تحفة الفقهاء

كتاب الْمُزَارعَة
فِي الْكتاب فصلان فصل فِي الْمُزَارعَة وَفصل فِي الْمُعَامَلَات
ونحتاج إِلَى تفسيرهما فِي عرف اللُّغَة وَالشَّرْع
وَإِلَى بَيَان مشروعيتهما وَإِلَى بَيَان أَنْوَاع الْمُزَارعَة وَإِلَى بَيَان شَرَائِط الْمُزَارعَة المصححة مِنْهَا والمفسدة وَإِلَى بَيَان الْمعَانِي الَّتِي تجْعَل عذرا فِي فسخ الْمُزَارعَة والامتناع مِنْهَا بعد الشُّرُوع فِيهَا
أما الأول فَنَقُول الْمُزَارعَة عبارَة عَن عقد الزِّرَاعَة بِبَعْض الْخَارِج
وَهُوَ إِجَارَة الأَرْض أَو الْعَامِل بِبَعْض الْخَارِج
وَأما إجارتهما بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير فِي الذِّمَّة أَو مُعينَة فَلَا يكون عقد مُزَارعَة بل سمي إِجَارَة وَقد ذكرنَا فِي كتاب الْإِجَارَة
وَكَذَا الْمُعَامَلَة هُوَ إِجَارَة الْعَامِل ليعْمَل فِي كرمه وأشجاره من السَّقْي وَالْحِفْظ بِبَعْض الْخَارِج
وَأما بَيَان المشروعية فَقَالَ أَبُو حنيفَة كلتاهما فاسدتان غير مشروعتين

(3/263)


وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد كلتاهما مشروعتان
وَقَالَ الشَّافِعِي الْمُعَامَلَة مَشْرُوعَة دون الْمُزَارعَة وَهِي مَعْرُوفَة فِي الخلافيات
وَأما بَيَان أَنْوَاع الْمُزَارعَة ذكر فِي الْكتاب وَقَالَ الْمُزَارعَة أَنْوَاع أَرْبَعَة
وَهِي كَذَلِك فِي الظَّاهِر لَكِن يتَفَرَّع مِنْهَا أَنْوَاع أخر وَمَعْرِفَة ذَلِك مَبْنِيَّة على معرفَة أصُول مِنْهَا أَن الْمُزَارعَة فِيهَا معنى الْإِجَارَة وَالشَّرِكَة لِأَنَّهَا إِمَّا إِجَارَة الأَرْض أَو الْعَامِل بِبَعْض الْخَارِج إِن كَانَ بالبذر من قبل صَاحب الأَرْض فَهُوَ مُسْتَأْجر الْعَامِل ليعْمَل لَهُ فِي أرضه بِمَا يُعْطِيهِ من الْعِوَض وَهُوَ بعض الْخَارِج الَّذِي هُوَ نَمَاء ملكه وَهُوَ الْبذر
وَإِن كَانَ الْبذر من الْعَامِل فَهُوَ مُسْتَأْجر الأَرْض ليزرعها بِبَعْض الْخَارِج الَّذِي هُوَ نَمَاء ملكه وَهُوَ الْبذر
وَمِنْهَا أَيْضا معنى الشّركَة بَين الْمُتَعَاقدين لكَون الْخَارِج مُشْتَركا بَينهمَا على قدر مَا سميا فِي العقد
إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول قد جَاءَ الشَّرْع بِجَوَاز الْمُزَارعَة بِبَعْض الْخَارِج إِذا كَانَ عوضا عَن مَنْفَعَة الأَرْض أَو عَن مَنْفَعَة الْعَامِل بِخِلَاف الْقيَاس لحَاجَة النَّاس لِأَن الْأُجْرَة مَعْدُومَة مَجْهُولَة فَمَتَى كَانَ العقد على هَذَا الْوَجْه يكون مُزَارعَة صَحِيحَة وَإِلَّا فَيكون مُزَارعَة فَاسِدَة
وأصل آخر وَهُوَ أَن صَاحب الْبذر يسْتَحق الْخَارِج بِسَبَب أَنه نَمَاء ملكه لَا بِالْإِجَارَة وَالَّذِي لَيْسَ بِصَاحِب الْبذر يسْتَحق الْخَارِج بِالشّرطِ وَهُوَ عقد الْمُزَارعَة فَإِن العقد إِذا كَانَ صَحِيحا يجب الْبَدَل

(3/264)


الْمُسَمّى وَإِذا كَانَ فَاسِدا لَا يسْتَحق الْبَدَل الْمُسَمّى وَلَكِن يجب أجر الْمثل بِمُقَابلَة مَنْفَعَة الأَرْض أَو مَنْفَعَة الْعَامِل لِأَنَّهُ لم يرض ببذل الْمَنْفَعَة من غير عوض
لَكِن عِنْد مُحَمَّد يجب أجر الْمثل بَالغا مَا بلغ وَعند أبي يُوسُف مُقَدرا بِقِيمَة الْخَارِج الْمُسَمّى ذكر الْخلاف فِي كتاب الشّركَة وَيكون الْخَارِج كُله لصَاحب الْبذر لِأَنَّهُ نَمَاء ملكه
ثمَّ إِذا كَانَ الْبذر من صَاحب الأَرْض يكون الزَّرْع كُله لَهُ طيبا وَلَا يتَصَدَّق بِشَيْء لِأَنَّهُ نَمَاء ملكه وَقد حصل فِي أرضه
وَإِن كَانَ الْبذر من الْعَامِل فَإِن الْخَارِج بِقدر بذره وبقدر مَا غرم من أجر مثل الأَرْض والمؤن يطيب لَهُ لِأَنَّهُ أدّى عوضه وَيتَصَدَّق بِالْفَضْلِ على ذَلِك لِأَنَّهُ وَإِن تولد من بذره لَكِن فِي أَرض غَيره بِعقد فَاسد فأورث شُبْهَة الْخبث
وعَلى هَذَا قَالُوا فِي الْمُزَارعَة الصَّحِيحَة إِذا لم تخرج الأَرْض شَيْئا لَا يجب على وَاحِد مِنْهُمَا لَا أجر الْعَمَل وَلَا أجر الأَرْض لِأَن الْوَاجِب هُوَ الْخَارِج لكَون التَّسْمِيَة صَحِيحَة فتقومت الْمَنَافِع بِهَذَا الْبَدَل فَمَتَى لم يُوجد بقيت الْمَنَافِع على الأَصْل وَهِي غير مُتَقَومَة
وَفِي الْمُزَارعَة الْفَاسِدَة يجب أجر الْمثل وَإِن لم تخرج الأَرْض شَيْئا لِأَن الْمَنَافِع تتقوم هَاهُنَا بِأَجْر الْمثل ففوات الْخَارِج لَا يمْنَع من وُجُوبه
إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول ذكر فِي الْكتاب وَقَالَ الْمُزَارعَة أَنْوَاع أَرْبَعَة وَهِي فِي الظَّاهِر كَذَلِك وَلَكِن يتَفَرَّع مِنْهُمَا أَنْوَاع أخر
أما بَيَان الْأَرْبَعَة أَن يكون الأَرْض وَالْبذْر من رب الأَرْض وَالْبَقر وَالْعَمَل وآلاته من الْعَامِل
أَو يكون الأَرْض وَالْبَقر وَالْبذْر من رب الأَرْض وَالْعَمَل من الْعَامِل لَا غير

(3/265)


أَو تكون الأَرْض وَحدهَا من صَاحب الأَرْض وَالْبَاقِي كُله من الْعَامِل
أَو تكون الأَرْض وَالْبَقر من صَاحب الأَرْض وَالْبذْر وَالْعَمَل من الْعَامِل
فَفِي الثَّلَاثَة الأولى الْمُزَارعَة صَحِيحَة لِأَن فِي الْفَصْل الأول صَاحب الأَرْض مُسْتَأْجر للْعَمَل وَالْبَقر آلَة الْعَمَل فَيكون تبعا لَهُ فَلَا تكون الْأُجْرَة بِمُقَابلَة الْبَقر كمن اسْتَأْجر خياطا ليخيط بآلته يجوز
وَفِي الْفَصْل الثَّانِي صَاحب الأَرْض مُسْتَأْجر لِلْعَامِلِ أَيْضا وَحده
وَفِي الْفَصْل الثَّالِث يكون الْعَامِل مُسْتَأْجرًا للْأَرْض وَحدهَا
وَقد ذكرنَا أَن اسْتِئْجَار الأَرْض وَحدهَا واستئجار الْعَامِل بِبَعْض الْخَارِج وَحده يكون مُزَارعَة صَحِيحَة لوُرُود الحَدِيث فِيهِ مُخَالفا للقياص
وَفِي الْفَصْل الرَّابِع لَا يجوز لِأَنَّهُ يصير صَاحب الْبذر وَهُوَ الْعَامِل مُسْتَأْجرًا للْأَرْض وَالْبَقر بِبَعْض الْخَارِج فَيكون الْبَعْض بِمُقَابلَة الْبَقر مَقْصُودا وَلم يرد الشَّرْع بِهِ فَبَقيَ على أصل الْقيَاس
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف فِي الأمالي أَنَّهَا جَائِزَة
وَأما مَا يتَفَرَّع مِنْهَا الِاسْتِئْجَار الْبذر وَهُوَ أَن يدْفع الرجل بذرا إِلَى رجل ليزرعه فِي أرضه ببقره بِنصْف أَو بِثلث فالمزارعة فَاسِدَة لما قُلْنَا إِنَّه يصير مُسْتَأْجرًا الأَرْض وَالْعَامِل جَمِيعًا وَلم يرد الشَّرْع بِهِ
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنَّهَا جَائِزَة
وَمِنْهَا أَن يشْتَرك أَرْبَعَة من أحدهم الأَرْض وَمن الآخر الْبذر وَمن الثَّالِث الْبَقر وَمن الرَّابِع الْعَمَل فَهِيَ فَاسِدَة
وَفِي عين

(3/266)


هَذِه الْحَادِثَة ورد الْأَثر بِالْفَسَادِ
وَلَو شَرط عمل صَاحب الأَرْض مَعَ الْعَامِل لَا يجوز لِأَنَّهُ لم يُوجد تخلية الأَرْض وَيجب أجر الْمثل فِيمَا إِذا كَانَ الْبذر من الْعَامِل وَيجب أجر مثل عمل الْعَامِل إِذا كَانَ الْبذر من صَاحب الأَرْض
وَلَو شَرط عمل عبد صَاحب الأَرْض على أَن يكون الْخَارِج أَثلَاثًا ثلثه لصَاحب الأَرْض وَثلثه لعَبْدِهِ وَثلثه لِلْعَامِلِ إِن كَانَ الْبذر من صَاحب الأَرْض جَازَ لِأَنَّهُ مُسْتَأْجر لِلْعَامِلِ فَيكون العَبْد معينا لَهُ وَيكون نصيب العَبْد لصَاحبه
وَإِن كَانَ الْبذر من الْعَامِل لَا يجوز وَيكون الْخَارِج لصَاحب الْبذر وَعَلِيهِ أجر مثل الأَرْض وَالْعَبْد وَكَذَا أجر الْبَقر إِن كَانَ من صَاحب الأَرْض أَيْضا
وَلَو شَرط عمل رجل أَجْنَبِي مَعَ الْعَامِل
على أَن الْخَارِج يكون أَثلَاثًا فَإِن كَانَ الْبذر من الْعَامِل لَا يجوز فِي حق الْعَامِل الثَّانِي وَيجوز فِيمَا بَين صَاحب الأَرْض وَالْعَامِل الأول فَيكون الثُّلُث لصَاحب الأَرْض وَالثُّلُثَانِ لِلْعَامِلِ الأول وللعامل الثَّانِي أجر الْمثل
وَإِن كَانَ الْبذر من صَاحب الأَرْض جَازَ وَيكون الثُّلُث لَهُ وَلكُل عَامل الثُّلُث لِأَنَّهُ يصير مُسْتَأْجرًا للعاملين وَهَذَا جَائِز
وَأما شَرَائِط الصِّحَّة وَالْفساد فَمن شَرَائِط الصِّحَّة بَيَان الْمدَّة سنة أَو أَكثر وَهَذَا جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة
وَعَن مُحَمَّد بن سَلمَة أَنه قَالَ هَذَا فِي بِلَادهمْ لِأَن وَقت الزِّرَاعَة

(3/267)


متفاوت فَيصير ابْتِدَاء الزِّرَاعَة مَجْهُولا أما فِي بِلَادنَا فَيجب أَن يجوز لِأَن وقته مَعْلُوم فَصَارَ كالمعاملة وَيَقَع على أول زرع يخرج
وَأما فِي الْمُعَامَلَة فَالْقِيَاس أَن يشْتَرط بَيَان الْمدَّة وَفِي الِاسْتِحْسَان أَنه يَقع على أول ثَمَر يخرج فَإِذا انْتهى الثَّمر انْتهى العقد
فَأَما فِي الرطاب فَإِذا دفع الأَرْض ليزرع الرطاب وَدفع بذرها أَو دفع أَرضًا فِيهَا أصُول رطبَة ثَابِتَة وَلم يسم الْمدَّة فَإِن كَانَ شَيْئا لَيْسَ لابتداء نَبَاته وَلَا لانْتِهَاء جزه وَقت مَعْلُوم لَا يجوز فَأَما إِذا كَانَ وَقت جزه مَعْلُوما فَإِنَّهُ يجوز وَيَقَع على وَقت جزه وَاحِدَة كَمَا فِي الشَّجَرَة المثمرة
وَلَو دفع إِلَيْهِ نخلا فِيهَا طلع وَبسر أَحْمَر أَو أصفر أَو أَخْضَر فَإِنَّهُ يجوز وَإِن لم يبين الْوَقْت لِأَنَّهُ وَقت إِدْرَاكه مَعْلُوم
وَلَو دفع إِلَيْهِ الْبُسْر وَقد تناهى عظمه لَكِن لم يصر رطبا بعد لَا يجوز لِأَنَّهُ لم يبْق لِلْعَامِلِ عمل يحصل بِهِ الثَّمر
وَكَذَا الْجَواب فِي دفع الزَّرْع مُزَارعَة إِن كَانَ بقلا لم يستحصد جَازَ وَإِن استحصد لَا يجوز لما قُلْنَا
وَمِنْهَا إِذا شَرط على الْعَامِل شرطا يبْقى منفعَته إِلَى السّنة الثَّانِيَة وَقد دفع الأَرْض مُزَارعَة سنة كحفر الْأَنْهَار الصغار والآبار وَوضع المسناة تفْسد الْمُزَارعَة وَإِن كَانَ فِي مَوضِع لَا يبْقى يجوز
وعَلى هَذَا إِذا شَرط الكراب لَا تفْسد لِأَنَّهُ لَا تبقى منفعَته فِي

(3/268)


السّنة الثَّانِيَة وَإِن شَرط الثنيان تفْسد وَبَعْضهمْ قَالُوا أَرَادَ بِهِ تَثْنِيَة الكراب مرَّتَيْنِ ومرارا وَهَذَا تبقى منفعَته فِي السّنة الثَّانِيَة
وَمِنْهُم من قَالَ أَرَادَ بِهِ أَن تثنى الكراب بعد انْقِضَاء مُدَّة الْمُزَارعَة حَتَّى يرد الأَرْض مكروبة إِلَى صَاحبهَا وَهُوَ شَرط مُفسد
ثمَّ شَرط الكراب إِذا لم يكن مُفْسِدا هَل يلْزم الْمزَارِع فَنَقُول يلْزم بِالشّرطِ لِأَنَّهُ سَبَب لزِيَادَة الْغلَّة فَصَارَ كمن اشْترى جَارِيَة على أَنَّهَا خبازة أَو كاتبة فَيجْبر على الكراب لَو امْتنع
وَلَو عقد الْمُزَارعَة مُطلقًا هَل يجب الكراب على الْعَامِل إِن كَانَ بِحَال يخرج الأَرْض زرعا مُعْتَادا من غير كراب لَا يلْزمه وَإِن كَانَ لَا يخرج زرعا مُعْتَادا فَإِنَّهُ يجْبر عَلَيْهِ وَإِن كَانَ يخرج شَيْئا قَلِيلا لِأَنَّهُ وَجب عَلَيْهِ مُطلق عمل الزِّرَاعَة فَيَقَع على أدنى عمل مُعْتَاد فَأَما غير المتعاد من الزَّرْع الْقَلِيل فَلَا عِبْرَة بِهِ
وَكَذَا السَّقْي يجب عَلَيْهِ إِذا كَانَ لَا يخرج زرعا مُعْتَادا بِمَاء السَّمَاء وَحده
وَلَو دفع على أَنه إِن زرع بكراب فَلهُ كَذَا
إِن ثنى فَلهُ كَذَا
وَإِن زرع بِغَيْر كراب وثنيان فَكَذَا صَحَّ العقد فِي ظَاهر الرِّوَايَة
وَكَذَا إِذا قَالَ إِن زرع حِنْطَة فَلهُ كَذَا وَإِن زرع شَعِيرًا فَلهُ كَذَا فَهُوَ على هَذَا أَيْضا
وَمِنْهَا أَن يشْتَرط الْحَصاد والدياس والتذرية وَالْحمل إِلَى مَوضِع البيدر فَهُوَ شَرط مُفسد للْعقد فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه شَرط صَحِيح وَهُوَ قَول مَشَايِخ خُرَاسَان

(3/269)


وَأما شَرط الْحمل بعد الْقِسْمَة إِلَى منزل صَاحب الأَرْض فَهُوَ مُفسد بالِاتِّفَاقِ
وَمِنْهَا التَّخْلِيَة بَين الأَرْض والمزارع شَرط الصِّحَّة وَقد ذكرنَا
وَأما الْمعَانِي الَّتِي تجْعَل عذرا للْفَسْخ أَو تجْعَل عذرا فِي الِامْتِنَاع عَن الْعَمَل أَو حق أَخذ الأَرْض فَنَقُول إِذا عقد عقد الْمُزَارعَة ثمَّ أَرَادَ أَحدهمَا الِامْتِنَاع فَإِن كَانَ صَاحب الْبذر لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ الشُّرُوع إِلَّا بعد إِتْلَاف ملكه
وَهُوَ الْبذر
وَإِذ لم يكن صَاحب الْبذر لَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا بِعُذْر يفْسخ بِهِ العقد
وَلَو مَاتَ أَحدهمَا فللآخر أَن يمْتَنع إِن كَانَ قبل الشُّرُوع
وَبعد الشُّرُوع يَنْفَسِخ العقد عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ على التَّفْصِيل الَّذِي نذْكر
والأعذار الْمُوجبَة حق الْفَسْخ فِي جَانب صَاحب الأَرْض هُوَ الدّين الَّذِي لَا وَجه لقضائه إِلَّا بِثمن الأَرْض أَو كَون الْعَامِل جانيا
وَفِي جَانب الْعَامِل هُوَ الْمَرَض الَّذِي يعجزه عَن الْعَمَل وَالسّفر وَنَحْو ذَلِك
ثمَّ إِذا فسخ أَو ترك العقد وَقد عمل فِيهَا الْعَامِل من الكراب وكرى السواقي وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذ شَيْئا من صَاحب الأَرْض لِأَنَّهُ لَا قيمَة للمنافع وهما قوماها بالخارج وَقد بَطل سَبَب الِاسْتِحْقَاق بِالْفَسْخِ لَكِن هَذَا فِي الحكم أما فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَعَلَيهِ أَن يُرْضِي الْعَامِل بِإِعْطَاء عوض عمله

(3/270)


ثمَّ بَيَان كَيْفيَّة الْفَسْخ بِمَوْت أحد الْعَاقِدين فَنَقُول إِن مَاتَ رب الأَرْض وَالزَّرْع بقل وَقد عقد الْمُزَارعَة ثَلَاث سِنِين فَإِنَّهُ يبْقى العقد فِي هَذِه السّنة لهَذَا الزَّرْع وَلَيْسَ لوَرَثَة رب الأَرْض أَخذ الأَرْض وَلَكِن تتْرك الأَرْض فِي يَد الْمزَارِع حَتَّى يستحصد فَإِذا استحصد قسموه على شرطهم وتنتقض الْمُزَارعَة فِيمَا بَقِي من السنين وَإِنَّمَا يبْقى العقد نظرا للجانبين شرعا
وَلَو مَاتَ المزراع وَالزَّرْع بقل فَإِن كَانَ وَرَثَة المزراع قَالُوا نَحن نعمل فَلَيْسَ لصَاحب الأَرْض أَن يقْلع
وَتبقى الْمُزَارعَة حكما
فَأَما إِذا قَالَ وَرَثَة الْمزَارِع نَحن لَا نعمل وَلَكِن نقلع الزَّرْع والبقل بَيْننَا لَا يجبرون على الْعَمَل وَيُقَال لصَاحب الأَرْض اقلع فَيكون بَيْنكُم أَو أعطهم قيمَة حصتهم وَالزَّرْع كُله لَك أَو أنْفق على حصتهم وَتَكون نَفَقَتك فِي حصتهم
فَأَما إِذا انْقَضتْ الْمدَّة من غير موت المزارعين وَالزَّرْع بقل انْتهى عقد الْمُزَارعَة وَلَكِن الزَّرْع مُشْتَرك بَينهمَا فَيكون الْعَمَل عَلَيْهِمَا إِلَى أَن يستحصد وعَلى الْمزَارِع أجر مثل نصف الأَرْض
وعَلى هَذَا فِي مُدَّة الْإِجَارَة وَالْعَارِية إِذا انْقَضتْ وَالزَّرْع بقل فَإِنَّهُ يجب أجر مثل الأَرْض وَيتْرك الزَّرْع حَتَّى يستحصد نظرا لَهما بِخِلَاف الْمَوْت فَإِنَّهُ ثمَّة لَا يجب أجر مثل الأَرْض لِأَن ثمَّة يبْقى العقد حكما وَيكون الْعَمَل على الْعَامِل لَا عَلَيْهِمَا
وعَلى هَذَا قَالُوا إِن الْجمال إِذا مَاتَ فِي بعض طَرِيق مَكَّة فَإِن الْمُسْتَأْجر يمْضِي إِلَى مَكَّة بِالْمُسَمّى لأَنا بَقينَا العقد حكما كَذَا هَذَا
وَكَذَا إِذا كَانَ على صَاحب الأَرْض دين فادح وَفِي الأَرْض الزَّرْع

(3/271)


بقل لَيْسَ لَهُ أَن يَبِيع الأَرْض بل يبْقى العقد إِلَى أَن يستحصد لما قُلْنَا

(3/272)