تحفة الفقهاء

كتاب الشَّهَادَات
يحْتَاج إِلَى ثَلَاثَة فُصُول إِلَى بَيَان تحمل الشَّهَادَة
وَإِلَى بَيَان حُضُور الشُّهُود عِنْد النِّكَاح وَإِلَى بَيَان جَوَاز أَدَاء الشَّهَادَة عِنْد القَاضِي
أما الأول فَنَقُول تحمل الشَّهَادَة إِنَّمَا يجوز عِنْد المعاينة أَو عَن سَماع الْإِقْرَار وإنشاء القَوْل من النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْبيع وَنَحْوهَا من الْخصم
فَأَما التسامع من النَّاس فَلَا عِبْرَة بِهِ إِلَّا فِي مَوَاضِع مَخْصُوصَة فِي النِّكَاح وَالنّسب وَالْمَوْت وَفِي الْوَلَاء اخْتِلَاف عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد لَا يقبل وَعند أبي يُوسُف يقبل
وَإِنَّمَا يَصح التَّحَمُّل مِمَّن لَهُ عقل وتمييز ليفهم كَلَام الْخَصْمَيْنِ أَو يعلم مَا يَفْعَله سَوَاء كَانَ حرا أَو عبدا أَو فَاسِقًا أَو كَافِرًا أَو صَغِيرا عَاقِلا أَو بَالغا حَتَّى إِذا زَالَت هَذِه الْمعَانِي وَحدثت ضدها تقبل شَهَادَته
وَكَذَا العَبْد إِذا تحمل الشَّهَادَة لمَوْلَاهُ أَو الْمَرْأَة لزَوجهَا تقبل بعد الْعتْق والبينونة
لَكِن لَو شهد لمَوْلَاهُ وَردت شَهَادَته أَو شهِدت الْمَرْأَة لزَوجهَا وَردت ثمَّ شهد بعد الْعتْق والبينونة فِي تِلْكَ الْحَادِثَة لَا تقبل بِخِلَاف الْكَافِر إِذا شهد على مُسلم فِي حَادِثَة فَردَّتْ شَهَادَته ثمَّ

(3/361)


أعَاد تِلْكَ الشَّهَادَة بعد الْإِسْلَام تقبل وَالْفرق مَذْكُور فِي الخلافيات
وَأما حُضُور الشُّهُود عِنْد عقد النِّكَاح فقد بَينا ذَلِك فِي كتاب النِّكَاح
فَلَا نعيده
وَأما جَوَاز الشَّهَادَة عِنْد القَاضِي فَنَقُول شَهَادَة رجلَيْنِ عَدْلَيْنِ مَقْبُولَة فِي جَمِيع الْأَحْكَام فِي أَسبَاب الْعُقُوبَات وَغَيرهَا إِلَّا فِي الزِّنَى فَإِنَّهُ لَا تقبل إِلَّا شَهَادَة أَرْبَعَة رجال عدُول
وَشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ مَقْبُولَة فِي جَمِيع الْأَحْكَام عندنَا إِلَّا فِي الْحُدُود وَالْقصاص
وَعند الشَّافِعِي لَا تقبل إِلَّا فِي الْأَمْوَال وتوابعها
وَكَذَا حكم الشَّهَادَة على الشَّهَادَة مثل حكم شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ
وَتجوز شَهَادَة الْأَقَارِب مثل شَهَادَة الْأَجَانِب إِلَّا شَهَادَة الْوَالِدين والمولودين وَشَهَادَة أحد الزَّوْجَيْنِ لصَاحبه
وَعند الشَّافِعِي تقبل شَهَادَة الْأزْوَاج
وَلَا تجوز شَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف إِذا تَابَ عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ
وَلَا تجوز شَهَادَة الْأَعْمَى وَإِن كَانَ بَصيرًا عِنْد التَّحَمُّل عِنْد أبي حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف تقبل إِذا كَانَ بَصيرًا عِنْد التَّحَمُّل
وَلَا تجوز شَهَادَة العَبْد والأخرس
وَالصَّبِيّ الْعَاقِل وَالْمَعْتُوه وَلَا شَهَادَة الْأَخير لَهُ فِي تِجَارَته الَّتِي اسْتَأْجرهُ فِيهَا وَلَا شَهَادَة أحد الشَّرِيكَيْنِ فِي مَال الشّركَة وَالتَّصَرُّف فِيهَا وَتقبل فِيمَا سوى ذَلِك

(3/362)


وَأما شَهَادَة الْفَاسِق فَإِن تحرى القَاضِي الصدْق فِي شَهَادَته تقبل وَإِلَّا فَلَا
وَعند الشَّافِعِي لَا تقبل أصلا وَلَا تقبل فِي الْعُقُوبَات
وَلَو طعن الْمَشْهُود عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد أَنه رَقِيق أَو فَاسق لم تمض الشَّهَادَة مَا لم يقم الْبَيِّنَة على الْحُرِّيَّة إِن كَانَ مَجْهُول النّسَب
وَكَذَا مَا لم يسل عَن عدالتهم فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة
وَلَا يجوز الْقَضَاء بِظَاهِر الْعَدَالَة بالِاتِّفَاقِ
وَقبل الطعْن يجوز عِنْد أبي حنيفَة خلافًا لَهما
وَلَو اخْتلف الشَّاهِدَانِ فِي الْوَقْت وَالْمَكَان والعبارة مَعَ اسْتِوَاء العبارتين فِي الْمَعْنى فَإِن كَانَ ذَلِك فِي الْإِقْرَار تقبل شَهَادَتهمَا وَلَا يُوجب اخْتِلَاف الشَّهَادَة
وَإِن كَانَ فِي الْفِعْل
من الْغَصْب وَالْقَتْل وَالْقطع وإنشاء البيع وَالطَّلَاق وَنَحْوهَا
فَإِنَّهُ يُوجب اخْتِلَاف الشَّهَادَة فَمَا لم يُوجد على كل وَاحِد شَاهِدَانِ لَا يقبل
وَإِذا اخْتلف الشَّاهِدَانِ فِي جنس الْمَشْهُود بِهِ لَا يقبل
وَلَو اخْتلفَا فِي الْمِقْدَار وَأَحَدهمَا يدْخل فِي الآخر وَالْمُدَّعِي يَدعِي الْأَكْثَر كَمَا إِذا شهد أَحدهمَا على ألف وَالْآخر على أَلفَيْنِ لَا تقبل عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا تقبل على الْأَقَل
وَكَذَا إِذا شهد أَحدهمَا على طَلْقَة وَالْآخر على طَلْقَتَيْنِ أَو ثَلَاث لَا يقبل عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يقبل على الْأَقَل
وَأَجْمعُوا أَنه إِذا شهد أَحدهمَا على ألف وَالْآخر على ألف وَخَمْسمِائة وَالْمُدَّعِي يَدعِي الْأَكْثَر يقبل على ألف وَقد ذكرنَا فِي الطَّلَاق
وَأكْثر مسَائِل الشَّهَادَة ذكرنَا فِي الْكتب السَّابِقَة فَلَا نعيدها

(3/363)