمه الله, وعندهما يشترى بالثلث, وهذا بناء على المسألة الأولى, وقد ذكرنا وجه القولين, والله الموفق. "وأما" الوصية بالإنفاق على فلان, وأوصى بالقرب فحكمها وجوب فعل ما دخل تحت الوصية؛ لأنه هكذا أوصى, ويعتبر

 

ج / 7 ص -394-       ذلك كله من الثلث, والله سبحانه وتعالى أعلم.

"فصل": وأما بيان ما تبطل به الوصية فالوصية تبطل بالنص على الإبطال, وبدلالة الإبطال, وبالضرورة "أما" النص فنحو أن يقول: أبطلت الوصية التي أوصيتها لفلان أو فسختها أو نقضتها فتبطل إلا التدبير خاصة, فإنه لا يبطل بالتنصيص على الإبطال مطلقا كان التدبير أو مقيدا إلا أن المقيد منه يبطل منه بدلالة الإبطال بالتمليك على ما ذكرنا, كذا إذا قال: رجعت؛ لأن الرجوع عن الوصية إبطال لها في الحقيقة. "وأما" الدلالة, والضرورة فعلى نحو ما ذكرنا في الرجوع, وقد ذكرنا ما يكون رجوعا عن الوصية. وما لا يكون فيما تقدم, وتبطل بجنون الموصي جنونا مطبقا؛ لأن الوصية عقد جائز كالوكالة, فيكون لبقائه حكم الإنشاء كالوكالة فتعتبر أهلية العقد إلى وقت الموت, كما تعتبر أهلية الأمر في باب الوكالة. والجنون المطبق هو أن يمتد شهرا عند أبي يوسف, وعند محمد سنة,, وقد ذكرنا ذلك في كتاب الوكالة. ولو أغمي عليه لا تبطل؛ لأن الإغماء لا يزيل العقل, ولهذا لم تبطل الوكالة بالإغماء وتبطل بموت الموصى له قبل موت الموصي؛ لأن العقد وقع له لا لغيره فلا يمكن إبقاؤه على غيره, وتبطل بهلاك الموصى به إذا كان عينا مشارا إليها لبطلان محل الوصية أعني محل حكمه, ويستحيل ثبوت حكم التصرف أو بقاؤه بدون وجود محله أو بقائه كما لو أوصى بهذه الجارية أو بهذه الشاة, فهلكت الجارية, والشاة. وهل تبطل الوصية باستثناء كل الموصى به في كلام متصل؟ اختلف فيه؛ قال أبو حنيفة, وأبو يوسف رحمهما الله لا تبطل, ويبطل الاستثناء, وللموصى له جميع ما أوصى له به. وقال محمد رحمه الله يصح الاستثناء, وتبطل الوصية ولا خلاف في أن استثناء الكل من الكل في باب الإقرار باطل, ويلزم المقر جميع ما أقر به. "وجه" قوله أن الاستثناء ههنا رجوع عما أوصى به, والوصية محتملة للرجوع, فيحمل على الرجوع. وبهذا فارقت الإقرار؛ لأن الإقرار بالمال مما لا يحتمل الرجوع فيبطل الاستثناء, ويبقى المقر به على حاله. ولهما أن هذا ليس باستثناء, ولا رجوع, فيبطل الاستثناء رأسا, وتبقى الوصية صحيحة. وبيان ذلك أن الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا, واستخراج بعض الجملة الملفوظة ولا يوجد ذلك في استثناء الكل من الكل, والرجوع فسخ الوصية, وإبطالها, ولا يتصور ذلك في الكلام المتصل, ولهذا شرطنا لجواز النسخ في الأحكام الشرعية أن يكون النص الناسخ متراخيا عن المنسوخ, والله تعالى أعلم.