تحفة الفقهاء

كتاب الْإِقْرَار
قَالَ رَحمَه الله يحْتَاج فِي هَذَا الْكتاب إِلَى بَيَان كَون الْإِقْرَار حجَّة وَإِلَى بَيَان أَلْفَاظ الْإِقْرَار وَإِلَى بَيَان شَرَائِط صِحَّته وَإِلَى بَيَان الْمقر بِهِ وَمَا يتَّصل بذلك من الْفرق بَين حَالَة الصِّحَّة وَحَالَة الْمَرَض
أما بَيَان كَون الْإِقْرَار حجَّة فَإِنَّهُ خبر صدق أَو رَاجِح صدقه على كذبه فَإِن المَال مَحْبُوب الْمَرْء طبعا فَلَا يقر بِهِ لغيره كَاذِبًا
وَأما بَيَان أَلْفَاظ الْإِقْرَار فَنَقُول إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ كَذَا أَو لفُلَان قبلي كَذَا فَهُوَ إِقْرَار لِأَن عَليّ كلمة إِيجَاب لُغَة والقبالة وَالْكَفَالَة اسْم للضَّمَان
وَكَذَا إِذا قَالَ لفُلَان فِي مَالِي ألف دِرْهَم فَهُوَ إِقْرَار لَهُ بذلك فِي مَال
لَكِن لم يبين مُحَمَّد فِي الأَصْل أَنه يكون مَضْمُونا أَو لَا وَذكر أَبُو بكر الرَّازِيّ أَنه إِقْرَار بِالشّركَةِ فَيكون ذَلِك الْقدر الْمقر بِهِ عِنْده أَمَانَة

(3/193)


وَقَالَ بعض مَشَايِخ الْعرَاق إِن كَانَ مَاله محصورا فَهُوَ إِقْرَار بِالشّركَةِ وَإِن كَانَ غير مَحْصُور فَهُوَ إِقْرَار فِي ذمَّته
وَإِن قَالَ لَهُ من مَالِي ألف دِرْهَم فَهُوَ هبة لَا تصير ملكا لَهُ إِلَّا بقبوله وَالتَّسْلِيم من الْمقر
وَلَو قَالَ لَهُ عِنْدِي ألف دِرْهَم فَهُوَ وَدِيعَة
وَكَذَا لَو قَالَ معي أَو فِي منزلي أَو فِي بَيْتِي أَو فِي صندوقي أَو فِي كيسي لِأَنَّهَا لَا تخْتَص بِالْإِيجَابِ فَيحمل على الْأَدْنَى
هَذَا الَّذِي ذكرنَا إِذا ذكر هَذِه الْأَلْفَاظ مُطلقًا
فَأَما إِذا قرن بهَا لفظا آخر مُخَالفا للْأولِ فِي الْمَعْنى بِأَن قَالَ لفُلَان عَليّ أَو قبلي ألف دِرْهَم وَدِيعَة يكون وَدِيعَة لِأَنَّهُ بَيَان مُعْتَبر فَيصح بِشَرْط الْوَصْل كالاستثناء
أما إِذا ذكر مُطلقًا وَقَالَ عنيت بِهِ الْوَدِيعَة لَا يصدق لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر فَلَا يصدق على الْغَيْر
وَإِن قَالَ لفُلَان عِنْدِي أَو معي ألف دِرْهَم قرضا فَهُوَ إِقْرَار لِأَنَّهُ بَيَان مُعْتَبر
وَلَو قَالَ عِنْدِي كَذَا وأعني بِهِ الْإِقْرَار صدق وَإِن فصل لِأَن هَذَا إِقْرَار على نَفسه فَلَا يتهم
وَلَو قَالَ لَهُ من مَالِي ألف دِرْهَم لَا حق لي فِيهَا فَهُوَ إِقْرَار

(3/194)


وَلَو قَالَ لفُلَان عِنْدِي ألف دِرْهَم وَدِيعَة قرضا أَو وَدِيعَة دينا أَو مُضَارَبَة قرضا أَو دينا أَو بضَاعَة قرضا أَو دينا فَهُوَ إِقْرَار إِذا ادّعى الْمقر لَهُ الدّين لِأَن الضَّمَان قد يطْرَأ على الْأَمَانَة
وَلَو قَالَ لفُلَان عِنْدِي ألف دِرْهَم عَارِية فَهُوَ قرض
وَكَذَا فِي كل مَا يُكَال أَو يُوزن لِأَن إِعَارَة مَا لَا ينْتَفع بِأَعْيَانِهَا إِلَّا بالاستهلاك يكون قرضا فِي الْعرف
وَأما بَيَان الشَّرَائِط فالعقل وَالْبُلُوغ شَرط بِلَا خلاف لِأَنَّهُ لَا يَصح بدونهما التَّصَرُّف الضار
وَأما الْحُرِّيَّة فَهِيَ شَرط فِي بعض الْأَشْيَاء دون بعض على مَا نذْكر
وَكَذَا الرِّضَا والطوع شَرط حَتَّى لَا يَصح إِقْرَار الْمُكْره بِشَيْء على مَا يعرف فِي كتاب الْإِكْرَاه
وَأما بَيَان أَنْوَاع الْمقر بِهِ فَهُوَ نَوْعَانِ فِي الأَصْل حُقُوق الله تَعَالَى وَالثَّانِي حُقُوق الْعباد
أما حُقُوق الله تَعَالَى فنوعان أَحدهمَا أَن يكون خَالِصا لله كَحَد الشّرْب وَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَالْإِقْرَار بِهِ صَحِيح من الْحر وَالْعَبْد
وَلَو رَجَعَ الْمقر عَن ذَلِك قبل الِاسْتِيفَاء بَطل الْحَد لاحْتِمَال الصدْق فِي الرُّجُوع فأورث شُبْهَة
ويكتفي فِي ذَلِك بِالْإِقْرَارِ مرّة إِلَّا فِي الزِّنَا فَإِنَّهُ يشْتَرط الْعدَد أَربع مَرَّات لحَدِيث مَاعِز بِخِلَاف الْقيَاس
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه اعْتبر عدد الْإِقْرَار بِعَدَد الشَّهَادَة فَشرط فِي السّرقَة وَالشرب الْإِقْرَار مرَّتَيْنِ لَكِن رُوِيَ عَنهُ أَنه رَجَعَ

(3/195)


وَيَسْتَوِي الْجَواب فِي الْإِقْرَار بالحدود بَين تقادم الْعَهْد وَعَدَمه إِلَّا فِي شرب الْخمر فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذ بِهِ عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف بعد ذهَاب رَائِحَة الْخمر اسْتِحْسَانًا لحَدِيث ابْن مَسْعُود وَعند مُحَمَّد يُؤْخَذ بِهِ وَهُوَ الْقيَاس
فَأَما حد الْقَذْف فقد ذَكرْنَاهُ فِي كتاب الْحُدُود
وَأما حُقُوق الْعباد فأنواع مِنْهَا الْقصاص وَالدية
وَمِنْهَا الْأَمْوَال
وَمِنْهَا الطَّلَاق وَالْعتاق وَحقّ الشُّفْعَة وَنَحْو ذَلِك
وَالْمَال قد يكون عينا وَقد يكون دينا وَقد يكون مَعْلُوما وَقد يكون مَجْهُولا وَقد يكون الْإِقْرَار فِي الصِّحَّة وَقد يكون فِي الْمَرَض فَنَذْكُر جملَة ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى
أما إِقْرَار العَبْد فنذكره فِي كتاب الْمَأْذُون إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَأما الْحر فَإِقْرَاره بِالْمَالِ صَحِيح كَيْفَمَا كَانَ سَوَاء كَانَ بِالْمَالِ الْمقر بِهِ عينا أَو دينا وَسَوَاء كَانَ مَعْلُوما أَو مَجْهُولا وَعَلِيهِ الْبَيَان
فجهالة الْمقر بِهِ لَا تمنع صِحَة الْإِقْرَار وجهالة الْمَشْهُود بِهِ تمنع صِحَة الشَّهَادَة وَالْقَضَاء لِأَنَّهُ لَا يُمكن الْقَضَاء بِالْمَجْهُولِ فَأَما فِي الْإِقْرَار فَيُؤْمَر بِالْبَيَانِ وَالْقَوْل قَوْله بَيَانه
إِذا أقرّ أَنه غصب من فلَان مَالا أَو لفُلَان عَلَيْهِ شَيْء أَو حق فَإِنَّهُ يُؤمر بِالْبَيَانِ فَإِذا بَين شَيْئا لَهُ قيمَة وَيجْرِي فِيهِ الْمَنْع وَالشح يصدق
وَإِن كَانَ بِخِلَافِهِ يجْبر على بَيَان شَيْء لَهُ قيمَة
فِي الْغَصْب إِذا قَالَ غصبت مِنْهُ شَيْئا فَبين مَا لَا قيمَة لَهُ

(3/196)


بِأَن قَالَ غصبت مِنْهُ صَبيا حرا صَغِيرا أَو خمرًا لمُسلم أَو جلد ميتَة يصدق لِأَن هَذَا مِمَّا يغصب عَادَة
وَلَو قَالَ غصبت شَاة أَو عبدا أَو جَارِيَة فَبين سليما أَو مَعَ الْعَيْب أَو قَالَ غصبت دَارا فَبين فِي بَلْدَة قريبَة أَو فِي بَلْدَة بعيدَة يصدق لِأَن الْغَصْب يكون على مَا يتَّفق فَيكون القَوْل قَوْله إِلَّا أَن فِي غصب الدَّار إِن أمكنه تَسْلِيمهَا إِلَيْهِ يسلم وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِن خرجت أَو عجز عَن التَّسْلِيم إِلَّا عِنْد مُحَمَّد فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْقيمَة عِنْد الْعَجز وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة
وَلَو قَالَ عَليّ قفيز حِنْطَة فَهُوَ بقفيز الْبَلَد الَّذِي أقرّ فِيهِ فَكَذَلِك الرطل والأمنان والصنجات فَذَلِك كُله على وزن الْبَلَد
وَلَو قَالَ عَليّ ألف دِرْهَم فَهُوَ على مَا يتعارفه أهل الْبَلَد من الأوزان أَو الْعدَد وَإِن لم يكن شَيْئا متعارفا فَيحمل على وزن سَبْعَة فَإِنَّهُ الْوَزْن الْمُعْتَبر فِي الشَّرْع وَكَذَلِكَ فِي الدِّينَار يعْتَبر وزن المثاقيل إِلَّا فِي مَوضِع يتعارف فِيهِ بِخِلَافِهِ
وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ دريهم أَو دنينير فَعَلَيهِ التَّام لِأَن التصغير قد يذكر لصِغَر الحجم وَقد يكون لاستحقار الدِّرْهَم وَقد يكون لخفة الْوَزْن فَلَا ينتقص الْوَزْن بِالشَّكِّ
وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ دَرَاهِم أَو دَنَانِير يَقع على ثَلَاثَة لِأَنَّهَا أقل الْجمع
وَلَو قَالَ عَليّ دَرَاهِم كَثِيرَة يَقع على عشرَة عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا على النّصاب وَهُوَ مِائَتَا دِرْهَم
وَلَو قَالَ عَليّ مَال عَظِيم أَو كثير أَو كَبِير فَعَلَيهِ مِائَتَا

(3/197)


دِرْهَم بِلَا خلاف عِنْد بَعضهم
وَقيل على قَول أبي حنيفَة يَقع على الْعشْرَة
وَقيل يعْتَبر حَال الْمقر إِن كَانَ غَنِيا يَقع على مَا يستعظم عِنْد الْأَغْنِيَاء وَإِن كَانَ فَقِيرا يَقع على النّصاب
وَلَو قَالَ غصبت إبِلا كَثِيرَة أَو شياها كَثِيرَة يَقع على أقل النّصاب من جنسه
وَإِن قَالَ عَليّ حِنْطَة كَثِيرَة يَقع عِنْدهمَا على خَمْسَة أوسق وَعند أبي حنيفَة الْبَيَان إِلَيْهِ
وَإِن قَالَ عَليّ أَمْوَال عِظَام رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه يَقع على سِتّمائَة لِأَن أقل الْجمع ثَلَاثَة
وَلَو قَالَ عَليّ ثَلَاثَة دَرَاهِم غير دِرْهَم يلْزمه دِرْهَمَانِ لِأَن كلمة غير بِالنّصب للاستثناء
وَكَذَا إِذا قَالَ عَليّ ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم غير ألف يلْزمه أَلفَانِ لما قُلْنَا
وَكَذَا لَو قَالَ عَليّ ثَلَاثَة دَرَاهِم إِلَّا درهما فَعَلَيهِ دِرْهَمَانِ
وَلَو قَالَ عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة يلْزمه سَبْعَة
وَلَو قَالَ إِلَّا سَبْعَة يلْزمه ثَلَاثَة لِأَن الِاسْتِثْنَاء تكلم بِالْبَاقِي
وَفِي الِاسْتِثْنَاء من الِاسْتِثْنَاء يكون الِاسْتِثْنَاء من الْمُسْتَثْنى لَا من الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَيلْحق ذَلِك بالمستثنى مِنْهُ
إِذا قَالَ عَليّ عشرَة دَرَاهِم إِلَّا ثَلَاثَة إِلَّا درهما يلْزمه ثَمَانِيَة لِأَن ثَلَاثَة وَصَارَت مُسْتَثْنَاة من الْعشْرَة ثمَّ الِاسْتِثْنَاء الثَّانِي من الثَّلَاثَة

(3/198)


لِأَنَّهُ أقرب إِلَيْهِ فَيخرج دِرْهَم ويلتحق بالمستثنى مِنْهُ وَهُوَ سَبْعَة فَصَارَ ثَمَانِيَة
وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ عشرَة دَرَاهِم إِلَّا ثوبا لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء عندنَا
وَعند الشَّافِعِي يَصح وَيخرج قدر قيمَة الثَّوْب
وَلَو اسْتثْنى شَيْئا من الْمكيل وَالْمَوْزُون بِأَن قَالَ عَليّ عشرَة دَرَاهِم إِلَّا قفيز حِنْطَة أَو عَليّ مائَة دِينَار إِلَّا عشرَة دَرَاهِم يَصح الِاسْتِثْنَاء عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله وَيخرج من الْمُسْتَثْنى مِنْهُ قدر قيمَة القفيز وَالْعشرَة لِأَن الْجِنْس وَاحِد وَهُوَ الْقدر وَقَالَ مُحَمَّد وَزفر رحمهمَا الله لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء كَمَا فِي الثَّوْب
وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم إِلَّا قَلِيلا يلْزمه أَكثر من النّصْف وَالْقَوْل قَوْله فِي الزِّيَادَة مَعَ يَمِينه
وَكَذَا إِذا قَالَ عَليّ قريب من ألف أَو زهاء ألف أَو عظم الْألف لِأَن هَذَا أَكثر من النّصْف بِيَقِين وَفِي الزِّيَادَة القَوْل قَوْله
وَلَو قَالَ عَليّ ألف ونيف فَعَلَيهِ الْألف وَعَلِيهِ بَيَان النيف لِأَنَّهُ عبارَة عَن الزِّيَادَة
وَلَو قَالَ عَليّ ألف وَدِرْهَم أَو عَليّ مائَة ودينار يكون الْمَعْطُوف عَلَيْهِ من جنس الْمَعْطُوف بالِاتِّفَاقِ
وَكَذَلِكَ فِي جَمِيع الْمكيل وَالْمَوْزُون والعددي المتقارب
وَأما فِي الْعرُوض والعددي المفاوات بِأَن قَالَ عَليّ عشرَة وثوب أَو عشرَة وَعبد أَو عشرَة ودابة فعلى قَول مُحَمَّد يلْزمه الْمَعْطُوف الْمُسَمّى وَالْقَوْل قَوْله فِي بَيَان الْمَعْطُوف عَلَيْهِ وعَلى قَول أبي يُوسُف يكون الْمَعْطُوف عَلَيْهِ من جنس الْمَعْطُوف لِأَن الْعرف على هَذَا

(3/199)


وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف لَا بل أَلفَانِ فجملة هَذَا إِن الِاسْتِدْرَاك فِي الإقرارات ثَلَاثَة أَنْوَاع إِمَّا أَن يكون فِي خلاف جنس الأول أَو يكون فِي جنس الأول واستدرك الْغَلَط فِي الْقدر من الْكَثْرَة والقلة أَو فِي الصّفة من الْجَوْدَة والرادءة
فَأَما الأول فبأن يَقُول عَليّ ألف دِرْهَم لَا بل مائَة دِينَار أَو كرّ حِنْطَة لَا بل كرّ شعير
وَحكمه أَنه يلْزمهُمَا جَمِيعًا لِأَن الْغَلَط فِيهِ نَادِر والنادر مُلْحق بِالْعدمِ
وَأما الثَّانِي بِأَن قَالَ عَليّ ألف دِرْهَم لَا بل أَلفَانِ أَو قَالَ عَليّ دِينَار لَا بل دِينَارَانِ فَيلْزمهُ الْأَكْثَر اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاس أَن يلْزمهُمَا جَمِيعًا كَمَا فِي خلاف الْجِنْس وكما فِي الطَّلَاق إِذا قَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة لَا بل ثِنْتَيْنِ يَقع الثَّلَاث وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَفِي الِاسْتِحْسَان أَنه إِخْبَار وَيجْرِي فِيهِ الْغَلَط فَيصح التَّدَارُك بِخِلَاف إنْشَاء الطَّلَاق حَتَّى إِن فِي الْإِخْبَار كَذَلِك بِأَن قَالَ كنت طلقت امْرَأَتي أمس وَاحِدَة لَا بل ثِنْتَيْنِ يَقع على الْأَكْثَر
وَأما الثَّالِث بِأَن قَالَ عَليّ ألف دِرْهَم سود لَا بل بيض
أَو قَالَ عَليّ قفيز حِنْطَة جَيِّدَة لَا بل وسط فَيلْزمهُ الأجود
وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف ثمن مَبِيع إِلَّا أَنه زيوف فَعِنْدَ أبي حنيفَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ يلْزمه الْجيد وَلَا يصدق سَوَاء وصل أَو فصل كَمَا لَو قَالَ بِعْتُك هَذَا العَبْد على أَنه معيب لم يصدق وَإِن وصل وَعِنْدَهُمَا إِن وصل يصدق وَإِن فصل لَا يصدق
وَفِي الْقَرْض رِوَايَتَانِ عَنهُ
وَإِذا قَالَ عَليّ ألفم دِرْهَم مُطلقًا ثمَّ قَالَ زيوف يصدق بِشَرْط الْوَصْل فِي قَوْلهم

(3/200)


وَفِي الْغَصْب والوديعة
يصدق وصل أَو فصل
وَلَو قَالَ عَليّ من ثمن بيع ألف دِرْهَم ستوقة أَو رصاصا لَا يصدق عِنْد أبي حنيفَة وَعَن أبي يُوسُف أَنه يصدق إِذا وصل
وَفِي البيع الْفَاسِد وَفِي الْغَصْب والوديعة يصدق فِي الستوقة بِشَرْط الْوَصْل فِي قَوْلهم جَمِيعًا
وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم ثمَّ قَالَ هُوَ ثمن عبد لم أقبضهُ مِنْهُ لم يصدق فِي قَول أبي حنيفَة إِلَّا أَن يَقُول مَوْصُولا وَالْعَبْد قَائِم بِعَيْنِه فِي يَد الْمقر لَهُ وَعِنْدَهُمَا إِن صدقه الْمقر لَهُ كَانَ القَوْل قَوْله وَإِن لم يصدقهُ كَانَ الْألف لَهُ لَازِما عَلَيْهِ
وَلَو قَالَ اقتضيت من فلَان ألف دِرْهَم الَّتِي لي عَلَيْهِ أَو قَالَ استوفيت أَو قبضت أَو أخذت وَقَالَ الْمقر لَهُ لم يكن لَك عَليّ شَيْء يُؤمر بردهَا إِلَيْهِ مَعَ يَمِينه على مَا يَدعِيهِ الْمقر
وَلَو قَالَ أخذت من فلَان ألف دِرْهَم وَدِيعَة فَقَالَ فلَان بل أخذت غصبا فَالْقَوْل قَول الْمقر لَهُ لما قُلْنَا
وَلَو قَالَ أودعني فلَان ألف دِرْهَم أَو قَالَ أَعْطَانِي وَدِيعَة فَقَالَ لَا بل أَخَذتهَا غصبا فَالْقَوْل قَول الْمقر لِأَنَّهُ مَا أقرّ بِسَبَب الضَّمَان وَهُوَ الْأَخْذ
ثمَّ الْإِقْرَار فِي حَالَة الصِّحَّة يَصح للْأَجْنَبِيّ وَالْوَارِث جَمِيعًا من جَمِيع المَال وَلَا يكون الدّين الْمُتَقَدّم أولى وَيكون الْغُرَمَاء أُسْوَة إِذا صَار مَرِيضا لَيْسَ لَهُ أَن يُؤثر الْبَعْض فِي الْقَضَاء وَفِي الْأَدَاء فِي حَالَة الصِّحَّة لَهُ أَن يُؤثر الْبَعْض لِأَن الدّين يثبت فِي الذِّمَّة حَالَة الصِّحَّة وَإِنَّمَا ينْتَقل

(3/201)


إِلَى المَال بِالْمرضِ فَكَذَلِك على هَذَا
أما الْإِقْرَار فِي الْمَرَض فَيصح للْأَجْنَبِيّ من جَمِيع المَال وَلَا يَصح للْوَارِث إِلَّا إِذا أجَاز الْوَرَثَة لَكِن دين الصِّحَّة مقدم على دين الْمَرَض الثَّابِت بِإِقْرَارِهِ
أما إِذا ثَبت بِالْبَيِّنَةِ أَو بمشاهدة القَاضِي فهما سَوَاء
وَإِقْرَار الْمَرِيض بِاسْتِيفَاء الدّين فِي حَالَة الْمَرَض يَصح سَوَاء كَانَ دين الصِّحَّة أَو دين الْمَرَض فِي الْجُمْلَة وَهَذَا فِي حق الْأَجْنَبِيّ وَله تفاصيل كَثِيرَة
وَإِمَّا الْإِقْرَار بالوارث من الْمَرِيض أَو من الصَّحِيح فنوعان فِي حق النّسَب وَفِي حق الْمِيرَاث
أما فِي النّسَب فَمن الرجل يَصح بِخَمْسَة نفر بالوالدين وبالولد وبالزوجة وبكونه مولى لفُلَان لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تحميل النّسَب على غَيره
من الْمَرْأَة يَصح بأَرْبعَة بالوالدين وبالزوج وبالولاء دون الْوَلَد لِأَن فِيهِ تحميل النّسَب على الْغَيْر
وَلَا يَصح الْإِقْرَار بالأخ وَالْعم وَالْخَال فِي حق النّسَب وَنَحْو ذَلِك لما فِيهِ من تحميل النّسَب فَلَا بُد من الْبَيِّنَة
فَأَما فِي حق الْمِيرَاث فَإِن لم يكن للْمقر وَارِث ظَاهر صَحَّ إِقْرَاره فِي حق الْإِرْث لِأَنَّهُ إِقْرَار على نَفسه
فَأَما إِذا كَانَ لَهُ وَارِث ظَاهر فَلَا يَصح فِي حَقه وَإِن كَانَ الَّذِي أقرّ بِهِ مقدما عَلَيْهِ بِأَن أقرّ بالأخ وَله خَال وعمة لِأَن فِيهِ إبِْطَال حق الْقَرِيب
وَكَذَلِكَ لَو كَانَ لَهُ مولى الْمُوَالَاة لِأَنَّهُ آخر الْوَرَثَة فَلَا يَصح إِقْرَاره فِي حَقه
وَلَو أوصى بِجَمِيعِ مَاله ثمَّ أقرّ بِأَخ صَحَّ إِقْرَاره وتنفذ الْوَصِيَّة من الثُّلُث

(3/202)


وَكَذَا لَو أقرّ بِأَخ ثمَّ أوصى بِجَمِيعِ مَاله يَصح من الثُّلُث لِأَن إِقْرَاره بالأخ صَحِيح فِي حَقه إِن لم يَصح فِي حق غَيره
وَلَو أقرّ بالأخ ثمَّ رَجَعَ صَحَّ لِأَنَّهُ ثَبت بقوله
وعَلى هَذَا الْوَارِث إِذا أقرّ بوارث آخر يَصح فِي حق نصِيبه حَتَّى إِن الْأَخ إِذا أقرّ بِأَخ آخر فَإِن مَا فِي يَده يكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ
وَهَذَا كُله إِذا صدقه الْمقر لَهُ فِي ذَلِك فَأَما إِذا لم يصدقهُ لم يثبت

(3/203)