تحفة الفقهاء

@
كتاب الشّركَة
الشّركَة نَوْعَانِ شركَة أَمْلَاك وَشركَة عُقُود
الشّركَة الْأَمْلَاك على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا مَا كَانَ بفعلهما مثل أَن يشتريا أَو يُوهب لَهما أَو يوصى لَهما فيقبلا
وَالْآخر بِغَيْر فعلهمَا وَهُوَ أَن يرثا
وَالْحكم فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِد وَهُوَ أَن الْملك مُشْتَرك بَينهمَا
وكل وَاحِد مِنْهُمَا فِي نصيب شَرِيكه كَالْأَجْنَبِيِّ لَا يجوز لَهُ التَّصَرُّف فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ
وَأما شركَة الْعُقُود فعلى ثَلَاثَة أوجه شركَة بالأموال وَشركَة بِالْأَعْمَالِ وَشركَة بالوجوه وَيدخل فِي كل وَاحِد مِنْهَا شركَة الْعَنَان وَشركَة الْمُفَاوضَة فَنَذْكُر فِي كل نوع كيفيته وشرائطه وَأَحْكَامه
وَأما الشّركَة بالأموال فلهَا شُرُوط عنانا كَانَت الشّركَة أَو مُفَاوَضَة مِنْهَا أَن يكون مَال الشّركَة حَاضرا إِمَّا عِنْد العقد أَو عِنْد الشِّرَاء

(3/5)


وَلَا يجوز بِمَال غَائِب أَو دين فِي الْحَالين لهَذَا قَالُوا فِيمَن دفع إِلَى رجل ألف دِرْهَم وَقَالَ اخْرُج مثلهَا واشتر بهَا وبع فَمَا ربحت كَانَ بَيْننَا فَأخْرج ألفا وَاشْترى بهَا جَازَ وَإِن لم يُوجد المَال الْمعِين عِنْد العقد وَإِنَّمَا وجد عِنْد الشِّرَاء
وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لِأَن الشّركَة لَا تتمّ إِلَّا بِالشِّرَاءِ فوجود المَال عِنْده كوجوده فِي الِابْتِدَاء
وَمِنْهَا أَن يكون رَأس مَال الشّركَة أثمانا مُطلقَة من الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير عِنْد أَكثر الْعلمَاء وَيصِح عقد الشّركَة فيهمَا بِالْإِجْمَاع وَلَو كَانَ من أَحدهمَا دَرَاهِم وَمن الآخر دَنَانِير جَازَت الشّركَة عندنَا
وَعند زفر لَا يجوز
وَأما التبر فَلَا تصح الشّركَة بِهِ وَجعله كالعروض فِي هَذَا الْكتاب وَفِي كتاب الصّرْف جعله ثمنا
وخلط الْمَالَيْنِ لَيْسَ بِشَرْط عندنَا وَعند زفر شَرط
وَأما الْمكيل وَالْمَوْزُون والعدديات المتقاربة فَلَا تصح الشّركَة بهَا قبل الْخَلْط بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهَا لَيست بأثمان عِنْد التَّعْيِين وَالشَّرِكَة لَا تصح فِيهَا إِلَّا وَهِي ثمن وَإِنَّمَا هِيَ أَثمَان فِي الذِّمَّة أما بعد الْخَلْط فَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا تصح الشّركَة وَإِنَّمَا صَارَت شركَة أَمْلَاك وَقَالَ مُحَمَّد صحت الشّركَة بالخلط
وَإِنَّمَا يظْهر الْخلاف فِيمَا إِذا كَانَ الْمكيل نِصْفَيْنِ وَقد شرطا أَن يكون الرِّبْح أَثلَاثًا فخلطاه واشتريا بِهِ قَالَ أَبُو يُوسُف الرِّبْح على قدر الْمَالَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّد على مَا شرطا
وَأما الشّركَة بالعروض فَلَا تجوز عندنَا خلافًا ل مَالك لِأَن الشّركَة تَقْتَضِي الْوكَالَة وَالتَّوْكِيل على الْوَجْه الَّذِي تضمنه الشّركَة لَا يَصح بالعروض فَإِنَّهُ لَو قَالَ لغيره بِعْ عرضك على أَن ثمنه بَيْننَا لم

(3/6)


يَصح
وَلَو قَالَ لرجل اشْتَرِ بِأَلف من مَالك على أَن مَا اشْتَرَيْته بَيْننَا وَأَنا أَشْتَرِي بِأَلف من مَالِي على أَن مَا أَشْتَرِي بَيْننَا جَازَ فَلهَذَا افْتَرقَا
وَأما شركَة الْعَنَان فتفسيرها أَن يُشَارك صَاحبه فِي بعض الْأَمْوَال الَّتِي ذكرنَا لَا فِي جَمِيع الْأَمْوَال وَيكون كل وَاحِد مِنْهُمَا وَكيلا عَن صَاحبه فِي التَّصَرُّف فِي النَّوْع الَّذِي عينا من أَنْوَاع التِّجَارَة أَو فِي جَمِيع أَنْوَاع التِّجَارَة إِذا عينا ذَلِك أَو أطلقا ويبينان قدر الرِّبْح
وَهَذِه الشّركَة جَائِزَة بِلَا خلاف لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْوكَالَة فِي التَّصَرُّف عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه وَالتَّوْكِيل صَحِيح
وَلِهَذَا تجوز هَذِه الشّركَة بَين كل من كَانَ من أهل التِّجَارَة مَأْذُونا فِيهَا كَالْعَبْدِ الْمَأْذُون وَالصَّبِيّ الْمَأْذُون وَالْمكَاتب وَالذِّمِّيّ كَمَا تجوز بَين الْأَحْرَار الْبَالِغين الْمُسلمين لِأَن قبُول الْوكَالَة صَحِيح مِنْهُم
وَيجوز أَن يشْتَرط الْعَمَل عَلَيْهِمَا بَان اشْتَركَا على أَن يبيعا ويشتريا على أَن مَا رزق من ذَلِك فَهُوَ بَينهمَا على كَذَا وَيجوز أَن يشترطا الْعَمَل على أَحدهمَا دون الآخر
ثمَّ لَا شكّ أَنَّهُمَا إِذا شرطا الرِّبْح بَينهمَا نِصْفَيْنِ جَازَ بِالْإِجْمَاع إِذا كَانَ رَأس مَالهمَا على السوَاء سَوَاء شَرط الْعَمَل عَلَيْهِمَا أَو على أَحدهمَا لِأَن اسْتِحْقَاق الرِّبْح بِالْمَالِ أَو بِالْعَمَلِ وَقد وجد التَّسَاوِي فِي المَال
وَإِن شرطا الرِّبْح بَينهمَا أَثلَاثًا فَإِن كَانَ الْعَمَل عَلَيْهِمَا جَازَ سَوَاء كَانَ فضل الرِّبْح لمن كَانَ رَأس مَاله أَكثر أَو أقل لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون لَهُ زِيَادَة حذاقة فَيكون الرِّبْح بِزِيَادَة الْعَمَل
وَإِن شرطا الْعَمَل على أَحدهمَا فَإِن شرطا الْعَمَل على الَّذِي شَرط لَهُ فضل الرِّبْح جَازَ لِأَن عَامل فِي مَاله وَربحه لَهُ وعامل فِي مَال

(3/7)


شَرِيكه بِبَعْض ربحه وَالرِّبْح يسْتَحق بِالْعَمَلِ
وَإِن شرطا الْعَمَل على أقلهما ربحا خَاصَّة لَا يجوز لِأَنَّهُ شَرط للْآخر فضل ربح بِغَيْر عمل وَلَا ضَمَان وَالرِّبْح لَا يسْتَحق إِلَّا بِمَال أَو عمل أَو ضَمَان وَلَا نعني بقولنَا الْعَمَل وجوده بل نعني بِهِ شَرط الْعَمَل
وَإِذا اشْترك الرّجلَانِ بِمَال على أَن يشتريا ويبيعا فَمَا كَانَ من الرِّبْح فَهُوَ بَينهمَا وَلم يخلطا المَال فَضَاعَ مَال أَحدهمَا قبل الشِّرَاء فقد انتقضت الشّركَة لِأَن الشّركَة تعيّنت فِي الْمَالَيْنِ فَإِذا هلك أَحدهمَا قبل الشِّرَاء بطلت الشّركَة فِيهِ وَبَطلَت فِي المَال الآخر لِأَن صَاحبه لم يرض بمشاركة شَرِيكه فِيهِ إِلَّا بِشَرْط الشّركَة فِي مَال وَإِذا بطلت الشّركَة فَمَا يَشْتَرِيهِ بِمَالِه يكون لَهُ خَاصَّة
وَلَو اشْترى بِأحد الْمَالَيْنِ ثمَّ هلك المَال الآخر فَمَا اشْتَرَاهُ فَهُوَ بَينهمَا لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مَعَ بَقَاء الشّركَة فملكا الْمُشْتَرى فهلاك المَال بعده لَا يُغير حكم الْملك
ثمَّ لكل وَاحِد من شَرِيكي الْعَنَان بَعْدَمَا اشتريا بِرَأْس المَال أعيانا أَن يَبِيع مَال الشّركَة بِالنَّقْدِ والنسيئة وَيَشْتَرِي بِالنَّقْدِ والنسيئة وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ فِيمَا إِذا كَانَ فِي يَده دَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو مَكِيل أَو مَوْزُون فَاشْترى بذلك الْجِنْس شَيْئا لِأَن الشَّرِيك وَكيل بِالشِّرَاءِ وَالْوَكِيل بِالشِّرَاءِ يملك الشِّرَاء بِالنَّسِيئَةِ
فَإِذا لم يكن فِي يَده مَا ذكرنَا وَصَارَ مَال الشّركَة كُله أعيانا وأمتعة فَاشْترى بِدَرَاهِم أَو بِدَنَانِير نَسِيئَة فَالْمُشْتَرِي لَهُ خَاصَّة دون شَرِيكه لِأَنَّهُ لَو صَحَّ فِي حق شَرِيكه صَار مستدينا على مَال الشّركَة
وَالشَّرِيك شركَة عنان وَالْمُضَارب لَا يملكَانِ الِاسْتِدَانَة إِلَّا أَن يُؤذن لَهما فِي ذَلِك

(3/8)


وَكَذَا لكل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يبضع ويودع ويوكل بِالْبيعِ ويحتال بِالثّمن ويستأجر ويسافر بِمَال الشّركَة عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد فِي أصح الرِّوَايَات
وَكَذَا يقبض مَا بَاعَ بِنَفسِهِ ويخاصم فِيهِ وَلَا يقبض مَا بَاعَ صَاحبه وَلَا يُخَاصم فِيهِ إِلَّا إِذا قَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَلَهُمَا أَن يعملا فِي ذَلِك مَا كَانَ من التِّجَارَة وتوابعها من الرَّهْن والارتهان وَدفع المَال مُضَارَبَة وَالسّفر بِالْمَالِ فِي قَوْلهم إِلَّا الْقَرْض وَالْهِبَة وَالْكِتَابَة وَالتَّزْوِيج وَنَحْو ذَلِك لِأَن هَذَا من بَاب التَّبَرُّع وَلَيْسَ من جنس التِّجَارَة
وَأما شركَة الْمُفَاوضَة فَشرط صِحَّتهَا أَن تكون فِي جَمِيع التِّجَارَات وَلَا يخْتَص أَحدهمَا بِتِجَارَة دون شَرِيكه وَأَن يكون مَا يلْزم أَحدهمَا من حُقُوق مَا يتجران فِيهِ لَازِما للْآخر وَمَا يجب لكل وَاحِد مِنْهُمَا يجب للْآخر
وَيكون كل وَاحِد مِنْهُمَا فِيمَا وَجب لصَاحبه بِمَنْزِلَة الْوَكِيل وَفِيمَا وَجب عَلَيْهِ بِمَنْزِلَة الْكَفِيل عَنهُ ويتساويان مَعَ ذَلِك فِي رُؤُوس الْأَمْوَال فِي قدرهَا وَقيمتهَا ويتساويان فِي الرِّبْح فَإِن تَفَاوتا فِي شَيْء من ذَلِك لم تكن مُفَاوَضَة وَكَانَت عنانا فَصَارَت الْمُفَاوضَة مُشْتَمِلَة على الْوكَالَة وَالْكَفَالَة والتساوي فِي الرِّبْح وَالْمَال الَّذِي يَقع بِهِ الشّركَة وَلِهَذَا لَا تجوز إِلَّا بَين الْمُسلمين الحرين الْبَالِغين العاقلين لتساويهما فِي أَهْلِيَّة الْكفَالَة وأهلية سَائِر التَّصَرُّفَات بِخِلَاف العَبْد وَالصَّبِيّ وَالْمكَاتب وَالذِّمِّيّ وَالْمَجْنُون
ثمَّ كل مَا يجوز لِشَرِيك الْعَنَان أَن يَفْعَله يجوز للمفاوض أَن يَفْعَله أَيْضا لِأَن شركَة الْمُفَاوضَة أَعم
ثمَّ كل مَا هُوَ شَرط فِي صِحَة شركَة الْعَنَان فَهُوَ شَرط فِي صِحَة

(3/9)


الْمُفَاوضَة وكل مَا فَسدتْ بِهِ شركَة الْعَنَان فَهُوَ مُفسد لشركة الْمُفَاوضَة
وَيجوز للمفاوض أَيْضا مَا لَا يجوز لِشَرِيك شركَة عنان فمما يخْتَص بِهِ المفاوض أَن يجوز إِقْرَاره بِالدّينِ على نَفسه وعَلى شَرِيكه وَيُطَالب الْمقر لَهُ أَيهمَا شَاءَ ليَكُون كل وَاحِد مِنْهُمَا كَفِيلا عَن صَاحبه وَكَذَلِكَ كل مَا وَجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا من دين سَائِر الْعُقُود الَّتِي تكون فِي التِّجَارَة من الشِّرَاء وَالْبيع والاستئجار وَغير ذَلِك من سَائِر مَا يضمنهُ أَحدهمَا من الْأَمْوَال بالغصوب والبيوع الْفَاسِدَة وَالْخلاف فِي الودائع والعواري والاستهلاكات والإجارات الرَّهْن والارتهان وَالْكَفَالَة بِالْمَالِ عِنْد أبي حنيفَة خلافًا لَهما وَالْقَبْض وَالْخُصُومَة وَإِقَامَة الْبَيِّنَة والاستحلاف على الْعلم وَالْكِتَابَة وَالْإِذْن فِي التِّجَارَة لعبد الشّركَة وتزويج الْأمة وَنَحْو ذَلِك
وَلَا يجوز أَن يعْتق شَيْئا من عبيد التِّجَارَة وَلَا أَن يزوجهم
وَإِذا اشْترى أَحدهمَا طَعَاما لأَهله أَو كسْوَة أَو مَا لَا يتهم فِيهِ فَذَلِك جَائِز وَهُوَ لَهُ خَاصَّة دون صَاحبه وَللْبَائِع أَن يُطَالب بِثمن ذَلِك أَيهمَا شَاءَ إِلَّا أَنهم قَالُوا إِن الشَّرِيك يرجع على شَرِيكه بِنصْف ثمن ذَلِك لِأَنَّهُ قضى دينه من مَاله بِإِذْنِهِ دلَالَة
وَلَيْسَ لَهُ أَن يَشْتَرِي جَارِيَة للْوَطْء أَو للْخدمَة بِغَيْر إِذن الشَّرِيك وَإِذا اشْترى أَحدهمَا جَارِيَة ليطأها بِإِذن شَرِيكه فَهِيَ لَهُ خَاصَّة وَلَا يرجع عَلَيْهِ بِشَيْء من الثّمن وَلم يذكر الْخلاف فِي كتاب الشّركَة وَذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير فَقَالَ عِنْد أبي حنيفَة لَا يرجع عَلَيْهِ بِشَيْء من الثّمن
وَعِنْدَهُمَا يرجع عَلَيْهِ بِنَصِيبِهِ على مَا عرف ثمَّ
وَأما الشّركَة بالوجوه فَأن يشْتَرك الرّجلَانِ وَلَا مَال لَهما على أَن يشتريا ويبيعا بوجوههما

(3/10)


على أَن مَا اشتريا أَو اشْترى أَحدهمَا فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ وَسميت شركَة الْوُجُوه لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِي بِالنَّسِيئَةِ إِلَّا من لَهُ وَجه عِنْد النَّاس
وَهِي عقد جَائِز عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ لتعامل النَّاس فِي الْأَعْصَار من غير نَكِير
ثمَّ كَيْفَمَا شرطا وُقُوع الْملك فِي الْمُشْتَرى بَينهمَا إِمَّا نِصْفَانِ أَو كَانَ لأَحَدهمَا أَكثر فَهُوَ جَائِز وَيَقَع الْملك بَينهمَا كَذَلِك وَيكون الرِّبْح على قدر ملكهمَا وَلَا يجوز أَن يفضل أَحدهمَا على ربح حِصَّته شَيْئا لِأَن الرِّبْح يسْتَحق فِي هَذِه الشّركَة بِالضَّمَانِ لَا بِالْمَالِ وَالْعَمَل وَالضَّمان على قدر الْحصَّة فَيكون الرِّبْح كَذَلِك إِذْ لَو شَرط زِيَادَة الرِّبْح فَإِنَّهُ يشْتَرط من غير عمل وَمَال وَضَمان وَهَذَا لَا يجوز
ثمَّ هما فِي جَمِيع مَا يجب لَهما وَمَا يجب عَلَيْهِمَا وَمَا يجوز فِيهِ فضل أَحدهمَا على شَرِيكه وَمَا لَا يجوز بِمَنْزِلَة شَرِيكي الْعَنَان لِأَنَّهُمَا اطلقا الشّركَة وَالشَّرِكَة الْمُطلقَة تَقْتَضِي الْعَنَان فَإِذا اشْتَركَا بوجوههما شركَة مُفَاوَضَة فَذَلِك جَائِز لِأَنَّهُمَا ضما إِلَى الْوكَالَة الْمُطلقَة الْكفَالَة وَذَلِكَ جَائِز إِلَّا أَنه لَا بُد من التَّسَاوِي فِيمَا يتبايعانه لِأَن الْمُفَاوضَة تمنع من التَّفَاضُل
وَأما الشّركَة بِالْأَعْمَالِ فَهِيَ تسمى شركَة الصَّنَائِع وَتسَمى شركَة الْأَبدَان لِأَن الْعَمَل بِالْبدنِ يكون وَهُوَ أَن يشْتَرك اثْنَان فِي عمل القصارة والصباغة على أَن يتقبلا الْأَعْمَال ويعملا فَمَا أخذا من الْأجر فَهُوَ بَينهمَا
وَهَذِه الشّركَة جَائِزَة عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَهِي مِمَّا جرى بِهِ التَّعَامُل فِي جَمِيع الْأَعْصَار
ثمَّ هِيَ قد تكون مُفَاوَضَة وَقد تكون عنانا

(3/11)


فالمفاوضة مَا ذكرا فِيهِ لَفْظَة الْمُفَاوضَة أَو ذكرا مَا هُوَ فِي معنى الْمُفَاوضَة بِأَن اشْترط الصانعان على أَن يتقبلا جَمِيعًا الْأَعْمَال وَأَن يضمنا جَمِيعًا الْعَمَل على التَّسَاوِي وَأَن يتساويا فِي الرِّبْح والوضيعة وَأَن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا كَفِيلا عَن صَاحبه فِيمَا لحقه بِسَبَب هَذِه الشّركَة فَهِيَ مُفَاوَضَة
وَإِن شرطا على أَن مَا قبلا من الْأَعْمَال وضمنا الْعَمَل فعلى أَحدهمَا الثُّلُثَانِ من الْعَمَل وعَلى الآخر الثُّلُث وَالْآخر والوضيعة على قدر ذَلِك فَهَذَا شركَة عنان لوُجُود معنى شركَة الْعَنَان
وَكَذَا إِذا ذكرا لَفْظَة الْعَنَان
وَكَذَا لَو أطلقا فَهِيَ شركَة عنان أَيْضا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا قبلا الْأَعْمَال وضمنا تَسْلِيم ذَلِك إِلَى صَاحبه فَيكون ذَلِك جَارِيا مجْرى الْمُفَاوضَة فِي أَن الْعَمَل عَلَيْهِمَا وَلِصَاحِب الْعَمَل أَن يُطَالب بِالْعَمَلِ أَيهمَا شَاءَ وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يُطَالب بِأُجْرَة الْعَمَل وَإِلَى أَيهمَا دفع صَاحب الْعَمَل برىء وعَلى أَيهمَا وَجب ضَمَان الْعَمَل فَكَانَ لصَاحب الْعَمَل أَن يُطَالب الآخر وَلَكِن لَا تكون مُفَاوَضَة حَقِيقَة مَا لم تذكر لَفْظَة الْمُفَاوضَة أَو يُوجد مَعْنَاهَا وَهُوَ مَا ذكرنَا حَتَّى قَالُوا فِي الدّين إِذا أقرّ بِهِ أَحدهمَا من ثمن صابون أَو أشنان أَو أجر أجِير أَو حَانُوت قد مضى فَإِنَّهُ لَا يصدق على صَاحبه إِلَّا بِإِقْرَارِهِ أَو بِبَيِّنَة قَامَت عَلَيْهِ وَيَسْتَوِي أَن تكون الشّركَة فِي نوع عمل فيعملان ذَلِك أَو يعْمل أَحدهمَا عملا وَالْآخر غير ذَلِك أَو لم يعْمل بعد أَن ضمنا جَمِيعًا العملين جَمِيعًا لِأَن الْإِنْسَان قد يعْمل بِنَفسِهِ وأجيره
فَإِن عمل أَحدهمَا دون الآخر وَالشَّرِكَة عنان أَو مُفَاوَضَة فالأجر بَينهمَا إِن شرطا الْعَمَل عَلَيْهِمَا والتزما ذَلِك فَيكون أَحدهمَا معينا للْآخر كالقصار إِذا اسْتَعَانَ بِرَجُل فِي القصارة

(3/12)


وَكَذَلِكَ إِذا شرطا لأَحَدهمَا زِيَادَة أجر أَو شرطا الْعَمَل على قدر الْأجر والوضيعة كَذَلِك فَهُوَ جَائِز وَإِن كَانَ عمل الَّذِي شَرط لَهُ الْأجر الْقَلِيل أَكثر لِأَن الرِّبْح بِقدر ضَمَان الْعَمَل لَا بِحَقِيقَة الْعَمَل
وَإِن شرطا الوضيعة نِصْفَيْنِ لَا يَصح وَيبْطل وَتَكون الوضيعة على مَا شرطا من ضَمَان الْعَمَل وَالْأَجْر كَذَلِك
وَلَو جنت يَد أَحدهمَا فَالضَّمَان عَلَيْهِمَا جَمِيعًا لِأَن ذَلِك بِنَاء على ضَمَان الْعَمَل وَقد ضمنا جَمِيعًا

(3/13)


بَاب الشّركَة الْفَاسِدَة
وَهِي أَنْوَاع مِنْهَا الِاشْتِرَاك فِي جَمِيع الْمُبَاحَات الَّتِي تملك بِالْأَخْذِ مثل الِاصْطِيَاد
والاحتطاب والاحتشاش والاستقاء واجتناء الثِّمَار وحفر الْمَعَادِن
فَإِن اشْتَركَا على أَن مَا أصابا من ذَلِك فَهُوَ بَينهمَا فالشركة فَاسِدَة وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا مَا أَخذه لِأَن الشّركَة تَقْتَضِي الْوكَالَة وَالْوكَالَة فِي الِاصْطِيَاد وَنَحْوه لَا تصح وَإِذا فَسدتْ فالأخذ سَبَب الْملك فَيكون ملكا لَهُ ثمَّ ينظر إِن أخذا جَمِيعًا مَعًا فَهُوَ بَينهمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَب الْملك وَإِن أَخذ كل وَاحِد مِنْهُمَا شَيْئا بإنفراده وخلطاه وباعاه فَإِن كَانَ مِمَّا يُكَال ويوزن يقسم الثّمن على قدر الْكَيْل وَالْوَزْن الَّذِي لكل وَاحِد مِنْهُمَا وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يُكَال وَلَا يُوزن يقسم الثّمن بَينهمَا بِالْقيمَةِ فَيَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِقِيمَة الَّذِي لَهُ وَإِن لم يعرف الْكَيْل وَالْوَزْن وَالْقيمَة يصدق كل وَاحِد مِنْهُمَا فِيمَا يَدعِي إِلَى النّصْف وَإِن ادّعى أَكثر من النّصْف فَعَلَيهِ الْبَيِّنَة
وَإِن عمل أَحدهمَا وأعانه الآخر فِي عمله فَلهُ أجر الْمثل بَالغا مَا بلغ عِنْد مُحَمَّد وَعند أبي يُوسُف لَهُ أجر مثله لَا يُجَاوز بِهِ نصف الْمُسَمّى أَو قِيمَته أَي نصف ذَلِك الشَّيْء الَّذِي أَعَانَهُ فِيهِ أَو قِيمَته كمن قَالَ

(3/15)


لآخر بِعْ هَذَا الثَّوْب على أَن نصف ثمنه لَك فَإِنَّهُ يجب أجر الْمثل مُقَدرا بِنصْف ذَلِك الثّمن
وَمِنْهَا أَن يكون لأَحَدهمَا بغل وَللْآخر حمَار فاشتركا على أَن يأجرا ذَلِك فَمَا رزق الله من شَيْء فبينهما فأجراهما جَمِيعًا بِأَجْر مَعْلُوم فِي عمل مَعْلُوم وَحمل مَعْلُوم فَإِن هَذِه الشّركَة فَاسِدَة لِأَن الْوكَالَة على هَذَا الْوَجْه لَا تصح بِأَن قَالَ الآخر أجر بعيرك على أَن أجره بَيْننَا فَإِنَّهُ فَاسد فَكَذَا الشّركَة
وَإِذا فَسدتْ الشّركَة فَالْإِجَارَة صَحِيحَة لوقوعها على مَنَافِع مَعْلُومَة بِبَدَل مَعْلُوم فيقسمان مَا أخذا من الْأجر على قدر أجر مثل الْبَغْل وَالْحمار
وَمِنْهَا أَنه لَو دفع إِلَى رجل دَابَّة ليأجرها على أَن الْأجر بَينهمَا كَانَ ذَلِك فَاسِدا وَالْأَجْر لصَاحب الدَّابَّة وَكَذَلِكَ السَّفِينَة وَالدَّار لِأَنَّهُ عقد على ملك الْغَيْر بِإِذْنِهِ وَيجب أجر الْمثل لِأَنَّهُ استوفى مَنْفَعَة بِعقد فَاسد
وَنَوع آخر رجل اشْترى شَيْئا فَقَالَ لَهُ الآخر أشركني فِيهِ فَهَذَا بِمَنْزِلَة البيع وَالشِّرَاء بِمثل مَا اشْترى فِي النّصْف وَالتَّوْلِيَة أَن يَجْعَل كُله لَهُ بِمثل مَا اشْترى على مَا مر فِي كتاب الْبيُوع فَإِن كَانَ قبل أَن يقبض الأول لم يجز لِأَنَّهُ بيع الْمَبِيع الْمَنْقُول قبل الْقَبْض وَإِن كَانَ بعده جَازَ وَيلْزمهُ نصف الثّمن فَإِن كَانَ لَا يعلم بِمِقْدَار الثّمن فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذا علم إِن شَاءَ أَخذ وَإِن شَاءَ ترك
وَلَو اشْترى رجلَانِ عبدا فأشركا فِيهِ رجلا بعد الْقَبْض فَالْقِيَاس أَن يكون للشَّرِيك النّصْف لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا لَو أشركه فِي نصِيبه على الِانْفِرَاد اسْتحق نصفه فَكَذَا إِذا أشركاه جَمِيعًا مَعًا وَفِي

(3/16)


الِاسْتِحْسَان يكون لَهُ الثُّلُث لِأَن الشّركَة تَقْتَضِي الْمُسَاوَاة فَإِذا قَالَا لَهُ أشركناك فِيهِ فكأنهما قَالَا شاركناك
فَإِن أشركه أَحدهمَا فِي نصِيبه وَنصِيب صَاحبه فَأجَاز شَرِيكه ذَلِك كَانَ للداخل النّصْف وللأولين النّصْف لِأَنَّهُ لما أجَاز شَرِيكه فِي نصِيبه صَار نصف نصِيبه لَهُ وَقد أشركه فِي نصيب نَفسه هَذَا فَيكون للثَّانِي النّصْف وَبَقِي لكل وَاحِد مِنْهُمَا الرّبع

(3/17)