تحفة الفقهاء

كتاب الْغَصْب
مسَائِل الْغَصْب تبتنى على معرفَة حد الْغَصْب وَبَيَان حكمه
أما حد الْغَصْب الْمُوجب للضَّمَان فَنَقُول هُوَ إِزَالَة يَد الْمَالِك أَو صَاحب الْيَد عَن المَال بِفعل فِي الْعين فَأَما إِثْبَات الْيَد على مَال الْغَيْر على وَجه التَّعَدِّي بِدُونِ إِزَالَة الْيَد فَيكون غصبا مُوجبا للرَّدّ لَا مُوجبا للضَّمَان وهما عندنَا
وَقَالَ الشَّافِعِي حَده إِثْبَات الْيَد على وَجه التَّعَدِّي
وَلِهَذَا قُلْنَا إِن من سكن دَار غَيره بِغَيْر إِذْنه وَأخرج صَاحبهَا عَنْهَا لَو كَانَ فِيهَا أَو زرع أَرض غَيره بِغَيْر إِذْنه يكون غصبا مُوجبا للرَّدّ وَلَا يكون مُوجبا للضَّمَان عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف
وعَلى قَول مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ يجب الضَّمَان لَو خربَتْ الدَّار أَو غرق الْعقار وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة
وَلَو استخدم مَمْلُوك رجل بِغَيْر إِذْنه أَو بَعثه فِي حَاجَة أَو ركب دَابَّته أَو حمل عَلَيْهَا شَيْئا فَهَلَكت فَهُوَ ضَامِن لما قُلْنَا
وَإِن لم ينْقل شَيْئا مِمَّا يحْتَمل النَّقْل كَمَا إِذا جلس على بِسَاط الْغَيْر لَا يضمن
وَلِهَذَا قُلْنَا إِن زَوَائِد الْغَصْب مُتَّصِلَة كَانَت أَو مُنْفَصِلَة من الْوَلَد

(3/89)


وَاللَّبن وَالصُّوف وَالسمن لَا تكون مَغْصُوبَة خلافًا للشَّافِعِيّ لعدم إِزَالَة الْيَد
وَلَو جَاءَ الْمَالِك وَطلب الزَّوَائِد فَمنعهَا يضمن بِالْإِجْمَاع
فَأَما لَو بَاعهَا وَسلمهَا إِلَى المُشْتَرِي فَفِي الْمُنْفَصِل الْمَالِك بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمن البَائِع وَإِن شَاءَ ضمن المُشْتَرِي قِيمَته يَوْم البيع وَالتَّسْلِيم
فَأَما فِي الزَّوَائِد الْمُتَّصِلَة فللمالك أَن يضمن الْغَاصِب قيمَة الْمَغْصُوب يَوْم الْغَصْب وَلَيْسَ لَهُ أَن يضمنهُ قيمَة الزَّوَائِد يَوْم البيع إِنَّمَا لَهُ أَن يضمن المُشْتَرِي قيمَة الغصوب مَعَ الزَّوَائِد الْمُتَّصِلَة يَوْم الْقَبْض بِالشِّرَاءِ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وعَلى قَوْلهمَا لَهُ أَن يضمن البَائِع أَو المُشْتَرِي قِيمَته يَوْم البيع وَالتَّسْلِيم مَعَ الزَّوَائِد
وَكَذَلِكَ الْخلاف فِي إِتْلَاف الزَّوَائِد الْمُتَّصِلَة فِي غير الْآدَمِيّ هَذَا هُوَ الصَّحِيح
وَأما فِي الْقَتْل فَلهُ الْخِيَار بَين أَن يضمنهُ بِالْغَصْبِ يَوْم الْغَصْب وَبَين أَن يضمنهُ بِالْقَتْلِ وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة
وَلِهَذَا قُلْنَا إِن الْمَنَافِع لَا تضمن بِالْغَصْبِ والإتلاف خلافًا للشَّافِعِيّ
وَصُورَة الْغَصْب أَن يحبس عبد إِنْسَان بِغَيْر إِذن مَالِكه شهرا وَلم ينْتَفع بِهِ وَكَذَا الدَّوَابّ
وَصُورَة الْإِتْلَاف أَن يغصب عبدا أَو دَابَّة وانتفع بهَا وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة
وَلِهَذَا لَو أجر الْمَغْصُوب من إِنْسَان شهرا وَأخذ الْأُجْرَة فَإِن الْأُجْرَة

(3/90)


ملك الْغَاصِب دون الْمَالِك لِأَن الْمَنَافِع تحدث فِي يَد الْغَاصِب
وَأما حكم الْغَصْب فَمن حكمه وجوب رد الْعين الْمَغْصُوبَة مَا دَامَت قَائِمَة من غير نُقْصَان لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام على الْيَد أخذت حَتَّى ترد
وَمن حكمه أَيْضا وجوب ضَمَان النُّقْصَان إِذا انْتقصَ
ثمَّ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون النُّقْصَان بِسَبَب تراجع السّعر أَو بِفَوَات جُزْء من الْعين أَو بِفَوَات وصف أَو معنى مَرْغُوب فِي العَبْد تزداد قِيمَته بِهِ
أما النُّقْصَان بِسَبَب السّعر فَغير مَضْمُون فِي الْغَصْب لِأَنَّهُ فتور يحدثه الله تَعَالَى فِي قُلُوب الْعباد لَا معنى يرجع إِلَى الْعين
وَلِهَذَا لَا يعْتَبر فِي الرَّهْن وَالْمَبِيع إِذا كَانَ فِي يَد البَائِع حَتَّى لَا يسْقط الدّين بِقَدرِهِ وَلَا يثبت الْخِيَار للْمُشْتَرِي لما قُلْنَا
وَأما النُّقْصَان الَّذِي يرجع إِلَى الْعين أَو الْوَصْف فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ فِي أَمْوَال الرِّبَا كالمكيل وَالْمَوْزُون الَّذِي لَا يجوز بيع الْبَعْض بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا أَو فِي غير ذَلِك
فَإِن كَانَ فِي أَمْوَال الرِّبَا بِأَن غصب حِنْطَة وَنَحْوهَا فصب فِيهَا مَاء أَو غصب دَرَاهِم أَو دَنَانِير فَانْكَسَرت فِي يَده وَصَارَت قراضة فصاحبه بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذه وَلَا شَيْء لَهُ غير ذَلِك وَإِن شَاءَ تَركه وَضَمنَهُ مثله وزنا وَلَا يضمن نُقْصَان الضَّرْب
وَإِن كَانَ إِنَاء فضَّة فَهُوَ بِالْخِيَارِ أَيْضا إِن شَاءَ أَخذه وَلَا شَيْء لَهُ غير ذَلِك وَإِن شَاءَ ضمنه قِيمَته من الذَّهَب

(3/91)


وَإِن كَانَ الْإِنَاء من الذَّهَب إِن شَاءَ أَخذه مهشوما وَإِن شَاءَ ضمنه قِيمَته من الْفضة لِأَن الصياغة مُتَقَومَة ولحصولها بصنع الْعباد وَلَا يُمكن تَضْمِينه بِجِنْسِهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الرِّبَا فَيضمن بِخِلَاف جنسه حَتَّى لَا يفوت حَقه
وَكَذَلِكَ آنِية الصفر والنحاس والشبه إِن كَانَ يُبَاع وزنا لِأَنَّهُ يدخلهَا الرِّبَا
فَأَما إِذا كَانَ يُبَاع عددا لم يكن من مَال الرِّبَا
فَأَما إِذا كَانَ التآلف لَيْسَ من أَمْوَال الرِّبَا فنقصان الْجُزْء من العور والشلل ونقصان الْوَصْف كذهاب الْبَصَر والسمع أَو مَا يفوت بِهِ من معنى من الْعين كنسيان الحرفة وَنَحْوه أَو حدث بِهِ عيب ينقص قِيمَته كالإباق وَالْجُنُون وَالْكبر فِي العَبْد وَالْجَارِيَة فمضمون عَلَيْهِ
أما نَبَات اللِّحْيَة فِي الْغُلَام الْأَمر فَلَيْسَ بِنَقص فَيقوم العَبْد صَحِيحا لَا عيب فِيهِ وَلَا نقص يقوم وَبِه الْعَيْب وَالنَّقْص فَيضمن قدر ذَلِك لصَاحبه لِأَنَّهُ فَاتَ حَقه
وعَلى هَذَا إِذا غصب عصيرا فَصَارَ خلا أَو عنبا فَصَارَ زبيبا أَو لَبَنًا فَصَارَ رائبا أَو رطبا فَصَارَ تَمرا فصاحبه بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ إخذه عينه وَلَا شَيْء لَهُ وَإِن شَاءَ ضمنه مثله وَسلم لَهُ ذَلِك كُله لِأَنَّهُ من أَمْوَال الرِّبَا
وَإِن كَانَ تبر ذهب أَو فضَّة فصاغ مِنْهُ إِنَاء أَو حليا أَو دَارهم أَو دَنَانِير فَإِنَّهُ يَأْخُذ ذَلِك كُله فِي قَول أبي حنيفَة وَلَا يُعْطِيهِ لعمله شَيْئا
وَعِنْدَهُمَا لَا سَبِيل لَهُ على المصوغ
وَعَلِيهِ مثله فَعِنْدَ أبي حنيفَة هَذَا الْوَصْف لَا قيمَة لَهُ فِي مَالِيَّة الْعين لِأَنَّهُ لَا يزِيد فِي الْعين بِخِلَاف الصَّنْعَة فِي غير أَمْوَال الرِّبَا
وَلَو غصب ثوبا فَقَطعه وَلم يخطه فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذه نَاقِصا

(3/92)


مَقْطُوعًا وَضَمنَهُ مَا نقص بِالْقطعِ وَإِن شَاءَ تَركه وَضَمنَهُ قيمَة الثَّوْب يَوْم غصبه لِأَنَّهُ فَوت عَلَيْهِ مَنْفَعَة مُعْتَبرَة وَهُوَ لَيْسَ من أَمْوَال الرِّبَا
وَكَذَلِكَ إِذا غصب شَاة فذبحها وَلم يشوها فَلهُ الْخِيَار بَين أَن يَأْخُذ الشَّاة وَأخذ قيمَة مَا نَقصهَا وَإِن شَاءَ تَركهَا وَأخذ قيمتهَا مِنْهُ
وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَن الْمَالِك بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذهَا وَلَا شَيْء لَهُ غَيرهَا وَإِن شَاءَ تَركهَا وَضَمنَهُ قيمتهَا يَوْم غصبهَا لِأَن الذّبْح زِيَادَة
فَأَما إِذا زَاد الْمَغْصُوب سمنا فنفقة الْغَاصِب أَو كَانَ مَرِيضا فداواه حَتَّى صَحَّ أَو كَانَ زرعا أَو أشجارا فَسَقَاهَا حَتَّى نما وانْتهى فَإِنَّهُ يَأْخُذهُ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ بِسَبَب الزِّيَادَة لِأَن ذَلِك لم يحصل بِفِعْلِهِ
أما إِذا كَانَ زِيَادَة حصلت بِفِعْلِهِ ظَاهرا فَهِيَ أَنْوَاع نوع مِنْهُ مَا يكون استهلاكا للعين معنى وَنَوع هُوَ اسْتِهْلَاك من وَجه
وَالْجَوَاب فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِد فِي أَنه يَنْقَطِع حق الْمَالِك عَن الْعين وَيصير ملكا للْغَاصِب وَيضمن الْغَاصِب مثله أَو قِيمَته
وَلَكِن يَخْتَلِفَانِ فِي أَحْكَام أخر حَتَّى إِن الزِّيَادَة فِي الثّمن والمثمن لَا تجوز فِي الْفَصْل الأول لصيرورة الْمَبِيع هَالكا وَتجوز فِي الْفَصْل الثَّانِي وَهَذَا عندنَا
وَعند الشَّافِعِي تكون الزِّيَادَة ملكا للْمَالِك وَلَا يَنْقَطِع حَقه عَن الْعين بِالضَّمَانِ
أما نَظِير الِاسْتِهْلَاك فبأن كَانَ حِنْطَة فطحنها الْغَاصِب أَو بيضًا فخضبه أَو دَقِيقًا فخبزه أَو قطنا فغزلها أَو غزلا فنسجه أَو سمسما فعصره أَو حِنْطَة فزرعها
وَنَظِير الْفَصْل الثَّانِي أَن قطع الثَّوْب قَمِيصًا أَو قبَاء فخاطبه أَو كَانَ

(3/93)


لَحْمًا فشواه أَو غصب ساجة فَأدْخلهَا فِي بنائِهِ أَو لَبَنًا أَو آجرا فَجَعلهَا فِي أساس حَائِطه أَو غصب فسيلا فَكبر وَنَحْو ذَلِك
ثمَّ هَذِه الزَّوَائِد الَّتِي صَارَت ملكا للْغَاصِب لَا يُبَاح لَهُ الِانْتِفَاع بِهِ وَعَلِيهِ أَن يتَصَدَّق لِأَنَّهُ حصل بِسَبَب خَبِيث
وَلَو بَاعَ أَو وهب يجوز لكَونهَا ملكا لَهُ
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف وَزفر أَنه يُبَاح لَهُ الِانْتِفَاع بهَا إِلَّا أَن عِنْد أبي يُوسُف بعد إرضاء صَاحبه بأَدَاء الضَّمَان وَعند زفر كَيْفَمَا كَانَ
وَمَا قَالَا قِيَاس وَجَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة اسْتِحْسَان
وَنَوع آخر مَا هُوَ زِيَادَة فِي الْعين وَلَيْسَ بِإِتْلَاف من وَجه وَهُوَ الصَّبْغ إِذا صبغه أصفر أَو أَحْمَر أَو أَخْضَر وَنَحْوهَا فَأَما إِذا صبغه أسود فَهُوَ نُقْصَان عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا زِيَادَة
ثمَّ الْجَواب فِي الصَّبْغ الَّذِي هُوَ زِيَادَة أَن صَاحب الثَّوَاب بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ترك الثَّوْب عَلَيْهِ وَضَمنَهُ قِيمَته أَبيض وَإِن شَاءَ أَخذه مصبوغا وَضمن لَهُ مَا زَاد الصَّبْغ فِيهِ
وَلَو غصب صبغ إِنْسَان فصبغ بِهِ ثَوْبه فَعَلَيهِ مثله وَالثَّوْب الْمَصْبُوغ لَهُ
وَلَو وَقع ثوب رجل فِي صبغ إِنْسَان فانصبغ فَصَاحب الثَّوْب بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذه وَأعْطى مَا زَاد فِيهِ الصَّبْغ
وَإِن شَاءَ يَبِيع الثَّوْب فَيَأْخُذ رب الثَّوْب من الثّمن قيمَة ثوب أَبيض وَيَأْخُذ صَاحب الصَّبْغ

(3/94)


قيمَة صبغة فِي الثَّوْب للْحَال لِأَن الصَّبْغ ينقص وَلَا صبغ لَهُ فِيهِ
فَأَما إِذا قصر الثَّوْب الْمَغْصُوب فَيَأْخذهُ صَاحبه وَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَة فِي الثَّوْب
وَلَو غصب خمر مُسلم فخلله لَا يَنْقَطِع حق الْمَالِك وَله أَن يَأْخُذهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَال قَائِم
وَلَو اسْتهْلك الْغَاصِب الْخلّ فَإِنَّهُ يضمن خلا مثله
وَلَو غصب عصير مُسلم فتخمر عِنْده يضمن قيمَة الْعصير لِأَنَّهُ صَار مُسْتَهْلكا فِي حق الْمُسلم معنى
وَلَو غصب خمر مُسلم فاستهلكه لَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا قيمَة لَهَا
وَلَو اسْتهْلك خمر ذمِّي أَو عصب فَهَلَكت عِنْده يضمن قيمتهَا
وَلَو أتلفهَا الذِّمِّيّ يضمن مثلهَا وَهَذَا عندنَا
وَعند الشَّافِعِي لَا يضمن
وَكَذَا إِذا أتلف الْخِنْزِير فَهُوَ على هَذَا الِاخْتِلَاف وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة
وَلَو غصب جلدا فدبغه فَإِن كَانَ جلدا لمذكى ودبغه بِمَا لَا قيمَة لَهُ مثل المَاء وَالتُّرَاب فلصاحبه أَن يَأْخُذهُ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عين مَال من جِهَة الْغَاصِب بل هُوَ بِمَنْزِلَة الْغسْل
وَإِن دبغه بِمَا لَهُ قيمَة مثل العفص والقرظ فصاحبه بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمنه قِيمَته غير مدبوغ وَإِن شَاءَ أَخذه وَأَعْطَاهُ مَا زَاد الدّباغ فِيهِ لِأَن لَهُ فِيهِ عين مَال قَائِم فَصَارَ كالصبغ فِي الثَّوْب
وَإِن كَانَ جلد ميتَة أَخذه من بَيت صَاحبه
فدبغه بِمَا لَيْسَ لَهُ

(3/95)


قيمَة فلصاحبه أَخذه بِلَا شَيْء
وَإِن دبغه بِمَا لَهُ قيمَة فلصاحبه أَن يَأْخُذهُ وَيغرم لَهُ مَا زَاد الدّباغ فِيهِ لِأَن الْجلد صَار مَالا بِمَال الْغَاصِب وَهُوَ عين قَائِم
وَلَو هلك عِنْد الْغَاصِب لَا ضَمَان عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاع لِأَن الدّباغ لَيْسَ بِإِتْلَاف
فَأَما إِذا استهكله فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ عِنْد أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يضمن قيمَة الْجلد مدبوغا وبنقص عَنهُ مَا زَاد الدّباغ فِيهِ وَالْمَسْأَلَة تذكر فِي الخلافيات
وَأما إِذا أتلف الْغَاصِب الْمَغْصُوب على وَجه يبْقى مُنْتَفعا بِهِ أَو هلك على وَجه لَا ينْتَفع بِهِ بِأَن احْتَرَقَ وَنَحْوه ينظر إِن كَانَ مثلثا يضمن مثله وَإِن لم يكن مثلثا يلْزمه قِيمَته يَوْم الْغَصْب لِأَنَّهُ صَار متلفا من ذَلِك الْوَقْت وَمَتى ضمن وَاخْتَارَ الْمَالِك الضَّمَان فَإِنَّهُ يملك الْمَغْصُوب من وَقت الْغَصْب بطرِيق الظُّهُور أَو بطرِيق الْإِسْنَاد على حسب مَا قيل فِيهِ وَهَذَا عندنَا
وَعند الشَّافِعِي لَا يملك
وَكَذَلِكَ إِذا أبق العَبْد لم يعرف قِيَامه بتصادقهما أَو قَامَت الْبَيِّنَة على الْمَوْت فَهُوَ على هَذَا الْخلاف
وَلَو ظهر حَيا لَا يعود ملك الْمَالِك فِيهِ عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ
ولقب الْمَسْأَلَة المضمونات هَل تملك بأَدَاء الضَّمَان أم لَا وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة
وَلَو أَنه هلك الْمَغْصُوب الْمثْلِيّ أَو انْقَطع الْمثْلِيّ عَن أَيدي النَّاس واختصما فِي حَال انْقِطَاعه فَإِن القَاضِي يَقُول لَهُ إِن شِئْت تَتَرَبَّص حَتَّى

(3/96)


تَأْخُذ مثل حَقك فِي أَوَانه وَإِن شِئْت تَأْخُذ الْقيمَة فَإِن اخْتَار أَخذ الْقيمَة كَيفَ يحكم بذلك قَالَ أَبُو حنيفَة يحكم على الْغَاصِب بِقِيمَتِه يَوْم الْخُصُومَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَوْم الْغَصْب
وَقَالَ مُحَمَّد يحكم بِقِيمَتِه عِنْد آخر انْقِطَاعه
وَالصَّحِيح قَول أبي حنيفَة لِأَنَّهُ حَقه عَن الْعين إِنَّمَا يَنْقَطِع يَوْم الْخُصُومَة حَيْثُ اخْتَار الْقيمَة فَيجب اعْتِبَار الْقيمَة فِي هَذَا الْوَقْت
وَلَو غصب جَارِيَة فَولدت عِنْد الْغَاصِب ولدا وانتقصت بِالْولادَةِ فَردهَا على الْمَالِك هَل يضمن نُقْصَان الْولادَة إِن كَانَ فِي الْوَلَد وَفَاء بِهِ أَو قِيمَته أَكثر فَإِنَّهُ ينجبر النُّقْصَان بِهِ وَعَلِيهِ أَن يرد الْجَارِيَة مَعَ الْوَلَد وَلَا يضمن النُّقْصَان عِنْد أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة وَعند زفر يضمن
وَإِن لم يكن فِي الْوَلَد وَفَاء بِهِ أَو قِيمَته أَكثر فَإِنَّهُ ينجبر النُّقْصَان بِهِ وَعَلِيهِ أَن يرد الْجَارِيَة مَعَ الْوَلَد وَلَا يضمن النُّقْصَان عِنْد أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة وَعند زفر يضمن
وَإِن لم يكن فِي الْوَلَد وَفَاء بِهِ فَإِنَّهُ ينجبر بِقَدرِهِ وَيضمن الْبَاقِي
وَلَو مَاتَت من الْولادَة وَبَقِي وَلَدهَا فَإِنَّهُ يضمن قيمتهَا يَوْم الْغَصْب وَلَا ينجبر النُّقْصَان بِالْوَلَدِ فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَفِي رِوَايَة أُخْرَى ينجبر
وَلَو هلك الْوَلَد قبل الرَّد يجب عَلَيْهِ نُقْصَان الْولادَة وَجعل كَأَن الْوَلَد لم يكن
هَذَا إِذا كَانَ الْحَبل عِنْد الْغَاصِب من الزِّنَا فَأَما إِذا كَانَ الْحَبل من الْمولى أَو من الزَّوْج فَإِنَّهُ لَا يضمن الْغَاصِب وَإِن مَاتَت الْجَارِيَة لِأَن

(3/97)


التّلف حصل بِسَبَب من جِهَة الْمولى فَصَارَ كَمَا لَو قَتلهَا الْمولى فِي يَد الْغَاصِب وَالله أعلم

(3/98)