تحفة الفقهاء

كتاب الْأَيْمَان
ذكر مُحَمَّد فِي الأَصْل وَقَالَ الْأَيْمَان ثَلَاثَة يَمِين تكفر وَيَمِين لَا تكفر وَيَمِين نرجو أَن لَا يُؤَاخذ الله تَعَالَى بهَا صَاحبهَا
أما الْيَمين الَّتِي تكفر فَهِيَ الْيَمين على أَمر فِي الْمُسْتَقْبل
وَهِي أَنْوَاع إِمَّا أَن يعْقد على مَا هُوَ مُتَصَوّر الْوُجُود عَادَة أَو على مَا هُوَ مُسْتَحِيل غير مُتَصَوّر الْوُجُود أصلا أَو على مَا هُوَ مُتَصَوّر الْوُجُود فِي نَفسه لَكِن لَا يُوجد على مجْرى الْعَادة وَهَذِه الْجُمْلَة قد تكون فِي الْإِثْبَات وَقد تكون فِي النَّفْي وَتَكون مُطلقَة وموقوتة
أما النَّوْع الأول فَإِن كَانَ فِي الْإِثْبَات مُطلقًا بِأَن قَالَ وَالله لآكلن هَذَا الرَّغِيف أَو لَآتِيَن الْبَصْرَة فَمَا دَامَ الْحَالِف والمحلوف عَلَيْهِ قَائِمين فَهُوَ على يَمِينه لتصور الْبر وَهُوَ الْفِعْل مرّة فِي الْعُمر فَإِذا هلك أَحدهمَا صَار تَارِكًا للبر فَيحنث فِي يَمِينه
وَإِن كَانَ فِي مَوضِع النَّفْي مُطلقًا بِأَن قَالَ وَالله لَا آكل هَذَا الرَّغِيف أَو لَا أَدخل هَذِه الدَّار فَإِن فعل مرّة حنث لِأَنَّهُ فَاتَ الْبر
وَإِذا هلك الْحَالِف أَو الْمَحْلُوف عَلَيْهِ قبل الْفِعْل لَا يَحْنَث لِأَن شَرط بره هُوَ

(2/291)


الِامْتِنَاع عَن الْفِعْل وَلَا يتَصَوَّر ذَلِك الْفِعْل بعد هَلَاك الْحَالِف أَو هَلَاك الْمَحْلُوف عَلَيْهِ
وَأما الموقتة صَرِيحًا فِي الْإِثْبَات كَقَوْلِه وَالله لآكلن هَذَا الرَّغِيف الْيَوْم فَإِن مضى الْيَوْم والحالف والمحلوف عَلَيْهِ قائمان يَحْنَث فِي يَمِينه لِأَنَّهُ فَاتَ الْبر لفَوَات وقته الْمعِين
أما إِذا هلك أَحدهمَا فِي الْيَوْم فَإِن هلك الْحَالِف قبل مُضِيّ الْيَوْم لَا يَحْنَث بِالْإِجْمَاع
وَإِن هلك الْمَحْلُوف عَلَيْهِ وَهُوَ الرَّغِيف قبل مُضِيّ الْيَوْم أَجمعُوا أَنه لَا يَحْنَث فِي الْحَال مَا لم يمض الْيَوْم وَلَا تجب الْكَفَّارَة حَتَّى لَو عجل الْكَفَّارَة لَا يجوز
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا مضى الْيَوْم قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد لَا يَحْنَث فِي يَمِينه
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَحْنَث وَتجب الْكَفَّارَة
وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا قَالَ وَالله لأقضين دين فلَان غَدا فقضاه الْيَوْم أَو أَبرَأَهُ صَاحب الدّين الْيَوْم ثمَّ جَاءَ الْغَد
وَكَذَلِكَ على هَذَا فِي الْيَمين بِالطَّلَاق وَالْعتاق بِأَن قَالَ إِن لم أشْرب هَذَا المَاء الْيَوْم فامرأته طَالِق أَو عَبده حر ثمَّ أهريق المَاء قبل مُضِيّ الْيَوْم لَا يَحْنَث عِنْدهمَا حَتَّى لَا يَقع الطَّلَاق وَالْعتاق عِنْد مُضِيّ الْيَوْم وَعِنْده يَحْنَث عِنْد مُضِيّ الْيَوْم
وَحَاصِل الْخلاف أَن تصور الْبر شَرط لانعقاد الْيَمين عِنْدهمَا وَعند أبي يُوسُف لَيْسَ بِشَرْط إِنَّمَا الشَّرْط أَن يكون الْيَمين على أَمر فِي الْمُسْتَقْبل على مَا نذْكر فَلَمَّا كَانَ تصور الْبر شرطا عِنْدهمَا لانعقاد الْيَمين فَيكون شرطا لبقائها فَإِذا هلك الْمَحْلُوف عَلَيْهِ خرج الْبر من أَن يكون متصورا فَتبْطل الْيَمين فَإِذا مضى الْوَقْت فَوجدَ شَرط الْحِنْث وَلَا يَمِين فَلَا يَحْنَث كَمَا إِذا هلك الْحَالِف وَعِنْده لما لم يكن تصور الْبر

(2/292)


شَرط الِانْعِقَاد لَا يكون شَرط الْبَقَاء فَتكون بَاقِيَة فَوجدَ الْحِنْث فِي آخر الْيَوْم والحالف من أهل وجوب الْكَفَّارَة فَيلْزمهُ بِخِلَاف مَا إِذا مَاتَ الْحَالِف لِأَنَّهُ وجد شَرط الْحِنْث لَكِن الْحَالِف لَيْسَ من أهل وجوب الْكَفَّارَة بعد الْمَوْت فَلَا يجب
وَأما إِذا حلف على النَّفْي بِأَن قَالَ وَالله لَا آكل هَذَا الرَّغِيف الْيَوْم فَإِن مضى الْيَوْم قبل الْأكل بر فِي يَمِينه لِأَنَّهُ وجد ترك الْأكل فِي الْيَوْم كُله
وَإِن هلك الْحَالِف أَو الْمَحْلُوف عَلَيْهِ بر فِي يَمِينه أَيْضا لِأَن شَرط الْبر عدم الْأكل وَقد تحقق
وَأما إِذا عقد الْيَمين على فعل لَا يتَصَوَّر وجوده أصلا بِأَن قَالَ وَالله لأشربن المَاء الَّذِي فِي هَذَا الْكوز وَلَيْسَ فِي الْكوز مَاء فَلَا ينْعَقد الْيَمين عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا وَعند أبي يُوسُف ينْعَقد وَيحنث للْحَال فهما يَقُولَانِ إِن الْيَمين يعْقد للبر ثمَّ تجب الْكَفَّارَة لرفع حكم الْحِنْث وَهُوَ الْإِثْم فَإِذا لم يكن الْبر متصورا فَلَا يتَصَوَّر الْحِنْث فَلَا فَائِدَة فِي انْعِقَاد الْيَمين
وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا قَالَ وَالله لأقتلن فلَانا وَهُوَ لَا يعلم بِمَوْتِهِ لِأَن يَمِينه تَنْصَرِف إِلَى الْحَيَاة الَّتِي كَانَت وَقد فَاتَت بِحَيْثُ لَا يتَصَوَّر عودهَا
فَأَما إِذا كَانَ عَالما بِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ تَنْعَقِد الْيَمين بِالْإِجْمَاع لِأَن يَمِينه تَنْصَرِف إِلَى الْحَيَاة الَّتِي تحدث فِيهِ فَيكون الْبر متصورا لكنه خلاف الْمُعْتَاد فَيكون من الْقسم الثَّالِث هَكَذَا فصل فِي الْجَامِع الصَّغِير وَهُوَ الصَّحِيح
وَنَظِير الْقسم الثَّالِث أَيْضا إِذا قَالَ وَالله لأصعدن السَّمَاء أَو لأحولن هَذَا الْحجر ذَهَبا أَو لأشربن مَاء دجلة كُله لِأَن الْبر مُتَصَوّر على خلاف الْعَادة فباعتبار

(2/293)


التَّصَوُّر تَنْعَقِد الْيَمين فِي الْجُمْلَة وَبِاعْتِبَار الْعَجز من حَيْثُ الْعَادة يَحْنَث فِي الْحَال
فَأَما إِذا وَقت الْيَمين فَقَالَ وَالله لأصعدن السَّمَاء الْيَوْم فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله يَحْنَث فِي آخر الْيَوْم لِأَن الْبر يجب فِي الموقتة فِي آخر الْيَوْم وَيكون الْوَقْت ظرفا لِأَنَّهُ يفضل عَنهُ
وَعند أبي يُوسُف يَحْنَث للْحَال لتحَقّق الْعَجز للْحَال وَهُوَ الصَّحِيح من مذْهبه
وَإِنَّمَا يتَأَخَّر الْحِنْث إِلَى آخر الْوَقْت عِنْده فِيمَا إِذا كَانَ الْفِعْل متصورا من حَيْثُ الْعَادة ثمَّ فَاتَ بِسَبَب هَلَاك الْمَحْلُوف عَلَيْهِ كَمَا ذكرنَا
وَنَوع آخر من الْيَمين فِي الْمُسْتَقْبل مَا تكون موقتة دلَالَة وَهِي تسمى يَمِين الْفَوْر وَهِي كل يَمِين خرجت جَوَابا لكَلَام أَو بِنَاء على أَمر فتتقيد بذلك بِدلَالَة الْحَال
كمن قَالَ لآخر تعال تغد معي فَقَالَ وَالله لَا أتغدى وَلم يتغد مَعَه وَذهب إِلَى بَيته وتغدى لَا يَحْنَث فِي يَمِينه اسْتِحْسَانًا خلافًا ل زفر
وَكَذَلِكَ إِذا أَرَادَت امْرَأَة إِنْسَان أَن تخرج من الدَّار فَقَالَ لَهَا إِن خرجت فَأَنت طَالِق فَتركت الْخُرُوج سَاعَة ثمَّ خرجت لَا يَحْنَث ويتقيد بِتِلْكَ الْحَال وَلِهَذَا نَظَائِر
وَأما الْيَمين الَّتِي لَا تكفر فَهِيَ يَمِين الْغمُوس وَهِي الْيَمين الكاذبة قصدا فِي الْمَاضِي كَقَوْلِه وَالله لقد دخلت هَذِه الدَّار وَهُوَ يعلم أَنه مَا دَخلهَا
وَفِي الْحَال نَحْو قَوْله لرجل وَالله إِنَّه عَمْرو مَعَ علمه أَنه زيد وَنَحْوهَا
وَحكمهَا وجوب التَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَار دون الْكَفَّارَة بِالْمَالِ عندنَا

(2/294)


وَعند الشَّافِعِي تجب الْكَفَّارَة بِالْمَالِ وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة
وَأما الْيَمين الَّتِي يُرْجَى فِيهَا عدم الْمُؤَاخَذَة فَهِيَ الْيَمين الكاذبة خطأ وَهِي تسمى يَمِين اللَّغْو كمن قَالَ وَالله مَا دخلت هَذِه الدَّار وَعِنْده كَذَلِك وَالْأَمر بِخِلَافِهِ
أَو رأى طيرا من بعيد فَظن أَنه غراب فَقَالَ وَالله إِنَّه لغراب فَإِذا هُوَ حمام
وَلَا حكم لهَذِهِ الْيَمين أصلا
وَقَالَ الشَّافِعِي يَمِين اللَّغْو هِيَ الْيَمين الَّتِي تجْرِي على لِسَان الْحَالِف من غير قصد لَا وَالله وبلى وَالله أَو كَانَ يقْرَأ الْقُرْآن فَجرى على لِسَانه الْيَمين

(2/295)


بَاب أَلْفَاظ الْيَمين
الْيَمين خَمْسَة أَنْوَاع يَمِين بِاللَّه تَعَالَى صَرِيحًا وَهِي نَوْعَانِ يَمِين بأسمائه وَيَمِين بصفاته
وَالثَّالِث يَمِين بِاللَّه تَعَالَى بطرِيق الْكِنَايَة
وَالرَّابِع الْيَمين بِغَيْر الله تَعَالَى صُورَة وَمعنى
وَالْخَامِس الْيَمين بِغَيْر الله تَعَالَى صُورَة وَمعنى
أما الْيَمين بأسماء الله تَعَالَى فالحلف بِكُل اسْم من أَسْمَائِهِ بِأَن قَالَ بِاللَّه أَو وَالله أَو تالله أَو الله أَو الرَّحْمَن أَو الرَّحِيم أَو بالعالم أَو الْقَادِر وَنَحْو ذَلِك لِأَن من أَسمَاء الله تَعَالَى مَا يكون خَاصّا لَا يجوز إِطْلَاقه على غير الله تَعَالَى وَمِنْهَا مَا يجوز لَكِن مَتى ذكر فِي مَوضِع الْقسم وَالْقسم لَا يجوز بِغَيْر الله فَكَانَ المُرَاد بِهِ اسْم الله تَعَالَى
وَأما الْحلف بصفاته فأقسام ثَلَاثَة أَحدهَا أَن يذكر صفة لَا تسْتَعْمل إِلَّا فِي الصّفة فِي عرف النَّاس كَقَوْلِهِم وَعزة الله وعظمته وجلاله وكبريائه
وَإِن كَانَ يسْتَعْمل

(2/297)


صفة لغيره لَكِن تعين كَون صفة الله تَعَالَى مرَادا بِهِ بِالْإِضَافَة إِلَى الله تَعَالَى تنصيصا
وَالْقسم الثَّانِي أَن يحلف بِصفة تسْتَعْمل صفة لله وَلغيره وتستعمل فِي غير الصّفة لَكِن لَا يكون اسْتِعْمَاله فِي غير الصّفة غَالِبا بِحَيْثُ تسبق الأفهام إِلَيْهِ عِنْد الذّكر نَحْو قَوْلهم وقدرة الله وقوته وإرادته ومشيئته وَنَحْو ذَلِك فَيتَعَيَّن صفة لله تَعَالَى مقسمًا بِهِ بِدلَالَة ذكر الْقسم
وَمن هَذَا الْقسم وَأَمَانَة الله فِي ظَاهر الرِّوَايَة خلافًا لما ذكره الطَّحَاوِيّ أَنه لَا يكون يَمِينا وَإِن نوى وَخِلَافًا لما رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه لَا يكون يَمِينا
وَالْقسم الثَّالِث أَن يحلف بِصفة تسْتَعْمل صفة لله تَعَالَى وَلغيره وتستعمل فِي غير الصّفة لَكِن على وَجه غلب اسْتِعْمَاله فِيهِ بِحَيْثُ لَا تسبق الأفهام إِلَّا إِلَيْهِ عِنْد الذّكر مُطلقًا
وَذَلِكَ نَحْو قَوْلهم وَعلم الله وَرَحْمَة الله وَكَلَام الله وَكَذَا الرِّضَا وَالْغَضَب والسخط فَإِنَّهُ يذكر الْعلم وَيُرَاد بِهِ الْمَعْلُوم غَالِبا وَكَذَا الرَّحْمَة تذكر وَيُرَاد بهَا الْجنَّة وآثار الرَّحْمَة من النِّعْمَة وَالسعَة
فعندنا إِن نوى بِهِ الْيَمين يكون يَمِينا وَإِن لم ينْو لَا يكون يَمِينا
وَقَالَ الشَّافِعِي يكون يَمِينا كَسَائِر صِفَاته بِدلَالَة الْقسم
وعَلى هَذَا قَالَ فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَحقّ الله لَا أفعل كَذَا لَا يكون يَمِينا مَا لم ينْو لِأَنَّهُ يسْتَعْمل فِي الْعرف فِي الْحق الْمُسْتَحق لله تَعَالَى على عباده
وَلَو قَالَ وَالْحق لَا أفعل كَذَا يكون يَمِينا لِأَنَّهُ اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى

(2/298)


قَالَ الله تَعَالَى {ويعلمون أَن الله هُوَ الْحق الْمُبين}
وَلَو قَالَ حَقًا بِالْفَارِسِيَّةِ اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ
ثمَّ فِي الْيَمين بأسماء الله تَعَالَى وَصِفَاته إِذا ذكر الْقسم والمقسم بِهِ وَالْخَبَر بِاللَّفْظِ الْمُسْتَعْمل فِي الْحَال بِأَن قَالَ حَلَفت بِاللَّه أَو أَقْسَمت بِاللَّه لَأَفْعَلَنَّ كَذَا يكون يَمِينا بِلَا خلاف
فَأَما إِذا ذكر الْقسم بِاللَّفْظِ الْمُسْتَقْبل بِأَن قَالَ أَحْلف بِاللَّه أَو أقسم بِاللَّه لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَو أشهد بعزة الله تَعَالَى لَأَفْعَلَنَّ كَذَا يكون يَمِينا عندنَا
وَعند الشَّافِعِي لَا يكون يَمِينا إِلَّا بِالنِّيَّةِ
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن هَذَا فِي الْعرف يُرَاد بِهِ الْحَال كَقَوْلِهِم أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَنَحْو ذَلِك
وَأما إِذا ذكر الْقسم وَالْخَبَر وَلم يذكر الْمقسم بِهِ بِأَن قَالَ أشهد أَو أَحْلف أَو أقسم لَأَفْعَلَنَّ كَذَا يكون يَمِينا عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة نوى أَو لم ينْو
وَقَالَ زفر إِن نوى يكون يَمِينا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يكون يَمِينا وَإِن نوى
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن ذكر الْقسم وَالْخَبَر دَلِيل على مقسم مَحْذُوف وَهُوَ اسْم الله تَعَالَى
هَذَا إِذا ذكر الْمقسم بِهِ مرّة وَاحِدَة فَأَما إِذا ذكر مكررا بِأَن قَالَ وَالله وَالله أَو وَالله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِن فعلت كَذَا ذكر فِي الْجَامِع الْكَبِير إِن لم يدْخل بَين الاسمين حرف عطف يكون يَمِينا وَاحِدَة وَإِن دخل بَينهمَا حرف عطف يكون يمينين
وَفِيه اخْتِلَاف الرِّوَايَات

(2/299)


وَالصَّحِيح مَا ذكر فِي الْجَامِع وَلِهَذَا يسْتَعْمل على بَاب الْقُضَاة هَذِه الْيَمين وَالله الرَّحْمَن الرَّحِيم الطَّالِب الْغَالِب الْمدْرك
فَأَما إِذا ذكر الْخَبَر مَعَه مكررا بِأَن قَالَ وَالله لَا أفعل كَذَا لَا أفعل أَو وَالله لَا أكلم فلَانا وَالله لَا ُأكَلِّمهُ فَإِنَّهُ يكون يمينين لِأَنَّهُ وجد تكْرَار صِيغَة الْيَمين إِلَّا إِذا أَرَادَ بالْكلَام الثَّانِي الْخَبَر عَن الأول فَإِنَّهُ يكون يَمِينا وَاحِدَة
وَكَذَا فِي الْيَمين بِالطَّلَاق وَالْعتاق على هَذَا
وَأما الْيَمين بِاللَّه تَعَالَى من حَيْثُ الْكِنَايَة نَحْو قَول الرجل هُوَ يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو مَجُوسِيّ أَو بَرِيء من الْإِسْلَام أَو كَافِر بِاللَّه وَنَحْو ذَلِك إِن فعل كَذَا يكون يَمِينا وَإِن فعل يلْزمه الْكَفَّارَة اسْتِحْسَانًا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يكون يَمِينا قِيَاسا
وَجه قَوْلنَا أَن النَّاس تعارفوا الْحلف بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ من لدن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى يَوْمنَا هَذَا من غير نَكِير
مَعَ أَن الْيَمين بِغَيْر الله مَعْصِيّة دلّ أَنَّهَا كِنَايَة عَن الْيَمين بِاللَّه فِي الْعرف وَإِن لم يعقل معنى كَقَوْلِهِم لله عَليّ أَن أضْرب ثوبي حطيم الْكَعْبَة كِنَايَة عَن النّذر بِالصَّدَقَةِ فِي عرفهم وَإِن لم يعقل وَجه الْكِنَايَة كَذَا هَذَا
وَأما إِذا قَالَ هُوَ يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ إِن كنت فعلت كَذَا فِي الْمَاضِي كَاذِبًا قصدا لَا يلْزمه الْكَفَّارَة عندنَا
وَلَكِن هَل يكفر اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ
وَالصَّحِيح أَنه لَا يكفر كَذَا روى الْحَاكِم الشَّهِيد عَن أبي يُوسُف لِأَن قَصده ترويج كَلَامه دون الْكفْر

(2/300)


وَكَذَا إِذا قَالَ يعلم الله أَنه فعل كَذَا وَهُوَ يعلم أَنه لم يفعل لَا رِوَايَة لَهُ وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ وَالصَّحِيح أَنه لَا يكفر
وَقيل هَذَا إِذا كَانَ عِنْده أَنه لَا يكفر فَأَما إِذا كَانَ عِنْده أَنه يكفر إِذا حلف بِهِ فِي الْمَاضِي أَو فِي الْمُسْتَقْبل وَحنث فِي يَمِينه إِنَّه يكفر لِأَنَّهُ بالإقدام عَلَيْهِ صَار مُخْتَار للكفر وَاخْتِيَار الْكفْر كفر
وَأما الْيَمين بِغَيْر الله تَعَالَى صُورَة وَمعنى بِأَن حلف بِالْإِسْلَامِ أَو بِأَنْبِيَاء الله تَعَالَى أَو بملائكته أَو بِالْكَعْبَةِ أَو بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وَالْحج أَو قَالَ عَلَيْهِ سخط الله وعذابه لَا يكون يَمِينا وَلَا يجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة
وَأما الْيَمين بِغَيْر الله تَعَالَى صُورَة وَهِي يَمِين بِاللَّه تَعَالَى معنى فَهُوَ الْحلف بِذكر الشَّرْط وَالْجَزَاء لِأَنَّهُ مَانع عَن تَحْصِيل الشَّرْط وحامل على الْبر بِمَنْزِلَة ذكر اسْم الله تَعَالَى وَذَلِكَ نَحْو قَوْلهم إِذا دخلت هَذِه الدَّار فَأَنت طَالِق أَو إِن دخلت أَو مَتى دخلت أَو إِذا مَا دخلت أَو مَتى مَا دخلت إِذا وجد الدُّخُول طلقت لِأَن هَذِه حُرُوف الشَّرْط وَقد وجد الشَّرْط فَيحنث فِي يَمِينه
وَلَو دخلت ثَانِيًا لَا تطلق لِأَن هَذِه الْحُرُوف لَا تَقْتَضِي التّكْرَار
وَلَو قَالَ كلما دخلت هَذِه الدَّار فَأَنت طَالِق فَدخلت الدَّار تطلق
وَلَو دخلت ثَانِيًا وثالثا تطلق عِنْد كل دخلة طَلْقَة وَاحِدَة لِأَن كلمة كلما توجب تكْرَار الْأَفْعَال
وَإِذا طلقت ثَلَاثًا فَتزوّجت بِزَوْج آخر وعادت إِلَيْهِ ثمَّ دخلت الدَّار فِي الْمرة الرَّابِعَة لَا تطلق لِأَن مَحل الْجَزَاء قد فَاتَ
وَلَو قَالَ كل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا فَهِيَ طَالِق فَتزَوج امْرَأَة تطلق لوُجُود الشَّرْط وَلَو تزَوجهَا ثَانِيًا لَا تطلق

(2/301)


وَلَو تزوج امْرَأَة أُخْرَى تطلق لِأَن كلمة كل توجب عُمُوم الْأَسْمَاء وَلَا توجب عُمُوم الْأَفْعَال وتكرارها
وَلَو جمع بَين الشَّرْطَيْنِ لَا يَقع الطَّلَاق إِلَّا بوجودهما فَإِن جمع بِحرف الْعَطف بِأَن قَالَ إِن دخلت هَذِه الدَّار وَهَذِه الدَّار فَلَا يَقع إِلَّا بِدُخُول الدَّاريْنِ سَوَاء قدم الشَّرْط أَو أخر أَو كَانَ متوسطا
وَيَسْتَوِي الْجَواب بَين أَن يدْخل الدَّار الْمَذْكُورَة أَولا أَو الثَّانِيَة لِأَن حرف الْوَاو لمُطلق الْجمع ولعطف الشَّيْء على جنسه فَيكون الشَّرْط مَعْطُوفًا على الشَّرْط لَا على الْجَزَاء
وَإِن عطف بِحرف الْفَاء فَقَالَ إِن دخلت هَذِه الدَّار فَهَذِهِ الدَّار فَأَنت طَالِق فَمَا لم تدخل الدَّاريْنِ على التَّرْتِيب بِأَن تدخل الأولى ثمَّ الثَّانِيَة لَا حنث لِأَن حرف الْفَاء للْجمع على سَبِيل التَّرْتِيب والتعقيب بِلَا فصل
وَيَسْتَوِي الْجَواب بَين تقدم الشَّرْط وَتقدم الْجَزَاء وتوسطه
وَلَو عطف بِحرف ثمَّ فَقَالَ إِن دخلت هَذِه الدَّار ثمَّ هَذِه الدَّار فَمَا لم يدْخل الدَّاريْنِ الأولى ثمَّ الْأُخْرَى بعد سَاعَة أَو أَكثر من ذَلِك لَا يَحْنَث لِأَن حرف ثمَّ للتَّرْتِيب على طَرِيق التَّأْخِير
وَكَذَلِكَ إِذا أعَاد حرف الْعَطف مَعَ الْفِعْل فِي هَذِه الْفُصُول بِأَن قَالَ إِن دخلت هَذِه الدَّار وَدخلت هَذِه الدَّار فَالْجَوَاب لَا يخْتَلف
وَكَذَلِكَ فِي حرف الْفَاء وحرف ثمَّ
وَلَو قَالَ وَالله لَا أكلم فلَانا ثمَّ قَالَ فِي ذَلِك الْمجْلس أَو فِي مجْلِس آخر وَالله لَا أكلم فلَانا أَو قَالَ لامْرَأَته إِن دخلت هَذِه الدَّار فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك إِن دخلت هَذِه الدَّار فَأَنت طَالِق أَو قَالَ وَالله لَا أَدخل هَذِه الدَّار ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك عَليّ حجَّة إِن دخلت هَذِه الدَّار وعبدي حر إِن دخلت هَذِه الدَّار فَهَذَا على ثَلَاثَة أوجه إِمَّا أَن

(2/302)


لَا يكون لَهُ نِيَّة أَو نوى بِالثَّانِيَةِ التَّغْلِيظ وَالتَّشْدِيد أَو نوى بِالثَّانِيَةِ الأولى فَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فهما يمينان حَتَّى لَو دخل الدَّار مرّة يلْزمه كفارتان فِي الْيَمين بِاللَّه تَعَالَى وَفِي الْيَمين بِالطَّلَاق يَقع طَلْقَتَانِ وَيكون الدُّخُول شرطا فِي اليمينين
وَإِن نوى بِهِ التَّغْلِيظ فَكَذَلِك لِأَن التَّغْلِيظ فِي أَن يكون يمينين حَتَّى يلْزمه كفارتان وَيَقَع طلاقان
وَإِن نوى بِالثَّانِيَةِ الأولى كَانَت يَمِينا وَاحِدَة لِأَنَّهُ نوى التّكْرَار وَهُوَ مُسْتَعْمل فِي الْعرف للتَّأْكِيد إِلَّا أَن فِي مَسْأَلَة الطَّلَاق لَا يصدق فِي الْقَضَاء

(2/303)


بَاب الْخُرُوج وَالدُّخُول
رجل قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق إِن خرجت من هَذِه الدَّار إِلَّا بإذني أَو برضاي أَو بعلمي أَو بأَمْري أَو بِغَيْر إذني أَو بِغَيْر رضاي فَهَذَا كُله سَوَاء إِذا خرجت بِغَيْر إِذْنه أَو بِغَيْر رِضَاهُ أَو علمه أَو أمره حنث
وَهنا ثَلَاث فُصُول أَحدهَا هَذَا
وَالثَّانِي أَن يَقُول إِلَّا أَن آذن لَك أَو حَتَّى أرْضى
وَالثَّالِث أَن يَقُول إِلَّا أَن آذن لَك أَو إِلَّا أَن أرْضى
أما فِي الأول فَيشْتَرط الْإِذْن فِي كل مرّة لِأَنَّهُ حرم عَلَيْهَا الْخُرُوج عَاما وَاسْتثنى خُرُوجًا مَوْصُوفا بِصفة وَهُوَ أَن يكون مَأْذُونا فِيهِ من جِهَته
فَإِذا وجد خُرُوج بِإِذن فَهُوَ خُرُوج مُسْتَثْنى عَن يَمِينه فَلَا يكون دَاخِلا تَحت الْيَمين فَلَا يَحْنَث
وَإِذا خرجت بعد ذَلِك بِغَيْر إِذن يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بِخُرُوج مُسْتَثْنى وَالْيَمِين بَاقِيَة فَيحنث نَظِيره إِذا قَالَ لامْرَأَته إِن خرجت إِلَّا بملحفة أَو إِلَّا راكبة فَأَنت طَالِق فَإِن وجد الْخُرُوج الْمُسْتَثْنى لَا يَحْنَث وَإِن وجد لَا على ذَلِك الْوَصْف يَحْنَث لِأَن الْمُسْتَثْنى غير دَاخل فِي الْيَمين وَغير الْمُسْتَثْنى دَاخل فَيحنث لوُجُود الشَّرْط

(2/305)


وَأما الثَّانِي بِكَلِمَة وَحَتَّى فيكتفي فِيهِ بِالْإِذْنِ مرّة وَتسقط الْيَمين
وَإِذا خرجت بِغَيْر إِذن يَحْنَث لِأَنَّهُ جعل الْإِذْن غَايَة ليمينه لِأَن كلمة حَتَّى كلمة غَايَة فَلَا تبقى الْيَمين بعد وجود الْغَايَة فَوجدَ الْخُرُوج الَّذِي هُوَ شَرط الْحِنْث وَلَا يَمِين فَلَا يَحْنَث
وَقبل الْإِذْن الْيَمين بَاقِيَة فَيحنث بِالْخرُوجِ
وَأما الثَّالِث إِلَّا أَن آذن لَك فَعِنْدَ عَامَّة الْعلمَاء هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْله حَتَّى
وَقَالَ الْفراء من أهل النَّحْو هَذَا وَقَوله إِلَّا بإذني سَوَاء
وتجيء هَذِه الْفُصُول بِالْفَارِسِيَّةِ ترا طَلَاق اكربيرون آي ازين سرائي مكربد ستوري من
يَا كويد بيرون آي ازين سرائي بِي دستوري من
أَو يَقُول ترا طَلَاق اكربيرون آي ازين سرائي تا من دستوري دهم ترا
أَو يَقُول تراسه طَلَاق أكر ازين سرائي بيرون آئي مكر من دستوري دهم ترا

(2/306)


وَلَو أَرَادَ بقوله إِلَّا بإذني حَتَّى آذن لَك يَصح نِيَّته حَتَّى لَو أذن لَهَا مرّة سَقَطت يَمِينه لِأَن بَين الْغَايَة وَالِاسْتِثْنَاء مشابهة وَلَكِن قيل يدين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى دون الْقَضَاء لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر
وَلَو أَرَادَ بقوله حَتَّى آذن لَك إِلَّا بإذني صحت نِيَّته وَيصدق فِي الْقَضَاء لِأَنَّهُ نوى مَا يحْتَملهُ كَلَامه وَفِيه تَشْدِيد على نَفسه
وَلَو أذن لَهَا مرّة فِي قَوْله إِلَّا بإذني ثمَّ نهاها عَن الْخُرُوج قبل أَن تخرج من الدَّار بِإِذْنِهِ يَصح نَهْيه حَتَّى لَو خرجت بعد ذَلِك بِغَيْر إِذْنه يَحْنَث فِي يَمِينه لِأَنَّهُ صَحَّ رُجُوعه عَن الْإِذْن وَالْيَمِين بَاقِيَة فَجعل كَأَنَّهُ لم يَأْذَن
وَفِي مَسْأَلَة حَتَّى إِذا أذن ثمَّ نهاها قبل الْخُرُوج فَخرجت بِغَيْر إِذْنه ثَانِيًا لَا يَحْنَث لِأَن الْيَمين سَقَطت بِالْإِذْنِ فَلَا يعْتَبر النَّهْي بعد ذَلِك
ثمَّ الْحِيلَة فِي قَوْله إِن خرجت من هَذِه الدَّار إِلَّا بإذني حَتَّى لَا يَقع الطَّلَاق مَتى لم يَأْذَن لَهَا عِنْد كل خُرُوج أَن يَقُول لَهَا كلما شِئْت الْخُرُوج فقد أَذِنت لَك حَتَّى يثبت الْإِذْن فِي كل خرجَة وجدت لِأَن كلمة كلما توجب التَّعْمِيم والتكرار
وروى الْمُعَلَّى عَن مُحَمَّد رَحمَه الله أَنه قَالَ فِي قَوْله إِلَّا بإذني إِذا قَالَ الزَّوْج قد أَذِنت لَك عشرَة أَيَّام فَخرجت مرَارًا فِي الْعشْرَة فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ قد أَذِنت لَك أبدا أَو الدَّهْر كُله فَهَذَا إِذن مِنْهُ فِي كل مرّة
وَلَو أَنه إِذا أذن لَهَا إِذْنا عَاما ثمَّ نهاها عَن الْخُرُوج بعد ذَلِك نهيا عَاما عَن الخرجات كلهَا هَل يعْمل نَهْيه رُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه يعْمل

(2/307)


لِأَن النَّهْي فِي الْإِذْن الْخَاص يعْمل فَكَذَلِك فِي الْإِذْن الْعَام
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ لَا يعْمل نَهْيه لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ الْعَام صَارَت الخرجات كلهَا مَأْذُونا فِيهَا وَالشّرط هُوَ الْخُرُوج الْحَرَام فَصَارَ الشَّرْط بِحَال لَا يتَصَوَّر وجوده فَلَا تبقى الْيَمين فَلَا يَصح النَّهْي بعد ذَلِك بِخِلَاف الْإِذْن الْخَاص
وَلَو قَالَ إِن خرجت إِلَّا بِإِذن فلَان فَمَاتَ فلَان قبل الْإِذْن تبطل الْيَمين عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله
وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله الْيَمين بَاقِيَة حَتَّى لَو خرجت بعد ذَلِك يَحْنَث كَمَا ذكرنَا فِي مَسْأَلَة الْكوز
وَلَو أذن لَهَا بِالْخرُوجِ من حَيْثُ لَا يسمع فِي الْمَسْأَلَة الأولى فَخرجت بعد الْإِذْن فَإِنَّهُ يَحْنَث عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله وَعند أبي يُوسُف رَحمَه الله لَا يَحْنَث
ف أَبُو يُوسُف يَقُول إِن هَذَا إِذن من وَجه دون وَجه فَإِنَّهُ لَا يحصل مَا هُوَ الْمَقْصُود بِالْإِذْنِ وَهُوَ الْعلم المسموع وَشرط الْحِنْث هُوَ الْخُرُوج من غير إِذن مُطلقًا فَلَا يَحْنَث بِالشَّكِّ
وهما يَقُولَانِ إِنَّه حرم عَلَيْهَا الْخُرُوج عَاما وَاسْتثنى خُرُوجًا مَأْذُونا فِيهِ مُطلقًا وَهَذَا مَأْذُون من وَجه فَلم يكن هَذَا خُرُوجًا مُسْتَثْنى فَبَقيَ دَاخِلا تَحت الْحُرْمَة
وَلَو حلف رجل على زَوجته أَو على عَبده أَو سُلْطَان حلف رجلا أَن لَا يخرج من الدَّار أَو الكورة إِلَّا بِإِذْنِهِ فَبَانَت الْمَرْأَة أَو زَالَ العَبْد عَن ملكه أَو عزل السُّلْطَان عَن عمله ثمَّ خَرجُوا بِغَيْر الْإِذْن لم يَحْنَث وَسَقَطت الْيَمين وتتوقت الْيَمين بِبَقَاء الْولَايَة بِدلَالَة الْحَال فَإِذا زَالَت الْولَايَة انْتَهَت الْيَمين

(2/308)


وعَلى هَذَا الْغَرِيم إِذا حلف الْمَطْلُوب أَن لَا يخرج من بَلَده إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِن خرج وَعَلِيهِ دين يَحْنَث
وَإِن خرج بعد الْقَضَاء وَالْإِبْرَاء لَا يَحْنَث وتقيدت الْيَمين بِبَقَاء الدّين وَهَذَا من جملَة يَمِين الْفَوْر على مَا مر
وَلَو قَالَ لامْرَأَته إِن خرجت من الْبَيْت فَأَنت طَالِق فَخرجت من الْبَيْت إِلَى صحن الدَّار يَحْنَث لِأَن الْبَيْت غير الدَّار لِأَن الْبَيْت اسْم لمسقف وَاحِد وَالدَّار اسْم لمحدود يجمع الْبيُوت والمنازل
وعَلى هَذَا إِذا قَالَ إِن دخل فلَان بَيْتك فَدخل صحن دارها دون بَيتهَا لم يَحْنَث وَلَكِن هَذَا فِي عرفهم فَأَما فِي عرفنَا فَإِن اسْم الْبَيْت بِالْفَارِسِيَّةِ مُطلقًا يُطلق على الدَّار والمنزل فَيحنث
وَإِن قَالَ إِن خرجت من هَذِه الدَّار فَخرجت من هَذِه الدَّار من أَي بَاب كَانَ وَمن أَي مَوضِع كَانَ من فَوق حَائِط أَو سطح أَو نقب حنث لِأَن المُرَاد الْخُرُوج من الدَّار وَقد وجد وَهُوَ الِانْفِصَال من الْبَاطِن إِلَى الظَّاهِر
وَلَو قَالَ إِن خرجت من بَاب هَذِه الدَّار فَأَنت طَالِق فَخرجت من أَي بَاب كَانَ حنث فِي يَمِينه سَوَاء كَانَ من الْبَاب الْقَدِيم أَو الَّذِي يحدث بعد الْيَمين لِأَنَّهُ ذكر الْبَاب مُطلقًا
وَلَو خرجت من السَّطْح أَو من فَوق حَائِط أَو نقب لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَاب
وَلَو عين الْبَاب فَقَالَ إِن خرجت من هَذَا الْبَاب لَا يَحْنَث مَا لم تخرج من ذَلِك الْبَاب الْمعِين وَإِن خرجت من بَاب آخر لَا يَحْنَث لِأَن فِي التَّعْيِين فَائِدَة فِي الْجُمْلَة لِأَنَّهُ رُبمَا يكون لذَلِك الْبَاب الْمعِين منفذ إِلَى الطَّرِيق الْأَعْظَم دون الثَّانِي
وَلَو قَالَ إِن خرجت من هَذِه الدَّار إِلَّا فِي أَمر كَذَا فَخرجت فِي

(2/309)


ذَلِك الْأَمر مرّة ثمَّ خرجت لأمر آخر يَحْنَث لِأَنَّهُ حرم عَلَيْهَا جَمِيع الخرجات إِلَّا خُرُوجًا مَوْصُوفا بِصفة فَإِذا وجد مِنْهَا الْخُرُوج الْمُسْتَثْنى لَا يَحْنَث وَإِن وجد خُرُوج آخر يَحْنَث وَإِن عَنى بِهِ الْخُرُوج مرّة يَصح وَيصير إِلَّا عبارَة عَن حَتَّى مجَازًا كَأَنَّهُ قَالَ إِن خرجت من هَذِه الدَّار حَتَّى تخرج فِي أَمر كَذَا فَإِذا خرجت فِي ذَلِك الْأَمر يسْقط الْيَمين لوُجُود الْغَايَة لَكِن لَا يدين فِي الْقَضَاء لِأَنَّهُ خلاف الْحَقِيقَة
وَلَو قَالَ إِن خرجت من الدَّار مَعَ فلَان فَأَنت طَالِق فَخرجت وَحدهَا أَو مَعَ غير فلَان ثمَّ خرج فلَان ولحقها لم يَحْنَث لِأَن حرف مَعَ للصحبة وَالْقرَان وَلم يُوجد عِنْد الْخُرُوج والدوام على الْخُرُوج لَيْسَ بِخُرُوج وَإِن وجد بَقَاء الْخُرُوج مَعَ فلَان
وَلَو قَالَ إِن خرجت من هَذِه الدَّار فَأَنت طَالِق فَدخلت فِي صحن الدَّار أَو فِي بَيت علو أَو كنيف شَارِع إِلَى الطَّرِيق الْأَعْظَم فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث لِأَن هَذَا لَا يُسمى خُرُوجًا من الدَّار
وَلَو قَالَ لَهَا وَهِي خَارِجَة من الدَّار إِن خرجت من الدَّار لَا يَحْنَث
وَكَذَلِكَ إِذا كَانَت فِي الدَّار فَقَالَ إِن دخلت هَذِه الدَّار لَا يَحْنَث وَيَقَع على خُرُوج وَدخُول مُسْتَأْنف
وبمثله لَو قَالَ إِن قُمْت أَو قعدت أَو لبست أَو ركبت وَهِي قَاعِدَة أَو قَائِمَة أَو راكبة أَو لابسة فدامت على ذَلِك سَاعَة يَحْنَث
وَهَذَا كُله مَذْهَبنَا وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الدُّخُول وَالْخُرُوج إِنَّه يَقع على الدَّوَام
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن الْخُرُوج هُوَ الِانْتِقَال من الْبَاطِن إِلَى الظَّاهِر وَالدُّخُول على عَكسه وَهَذَا مِمَّا لَا دوَام لَهُ وَأما الرّكُوب ونظائره فَفعل

(2/310)


لَهُ دوَام فَيكون لَهُ حكم الِابْتِدَاء
وَكَذَا إِذا قَالَ لَهَا وَهِي فِي الْأكل وَالضَّرْب إِذا أكلت أَو ضربت فَأَنت طَالِق فدامت على ذَلِك يَقع لِأَن كل جُزْء من هَذَا الْفِعْل يُسمى أكلا وَضَربا
وَلَو قَالَ لامْرَأَته وَهِي حَائِض أَو مَرِيضَة إِن حِضْت أَو مَرضت فَأَنت طَالِق فَإِنَّهُ يَقع على الْحَادِث فِي الْعرف
وَلَو نوى مَا يحدث من الْحيض فِي هَذِه الْمدَّة أَو يزْدَاد من الْمَرَض يَصح لِأَن الْحيض ذُو أَجزَاء يحدث حَالا فحالا فَتَصِح نِيَّته
وَلَو قَالَ إِن حِضْت غَدا وَهُوَ لَا يعلم أَنَّهَا حَائِض فَإِنَّهُ يَقع على الْحيض الْحَادِث
وَإِن كَانَ يعلم فَإِنَّهُ يَقع على هَذِه الْحَيْضَة إِذا دَامَ الْحيض مِنْهَا إِلَى أَن يطلع الْفجْر وَاسْتمرّ ثَلَاثَة أَيَّام لِأَنَّهُ لما علم أَنَّهَا حَائِض وَقد حلف فقد أَرَادَ اسْتِمْرَار الْحيض وَمَا لم يكن ثَلَاثَة أَيَّام لَا يكون حيضا
وَلَو حلف أَن لَا يدْخل دَارا أَو بَيْتا أَو مَسْجِدا أَو حَماما فالدخول هُوَ الِانْفِصَال من خَارج ذَلِك الشَّيْء إِلَى دَاخله فعلى أَي وَجه دخل من الْبَاب أَو غَيره حنث لوُجُود الدُّخُول فَإِن نزل إِلَى سطحها حنث لِأَنَّهُ مِنْهَا
وَكَذَا إِذا قَامَ على حائطها لِأَن الدَّار اسْم لما تَدور عَلَيْهِ الدائرة وَفِي عرفنَا لَا يَحْنَث
وَلَو قَامَ على ظلة لَهَا شارعة أَو كنيف شَارِع إِن كَانَ مفتحه فِي الدَّار حنث
لِأَنَّهُ ينْسب إِلَيْهَا
وَإِن قَامَ على أُسْكُفَّة الْبَاب إِن كَانَ الْبَاب إِذا غلق كَانَت الأسكفة خَارِجَة مِنْهُ لم يَحْنَث وَإِن بقيت من

(2/311)


دَاخل الدَّار حنث
وَلَو دخل دهليز الدَّار حنث لِأَنَّهُ من دَاخل الدَّار
وَلَو دخل ظلة بَاب الدَّار لَا يَحْنَث لِأَنَّهَا اسْم للْخَارِج
وَإِن أَدخل الْحَالِف إِحْدَى رجلَيْهِ فِي الدَّار لَا غير لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يُوجد الدُّخُول مُطلقًا
وَكَذَا إِذا أَدخل رَأسه دون قَدَمَيْهِ
وَلَو حلف لَا يدْخل دَارا فَدخل دَارا بعد انهدامها وَلَا بِنَاء لَهَا لَا يَحْنَث
وَلَو قَالَ وَالله لَا أَدخل هَذِه الدَّار ثمَّ دَخلهَا بعد ذهَاب الْبناء يَحْنَث لِأَن الْبناء وصف مَرْغُوب مُعْتَاد للدَّار فَمَتَى ذكر مُنْكرا يَقع على الدَّار الْمُتَعَارف وَفِي الْمعِين لَا يعْتَبر الصّفة وَيعْتَبر الْمعِين وَاسم الدَّار يَقع عَلَيْهِ بعد الانهدام
وَلَو قَالَ لَا أَدخل هَذَا الْمَسْجِد فَدخل بعد ذهَاب الْبناء يَحْنَث لِأَنَّهُ مَسْجِد وَإِن لم يكن مَبْنِيا وَقَالُوا إِذا صعد سطح الْمَسْجِد يَحْنَث لِأَنَّهُ مَسْجِد
وَلَو حلف لَا يدْخل بَيْتا أَو هَذَا الْبَيْت فدخله بعد ذهَاب بنائِهِ لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ اسْم للمبنى المسقف
وَإِن حلف أَن لَا يدْخل بَيْتا فَدخل مَسْجِدا أَو الْكَعْبَة أَو بيعَة أَو كَنِيسَة أَو بَيت نَار أَو حَماما أَو دهليزا أَو ظلة بَاب دَار لَا يَحْنَث لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء لَا تسمى بَيْتا فِي الْعرف
وَإِن دخل صفة يَحْنَث وَهَذَا فِي عرف أهل الْكُوفَة لِأَن الصّفة عِنْدهم بَيت لَهُ أَربع حَوَائِط أما الَّتِي هِيَ صفة فِي عرفن فَلَا يَحْنَث
وَلَو حلف لَا يدْخل من بَاب هَذِه الدَّار لَا يَحْنَث مَا لم يدْخل من الْبَاب الْقَدِيم
وَلَو حلف لَا يدْخل من بَاب الدَّار فَمن أَي بَاب دخل حنث

(2/312)


إِلَّا إِذا أَرَادَ بِهِ الْبَاب الْمَعْرُوف فيدين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى دون الْقَضَاء
وَلَو حلف لَا يدْخل دَار فلَان فَدخل دَارا بَين رجل وَبَين فلَان فَإِن كَانَ فلَان سَاكِنا فِيهَا حنث لِأَنَّهُ لَو كَانَ سَاكِنا فِيهَا بِالْإِجَارَة يَحْنَث وَهَهُنَا أولى
وَإِن لم يكن سَاكِنا لَا يَحْنَث لِأَن الدَّار مُضَافَة إِلَيْهِمَا لِأَن بعض الدَّار لَا يُسمى دَارا
وَلَو حلف لَا يزرع أَرض فلَان فزرع أَرضًا بَين فلَان وَبَين آخر حنث لِأَن كل جُزْء من الأَرْض يُسمى أَرضًا
وَلَو حلف لَا يدْخل بَيت فلَان وَلَا نِيَّة لَهُ فَدخل صحن دَاره وَفُلَان سَاكن فِيهَا لَا يَحْنَث حَتَّى يدْخل الْبَيْت
وَإِن نوى بقوله لَا يدْخل بَيت فلَان مَسْكَنه يَحْنَث وَهَذَا على عرفهم
وَلَو حلف لَا يدْخل هَذِه الدَّار إِلَّا مجتازا أَو عَابِر سَبِيل فَإِن دخل وَهُوَ لَا يُرِيد الْجُلُوس لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ اسْتثْنى الدُّخُول بِصفة الاجتياز
وَإِن دخل يعود مَرِيضا وَمن رَأْيه الْجُلُوس عِنْده يَحْنَث لِأَن هَذَا غير مُسْتَثْنى وَإِن دخل لَا يُرِيد الْجُلُوس ثمَّ بدا لَهُ بَعْدَمَا دخل فَجَلَسَ لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يَحْنَث بِدُخُولِهِ والبقاء على الدُّخُول لَيْسَ بِدُخُول
وَإِن نوى بقوله لَا يدخلهَا إِلَّا مجتازا النُّزُول فِيهَا والدوام لَا يَحْنَث بِالْجُلُوسِ لِأَنَّهُ يُقَال دخلت عَابِر سَبِيل بِمَعْنى أَنه لم يدم على الدُّخُول وَلم يسْتَقرّ
وَلَو حلف لَا يسكن هَذِه الدَّار وَهُوَ خَارج مِنْهَا فالسكنى أَن يسكنهَا بِنَفسِهِ وينقل إِلَيْهَا من مَتَاعه مَا يتأثث بِهِ ويستعمله فِي منزله فَإِن كَانَ لَهُ أهل يَنْقُلهُ أَيْضا فَإِذا فعل ذَلِك فَهُوَ سَاكن وَهُوَ حانث فِي يَمِينه لِأَن السُّكْنَى هُوَ الْكَوْن فِي الْمَكَان على طَرِيق الِاسْتِقْرَار والمداومة وَذَلِكَ يكون بِمَا سكن بِهِ عَادَة أَلا ترى أَن من جلس فِي الْمَسْجِد وَبَات فِيهِ لم

(2/313)


يكن سَاكِنا لِلْمَسْجِدِ وَلَو أَقَامَ بِمَا يتأثث بِهِ يُوصف بِكَوْنِهِ سَاكن الْمَسْجِد فَكَانَ مُعْتَبرا فِي الْيَمين
وَلَو كَانَ الرجل سَاكِنا فِي دَار وَحلف لَا يسكنهَا فَإِنَّهُ لَا يبر فِي يَمِينه مَا لم ينْتَقل بِنَفسِهِ وَأَهله وَولده ومتاعه وَمن يَأْوِيهَا لخدمته وللقيام بأَمْره فِي منزله لِأَن السُّكْنَى فِي الدَّار بِهَذِهِ الْأَشْيَاء فَكَانَ ترك السُّكْنَى فِيهَا بضدها فَإِذا لم يَأْخُذ فِي النقلَة من سَاعَته مَعَ الْإِمْكَان يَحْنَث فِي يَمِينه وَلَو أَخذ فِي النقلَة من سَاعَته لَا يَحْنَث وَإِن كَانَ فِيهِ من السُّكْنَى قَلِيل لِأَنَّهُ لَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ فَكَانَ مُسْتَثْنى دلَالَة وَهَذَا عندنَا خلافًا ل زفر
وَلَو انْتقل بِنَفسِهِ وَلم ينْتَقل بمتاعه وَأَهله قَالَ أَصْحَابنَا يَحْنَث
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَحْنَث
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما قُلْنَا إِن السُّكْنَى فِي الْمَكَان بِمَا يسكن بِهِ عَادَة وبأهله إِن كَانَ لَهُ أهل فَكَانَ ترك السُّكْنَى بترك الْكل بِخِلَاف مَا إِذا حلف لَا يسكن فِي بلد كَذَا فَخرج مِنْهُ وَترك أَهله فِيهِ لم يَحْنَث لِأَن فِي الْعَادة لَا يُقَال لمن بِالْبَصْرَةِ وَأَهله بِالْكُوفَةِ إِنَّه سَاكن بِالْكُوفَةِ فَأَما إِذا انْتقل بِنَفسِهِ وَأَهله ومتاعه وَترك من أثاثه شَيْئا قَلِيلا فَإِن أَبَا حنيفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ يَحْنَث وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا كَانَ الْمَتَاع الْمَتْرُوك لَا يشغل بَيْتا أَو بعض الدَّار على مَا يتعارف النَّاس لَا يَحْنَث
وَكَانَ أَصْحَابنَا رَحِمهم الله يَقُولُونَ معنى قَول أبي حنيفَة إِذا ترك شَيْئا يَسِيرا عَنى بِهِ مَا يسكن بِهِ ويعتد بِهِ فِي التأثث فَأَما لَو خلف فِيهَا وتدا أَو مكنسة لم يَحْنَث
فَإِن منع من التَّحَوُّل وَمنعُوا مَتَاعه وأوتقوه وقهروه فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث وَإِن أَقَامَ على ذَلِك أَيَّامًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بساكن إِنَّمَا هُوَ مسكن عَن إِكْرَاه
وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله إِذا خرج من سَاعَته وَخلف مَتَاعه كُله فِي

(2/314)


الْمسكن وَمكث فِي طلب الْمنزل أَيَّامًا ثَلَاثَة
فَلم يجد مَا يسْتَأْجر وَكَانَ يُمكنهُ أَن يخرج من الْمنزل وَيَضَع مَتَاعه خَارِجا من الدَّار لَا يَحْنَث لِأَن هَذَا من عمل النقلَة عَادَة لِأَن الْمُعْتَاد أَن ينْتَقل من منزل إِلَى قَصده منزل لَا أَن يلقى مَتَاعه على الطَّرِيق
وَقَالَ مُحَمَّد لَو كَانَ السَّاكِن مُوسِرًا وَله مَتَاع كثير وَهُوَ يقدر على أَن يسْتَأْجر من ينْقل مَتَاعه فِي يَوْم فَلم يفعل وَجعل ينْقل بِنَفسِهِ الأول فَالْأول وَمكث فِي ذَلِك سنة وَهُوَ لَا يتْرك الِاشْتِغَال بِالنَّقْلِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لَا يلْزمه الِانْتِقَال بأسرع الْوُجُوه
وَلَو قَالَ عنيت بِهِ أَن لَا أسكن بنفسي فَفِي الْمَسْأَلَة الأولى فِيمَا لم يكن سَاكِنا فِيهَا يصدق فِي الْقَضَاء لِأَنَّهُ شدد على نَفسه
وَفِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِيمَا إِذا كَانَ سَاكِنا فِيهَا يصدق فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى دون الْقَضَاء لِأَنَّهُ نوى خلاف الظَّاهِر وَالْعَادَة
وَلَو حلف لَا يدْخل عَليّ فلَان وَلم يسم شَيْئا فَإِنَّهُ يَحْنَث إِذا كَانَ يَقْصِدهُ بِالدُّخُولِ
وَإِن لم يَقْصِدهُ بِالدُّخُولِ لَا يَحْنَث وَلِهَذَا قُلْنَا إِذا دخل عَلَيْهِ فِي بَيت رجل آخر وَلم يَقْصِدهُ بِالدُّخُولِ لَا يَحْنَث لِأَن بِهَذَا الاستخفاف بِهِ وَترك إكرامه وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا مَعَ الْقَصْد
وَذكر ابْن سَمَّاعَة فِي نوادره ضد هَذَا فَقَالَ فِي رجل قَالَ وَالله لَا أَدخل على فلَان بَيْتا فَدخل بَيْتا وعَلى قوم وَفِيهِمْ فلَان وَلَا يعلم بِهِ الْحَالِف فَإِنَّهُ حانث بِدُخُولِهِ لِأَن الشَّرْط وجد وَالْعلم بِشَرْط الْحِنْث لَيْسَ بِشَرْط فِي الْحِنْث كمن حلف لَا يكلم زيدا فَكَلمهُ وَهُوَ لَا يعرفهُ إِلَّا أَن ظَاهر الْمَذْهَب مَا ذكرنَا
وَلَو دخل عَلَيْهِ فِي مَسْجِد أَو ظلة أَو سَقِيفَة أَو دهليز دَار لم يَحْنَث لِأَن الدُّخُول الْمُعْتَاد على الْإِنْسَان للزيارة فِي الْبيُوت خَاصَّة
وَفِي عرف

(2/315)


بخاري يَحْنَث فِي الْمَسْجِد لأَنهم يَجْلِسُونَ فِيهِ للزيارة
وَلَو دخل عَلَيْهِ فِي خيمة أَو فسطاط أَو بَيت شعر لم يَحْنَث إِلَّا أَن يكون الْمَحْلُوف عَلَيْهِ من أهل الْبَادِيَة لِأَن الدُّخُول على غير البدوي فِي الْبيُوت وَفِي حق البدوي مَا هُوَ بُيُوتهم من الشّعْر
وَلَو دخل فِي دَاره وَالرجل فِي الْبَيْت لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدُخُول عَلَيْهِ
وَلَو كَانَ فِي صحن الدَّار حنث لِأَنَّهُ دُخُول عَلَيْهِ عَادَة
وَلَو دخل الْحَالِف دَارا لَيْسَ فِيهَا فلَان فَدخل فلَان تِلْكَ الدَّار لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ مَا دخل على فلَان بل فلَان دخل عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَث

(2/316)


بَاب الْأكل وَالشرب
أصل الْبَاب أَن الْأكل إِيصَال مَا يَتَأَتَّى فِيهِ المضغ بفمه إِلَى جَوْفه مضغه أَو لم يمضغه
وَالشرب إِيصَال مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ المضغ إِلَى جَوْفه حَال وُصُوله مثل المَاء والنبيذ وَاللَّبن وَالْعَسَل الممزوج
والذوق هُوَ معرفَة طعم الشَّيْء المذوق بفمه بإيصال الشَّيْء إِلَيْهِ سَوَاء ابتلعه أَو مجه من فَمه فَكل أكل فِيهِ ذوق لَكِن الذَّوْق لَيْسَ بِأَكْل
إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول إِذا حلف لَا يَأْكُل أَو لَا يشرب فذاق لم يَحْنَث
وَإِذا حلف لَا يَذُوق طَعَاما أَو شرابًا فَأكل أَو شرب أَو أدخلهُ فِي فَمه وَعرف طعمه ثمَّ مجه حنث لوُجُود الذَّوْق
وَلَو حلف لَا يَذُوق شَيْئا وعنى بِهِ أكله أَو شربه فَإِنَّهُ تصح نِيَّته وَلَا يَحْنَث بالذوق لِأَن اسْم الذَّوْق قد يَقع عَلَيْهِمَا فِي الْعرف يَقُول الرجل مَا ذقت الْيَوْم شَيْئا وَمَا ذقت إِلَّا المَاء يُرِيد بِهِ الْأكل وَالشرب
وَلَو حلف لَا يَذُوق مَاء فَتَمَضْمَض فِي الْوضُوء لَا يَحْنَث فِي يَمِينه لِأَن قَصده التَّطْهِير دون معرفَة الطّعْم
وَلَو حلف لَا يَأْكُل طَعَاما فَإِنَّهُ يَقع على الْخبز وَاللَّحم والفاكهة وَمَا يُؤْكَل على سَبِيل الإدام مَعَ الْخبز لِأَن الطَّعَام اسْم لما

(2/317)


يطعم فِي اللُّغَة وَفِي الْعرف صَار اسْما لما يُؤْكَل بِنَفسِهِ أَو مَعَ غَيره عَادَة
وَكَذَا إِذا حلف لَا يَأْكُل من طَعَام فلَان فَأكل شَيْئا مِمَّا ذكرنَا من طَعَام فلَان يَحْنَث
وَلَو أَخذ نَبِيذ فلَان أَو مَاءَهُ فَأكل بِخبْز نَفسه لَا يَحْنَث لِأَن هَذَا يُسمى آكلا طَعَام نَفسه عَادَة
وَلَو حلف لَا يَأْكُل هَذَا اللَّبن فَأَكله مَعَ الْخبز حنث لِأَن اللَّبن هَكَذَا يُؤْكَل عَادَة
وَلَو شربه لَا يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بِأَكْل
وَلَو حلف لَا يَأْكُل الرُّمَّان أَو الْعِنَب فمصه وَرمى تفله وابتلع مَاءَهُ لَا يَحْنَث
وَلَو ابتلع الْعِنَب أَو الرمانة من غير مضغ يَحْنَث لِأَن الأول شرب وَالثَّانِي أكل
وَلَو حلف لَا يَأْكُل هَذَا اللَّبن فَأكل مِمَّا يتَّخذ مِنْهُ من الْجُبْن والأقط وَنَحْوهمَا لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ قد تغير فَلَا يبْقى لَهُ اسْم الْعين
وَكَذَا إِذا حلف لَا يَأْكُل هَذَا الكفري فَصَارَ بسرا أَو من هَذَا الْبُسْر فَصَارَ رطبا أَو رطبا فَصَارَ تَمرا لِأَنَّهُ تغير الأول
وَلَو حلف لَا يَأْكُل هَذِه الْبَيْضَة فَأكل من فرخ خرج مِنْهَا أَو حلف لَا يشرب من هَذَا الْخمر فَصَارَ خلا فَشرب لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ تغير عَن أَصله
وَلَو حلف لَا يَأْكُل من لحم هَذَا الْجمل أَو هَذَا الجدي فَصَارَ كَبْشًا أَو تَيْسًا فَإِنَّهُ يَحْنَث لِأَن الْعين قَائِمَة لم تَتَغَيَّر وَالْيَمِين وَقعت على الذَّات الْمعينَة

(2/318)


وَكَذَا فِي غير هَذَا إِذا حلف لَا يكلم هَذَا الشَّاب فَكَلمهُ بعد مَا شاخ حنث لِأَن الْعين لم تَتَغَيَّر
وَلَو حلف لَا يكلم شَابًّا فَكلم شَيخا لَا يَحْنَث لِأَن الْيَمين تقع على مَوْصُوف مُنكر فَيكون الصّفة بِمَنْزِلَة الشَّرْط
وَلَو حلف لَا يَذُوق من هَذَا اللَّبن شَيْئا فصب فِيهِ مَاء فذاقه رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه إِن بَقِي لون اللَّبن وطعمه يَحْنَث وَإِن كَانَ اللَّبن أقل
وَلَو ذهب طعمه ولونه لَا يَحْنَث وَإِن كَانَ اللَّبن أَكثر فَاعْتبر فِي الْغَلَبَة ظُهُور اللَّوْن والطعم دون كَثْرَة الْأَجْزَاء
وَذكر مُحَمَّد رَحمَه الله فِي الأَصْل هَذِه الْمَسْأَلَة وَقَالَ إِذا كَانَ اللَّبن مَغْلُوبًا لَا يَحْنَث وَظَاهره يَقْتَضِي غَلَبَة الْأَجْزَاء
فَأَما إِذا اخْتَلَط الْمَحْلُوف عَلَيْهِ بِجِنْسِهِ أَن اخْتَلَط اللَّبن الْمَحْلُوف عَلَيْهِ بِلَبن آخر من جنسه فَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا كَانَ اللَّبن الْمَحْلُوف عَلَيْهِ مَغْلُوبًا لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ فِي معنى الْمُسْتَهْلك
وَقَالَ مُحَمَّد يَحْنَث وَإِن كَانَ مَغْلُوبًا لِأَن الشَّيْء لَا يصير مُسْتَهْلكا بِجِنْسِهِ وَإِنَّمَا يصير مُسْتَهْلكا بِخِلَاف جنسه
وَذكر فِي الأَصْل رجل حلف لَا يَأْكُل سمنا فَأكل سويقا لته بِسمن وَلَا نِيَّة لَهُ إِن كَانَ يستبين السّمن فِي السويق فيوجد طعمه يَحْنَث وَإِلَّا فَلَا لما قُلْنَا
وَمُحَمّد إِنَّمَا لم يَجْعَل خلط الجنسين استهلاكا إِذا كَانَ الْجِنْس وَالنَّوْع وَالصّفة وَاحِدًا وَأما إِذا اخْتلف النَّوْع كلبن الضَّأْن وَلبن الْمعز
أَو اخْتلفت الصّفة كَالْمَاءِ العذب بِالْمَاءِ المالح فَإِنَّهُ يَجعله استهلاكا وَيعْتَبر فِيهِ الْغَلَبَة كَمَا فِي الجنسين
وَإِذا حلف لَا يَأْكُل لَحْمًا فَأَي لحم يَأْكُل حنث سوى لحم السّمك لِأَنَّهُ نَاقص فِي معنى اللحمية وَلَو أكل شَحم الظّهْر يَحْنَث

(2/319)


لِأَنَّهُ لحم سمين
وَلَو أكل شَحم الْبَطن والإلية لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لَا يُسمى لَحْمًا وَلَو نوى يَحْنَث لِأَن فِيهِ معنى اللَّحْم من وَجه وَهُوَ الدسومة
وَفِي لحم السّمك إِذا نوى يَحْنَث لِأَنَّهُ لحم نَاقص
وَلَو أكل مَا فِي الْبُطُون سوى شَحم الْبَطن يَحْنَث وَهَذَا فِي عرفهم لِأَن يُبَاع مَعَ اللَّحْم وَأما فِي الْموضع الَّذِي لَا يُبَاع مَعَ اللَّحْم لَا ينْصَرف يَمِينه إِلَيْهِ فَلَا يَحْنَث
وَلَو أكل لحم خِنْزِير أَو لحم إِنْسَان أَو ميتَة يَحْنَث لِأَنَّهُ لحم حَقِيقَة وَإِن كَانَ حَرَامًا
وَلَو أكل لحم الرَّأْس من الْحَيَوَانَات سوى السّمك يَحْنَث لِأَنَّهُ لحم عُضْو من الْحَيَوَان
وَلَو حلف لَا يَأْكُل شحما فَأكل شَحم الظّهْر لَا يَحْنَث عِنْد أبي حنيفَة خلافًا لَهما لِأَنَّهُ لحم سمين وَلَكِن يَقع الْيَمين على شَحم الْبَطن
وَلَو حلف لَا يَأْكُل رَأْسا أَو لَا يَشْتَرِي إِن نوى الرؤوس كلهَا انْصَرف إِلَيْهَا لِأَنَّهُ نوى حَقِيقَة كَلَامه وشدد على نَفسه
وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة قَالَ أَبُو حنيفَة يَقع على رَأس الْغنم وَالْبَقر وَعند زفر على رَأس الْإِبِل أَيْضا وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله يَقع على رَأس الْغنم خَاصَّة وَقيل هَذَا اخْتِلَاف عصر وزمان وَيعْتَبر الْعرف وَالْعَادَة فِي كل بلد
وَإِذا حلف لَا يَأْكُل بيضًا فَإِن نوى بيض كل شَيْء يَقع عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نوى حَقِيقَة كَلَامه وَفِيه تَشْدِيد
وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة ينْصَرف إِلَى بيض الطير والدجاج والأوز بِدلَالَة الْعرف
وَلَو حلف لَا يَأْكُل فَاكِهَة فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة على ثَلَاثَة أوجه

(2/320)


فِي وَجه يَحْنَث بالِاتِّفَاقِ وَهُوَ أَنه يَقع على ثَمَرَة كل شجر سوى الْعِنَب وَالرّطب وَالرُّمَّان وَيَسْتَوِي فِي ذَلِك الرطب واليابس لِأَنَّهَا اسْم لما يتفكه بِهِ ويؤكل قبل الْمَائِدَة وَبعدهَا
وَفِي وَجه لَا يَحْنَث بالِاتِّفَاقِ وَهُوَ أَن يَأْكُل القثاء وَالْخيَار والخوخ والجزر لِأَنَّهَا تُؤْكَل مَعَ الْبُقُول
وَفِي وَجه اخْتلفُوا فِيهِ وَهُوَ الْعِنَب وَالرّطب وَالرُّمَّان فَإِذا لم يكن لَهُ نِيَّة فَعِنْدَ أبي حنيفَة لَا يَحْنَث وَعِنْدَهُمَا يَحْنَث
وَإِن نوى هَذِه الْأَشْيَاء عِنْد الْحلف يَحْنَث بِالْإِجْمَاع ومشايخنا قَالُوا هَذَا اخْتِلَاف عرف وزمان وَكَانَ فِي زمن أبي حنيفَة لَا يعدونها من جملَة الْفَوَاكِه فَأفْتى على عرف زَمَانه وَتغَير الْعرف فِي زمانهما وَفِي عرفنَا يَنْبَغِي أَن يَحْنَث فِي يَمِينه أَيْضا
وَلَو حلف لَا يَأْكُل فَاكِهَة يابسة فَأكل الْجَوْز واللوز والتين وَنَحْوهَا يَحْنَث
وَفِي عرفنَا فِي الْجَوْز لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لَا يتفكه بالجوز الْيَابِس
وَإِذا حلف لَا يَأْكُل حلواء أَو حلوا أَو حلاوة فَأكل السكر والفانيذ وكل شَيْء فِيهِ حلاوة وَلَيْسَ من جنسه حامض يَحْنَث الْمُتَّخذ وَغير الْمُتَّخذ سَوَاء كالفالوذج والخبيص والناطف
وَلَو أكل شَيْئا حلوا من جنسه حامض مثل الْعِنَب وَالرُّمَّان الحلو والتفاح الحلو لَا يَحْنَث وَهَذَا فِي عرفهم وَفِي عرفنَا إِذا كَانَ الْيَمين على الْحَلَاوَة والحلو فَكَذَلِك فَأَما فِي الْحَلْوَاء فَيَقَع على الْمَصْنُوع من الْحَلَاوَة وَحدهَا أَو مَعَ غَيرهَا كالخبيص والناطف فَلَا يَقع على السكر والفانيذ على الِانْفِرَاد
وَلَو حلف لَا يَأْكُل الْحِنْطَة يَقع على أكل عينهَا مقلية ومطبوخة وَلَا يَقع على الْخبز وَمَا يتَّخذ من الدَّقِيق
وعَلى قَوْلهمَا يَقع على مَا

(2/321)


يتَّخذ مِنْهَا
وَلَو أكل من عينهَا فَفِيهَا رِوَايَتَانِ وأصل الْمَسْأَلَة أَن الْكَلَام إِذا كَانَ لَهُ حَقِيقَة مستعملة ومجاز مُتَعَارَف فَالْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ أولى عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا الْعَمَل بِعُمُوم الْمجَاز أولى وَهَذَا مِمَّا يعرف فِي الْجَامِع الْكَبِير فِيمَن حلف لَا يشرب من الْفُرَات أَو من هَذَا النَّهر فَعِنْدَ أبي حنيفَة يَقع على الشّرْب كرعا حَتَّى لَو اغترف بِإِنَاء أَو بِيَدِهِ لَا يَحْنَث وَعِنْدَهُمَا يَقع عَلَيْهِمَا لعُمُوم الْمجَاز
وَلَو حلف لَا يشرب من الْجب أَو الْبِئْر وَهُوَ غير ملآن فَشرب بِيَدِهِ أَو بإنائه يَحْنَث لِأَنَّهُ لَا يُمكن الشّرْب مِنْهُ كرعا
وَلَو حلف لَا يَأْكُل من هَذَا الدَّقِيق فَأكل مِمَّا يتَّخذ مِنْهُ يَحْنَث لِأَن عينه لَا يُؤْكَل
وعَلى هَذَا الأَصْل إِذا حلف لَا يَأْكُل من هَذِه الشَّجَرَة فَأكل من ثَمَرَتهَا يَحْنَث لِأَن عينهَا لَا تُؤْكَل
وَلَو حلف لَا يَأْكُل وَلَا يشرب وَلَا يلبس وَنوى طَعَاما خَاصّا وَشَرَابًا خَاصّا وثوبا خَاصّا فَإِنَّهُ لَا يصدق لِأَنَّهُ نوى خلاف مُقْتَضى كَلَامه وَلَا عُمُوم لَهُ
وَلَو قَالَ لَا آكل طَعَاما وَلَا ألبس ثوبا وَنوى طَعَاما بِعَيْنِه وثوبا بِعَيْنِه يصدق لِأَنَّهُ نوى تَخْصِيص الملفوظ
وَلَو حلف لَا يَأْكُل إدَامًا فَهَذَا على ثَلَاثَة أوجه إِن أكل مَا يصطبغ بِهِ ويلتزق بالخبز كالزيت والخل يَحْنَث بالِاتِّفَاقِ لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء تصير تبعا للخبز وَلَا تُؤْكَل مَقْصُودَة بِنَفسِهَا والإدام اسْم لهَذَا

(2/322)


وَإِن أكل مَعَ الْخبز عنبا وَسَائِر الْفَوَاكِه أَو الْبُقُول لَا يَحْنَث بالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَل إدَامًا مَقْصُودا بل هِيَ تبع للْأَكْل مَعَ الإدام
وَإِن أكل مَعَ الْخبز الْجُبْن وَاللَّحم وَالْبيض فعلى قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لَا يَحْنَث وَلَا يكون ذَلِك إدَامًا
وَلَو أكل الْخبز مَعَ اللَّحْم يَحْنَث لِأَنَّهُ تبع
وَلَو أكل الْأرز والعصائد لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ يُؤْكَل مَقْصُودا فِي الْعرف
وَإِن كَانَ فِي مَوضِع يُؤْكَل تبعا للخبز يكون إدَامًا عِنْد مُحَمَّد وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة
وَلَو حلف لَا يَأْكُل شواء وَنوى أكل كل مشوي يَحْنَث لِأَنَّهُ نوى حَقِيقَة كَلَامه
وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة ينْصَرف إِلَى اللَّحْم المشوي لِأَن الِاسْم لَهُ عَادَة
وَلَو حلف لَا يَأْكُل طبيخا وَلَا نِيَّة لَهُ ينْصَرف إِلَى اللَّحْم الْمَطْبُوخ وَإِلَى المرقة المتخذة مِنْهُ لما فِيهَا من أَجزَاء اللَّحْم لِأَن الطبيخ فِي الْعرف اسْم لهَذَا وَالْعبْرَة للْعُرْف فِي الْبَاب

(2/323)


بَاب من الْيَمين
على أَشْيَاء مُخْتَلفَة فِي الْبَاب فُصُول مُخْتَلفَة ومسائل مُتَفَرِّقَة إِذا قَالَ الرجل عَبده حر إِن وهبت لفُلَان شَيْئا أَو تَصَدَّقت عَلَيْهِ أَو أعرته أَو أَعْطيته أَو نحلته أَو أَقْرَضته ثمَّ فعل ذَلِك وَلم يقبل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْنَث
وَإِن حلف على عقد فِيهِ بدل مثل البيع وَالْإِجَارَة وَالصرْف وَالسّلم وَنَحْوهَا فَفعل الْحَالِف وَلم يقبل الآخر لَا يَحْنَث لِأَن الأول تمْلِيك من أحد الْجَانِبَيْنِ إِلَّا أَن الْقبُول شَرط لثُبُوت الحكم فِي حَقه فقد وجد مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم فَيحنث
والفصل الثَّانِي تمْلِيك من الْجَانِبَيْنِ لُغَة وَشرعا فَلَا يتَحَقَّق الِاسْم إِلَّا بِوُجُود الْإِيجَاب من أَحدهمَا وَالْقَبُول من الآخر
وَلَو بَاعَ بيعا فَاسِدا يملك بِهِ إِذا قبض أَو صَحِيحا وَقبل يَحْنَث لِأَن اسْم البيع لُغَة يَقع على الْفَاسِد وَالصَّحِيح جَمِيعًا
وَلَو بَاعَ بيعا فِيهِ خِيَار البَائِع أَو المُشْتَرِي حنث عِنْد مُحَمَّد وَعند أبي يُوسُف لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ مَعَ الْخِيَار لَا ينْعَقد سَببا
وَمُحَمّد يَقُول إِنَّه انْعَقَد سَببا لَكِن تَأَخّر حكمه فَهُوَ كَالْبيع الْفَاسِد
وَلَو قَالَ وَالله لَا أَتزوّج الْيَوْم وَلَا نِيَّة لَهُ فَتزَوج نِكَاحا فَاسِدا لَا يَحْنَث اسْتِحْسَانًا لِأَن الْمَقْصُود هُوَ الْحل فِي العقد الْمُضَاف إِلَى

(2/325)


الْمُسْتَقْبل فيقيد بِالصَّحِيحِ بِخِلَاف البيع لِأَن الْمَقْصُود ثمَّ هُوَ الْملك

(2/326)


وَكَذَلِكَ إِذا حلف لَا يُصَلِّي يَقع على الصَّحِيح لِأَن الْمَقْصُود هُوَ التَّقَرُّب وَلَا يحصل فِي الْفَاسِد
أما إِذا حلف فِي الْمَاضِي بِأَن قَالَ وَالله مَا تزوجت أَو مَا صليت فَإِنَّهُ يَقع على الْفَاسِد أَيْضا لِأَن الْغَرَض هُوَ الْإِخْبَار وَالِاسْم يَقع عَلَيْهِمَا
وَلَو حلف لَا يُصَلِّي فَكبر وَدخل فِي الصَّلَاة لَا يَحْنَث مَا لم يُقيد بِالسَّجْدَةِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ أَفعَال مُخْتَلفَة فَمَا لم يُوجد الْكل لَا يُسمى مُصَليا
وَلَو حلف لَا أُصَلِّي صَلَاة لَا يَحْنَث مَا لم يصل رَكْعَتَيْنِ لِأَن أدنى الصَّلَاة رَكْعَتَانِ
وَلَو حلف لَا يُصَلِّي الظّهْر لَا يَحْنَث مَا لم يقْعد الْقعدَة الْأَخِيرَة لِأَن صَلَاة الظّهْر مقدرَة بالأربع
وَلَو حلف لَا يَصُوم فَأصْبح صَائِما يَحْنَث لِأَنَّهُ يُسمى صَائِما
وَلَو حلف لَا يَصُوم صوما لم يَحْنَث مَا لم يصم الْيَوْم لِأَن أقل الصَّوْم الشَّرْعِيّ يَوْم كَامِل
وَلَو حلف لَا يحجّ أَو لَا يحجّ حجَّة لَا يَحْنَث حَتَّى يطوف طواف الزِّيَارَة لِأَن الْحَج عبارَة عَن أَجنَاس أَفعَال فَيكون اسْم الْحَج وَاقعا على الْكل حَقِيقَة لَا على الْبَعْض وللأكثر حكم الْكل
وَلَو حلف لَا يعْتَمر وَأحرم فَطَافَ أَرْبَعَة أَشْوَاط حنث لِأَنَّهُ وجد الْأَكْثَر
وَلَو جَامع حَتَّى فسد الْحَج لَا يَحْنَث لِأَن الْيَمين انْعَقَدت على الْحَج الَّذِي هُوَ قربَة وَالْفَاسِد لَيْسَ بقربة
وَكَذَلِكَ إِذا حلف لَا يَصُوم صوما ثمَّ أفطر لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يُوجد الصَّوْم التَّام
وَلَو حلف لَا يَصُوم فصَام سَاعَة ثمَّ أفطر يَحْنَث لِأَن الْحِنْث قد حصل بِصَوْم سَاعَة فبالإفطار لَا يبطل الْحِنْث وَإِن فسد الصَّوْم من الأَصْل
وَلَو حلف ليفطرن عِنْد فلَان فَأفْطر بِالْمَاءِ فِي منزله ثمَّ تعشى عِنْد فلَان حنث لِأَن شَرط بره الْإِفْطَار عِنْد فلَان وَهُوَ اسْم لما يضاد الصَّوْم وَذَلِكَ حصل فِي منزله بِالْمَاءِ
وَإِن نوى بِهِ الْعشَاء عِنْد فلَان لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ نوى بِهِ الْمُتَعَارف يُقَال فلَان يفْطر عِنْد فلَان إِذا كَانَ يتعشى عِنْده وَإِن كَانَ أصل الْفطر يَقع فِي منزله
وَإِذا حلف لَا يلبس من غزل فُلَانَة شَيْئا وَلَا نِيَّة لَهُ فَلبس ثوبا قد غزلته فُلَانَة يَحْنَث فِي يَمِينه لِأَن الْغَزل عينه لَا يلبس فَيَقَع على مَا يصنع مِنْهُ وَهُوَ الثَّوْب
وَلَو نوى الْغَزل بِعَيْنِه لَا يَحْنَث إِذا لبس ذَلِك الثَّوْب لِأَنَّهُ نوى حَقِيقَة كَلَامه
وَلَو حلف لَا يلبس ثوبا من غزل فُلَانَة يَقع على الثَّوْب
وَلَو نوى الْغَزل لَا يصدق
وَلَو حلف لَا يلبس ثوبا من غزل فُلَانَة فَلبس ثوبا من غزلها وغزل غَيرهَا لَا يَحْنَث لِأَن الثَّوْب اسْم لشَيْء مُقَدّر فَلَا يَقع على بعضه
وَلَو حلف لَا يلبس من غزل فُلَانَة فَلبس ثوبا من غزلها وغزل غَيرهَا حنث لِأَن الْبَعْض يُسمى غزلا
وَلَو حلف لَا يلبس من غزل فُلَانَة فَلبس ثوبا دخاريصه أَو تلابيبه

(2/327)


من غزل فُلَانَة يَحْنَث لِأَن هَذَا الْقدر صَار ملبوسا من غزلها بِلبْس الثَّوْب
وَلَو لبس زرا وَعُرْوَة من غزلها لَا يَحْنَث لِأَن الزر لَا يصير ملبوسا بِلبْس الْقَمِيص
وَلَو لبس تكة من غزلها لَا يَحْنَث عِنْد أبي يُوسُف لِأَنَّهُ يُقَال شدّ التكة وَلَا يُقَال لبس
وَعند مُحَمَّد يَحْنَث
وَلَو حلف لَا يلبس مِمَّا يَشْتَرِيهِ فلَان فَاشْتَرَاهُ فلَان مَعَ غَيره لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لبس بعض ثوب اشْتَرَاهُ فلَان لَا كُله
وَلَو حلف لَا يَأْكُل مِمَّا يَشْتَرِيهِ فلَان فَاشْتَرَاهُ فلَان مَعَ غَيره فَأكل مِنْهُ حنث لِأَنَّهُ قد أكل مَا اشْتَرَاهُ فلَان لِأَنَّهُ يَقع مَعَ الْبَعْض
وَلَو حلف لَا يلبس من نسج فلَان فنسجه فلَان مَعَ غَيره يَحْنَث
وَلَو قَالَ لَا يلبس من ثوب نسجه فلَان لَا يَحْنَث إِذا نسجه مَعَ غَيره لما قُلْنَا
وَلَو حلف لَا يَأْكُل من طبيخ فلَان فَأكل مِمَّا طبخ فلَان وَغَيره حنث لِأَن كل جُزْء من الطبيخ طبيخ
وَلَو قَالَ لَا آكل من قدر طبخها فلَان فَأكل مِمَّا طبخ فلَان مَعَ غَيره لَا يَحْنَث لِأَن كل جُزْء من الْقدر لَيْسَ بِقدر
وَلَو قَالَ لَا آكل خبز فلَان فَأكل خبْزًا مُشْتَركا بَينه وَبَين غَيره

(2/328)


حنث لِأَن كل جُزْء يُسمى خبْزًا
وَلَو حلف لَا يَأْكُل لفُلَان رغيفا فَأكل رغيفا مُشْتَركا لَا يَحْنَث لِأَن بعضه لَا يُسمى رغيفا
وَلَو حلف لَا يَأْكُل مِمَّا خبز فلَان وَمِمَّا طبخ فالخباز هُوَ الَّذِي يضْرب الْخبز فِي التَّنور دون من عجنه وَبسطه والطابخ هُوَ الَّذِي يُوقد النَّار دون الَّذِي ينصب الْقدر وَيصب المَاء وَاللَّحم فِيهِ وَإِنَّمَا ذَلِك مقدماته لِأَن الطَّبْخ مَا ينضج بِهِ اللَّحْم وَذَلِكَ يحصل بالإيقاد
وَلَو حلف لَا يَأْكُل من كسب فلَان فالكسب مَا يصير ملكا للْإنْسَان بِفِعْلِهِ أَو بقوله مثل الِاسْتِيلَاء والاصطياد وَالْبيع وَغَيرهَا لِأَنَّهُ لَا بُد من الْقبُول فِي حق الحكم فِي الْأَسْبَاب الشَّرْعِيَّة الَّتِي يثبت بهَا الْملك فَأَما الْمِيرَاث فَلَيْسَ بكسب لِأَنَّهُ يثبت بِهِ الْملك من غير صنعه
وَلَو مَاتَ الْمَحْلُوف عَلَيْهِ وَترك أكسابه فورثه الْحَالِف فَأكل حنث لِأَنَّهُ أكل من أكساب الْمَحْلُوف عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يصير كسبا للْوَارِث فَلم تَنْقَطِع الْإِضَافَة عَن الأول
وَلَو بَاعَ الْمَحْلُوف عَلَيْهِ كَسبه من رجل فَأكل مِنْهُ الْحَالِف لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ صَار كسبا للْمُشْتَرِي فَانْقَطَعت الْإِضَافَة عَن الأول
وَإِن حلف لَا يجلس على الأَرْض
فَجَلَسَ على شَيْء حَائِل بَينه وَبَين الأَرْض كالبوري والبساط فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ يُقَال جلس على الْبسَاط دون الأَرْض
وَلَو جلس على ثِيَابه حنث لِأَنَّهَا تبع للجالس سمي جَالِسا على

(2/329)


الأَرْض لَا على ثِيَابه
وَلَو حلف لَا يجلس على هَذَا الْفراش فَجعل فَوْقه بساطا آخر فَجَلَسَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ انْقَطَعت الْإِضَافَة عَن الأول
وَلَو حلف لَا يجلس على هَذَا الْفراش أَو لَا ينَام فَجعل فَوْقه فراشا آخر فَنَامَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَث عِنْد مُحَمَّد لما قُلْنَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَحْنَث لِأَنَّهُ يحصل بِهِ زِيَادَة تَوْطِئَة ولين فيكونان مقصودين بِالنَّوْمِ عَلَيْهِمَا
وَأَجْمعُوا أَنه إِذا حلف لَا يجلس على الْفراش فَجعل فَوْقه محبسا أَو قراما حنث لِأَنَّهُ تبع للْفراش
وَلَو حلف لَا يجلس على هَذَا السرير أَو الدّكان أَو السَّطْح فَجعل فَوْقه مصلى أَو فراشا أَو بساطا ثمَّ جلس عَلَيْهِ حنث لِأَن السرير يجلس عَلَيْهِ هَكَذَا غَالِبا
وَلَو جعل فَوق السرير سريرا أَو فَوق السَّطْح سطحا آخر لَا يَحْنَث لِأَن الْجُلُوس يُضَاف إِلَى الثَّانِي دون الأول
وَلَو نوى الْجُلُوس على اللَّوْح وَالْأَرْض والسطح يصدق فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى دون الْقَضَاء لِأَنَّهُ خلاف الْمُعْتَاد وَإِن كَانَ حَقِيقَة
وَلَو حلف لَا يجلس على أَلْوَاح هَذَا السرير فَجَلَسَ على بِسَاط فَوْقه لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يجلس على اللَّوْح
وَلَو حلف لَا يجلس على الأَرْض فَجَلَسَ على صحن السَّطْح يَحْنَث لِأَن ذَلِك يُسمى أَرض السَّطْح
وَلَو حلف لَا يفعل كَذَا فَأمر غَيره فَفعل ينظر

(2/330)


إِن كَانَ فعلا لَهُ حُقُوق تتَعَلَّق بالفاعل فَإِنَّهُ يشْتَرط وجود الْفِعْل من الْفَاعِل حَقِيقَة وَلَا يقوم فعل الْمَأْمُور مقَام فعل الْآمِر كَالْبيع وَالشِّرَاء وَالْإِجَارَة وَالْقِسْمَة لِأَن حُقُوق هَذِه الْعُقُود تخْتَص بالعاقد الْمُبَاشر دون الْآمِر وَلِهَذَا قَالُوا إِن الْوَكِيل إِذا كَانَ هُوَ الْحَالِف يَحْنَث لِأَن حُقُوق العقد رَاجِعَة إِلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَ الْحَالِف مِمَّن لَا يَلِي هَذِه الْأَفْعَال بِنَفسِهِ كَالْقَاضِي وَالسُّلْطَان وَنَحْوهمَا
وَإِن كَانَ فعلا لَا يتَعَلَّق حُقُوقه بالعاقد وَإِنَّمَا يتَعَلَّق بالآمر أَو لَيْسَ لَهُ حُقُوق كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاق وَالْكِتَابَة وَالضَّرْب وَالذّبْح وَالْقَتْل وَالْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَالْكِسْوَة وَالْقَضَاء والاقتضاء وَالْخُصُومَة وَالشَّرِكَة بِأَن قَالَ لَا أشارك فلَانا فَأمر إنْسَانا بِأَن يُشَارك مَعَ فلَان ويعقد مَعَه عقد الشّركَة نِيَابَة عَنهُ إِذا فعل هَذِه الْأَفْعَال بِنَفسِهِ أَو أَمر غَيره فَفعل يَحْنَث
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف فِي الصُّلْح رِوَايَتَانِ فَإِن قَالَ فِيمَا لَا يتَعَلَّق حُقُوقه بالمباشر نَوَيْت أَن أباشر ذَلِك بنفسي قَالَ فِي الْجَامِع الصَّغِير يدين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى دون الْقَضَاء لِأَنَّهُ نوى غير الظَّاهِر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا حلف لَا يضْرب عَبده أَو لَا يذبح شاته فَأمر إنْسَانا أَن يفعل ذَلِك فَفعل وَقَالَ عنيت أَن أباشر ذَلِك بنفسي فَإِنَّهُ يصدق فِي الْقَضَاء لِأَنَّهُ نوى حَقِيقَة كَلَامه
وَلَو حلف لَا يَشْتَرِي دَابَّة أَو لَا يركب دَابَّة فَهِيَ على مَا يركبه النَّاس فِي حوائجهم وَهُوَ الْفرس وَالْحمار والبغل دون الْبَقر وَالْإِبِل لِأَنَّهَا فِي حَقِيقَة اللُّغَة اسْم لما يدب على وَجه الأَرْض وَإنَّهُ غير مُرَاد فَكَانَ المُرَاد مَا هُوَ الْمُعْتَاد عِنْد النَّاس
وَلَو حلف لَا يركب فرسا فَهُوَ على الْعَرَبِيّ لَا غير والبرذون

(2/331)


يَقع على الأعجمي وَالْخَيْل اسْم جنس يَقع عَلَيْهِمَا
وَلَو حلف لَا يركب مركبا وَلَا نِيَّة لَهُ فَهُوَ على كل مَا يركب من السَّفِينَة وَالدَّوَاب وَغَيرهَا
وَهَذَا فِي عرفهم وَأما فِي عرفنَا فَيَقَع على الْفرس
وَلَو حلف لَا يكلم فلَانا فناداه من بعيد وَهُوَ حَاضر فِي مَكَان بعيد فَإِن كَانَ فِي مَوضِع لَو أصغى إِلَيْهِ أُذُنه يسمعهُ فَإِنَّهُ يَحْنَث فِي يَمِينه وَإِن لم يسمعهُ لاشتغاله بِأَمْر آخر وَإِن كَانَ فِي مَوضِع لَا يسمعهُ لبعده فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث
وَكَذَا إِذا كَانَ أَصمّ بِحَيْثُ لَو أصغى إِلَيْهِ أُذُنه لَا يسمع لَا يَحْنَث لِأَن تكليم فلَان عبارَة عَن إسماع كَلَامه إِيَّاه إِلَّا أَن الإسماع أَمر بَاطِن فأقيم السَّبَب الظَّاهِر مقَامه وَهُوَ مَا ذكرنَا
وَلَو كَانَ نَائِما فناداه حَتَّى أيقظه حنث فِي يَمِينه لِأَنَّهُ أسمعهُ كَلَامه
وَإِن لم يوقظه لَا يَحْنَث وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن الْإِنْسَان لَا يعد مكلما للنائم إِذا لم يتيقظ بِكَلَامِهِ كَمَا لَا يعد متكلما مَعَ الْغَائِب
وَلَو سلم على قوم والمحلوف عَلَيْهِ فيهم حنث فِي يَمِينه لِأَنَّهُ كَلمه وكلم غَيره أَيْضا فَإِن قصد بِالسَّلَامِ عَلَيْهِم دونه تصح نِيَّته فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى لِأَنَّهُ نوى تَخْصِيص كَلَامه
وَلَو سلم فِي الصَّلَاة والمحلوف عَلَيْهِ مَعَه فِي الصَّلَاة فَإِن كَانَ الْحَالِف إِمَامًا ينظر إِن كَانَ الْمَحْلُوف عَلَيْهِ على يَمِينه لَا يَحْنَث لِأَن التسليمة الأولى كَلَام فِي الصَّلَاة لِأَنَّهُ بهَا يخرج عَن الصَّلَاة وَلَا تفْسد الصَّلَاة فَلَا يكون من كَلَام النَّاس
وَإِن كَانَ على يسَاره فقد اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ
وَإِن كَانَ الْحَالِف مقتديا فعلى قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف كَذَلِك

(2/332)


لِأَن الْمُقْتَدِي لَا يصير خَارِجا عَن الصَّلَاة بِسَلام الإِمَام عِنْدهمَا وعَلى قَول مُحَمَّد يَحْنَث كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّهُ صَار خَارِجا عَن صلَاته بِسَلام الإِمَام فَوجدَ كَلَامه خَارج الصَّلَاة مَعَ فلَان فَيحنث
وَلَو كَاتب فلَانا أَو أَشَارَ إِلَيْهِ بالإصبع فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بِكَلَام
وَلَو حلف لَا يتَكَلَّم الْيَوْم وَلَا نِيَّة لَهُ فصلى وَكبر وَقَرَأَ وَسبح لَا يَحْنَث اسْتِحْسَانًا لِأَن هَذَا لَا يُسمى كَلَام النَّاس فِي الْعرف
وَلَو قَرَأَ خَارج الصَّلَاة
أَو سبح أَو هلل أَو كبر يَحْنَث عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ لِأَن هَذَا كَلَام حَقِيقَة لَكِن حَالَة الصَّلَاة مُسْتَثْنَاة بِدلَالَة الْحَال وَقيل هَذَا فِي عرفهم
وَأما فِي عرفنَا فَلَا يَحْنَث لِأَن هَذَا لَا يُسمى متكلما كَمَا فِي الصَّلَاة
وَلَو حلف لَا يكلم فلَانا عَاجلا أَو آجلا فالعاجل يَقع على أقل من الشَّهْر وَالْأَجَل يَقع على الشَّهْر فَصَاعِدا
وَلَو حلف لَا يكلمهُ إِلَى بعيد وَلَا نِيَّة لَهُ فَإِنَّهُ يَقع على أَكثر من الشَّهْر
وَلَو قَالَ إِلَى قريب يَقع على الشَّهْر فَمَا دونه
وَلَو حلف لَا يكلم فلَانا أَيَّامًا كَثِيرَة فعلى قَول أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ يَقع على الْعشْرَة وعَلى قَوْلهمَا يَقع على سَبْعَة أَيَّام
وعَلى هَذَا الْخلاف لَو حلف لَا يكلم فلَانا لأيام عِنْد أبي حنيفَة يَقع على الْعشْرَة وَعِنْدَهُمَا على سَبْعَة
وَلَو حلف لَا يكلمهُ أَيَّامًا فَفِي رِوَايَة الْجَامِع يَقع على ثَلَاثَة

(2/333)


أَيَّام
وَفِي رِوَايَة
كتاب الْأَيْمَان
يَقع على الْعشْرَة عِنْده وَعِنْدَهُمَا على سَبْعَة
وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا حلف أَن لَا يكلمهُ الشُّهُور أَو السنين (بِالْألف وَاللَّام) فَعِنْدَ أبي حنيفَة يَقع على عشرَة
وَعِنْدَهُمَا فِي الشُّهُور يَقع على اثْنَي عشر شهرا وَفِي السنين يَقع على الْأَبَد
وَلَو حلف لَا يكلمهُ شهورا أَو أشهر فعلى ثَلَاثَة أشهر بالِاتِّفَاقِ
وَلَو حلف لَا يكلمهُ جمعا أَو الْجمع فَفِي الْمُنكر يَقع على ثَلَاثَة بالِاتِّفَاقِ وَفِي الْمُعَرّف عِنْد أبي حنيفَة على عشرَة جمع وَعِنْدَهُمَا على جمع الْأَبَد
وَالْأَصْل عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله أَن الْمُعَرّف يَقع على الْجِنْس وَعِنْدَهُمَا على الْمَعْهُود إِن كَانَ وَإِلَّا فَيَقَع على الْكل وَفِي الْمُنكر يَقع على أقل الْجمع بِالْإِجْمَاع وَهُوَ ثَلَاثَة
وَلَو حلف لَا يكلمهُ دهرا أَو الدَّهْر فعندهما يَقع فِي الْمُنكر على سِتَّة أشهر وَفِي الْمُعَرّف يَقع على الْعُمر وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِن كَانَ لَهُ نِيَّة فعلى مَا نوى وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فَمَا أَدْرِي مَا الدَّهْر
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا خلاف فِي الدَّهْر أَنه على الْأَبَد وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا أَدْرِي مَا الدَّهْر إِذا قَالَ دهرا
وَلَو حلف لَا يكلم فلَانا حينا أَو زَمَانا أَو الْحِين أَو الزَّمَان فَإِنَّهُ يَقع على سِتَّة أشهر لِأَنَّهُ يسْتَعْمل فِي أَرْبَعِينَ سنة وَفِي الزَّمَان الْقَلِيل أَيْضا يسْتَعْمل وَيسْتَعْمل فِي سِتَّة أشهر فَحمل على سِتَّة أشهر لأَنا لَا نعلم أَنه لَا يُرِيد بِهِ الْقَلِيل وَالْكثير فَحمل على الْوسط
وَلَو حلف ليضربن عَبده عشرَة أسواط فَجمع عشرَة أسواط وضربه مرّة وَاحِدَة
وَأصَاب الْجَمِيع جلده لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ ضربه عشرَة

(2/334)


أسواط
فَأَما إِذا لم يصب كل سَوط جلده فَإِنَّهُ يَحْنَث لِأَنَّهُ لَا يُسمى ضَارِبًا عشرَة أسواط
وَلَو حلف لَا يقتل فلَانا فِي الْمَسْجِد أَو يضْربهُ أَو لَا يَرْمِي إِلَيْهِ أَو لَا يشتمه فَكل فعل لَهُ أثر فِي الْمَفْعُول يعْتَبر وجود الْأَثر وَيتَعَلَّق بمَكَان الْمَفْعُول وَإِن لم يكن لَهُ أثر يعْتَبر مَكَان الْفَاعِل فَفِي الْقَتْل وَالضَّرْب وَالرَّمْي يعْتَبر مَكَان الْمَفْعُول حَتَّى لَو كَانَ الْفَاعِل خَارج الْمَسْجِد وَالْمَفْعُول فِي الْمَسْجِد يَحْنَث وَلَو كَانَ على عَكسه لَا يَحْنَث
وَفِي الشتم لَو كَانَ الشاتم خَارج الْمَسْجِد والمشتوم فِي الْمَسْجِد لَا يَحْنَث وعَلى عَكسه يَحْنَث
وَلَو قَالَ لَا أَتزوّج فِي مَكَان كَذَا أَو فِي يَوْم كَذَا فَزَوجهُ الْفُضُولِيّ امْرَأَة فِي مَكَان آخر أَو فِي يَوْم آخر فَبَلغهُ الْخَبَر فَأَجَازَهُ فِي الْمَكَان الَّذِي حلف وَفِي الْيَوْم الَّذِي حلف يَحْنَث وَيعْتَبر مَكَان الْإِجَازَة لِأَن لَهُ أثرا وَهُوَ الحكم
وَكَذَا فِي البيع وَالشِّرَاء يعْتَبر مَكَان الْإِجَازَة وَيَوْم الْإِجَازَة
وَقَالَ مُحَمَّد فِي العقد الشَّرْعِيّ يعْتَبر مَكَان الْفَاعِل وزمانه وَفِي الْقَتْل كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُف لِأَن الحكم يثبت من وَقت العقد
وَلَو حلف لَا يدْخل هَذَا الْفسْطَاط وَهُوَ مَضْرُوب فِي مَكَان فَقلع وَضرب فِي مَكَان آخر فدخله حنث لِأَن الْيَمين يَقع على الْعين وَالْعين بَاقٍ
وَلَو حلف لَا يجلس إِلَى هَذِه الأسطوانة وَهِي مَبْنِيَّة أَو إِلَى هَذَا الْحَائِط فهدما ثمَّ بنيا بنقضهما فَجَلَسَ إِلَيْهِ لَا يَحْنَث لِأَن الْعَائِد غير الأول
وَلَو حلف لَا يكْتب بِهَذَا الْقَلَم فَكسر الْقَلَم بِحَيْثُ لم يبْق لَهُ

(2/335)


صورته ثمَّ براه فَكتب بِهِ لم يَحْنَث لِأَن بعد الْكسر هُوَ أنبوبة فَإِذا براه فَهُوَ غير الأول
وَكَذَا إِذا حلف على مقص أَو سكين أَو سيف فَكسر ثمَّ أَعَادَهُ ثَانِيًا لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ غير الأول
وَلَو نزع مِسْمَار المقص ونصاب السكين وَجعل مَكَانَهُ مسمارا آخر أَو نِصَابا آخر يَحْنَث لِأَن الأول بَاقٍ إِنَّمَا فَاتَ وصف التَّرْكِيب
وَلَو حلف لَا يدْخل هَذِه الدَّار فَجَعلهَا بستانا أَو حَماما أَو مَسْجِدا لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ صَارَت شَيْئا آخر من حَيْثُ الِانْتِفَاع وَالْغَرَض
وَلَو حلف لَا يدْخل هَذَا الْبَيْت فهدمه ثمَّ بناه ثَانِيًا فَدخل لَا يَحْنَث لِأَن الْبَيْت اسْم للمبنى وَهَذَا غير بِنَاء الأول بِخِلَاف الدَّار إِذا هدمها ثمَّ بناها ثَانِيًا فَدَخلَهَا أَو دخل وَهِي مهدومة يَحْنَث لِأَن الدَّار اسْم للعرصة وَالْبناء تَابع
وَلَو كَانَ الْيَمين على خف أَو قَمِيص أَو جُبَّة ففتقها ثمَّ أَعَادَهَا حنث لِأَن الْعَائِد عين الأول
وَلَو فتق الْقَمِيص فَجعله جُبَّة محشوة لم يَحْنَث لِأَن الْجُبَّة غير الْقَمِيص
وَلَو حَلَفت الْمَرْأَة لَا تلبس هَذِه الملحفة فخيط جانباها فَجعلت درعا وَجعلت لَهَا جيبا فلبستها لم تَحنث لِأَن الدرْع غير الملحفة
وَلَو حلف لَا أكلم عبد فلَان أَو لَا

(2/336)


أَدخل دَار فلَان أَو لَا أركب دَابَّة فلَان أَو لَا ألبس ثوب فلَان وَلم يعين ثمَّ زَالَ الْملك فَكلم العَبْد أَو دخل الدَّار أَو ركب الدَّابَّة أَو لبس ذَلِك الثَّوْب لَا يَحْنَث بِالْإِجْمَاع
بِخِلَاف الزَّوْجَة وَالصديق لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون الْحلف لِمَعْنى فيهمَا
فَأَما إِذا عين فَقَالَ لَا أكلم عبد فلَان هَذَا أَو لَا أَدخل دَار فلَان هَذِه أَو لَا أركب دَابَّة فلَان هَذِه أَو لَا ألبس ثوب فلَان هَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف تبقى الْيَمين بِبَقَاء الْإِضَافَة فَإِذا زَالَت بِزَوَال الْملك تبطل الْيَمين إِلَّا أَن يعين سُكْنى هَذِه الدَّار خَاصَّة
وَقَالَ مُحَمَّد يَحْنَث وَإِن زَالَ ملك فلَان إِلَّا أَن يَعْنِي مَا دَامَ ملكا لفُلَان
وَلَو حلف لَا يكلم زَوْجَة فلَان هَذِه أَو صديق فلَان هَذَا وَزَالَ النِّكَاح والصداقة فَكلم حنث بِالْإِجْمَاع
وَلَو حلف لَا أكلم هَذَا العَبْد أَو لَا أَدخل هَذِه الدَّار أَو لَا أركب هَذِه الدَّابَّة يعْتَبر الْعين بِالْإِجْمَاع
ف أَبُو حنيفَة رَحمَه الله اعْتبر الْإِضَافَة شرطا للْيَمِين لِأَن الظَّاهِر بِهَذِهِ الْإِضَافَة الِامْتِنَاع من الْكَلَام لِمَعْنى فِي الْمَالِك كَمَا إِذا لم يكن معينا وَمُحَمّد رَحمَه الله جعل الْإِضَافَة للتعريف بِمَنْزِلَة الِاسْم إِذا وجد التَّعْيِين حَتَّى لَا يَلْغُو التَّعْيِين كَمَا فِي الزَّوْجَة وَالصديق عِنْد التَّعْيِين
وَلَو حلف لَا يدْخل دَار فلَان وَلَا يلبس ثوب فلَان وَلَا يركب دَابَّة فلَان وَلَا يكلم عبد فلَان وَلَا يَأْكُل عِنْد فلَان وَلَا يَأْكُل طَعَام فلَان وَلَا يشرب شراب فلَان فَهَذَا على مَا فِي ملكه يَوْم فعل الَّذِي حلف عَلَيْهِ وَلَا يشْتَرط قيام الْملك يَوْم حلف هَذَا جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَات عَن أَصْحَابنَا
وروى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه يَقع على مَا فِي ملكه يَوْم حلف وَلَا يحمل على مَا يحدث فِيهِ الْملك
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ فِيمَا يستدام فِيهِ الْملك وَلَا يَتَجَدَّد سَاعَة فساعة فاليمين على مَا فِي ملكه كَالدَّارِ وَالْعَبْد وَالثَّوْب وَمَا يَتَجَدَّد فِيهِ الْملك حَالا فحالا فِي الْعَادة فَإِنَّهُ يَقع على مَا فِي ملكه يَوْم فعل كالطعام وَالشرَاب
وَالصَّحِيح جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَات لِأَن هَذِه الْيَمين عقدت على الْمَنْع

(2/337)


من الْفِعْل فِي ملك فلَان فَيعْتَبر يَوْم الْفِعْل
وَلَو حلف لَا يدْخل دَار فلَان فَدخل دَارا هُوَ ساكنها بِالْملكِ أَو بِالْإِجَارَة أَو بالإعارة فَهُوَ سَوَاء وَيحنث لِأَن الدَّار تُضَاف إِلَى الْمُسْتَأْجر وَالْمُسْتَعِير فِي الْعرف
وَلَو حلف من بشرني من عَبِيدِي بقدوم فلَان فَهُوَ حر فبشره جمَاعَة من عبيده فَإِن كَانُوا مَعًا عتقوا وَإِن سبقهمْ وَاحِد مِنْهُ ثمَّ الْبَاقُونَ يعْتق السَّابِق
وَإِن حصل لَهُ الْعلم بقدوم فلَان بِخَبَر غَيرهم أَو بِالْمُشَاهَدَةِ مِنْهُ ثمَّ أخبرهُ من العبيد الَّذين حلف بعتقهم فَإِنَّهُ لَا يعْتق وَاحِد مِنْهُم لِأَن الْبشَارَة خبر سَار لَيْسَ عِنْد الْمخبر بِهِ خَبره وَهَذَا لَا يحصل إِذا كَانَ لَهُ علم قبل خَبره
وَإِذا لم يكن عَالما حصل الْعلم بِخَبَر الْجَمَاعَة مَعًا فَيحنث

(2/338)


بَاب النّذر
إِذا نذر لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِمَا هُوَ قربَة وَطَاعَة يجب عَلَيْهِ الْوَفَاء بِهِ وَلم يجب عَلَيْهِ غير ذَلِك
وَإِن كَانَ مُبَاحا لَا يجب عَلَيْهِ شَيْء
وَإِن كَانَ مَعْصِيّة لم يجب عَلَيْهِ الْوَفَاء بِهِ وَعَلِيهِ كَفَّارَة الْيَمين إِذا فعله
وَأَصله قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من نذر نذرا أَن يُطِيع الله فليطعه وَمن نذر أَن يَعْصِي الله فَلَا يَعْصِهِ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام النّذر يَمِين وكفارته كَفَّارَة يَمِين
وَهَذَا على الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة عَن أَصْحَابنَا فِيمَن قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم سنة وَنَحْوهَا يلْزمه الْوَفَاء بهَا وَلَا يُجزئهُ كَفَّارَة الْيَمين
وَفِي رِوَايَة تُجزئه كَفَّارَة الْيَمين
وَقَالُوا رَجَعَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله عَن الْجَواب الأول إِلَيْهِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة
وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أحج مَاشِيا يلْزمه الْحَج مَاشِيا فَلَو حج رَاكِبًا يُجزئهُ وَعَلِيهِ إِرَاقَة الدَّم لِأَن النّذر مُلْحق بِالْأَمر وَالْحج الْوَاجِب رَاكِبًا لَا مَاشِيا فَخرج عَن نَذره لَكِن يلْزمه الدَّم لِأَنَّهُ أَدخل نقصا وَفِيه ورد الحَدِيث هَكَذَا
وَلَو قَالَ لله على أَن أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَوْم كَذَا أَو فِي مَوضِع كَذَا فصلى قبل ذَلِك الْيَوْم أَو فِي مَوضِع آخر أَجزَأَهُ عَنهُ

(2/339)


وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَتصدق يَوْم كَذَا أَو عَليّ مَسَاكِين بلد كَذَا فَإِنَّهُ لَا يتَقَيَّد بذلك
وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم رَجَب فصَام شهرا قبل ذَلِك جَازَ عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وعَلى قَول مُحَمَّد لَا يُجزئهُ
أما الصَّلَاة فَلَا تتقيد بِالْمَكَانِ وَالْيَوْم لِأَن معنى الْقرْبَة فِي نفس الْفِعْل وَكَذَا الصَّدَقَة وَأما الصَّوْم ف أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف رحمهمَا الله يَقُولَانِ إِن ذكر الْوَقْت لتقدير لَا لتعين الْوَاجِب لِأَن الْأَوْقَات فِي معنى الْعِبَادَة سَوَاء
وَلَو قَالَ عَليّ طَعَام مَسَاكِين وَلم يكن لَهُ نِيَّة فَعَلَيهِ أَن يطعم عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين نصف صَاع من بر
وَلَو قَالَ لله عَليّ صَدَقَة وَلم يكن لَهُ نِيَّة فَعَلَيهِ نصف صَاع
وَلَو قَالَ لله عَليّ صَوْم فَعَلَيهِ صَوْم يَوْم
وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أُصَلِّي صَلَاة فَعَلَيهِ رَكْعَتَانِ لِأَن النّذر مُعْتَبر بِالْأَمر فَإِذا لم يذكر فِيهِ التَّقْدِير اعْتبر أدنى مَا ورد فِي الْأَمر وَهُوَ مَا ذكرنَا

(2/340)


بَاب كَفَّارَة الْيَمين
الحانث لَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ مُوسِرًا أَو مُعسرا
فَإِن كَانَ مُوسِرًا فَهُوَ مُخَيّر بَين ثَلَاثَة أَشْيَاء بَين الْإِطْعَام وَالْكِسْوَة وَالْإِعْتَاق لقَوْله تَعَالَى {فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم أَو كسوتهم أَو تَحْرِير رَقَبَة}
فَإِن اخْتَار الطَّعَام يُعْطي كل مِسْكين نصف صَاع من حِنْطَة أَو صَاعا من شعير أَو دقيقهما أَو صَاعا من تمر أَو قيمَة هَذِه الْأَشْيَاء دَرَاهِم ودنانير أَو عرُوضا كَمَا فِي صَدَقَة الْفطر على مَا ذكرنَا
وَلَو دَعَا عشرَة مَسَاكِين فغداهم وعشاهم مشبعا خبْزًا مَعَ الإدام أَو بِغَيْر الإدام أَو سويقا أَو تَمرا كَانَ جائرا لِأَن الله تَعَالَى أَمر بِالْإِطْعَامِ وَهُوَ اسْم للْفِعْل إِلَّا أَن التَّمْلِيك عَرفْنَاهُ بِدلَالَة النَّص وَالْإِطْعَام فِي حق الْأَهْل قد يكون مَعَ الإدام وَقد يكون بِغَيْرِهِ
وَلَو أطْعم مِسْكينا وَاحِدًا عشرَة أَيَّام غداء وعشاء أَو أعْطى مِسْكينا وَاحِدًا عشرَة أَيَّام كل يَوْم نصف صَاع جَازَ لِأَن الْمَقْصُود سد خلة

(2/341)


عشرَة مَسَاكِين عشرَة أَيَّام وَقد حصل
وَلَو أطْعم عشرَة مَسَاكِين فِي يَوْم غداء وَأعْطى كل وَاحِد مدا من الطَّعَام جَازَ لِأَنَّهُ جمع بَين التَّمْلِيك وَطَعَام الْإِبَاحَة
وَكَذَا لَو غدى رجلا وَاحِدًا عشْرين يَوْمًا أَو عشى رجلا فِي رَمَضَان عشْرين يَوْمًا جَازَ لِأَن الْمَقْصُود قد حصل
وَلَو أعْطى مِسْكينا وَاحِدًا طَعَام عشرَة فِي يَوْم وَاحِد لم يجز لِأَن الله تَعَالَى أَمر بسد جوعة عشرَة مَسَاكِين جملَة أَو مُتَفَرقًا على الْأَيَّام وَلم يُوجد
وَلَو أطْعم فُقَرَاء أهل الذِّمَّة جَازَ وفقراء الْمُسلمين أفضل كَمَا ذكرنَا فِي صَدَقَة الْفطر خلافًا لأبي يُوسُف
وَإِن اخْتَار الْكسْوَة كسا كل مِسْكين ثَوْبَيْنِ
وَإِن كساهم ثوبا جَامعا نَحْو الْقَمِيص والقباء والملحفة والكساء جَازَ لِأَن الله تَعَالَى أَمر بالإكساء فَكل ثوب يصير بِهِ كاسيا دخل تَحت النَّص
وَلَو ساه قلنسوة أَو عِمَامَة لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا يُسمى بِهِ كاسيا
وَلَو كسا سَرَاوِيل قَالَ لَا يجوز
وَلَو كَسَاه إِزَار جَازَ وَلَكِن أَرَادَ بِهِ أَن يكون من الرَّأْس إِلَى الْقدَم
وَأما إِذا كَانَ يستر بِهِ الْعَوْرَة لَا يستر الْبدن لَا يجوز وَهَذَا جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله أَنه قَالَ إِذا كَانَ مِمَّا يستر بِهِ الْعَوْرَة وَتجوز فِيهِ الصَّلَاة يجوز
وَالْمُعْتَبر فِي ظَاهر الرِّوَايَة مَا يُسمى لابسا ولابس السَّرَاوِيل يُسمى عُريَانا
وَلَو أَن قيمَة الْعِمَامَة والسراويل بلغت قيمَة الطَّعَام هَل يَقع عَن

(2/342)


الطَّعَام عِنْد مُحَمَّد يَقع بِغَيْر نِيَّة إِذا وجدت مِنْهُ نِيَّة الْكَفَّارَة
وَعند أبي يُوسُف لَا يَقع مَا لم ينْو الْكسْوَة عَن الطَّعَام
وَأما إِذا اخْتَار التَّحْرِير فَإِن أعتق رَقَبَة مُطلقَة كَامِلَة الذَّات وكاملة الرّقّ بنية الْكَفَّارَة بِأَيّ صفة كَانَت جَازَ صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا مُسلما كَانَ أَو ذِمِّيا لِأَن الله تَعَالَى أَمر بِإِعْتَاق رَقَبَة مُطلقَة بقوله {أَو تَحْرِير رَقَبَة} وَكَذَا فِي كَفَّارَة الظِّهَار وَهَذَا عندنَا
وَعند الشَّافِعِي لَا يجوز إِلَّا المؤمنة كَمَا فِي كَفَّارَة الْقَتْل
وَلَو أعتق رَقَبَة مَعِيبَة فَالْأَصْل فِيهِ أَن كل عيب يُوجب فَوَات جنس الْمَنْفَعَة يمْنَع عَن الْكَفَّارَة وَإِلَّا فَلَا
إِذا ثَبت هَذَا نقُول إِذا أعتق عبدا أَعور أَو مَقْطُوع إِحْدَى الْيَدَيْنِ أَو الرجلَيْن أَو الْيَد وَالرجل من خلاف أَجزَأَهُ لِأَن مَنْفَعَة الْجِنْس بَاقِيَة
وَلَو أعتق الْأَعْمَى أَو الْمَقْطُوع الْيَدَيْنِ أَو الرجلَيْن أَو الْمَقْطُوع الْيَد وَالرجل من جَانب وَاحِد لَا يجوز لِأَن مَنْفَعَة الْجِنْس مَعْدُومَة
وَأما الْمَجْنُون المغلوب فَلَا يجوز لِأَن مَنْفَعَة الْأَجْنَاس مَعْدُومَة
وَلَو أعتق مفلوجا يَابِس الشق لَا يجوز لِأَنَّهُ فَاتَ مَنْفَعَة الْجِنْس
وَلَو أعتق الْحمل لَا يجوز وَإِن ولد حَيا بعد يَوْم لِأَنَّهُ فِي معنى الْأَجْزَاء من وَجه
وَأما الْأَصَم فَالْقِيَاس أَن لَا يجوز
وَفِي الِاسْتِحْسَان يجوز لِأَنَّهُ إِذا بولغ فِي الصياح يسمع فَلَا يفوت جنس الْمَنْفَعَة

(2/343)


وَأما الْأَخْرَس فَلَا يجوز لما قُلْنَا
وَلَو أعتق حَلَال الدَّم جَازَ لِأَنَّهُ رَقَبَة كَامِلَة لوُجُود الْملك وَاسم الرَّقَبَة وَوُجُوب الْقصاص لَا يمْنَع جَوَاز التَّكْفِير بِهِ وَإِنَّمَا وَجب عَلَيْهِ حق
وَلَو أعتق عبدا مديونا جَازَ وللغرماء حق الِاسْتِسْعَاء
وَلَو أعتق ذَا رحم محرم مِنْهُ عَن الْكَفَّارَة جَازَ عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ
وَلَو أعتق الْمكَاتب جَازَ عندنَا خلافًا لَهُ
وَلَو أدّى بعض بدل الْكِتَابَة لَا يجوز بِالْإِجْمَاع
وَلَو أعتق عبدا مُشْتَركا بَينه وَبَين شَرِيكه وَهُوَ مُوسر وَاخْتَارَ الشَّرِيك الضَّمَان حَتَّى عتق كُله عَن الْمُعْتق لَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يجوز لِأَن الْإِعْتَاق لَا يتَجَزَّأ عِنْدهمَا فَيَقَع الْكل عَن الْكَفَّارَة وَثَبت الْملك بِالضَّمَانِ سَابِقًا وَعند أبي حنيفَة الْإِعْتَاق يتَجَزَّأ فَإِذا أعتق النّصْف جَازَ وينتقص فَإِذا ضمن ملك النّصْف النَّاقِص وإعتاق النَّاقِص لَا يجوز
وبمثله لَو أعتق نصف عَبده عَن الْكَفَّارَة ثمَّ أعتق النّصْف الْبَاقِي جَازَ وَبَين الْأَمريْنِ فرق بعيد
وَإِن كَانَ مُعسرا حَتَّى وَجَبت السّعَايَة على العَبْد لَا يجوز لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِ السّعَايَة فَيصير كَالْعِتْقِ بعوض وَهَذِه مَسْأَلَة مَعْرُوفَة
وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ إِن اشتريتك فَأَنت حر ثمَّ اشْتَرَاهُ بنية الْكَفَّارَة لَا يجوز لِأَنَّهُ لم تُوجد النِّيَّة مِنْهُ عِنْد الْيَمين وَإنَّهُ يصير معتقا بذلك الْكَلَام حَتَّى لَو قَالَ لَهُ إِن اشتريتك عَن يَمِين فَأَنت حر عَن كَفَّارَة يَمِيني جَازَ

(2/344)


وَلَو أعتق الْمُدبر أَو أم ولد عَن الْكَفَّارَة لَا يجوز لِأَنَّهُ نَاقص الرّقّ
أما إِذا كَانَ الْحَالِف مُعسرا فَعَلَيهِ صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام متتابعة عندنَا وَعند الشَّافِعِي يجوز مُتَفَرقًا وَقد ذكرنَا هَذَا وَلَو أفطر لمَرض أَو الْمَرْأَة تحيض استقبلا لِأَنَّهُمَا يجدان ثَلَاثَة أَيَّام لَا تحيض فِيهَا وَلَا مرض فِي الْغَالِب فَيبْطل التَّتَابُع بِخِلَاف صَوْمه شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَإِن ثمَّ لَا يَنْقَطِع التَّتَابُع لأجل الْعذر وَيَنْقَطِع بِالْمرضِ لِأَن الْغَالِب أَن الشَّهْرَيْنِ لَا يخلوان عَن الْحيض أَو عَن الْمَرَض
وَلَو أَن الْمُعسر إِذا أيسر فِي خلال الصَّوْم يجب عَلَيْهِ الْإِطْعَام أَو الْإِعْتَاق أَو الْكسْوَة وَيبْطل الصَّوْم لِأَنَّهُ قدر على الْأَصِيل قبل حُصُول الْمَقْصُود بِالْبَدَلِ
وَلَو أيسر بعد الصّيام لَا يبطل الصَّوْم بِخِلَاف الشَّيْخ الفاني إِذا أطْعم مَكَان الصَّوْم ثمَّ قدر يبطل لِأَن ذَلِك بدل ضَرُورِيّ
وَلَو أعتق رجل بِأَمْر رجل أَو أطْعم عَنهُ أَو كسا جَازَ وَإِن لم يُعْطه الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير
وَإِن فعل بِغَيْر أمره ثمَّ أجَازه لم يجز لِأَن الْإِعْتَاق بأَمْره كإعتاقه وَيكون مليكا للْعَبد مِنْهُ وَأمره بذلك قبُول مِنْهُ فَجَاز
فَأَما إِذا فعل بِغَيْر أمره لَا يتَوَقَّف على إِجَازَته لِأَنَّهُ وجد نفاذا على مَالِكه وَهُوَ التَّقَرُّب إِلَى الله فَلَا يتَوَقَّف
وَلَو صرف قيمَة الطَّعَام وَالثيَاب بنية الْكَفَّارَة إِلَى بِنَاء الْمَسَاجِد أَو أكفان الْمَوْتَى أَو قَضَاء دين رجل فَقير فَإِنَّهُ لَا يَقع عَن الْكَفَّارَة لِأَن الْوَاجِب هُوَ التَّمْلِيك وَلم يُوجد

(2/345)


وَلَو كَانَ الحانث لَهُ مَال وَعَلِيهِ دين مُسْتَغْرق أَجزَأَهُ الصَّوْم لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ الصّرْف إِلَى الدّين
وَلَو كَانَ لَهُ عبد وَعَلِيهِ دين لم يُجزئهُ الصَّوْم لِأَنَّهُ قَادر على إِعْتَاقه عَن الْكَفَّارَة وَقيل من أَصْحَابنَا من قَالَ يجوز لكَونه فَقِيرا

(2/346)