تحفة الفقهاء

كتاب الْحُدُود
جمع فِي هَذَا الْكتاب بَين حد الزِّنَا وحد الْقَذْف وَبَين التَّعْزِير فَيحْتَاج إِلَى بَيَان سَبَب وجوب كل وَاحِد مِنْهَا وَإِلَى بَيَان شَرَائِط الْوُجُوب
وَإِلَى بَيَان كَيْفيَّة الْحَد ومقداره
أما حد الزِّنَا فنوعان الرَّجْم وَالْجَلد مائَة
وَسبب وجوبهما جَمِيعًا هُوَ الزِّنَا إِلَّا أَن لوُجُوب الرَّجْم شَرَائِط إِذا وجد الْكل يجب وَإِلَّا فَيجب الْجلد
وَلَو أسقط الْجلد للشُّبْهَة يجب الْعقر إِذْ الزِّنَا فِي دَار الْإِسْلَام لَا يَخْلُو عَن عُقُوبَة أَو غَرَامَة
فَنَذْكُر الزِّنَا الْمُوجب للحد
وشرائط وجوب الرَّجْم
وَطَرِيق ثوبته عِنْد القَاضِي

(3/137)


أما الزِّنَا فَهُوَ الْوَطْء الْحَرَام الْخَالِي عَن حَقِيقَة الْملك وَحَقِيقَة النِّكَاح وَعَن شُبْهَة الْملك وَعَن شُبْهَة النِّكَاح وَعَن شُبْهَة الِاشْتِبَاه أَيْضا
أما الْوَطْء فَفعل مَعْلُوم وَهُوَ إيلاج فرج الرجل فِي فرج الْمَرْأَة
وَإِنَّمَا شرطنا كَونه حَرَامًا فَإِن وَطْء الْمَجْنُون وَوَطْء الصَّبِي الْعَاقِل لَا يكون زنا لِأَن فعلهمَا لَا يُوصف بِالْحُرْمَةِ
وَكَذَلِكَ الْوَطْء فِي الْملك وَالنِّكَاح وَإِن كَانَ حَرَامًا لَا يكون زنا كَوَطْء الْحَائِض وَالنّفاس وَوَطْء الْجَارِيَة الْمَجُوسِيَّة وَالْأُخْت من الرَّضَاع وَالْجَارِيَة الْمُشْتَركَة وَنَحْوه
وَقَوله الْخَالِي عَن شُبْهَة الْملك فَإِن وطىء جَارِيَة ابْنه وَجَارِيَة مكَاتبه وَجَارِيَة عَبده الْمَأْذُون الْمَدْيُون وَالْجَارِيَة من الْمغنم فِي دَار الْحَرْب أَو بعد الْإِحْرَاز قبل الْقِسْمَة فَلَيْسَ بزنا فَإِن شُبْهَة الْملك وَهُوَ الْملك من وَجه ثَابت فِي هَذِه الْمَوَاضِع حَتَّى

(3/138)


لَا يجب الْحَد وَإِن قَالَ علمت أَنَّهَا عَليّ حرَام
وَقَوْلنَا عَن شُبْهَة العقد فَإِن وَطْء امْرَأَة تزَوجهَا بِغَيْر شُهُود أَو أمة تزوجت بِغَيْر إِذن مَوْلَاهَا أَو عبد تزوج بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ لَا يكون زنا
وَكَذَا من تزوج أمة على حرَّة أَو تزوج مَجُوسِيَّة أَو خمْسا فِي عقد أَو جمع بَين أُخْتَيْنِ أَو تزوج من مَحَارمه فَوَطِئَهَا وَقَالَ علمت أَنَّهَا عَليّ حرَام لَا حد عَلَيْهِ عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يجب الْحَد فِي كل وَطْء حرَام على التَّأْبِيد فوجود التَّزَوُّج فِيهِ لَا يُوجب شُبْهَة وَمَا لَيْسَ بِحرَام على التَّأْبِيد فَالْعقد يُوجب شُبْهَة كَالنِّكَاحِ بِغَيْر شُهُود وَنَحْوه وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة
وَأما شُبْهَة الِاشْتِبَاه وَهِي أَنه إِذا وطىء فَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تحل لي لَا يجب الْحَد
وَإِذا قَالَ علمت أَنَّهَا عَليّ حرَام فَإِنَّهُ يحد
وَجُمْلَة هَذَا أَن دَعْوَى الِاشْتِبَاه مُعْتَبرَة فِي سَبْعَة مَوَاضِع جَارِيَة الْأَب وَجَارِيَة الْأُم وَجَارِيَة الزَّوْجَة والمطلقة ثَلَاثًا مَا دَامَت فِي الْعدة وَأم الْوَلَد مَا دَامَت تَعْتَد مِنْهُ وَالْعَبْد إِذا وطىء جَارِيَة مَوْلَاهُ وَالْجَارِيَة الْمَرْهُونَة فِي رِوَايَة كتاب الرَّهْن
وَفِي أَرْبَعَة مَوَاضِع لَا يحد وَإِن قَالَ علمت أَنَّهَا عَليّ حرَام جَارِيَة الابْن وَإِن سفل وَالْجَارِيَة الْمَبِيعَة إِذا وَطئهَا البَائِع قبل الْقَبْض وَالْجَارِيَة المتزوج عَلَيْهَا إِذا كَانَت فِي يَد الزَّوْج والمطلقة طَلَاقا بَائِنا وَالْجَارِيَة بَين الشَّرِيكَيْنِ
وَفِيمَا سوى مَا ذكرنَا يجب الْحَد وَلَا يعْتَبر شُبْهَة الِاشْتِبَاه
وَمن وجد على فرَاشه أَو فِي بَيته امْرَأَة
فَوَطِئَهَا وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا جاريتي أَو امْرَأَتي يحد لِأَنَّهُ لَا يحل لَهُ الْوَطْء مَعَ الِاشْتِبَاه
فَأَما الْأَعْمَى إِذا وجد على فرَاشه امْرَأَة فَوَطِئَهَا فَكَذَلِك الْجَواب عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف
وَقَالَ زفر لَا يجب عَلَيْهِ الْحَد كَمَا فِي الْمَرْأَة المزفوفة إِلَى بَيت زَوجهَا
وَقَالَ مُحَمَّد إِذا دَعَا الزَّوْج الْأَعْمَى امْرَأَته فأجابته امْرَأَة فَقَالَت أَنا فُلَانَة امْرَأَتك فَوَطِئَهَا لَا حد عَلَيْهِ فَأَما إِذا أَجَابَتْهُ وَلم تقل أَنا فُلَانَة يجب الْحَد لِأَنَّهُ فِي وَسعه أَن يتحفظ أَكثر من هَذَا فَلَا يصير شُبْهَة فَيجب الْحَد
وَأما شَرَائِط وجوب الرَّجْم فَأن يَكُونَا محصنين
والإحصان عندنَا عبارَة عَن استجماع سَبْعَة اشياء الْبلُوغ وَالْعقل وَالْإِسْلَام وَالْحريَّة وَالنِّكَاح الصَّحِيح وَالدُّخُول على وَجه يُوجب الْغسْل من غير إِنْزَال وهما على صفة الْإِحْصَان

(3/139)


وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف إِن الْإِسْلَام لَيْسَ بِشَرْط وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَكَذَا رُوِيَ عَن أَنه لَا يعْتَبر الدُّخُول بهَا وهما على صفة الْإِحْصَان حَتَّى قَالَ إِن الْمُسلم إِذا وطىء الْكَافِرَة صَار بهَا مُحصنا
وَإِذا وجد الْوَطْء قبل الْحُرِّيَّة ثمَّ أعتقا صَارا محصنين بِالْوَطْءِ الْمُتَقَدّم وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة
فَإِذا فَاتَ شَرط من شَرَائِط الْإِحْصَان يجب الْجلد لَا الرَّجْم لقَوْله تَعَالَى {فاجلدوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة}
وَلَا يجمع بَين الْجلد وَالرَّجم بالِاتِّفَاقِ
وَاخْتلفُوا فِي الْجمع بَين الْجلد والتغريب فَقَالَ أَصْحَابنَا رَحِمهم الله لَا يجمع
وَقَالَ الشَّافِعِي يجمع وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة
فَأَما طَرِيق ثُبُوته عِنْد القَاضِي فشيئان الْبَيِّنَة وَالْإِقْرَار
أما مُشَاهدَة القَاضِي الزِّنَا فِي حَالَة الْقَضَاء أَو قبل الْقَضَاء فَلَا يعْتَبر فِي حق الْحُدُود الْإِجْمَاع وَإِن كَانَ بَين الْعلمَاء اخْتِلَاف فِي غَيرهمَا من الْأَحْكَام
أما الْبَيِّنَة فشهادة أَرْبَعَة رجال عدُول أَحْرَار مُسلمين على الزِّنَا
وَلَا تقبل فِيهَا شَهَادَة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال بِلَا خلاف
وَأما الْإِحْصَان فَيثبت بِشَهَادَة الرِّجَال مَعَ النِّسَاء عندنَا خلافًا ل زفر
وَأما الْإِقْرَار فَهُوَ أَن يقر الْمقر أَربع مَرَّات بِالزِّنَا عِنْد الإِمَام فِي أَرْبَعَة مَوَاطِن عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ
وَيَنْبَغِي للْإِمَام

(3/140)


إِذا جَاءَ الرجل وَأقر بِالزِّنَا أَن يزجره عَن الْإِقْرَار وَيظْهر الْكَرَاهِيَة من ذَلِك وَيَأْمُر بتنحيته عَن الْمجْلس فَإِن عَاد ثَانِيًا فعل بِهِ مثل ذَلِك
وَإِن عَاد ثَالِثا فعل بِهِ مثل ذَلِك
فَإِذا أقرّ أَربع مَرَّات نظر فِي حَاله هَل هُوَ صَحِيح الْعقل وَأَنه مِمَّن يجوز إِقْرَاره على نَفسه فَإِذا عرف ذَلِك سَأَلَهُ عَن الزِّنَا مَا هُوَ وَكَيف زنى وبمن زنى وَمَتى زنى وَأَيْنَ زنى لاحتيال الشُّبْهَة فِي ذَلِك
فَإِذا بَين ذَلِك سَأَلَهُ هَل هُوَ مُحصن فَإِن قَالَ هُوَ مُحصن سَأَلَهُ عَن الْإِحْصَان مَا هُوَ فَإِن فسره وَوَصفه بشرائطه حكم عَلَيْهِ بِالرَّجمِ وَأمر بإقامته عَلَيْهِ
وَيعْتَبر اخْتِلَاف مجْلِس الْمقر لَا اخْتِلَاف مجْلِس القَاضِي حَتَّى إِن القَاضِي إِذا كَانَ فِي مَجْلِسه فَأقر الزَّانِي أَربع مَرَّات فِي أَرْبَعَة مجَالِس من مجْلِس الْمقر يُقَام عَلَيْهِ الْحَد وَسَوَاء تقادم الْعَهْد أَو لَا
وَإِنَّمَا يعْتَبر التقادم مَانِعا فِي الشَّهَادَة إِذا شهدُوا بعد تقادم الْعَهْد لَا تقبل لأجل التُّهْمَة وَلَا تُهْمَة فِي الْإِقْرَار
وَلَو أقرّ بِالزِّنَا عِنْد غير الإِمَام أَو عِنْد من لَيْسَ لَهُ ولَايَة إِقَامَة الْحَد أَربع مَرَّات فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر حَتَّى إِنَّه لَو شهد الشُّهُود على إِقْرَاره أَربع مَرَّات فِي مجَالِس مُخْتَلفَة فِي حَضْرَة من لَيْسَ لَهُ ولَايَة إِقَامَة الْحَد فَالْقَاضِي لَا يقبل هَذِه الشَّهَادَة لِأَن الزَّانِي إِن كَانَ مُنْكرا فقد رَجَعَ عَن الْإِقْرَار وَإِن كَانَ مقرا فَلَا عِبْرَة لشهادة مَعَ الْإِقْرَار
وَلَو أَنه إِذا أقرّ أَربع مَرَّات عِنْد القَاضِي ثمَّ رَجَعَ بعد الحكم بِالرَّجمِ أَو قبله أَو رَجَعَ بَعْدَمَا رجم قبل الْمَوْت إِن كَانَ مُحصنا أَو بعد مَا ضرب بعض الْجلد إِذا لم يكن مُحصنا أَو هرب فَإِنَّهُ يدْرَأ

(3/141)


الْحَد عَنهُ لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لقن ماعزا الرُّجُوع حِين أقرّ بَين يَدَيْهِ بِالزِّنَا لَعَلَّك مسستها لَعَلَّك قبلتها فَلَو لم يَصح الرُّجُوع لم يكن لهَذَا التَّلْقِين فَائِدَة
ثمَّ إِذا ثَبت وجوب الرَّجْم بِالشَّهَادَةِ فَالْقَاضِي يَأْمر الشُّهُود أَولا بِالرَّجمِ فَإِذا رجموا رجم الإِمَام بعدهمْ ثمَّ النَّاس
وَقَالَ الشَّافِعِي الْبدَاءَة بالشهودة لَيْسَ بِشَرْط
فَإِن امْتنع الشُّهُود أَو بَعضهم عَن الرَّجْم سقط الرَّجْم فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَفِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أبي يُوسُف لِأَن امتناعهم عَن الرَّجْم أورث شُبْهَة الْكَذِب فِي شَهَادَتهم
وَفِي الْجلد لَا يُؤمر الشُّهُود بِهِ لِأَن كل وَاحِد لَا يعرف الْجلد على وَجهه
وَلَو جن الشُّهُود أَو خرسوا أَو عموا أَو ارْتَدُّوا أَو مَاتُوا سقط الْحَد لما قُلْنَا
ثمَّ ينصب الرجل قَائِما وَلَا يرْبط بِشَيْء وَلَا يحْفر لَهُ حفيرة
لِأَنَّهُ رُبمَا يفر فَيكون دلَالَة الرُّجُوع
وَفِي الْمَرْأَة يحْفر لَهَا حفيرة للستر وَفِي رِوَايَة لَا بَأْس بترك الْحفر
فَأَما فِي الْجلد فَإِنَّهُ يُقَام الرجل وتضرب الْمَرْأَة قَاعِدَة وَينْزع عَن الرجل ثِيَابه إِلَّا الْإِزَار فِي الزَّانِي وَفِي التعزيز وَلَا ينْزع فِي الْقَاذِف إِلَّا الفرو والحشو وَفِي الشَّارِب رِوَايَتَانِ وأشهرهما أَنه يجرد

(3/142)


فَالْحَاصِل أَن أَشد الضَّرْب هُوَ التَّعْزِير ثمَّ الْجلد فِي الزِّنَا ثمَّ فِي الشّرْب ثمَّ فِي الْقَذْف
وَفِي الْمَرْأَة لَا ينْزع الثِّيَاب إِلَّا الفرو والحشو لِأَن كشف الْعَوْرَة حرَام والزجر وَاجِب
وَيضْرب الْحَد فِي الْأَعْضَاء كلهَا مُتَفَرقًا إِلَّا فِي الْعُضْو الَّذِي هُوَ مقتل وَهُوَ الرَّأْس وَالْوَجْه والصدر والبطن والمذاكير وَهَذَا فِي حق الصَّحِيح
فَأَما الْمَرِيض فَلَا يجلد حَتَّى يبرأ وَكَذَا الْحَامِل حَتَّى تضع حملهَا وَتخرج عَن النّفاس لِأَن النّفاس مرض بِخِلَاف الْحيض
فَأَما الرَّجْم فيقام فِي الْأَحْوَال كلهَا إِلَّا فِي الْحَامِل لِأَنَّهُ لَا جِنَايَة من الْحمل
وَلَا تُقَام الْحُدُود فِي الْمَسْجِد وَإِنَّمَا تُقَام فِي مَوضِع يُشَاهِدهُ الإِمَام أَو يبْعَث أَمِينه حَتَّى يُقَام بَين يَدَيْهِ
وَإِذا مَاتَ المرجوم يدْفع إِلَى أَهله حَتَّى يغسلوه ويكفنوه ويصلوا عَلَيْهِ هَكَذَا قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي مَاعِز اصنعوا بِهِ مَا تَصْنَعُونَ بموتاكم
وَأما حد الْقَذْف فَيحْتَاج إِلَى بَيَان كيفيته وَبَيَان مِقْدَاره وَإِلَى تَفْسِير الْقَذْف الْمُوجب للحد وَإِلَى بَيَان شَرَائِطه
وَإِلَى بَيَان أَحْكَامه

(3/143)


أما الأول فحد الْقَذْف مُقَدّر بِثَمَانِينَ سَوْطًا لقَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جلدَة}
وَأما تَفْسِير الْقَذْف فَهُوَ نَوْعَانِ أَحدهمَا أَن يقذفه بِصَرِيح الزِّنَا الْخَالِي عَن شُبْهَة الزِّنَا الَّذِي لَو أَقَامَ عَلَيْهِ أَرْبَعَة من الشُّهُود أَو أقربه الْمَقْذُوف يجب عَلَيْهِ حد الزِّنَا فَإِذا عجز الْقَاذِف عَن إثْبَاته بِالْحجَّةِ فَينْعَقد سَببا لوُجُوب حد الْقَذْف
الثَّانِي أَن يَنْفِي نسب إِنْسَان من أَبِيه الْمَعْرُوف فَيَقُول لست بِابْن فلَان أوهو لَيْسَ بأبيك فَهُوَ قَاذف لأمه كَأَنَّهُ قَالَ أمك زَانِيَة أَو زنت أمك
وَلَو قَالَ يَا ابْن الزَّانِي أويا ابْن الزَّانِيَة يكون قَاذِفا
وَلَو قَالَ لست لأمك لَا يكون قذفا
وَلَو قَالَ أَنْت ابْن فلَان لِعَمِّهِ أَو خَاله أَو لزوج أمه فِي غير حَال الْغَضَب لَا يكون قذفا لِأَنَّهُ ينْسب إِلَيْهِ فِي الْعرف
وَإِن كَانَ فِي حَال الْغَضَب على سَبِيل الشتم يكون قذفا
وَلَو قَالَ لرجل يَا زَانِيَة لَا يجب الْحَد عَن أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف خلافًا ل مُحَمَّد
وَلَا قَالَ لامْرَأَته يَا زاني يحد بِالْإِجْمَاع
وَلَو قَالَ يَا زانىء باهمزة وعنى بِهِ الصعُود يحد لِأَن الْعَامَّة لَا

(3/144)


تعرف هَذَا
وَلَو قَالَ زنأت فِي الْجَبَل وعنى بِهِ الصعُود فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف يحد لما قُلْنَا خلافًا لمُحَمد
وَلَو قَالَ زنأت على الْجَبَل يحد بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ لَا يسْتَعْمل لَفظه على الصعُود
وَأما الشَّرَائِط فشروط وجوب الْحَد أَن يكون الْمَقْذُوف مُحصنا
وشرائط إِحْصَان حد الْقَذْف خَمْسَة الْعقل وَالْبُلُوغ وَالْحريَّة وَالْإِسْلَام والعفة عَن الزِّنَا
وَأما شَرط ظُهُور حد الْقَذْف عِنْد القَاضِي بِالْبَيِّنَةِ أَو بِالْإِقْرَارِ فَهُوَ خُصُومَة الْمَقْذُوف ومطالبته وحضرته عِنْد الْإِقَامَة لِأَن فِيهِ حق العَبْد وَحقّ العَبْد لَا يثبت إِلَّا بمطاليته وخصومته
ثمَّ حق الْخُصُومَة والطلب للمقذوف إِذا كَانَ حَيا سَوَاء كَانَ حَاضرا أَو غَائِبا وَلَيْسَ لأحد حق الْخُصُومَة إِلَّا بإنابته عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد
وَعند أبي يُوسُف لَا تصح وكَالَة فِي حد وَلَا قصاص
وَأَجْمعُوا أَنه لَا يَصح الْوكَالَة فِي اسْتِيفَاء الْحُدُود وَالْقصاص وعنوا بِهَذَا أَنه لَا بُد من حَضْرَة الْمَقْذُوف وحضرة ولي الْقصاص للاستيفاء
فَأَما إِذا حضر فَفِي حد الْقَذْف الِاسْتِيفَاء إِلَى الإِمَام وَفِي الْقصاص إِلَى الْوَلِيّ
لَكِن إِذا وكل إنْسَانا بِالِاسْتِيفَاءِ بَين يَدَيْهِ لعَجزه وَضعف قلبه جَازَ بِالْإِجْمَاع
وَلَو أَنه طلب الْمَقْذُوف الْحَد وَخَاصم بَين يَدي القَاضِي وَحكم القَاضِي بِهِ ثمَّ مَاتَ أَو مَاتَ قبل أَن يُطَالب أَو مَاتَ بَعْدَمَا ضرب

(3/145)


بعض الْحَد بَطل وَبَطل مَا بَقِي وَإِن كَانَ سَوْطًا وَاحِدًا وَلَا تبطل شَهَادَة الْمَقْذُوف وَهَذَا عندنَا
وَعند الشَّافِعِي يَقُول الْوَارِث مقَامه فِي الْخُصُومَة والحضرة
فَالْحَاصِل أَن الْمُغَلب فِي حد الْقَذْف حق الله تَعَالَى عندنَا
وَعِنْده الْمُغَلب حق العَبْد فَلَا يُورث عندنَا خلافًا لَهُ
وعَلى هَذَا لَا يَصح الصُّلْح وَالْعَفو من الْمَقْذُوف عندنَا خلافًا لَهُ وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة
هَذَا إِذا قذفه فِي حَال الْحَيَاة فَأَما إِذا قذفه بعد الْمَوْت بِالزِّنَا فَإِن حق الْخُصُومَة فِيهِ للوالد وَإِن علا وللولد وَإِن سفل وَلَا حق للْأَخ وَالْعم وَالْمولى وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف حَتَّى يدْخل فِيهِ أَوْلَاد الْبَنَات عِنْدهمَا وَعند مُحَمَّد لَا يدْخل إِلَّا من يَرث بالعصوبة
وَأما بَيَان الْأَحْكَام فَنَقُول إِذا رفع الْمَقْذُوف الْأَمر إِلَى القَاضِي وَالْقَذْف صَحِيح فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُنكر الْقَاذِف أَو يقر
فَإِن أنكر وَطلب الْمَقْذُوف من القَاضِي أَن يؤجله حَتَّى يُقيم الْبَيِّنَة وَادّعى أَن لَهُ بَيِّنَة حَاضِرَة فِي الْمصر فَإِنَّهُ يؤجله إِلَى أَن يقوم من الْمجْلس وَيحبس الْمُدعى عَلَيْهِ الْقَذْف فَإِن أَقَامَهَا إِلَى آخر الْمجْلس وَإِلَّا خلى سَبيله وَلَا يَأْخُذ مِنْهُ كَفِيلا بِنَفسِهِ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَأْخُذ مِنْهُ كَفِيلا بِنَفسِهِ حَتَّى يحضر الشُّهُود وَلَا يحْبسهُ
وَعَن مُحَمَّد أَنه قَالَ أكفله ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا أحبسه فَإِن أَقَامَ شَاهدا وَاحِدًا عدلا فَإِنَّهُ يحبس حَتَّى يحضر الشَّاهِد الآخر وَإِن أَقَامَ شَاهدا غير عدل فَإِنَّهُ يؤجله إِلَى آخر الْمجْلس

(3/146)


وَإِن قَالَ الْمَقْذُوف بينتي خَارج الْمصر أَو غائبون فَإِن القَاضِي يخلي سَبِيل الْقَاذِف على مَا ذكرنَا
وَإِن أَقَامَ رجلا وَامْرَأَتَيْنِ أَو
الشَّهَادَة على الشَّهَادَة
أَو كتاب القَاضِي فِي إِثْبَات الْقَذْف فَلَا يقبل لِأَن الذُّكُورَة شَرط فِي الْحَد
وَلَو أَقَامَ الْقَاذِف رجلا وَامْرَأَتَيْنِ على أَن الْمَقْذُوف صَدَقَة فِي قذفه لَهُ يقبل لِأَنَّهَا قَامَت على دَرْء الْحَد
وَإِن طلب الْمَقْذُوف من القَاضِي أَن يسْتَحْلف الْقَاذِف فَإِنَّهُ لَا يحلفهُ عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ بِنَاء على أَن حد الْقَذْف حق الْعباد عِنْده
فَإِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة على الْقَذْف أَو أقرّ الْقَاذِف فَإِن القَاضِي يَقُول للقاذف أقِم الْبَيِّنَة على صِحَة قَوْلك
فَإِن أَقَامَ أَرْبَعَة من الشُّهُود على مُعَاينَة الزِّنَا أَو على إِقْرَاره بِالزِّنَا على الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا يُقيم حد الزِّنَا على الْمَقْذُوف وَلَا يُقيم حد الْقَذْف على الْقَاذِف لِأَنَّهُ ظهر أَنه صَادِق فِي مقَالَته
فَإِن عجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة للْحَال وَقَالَ للْقَاضِي أجلني حَتَّى أحضر الْبَيِّنَة ولي بَيِّنَة فِي الْمصر فَإِنَّهُ يؤجله إِلَى قيام الْمجْلس فَإِن أَقَامَ الْبَيِّنَة إِلَى آخر الْمجْلس وَإِلَّا أَقَامَ عَلَيْهِ حد الْقَذْف وَلَا يَأْخُذ مِنْهُ كَفِيلا حَتَّى يذهب فيطلب شُهُوده وَلَكِن يحْبسهُ وَيَقُول لَهُ ابْعَثْ إِلَى شهودك
وعَلى قَول أبي يُوسُف يُؤَجل إِلَى الْمجْلس الثَّانِي
وَعَن مُحَمَّد أَنه قَالَ إِن لم يجد أحدا يَبْعَثهُ إِلَى الشُّهُود أتركه حَتَّى يذهب ويحضر الشُّهُود وأبعث مَعَه شرطا حَتَّى يحفظوه وَلَا أَدَعهُ حَتَّى يفر فَإِن عجز أقيم عَلَيْهِ الْحَد
فَإِن ضرب بعض الْحَد فَحَضَرَ الشُّهُود وشهدوا بَطل الْحَد

(3/147)


الْبَاقِي وَأَقْبل شَهَادَتهم
وَإِن شهدُوا بعد إِقَامَة الْحَد على صدق مقَالَته تقبل شَهَادَتهم وَيظْهر فِي حق الشَّهَادَة حَتَّى لَا يرد شَهَادَته بعد ذَلِك
وَأما التَّعْزِير فَيجب فِي جِنَايَة لَيست بموجبة للحد بِأَن قَالَ يَا كَافِر أَو يَا فَاسق أَو يَا فَاجر وَنَحْو ذَلِك
وَيكون التَّعْزِير على قدر الْجِنَايَة وعَلى قدر مَرَاتِب الْجَانِي قد يكون بالتغليظ فِي القَوْل وَقد يكون بِالْحَبْسِ وَقد يكون بِالضَّرْبِ
وَأَقل التَّعْزِير ثَلَاثَة أسواط فَصَاعِدا وَلَا يبلغ أَرْبَعِينَ بل ينقص مِنْهُ سَوط وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي العَبْد ينقص من أَرْبَعِينَ أسواط وَفِي الْحر لَا يبلغ ثَمَانِينَ وَينْقص مِنْهُ خَمْسَة أسواط
وَأَصله قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من بلغ حدا فِي غير حد فَهُوَ من الْمُعْتَدِينَ
وَلَا يُؤْخَذ فِيهِ الْكفَالَة
وَلَا يثبت بِشَهَادَة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال وَلَا بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة
وَعند مُحَمَّد يُؤْخَذ فِيهِ الْكَفِيل وَتقبل فِيهِ الشَّهَادَة على الشَّهَادَة وَشَهَادَة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال وَرُوِيَ عَنهُ أَنَّهَا تقبل فِي حق الْحَبْس أَيَّامًا ثمَّ يخرج وَلَا تقبل فِي حق الضَّرْب

(3/148)