تحفة الفقهاء

كتاب الْوكَالَة
يحْتَاج إِلَى بَيَان الْوكَالَة لُغَة وَشرعا وَإِلَى بَيَان أَنْوَاعهَا
أما الْوكَالَة فِي اللُّغَة فَهِيَ الْحِفْظ قَالَ الله تَعَالَى {حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل} أَي وَنعم الْحَافِظ
وَقد يُرَاد بهَا التَّفْوِيض يُقَال توكلت على الله أَي فوضت أَمْرِي إِلَيْهِ
وَفِي الشَّرْع كَذَلِك هِيَ تَفْوِيض التَّصَرُّف وَالْحِفْظ إِلَى الْوَكِيل
وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابنَا من قَالَ وكلت فلَانا فِي مَالِي يصير وَكيلا فِي الْحِفْظ لِأَنَّهُ أدنى
ثمَّ الْوكَالَة نَوْعَانِ أَحدهمَا فِي حُقُوق الله تَعَالَى والثانى فِي حُقُوق الْعباد أما الْوكَالَة فِي حُقُوق الله تَعَالَى
فنوعان فِي الْإِثْبَات والاستيفاء

(3/227)


الأول التَّوْكِيل فِي إِثْبَات الْحُدُود وَهُوَ الَّذِي يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْخُصُومَة من حد السّرقَة وحد الْقَذْف وَفِيه خلاف قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد يجوز وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يجوز
وَكَذَا الْخلاف فِي إِثْبَات الْقصاص أَيْضا
أما فِي غَيرهمَا فَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْخُصُومَة فَلَا يَصح فِيهِ التَّوْكِيل فِي الْإِثْبَات بل يثبت ذَلِك عِنْد القَاضِي بالشهود وَالْإِقْرَار
وَأما فِي الِاسْتِيفَاء فَإِن كَانَ الْمَسْرُوق مِنْهُ حَاضرا والمقذوف يجوز التَّوْكِيل بِالِاسْتِيفَاءِ لِأَن ذَلِك إِلَى الإِمَام وَهُوَ لَا يقدر أَن يُبَاشر بِنَفسِهِ على كل حَال
وَإِن كَانَ غَائِبا اخْتلف الْمَشَايِخ قيل يجوز لِأَنَّهُ لَا يَصح الْعَفو وَالصُّلْح عَنْهُمَا
وَقيل لَا يجوز لِأَنَّهُ يحْتَمل الْإِقْرَار والتصديق
وَأما فِي الْقصاص فَإِن كَانَ الْوَلِيّ حَاضرا يجوز وَإِن كَانَ غَائِبا لَا يجوز لاحْتِمَال الْعَفو
وَأما الْوكَالَة فِي حُقُوق الْعباد فأنواع مِنْهَا الْوكَالَة فِي الْخُصُومَة فِي إِثْبَات الدّين وَالْعين والحقوق
وَاخْتلفُوا فِيهَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَصح من غير رضَا الْخصم إِلَّا من عذر السّفر أَو الْمَرَض أَو كَانَت امْرَأَة مخدرة
وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ جَوَاب أَصْحَابنَا فِي الرجل وَالْمَرْأَة سَوَاء وَإِنَّمَا هَذَا شَيْء استحسنه الْمُتَأَخّرُونَ
وعَلى قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد يَصح من غير رضَا الْخصم فِي الْأَحْوَال كلهَا وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة

(3/228)


وَإِذا صَحَّ التَّوْكِيل بِالْخُصُومَةِ فَإِذا أقرّ الْوَكِيل على مُوكله فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَمُحَمّد يَصح فِي مجْلِس الْقَضَاء وَلَا يَصح فِي غير مَجْلِسه
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَصح فيهمَا جَمِيعًا
وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ لَا يَصح أصلا
وَأَجْمعُوا أَنه إِذا اسْتثْنى الْإِقْرَار وتزكية الشُّهُود فِي عقد التَّوْكِيل يَصح وَيكون وَكيلا بالإنكار لَا غير
وَأما إِذا وكل بِالْخُصُومَةِ مُطلقًا ثمَّ اسْتثْنى الْإِقْرَار فِي كَلَام مُنْفَصِل فَعِنْدَ مُحَمَّد لَا يجوز وَعند أبي يُوسُف يَصح
وَأَجْمعُوا أَن إِقْرَار الْأَب وَالْوَصِيّ وَأمين القَاضِي على الصَّغِير لَا يَصح
وَأما التَّوْكِيل بِالْإِقْرَارِ إِن ثَبت عِنْده ذكر الطَّحَاوِيّ أَنه لَا يجوز وَذكر فِي الْوكَالَة أَنه يجوز
وَالْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ فِي مَال إِذا قضى القَاضِي بِالْمَالِ هَل يملك الْقَبْض فعندنا يملك وَعند زفر لَا يملك
أما الْوَكِيل بتقاضي الدّين فَيملك الْقَبْض أَيْضا فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَلَكِن أَصْحَابنَا الْمُتَأَخّرُونَ قَالُوا لَا يملك بِحكم الْعرف كالوكلاء فِي بَاب الْقَضَاء
وَأما الْوَكِيل بِقَبض الدّين فَهَل يملك الْخُصُومَة فِي إِثْبَات الدّين إِذا أنكر الْغَرِيم عِنْد أبي حنيفَة يملك وَعِنْدَهُمَا لَا يملك
وَأَجْمعُوا أَن الْوَكِيل بِقَبض الْعين إِذا أنكر الْغَرِيم لَا يملك الْخُصُومَة

(3/229)


وَأَجْمعُوا أَن الْوَكِيل بالملازمة لَا يملك الْقَبْض
وَقَالُوا فِي الْوَكِيل بِطَلَب الشُّفْعَة وبالرد بِالْعَيْبِ وبالقسمة إِنَّه يملك الْخُصُومَة
ثمَّ لكل وَاحِد من الْخَصْمَيْنِ أَن يعْزل وَكيله من غير محْضر من خَصمه إِلَّا إِذا كَانَ وَكيلا بالتماس الْخصم فَلَا بُد من حَضْرَة الْخصم حَتَّى يَصح عَزله وَلَكِن لَا بُد من علم الْوَكِيل أَو حَضرته حَتَّى يَصح عَزله حَتَّى لَا يُؤَدِّي إِلَى الْغرُور فِي حَقه
وَكَذَا الْجَواب فِي كل وكَالَة
وَإِذا بلغ الْوَكِيل الْخَبَر بِالْعَزْلِ بِالْكِتَابَةِ أَو بالرسالة يَنْعَزِل بِلَا خلاف
وَأما إِذا جَاءَهُ على وَجه الْخَبَر لم يَنْعَزِل عِنْد أبي حنيفَة حَتَّى يُخبرهُ رجل عدل أَو رجلَانِ على أَي صفة كَانَا فَالشَّرْط عِنْده أحد شطري الشَّهَادَة إِمَّا الْعَدَالَة أَو الْعدَد
وَعِنْدَهُمَا خبر الْوَاحِد مَقْبُول وَلَا يشْتَرط الْعَدَالَة لِأَن هَذَا من بَاب الْمُعَامَلَة
وَمِنْهَا الْوكَالَة بِقَبض الدّين صَحِيحَة لحَاجَة صَاحبه إِلَى قبض الْوَكِيل لعَجزه عَن قبض دُيُونه بِنَفسِهِ كلهَا إِلَّا أَن فِي قبض رَأس مَال السّلم وَثمن الصّرْف يَصح التَّوْكِيل فِي الْمجْلس لَا خَارج الْمجْلس لِأَن الْمُوكل يملك الْقَبْض فِي الْمجْلس لَا غير
وَإِذا قبض الْوَكِيل يبرأ الْمَدْيُون وَصَارَ الْمَقْبُوض ملكا لصَاحب الدّين وَيكون أَمَانَة فِي يَد الْوَكِيل وَيكون حكمه حكم الْمُودع فِي أَن يقبل قَوْله إِنَّه دَفعه إِلَى صَاحب الدّين وَفِي كل مَا يبرأ بِهِ الْمُودع من الْوَدِيعَة

(3/230)


وَلَيْسَ للْوَكِيل بِالْقَبْضِ أَن يُوكل غَيره لِأَنَّهُ رَضِي بِرَأْيهِ وأمانته وَحده
فَإِن فعل ذَلِك وَقبض الْوَكِيل الثَّانِي لم يبرأ الْغَرِيم من الدّين لِأَن التَّوْكِيل لم يَصح فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ إِلَّا إِذا وصل مَا قبض إِلَى الْوَكِيل الأول لِأَنَّهُ وصل إِلَى يَد من هُوَ نَائِب الْمَالِك فَإِن هلك فِي يَد الْقَابِض قبل ذَلِك ضمنه الَّذِي قَبضه وَلم يبرأ الدَّافِع من الدّين الَّذِي عَلَيْهِ وَكَانَ للطَّالِب أَن يَأْخُذ الْغَرِيم بِدِينِهِ
فَإِذا أَخذه مِنْهُ رَجَعَ الْغَرِيم على من دَفعه إِلَيْهِ فَيرجع الْوَكِيل الثَّانِي على الأول إِن هلك مَا قبض فِي يَده إِلَّا إِذا قَالَ الْمُوكل للْوَكِيل بِالْقَبْضِ اصْنَع مَا شِئْت فَلهُ أَن يُوكل غَيره بِالْقَبْضِ
وَلَيْسَ للْوَكِيل بِقَبض الدّين أَن يَأْخُذ عينا مَكَانَهُ لِأَن هَذَا عقد مُعَاوضَة وَقد وَكله بِقَبض حَقه لَا غير لَا بالاستبدال وَلَا بالاعتياض
وَلَو وكل رجلَيْنِ بِقَبض دينه فَلَيْسَ لأَحَدهمَا أَن يقبض دون صَاحبه لِأَنَّهُ رَضِي برأيهما لَا بِرَأْي أَحدهمَا فَإِن قبض أَحدهمَا لم يبرأ الْغَرِيم حَتَّى يصل مَا قبض أَحدهمَا إِلَى صَاحبه فَيَقَع ذَلِك فِي أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا أَو يصل إِلَى الْمُوكل لِأَن الْمَقْصُود بِالْقَبْضِ قد حصل فكأنهما قد قبضاه ابْتِدَاء
وَلَو أَن الْوَكِيل بِقَبض الدّين قَبضه فَوَجَدَهُ معيبا فَمَا كَانَ للْمُوكل رده فللوكيل رده وَأخذ بدله لِأَنَّهُ قَائِم مقَامه
وَلَو كَانَ لرجل على رجل دين فَجَاءَهُ رجل وَقَالَ لَهُ إِن الطَّالِب أَمرنِي بِقَبْضِهِ مِنْك فَدفعهُ إِلَيْهِ ثمَّ جَاءَ الطَّالِب وَأنكر أَن يكون أمره بذلك فَهَذَا على ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا إِن صدق الْوَكِيل بِالْوكَالَةِ وَدفعه إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقَال لَهُ ادْفَعْ الدّين إِلَى الطَّالِب وَلَا حق لَك على الْوَكِيل لِأَنَّهُ أقرّ بِالْوكَالَةِ ذ

(3/231)


وَإِقْرَاره صَحِيح فِي حق نَفسه فَكَأَنَّهُ يَقُول إِن الطَّالِب ظَلَمَنِي بِالْقَبْضِ فَلَا أظلم الْوَكِيل الْقَابِض بِحَق
وَالثَّانِي إِن صدقه وَضَمنَهُ مَا دَفعه إِلَيْهِ ثمَّ حضر الْمُوكل وَرجع عَلَيْهِ رَجَعَ هُوَ على الْقَابِض لِأَنَّهُ وَإِن اعْترف أَنه قبض بِحَق وَأَن الطَّالِب ظَالِم فِيمَا قبض وَلكنه ضمنه مَا يَطْلُبهُ الطَّالِب بِغَيْر حق فَيصح الضَّمَان كَمَا لَو قَالَ مَا غصبك فلَان فَهُوَ عَليّ
وَالثَّالِث إِن كَانَ الْمَطْلُوب يَقُول كذب الْوَكِيل فِي الْوكَالَة أَو لم يصدق وَلم يكذب وَدفعه إِلَيْهِ ثمَّ حضر الطَّالِب وَأخذ مِنْهُ رَجَعَ على الْوَكِيل لِأَنَّهُ لما كذبه أَو لم يكذبهُ وَلم يصدقهُ ثمَّ طَالبه عَاد إِلَى التَّكْذِيب وَله ذَلِك فَلم يقر بِكَوْنِهِ قَابِضا بِحَق فَلهُ أَن يرجع
وَأما التَّوْكِيل بِالشِّرَاءِ فَنَقُول جملَة هَذَا أَن الْوكَالَة على ضَرْبَيْنِ وكَالَة عَامَّة ووكالة خَاصَّة
أما الْوكَالَة الْعَامَّة فَإِنَّهَا تصح مَعَ الْجَهَالَة الْكَثِيرَة كَمَا إِذا قَالَ اشْتَرِ لي مَا شِئْت أَو مَا رَأَيْت لِأَنَّهُ فوض الرَّأْي إِلَيْهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَة البضاعة وَالْمُضَاربَة
وَأما الْوكَالَة الْخَاصَّة فَالْقِيَاس أَن لَا تجوز مَا لم يذكر الْجِنْس وَقدر الثّمن وَالصّفة كَمَا فِي البيع
وَفِي الِاسْتِحْسَان أَن الْجَهَالَة الْيَسِيرَة لَا تمنع
وَإِنَّمَا تقل الْجَهَالَة إِذا كَانَ اسْم مَا وكل بِشِرَائِهِ لَا يتَنَاوَل إِلَّا نوعا وَاحِدًا وَذكر فِيهِ أحد أَمريْن إِمَّا الصّفة أَو مِقْدَار الثّمن
فَإِذا كَانَ الِاسْم يتَنَاوَل أنواعا مُخْتَلفَة أَو فِي حكم الْأَنْوَاع الْمُخْتَلفَة فَإِن الْجَهَالَة كَثِيرَة فَلَا تجوز الْوكَالَة وَإِن بَين مِقْدَار الثّمن أَو الصّفة أَو

(3/232)


كِلَاهُمَا مَا لم يبين مَعَ ذَلِك نوعا مِنْهُ
أما بَيَان الأول إِذا قَالَ الْمُوكل للْوَكِيل اشْتَرِ لي عبدا أَو جَارِيَة إِن بَين الثّمن أَو الصّفة بِأَن قَالَ تركيا أَو روميا أَو هنديا جَازَ لِأَنَّهُ تقل الْجَهَالَة بِذكر أَحدهمَا وبحال الْمُوكل
وَلَو قَالَ اشْتَرِ لي حمارا أَو بغلا أَو فرسا وَلم يبين لَهُ صفة وَلَا ثمنا قَالُوا يجوز لِأَن النَّوْع لم يخْتَلف وَالصّفة تكون مَعْلُومَة بِحَال الْمُوكل
وَلَو قَالَ اشْتَرِ شَاة أَو بقرة وَلم يبين لَهُ صفة وَلَا ثمنا لم يجز لِأَنَّهَا لَا تصير مَعْلُومَة الصّفة بِحَال الْمُوكل وَقد ذكرنَا أَنه لَا بُد من أَن تكون الصّفة أَو الثّمن مَعْلُوما
وَأما بَيَان الثَّانِي إِذا قَالَ اشْتَرِ لي حَيَوَانا أَو مَمْلُوكا أَو دَابَّة أَو ثوبا لَا يجوز وَإِن بَين الثّمن لِأَن الِاسْم يَقع على أَنْوَاع مُخْتَلفَة
وَكَذَا إِذا قَالَ اشْتَرِ لي جوهرا لما قُلْنَاهُ
وَكَذَا إِذا قَالَ اشْتَرِ لي حِنْطَة لَا تجوز الْوكَالَة مَا لم يبين الثّمن أَو عدد القفزان
وَلَو وَكله بشرَاء عبد أَو جَارِيَة وسمى الثّمن أَو الصّفة فَاشْترى أعمى أَو مَقْطُوع الْيَدَيْنِ أَو الرجلَيْن فَإِنَّهُ يجوز ذَلِك عِنْد أبي حنيفَة إِذا اشْترى مَا يُسمى عبدا أَو جَارِيَة وَعِنْدَهُمَا يجوز الْأَعْوَر أَو مَقْطُوع أحد الطَّرفَيْنِ فَأَما فَائت جنس الْمَنْفَعَة فَلَا يجوز
وَلَو وَكله بِأَن يَشْتَرِي لَهُ طَعَاما وَلم يبين لَهُ فَإِن كَانَ الثّمن قَلِيلا

(3/233)


يصرف إِلَى الْخبز وَإِن كثيرا انْصَرف إِلَى الْحِنْطَة والدقيق
وَلَو قَالَ اشْتَرِ لي بدرهم لَحْمًا انْصَرف إِلَى مَا يُبَاع فِي السُّوق فِي الْأَغْلَب دون لحم الْوَحْش وَالطير والسمك والشواء والمطبوخ
وَفِي الرَّأْس ينْصَرف إِلَى المشوي دون النيء وَيَقَع على رَأس الْغنم دون الْبَقر وَهُوَ أَمر مَبْنِيّ على الْعَادة
وَلَو قَالَ اشْتَرِ لي جَارِيَة بِعَينهَا بِمِائَة دِينَار فاشتراها بِدَرَاهِم تكون قدر قيمَة مائَة دِينَار أَو أقل جَازَ على الْآمِر فِي قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف
وَقَالَ زفر لَا يلْزم الْآمِر وَهَذَا رِوَايَة الْحسن بن زِيَاد
وَقَالَ الْكَرْخِي الْمَشْهُور من قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد أَنه لَا يجوز أَن يَشْتَرِيهَا بِالدَّرَاهِمِ كَمَا قَالَ زفر لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ
ثمَّ الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ إِذا خَالف يصير مُشْتَريا لنَفسِهِ
فَأَما الْوَكِيل بِالْبيعِ إِذا خَالف يكون مَوْقُوفا على إجَازَة صَاحبه وَالْفرق ظَاهر
وَأما التَّوْكِيل بِالْبيعِ فَنَقُول عِنْد أبي حنيفَة الْوَكِيل بِالْبيعِ مُطلقًا لَهُ أَن يَبِيع بِمَا عز وَهَان بِأَيّ ثمن كَانَ وَإِن كَانَ غبنا فَاحِشا وَسَوَاء كَانَ الثّمن عينا أَو دينا
وَعِنْدَهُمَا لَا يجوز إِلَّا أَن يَبِيع بالأثمان بِمثل قِيمَته
وَأما إِذا بَاعَ الْوَكِيل بعض مَا وكل بِبيعِهِ فَهُوَ على وَجْهَيْن إِن كَانَ ذَلِك مِمَّا لَا ضَرَر فِي تبعيضه جَازَ بالِاتِّفَاقِ مثل الْمكيل وَالْمَوْزُون أَو يَبِيع شَيْئَيْنِ
وَإِن كَانَ فِي تبعيضه ضَرَر بِأَن كَانَ التَّوْكِيل بِبيع عبد
فَبَاعَ نصفه جَازَ عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا لَا يجوز إِلَّا أَن يُجِيزهُ الْمُوكل

(3/234)


ثمَّ الْوكَالَة نَوْعَانِ مِنْهَا مَا لَا حُقُوق لَهُ إِلَّا مَا أَمر بِهِ كَالْوكَالَةِ بتقاضي الدّين وَالْوكَالَة بالملازمة وَنَحْوهمَا
وَمِنْهَا مَا يكون حُقُوقه للْوَكِيل وَعَلِيهِ
وَمِنْهَا مَا يكون حُقُوقه للْمُوكل وَعَلِيهِ
فَكل مَا لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى إِضَافَة العقد إِلَى الْمُوكل ويكتفي فِيهِ بِالْإِضَافَة إِلَى نَفسه كالبياعات والأشربة والإجارات وَالصُّلْح عَن إِقْرَار وَنَحْوهَا فَإِن الْحُقُوق ترجع إِلَى الْوَكِيل حَتَّى يجب عَلَيْهِ تَسْلِيم الْمَبِيع وَقبض الثّمن ويخاصم المُشْتَرِي الْوَكِيل فِي الْعَيْب وَيجب عَلَيْهِ الضَّمَان عِنْد الِاسْتِحْقَاق إِلَّا إِذا كَانَ العقد لَيْسَ من أهل لُزُوم الْعَهْد كَالصَّبِيِّ الْمَحْجُور وَالْعَبْد الْمَحْجُور وَالْقَاضِي وَأمين القَاضِي وَنَحْو ذَلِك
وللوكيل أَن يُوكل غَيره فِي الْحُقُوق
وَلَيْسَ للْمُوكل أَن يُبَاشر ذَلِك بِنَفسِهِ مَا دَامَ الْوَكِيل قَائِما فَإِن مَاتَ الْوَكِيل أَو جن جنونا مطبقا وَهُوَ شهر عِنْد أبي يُوسُف وحول عِنْد مُحَمَّد يخرج الْوَكِيل من الْوكَالَة وَترجع الْعهْدَة إِلَى الْمُوكل
وَأما مَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْإِضَافَة إِلَى الْمُوكل كَالنِّكَاحِ وَالْخلْع وَالطَّلَاق على مَال وَالصُّلْح عَن دم الْعمد وَالْعِتْق على مَال وَالْكِتَابَة وَالصُّلْح عَن إِنْكَار وَنَحْوهَا فالحقوق ترجع إِلَى الْمُوكل
ثمَّ الْوَكِيل بِالْبيعِ إِذا رد عَلَيْهِ الْمَبِيع بِالْعَيْبِ يملك أَن يَبِيعهُ مرّة أُخْرَى
وَكَذَلِكَ فِي كل مَا يكون هُوَ الْخصم فِيهِ
وَلَو أَن الْوَكِيل بِالْبيعِ إِذا أَبْرَأ المُشْتَرِي من الثّمن أَو أَجله أَو أَخذ بِالثّمن عوضا غَيره أَو صَالحه من الثّمن على شَيْء فَذَلِك كُله جَائِز

(3/235)


على الْوَكِيل عِنْد أبي حنيفَة وَيضمن للْمُوكل وعَلى قَوْلهمَا لَا يجوز شَيْء من ذَلِك
وَإِن ارْتَدَّ الْوَكِيل توقفت الْوكَالَة فَإِن أسلم جَازَ وَإِن قتل على ردته أَو لحق بدار الْحَرْب مُرْتَدا وَحكم بالحاقه تبطل وَعِنْدَهُمَا جَائِزَة وأصل الْمَسْأَلَة أَن تَصَرُّفَات الْمُرْتَد مَوْقُوفَة عِنْده وَعِنْدَهُمَا نَافِذَة
وتصرفات الْمُرْتَدَّة نَافِذَة بِلَا خلاف
فَإِن رَجَعَ مُسلما عَاد إِلَى وكَالَته عِنْد مُحَمَّد وَعند أبي يُوسُف لَا يعود

(3/236)