تحفة الفقهاء

كتاب الْإِجَارَة
الْإِجَارَة نَوْعَانِ إِجَارَة على الْمَنَافِع وَإِجَارَة على الْأَعْمَال
وَلكُل نوع شُرُوط وَأَحْكَام
أما الْإِجَارَة على الْمَنَافِع فكإجارة الدّور والمنازل والحوانيت والضياع وَعبيد الْخدمَة وَالدَّوَاب للرُّكُوب وَالْحمل وَالثيَاب والحلي للبس والأواني والظروف للاستعمال
وَالْعقد جَائِز فِي ذَلِك كُله
وَشرط جَوَازه أَن تكون الْعين الْمُسْتَأْجرَة مَعْلُومَة وَالْأُجْرَة مَعْلُومَة والمدة مَعْلُومَة بِيَوْم أَو شهر أَو سنة لِأَنَّهُ عقد مُعَاوضَة كَالْبيع وإعلام الْمَبِيع وَالثمن شَرط فِي البيع فَكَذَلِك هَهُنَا إِلَّا أَن الْمَعْقُود عَلَيْهِ هَهُنَا هُوَ الْمَنَافِع فَلَا بُد من إعلامها بالمدة وَالْعين وَالَّذِي عقدت الْإِجَارَة على مَنَافِعه
وَأما أَحْكَام هَذَا النَّوْع من الْإِجَارَة فكثيرة مِنْهَا أَنه يجب على الْآجر تَسْلِيم الْمُسْتَأْجر عقيب العقد
وَلَيْسَ لَهُ أَن يحبس الْمُسْتَأْجر لِاسْتِيفَاء الْأُجْرَة كَمَا فِي بَاب البيع لِأَن الْأُجْرَة لَا تجب بِنَفس العقد عندنَا لكَون الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِع مَعْدُومَة وَإِذا لم يجب الْأجر فَلَيْسَ لَهُ حق حبس الْمُسْتَأْجر لأخذ الْأجر وَأما فِي البيع فالثمن وَاجِب

(2/347)


وَإِنَّمَا يجب الْأجر وَيملك بِأحد معَان ثَلَاثَة إِمَّا بِأَن يشْتَرط تَعْجِيله فِي نفس العقد وَإِمَّا أَن يعجل بِغَيْر شَرط وَإِمَّا بِاسْتِيفَاء الْمَنَافِع شَيْئا فَشَيْئًا أَو بالتمكين من الِاسْتِيفَاء بِتَسْلِيم الْمُسْتَأْجر إِلَيْهِ وبتسليم الْمِفْتَاح إِلَيْهِ أَيْضا
وَعند الشَّافِعِي تجب الْأُجْرَة كلهَا بِنَفس العقد وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة
ثمَّ إِن وَقع الشَّرْط فِي عقد الْإِجَارَة أَن لَا يجب الْأجر إِلَّا بعد انْقِضَاء مُدَّة الْإِجَارَة فَذَلِك جَائِز فَيكون تأجيلا للأجرة بِمَنْزِلَة تَأْجِيل الثّمن
وَأما إِذا لم يشْتَرط فِي العقد شَيْئا فَقَالَ أَبُو حنيفَة أَولا وَهُوَ قَول زفر لَا تجب الْأُجْرَة إِلَّا فِي آخر الْمدَّة ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ تجب حَالا فحالا كلما مضى يَوْم يسلم أجرته وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد لِأَن الْأُجْرَة تملك على حسب ملك الْمَنَافِع سَاعَة فساعة والاستيفاء على هَذَا الْوَجْه مُتَعَذر فقدره بِالْيَوْمِ
وَذكر الْكَرْخِي فِي الْإِجَارَة على قطع الْمسَافَة أَنه يسلم أُجْرَة كل مرحلة
وَمِنْهَا أَنه يعْتَبر ابْتِدَاء الْمدَّة من حِين وَقع العقد فَإِذا أجر شهرا أَو شهورا أَو سِنِين مَعْلُومَة فَإِن وَقعت الْإِجَارَة فِي أول الشَّهْر يعْتَبر بِالْأَهِلَّةِ وَإِن وَقعت فِي بعض الشَّهْر يعْتَبر بِالْأَيَّامِ كل شهر ثَلَاثُونَ يَوْمًا
وَكَذَلِكَ فِي الشُّهُور والسنين
وَذكر فِي الأَصْل إِذا اسْتَأْجر دَارا سنة مُسْتَقْبلَة فِي بعض الشَّهْر فَإِنَّهُ يسكن بَقِيَّة هَذَا الشَّهْر وَأحد عشر شهرا بِالْأَهِلَّةِ وَيتم الشَّهْر الأول بالشهر الثَّانِي فَيكون فِي الْمَسْأَلَة رِوَايَتَانِ
وَلَو أضَاف الْإِجَارَة إِلَى زمَان فِي الْمُسْتَقْبل بِأَن قَالَ فِي رَمَضَان أجرتك هَذِه الدَّار سنة أَولهَا غرَّة الْمحرم يجوز

(2/348)


وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تجوز الْإِجَارَة مَا لم يكن أول الْمدَّة عقيب العقد
وَلِهَذَا قُلْنَا إِن المؤاجر لَو بَاعَ هَذِه الدَّار لَا يَصح فِي حق الْمُسْتَأْجر وَإِن لم يَجِيء الْوَقْت الَّذِي أضيف إِلَيْهِ الْإِجَارَة لَكِن لَا يجب عَلَيْهِ تَسْلِيم الدَّار مَا لم يَأْتِ ذَلِك الْوَقْت
وَمِنْهَا أَنه إِذا اسْتَأْجر دَارا أَو حانوتا أَو غير ذَلِك من الْعقار غير الْمزَارِع فَلهُ الِانْتِفَاع بهَا كَيفَ شَاءَ من السُّكْنَى وَله أَن يسكن فِيهَا من أحب بِالْإِجَارَة والإعارة وَله أَن يعْمل فِيهَا أَي عمل شَاءَ غير أَنه لَا يَجْعَل فِيهَا حدادا وَلَا قصارا وَلَا مَا يضر بِالْبِنَاءِ ويوهنه
وَلَا تفْسد الْإِجَارَة وَإِن لم يسم مَا يعْمل فِيهَا لِأَن مَنَافِع السُّكْنَى غير مُتَفَاوِتَة إِذا لم يكن فِيهَا مَا يوهن الْبناء وَذَلِكَ مُسْتَثْنى فَصَارَت الْمَنَافِع مَعْلُومَة بِخِلَاف مَا إِذا اسْتَأْجر أَرضًا للزِّرَاعَة حَيْثُ لم يجز العقد حَتَّى يبين مَا يزرع فِيهَا أَو يَجْعَل لَهُ أَن يزرع فِيهَا مَا شَاءَ لِأَن مَنَافِع الزِّرَاعَة مُخْتَلفَة
وَلَو اسْتَأْجر دَابَّة وَلم يسم مَا يحمل عَلَيْهَا أَو عبدا وَلم يبين الْعَمَل لَا يجوز لِأَن ذَلِك مِمَّا يتَفَاوَت وَإِن اخْتَصمَا يفْسخ العقد وَإِن مَضَت الْمدَّة أَو حمل عَلَيْهَا أَو اسْتعْمل العَبْد فَالْقِيَاس أَن يجب أجر الْمثل لِأَنَّهُ استوفى الْمَنْفَعَة بِعقد فَاسد وَفِي الِاسْتِحْسَان يجب الْمُسَمّى لِأَنَّهُ يتَعَيَّن الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَيصير مَعْلُوما بِالْعَمَلِ وَالْحمل فَيَعُود العقد جَائِزا
وَمِنْهَا أَنه يجب على المؤاجر تَسْلِيم الْمُسْتَأْجر سليما عَن الْعَيْب الَّذِي يضر بِالِانْتِفَاعِ خَالِيا عَن الْمَوَانِع الَّتِي تمنع من الِانْتِفَاع فِي جَمِيع الْمدَّة حَتَّى يجب عَلَيْهِ جَمِيع الْأجر
فَإِن كَانَ بِهِ عيب يضر بِالِانْتِفَاعِ فالمستأجر بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ فسخ الْإِجَارَة وَإِن شَاءَ مضى عَلَيْهَا

(2/349)


فَإِن مضى عَلَيْهَا مَعَ الْعَيْب يجب عَلَيْهِ جَمِيع الْمُسَمّى لِأَنَّهُ رَضِي بالمعقود عَلَيْهِ مَعَ الْعَيْب
وَإِن زَالَ ذَلِك الْعَيْب أَو سقط حَائِط فبناه المؤاجر فَلَا خِيَار للْمُسْتَأْجر لِأَن الْعَيْب زَالَ
فَإِن كَانَ المؤاجر غَائِبا فَلَيْسَ لَهُ أَن يفسخه لِأَن الْفَسْخ لَا يجوز إِلَّا بِحُضُور الْعَاقِدين أَو من قَامَ مقامهما
وَإِن سَقَطت الدَّار كلهَا أَو انْهَدَمت فَلهُ أَن يخرج من الدَّار كَانَ المؤاجر حَاضرا أَو غَائِبا
وَاخْتلفت إِشَارَة الرِّوَايَات فِي أَن العقد يَنْفَسِخ أَو يثبت لَهُ حق الْفَسْخ وَالصَّحِيح أَنه يَنْفَسِخ لِأَنَّهُ فَاتَ جنس الِانْتِفَاع الْمَعْهُود بِالدَّار وَإِنَّمَا يُمكنهُ أَن ينْتَفع بِضَرْب الْخَيْمَة وَنَحْوهَا وَالْعقد يَنْفَسِخ بِهَلَاك الْمَعْقُود عَلَيْهِ
وَأما إِذا اسْتَأْجر دارين صَفْقَة وَاحِدَة فَسَقَطت إِحْدَاهمَا أَو مَنعه مَانع من إِحْدَاهمَا أَو كَانَت الدَّار الْمُسْتَأْجرَة وَاحِدَة وَامْتنع رب الدَّار عَن تَسْلِيم بَيت مِنْهَا فَلهُ أَن يفْسخ العقد لِأَن الصَّفْقَة تَفَرَّقت فِي الْمَنَافِع وتفريق الصَّفْقَة يثبت الْخِيَار
أما إِذا حدث مَانع يمْنَع من الِانْتِفَاع بعد التَّسْلِيم فِي الْمدَّة كَمَا إِذا غصبه غَاصِب أَو حدث الْإِبَاق أَو الْمَرَض المعجز عَن الِانْتِفَاع أَو انْقِطَاع المَاء فِي الرحا أَو الشّرْب فِي الأَرْض فَإِنَّهُ تسْقط الْأُجْرَة فِي الْمُسْتَقْبل مَا لم يسلم إِلَيْهِ وَيلْزمهُ أجر مَا مضى لِأَن الْأجر يجب شَيْئا فَشَيْئًا بِمُقَابلَة اسْتِيفَاء الْمَنَافِع
ثمَّ تطيين الدَّار وَإِصْلَاح ميازيبها وَمَا وهى من بنائها على رب الدَّار دون الْمُسْتَأْجر حَتَّى تكون صَالِحَة للِانْتِفَاع وَلَكِن لَا يجْبر على ذَلِك

(2/350)


لِأَن الْمَالِك لَا يجْبر على إصْلَاح ملكه لَكِن يثبت الْخِيَار للْمُسْتَأْجر لِأَن هَذَا فِي معنى الْعَيْب
وَكَذَا إصْلَاح بِئْر المَاء والبالوعة والمخرج على رب الدَّار وَإِن امْتَلَأَ من فعل الْمُسْتَأْجر لَكِن لَا يجْبر عَلَيْهِ لما ذكرنَا
وَإِذا انْقَضتْ مُدَّة الْإِجَارَة وَفِي الدَّار تُرَاب من كنس الْمُسْتَأْجر فَعَلَيهِ أَن يرفعهُ لِأَنَّهُ حدث بِفِعْلِهِ
وَالْقِيَاس فِي امتلاء الْمخْرج والبالوعة كَذَلِك وَفِي الِاسْتِحْسَان لَا يلْزمه لِأَن الْعَادة جرت أَن كل مَا كَانَ مغيبا فِي الأَرْض فنقله على صَاحب الدَّار
وَإِن أصلح الْمُسْتَأْجر شَيْئا من ذَلِك يكون مُتَبَرعا إِلَّا إِذا فعل ذَلِك بِأَمْر رب الدَّار أَو بِأَمْر من هُوَ نَائِب عَنهُ
وعَلى الْمُسْتَأْجر فِي إِجَارَة الدَّار والحانوت تَسْلِيم الْمِفْتَاح إِلَى المؤاجر بعد انْتِهَاء الْمدَّة
فَأَما فِي الدَّابَّة الَّتِي اسْتَأْجرهَا للرُّكُوب فِي حَوَائِجه فِي الْمصر وقتا مَعْلُوما فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يُسَلِّمهَا إِلَى صَاحبهَا بِأَن يذهب بهَا إِلَى منزله وعَلى المؤاجر أَن يقبضهَا من منزل الْمُسْتَأْجر لِأَنَّهُ حصل لَهُ الْمَنْفَعَة بِالتَّسْلِيمِ إِلَى الْمُسْتَأْجر وَهُوَ الْأجر فَلم يكن عَلَيْهِ الرَّد كَمَا فِي الْوَدِيعَة حَتَّى لَو أمْسكهَا أَيَّامًا وَلم ينْتَفع بهَا فَهَلَكت فِي يَده لم يضمنهَا وَفِي الْعَارِية وَالْغَصْب يجب الرَّد على الْمُسْتَعِير وَالْغَاصِب
وَلَو اسْتَأْجر من مَوضِع مُسَمّى فِي الْمصر إِلَى مَكَان مَعْلُوم ذَاهِبًا وجائيا فَإِن على الْمُسْتَأْجر أَن يَأْتِي بهَا إِلَى ذَلِك الْموضع الَّذِي قبضهَا مِنْهُ لِأَن انْتِهَاء الْإِجَارَة إِلَى هَذَا الْموضع فَعَلَيهِ أَن يَأْتِي بهَا إِلَيْهِ لِأَن الرَّد وَاجِب على الْمُسْتَأْجر فَإِن حملهَا إِلَى منزله فَأَمْسكهَا حَتَّى عطبت يضمن لِأَنَّهُ

(2/351)


تعدى فِي حملهَا إِلَى غير مَوضِع العقد حَتَّى لَو قَالَ الْمُسْتَأْجر اركبها من هَذَا الْموضع إِلَى مَوضِع كَذَا وارجع إِلَى منزلي فَلَيْسَ على الْمُسْتَأْجر أَن يردهَا إِلَى منزل المؤاجر لِأَن الْإِجَارَة انْتَهَت فَبَقيت أَمَانَة فِي يَده فَلَا يجب عَلَيْهَا الرَّد كَمَا فِي الْوَدِيعَة
وَأما الْإِجَارَة على الْأَعْمَال فكاستئجار الْقصار والإسكاف والصباغ وَسَائِر من يشْتَرط عَلَيْهِ الْعَمَل فِي سَائِر الْأَعْمَال من حمل الْأَشْيَاء من مَوضِع إِلَى مَوضِع وَنَحْوهَا
وَهُوَ نَوْعَانِ اسْتِئْجَار الْأَجِير الْمُشْتَرك والأجير الْخَاص الَّذِي يُسمى أجِير الوحد فالأجير الْمُشْتَرك كاسمه الَّذِي يتَقَبَّل الْأَعْمَال من النَّاس كالصباغ والقصار وَنَحْوهمَا
وأجير الوحد كاسمه الَّذِي يعْمل للْوَاحِد مُدَّة مَعْلُومَة وللأول أَن يعْمل لَهُم جَمِيعًا وَلَيْسَ لمن اسْتَأْجرهُ أَن يمنعهُ عَن الْعَمَل لغيره
وَفِي أجِير الوحد لَيْسَ لَهُ ذَلِك وللمستأجر أَن يمنعهُ
ثمَّ أحكامهما تخْتَلف فِي بعض الْأَشْيَاء وتتفق فِي الْبَعْض فأجير الوحد لَا يكون ضَامِنا للعين الَّتِي تسلم إِلَيْهِ للْعَمَل فِيهَا كَمَا إِذا اسْتَأْجر يَوْمًا أَو شهرا قصارا أَو خياطا ليعْمَل لَهُ لَا غير حَتَّى لَو هلك فِي يَده لَا بصنعه لَا يضمن بِالْإِجْمَاع
وَكَذَلِكَ لَو تخرق بصنعه الَّذِي هُوَ من الْعَمَل الْمَأْذُون فِيهِ
فَأَما الْأَجِير الْمُشْتَرك فَلَا يكون ضَامِنا وَتَكون الْعين الَّتِي فِي يَده أَمَانَة عِنْد أبي حنيفَة وَزفر
وَفِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد يكون مَضْمُونا لَو هلك بِغَيْر صنعه يضمن إِلَّا إِذا هلك بحرق غَالب أَو بغرق غَالب وَنَحْو ذَلِك
وَلَو تخرق بصنع مُعْتَاد بِأَن دق مثله أَو أَلْقَاهُ فِي النورة فَاحْتَرَقَ أَو الملاح إِذا غرقت السَّفِينَة من عمله وَالْحمار إِذا سقط وَفَسَد الْحمل أَو الرَّاعِي الْمُشْتَرك إِذا سَاق الدَّوَابّ فَضرب بَعْضهَا بَعْضًا فِي حَال

(2/352)


سِيَاقه حَتَّى هلك يكون مَضْمُونا عندنَا وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ لَا يضمن وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة
وَلَو اسْتَأْجر البزاغ والفصاد والختان فعملوا عَمَلهم ثمَّ سرى إِلَى النَّفس وَمَات فَلَا ضَمَان عَلَيْهِم لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وسعهم الِاحْتِرَاز من ذَلِك
وَلَو تخرق بدق أجِير الْقصار لَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَكِن يجب الضَّمَان على الْأُسْتَاذ لِأَن عمله ينْتَقل إِلَيْهِ كَأَنَّهُ فعل بِنَفسِهِ
وَلَو وطىء على ثوب من ثِيَاب القصارة فخرقه يضمن لِأَن هَذَا لَيْسَ من تَوَابِع الْعَمَل
وَلَو وَقع من يَده سراج فَأحرق ثوبا من ثِيَاب القصارة فَالضَّمَان على الْأُسْتَاذ لَا عَلَيْهِ لِأَن الذّهاب والمجيء بالسراج عمل مَأْذُون فِيهِ
وَكَذَلِكَ لَو وَقع الكذينق من يَده فخرق ثوبا من ثِيَاب القصارة فَالضَّمَان على الْأُسْتَاذ لِأَن هَذَا من عمل القصارة
وَلَو وَقع على ثوب وَدِيعَة عِنْد الْأُسْتَاذ فخرقه ضمنه الْأَجِير وَكَذَا فِي السراج إِذا حرقه
وَلَو هلك الْعين الْمَعْمُول فِيهِ هَل يسْقط الْأجر فَهَذَا لَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ الْعين الْمَعْمُول فِيهِ فِي يَد الْأَجِير أَو فِي الْمُسْتَأْجر
فَإِن كَانَ فِي يَد الْأَجِير فَهُوَ على وَجْهَيْن إِمَّا إِن كَانَ لعمله أثر فِي الْعين كالقصارة والصباغة فَإِنَّمَا يجب الْأجر بِتَسْلِيم ذَلِك الْأَثر فَإِذا هلك قبل التَّسْلِيم فِي يَده سقط الْأجر لِأَنَّهُ لم يسلم الْمَعْقُود عَلَيْهِ

(2/353)


وَإِن لم يكن لعمله أثر فِي الْعين كالحمال والملاح فَكَمَا فرغ من الْعَمَل يجب الْأجر وَإِن لم يسلم الْعين إِلَى صَاحبه لِأَن الْمَعْقُود عَلَيْهِ الْمَنْفَعَة وَنَفس الْعَمَل فَإِذا انْتَهَت الْمدَّة فقد فرغ من الْعَمَل وَصَارَ مُسلما فِي الْعين الَّتِي هِيَ ملك صَاحبهَا فَلَا يسْقط الْأجر بِالْهَلَاكِ بعده وَلِهَذَا قَالُوا إِن كل عمل لَهُ أثر فِي الْعين هُوَ الَّذِي ملك صَاحبه كَانَ لَهُ حق حبس الْعين حَتَّى يَسْتَوْفِي الْأجر لِأَن الْبَدَل مُسْتَحقّ بِمُقَابلَة ذَلِك الْأَثر وَمَا لَا أثر لَهُ لَا يثبت فِيهِ حق الْحَبْس لِأَن الْعَمَل الْمَعْقُود عَلَيْهِ لَيْسَ فِي الْعين وَلِهَذَا قَالُوا إِن الْحمال إِذا حبس الْمَتَاع الَّذِي فِي يَده ليستوفي الْأجر فَهَلَك يضمن لِأَن الْعين أَمَانَة فِي يَده فَإِذا حبس صَار غَاصبا فَيضمن
وَأما إِذا كَانَ الْعين الْمَعْمُول فِيهِ فِي يَد الْمُسْتَأْجر بِأَن عمل الْأَجِير فِي ملك الْمُسْتَأْجر أَو فِيمَا فِي يَده من فنَاء ملكه وَنَحْو ذَلِك فَإِذا فرغ من الْعَمَل يسْتَحق كل الْأجر وَإِن لم يفرغ وَعمل بعضه يسْتَحق الْأجر بِقَدرِهِ وَيصير ذَلِك مُسلما إِلَى صَاحبه حَتَّى إِنَّه إِذا اسْتَأْجر إنْسَانا ليبني لَهُ بِنَاء فِي دَاره أَو فِيمَا فِي يَده أَو يعْمل لَهُ ساباطا أَو جنَاحا أَو يحْفر لَهُ بِئْرا أَو قناة أَو نَهرا فِي ملكه أَو فِيمَا فِي يَده فانهدم الْبناء أَو انهارت الْبِئْر أَو سقط الساباط لم يسْقط شَيْء من الْأجر إِن كَانَ بعد الْفَرَاغ وَإِن كَانَ قبل الْفَرَاغ يجب بِقدر حِصَّة الْعَمَل
وَأما إِذا كَانَ الْحفر أَو الْبناء فِي غير ملكه وَيَده فَلم يصر مُسلما إِلَيْهِ بِالْعَمَلِ فَمَا لم تُوجد التَّخْلِيَة من الْأَجِير بَين الْمُسْتَأْجر وَبَينه لَا يصير قَابِضا للمعقود عَلَيْهِ فَإِذا فسد قبل ذَلِك أَو هلك سقط الْأجر
وعَلى هَذَا إِذا اسْتَأْجرهُ ليضْرب لَهُ لَبَنًا فِي ملكه فَرب اللَّبن لَا يصير قَابِضا حَتَّى يجِف اللَّبن وينصبه فِي قَول أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا حَتَّى يشرجه

(2/354)


وَإِن كَانَ ذَلِك فِي غير ملكه أَو فِي غير يَده لم يكن لَهُ الْأجر حَتَّى يُسلمهُ إِلَيْهِ مَنْصُوبًا عِنْده وَعِنْدَهُمَا مشرجا لِأَنَّهُ لم يكن فِي يَده حَتَّى يصير الْعَمَل مُسلما إِلَيْهِ فَلَا بُد من التَّخْلِيَة بعد الْفَرَاغ من الْعَمَل
وعَلى هَذَا الْخياط يخيط لَهُ فِي منزله قَمِيصًا فَإِن خاط بعضه لم يكن لَهُ أجر لِأَن هَذَا الْعَمَل لَا ينْتَفع بِبَعْضِه فَإِذا فرغ مِنْهُ ثمَّ هلك فَلهُ الْأجر لِأَنَّهُ صَار مُسلما للْعَمَل عِنْده

(2/355)


بَاب الْإِجَارَة الْفَاسِدَة
وَمَا يكون بِهِ مُخَالفا الْمُسْتَأْجر إِذا كَانَ مَجْهُولا أَو الْأجر مَجْهُولا أَو الْعَمَل أَو الْمدَّة فَالْإِجَارَة فَاسِدَة لِأَنَّهَا جَهَالَة تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة كَمَا فِي البيع
وَإِجَارَة الْمشَاع فِيمَا يقسم أَو لَا يقسم فَاسِدَة عِنْد أبي حنيفَة وَزفر
وعَلى قَوْلهمَا جَائِزَة وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَأَجْمعُوا أَنَّهَا من الشَّرِيك جَائِزَة
وَأَجْمعُوا أَنه لَو أجر من رجلَيْنِ جَازَ وَلَو مَاتَ أَحدهمَا حَتَّى بطلت الْإِجَارَة فِي حِصَّته وَصَارَت ملكا للْوَارِث فَيصير شيوعا طارئا فَإِنَّهُ لَا تبطل الْإِجَارَة فالشيوع الْمُقَارن مُفسد والطارىء غير مُفسد هَذَا هُوَ الْمَشْهُور من الرِّوَايَة وَالْمَسْأَلَة تعرف فِي الخلافيات
وَالْإِجَارَة على الْقرب والطاعات كَالْحَجِّ والإمامة والآذان وَنَحْوهَا فَاسِدَة عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ
وَالْإِجَارَة على الْمعاصِي كَمَا إِذا اسْتَأْجر مغنيا أَو نائحة فَهِيَ فَاسِدَة
وَلَا يجوز إِجَارَة النَّهر والبئر والقناة مَعَ المَاء وَلَا إِجَارَة المراعي وَالْآجَام لِأَن هَذِه إِجَارَة على اسْتِهْلَاك الْعين وَالْإِجَارَة لِاسْتِيفَاء الْمَنَافِع مَعَ بَقَاء الْعين

(2/357)


وَلَو أستجر نَهرا يَابسا أَو موضعا من الأَرْض مَعْلُوما ليسيل فِيهِ مَاء الْمَطَر أَو مَاء الزِّرَاعَة لَا يجوز لتَفَاوت فِي قلَّة المَاء وكثرته وَذَلِكَ مِمَّا يضر بالنهر وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه يجوز
وَلَو اسْتَأْجر طَرِيقا فِي دَار غَيره ليمر فِيهَا وقتا مَعْلُوما لم يجز فِي قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَيجوز فِي قِيَاس قَوْلهمَا بِنَاء على أَن إِجَارَة الْمشَاع فَاسِدَة عِنْده خلافًا لَهما
وَإِذا اسْتَأْجر رجلا للْبيع وَالشِّرَاء لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا يقدر على ذَلِك إِلَّا بِفعل غَيره وَأما إِذا اسْتَأْجرهُ شهرا ليبيع لَهُ وَيَشْتَرِي جَازَ لِأَن الْإِجَارَة وَقعت على مَنْفَعَة الْمدَّة وَهِي مَعْلُومَة
وَلَو اسْتَأْجر أَرضًا فِيهَا رطبَة سنة لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا يُمكن تَسْلِيمهَا إِلَّا بِضَرَر وَهُوَ قلع الرّطبَة فَإِن قلع رب الأَرْض الرّطبَة وَسلم أَرضًا بَيْضَاء جَازَ وَيجْبر على الْقبُول كَمَا إِذا اشْترى جذوعا فِي سقف
وَلَو اسْتَأْجر عبدا للْخدمَة أَو دَابَّة للْحَمْل وَشرط الْمُسْتَأْجر نَفَقَتهَا فَهِيَ فَاسِدَة لِأَن قدر النَّفَقَة مَجْهُول
ثمَّ فِي الْإِجَارَة الْفَاسِدَة إِذا استوفى الْمَنْفَعَة يجب أجر الْمثل مُقَدرا بِالْمُسَمّى عندنَا وَعند زفر يجب أجر الْمثل تَاما على مَا مر
وَأما بَيَان مَا يصير بِهِ مُخَالفا وَمَا لَا يصير بِهِ مُخَالفا فَنَقُول إِذا اسْتَأْجر دَابَّة ليحمل عَلَيْهَا شَيْئا فَحمل عَلَيْهَا غَيره ينظر إِن كَانَ ضَرَر الدَّابَّة من حَيْثُ الخفة والثقل فَإِن كَانَ ذَلِك الشَّيْء مثل الْمَأْمُور بِهِ أَو أخف فَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَن التَّعْيِين لَا فَائِدَة فِيهِ
وَإِن كَانَ أثقل فَإِن كَانَ بِخِلَاف جنسه بِأَن حمل مَكَان الشّعير الْحِنْطَة فعطبت الدَّابَّة فَهُوَ مُخَالف وضامن وَلَا أجر عَلَيْهِ لِأَنَّهَا هَلَكت بِفعل غير

(2/358)


مَأْذُون فِيهِ فَوَجَبَ الضَّمَان دون الْأجر لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ
وَإِن كَانَ من جنسه فَحمل الْمُسَمّى وَزَاد عَلَيْهِ بِأَن حمل أحد عشر قَفِيزا مَكَان الْعشْرَة فَإِن سلمت الدَّابَّة فَلهُ مَا سمى من الْأجر وَإِن عطبت فَهُوَ ضَامِن لجزء من أحد عشر جُزْءا من أَجزَاء الدَّابَّة وَعَلِيهِ الْأجر الَّذِي سمي لِأَنَّهَا مَاتَت بِفعل مَأْذُون وَغير مَأْذُون فَيقسم على قدر ذَلِك
فَأَما إِذا كَانَ ضَرَر الدَّابَّة لَا من حَيْثُ الخفة والثقل بِأَن يسْتَأْجر دَابَّة ليحمل عَلَيْهَا مائَة من من قطن فَحمل عَلَيْهَا مثل وَزنه حديدا أَو أقل ضمن لِأَن ثقل الْقطن يكون على جَمِيع الْعُضْو لِأَنَّهُ ينبسط على الْموضع الَّذِي حمل عَلَيْهِ فَأَما ثقل الْحَدِيد فَيكون فِي مَوْضُوع وَاحِد فَيكون أَثَره أقوى فِي الضَّرَر
وعَلى هَذَا إِذا اسْتَأْجرهَا ليرْكبَهَا فأركب من هُوَ مثله فِي الثّقل أَو أخف ضمن لِأَن ذَلِك يخْتَلف بالحذق والخرق وَلَو ركبهَا وأركب مَعَ نَفسه غَيره فعطبت فَإِن كَانَت الدَّابَّة مِمَّا يُمكن أَن يركبهَا اثْنَان يضمن نصف قيمتهَا لِأَن التّلف حصل بركوبهما فَصَارَ كَمَا لَو تلفت بجراحتهما وَأَحَدهمَا غير مَأْذُون وَإِن كَانَ لَا يُمكن فَعَلَيهِ جَمِيع قيمتهَا لِأَن هَذَا إِتْلَاف مِنْهُ
وعَلى هَذَا إِذا اسْتَأْجر دَابَّة بإكاف فأسرجها لَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَن الضَّرَر أقل لِأَنَّهُ يَأْخُذ من الظّهْر أقل
وَإِن اسْتَأْجر حمارا بسرج فأسرجه سرجا آخر فَإِن كَانَ مثل الأول بِأَن يسرج بِهِ الْحمار لَا يضمن وَإِن أسرجه بسرج الْفرس يضمن
فَإِن أوكفه ذكر فِي الأَصْل أَنه يضمن بِقدر مَا زَاد الإكاف على السرج وَفِي

(2/359)


الْجَامِع الصَّغِير على قَول أبي حنيفَة يضمن الْكل
وَعِنْدَهُمَا بِقدر ذَلِك
وَإِن اسْتَأْجر حمارا عُريَانا فأسرجه فَإِن اسْتَأْجر ليركب خَارج الْمصر لَا يضمن
وَإِن اسْتَأْجر ليركبه فِي الْمصر فَإِن كَانَ رجلا من الْأَشْرَاف أَو الأوساط لَا يضمن لِأَن مثله لَا يركب من غير سرج فَيكون إِذْنا دلَالَة وَإِن كَانَ من الأسافل يضمن لِأَن مثله يركب بِغَيْر سرج بالجل وَنَحْوه والسرج أثقل فَيضمن
ثمَّ الْإِجَارَة تفسخ بالاعذار المخصومة عندنَا وَإِن وَقعت الْإِجَارَة صَحِيحَة لَازِمَة بِأَن لم يكن ثمَّة عيب وَلَا مَانع من الِانْتِفَاع
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تفسخ وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة
ثمَّ الْعذر مَا يكون عارضا يتَضَرَّر بِهِ الْعَاقِد مَعَ بَقَاء العقد وَلَا ينْدَفع بِدُونِ الْفَسْخ بَيَان ذَلِك إِذا أَرَادَ الْمُسْتَأْجر أَن ينْتَقل عَن الْبَلَد أَو يُسَافر فَلهُ أَن ينْقض الْإِجَارَة فِي الْعقار وَغَيره
وَكَذَا مُسْتَأْجر الْحَانُوت إِذا ترك ذَلِك الْعَمَل أَو التِّجَارَة وانتقل إِلَى غَيره
وَكَذَا إِذا أفلس
وَلَيْسَ للمؤاجر عِنْد السّفر والنقلة عَن الْبَلَد عذر لِأَنَّهُ لَا ضَرَر عَلَيْهِ فِي تبقيه العقد
وَمرض الْحمال وَالْجمال بِحَيْثُ يضرّهُ الْحمل عذر فِي رِوَايَة أبي يُوسُف لِأَن غَيره لَا يقوم مقَامه إِلَّا بِضَرَر وَذكر مُحَمَّد فِي الأَصْل وَقَالَ

(2/360)


مرض الْجمال لَا يكون عذرا لِأَن خُرُوجه مَعَ الْإِبِل لَيْسَ بمستحق
وَكَذَا الدّين الَّذِي لَا طَرِيق للمؤاجر فِي قَضَائِهِ إِلَّا بيع الْمُسْتَأْجر يكون عذرا
وَكَذَا الْمُسْتَأْجر إِذا كَانَ لَا يحصل لَهُ النَّفْع مِمَّا اسْتَأْجر إِلَّا بِضَرَر يدْخلهُ فِي ملكه أَو بدنه فَبَدَا لَهُ ذَلِك فَلهُ فَسخه كمن اسْتَأْجر رجلا لِيقصرَ لَهُ ثيابًا أَو يقطعهَا أَو يخيطها أَو ينْقض دَارا لَهُ أَو يقطع شَجرا أَو يحدث فِي ملكه شَيْئا من بِنَاء أَو حفر أَو ليحتجم أَو يفتصد أَو يقْلع ضرسا لَهُ أَو ليزرع أَرضًا لَهُ ببذره وَنَحْو ذَلِك لِأَنَّهُ إِذا بدا لَهُ من ذَلِك ظهر أَنه لَهُ فِيهِ ضَرَرا
ثمَّ الْإِجَارَة تبطل بِمَوْت الْمُسْتَأْجر أَو المؤاجر عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ ونعني بِهِ موت من وَقع لَهُ عقد الْإِجَارَة دون الْعَاقِد حَتَّى إِذا كَانَ وَكيلا لَا تبطل
فَأَما هَلَاك الْمُسْتَأْجر فَإِن كَانَ شَيْئا بِعَيْنِه يبطل
وَإِن كَانَ بِغَيْر عينه بِأَن وَقعت الْإِجَارَة على دَوَاب بِغَيْر عينهَا للْحَمْل أَو الرّكُوب وَسلم إِلَيْهِ الدَّوَابّ فَهَلَكت فعلى المؤاجر أَن يَأْتِي بغَيْرهَا ليحمل الْمَتَاع وَلَيْسَ لَهُ أَن يفْسخ لِأَنَّهُ لم يعجز عَن وَفَاء مَا الْتَزمهُ بِالْعقدِ وَهُوَ حمل مَتَاعه إِلَى مَوضِع كَذَا
ثمَّ إجَازَة الظِّئْر مثل إِجَارَة عبد الْخدمَة لَا بُد من بَيَان الْوَقْت وَبَيَان الْأجر وَنَحْو ذَلِك إِلَّا أَن فِي الظِّئْر إِذا اسْتَأْجرهَا بكسوتها ونفقتها جَازَ من غير بَيَان عِنْد أبي حنيفَة اسْتِحْسَانًا وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز لِأَن هَذِه جَهَالَة تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة غَالِبا
وَإِنَّهَا بِمَنْزِلَة أجِير الوحد لَا يجوز لَهَا أَن ترْضع غَيره
وَعَلَيْهَا الرَّضَاع وَالْقِيَام بِأَمْر الصَّبِي فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من غسله وَغسل

(2/361)


ثِيَابه وطبخ طَعَامه وتهيئة ذَلِك وَالطَّعَام على الْأَب
وَذكر وَمَا يعالج بِهِ الصّبيان من الريحان والدهن فعلى الظِّئْر وَهَذَا من عَادَة بلدهم فَأَما فِي بِلَادنَا بِخِلَافِهِ فعلى الْأَب
ثمَّ الْإِجَارَة تتَوَقَّف على إجَازَة الْمَالِك ثمَّ ينظر إِن أجَاز العقد قبل اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة جَازَ وَتَكون الْأُجْرَة للْمَالِك
وَإِن أجَازه بعد اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة لم يجز بإجازته وَكَانَت الْأُجْرَة للعاقد لِأَن الْمَنْفَعَة الْمَاضِيَة تلاشت فَلَا يبْقى العقد بعد فَوَات مَحَله فَلَا يلْحقهُ الْإِجَازَة وَيصير الْعَاقِد غَاصبا بِالتَّسْلِيمِ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ إِذا آجر وَقَالُوا فِي الْغَاصِب إِذا آجر وَسلم ثمَّ قَالَ الْمَالِك أجزت مَا آجرت إِذا انْقَضتْ الْمدَّة فالأجر للْغَاصِب وَإِن أجَاز فِي نصف الْمدَّة فالأجر كُله للْمَالِك فِي قَول أبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد أجر مَا مضى للْغَاصِب وَأجر الْبَاقِي للْمَالِك
وَكَذَا قَالَ مُحَمَّد فِيمَن غصب أَرضًا فأجرها للزِّرَاعَة فَأجَاز رب الأَرْض قَالَ إِن أَعْطَاهَا مُزَارعَة وأجازها صَاحب الأَرْض جَازَت وَإِن كَانَ الزَّرْع قد سنبل مَا لم ييبس فَلَا شَيْء للْغَاصِب من الزَّرْع لِأَن الْمُزَارعَة كالشيء الْوَاحِد لَا ينْفَصل بعض عَملهَا عَن بعض فَإِذا أجازها قبل الْفَرَاغ فَجعل كالابتداء وَأما إِذا يبس الزَّرْع فقد انْقَضى عمل الْمُزَارعَة فَلَا تلْحقهُ الْإِجَازَة فَيكون للْغَاصِب
ثمَّ تَفْسِير الاستصناع هُوَ عقد على مَبِيع فِي الذِّمَّة وَشرط عمله على الصَّانِع
وَالْقِيَاس أَن لَا يجوز

(2/362)


وَفِي الِاسْتِحْسَان جَائِز لتعامل النَّاس فَلَا جرم اخْتصَّ جَوَازه بِمَا فِيهِ تعامل كَمَا فِي الْخُف والقلنسوة والأواني وَنَحْوهَا بعد بَيَان الْقدر وَالصّفة وَالنَّوْع
وَهُوَ عقد غير لَازم وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا الْخِيَار فِي الِامْتِنَاع قبل الْعَمَل وَبعد الْفَرَاغ من الْعَمَل لَهما الْخِيَار حَتَّى إِن الصَّانِع لَو بَاعه قبل أَن يرَاهُ المستصنع جَازَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعقد لَازم فَأَما إِذا جَاءَ بِهِ إِلَى المستصنع فَقَط سقط خِيَاره لِأَنَّهُ رَضِي بِكَوْنِهِ للمستصنع حَيْثُ جَاءَ بِهِ إِلَيْهِ
فَإِذا رَآهُ المستصنع فَلهُ الْخِيَار إِن شَاءَ أجَاز وَإِن شَاءَ فسخ عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا خِيَار لَهُ لِأَنَّهُ مَبِيع فِي الذِّمَّة بِمَنْزِلَة السّلم
وهما يَقُولَانِ إِنَّه بِمَنْزِلَة الْعين الْمَبِيع الْغَائِب
فَإِذا ضرب الْأَجَل فِي الاستصناع يَنْقَلِب سلما عِنْد أبي حنيفَة خلافًا لَهما لِأَنَّهُ إِذا ذكر فِيهِ الْأَجَل يكون فِيهِ جَمِيع مَعَاني السّلم وَالْعبْرَة للمعنى لَا للفظ وَلِهَذَا لَو استصنع مَا لَا يجوز استصناعه حَتَّى يكون استصناعا فَاسِدا وَشرط فِيهِ الْأَجَل يَنْقَلِب سلما بِلَا خلاف كَذَا هَذَا وَالله أعلم ب 3

(2/363)