تحفة الفقهاء

كتاب الصّرْف
الصّرْف اسْم لبيع الذَّهَب وَالْفِضَّة والتبر والمضروب والمصوغ فِي ذَلِك سَوَاء وَكَذَلِكَ الْجِنْس وَخلاف الْجِنْس والمفرد وَالْمَجْمُوع مَعَ غَيره
يُسمى هَذَا العقد صرفا لاختصاصه بالتقابض وَالصرْف من يَد إِلَى يَد
وَحكمه حكم سَائِر الموزونات والمكيلات فِي جَرَيَان رَبًّا الْفضل والنسا وَذَلِكَ عِنْد اتِّحَاد الْجِنْس وَالْقدر
إِنَّمَا اخْتصَّ من سَائِر الْبياعَات بِثَلَاثَة أَشْيَاء أَحدهَا أَنه لَا يَصح بِدُونِ تقابض الْبَدَلَيْنِ قبل افْتِرَاق الْعَاقِدين بأنفسهما فَإِذا عقدا عقد الصّرْف بِأَن بَاعَ دِينَارا بِدِينَار أَو دِينَارا بِعشْرَة دَرَاهِم سَوَاء كَانَا حاضرين وَقت العقد أَولا فَإِنَّهُ ينْعَقد العقد وَينفذ إِذا وجد التَّقَابُض قبل افْتِرَاق الْعَاقِدين
وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ مجموعا مَعَ غَيره بِأَن بَاعَ ذَهَبا وثوبا بِفِضَّة أَو ذهب فالفضة تَنْقَسِم على الذَّهَب وَالثَّوْب فَمَا يكون بِمُقَابلَة الذَّهَب يكون صرفا وَمَا يُقَابل الثَّوْب يكون بيعا فَإِذا قبض حِصَّة الذَّهَب من الْفضة وَقبض الآخر الذَّهَب بِحِصَّة الْفضة جَازَ وَإِن لم يقبض حِصَّة الثَّوْب لَكِن الشَّرْط افْتِرَاق الْعَاقِدين سَوَاء كَانَا مالكين أَو نائبين

(3/27)


كَالْوَكِيلِ وَالْأَب وَالْوَصِيّ لِأَن الْقَبْض من تَمام عقد الصّرْف فَيعْتَبر بالعاقدين فَإِن وجد أحد الْبَدَلَيْنِ زُيُوفًا أَو نبهرجة فَحكم الْمَسْأَلَة مَعَ فروعها قد ذَكرْنَاهُ فِي كتاب الْبيُوع
وَالثَّانِي أَن لَا يكون فِيهِ خِيَار شَرط لَهما أَو لأَحَدهمَا
الثَّالِث أَن لَا يكون لَهما أَو لأَحَدهمَا أجل فِي الصّرْف
فَإِذا أبطلا الْخِيَار أَو مَاتَ من لَهُ الْخِيَار قبل افْتِرَاق الْعَاقِدين يجوز الصّرْف اسْتِحْسَانًا عندنَا خلافًا ل زفر
وَكَذَا إِذا أبطلا الْأَجَل فِي الْمجْلس عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَعَن أبي يُوسُف رِوَايَتَانِ
وَإِن افْتَرقَا ولأحدهما خِيَار رُؤْيَة بِأَن كَانَ مصوغا أما فِي الْمَضْرُوب فَلَا يثبت خِيَار الرُّؤْيَة لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِيهِ كَمَا فِي الْمُسلم فِيهِ فَلَا يفْسد العقد لِأَنَّهُ خِيَار حكمي
وَكَذَا خِيَار الْعَيْب
وَكَذَا خِيَار الْإِجَازَة بِأَن وجد الصّرْف من الفضوليين على غَيرهمَا فَإِذا بلغه كَانَ لَهُ خِيَار الْإِجَازَة وَإنَّهُ لَا يفْسد لِأَنَّهُ خِيَار يثبت حكما
والمفسد خِيَار الشَّرْط لَا غير وَلَو تصارفا دِينَارا بِدِينَار وَسلم أَحدهمَا الدِّينَار وَأَبْرَأ صَاحبه عَن الدِّينَار أَو وهب مِنْهُ

(3/28)


فَإِن قبل الَّذِي عَلَيْهِ الدّين مَا أَبرَأَهُ أَو وهب لَهُ بَطل الدّين عَنهُ وانتقض الصّرْف لِأَن الْبَرَاءَة توجب سُقُوط الْقَبْض الَّذِي هُوَ مُسْتَحقّ حَقًا للشَّرْع فِي الصّرْف فَإِذا اتفقَا على إِسْقَاطه بَطل العقد بفواته
وَإِن لم يقبل عَلَيْهِ الدّين الْبَرَاءَة لَا تصح لِأَنَّهَا سَبَب للْفَسْخ فَلَا يثبت بقول أحد الْمُتَعَاقدين بعد صِحَة العقد وَلَو استبدل عَن ذَلِك الدِّينَار شَيْئا بِخِلَاف جنسه فَالْبيع فَاسد لِأَن فِيهِ تَفْوِيت الْقَبْض الَّذِي هُوَ حق الشَّرْع وَإِذا لم يَصح هَذَا بَقِي عقد الصّرْف وَقد وجد قبض أحد الْبَدَلَيْنِ فَعَلَيهِ أَن يقبض الآخر وَيتم العقد الأول بَينهمَا
وَإِن أَخذ عَن الدِّينَار الَّذِي عَلَيْهِ دِينَار أردأ مِمَّا سمى أَو زُيُوفًا فَإِنَّهُ يجوز وَلَا يكون استبدالا لِأَنَّهُ من جنس حَقه إِلَّا أَنه نَاقص الْوَصْف والجيد والرديء سَوَاء هَهُنَا
فَإِن امْتنع الْوَاهِب والمبرىء أَن يَأْخُذ مَا وهب لَهُ أَو أَبْرَأ فَإِنَّهُ يجْبر على ذَلِك لِأَن فِي ترك قبض ذَلِك فَسَاد عقد الْغَيْر
وَلَو بَاعَ دِينَارا بِعشر دَرَاهِم وَسلم الدِّينَار وَلم يقبض الْعشْرَة وَكَانَ لمشتري الدِّينَار على بَائِعه عشرَة دَرَاهِم فَأَرَادَ الْمُقَاصَّة فهاهنا ثَلَاث مسَائِل أَحدهَا أَن الْعشْرَة الَّتِي على البَائِع وَجَبت عَلَيْهِ قبل الصّرْف بقرض أَو غصب أَو من ثمن مَبِيع فَأَرَادَ أَن يجعلا ثمن الدِّينَار وَهُوَ الْعشْرَة قصاصا بذلك الدّين فَإِن أجمعا على ذَلِك جَازَ وَكَانَ قصاصا وَإِن لم يجمعا على ذَلِك لم يكن قصاصا وَهَذَا جَوَاب الِاسْتِحْسَان وَالْقِيَاس أَن لَا يجوز وَهُوَ قَول زفر
وَالثَّانيَِة أَن يصير قصاصا وَإِن لم يتقاصا وَهُوَ أَن تكون الْعشْر دينا على بَائِع الدِّينَار بِقَبض مَضْمُون بعد عقد الصّرْف بِأَن غصب

(3/29)


مِنْهُ عشرَة أَو أقْرضهُ عشرَة وَسلمهَا إِلَيْهِ فَيصير قصاصا بِثمن الصّرْف وَإِن لم يتقاصا
وَالثَّالِثَة وَهُوَ أَن تجب الْعشْرَة على بَائِع الدِّينَار بِعقد مُتَأَخّر عَن عقد الصّرْف فَلَا يصير قصاصا بِثمن الصّرْف وَإِن تقاصا
وَهَذِه الْمسَائِل ذَكرنَاهَا فِي الْبيُوع

(3/30)


بَاب آخر مِنْهُ أصل الْبَاب
أَن مَا يجوز البيع فِيهِ مُتَفَاضلا يجوز فِيهِ البيع مجازفة وَمَا لَا يجوز فِيهِ البيع مُتَفَاضلا لَا يجوز فِيهِ البيع مجازفة
إِذا بَاعَ الذَّهَب بِالذَّهَب وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ مجازفة لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا يجوز البيع فِيهِ مُتَفَاضلا فَكَذَلِك المجازفة لاحْتِمَال الزِّيَادَة فِي أَحدهمَا
وَيَسْتَوِي الْجَواب بَين أَن لَا يعرف الْمُتَبَايعَانِ وزن كل وَاحِد مِنْهُمَا أَو كَانَا يعرفان وزن وَاحِد دون الآخر أَو كَانَ أَحدهمَا يعرف وَالْآخر لَا يعرف
فَإِن وزنا فِي الْمجْلس فَكَانَا سَوَاء فِي الْوَزْن فَالْبيع جَائِز اسْتِحْسَانًا وَإِن تفَرقا قبل الْوَزْن ثمَّ وزنا واستويا فِي الْوَزْن فَالْبيع فَاسد
وَقَالَ زفر إِذا اسْتَويَا فِي الْوَزْن جَازَ فِي الْحَالين
وَالْقِيَاس مَا قَالَه لِأَن الْفساد لأجل احْتِمَال الْفضل وَقد تبين أَنه لَا فضل وَلَكنَّا نقُول إِن علم الْمُتَعَاقدين بالتساوي بَين الْبَدَلَيْنِ شَرط جَوَاز العقد فَيعْتَبر عِنْد العقد إِلَّا أَن للمجلس حكم حَالَة وَاحِدَة فَكَانَ كَالْعلمِ عِنْد العقد
وَأما إِذا كَانَ بِخِلَاف الْجِنْس بِأَن بَاعَ الذَّهَب بِالْفِضَّةِ مجازفة

(3/31)


جَازَ لِأَنَّهُ جَازَ البيع فيهمَا مُتَفَاضلا وَلِهَذَا قَالُوا إِذا بَاعَ قلب فضَّة محشوا بدرهم وَلَا يعلم قدر وزن الْقلب فَالْبيع بَاطِل وَقَالَ زفر جَائِز إِلَّا أَن يعلم التَّفَاضُل
وعَلى هَذَا الْقِسْمَة إِذا قعت فِيمَا يجْرِي فِيهِ الرِّبَا لَا تجوز مجازفة فِي الْجِنْس الْوَاحِد وَتجوز فِي مختلفي الْجِنْس
وَلَو بَاعَ السَّيْف بِالسَّيْفِ وأواني الصفر بجنسها مجازفة جَازَ لِأَنَّهُ جَازَ التَّفَاضُل
وَلَو بَاعَ فضَّة فِيهَا غش بِفِضَّة مثلهَا وَالْفِضَّة غالبة فَحكمهَا حكم الْفضة لَا يجوز بيعهَا بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَة إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء يدا بيد
وَإِن كَانَ الْغِشّ هُوَ الْغَالِب فَحكمهَا حكم النّحاس الْخَالِص لَا يُبَاع بِالنُّحَاسِ إِلَّا مثلا بِمثل يدا بيد
وَإِن كَانَ الْغِشّ مَعَ الْفضة سَوَاء فَيكون حكمه حكم الْفضة فِي أَنه لَا يجوز أَن يُبَاع إِلَّا وزنا وَلَا يجوز بَيْعه مجازفة وعددا وَإِذا قوبل بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَة فِي البيع يُرَاعى فِيهِ طَرِيق الِاعْتِبَار إِن علم أَن الْفضة الْخَالِصَة أَكثر حَتَّى تكون الْفضة بِإِزَاءِ الْفضة وزنا وَالزِّيَادَة بِإِزَاءِ الْغِشّ جَازَ البيع
وَإِن كَانَت الْفضة الْخَالِصَة أقل من الْفضة الَّتِي فِي الْمَغْشُوش أَو مثلهَا أَو لَا يدْرِي لَا يجوز لما فِيهِ من الرِّبَا
وَلَو بَاعَ سَيْفا محلى بِذَهَب أَو فضَّة إِن بَاعَ بِجِنْس الْحِلْية وَالثمن أَكثر من الْحِلْية جَازَ وَتَكون الْحِلْية بيعا بِمثل وَزنهَا وَالْفضل بِإِزَاءِ الجفن والحمائل لِأَن الأَصْل عندنَا فِي تَقْسِيم الثّمن على الْمَبِيع إِذا كَانَ أَشْيَاء بَعْضهَا من جنس الثّمن وَالْبَعْض لَا صرف الثّمن إِلَى جنسه بِمثل وَجه فِيهِ تَصْحِيح العقد مَا أمكن وَذَلِكَ فِي صرف بعض الثّمن

(3/32)


إِلَى جنسه بِمثل وَزنه وَالْبَعْض إِلَى خلاف الْجِنْس على طَرِيق الِاعْتِبَار وَذَلِكَ مَا قُلْنَا
وَأما إِذا كَانَ الثّمن مثل الْحِلْية أَو أقل فَلَا يجوز لِأَنَّهُ يبْقى الجفن والحمائل فضلا فِي بيع الرِّبَا
وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ لَا يعلم أَو اخْتلف التُّجَّار فِي ذَلِك فَإِن علم أَن الْحِلْية أقل فِي الْمجْلس يكون جَائِزا عندنَا وَإِن علم بعد الِافْتِرَاق لَا يجوز عندنَا خلافًا ل زفر كَمَا فِي بيع المجازفة
وَهَذَا إِذا قبض حِصَّة الْحِلْية فِي الْمجْلس فَأَما إِذا تفَرقا قبل أَن يتقابضا أَو قبض أَحدهمَا دون الآخر فَإِنَّهُ ينظر إِن كَانَت الْحِلْية مِمَّا لَا يتَخَلَّص عَن السَّيْف إِلَّا بِضَرَر فسد البيع كُله
وَإِن كَانَت تتخلص بِغَيْر ضَرَر جَازَ فِي السَّيْف وَفَسَد فِي الْحِلْية لِأَن العقد بِقدر الْحِلْية يكون صرفا وَفِي حق السَّيْف يكون بيعا مُطلقًا والتقابض شَرط صِحَة الصّرْف لَا غير فَإِذا كَانَت تتخلص الْحِلْية من غير ضَرَر فكأنهما شَيْئَانِ منفصلان وَلِهَذَا جَازَ العقد فِي أَحدهمَا دون الآخر وَلذَا جَازَ أَن يبْقى
فَأَما إِذا كَانَت لَا تتخلص إِلَّا بِضَرَر فَاسد كُله فِي حِصَّة الْحِلْية لعدم التَّقَابُض وَفِي حِصَّة السَّيْف لِأَنَّهُ بيع شَيْء لَا يُمكن تَسْلِيمه إِلَّا بِضَرَر يلْحق البَائِع وَابْتِدَاء البيع على هَذَا الْوَجْه مُفسد للْبيع فَكَذَا فِي حَالَة الْبَقَاء كَمَا إِذا بَاعَ جذعا فِي سقف حَتَّى لَو فصل الْحِلْية عَن السَّيْف وَسلم جَازَ وَيجْبر المُشْتَرِي لتغير صفة الْمَبِيع
وَلَو بَاعَ السَّيْف الْمحلى بِجِنْس الْحِلْية أَو بِخِلَاف جِنْسهَا من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالثمن أَكثر من الْحِلْية ولأحدهما خِيَار الشَّرْط فِي البيع أَو

(3/33)


كَانَ شَرط تَأْجِيل الثّمن فِي العقد ثمَّ تفَرقا عَن قبض
فَإِن كَانَت الْحِلْية مِمَّا لَا يتَمَيَّز إِلَّا بِضَرَر فسد البيع فِي الْحِلْية بالتأجيل وَالْخيَار المفسدين للصرف وَفَسَد فِي السَّيْف لِأَنَّهُ لَا يجوز إِفْرَاده بِالْعقدِ لما فِيهِ من إِلْحَاق الضَّرَر بالبائع بِالتَّسْلِيمِ مُنْفَصِلا
وَإِن كَانَت تتَمَيَّز من غير ضَرَر فسد العقد فيهمَا عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لِأَن الصَّفْقَة اشْتَمَلت على الصَّحِيح وَالْفَاسِد وَالْفساد فِي نفس الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَفِي مثل هَذَا يشيع الْفساد فِي الْكل عِنْدهمَا وَعند مُحَمَّد يجوز البيع فِي السَّيْف وَيبْطل فِي الْحِلْية لِأَن الصَّفْقَة اشْتَمَلت على الصَّحِيح وَالْفَاسِد وللفاسد قِيمَته فَيصح فِي الصَّحِيح وَيفْسد فِي الْفَاسِد
وَإِذا اشْترى من الرجل قلب فضَّة وَزنه عشرَة بِعشْرَة وافترقا عَن قبض ثمَّ حط البَائِع عَنهُ درهما أَو زَاده المُشْتَرِي درهما وَقبل الآخر ذَلِك فَالْبيع فَاسد عِنْد أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف الْحَط وَالزِّيَادَة فاسدان وَالْعقد الأول صَحِيح
وَقَالَ مُحَمَّد الْحَط جَائِز وَالزِّيَادَة فَاسِدَة وَالْعقد الأول صَحِيح وَهَذَا فرع اخْتلَافهمْ فِي الشَّرْط الْفَاسِد يلْتَحق بِالْعقدِ ويفسده عِنْد أبي حنيفَة فَإِذا وجدت الزِّيَادَة والحط والتحقا بِالْعقدِ يَجْعَل كَأَن العقد فِي الِابْتِدَاء على هَذَا الْوَجْه فَيفْسد للتفاضل فِي مَال الرِّبَا وَإِنَّمَا شَرط الْقبُول فِي الْحَط هَهُنَا عِنْده لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِهِ فسخ العقد فَلَا يملكهُ أحد الْعَاقِدين إِلَّا بِرِضا الآخر وَمن أصل أبي يُوسُف أَن الشَّرْط الْفَاسِد لَا يلْتَحق بِالْعقدِ فَيسْقط اعْتِبَار الزِّيَادَة والحط جَمِيعًا وَأما مُحَمَّد فَقَوله مثل قَول أبي يُوسُف إِلَّا أَنه يَقُول الزِّيَادَة فَاسِدَة فَلَا نلتحق بِالْعقدِ والحط صَحِيح لِأَنَّهُ يُمكن أَن يَجْعَل هبة مُبتَدأَة كحط جَمِيع الثّمن
فَأَما إِذا كَانَ بِخِلَاف الْجِنْس بِأَن بَاعَ قلب فضَّة وَزنه عشرَة بِدِينَار وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا صَحَّ الْحَط وَالزِّيَادَة بِالْإِجْمَاع ويلتحقان بِأَصْل العقد

(3/34)


فَيشْتَرط قبض هَذِه الزِّيَادَة فِي الْمجْلس حَتَّى لَو افْتَرقَا قبل قبض الزِّيَادَة فِي مجْلِس الزِّيَادَة يفْسد العقد فِي حِصَّة الزِّيَادَة لِأَن الزِّيَادَة صَارَت ثمن الصّرْف
وَفِي الْحَط تفَرقا أول لم يَتَفَرَّقَا فَهُوَ صَحِيح لِأَن الْفضل فِي خلاف الْجِنْس جَائِز وَيجب عَلَيْهِ رد مَا حط
وَلَو بَاعَ دِينَارا ودرهما بِدِرْهَمَيْنِ ودينارين جَازَ عندنَا وَيصرف الْجِنْس إِلَى خلاف الْجِنْس خلافًا ل زفر وَالشَّافِعِيّ
وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا قوبل أبدال من جِنْسَيْنِ مُخْتَلفين بأبدال من جِنْسَيْنِ مُخْتَلفين فِي أَمْوَال الرِّبَا فِي الْمكيل وَالْمَوْزُون فَإِنَّهُ يصرف الْجِنْس إِلَى خلاف الْجِنْس وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة
وَلَو كسر حلية سيف أَو سوارا فَإِنَّهُ يضمن قيمَة الصياغة بِخِلَاف جنسه لِأَن هَذِه جودة مُتَقَومَة لحصولها بصنع الْعباد وَلَكِن لَا يُمكن تَضْمِينه من جنسه لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الرِّبَا فَيجب التَّضْمِين بِخِلَاف الْجِنْس

فصل الْقَرْض جَائِز
فِيمَا لَهُ مثل من جنسه لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِ رد الْمثل
وَالْأَجَل فِي الْقَرْض بَاطِل شَرط فِي الأَصْل أَو طَرَأَ عَلَيْهِ لِأَن أحذ مثل الْقَرْض كعين الْقَرْض فَيكون فَاضلا فِي الْعين وَهُوَ بَاطِل
وَلَو اسْتقْرض فُلُوسًا أَو دَرَاهِم ثمَّ كسدت فَعِنْدَ أبي حنيفَة يجب عَلَيْهِ رد مثلهَا وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد رد قيمتهَا لَكِن عِنْد أبي يُوسُف تعْتَبر الْقيمَة يَوْم الْقَرْض وَعند مُحَمَّد فِي آخر وَقت نفاقها قبل أَن تكسد وَهَذَا كالاختلاف بَينهمَا فِيمَن عصب مثلِيا وَانْقطع قَالَ أَبُو يُوسُف تجب قِيمَته يَوْم الْغَصْب وَعند مُحَمَّد يَوْم الِانْقِطَاع
فَإِذا بَاعَ الْفُلُوس بِخِلَاف جِنْسهَا فَإِنَّهَا لَا تتَعَيَّن إِن كَانَ مَا يقابلها من الْعرُوض بِمَنْزِلَة الدَّرَاهِم وَإِن كَانَ مَا يقابلها من الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير لَا

(3/35)


تتَعَيَّن أَيْضا لَكِن إِذا افْتَرقَا من غير قبض أَحدهمَا يفْسد العقد لِأَنَّهُ افْتِرَاق عَن دين بدين وَإِن قبض أَحدهمَا جَازَ وَلَا يشْتَرط قبضهما لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرْف
وَأما إِذا بَاعَ الْفُلُوس بَعْضهَا بِبَعْض
فَإِن كَانَ عينا بِعَين فَإِنَّهُ يجوز عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف متفاضلة أَو مُتَسَاوِيَة لِأَنَّهَا إِنَّمَا لَا تتَعَيَّن لعدم الْفَائِدَة وَفِي التَّعْيِين فَائِدَة وَهُوَ جَوَاز العقد وَعند مُحَمَّد لَا يجوز متفاضلة لِأَنَّهُ ثمن فَيكون كَبيع الدِّرْهَم بِالدِّرْهَمَيْنِ
فَأَما إِذا كَانَ الْكل دينا أَو أَحدهمَا فَالْمَشْهُور من الرِّوَايَة عَنْهُم أَنه لَا يجوز وَعَن أبي يُوسُف يجوز وَالْمَسْأَلَة تذكر فِي الخلافيات

(3/36)