تحفة
الفقهاء كتاب الْعتاق
الْإِعْتَاق أَنْوَاع قد يكون قربَة وَطَاعَة لله تَعَالَى بِأَن أعتق لوجه
الله تَعَالَى أَو نوى عَن كَفَّارَة عَلَيْهِ
وَقد يَقع مُبَاحا غير قربَة بِأَن أعتق من غير نِيَّة أَو أعتق لوجه فلَان
وَقد يَقع مَعْصِيّة بِأَن قَالَ أَنْت حر لوجه الشَّيْطَان وَيَقَع
الْعتْق أَيْضا
ثمَّ الْأَلْفَاظ تذكر فِي الْعتْق نَوْعَانِ نوع يثبت بِهِ الْعتْق فِي
الْجُمْلَة إِمَّا بِالنِّيَّةِ أَو بِغَيْر النِّيَّة
نوع لَا يثبت بِهِ الْعتْق أصلا وَإِن نوى
وَأما الَّذِي يثبت بِهِ الْعتْق فَثَلَاثَة أَنْوَاع صَرِيح وملحق
بِالصَّرِيحِ وكناية
أما الصَّرِيح فَمَا اشتق من لفظ الْحُرِّيَّة وَالْعِتْق وَالْوَلَاء
بِأَن قَالَ أَنْت حرَّة أَو حررتك أَو أَنْت عَتيق أَو مُعتق أَو أَعتَقتك
أَو أَنْت مولَايَ
(2/255)
وَقد يكون بِصِيغَة النداء بِأَن قَالَ يَا
حر يَا عَتيق يَا مولَايَ
فَفِي هَذِه الْأَلْفَاظ لَا يحْتَاج إِلَى النِّيَّة لكَونه صَرِيحًا
وَلَو نوى بِهِ الْخَبَر عَن الْكَذِب فِي هَذِه الْأَلْفَاظ يصدق فِيمَا
بَينه وَبَين الله تَعَالَى دون الْقَضَاء لِأَن صيغته صِيغَة الْخَبَر
وَالْخَبَر قد يكون كذبا
وَإِن نوى أَنه كَانَ حرا فَإِن كَانَ مسبيا يصدق فِي الدّيانَة لَا فِي
الْقَضَاء
وَإِن كَانَ مولدا لَا يصدق أصلا
وَإِن قَالَ أَنْت حر وَنوى أَنه حر من الْعَمَل أَي لَا أستعمله فِي عمل
مَا لَا يصدق فِي الْقَضَاء وَيعتق وَيصدق فِيمَا بَينه وَبَين الله
تَعَالَى
وَكَذَا إِذا قَالَ أَنْت مولَايَ وَنوى الْمُوَالَاة فِي الدّين لَا يصدق
فِي الْقَضَاء وَيصدق فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى
وَلَو قَالَ أَنْت حر من هَذَا الْعَمَل وسمى عملا معينا أَو قَالَ أَنْت
حر من عمل الْيَوْم فَإِنَّهُ يعْتق فِي الْقَضَاء لِأَن الْعتْق لَا
يتَجَزَّأ فَإِذا جعله حرا فِي بعض الْأَعْمَال أَو جعله حرا عَن
الْأَعْمَال كلهَا فِي بعض الْأَزْمَان يثبت فِي الْكل وَيصدق فِيمَا بَينه
وَبَين الله تَعَالَى أَنه أَرَادَ بِهِ الْبَعْض
وَأما اللَّفْظ الملحق بِالصَّرِيحِ كَقَوْلِه لعَبْدِهِ وهبت لَك نَفسك
أَو وهبت نَفسك مِنْك فَإِنَّهُ يعْتق العَبْد قبل العَبْد أَو لم يقبل نوى
أَو لم ينْو
وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ بِعْت نَفسك مِنْك إِلَّا أَنه إِذا بَاعَ نَفسه من
(2/256)
العَبْد بِثمن مَعْلُوم يشْتَرط الْقبُول
لأجل ثُبُوت الْعِوَض
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ إِذا قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت مولى فلَان
أَو عَتيق فلَان يعْتق فِي الْقَضَاء لِأَنَّهُ أقرّ بِالْحُرِّيَّةِ
وَهُوَ مَالك العَبْد
وَلَو قَالَ أعتقك فلَان لَا يعْتق لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه أَرَادَ بِهِ
أَنه قَالَ لَك أَنْت حر الْآن وَيحْتَمل الْخَبَر فَلَا يثبت الْعتْق
بِالشَّكِّ لَكِن يجوز أَن يُقَال يعْتق فِي الْحَالين
وَأما أَلْفَاظ الْكِنَايَة فَأن يَقُول لعَبْدِهِ لَا سَبِيل لي عَلَيْك
أَو لَا ملك لي عَلَيْك أَو خليت سَبِيلك أَو خرجت عَن ملكي فَإِن نوى
الْعتْق يعْتق وَإِن لم ينْو يصدق فِي الْقَضَاء لِأَنَّهُ لفظ مُشْتَرك
إِلَّا إِذا قَالَ لَا سَبِيل لي عَلَيْك إِلَّا سَبِيل الْوَلَاء فَهُوَ
حر فِي الْقَضَاء وَلَا يصدق أَنه أَرَادَ بِهِ غير الْعتْق
وَلَو قَالَ إِلَّا سَبِيل الْمُوَالَاة يصدق فِي الْقَضَاء لِأَنَّهُ قد
يُرَاد بِهِ الْمُوَالَاة فِي الدّين بِخِلَاف لفظ الْوَلَاء فَإِنَّهُ
مُسْتَعْمل فِي وَلَاء الْعتْق
وَأما الْأَلْفَاظ الَّتِي لَا يعْتق بهَا وَإِن نوى بِأَن قَالَ لعَبْدِهِ
لَا سُلْطَان لي عَلَيْك أَو قَالَ لعَبْدِهِ اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت أَو
توجه أَيْن شِئْت من بِلَاد الله أَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت طَالِق أَو
طَلقتك أَو أَنْت بَائِن أَو أَنْت عَليّ حرَام أَو قَالَ ذَلِك لأمته
وَكَذَلِكَ سَائِر كنايات الطَّلَاق وَنوى الْعتْق فِي هَذِه الْفُصُول لَا
يعْتق لِأَنَّهَا عبارَة عَن زَوَال الْيَد وَإنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْعتْق
كَمَا فِي الْكِنَايَة
وَلَو قَالَ يدك أَو رجلك حر وَنوى الْعتْق لَا يعْتق وَإِنَّمَا يعْتق
إِذا أضيف إِلَى جُزْء شَائِع أَو جُزْء جَامع بِأَن قَالَ رَأسك حر أَو
(2/257)
وَجهك حر كَمَا فِي الطَّلَاق
وَلَو نوى فَقَالَ رَأسك رَأس حر أَو بدنك بدن حر أَو وَجهك وَجه حر يعْتق
وَلَو قَالَ على الْإِضَافَة وَجهك وَجه حر أَو رَأسك رَأس حر أَو بدنك بدن
حر لَا يعْتق لِأَن هَذَا تَشْبِيه
وَلَو قَالَ مَا أَنْت إِلَّا مثل الْحر أَو أَنْت مثل الْحر وَنوى الْعتْق
لَا يعْتق لِأَنَّهُ تَشْبِيه
وَقد قَالُوا إِذا نوى الْعتْق يعْتق فَإِنَّهُ ذكر فِي كتاب الطَّلَاق
إِذا قَالَ لامْرَأَته أَنْت مثل امْرَأَة فلَان وَفُلَان آلى من امْرَأَته
وَنوى الْإِيلَاء يصدق وَيصير مولى
وَمن الْأَلْفَاظ الَّتِي يثبت بهَا الْعتْق أَلْفَاظ النّسَب
وَالْأَصْل فِيهِ أَن من وصف مَمْلُوكه بِصفة شخص يعْتق عَلَيْهِ إِذا ملكه
فَهُوَ على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يذكرهُ بطرِيق الصّفة وَالْآخر أَن
يذكرهُ بطرِيق النداء
أما الصّفة فنحو أَن يَقُول هَذَا ابْني أَو هَذِه ابْنَتي
والنداء أَن يَقُول يَا بني يَا بِنْتي وَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ
العَبْد مَجْهُول النّسَب أَو مَعْرُوف النّسَب من غَيره
وَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ يصلح ولدا لَهُ أَو لَا يصلح وَكَذَلِكَ
فِي سَائِر الْقرَابَات الْمُحرمَة للنِّكَاح
أما فِي الصّفة بِأَن قَالَ هَذَا أخي أَو عمي أَو خَالِي فقد ذكر فِي
ظَاهر الرِّوَايَة أَنه يعْتق وَسوى بَين الْكل إِلَّا فِي الْأُخْت
وَالْأَخ فَإِنَّهُ لَا يعْتق إِلَّا بِالنِّيَّةِ وروى الْحسن عَن أبي
حنيفَة أَنه سوى بَين الْكل وَقَالَ يعْتق
وَأما النداء إِذا قَالَ يَا بني يَا بِنْتي يَا أُمِّي يَا أبي فَإِنَّهُ
لَا يعْتق إِلَّا إِذا نوى لِأَن النداء لَا يُرَاد بِهِ مَا وضع لَهُ
(2/258)
اللَّفْظ وَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ استحضار
المنادى إِلَّا إِذا ذكر اللَّفْظ الْمَوْضُوع للحرية كَقَوْلِه يَا حر يَا
مولَايَ فَيعتق لِأَن فِي الْمَوْضُوع لَا يعْتَبر الْمَعْنى
ثمَّ ينظر إِن كَانَ مَجْهُول النّسَب وَهُوَ يصلح ولدا لَهُ أَو والدا
فَإِنَّهُ يثبت النّسَب وَيعتق
وَإِن كَانَ مَعْرُوف النّسَب من غَيره فَإِنَّهُ لَا يثبت النّسَب وَلَكِن
يعْتق لاحْتِمَال النّسَب مِنْهُ بِالنِّكَاحِ أَو الْوَطْء عَن شُبْهَة
والاشتهار من غَيره أَو بِسَبَب الزِّنَا
وَعند الشَّافِعِي مَا لم يثبت النّسَب مِنْهُ لَا يثبت الْعتْق
وَإِن كَانَ لَا يصلح ولدا وَلَا والدا وَلَا عَمَّا قَالَ أَبُو حنيفَة
يعْتق
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ لَا يعْتق
وَلَو قَالَ هَذِه بِنْتي أَو أُمِّي وَهِي تصلح لذَلِك فَإِن كَانَت
مَجْهُولَة النّسَب وَلَيْسَ للْمُدَّعِي أم مَعْرُوفَة يثبت النّسَب
وَالْعِتْق وَالْحُرْمَة
وَإِن كَانَت مَعْرُوفَة النّسَب أَو كَانَت للْمُدَّعِي أم مَعْرُوفَة لَا
يثبت النّسَب وَلَكِن يثبت الْعتْق وَالْحُرْمَة
وَإِن كَانَت لَا تصلح بِنْتا لَهُ أَو أما لَهُ يثبت الْعتْق عِنْد أبي
حنيفَة وَلَكِن لَا تثبت الْحُرْمَة
وَهَذَا إِذا لم تكن زَوْجَة لَهُ
فَإِن كَانَت زَوْجَة لَهُ فَقَالَ هَذِه بِنْتي أَو أُمِّي فَإِن كَانَت
مَعْرُوفَة النّسَب لَا تثبت الْحُرْمَة أَيْضا
وَكَذَلِكَ إِذا كَانَت الْبِنْت أكبر سنا مِنْهُ وَالأُم أَصْغَر سنا
مِنْهُ لَا تقع الْفرْقَة
(2/259)
وعَلى هَذَا قَالُوا فِي الزَّوْجَة إِذا
قَالَ هَذِه بِنْتي وَهِي تصلح بِنْتا لَهُ ثمَّ قَالَ أوهمت أَو أَخْطَأت
لم تقع الْفرْقَة وَإِنَّمَا تقع إِذا دَامَ على ذَلِك وَثَبت
وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ هَذَا ابْني أَو لأمته هَذِه بِنْتي ثمَّ قَالَ
أَخْطَأت يعْتق وَلَا يصدق
لَو قَالَ لأمته وَهِي مَجْهُولَة النّسَب وَهِي أَصْغَر سنا مِنْهُ هَذِه
بِنْتي ثمَّ تزَوجهَا جَازَ سَوَاء أصر على ذَلِك أم لَا كَذَلِك ذكر فِي
كتاب النِّكَاح
وَلَكِن قَالُوا هَذَا الْجَواب فِي مَعْرُوفَة النّسَب فَأَما فِي
المجهولة إِن دَامَ على ذَلِك ثمَّ تزَوجهَا لم يجز وَإِن لم يدم عَلَيْهِ
جَازَ
وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ هَذِه بِنْتي أَو لأمته هَذَا ابْني اخْتلف
الْمَشَايِخ فِيهِ
ثمَّ فِي مَعْرُوف النّسَب من الْغَيْر إِذا أعتق هَل تصير أمه أم ولد لَهُ
إِذا كَانَت فِي ملكه بَعضهم قَالُوا لَا يثبت الِاسْتِيلَاد سَوَاء كَانَ
الْوَلَد مَعْرُوف النّسَب أَو مَجْهُول النّسَب
وَقَالَ بَعضهم يثبت فِي الْحَالين
وَبَعْضهمْ فرق إِن كَانَ مَعْرُوف النّسَب لَا يثبت وَفِي مَجْهُول
النّسَب يثبت
(2/260)
بَاب آخر من الْعتْق
فِي هَذَا الْبَاب فُصُول أَحدهَا الْإِعْتَاق بَين الشَّرِيكَيْنِ أَو
الشُّرَكَاء وَالْأَصْل فِيهِ أَن الْإِعْتَاق يتَجَزَّأ عِنْد أبي حنيفَة
رَحمَه الله
وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد لَا يتَجَزَّأ
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي حَالَة الْيَسَار لَا يتَجَزَّأ
وَفِي حَالَة الْإِعْسَار يتَجَزَّأ
فَيخرج الْمسَائِل على هَذَا إِذا أعتق الرجل عبدا بَينه وَبَين شَرِيكه
أعتق نصِيبه لَا غير سَوَاء كَانَ مُوسِرًا أَو مُعسرا ولشريك الْمُعْتق
خمس خيارات إِن شَاءَ أعتق نصِيبه وَإِن شَاءَ دبره وَإِن شَاءَ كَاتبه
وَإِن شَاءَ استسعاه وَإِن شَاءَ ضمن الْمُعْتق إِن كَانَ مُوسِرًا
غير أَنه إِذا دبره يصير مُدبرا نصِيبه وَيجب عَلَيْهِ السّعَايَة للْحَال
فَيعتق وَلَا يجوز لَهُ أَن يُؤَخر عتقه إِلَى مَا بعد الْمَوْت
ثمَّ إِذا أعتق العَبْد بِإِعْتَاق الشَّرِيك نصِيبه أَو بالاستسعاء
وَاسْتِيفَاء بدل الْكِتَابَة يكون الْوَلَاء بَينهمَا لوُجُود الْإِعْتَاق
مِنْهُمَا
وَإِن ضمن الْمُعْتق فللمعتق أَن يعتقهُ إِن شَاءَ وَإِن شَاءَ استسعاه
وَإِن شَاءَ كَاتبه
(2/261)
أَو دبره لِأَن نصِيبه انْتقل إِلَيْهِ فِي
حق الْإِعْتَاق وَالْمُدبر يحْتَمل النَّقْل فِي حق الْإِعْتَاق لَا غير
فَكَانَ لَهُ الْخِيَار كَمَا فِي الشَّرِيك قبل التَّضْمِين وَيكون
الْوَلَاء كُله لَهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يعْتق كُله
ثمَّ إِن كَانَ الْمُعْتق مُوسِرًا فللشريك أَن يضمنهُ إِن شَاءَ وَإِن
شَاءَ ترك وَلَيْسَ لَهُ أَن يستسعي العَبْد وَإِن كَانَ مُعسرا لَهُ أَن
يستسعي
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَ الْمُعْتق مُوسِرًا يعْتق كُله وَله أَن
يضمنهُ وَإِن كَانَ مُعسرا يعْتق مَا أعتق وَيبقى الْبَاقِي رَقِيقا وَيجوز
فِيهِ جَمِيع التَّصَرُّفَات المزيلة للْملك فِي نصِيبه
وَلَو كَانَ العَبْد كُله لرجل وَاحِد فَأعتق نصفه أَو شَيْئا مَعْلُوما
مِنْهُ فَإِنَّهُ يعْتق بِقَدرِهِ وَله الْخِيَار فِي الْبَاقِي بَين أَن
يعْتق أَو يدبر أَو يُكَاتب أَو يستسعي وَيكون الْوَلَاء كُله لَهُ إِذا
أعتق بِالْإِعْتَاقِ أَو بالسعاية
وَعِنْدَهُمَا يعْتق كُله وَلَيْسَ لَهُ أَن يستسعيه
وَكَذَا لَو أعتق نصِيبه بِإِذن شَرِيكه فللشريك أَن يستسعي وَلَيْسَ لَهُ
حق التَّضْمِين لِأَنَّهُ سقط بِالْإِذْنِ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة
وَعِنْدَهُمَا يسْقط الضَّمَان وَلَيْسَ لَهُ حق الِاسْتِسْعَاء
وَكَذَلِكَ لَو أعتق نصيب شَرِيكه بِإِذْنِهِ يعْتق عِنْد أبي حنيفَة
وَلَيْسَ أَن يضمن شَرِيكه الَّذِي يَقع الْإِعْتَاق من جِهَته لِأَنَّهُ
رَاض بِفساد نصيب نَفسه بالإقدام على إِعْتَاق نصيب شَرِيكه وَله أَن
يستسعي العَبْد
وعَلى قَوْلهمَا لَيْسَ لَهُ أَن يستسعي وَقيل إِن على قَوْلهمَا يَنْبَغِي
أَن يكون لَهُ حق التَّضْمِين لِأَنَّهُ ضَمَان تملك
وَلَو أعتق نصيب شَرِيكه بِغَيْر إِذْنه لَا ينفذ عتقه لِأَنَّهُ أضَاف
عتقه إِلَى مَا لَيْسَ بمملوك لَهُ فَلَا ينفذ ويتوقف على إِجَازَته
ثمَّ تَفْسِير الْيَسَار الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ وجوب الضَّمَان هُوَ أَن
يكون الْمُعْتق
(2/262)
مَالِكًا لمقدار قيمَة مَا بَقِي من
العَبْد قلت أَو كثرت
وَتَفْسِير الْإِعْسَار أَن لَا يقدر على هَذَا
ثمَّ إِنَّمَا تعْتَبر الْقيمَة فِي الضَّمَان والسعاية يَوْم الْإِعْتَاق
لِأَنَّهُ سَبَب الضَّمَان
وَكَذَا يعْتَبر حَال الْمُعْتق فِي يسَاره وإعساره يَوْم الْإِعْتَاق
حَتَّى إِذا كَانَ مُوسِرًا يثبت للشَّرِيك حق التَّضْمِين فَإِذا أعْسر
الْمُعْتق لَا يبطل حق التَّضْمِين وَإِن كَانَ مُعسرا حَتَّى يثبت حق
الِاسْتِسْعَاء للشَّرِيك ثمَّ إِذا أيسر الْمُعْتق لَيْسَ للشَّرِيك حق
التَّضْمِين
وَلَو اخْتلفَا فِي قيمَة العَبْد لَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ العَبْد
قَائِما أَو هَالكا فَإِن كَانَ قَائِما إِن كَانَت الْخُصُومَة وَقعت فِي
حَال الْإِعْتَاق تعْتَبر قيمَة العَبْد للْحَال وَيحكم عَلَيْهِ بذلك
وَيسْقط اعْتِبَار الْبَيِّنَة والتحالف
وَإِن اتفقَا أَن الْإِعْتَاق سَابق على حَال الْخُصُومَة فَلَا يُمكن
الرُّجُوع إِلَى قيمَة العَبْد للْحَال لِأَن قيمَة العَبْد قد تزيد وتنقص
فِي هَذِه الْمدَّة وَيكون القَوْل قَول الْمُعْتق لِأَنَّهُ يُنكر
الزِّيَادَة
وَإِن كَانَ العَبْد هَالكا فَالْقَوْل قَول الْمُعْتق لإنكاره الزِّيَادَة
وَإِن اخْتلفَا فِي حَال الْمُعْتق من الْيَسَار والإعسار وَالْعِتْق
مُتَقَدم على حَال الْخُصُومَة إِن كَانَت مُدَّة يخْتَلف فِيهَا الْيَسَار
والإعسار فَالْقَوْل قَول الْمُعْتق لِأَنَّهُ يُنكر الْيَسَار وَإِن كَانَ
لَا يخْتَلف يعْتَبر الْحَال
والفصل الثَّانِي إِذا قَالَ لعبديه أَحَدكُمَا حر أَو قَالَ هَذَا حر أَو
هَذَا حر أَو سماهما فَقَالَ سَالم حر أَو بزيع حر فالمولى بِالْخِيَارِ
بَين أَن يعين الْعتْق
(2/263)
فِي أَيهمَا شَاءَ
وَكَذَلِكَ فِي إِعْتَاق إِحْدَى أمتيه فَإِنَّهُ أثبت الْعتْق فِي
أَحدهمَا فَهُوَ الْمُبْهم فَكَانَ الْبَيَان إِلَيْهِ
فَإِذا خاصمه العبدان إِلَى الْحَاكِم أجْبرهُ الْحَاكِم على أَن يعين
أَحدهمَا لِأَنَّهُ تعلق بِهِ حق الْعتْق لأَحَدهمَا
فَإِن لم يخاصما عِنْد الْحَاكِم وَاخْتَارَ إِيقَاع الْعتْق على أَحدهمَا
وَقع الْعتْق عَلَيْهِ حِين اخْتَار عتقه وهما قبل ذَلِك بِمَنْزِلَة
الْعَبْدَيْنِ مَا دَامَ خِيَار الْمولى قَائِما فيهمَا
فَأَما إِذا انْقَطع خِيَار الْمولى وَأَحَدهمَا فِي ملكه تعين لِلْعِتْقِ
بِأَن مَاتَ أحد الْعَبْدَيْنِ
وَإِذا مَاتَ الْمولى يعْتق من كل وَاحِد مِنْهُمَا نصفه لِأَن الْخِيَار
فَاتَ بِمَوْت الْمولى وَلَا يعرف الْحر من العَبْد فيشيع فيهمَا
فَإِن أخرج الْمولى أَحدهمَا عَن ملكه بِوَجْه من الْوُجُوه بِأَن بَاعه
أَو رَهنه أَو آجره أَو كَاتبه أَو دبره أَو كَانَتَا أمتين فاستولد
إِحْدَاهمَا أَو بَاعَ أَحدهمَا على أَنه بِالْخِيَارِ أَو على أَن
المُشْتَرِي بِالْخِيَارِ أَو بَاعَ أَحدهمَا بيعا فَاسِدا وَقَبضه
المُشْتَرِي أَو حلف على أَحدهمَا بِالْإِعْتَاقِ إِن فعل شَيْئا فَذَلِك
كُله اخْتِيَار لإيقاع الْعتْق فِي الآخر لِأَن الْمُخَير بَين
الشَّيْئَيْنِ إِذا فعل مَا يسْتَدلّ بِهِ على الِاخْتِيَار قَامَ مقَام
قَوْله اخْتَرْت وَفِي هَذِه الْمَوَاضِع وجد مَا يسْتَدلّ بِهِ على
الِاخْتِيَار لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يزِيل الْملك أَو هُوَ سَبَب لإنشاء
زَوَال الْملك أَو الْعتْق أَو تصرف لَا يجوز إِلَّا بِالْملكِ
فَأَما إِذا وطىء إِحْدَى أمتيه الَّتِي أبهم الْعتْق فيهمَا لَا يكون
اخْتِيَارا لِلْعِتْقِ عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله إِلَّا أَن تعلق
مِنْهُ وَعِنْدَهُمَا يكون اخْتِيَارا
وَكَذَلِكَ الْخلاف إِذا لمسها لشَهْوَة
وَأَجْمعُوا أَنه لَو استخدم إِحْدَاهمَا لَا يكون بَيَانا وَالْمَسْأَلَة
مَعْرُوفَة
(2/264)
والفصل الثَّالِث إِعْتَاق الْحمل
وَالْأَصْل فِيهِ أَن الْحمل يعْتق بِإِعْتَاق الْأُم تبعا وَيعتق
بِإِضَافَة الْعتْق إِلَيْهِ مَقْصُودا أَيْضا لِأَنَّهُ أصل من وَجه تبع
من وَجه
إِذا ثَبت هَذَا نقُول إِذا قَالَ لأمته مَا فِي بَطْنك حر فَجَاءَت بِولد
لأَقل من سِتَّة أشهر مُنْذُ قَالَ ذَلِك يعْتق وَإِن جَاءَت بِهِ لأكْثر
من سِتَّة أشهر مُنْذُ قَالَ ذَلِك لم يعْتق لأَنا تَيَقنا بالعلوق فِي
الْفَصْل الأول وَوَقع الشَّك فِي الثَّانِي فَلَا يعْتق مَعَ الشَّك
فَإِن وَلدته مَيتا بعد القَوْل بِيَوْم لم يعْتق لأَنا لم نعلم حَيَاته
عِنْد الْإِيقَاع
فَإِن كَانَت الْأمة فِي عدَّة من زوج عتق الْوَلَد إِذا وَلدته مَا
بَينهَا وَبَين السنتين مُنْذُ وَجَبت الْعدة وَإِن كَانَ لأكْثر من سِتَّة
أشهر مُنْذُ قَالَ الْمولى لأَنا نحكم بِثُبُوت نسب هَذَا الْوَلَد من
الزَّوْج فَلَا بُد أَن يحكم بِوُجُودِهِ قبل الطَّلَاق
وَالْعتاق مُتَأَخّر عَن ذَلِك
وَلَو قَالَ مَا فِي بَطْنك حر ثمَّ ضرب رجل بَطنهَا بعد يَوْم فَأَلْقَت
جَنِينا مَيتا فَفِيهِ مَا فِي جَنِين الْحرَّة عبدا أَو أمة لِأَنَّهُ لما
وَجب الضَّمَان على الضَّارِب شرعا فقد حكم بِكَوْنِهِ حَيا يَوْم
الْإِعْتَاق
وَلَو ولدت وَلدين أَحدهمَا لأَقل من سِتَّة أشهر وَالْآخر لأكْثر مِنْهُ
بِيَوْم عتقا لِأَنَّهُ تَيَقنا بِعِتْق الَّذِي ولدت لأَقل من سِتَّة أشهر
وَالْآخر يجب أَن يكون مَوْجُودا وَهُوَ حمل وَاحِد فَمَتَى ثَبت حكم
الْحَيَاة فِي أَحدهمَا فَكَذَا فِي الآخر
وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ أَو لأمته أَنْت حر إِن شِئْت أَو خيرتك فِي إعتاقك
أَو جعلت تقك فِي يَديك فَإِنَّهُ يَصح تَفْوِيض الْعتْق إِلَى
(2/265)
الرَّقِيق وَيكون الْخِيَار إِلَيْهِ فِي
الْمجْلس وَالْجَوَاب فِي الْعتْق فِي هَذَا الْفَصْل وَالطَّلَاق سَوَاء
وَقد بَيناهُ فِي كتاب الطَّلَاق
وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر إِن شَاءَ الله فَإِنَّهُ لَا يعْتق
وَمَا عرفت من الْجَواب فِي اسْتثِْنَاء الطَّلَاق فَهُوَ الْجَواب فِي
الْعتاق وَقد ذَكرْنَاهُ فِي كتاب الطَّلَاق
فصل قَالَ عَامَّة الْعلمَاء إِن من ملك ذَا رحم
محرم مِنْهُ عتق عَلَيْهِ صَغِيرا كَانَ الْمَالِك أَو كَبِيرا صَحِيح
الْعقل أَو مَجْنُونا
وَقَالَ مَالك وَأَصْحَاب الظَّوَاهِر لم يعتقوا إِلَّا بِإِعْتَاق
الْمَالِك
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يعْتق بِالْملكِ إِلَّا من لَهُ ولاد
وَأَجْمعُوا أَنه لَا يعْتق من كَانَ لَهُ رحم غير محرم للنِّكَاح
وَأهل الذِّمَّة وَأهل الْإِسْلَام فِي ذَلِك سَوَاء بِخِلَاف النَّفَقَة
فَإِنَّهَا تخْتَلف فِي الْوَالِدين والمولودين تجب وَفِي غَيرهم من
الرَّحِم الْمحرم لَا تجب وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة
وَلَو ملك سَهْما من الرَّحِم الْمحرم عتق بِقدر مَا ملك عِنْد أبي حنيفَة
رَحمَه الله
وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَزفر عتق كُله لِأَن الْعتْق يتَجَزَّأ عِنْده
خلافًا لَهُم
وَلَو ملك رجلَانِ عبدا وَهُوَ ابْن أَحدهمَا أَو ذُو رحم محرم مِنْهُ
بِعقد عقداه جَمِيعًا أَو قبلاه جَمِيعًا من الشِّرَاء وَالْهِبَة
وَالصَّدَََقَة لم يضمن من عتق عَلَيْهِ لشَرِيكه شَيْئا وَيسْعَى العَبْد
لَهُ فِي نصِيبه عِنْد أبي حنيفَة
وَقَالَ
(2/266)
أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يضمن الَّذِي عتق
عَلَيْهِ نصِيبه إِن كَانَ مُوسِرًا
وَأَجْمعُوا أَنَّهُمَا لَو ملكاه بِسَبَب الْإِرْث لم يضمن لشَرِيكه
شَيْئا فِي قَوْلهم جَمِيعًا
وعَلى هَذَا إِذا بَاعَ رجل نصف عَبده من ذِي رحم محرم من عَبده حَتَّى عتق
عَلَيْهِ نصيب المُشْتَرِي لم يضمن للْبَائِع شَيْئا عِنْد أبي حنيفَة
خلافًا لَهما
وَيَسْتَوِي الْجَواب بَين مَا إِذا لم يعلم أَن الشَّرِيك أَو المُشْتَرِي
قريب العَبْد وَبَين مَا إِذا علم فِي جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة
وروى بشر عَن أبي يُوسُف إِن كَانَ الْأَجْنَبِيّ يعرف ذَلِك فَإِن العَبْد
يعْتق وَيسْعَى للْأَجْنَبِيّ فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف
وَإِن كَانَ لَا يعلم فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ نقض البيع وَإِن شَاءَ
أتم عَلَيْهِ
وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا حلف رجل بِعِتْق عبد إِذا ملكه ثمَّ اشْتَرَاهُ
هُوَ وَآخر لَا ضَمَان عَلَيْهِ لشَرِيكه عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا
لَهُ أَن يضمن ذكر الْخلاف أَبُو بكر الرَّازِيّ وَأَبُو الْحسن الْكَرْخِي
يَقُول لَا أعرف الرِّوَايَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة
وَمن أَصْحَابنَا من فرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهَذِه الْمَسْأَلَة تعرف
فِي الخلافيات
فصل أصل هَذَا أَن الْعتْق
الْمُضَاف إِلَى الْملك كالمعلق فِي الْملك عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ
وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة
إِذا ثَبت هَذَا نقُول إِذا قَالَ كل مَمْلُوك لي فَهُوَ حر فَإِنَّهُ يَقع
على مَا هُوَ مَمْلُوكه للْحَال
وَكَذَا إِذا قَالَ كل مَمْلُوك أملكهُ فَهُوَ حر وَلَا نِيَّة لَهُ فَهُوَ
على
(2/267)
مَمْلُوك لَهُ يَوْم حلف وَلَا يَقع على
مَا يحدث فِيهِ الْملك لِأَن قَوْله أملك صَار عبارَة عَن الْحَال
بِاعْتِبَار الْعرف فَإِن من قَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله يكون
مُسلما
وَحكم الْمَسْأَلَة أَن كل من كَانَ من ملكه من ذكر أَو أُنْثَى قن أَو
مُدبر ومدبرة أَو أم ولد وَأَوْلَادهَا إِنَّه يعْتق من غير نِيَّة
لِأَنَّهُ مَمْلُوكه
فَأَما الْمكَاتب فَلَا يعْتق بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ غير مُضَاف إِلَيْهِ
مُطلقًا
وَيدخل العَبْد الْمَرْهُون وَالْعَبْد الْمُسْتَأْجر وَالْعَبْد الَّذِي
عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق
فَأَما عبيد عَبده الْمَأْذُون فَإِذا لم يكن على العَبْد الْمَأْذُون دين
فَلَا يدْخلُونَ عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف إِلَّا بِالنِّيَّةِ لأَنهم
لَا يضافون إِلَى الْمولى مُطلقًا
وَقَالَ مُحَمَّد يعتقون لأَنهم ملكه على الْحَقِيقَة
وَإِن كَانَ على الْمَأْذُون دين مُسْتَغْرق لم يعْتق عِنْد أبي حنيفَة
وَإِن نواهم لِأَنَّهُ لَا يملك أكسابه عِنْده
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن نواهم عتقوا لأَنهم ملكه لَكِن لَا يضافون
إِلَيْهِ مُطلقًا
وَقَالَ مُحَمَّد يعتقون بِلَا نِيَّة لأَنهم ملكه وَالْمُعْتَبر عِنْده
الْملك دون الْإِضَافَة
وَلَا يدْخل فِي هَذَا الْكَلَام الْحمل نَحْو أَن يكون موصى لَهُ
بِالْحملِ
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِن اشْتريت مملوكين فهما حران فَاشْترى أمة حَامِلا
لم يعتقا
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لأمته كل مَمْلُوك لي حر لم يعْتق حملهَا لِأَنَّهُ
لَا يُسمى مَمْلُوكا على الْإِطْلَاق فَإِن كَانَت الْأمة فِي ملكه يعْتق
الْأُم وَالْولد جَمِيعًا لَكِن الْوَلَد يعْتق بِحكم التّبعِيَّة لَا
بِحكم الْيَمين
فَإِن عَنى بِهِ الذُّكُور دون الْإِنَاث لم يدين فِي الْقَضَاء ويدين
فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى
(2/268)
لِأَنَّهُ نوى تَخْصِيص كَلَامه
وَلَو نوى فِي قَوْله كل مَمْلُوك أملكهُ الِاسْتِقْبَال دون الْحَال
فَإِنَّهُ يَقع على مَا فِي ملكه وَمَا يملك فِي الْمُسْتَقْبل جَمِيعًا
لِأَن اللَّفْظ ظَاهره فِي الْعرف للْحَال فَلَا يصدق فِي صرف الْكَلَام
عَنهُ وَيَقَع الْعتْق على مَا سيملكه بِإِقْرَارِهِ بِالْعِتْقِ فِيمَا
هُوَ ملكه فِي الْمُسْتَقْبل
وَلَو قَالَ كل مَمْلُوك أملكهُ الْيَوْم وَله مَمْلُوك فاستفاد فِي ذَلِك
الْيَوْم مماليك عتق الْكل
وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ هَذَا الشَّهْر وَهَذِه السّنة لِأَن التَّوْقِيت
دلَالَة على اشْتِمَال الْيَمين على من يملكهُ فِي الْمدَّة فعتقوا
جَمِيعًا
فَإِن قَالَ عنيت أحد الصِّنْفَيْنِ دون الآخر دين فِيمَا بَينه وَبَين
الله تَعَالَى دون الْقَضَاء لِأَنَّهُ ادّعى تَخْصِيص الْعُمُوم
وَلَو قَالَ كل مَمْلُوك أملكهُ السَّاعَة فَهُوَ حر فَهَذَا على مَا ملكه
تِلْكَ السَّاعَة دون غَيرهَا وَلَا يعْتق مَا يَسْتَفِيد الْملك فِيهِ فِي
سَاعَته تِلْكَ لِأَن المُرَاد بقوله السَّاعَة هُوَ الْحَال فِي الْعرف
دون السَّاعَة الَّتِي عِنْد المنجمين فَكَانَ المُرَاد بِهِ مَا كَانَ فِي
ملكه فِي الْحَال الَّتِي حلف
فَإِن قَالَ أردْت من أستفيد الْملك فِيهِ فِي هَذِه السَّاعَة فقد نوى مَا
يحْتَملهُ كَلَامه وَهُوَ السَّاعَة الزمانية وَفِيه تَشْدِيد على نَفسه
فَيصدق فِي دُخُوله ذَلِك فِي يَمِينه وَلَا يصدق فِي صرف الْعتْق عَمَّن
كَانَ فِي ملكه
وَلَو قَالَ كل مَمْلُوك أملكهُ غَدا فَهُوَ حر وَلَا نِيَّة لَهُ قَالَ
مُحَمَّد رَحمَه الله فِي الْجَامِع إِنَّه يدْخل فِيهِ من كَانَ ملكه فِي
الْيَوْم ودام إِلَى الْغَد وَمن اسْتَفَادَ ملكه فِي الْغَد أَيْضا وَهُوَ
قَول مُحَمَّد وَاعْتبر جَانب الْحَال كَأَنَّهُ قَالَ كل مَمْلُوك أَنا
مَالِكه غَدا فَهُوَ حر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله يعْتق مَا يملكهُ فِي الْغَد دون مَا
جَاءَ الْغَد وَهُوَ فِي ملكه وَاعْتبر
(2/269)
جَانب الِاسْتِقْبَال لوُجُود الْإِضَافَة
إِلَى زمَان مُسْتَقْبل
وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا قَالَ كل مَمْلُوك أملكهُ رَأس الشَّهْر
وَأَجْمعُوا أَنه إِذا قَالَ كل مَمْلُوك أملكهُ إِذا جَاءَ غَد فَهُوَ حر
أَنه على مَا هُوَ فِي ملكه غَدا لِأَن مَجِيء الْغَد شَرط وَمن أضَاف
الْعتْق إِلَى شَرط يدْخل فِي الْعتْق مَا كَانَ مَمْلُوكه يَوْم الْحلف
دون مَا يستفيده
وَلَو قَالَ كل مَمْلُوك أملكهُ إِلَى سنة أَو إِلَى ثَلَاثِينَ سنة
فَإِنَّهُ يَقع على مَا يسْتَقْبل بِلَا خلاف وأولها من حِين حلف بعد
سُكُوته لِأَنَّهُ خَاص للاستقبال بِدلَالَة الْعَادة
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ كل مَمْلُوك أملكهُ ثَلَاثِينَ سنة أَو أملكهُ سنة
أَو أملكهُ أبدا أَو إِلَى أَن أَمُوت فَإِنَّهُ يدْخل فِيهِ مَا اسْتَأْنف
فِيهِ الْملك دون مَا كَانَ فِي ملكه
فَإِن قَالَ أردْت بِقَوْلِي أملكهُ سنة أَن يكون فِي ملكي سنة من يَوْم
حَلَفت دين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلم يدين فِي الْقَضَاء
لِأَن الظَّاهِر أَن هَذَا الْكَلَام يُرَاد بِهِ الِاسْتِقْبَال فَلَا
يصدق على خلاف الظَّاهِر فِي الْقَضَاء
وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ إِن دخلت الدَّار فَأَنت حر فَبَاعَهُ فَدخل الدَّار
ثمَّ اشْتَرَاهُ فَدخل الدَّار ثَانِيًا لم يعْتق وَإِن لم يدْخل الدَّار
بعد البيع عتق لِأَن بِالْبيعِ لَا يَزُول الْيَمين لِأَن بَقَاء الْملك
لَيْسَ بِشَرْط لبَقَاء الْيَمين فَإِذا بقيت الْيَمين فَإِذا اشْتَرَاهُ
وَدخل فَوجدَ الشَّرْط وَالْعَبْد فِي ملكه فَعتق
فَأَما إِذا دخل بعد البيع ينْحل الْيَمين لَا إِلَى جَزَاء لوُجُود شَرط
الْحِنْث فَإِذا دخل بعد مَا ملكه ثَانِيًا فقد وجد الشَّرْط وَلَا يَمِين
فَلَا يثبت بِهِ الْعتْق
وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ إِن دخلت هَاتين الدَّاريْنِ فَأَنت حر فَبَاعَهُ
فَدخل إِحْدَاهمَا ثمَّ اشْتَرَاهُ فَدخل الْأُخْرَى عتق لِأَن الْعتْق
مُعَلّق
(2/270)
بِدُخُول الدَّاريْنِ فَإِنَّمَا ينزل
عِنْد دُخُول الْأُخْرَى فَيشْتَرط قيام الْملك عِنْده لِأَنَّهُ حَال
نزُول الْجَزَاء وَالْملك كَانَ مَوْجُودا عِنْد الْيَمين وَحَال دُخُول
الدَّار الأولى لَيست حَال انْعِقَاد الْيَمين وَلَا حَال نزُول الْجَزَاء
فَلَا يشْتَرط فِيهِ الْملك
(2/271)
بَاب أم الْوَلَد
يحْتَاج فِي الْبَاب إِلَى تَفْسِير الِاسْتِيلَاد وَإِلَى بَيَان حكم أم
الْوَلَد
أما الأول فَنَقُول أم الْوَلَد كل مَمْلُوكَة ثَبت نسب وَلَدهَا من مَالك
لَهَا أَو من مَالك لبعضها فَإِن الْمَمْلُوكَة إِذا جَاءَت بِولد وادعاه
الْمَالِك يثبت نسبه وَتصير الْجَارِيَة أم ولد لَهُ
وَإِذا كَانَت مُشْتَركَة فَجَاءَت بِولد فَادَّعَاهُ أَحدهمَا يثبت
النّسَب مِنْهُ وَتصير الْجَارِيَة كلهَا أم ولد لَهُ وَيضمن قيمَة نصيب
شَرِيكه وَيضمن نصف الْعقر وَيكون الْوَلَد حرا
فَإِن ادَّعَاهُ الآخر يثبت النّسَب مِنْهُمَا جَمِيعًا وَتصير الْجَارِيَة
أم ولد لَهما
وَكَذَلِكَ لَو ثَبت نسب ولد مَمْلُوكَة من غير سَيِّدهَا بِنِكَاح أَو
وَطْء شُبْهَة ثمَّ ملكهَا فَهِيَ أم ولد لَهُ من حِين ملكهَا لَا من وَقت
الْعلُوق وَهَذَا عندنَا
وَعند الشَّافِعِي لَا تصير الْجَارِيَة أم ولد لَهُ
وَأَجْمعُوا أَنه إِذا ملك الْوَلَد يعْتق عَلَيْهِ وَهِي من مسَائِل
الْخلاف
ثمَّ الْوَلَد سَوَاء كَانَ مَيتا أَو حَيا أَو سقطا قد استبان خلقه أَو
بعض خلقه إِذا أقرّ بِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْوَلَد الْكَامِل الْحَيّ
فِي صيرورة الْجَارِيَة أم ولد لَهُ لِأَن الْوَلَد الْمَيِّت يُسمى ولدا
لَهُ وَتعلق بِهِ أَحْكَام كَثِيرَة
(2/273)
وَإِن لم يستبن خلقه وادعاه الْمولى لَا
تكون أم ولد لَهُ لِأَن هَذَا لَا يُسمى ولدا وَيجوز أَن يكون لَحْمًا أَو
دَمًا عبيطا
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَن الْمولى إِذا قَالَ حمل هَذِه الْجَارِيَة مني
أَو هِيَ حُبْلَى مني أَو مَا فِي بَطنهَا من ولد فَهُوَ مني ثَبت النّسَب
وَتصير أم ولد لَهُ
وَلَو قَالَ هَكَذَا ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك لم تكن حَامِلا وَإِنَّمَا كَانَ
ريحًا
فصدقته الْأمة فَهِيَ أم ولد لَهُ لِأَن هَذَا إِقْرَار بِكَوْن الْوَلَد
مِنْهُ فَلَا يَصح رُجُوعه وَلَا يعْتَبر تصديقها فِي حق الْوَلَد
وَأما حكم أم الْوَلَد فَنَقُول إِنَّه لَا يجوز إخْرَاجهَا عَن ملكه
بِوَجْه من الْوُجُوه
وَلَا يجوز فِيهَا تصرف يُفْضِي إِلَى بطلَان حَقّهَا فِي حق الْحُرِّيَّة
وَيجوز إعْتَاقهَا وتدبيرها وكتابتها لما فِيهِ من إِيصَال حَقّهَا
إِلَيْهَا معجلا
وَيجوز استخدامها ووطؤها وإجارتها لِأَنَّهَا بَاقِيَة على ملكه
وَهَذَا قَول عَامَّة الْعلمَاء خلافًا لأَصْحَاب الظَّوَاهِر
وَإِذا جَاءَت أم الْوَلَد بِولد فَإِنَّهُ يثبت نسبه من غير دَعْوَة
لِأَنَّهَا صَارَت فراشا للْمولى إِلَّا أَنه يَنْتَفِي بِمُجَرَّد
النَّفْي بِخِلَاف فرَاش النِّكَاح فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِي إِلَّا
بِاللّعانِ
وَإِذا زوج أم الْوَلَد فَجَاءَت بِولد لسِتَّة أشهر فَصَاعِدا فَهُوَ ابْن
الزَّوْج لِأَن فرَاش الْمولى زَالَ بِالتَّزْوِيجِ
فَإِن ادّعى الْمولى نسب هَذَا الْوَلَد لم يثبت نسبه مِنْهُ لِأَن الْفراش
الظَّاهِر لغيره وَلَكِن يعْتق عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أقرّ بِهِ على نَفسه
وَهُوَ مُحْتَمل
(2/274)
وَيَسْتَوِي الْجَواب بَين مَا إِذا كَانَ
النِّكَاح فَاسِدا وَوَطئهَا الزَّوْج أَو جَائِزا لِأَن الْمَرْأَة تصير
فراشا بِالنِّكَاحِ الْفَاسِد
وَلَو زَالَ ملك الْمولى عَنْهَا بِمَوْتِهِ حَقِيقَة أَو حكما بِالرّدَّةِ
للحقوق بدار الْحَرْب وَهِي حَيَّة يعْتق من جَمِيع المَال وَلَا تسْعَى
للْوَارِث وَلَا للْغَرِيم بِخِلَاف الْمُدبر فَإِنَّهُ يعْتق من الثُّلُث
وَيجب على أم الْوَلَد بعد الْمَوْت أَن تَعْتَد بِثَلَاثَة أَقراء
وَكَذَلِكَ لَو أعْتقهَا فِي حَال الْحَيَاة على مَا مر
وَحكم ولد أم الْوَلَد حكم الْأُم لِأَنَّهُ تَابع للْأُم حَالَة الْولادَة
ثمَّ أم الْوَلَد لَا تضمن عِنْد أبي حنيفَة بِالْغَصْبِ وَلَا بِالْقَبْضِ
فِي البيع الْفَاسِد وَلَا بِالْإِعْتَاقِ بِأَن كَانَت أم ولد بَين
رجلَيْنِ فَأعْتقهَا أَحدهمَا لم يضمن الْمُعْتق لشَرِيكه وَلم تسع أَيْضا
فِي شَيْء
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يضمن فِي ذَلِك كُله كالمدبرة وَالْأمة
ولقب الْمَسْأَلَة أَن أم الْوَلَد غير مُتَقَومَة من حَيْثُ إِنَّهَا مَال
عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله خلافًا لَهما
وَأَجْمعُوا أَن الْمُدبر مُتَقَوّم
وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء أَنه قَالَ إِن أم الْوَلَد تضمن
فِي الْغَصْب عِنْد أبي حنيفَة بِمَا يضمن بِهِ الصَّبِي الْحر إِذا غصب
أَرَادَ بِهَذَا أَنَّهَا إِذا مَاتَت من سَبَب حَادث من جِهَة الْغَاصِب
بِأَن ذهب بهَا إِلَى طَرِيق فِيهِ سِبَاع فأتلفها وَنَحْو ذَلِك
وَأَجْمعُوا أَنَّهَا تضمن بِالْقَتْلِ لِأَن دَمهَا مُتَقَوّم وَضَمان
الْقَتْل ضَمَان دم وَهِي من مسَائِل الْخلاف وَالله أعلم
(2/275)
بَاب الْمُدبر
فِي الْبَاب فصلان بَيَان الْمُدبر وَبَيَان حكمه
أما الأول فَنَقُول الْمُدبر نَوْعَانِ مُطلق ومقيد
فالمطلق من تعلق عتقه بِمَوْت الْمولى مُطلقًا من غير قيد الْمَوْت بِصفة
وَلَا بِشَرْط آخر سوى الْمَوْت
والمقيد نَوْعَانِ أَحدهمَا أَن يكون عتقه مُعَلّقا بِمَوْت مَوْصُوف بِصفة
بِأَن قَالَ إِن مت من مرضِي هَذَا أَو من سَفَرِي هَذَا
وَالثَّانِي أَن يكون عتقه مُعَلّقا بِمَوْتِهِ وبشرط آخر سواهُ
ثمَّ التَّدْبِير الْمُطلق لَهُ ثَلَاثَة أَنْوَاع من الْأَلْفَاظ أَحدهَا
صَرِيح اللَّفْظ مثل أَن يَقُول دبرتك أَو أَنْت مُدبر
وروى هِشَام عَن مُحَمَّد رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ
أَنْت مُدبر بعد موتِي فَإِنَّهُ يصير مُدبرا للْحَال لِأَن الْمُدبر اسْم
لمن يعْتق عَلَيْهِ عَن دبر مَوته فَقَوله أَنْت مُدبر بعد موتِي وَأَنت حر
بعد موتِي سَوَاء
وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ أَعتَقتك بعد موتِي أَو أَنْت حر بعد موتِي أَو
أَنْت حر عَن دبر موتِي
(2/277)
وَالثَّانِي بِلَفْظَة الْيَمين بِأَن
قَالَ إِن مت فَأَنت حر أَو إِن حدث لي حدث فَأَنت حر وَنَحْو ذَلِك
وَالثَّالِث لَفْظَة الْوَصِيَّة بِأَن قَالَ أوصيت لَك برقبتك أَو أوصِي
لَهُ بِثلث مَاله فَيدْخل فِيهِ رقبته أَو بعض رقبته لِأَن الْإِيصَاء
للْعَبد بِرَقَبَتِهِ إِزَالَة ملكه عَن رقبته لِأَنَّهُ لَا يثبت لَهُ
الْملك فِي رقبته فَبيع نفس العَبْد مِنْهُ إِعْتَاق فَيصير كَأَنَّهُ
قَالَ أَنْت حر بعد موتِي
وَأما حكم الْمُدبر الْمُطلق فَنَقُول إِنَّه يعْتق فِي آخر جُزْء من
أَجزَاء حَيَاته إِن كَانَ يخرج من الثُّلُث وَإِن لم يخرج يعْتق ثلثه
وَيسْعَى فِي ثُلثَيْهِ
وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي الْمُدبر الْمُقَيد إِنَّه يعْتق من الثُّلُث
وَأما حكمه فِي حَالَة الْحَيَاة فَإِنَّهُ يثبت لَهُ حق الْحُرِّيَّة أَو
الْحُرِّيَّة من وَجه فَلَا يجوز إِخْرَاجه عَن ملكه إِلَّا بِالْإِعْتَاقِ
أَو بِالْكِتَابَةِ وَلَا يجوز فِيهِ تصرف يبطل حَقه أما مَا لَا يبطل حَقه
فَيجوز
وَلِهَذَا لَا يجوز رهن الْمُدبر لِأَن فِيهِ نقل الْملك فِي حق الْحَبْس
وَلَو زوج الْمُدبرَة جَازَ
وَكَذَلِكَ لَو أجره لِأَن هَذَا تصرف فِي الْمَنْفَعَة
وَكَذَا أكساب الْمُدبر والمدبرة ومهرها وأرشها للْمولى لِأَن الْمُدبر
بَاقٍ على ملكه
وَولد الْمُدبر الْمُطلق حكمه حكم أمه يعْتق بِمَوْت الْمولى
وَهَذَا كُله مَذْهَبنَا وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز بيع الْمُدبر الْمُطلق
وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة
(2/278)
وَأما حكم الْمُدبر الْمُقَيد فَنَقُول فِي
حَال الْحَيَاة إِنَّه لَا يكون مُدبرا حَقِيقَة للْحَال حَتَّى يجوز
جَمِيع التَّصَرُّفَات فِيهِ
وَأما حكمه بعد الْمَوْت فَالَّذِي علق عتقه بِمَوْت مَوْصُوف بِصفة
بِأَنَّهُ قَالَ إِن مت من مرضِي هَذَا أَو إِن مت من سَفَرِي هَذَا أَو
إِن قتلت أَو غرقت فَإِنَّهُ إِذا مَاتَ من غير ذَلِك الْوَجْه لَا يعْتق
لِأَنَّهُ لم يُوجد الشَّرْط وَهُوَ الْمَوْت بِصفة
وَإِن مَاتَ من مَرضه أَو سَفَره فَإِنَّهُ يعْتق فِي آخر جُزْء من أَجزَاء
حَيَاته وَلَا يحْتَاج إِلَى إِعْتَاق الْوَرَثَة لِأَنَّهُ لم يتَأَخَّر
عتقه عَن الْمَوْت
فَأَما إِذا أخر عتقه عَن الْمَوْت بِأَن قَالَ أَنْت حر بعد موتِي بساعة
أَو بِيَوْم أَو بِشَهْر وَنَحْوه فَإِنَّهُ لَا يعْتق بِالْمَوْتِ
لِأَنَّهُ أخر عتقه عَن الْمَوْت إِلَى وَقت فَيكون مُضَافا إِلَى الْوَقْت
فَإِذا جَاءَ الْوَقْت لَا يعْتق وَلَكِن يعتقهُ الْوَصِيّ أَو الْوَارِث
أَو القَاضِي لِأَن هَذَا وَصِيَّة بِالْإِعْتَاقِ لِأَن الْمَيِّت لَا
يكون من أهل الْإِعْتَاق
وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي الْمُدبر الَّذِي علق بِمَوْتِهِ وبشرط آخر بِأَن
قَالَ أَنْت حر بعد موتِي وَمَوْت فلَان أَو إِن مت أَنا وَفُلَان فَأَنت
حر أَو قَالَ إِن مت وَدخلت الدَّار أَو إِن كلمت فلَانا فَأَنت حر بعد
موتِي فَإِن وجد الشَّرْط قبل الْمَوْت بِأَن مَاتَ فلَان أَو كلم فلَانا
صَار مُدبرا مُطلقًا لِأَنَّهُ بَقِي عتقه مُعَلّقا بِالْمَوْتِ لَا غير
وَأما إِذا مَاتَ هُوَ أَولا ثمَّ مَاتَ فلَان فَإِنَّهُ لَا يعْتق
وَكَذَلِكَ إِذا مَاتَ ثمَّ دخل العَبْد الدَّار فَإِنَّهُ لَا يعْتق
لِأَنَّهُ لم يُوجد الشرطان
وَأما إِذا وجد موت فلَان أَو دُخُول الدَّار فَكَذَلِك لِأَن الْمولى خرج
(2/279)
من أَن يكون من أهل الْإِعْتَاق
بِالْمَوْتِ وَلَكِن يَجْعَل هَذَا وَصِيَّة بِالْإِعْتَاقِ فَيَنْبَغِي
للْوَصِيّ أَن يعتقهُ
وَمَا عرفت من الْجَواب فِي الْمَوْت الْحَقِيقِيّ فَهُوَ الْجَواب فِي
الْمَوْت الْحكمِي وَذَلِكَ نَحْو أَن يرْتَد الْمولى وَيلْحق بدار
الْحَرْب وَيَقْضِي القَاضِي بلحاقه لِأَن الْمُرْتَد حكمه حكم الْمَيِّت
فِي الْأَحْكَام وَالله أعلم
(2/280)
بَاب الْكِتَابَة
يحْتَاج فِي الْبَاب إِلَى تَفْسِير الْكِتَابَة وَإِلَى بَيَان حكمهَا
أما الأول فَنَقُول الْكِتَابَة عقد مَشْرُوع مَنْدُوب إِلَيْهِ لِأَنَّهُ
سَبَب الْعتْق قَالَ الله تَعَالَى {فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا}
ثمَّ الْكِتَابَة نَوْعَانِ حَالَة ومؤجلة
أما الْكِتَابَة الْحَالة فجائزة عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا تجوز على
عكس السّلم فالسلم الْحَال لَا يجوز عندنَا وَعند الشَّافِعِي السّلم
الْحَال جَائِز
وَأما الْكِتَابَة المؤجلة فجائزة بِلَا خلاف
وتفسيرها أَن يَقُول الرجل لعَبْدِهِ كاتبتك على ألف دِرْهَم على أَن
تُؤدِّي إِلَيّ كل شهر كَذَا على أَنَّك إِذا أدّيت فَأَنت حر
وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ إِذا أدّيت إِلَيّ ألف دِرْهَم كل شهر مِنْهُ كَذَا
فَأَنت حر وَقبل العَبْد فَإِنَّهُ يكون كِتَابَة لِأَن معنى الْكِتَابَة
لَيْسَ إِلَّا الْإِعْتَاق على مَال مُؤَجل منجم بنجوم مَعْلُومَة وَلَكِن
إِنَّمَا يجوز إِذا قبل بدل الْكِتَابَة لِأَنَّهُ عقد مُعَاوضَة فَلَا بُد
من الْإِيجَاب وَالْقَبُول
(2/281)
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ كاتبتك على ألف
دِرْهَم ونجمه وسمى النُّجُوم وَقبل العَبْد فَإِنَّهُ يكون كِتَابَة وَإِن
لم يعلق الْعتْق بِالْأَدَاءِ وَلم يقل على أَنَّك إِن أدّيت إِلَيّ ألفا
فَأَنت حر لِأَنَّهُ عقد مُعَاوضَة فَيعتق بِحكم الْمُعَاوضَة لَا بِحكم
الشَّرْط
وعَلى قَول الشَّافِعِي لَا بُد من ذكر التَّعْلِيق بِشَرْط الْأَدَاء
وَلِهَذَا إِنَّه لَو أَبْرَأ الْمكَاتب عَن بدل الْكِتَابَة يعْتق وَلَو
كَانَ مُعَلّقا بِالْأَدَاءِ لَا يعْتق بِدُونِ الشَّرْط
وَأما حكم الْكِتَابَة فَنَقُول أما حكمهَا قبل أَدَاء الْكِتَابَة فَأن
يكون أَحَق بمنافعه ومكاسبه وَيبقى على ملك الْمولى حَتَّى لَو أعتق عَن
كَفَّارَة يَمِينه جَازَ عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَهِي مَسْأَلَة كتاب
الْأَيْمَان
وَأَجْمعُوا أَنه لَو أُدي بعض بدل الْكِتَابَة فَأعْتقهُ عَن الْكَفَّارَة
لَا يجوز لِأَنَّهُ يصير فِي معنى الْإِعْتَاق على عوض من وَجه
وَلَو أَرَادَ الْمولى أَن يمنعهُ من الْكسْب لَيْسَ لَهُ ذَلِك لِأَن
الْكسْب حق الْمكَاتب
وَلَو تزوج لَا يجوز لِأَنَّهُ لَيْسَ من بَاب الْكسْب وَفِيه ضَرَر
بالمولى بِلُزُوم الْمهْر فِي رقبته
وَلَا يجوز فِيهِ تصرف يُفْضِي إِلَى إبِْطَال حق الْمكَاتب من البيع
وَالشِّرَاء وَالْإِجَارَة وَالرَّهْن وَنَحْوهَا فَلَا يجوز فِيهِ إِلَّا
الْإِعْتَاق وَالتَّدْبِير لِأَن فِيهِ مَنْفَعَة لَهُ
ثمَّ عقد الْكِتَابَة لَازم فِي حق الْمولى حَتَّى لَا يملك فَسخه إِلَّا
بِرِضا
(2/282)
الْمكَاتب وَغير لَازم فِي حق الْمكَاتب
حَتَّى أَن لَهُ أَن يعجز نَفسه فَيفْسخ عقد الْكِتَابَة بِدُونِ رضى
الْمولى إِلَّا أَنه إِذا أخل بِنَجْم فَلم يؤد وَعجز عَنهُ للْمولى أَن
يفْسخ العقد وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه لَا يفْسخ مَا لم يخل بنجمين
لِأَنَّهُ لَو لم يثبت حق الْفَسْخ عِنْد الِامْتِنَاع عَن الْأَدَاء
يتَضَرَّر بِهِ الْمولى
فَأَما حكم الْأَدَاء فَإِنَّهُ إِذا أدّى الْبَدَل بِتَمَامِهِ يثبت
الْعتْق لِأَنَّهُ عقد مُعَاوضَة فَمَتَى سلم الْبَدَل يسلم الْمُبدل
وَيكون أكسابه وَأَوْلَاده سَالِمَة لَهُ فَيعتق أَوْلَاده بِعِتْقِهِ
وَكَذَلِكَ إِذا أَبرَأَهُ الْمولى عَن الْبَدَل لِأَنَّهُ حق الْمولى
فَيقدر على إِسْقَاطه عَنهُ كَمَا فِي سَائِر الدُّيُون
وَإِذا مَاتَ الْكَاتِب فَإِن مَاتَ عَاجِزا فَإِنَّهُ يَنْفَسِخ عقد
الْكِتَابَة لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي بَقَائِهِ
فَأَما إِذا مَاتَ عَن وَفَاء فَإِنَّهُ يُؤَدِّي بدل كِتَابَته من تركته
فَيَأْخُذ الْمولى فَيعتق عَن آخر جُزْء من أَجزَاء حَيَاته فَيعتق
أَوْلَاده وَمَا فضل من التَّرِكَة يكون مِيرَاثا لوَرثَته الْأَحْرَار
وَكَذَلِكَ إِذا لم يتْرك وَفَاء وَلَكِن ترك ولدا مولودا فِي الْكِتَابَة
فَإِن الْوَلَد يقوم مقَامه فِي أَدَاء الْبَدَل لكَونه مكَاتبا تبعا لَهُ
فَإِذا عجز الأَصْل قَامَ التبع مقَامه وَإِذا أدّى يعْتق الْمكَاتب وَولده
وَبَين الْفَصْلَيْنِ فرق فِي حق بعض الْأَحْكَام على مَا يعرف فِي
الزِّيَادَات إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ إِذا أدّيت إِلَيّ ألف دِرْهَم فَأَنت حر أَو إِذا
أدّيت إِلَيّ قيمتك فَأَنت حر فأداه يعْتق لِأَن الْعتْق مُعَلّق
بِالْأَدَاءِ فَإِذن
(2/283)
وجد شَرطه قَالَ الْكَرْخِي وَلَا يكون
هَذَا كِتَابَة وَإِن كَانَ فِيهِ معنى الْكِتَابَة من وَجه حَتَّى أَن
العَبْد إِذا جَاءَ بِالْبَدَلِ فَإِنَّهُ يجْبر على قبُوله أَي يصير
الْمولى قَابِضا لَهُ كَمَا فِي الْكِتَابَة
وَبَيَان التَّفْرِقَة بَينهمَا فِي مسَائِل فَإِنَّهُ إِذا مَاتَ العَبْد
هَهُنَا قبل الْأَدَاء وَترك مَالا فَالْمَال كُله للْمولى وَلَا يُؤَدِّي
عَن فَيعتق بِخِلَاف الْكِتَابَة
وَكَذَا لَو مَاتَ الْمولى وَفِي يَد العَبْد كسب فَالْعَبْد رَقِيق يُورث
عَنهُ مَعَ أكسابه بِخِلَاف الْكِتَابَة
وَلَو كَانَت هَذِه أمة فَولدت ثمَّ أدَّت لم يعْتق وَلَدهَا بِخِلَاف
الْمُكَاتبَة إِذا ولدت ثمَّ أدَّت فعتقت يعْتق وَلَدهَا
وَلَو قَالَ العَبْد للْمولى حط عني مائَة فحط الْمولي عَنهُ فَأدى
تِسْعمائَة فَإِنَّهُ لَا يعْتق بِخِلَاف الْكِتَابَة
وَلَو أَبْرَأ الْمولى العَبْد عَن الْألف لم يعْتق
وَلَو أَبْرَأ الْمكَاتب عَن بدل الْكِتَابَة يعْتق
وَلَو بَاعَ هَذَا العَبْد ثمَّ اشْتَرَاهُ وَأدّى إِلَيْهِ يجْبر على
الْقبُول عِنْد أبي يُوسُف
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الزِّيَادَات لَا يجْبر على قبُولهَا فَإِن قبلهَا
عتق
وَكَذَلِكَ لورد إِلَيْهِ بِخِيَار أَو بِعَيْب
وَلَو بَاعَ الْمكَاتب لَا يجوز إِلَّا بِرِضَاهُ وَمَتى رَضِي يَنْفَسِخ
الْكِتَابَة
وَذكر فِي الأَصْل إِذا قَالَ لعَبْدِهِ إِن أدّيت إِلَيّ ألفا فَأَنت حر
فَإِن ذَلِك على الْمجْلس لِأَن الْعتْق مُعَلّق بِاخْتِيَار العَبْد
فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْت حر إِن شِئْت
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه لَا يقف على الْمجْلس لِأَن
(2/284)
الْعتْق مُعَلّق بِالشّرطِ فَلَا يقف على
الْمجْلس كَقَوْلِه إِن دخلت الدَّار
وَأما الْإِعْتَاق على مَال فَهُوَ خلاف الْكِتَابَة وَخلاف تَعْلِيق
الْعتْق بِالْأَدَاءِ فَإِنَّهُ إِذا قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر على ألف
دِرْهَم فَقبل العَبْد فَإِنَّهُ يعْتق من سَاعَته وَيكون الْبَدَل وَاجِبا
فِي ذمَّته لِأَنَّهُ أعْتقهُ بعوض فَمَتَى قبل يَزُول الْعِوَض عَن صَاحبه
كَمَا فِي البيع
وَكَذَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر على قيمَة رقبتك فَقبل ذَلِك
فَإِنَّهُ يعْتق
وَكَذَا لَو أعْتقهُ على مَكِيل أَو مَوْزُون مَوْصُوف فِي الذِّمَّة
مَعْلُوم الْجِنْس يجوز فَإِن هَذَا يصلح عوضا فِي البيع
وَلَو أعتق على عوض بِعَيْنِه وَهُوَ ملك غَيره فَإِنَّهُ يعْتق فَإِن
أجَاز الْمَالِك يسْتَحق عينه وَإِن لم يجز يجب على العَبْد قيمَة رقبته
وَكَذَلِكَ لَو أعتق على عوض بِغَيْر عينه مَعْلُوم الْجِنْس جَازَ فَإِن
كَانَ مَوْصُوفا فَعَلَيهِ تَسْلِيمه وَإِن لم يكن مَوْصُوفا فَعَلَيهِ
الْوسط من ذَلِك فَإِن جَاءَ بِالْقيمَةِ أجبر الْمولى على الْقبُول كَمَا
فِي الْمهْر
وَلَو أعْتقهُ الْمولى على مَجْهُول الْجِنْس بِأَن قَالَ أَنْت حر على ثوب
يعْتق وَيلْزمهُ قيمَة نَفسه لِأَن جَهَالَة الْجِنْس تمنع صِحَة الْبَدَل
كَمَا فِي الْمهْر
فَلَو أدّى إِلَيْهِ الْعِوَض فَاسْتحقَّ من يَد الْمولي فَإِن كَانَ
بِغَيْر عينه فِي العقد فعلى العَبْد مثله لِأَنَّهُ لم يعجز عَن الَّذِي
هُوَ مُوجب العقد
وَإِن كَانَ عينا فِي العقد وَهُوَ عوض أَو حَيَوَان فَإِنَّهُ يرجع على
العَبْد بِقِيمَة نَفسه عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف
وَقَالَ مُحَمَّد يرجع بِقِيمَة الْمُسْتَحق
(2/285)
وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا بَاعَ نفس
العَبْد مِنْهُ بِجَارِيَة ثمَّ اسْتحقَّت الْجَارِيَة أَو هَلَكت قبل
التَّسْلِيم فعندهما يرجع بِقِيمَة العَبْد وَعِنْده يرجع بِقِيمَة
الْجَارِيَة وَهِي مَذْكُورَة فِي الخلافيات
(2/286)
بَاب وَلَاء الْعتَاقَة
الْوَلَاء يثبت للْمُعْتق بِالْإِعْتَاقِ شرعا دون الْمُعْتق
وَأَصله مَا رُوِيَ أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ
إِنِّي اشْتريت عبدا فَأعْتقهُ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِن شكرك فَهُوَ
خير لَهُ وَشر لَك وَإِن كفرك فَهُوَ شَرّ لَهُ وَخير لَك
هُوَ أَخُوك ومولاك وَإِن مَاتَ وَلم يتْرك وَارِثا كنت أَنْت عصبته
ثمَّ الْوَلَاء يثبت بِهِ الْإِرْث وَالْعقل وَولَايَة النِّكَاح قَالَ
عَلَيْهِ السَّلَام الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب
وَلَا يُورث
ثمَّ الْوَلَاء كَمَا يثبت بِحَقِيقَة الْإِعْتَاق يثبت أَيْضا بِحَق
الْعتْق فَإِن وَلَاء الْمُدبر يثبت بِالتَّدْبِيرِ لمدبره وَلَا ينْتَقل
عَنهُ وَإِن عتق من جِهَة غَيره لِأَن الْوَلَاء قد ثَبت بِحَق
الْحُرِّيَّة للمدبر وَالْوَلَاء لَا يحْتَمل الْفَسْخ وَلَا يتَحَوَّل
عَنهُ
وَصُورَة الْمَسْأَلَة أَن مُدبرَة بَين شَرِيكَيْنِ جَاءَت بِولد
فَادَّعَاهُ أَحدهمَا ثَبت نسبه مِنْهُ وَعتق عَلَيْهِ وَغرم نصيب شَرِيكه
مِنْهُ وَالْوَلَاء بَينهمَا
وَكَذَلِكَ مُدبر بَين شَرِيكَيْنِ أعْتقهُ أَحدهمَا وَهُوَ مُوسر فضمن عتق
بِالضَّمَانِ وَلم يتَغَيَّر الْوَلَاء عَن الشّركَة عِنْد أبي حنيفَة
وَعِنْدَهُمَا إِذا أعتق أَحدهمَا نصِيبه عتق جَمِيعه وَالْوَلَاء بَينهمَا
(2/287)
ثمَّ الْوَلَاء يثبت لكل مُعتق بِأَيّ وَجه
حصل الْعتْق سَوَاء كَانَ الْمُعْتق رجلا أَو امْرَأَة مُسلما أَو كَافِرًا
إِلَّا أَن الْكَافِر لَا يَرث الْمُسلم لكفره حَتَّى لَو أسلم يَرث
بِالْوَلَاءِ الَّذِي يثبت لَهُ بِالْإِعْتَاقِ
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَيْسَ للنِّسَاء من الْوَلَاء إِلَّا مَا أعتقن
أَو أعتق من أعتقن (الحَدِيث)
لَكِن الْمُعْتق يَرث بِالْوَلَاءِ بطرِيق التَّعْصِيب وَهُوَ آخر
الْعَصَبَات عِنْد عَامَّة الصَّحَابَة وَهُوَ قَول عَامَّة الْعلمَاء
فَإِن لم يكن سواهُ وَارِث فَالْكل لَهُ وَإِن كَانَ مَعَه أَصْحَاب
الْفَرَائِض يُعْطي أَصْحَاب الْفَرَائِض فرائضهم وَالْبَاقِي لَهُ
وَقَالَ ابْن مَسْعُود هُوَ آخر ذَوي الْأَرْحَام حَتَّى إِذا لم يكن
للْمُعْتق أحد من الأقرباء يكون لَهُ
وَإِذا مَاتَ الْمُعْتق فَإِنَّهُ لَا يُورث الْوَلَاء حَتَّى يكون
لأَصْحَاب الْفَرَائِض فرائضهم وَالْبَاقِي للْعصبَةِ لما روينَا أَنه لَا
يُورث وَلَكِن يكون الْوَلَاء للذكور من عصبَة الْمُعْتق الْأَقْرَب
فَالْأَقْرَب على مَا يعرف فِي كتاب الْفَرَائِض
(2/288)
بَاب وَلَاء
الْمُوَالَاة الأَصْل فِي شَرْعِيَّة عقد الْمُوَالَاة قَوْله تَعَالَى
{وَالَّذين عقدت أَيْمَانكُم فآتوهم نصِيبهم}
وَتَفْسِير عقد الْمُوَالَاة أَن من أسلم على يَدي رجل وَقَالَ لَهُ أَنْت
مولَايَ ترثني إِذا مت وتعقل عني إِذا جنيت وَقَالَ الآخر قبلت فَينْعَقد
بَينهمَا عقد الْمُوَالَاة
وَكَذَا إِذا قَالَ واليتك وَقَالَ الآخر قبلت
وَكَذَلِكَ إِذا عقد مَعَ رجل غير الَّذِي أسلم على يَدَيْهِ
وَكَذَلِكَ اللَّقِيط إِذا عقد مَعَ غَيره عقد مُوالَاة
وَشرط صِحَة عقد الْمُوَالَاة أَن لَا يكون للعاقد وَارِث مُسلم
وَإِذا انْعَقَد عقد الْمُوَالَاة يصير مولى لَهُ حَتَّى لَو مَاتَ وَلم
يتْرك وَارِثا يكون مِيرَاثه لمَوْلَاهُ وَلَو جنى يكون عقله عَلَيْهِ ويلي
عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَة
وللمولى الْأَسْفَل أَن يتَحَوَّل بولائه إِلَى غَيره مَا لم يعقل الْمولي
الْأَعْلَى عَنهُ فَإِذا عقل عَنهُ لَا يقدر أَن يتَحَوَّل بِالْوَلَاءِ
إِلَى غَيره وَصَارَ العقد لَازِما إِلَّا إِذا اتفقَا على النَّقْض
(2/289)
وَلَو أَرَادَ أَحدهمَا نقض الْمُوَالَاة
بِغَيْر محْضر من صَاحبه لم ينْتَقض
وَلَو كَانَ رجلَانِ لَيْسَ لَهما وَارِث مُسلم وهما مسلمان فِي دَار
الْإِسْلَام فوالى أَحدهمَا صَاحبه ثمَّ وَالَاهُ الآخر فَعِنْدَ أبي
حنيفَة يصير الثَّانِي مولى للْأولِ وَيبْطل وَلَاء الأول وَعِنْدَهُمَا كل
وَاحِد مِنْهُمَا مولى لصَاحبه
فهما يَقُولَانِ إِن الْجمع بَين الولائين مُمكن فَإِنَّهُ يجوز أَن يكون
شخصان كل وَاحِد مِنْهُمَا يَرث من صَاحبه وَيعْقل عَنهُ كالأخوين وَابْني
الْعم فَلَا يتَضَمَّن صِحَة أَحدهمَا انْتِقَاض الآخر بل يثبتان جَمِيعًا
وَأَبُو حنيفَة يَقُول إِن الْمولى الْأَسْفَل تَابع للْمولى الْأَعْلَى
وَهُوَ فَوْقه كالمعتق تَابع للْمُعْتق وَلِهَذَا يَلِي الْأَعْلَى على
الْأَسْفَل وَيعْقل عَنهُ وَلَا يجوز أَن يكون التبع متبوعا لمتبوعه
والمتبوع تبعا لتَبعه وَإِذا لم يجز الْجمع بَينهمَا فيتضمن صِحَة
الثَّانِي انْتِقَاض الأول
ثمَّ مولى الْمُوَالَاة آخر الْوَرَثَة حَتَّى إِذا لم يكن للْمَيت أحد من
الْوَرَثَة قريب أَو بعيد يَرث وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا عندنَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِنَّه لَا يُورث بولاء الْمُوَالَاة وَيكون مَاله
لبيت المَال وعَلى هَذَا الْخلاف لَو أوصى بِجَمِيعِ مَاله لإِنْسَان وَلَا
وَارِث لَهُ يَصح عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يَصح وَهِي مَسْأَلَة كتاب
الْفَرَائِض
(2/290)
|