درر
الحكام شرح غرر الأحكام [كِتَابُ الْوَلَاءِ]
(قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً مِنْ الْوَلِيِّ بِمَعْنَى الْقُرْبِ) وَلِذَا
يُقَالُ بَيْنَهُمَا وَلَاءٌ أَيْ: قَرَابَةٌ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا
قَرَابَةٌ حُكْمِيَّةٌ حَاصِلَةٌ مِنْ الْعِتْقِ
(2/33)
أَوْ الْمُوَالَاةِ الْأُوَلُ) أَيْ
الْوَلَاءُ الْحَاصِلُ مِنْ الْعِتْقِ يَكُونُ (لِمُعْتَقٍ غَيْرِ
حَرْبِيٍّ) يَعْنِي لَوْ أَعْتَقَ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَبْدَهُ
لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا خَرَجَا إلَيْنَا مُسْلِمَيْنِ لَا
يَرِثُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، كَذَا فِي الْكَافِي وَقَالَ
الزَّيْلَعِيُّ: الذِّمِّيُّونَ يَتَوَارَثُونَ بِالْوَلَاءِ
كَالْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَسْبَابِ الْإِرْثِ (وَلَوْ
بِتَدْبِيرٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ إيلَادٍ) أَيْ جَعْلِ الْأَمَةِ أُمَّ
وَلَدِهِ (أَوْ مِلْكِ قَرِيبٍ) بِأَنْ يَمْلِكَ قَرِيبَهُ فَإِنَّ كُلًّا
مِنْهَا إعْتَاقٌ يَثْبُتُ بِهِ الْوَلَاءُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . (وَإِنْ شَرَطَ
عَدَمَهُ) يَعْنِي لَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ وَشَرَطَ أَنْ لَا
يَرِثَهُ كَانَ الشَّرْطُ لَغْوًا لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ
الشَّرْعِ فَيَرِثُهُ كَمَا فِي النَّسَبِ إذَا شَرَطَ أَنَّهُ لَا
يَرِثُهُ وَأُورِدَ بِأَنَّ الْوَلَاءَ بِالتَّدْبِيرِ أَوْ الِاسْتِيلَادِ
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمَوْلَى وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرُ إنَّمَا
يَعْتِقَانِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى، وَأُجِيبُ بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ
يَرْتَدَّ الْمَوْلَى وَيَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ حَتَّى يُحْكَمَ
بِعِتْقِ مُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا فَمَاتَ
مُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ فَالْوَلَاءُ لَهُ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ
يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لِعَصَبَةِ الْمَوْلَى
إنَّمَا يَكُونُ بِسَبَبِ ثُبُوتِهِ لِلْمَوْلَى فَإِنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ
لَهُ أَوْ لَا لِصُدُورِ سَبَبِ الْعِتْقِ مِنْهُ ثُمَّ يَسْرِي مِنْهُ
إلَى عَصَبَتِهِ.
(أَعْتَقَ أَمَةً زَوْجُهَا قِنُّ الْغَيْرِ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ
مِنْ عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ زَوْجُهَا قِنٌّ (فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ
نِصْفِ حَوْلٍ مِنْ الْإِعْتَاقِ فَلَهُ وَلَاءُ الْوَلَدِ بِلَا نَقْلٍ
عَنْهُ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَ عَبْدُ رَجُلٍ أَمَةً لِآخَرَ فَأَعْتَقَ
مَوْلَى الْأَمَةِ الْأَمَةَ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ الْعَبْدِ عَتَقَتْ
وَعَتَقَ حَمْلُهَا ثُمَّ يَسْرِي مِنْهُ وَوَلَاءُ الْحَمْلِ لِمَوْلَى
الْأُمِّ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَى مُعْتِقِ
الْأُمِّ قَصْدًا؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا يَقْبَلُ الْإِعْتَاقَ
قَصْدًا؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ فِي حُكْمِ الْعِتْقِ كَشَخْصٍ عَلَى حِدَةٍ
حَيْثُ يَجُوزُ انْفِرَادُهُ بِالْعِتْقِ فَلَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ
عَنْهُ لِمَا رَوَيْنَا وَهَذَا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ
أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْحَمْلِ
وَقْتَ الْإِعْتَاقِ (وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا
لِأَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ
(وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ مِنْهُ وَبَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ
(أَقَلُّ مِنْ الْأَقَلِّ) أَيْ أَقَلُّ مِنْ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ
يَعْنِي أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا حِينَئِذٍ أَنَّ
الْأَوَّلَ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعِتْقِ وَتَيَقَّنَّا أَنَّهُمَا
تَوْأَمَانِ حَمَلَتْ بِهِمَا جُمْلَةً لِعَدَمِ تَخَلُّلِ أَقَلِّ مُدَّةِ
الْحَمْلِ بَيْنَهُمَا فَإِذَا تَنَاوَلَ الْإِعْتَاقُ الْأَوَّلَ
تَنَاوَلَ الْآخَرَ أَيْضًا ضَرُورَةً فَصَارَ مُعْتِقًا لَهُمَا
وَوَلَاؤُهُمَا لَهُ لَا يَنْتَقِلُ مِنْهُ أَبَدًا (وَلَوْ وَلَدَتْ)
وَلَدًا بَعْدَ عِتْقِهَا (لِلْأَكْثَرِ) أَيْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ
أَشْهُرٍ (فَوَلَاؤُهُ) أَيْ وَلَاءُ الْوَلَدِ (لِمَوْلَاهَا) ؛ لِأَنَّهُ
عَتَقَ تَبَعًا لِلْأُمِّ لِاتِّصَالِهِ بِهَا عِنْدَ عِتْقِهَا، وَقَدْ
تَعَذَّرَ جَعْلُهُ تَبَعًا لِلْأَبِ لِرِقِّيَّتِهِ (فَإِنْ أُعْتِقَ
الْأَبُ جَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ إلَى قَوْمِهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ
بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ
وَلَا يُورَثُ» ثُمَّ النَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ فَكَذَا الْوَلَاءُ،
وَالنِّسْبَةُ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ كَانَتْ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ
الْأَبِ ضَرُورَةً فَإِذَا صَارَ أَهْلًا عَادَ الْوَلَاءُ إلَيْهِ.
(عَجَمِيٌّ لَهُ مَوْلَى مُوَالَاةٍ نَكَحَ مُعْتَقَةً) سَوَاءٌ كَانَ
مُعْتِقُهَا مِنْ الْعَرَبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا (فَوَلَدَتْ) وَلَدًا
(فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَاهَا) عِنْدَهُمَا.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ حُكْمُهُ حُكْمُ أَبِيهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إلَى
الْأَبِ كَمَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ
الْأَبُ عَبْدًا؛ لِأَنَّهُ هَالِكٌ مَعْنًى وَلَهُمَا أَنَّ وَلَاءَ
الْعَتَاقَةِ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ حَتَّى
اُعْتُبِرَتْ الْكَفَاءَةُ فِيهِ، وَالنَّسَبُ فِي حَقِّ الْعَجَمِ ضَعِيفٌ
لِتَضْيِيعِهِمْ أَنْسَابَهُمْ وَلِهَذَا لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ
بِالنَّسَبِ بَيْنَهُمْ، وَالضَّعِيفُ لَا يُعَارِضُ الْقَوِيَّ بِخِلَافِ
مَا إذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
أَوْ الْمُوَالَاةِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ نَوْعَانِ لِاخْتِلَافِ
السَّبَبِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ الْعِتْقُ عَلَى الْمِلْكِ
فِي الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَنَّ
سَبَبَهُ الْإِعْتَاقُ وَوَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْعِتْقَ يَكُونُ بِلَا
إعْتَاقٍ كَعِتْقِ الْقَرِيبِ بِالْوِرَاثَةِ وَسَبَبُ وَلَاءِ
الْمُوَالَاةِ الْعَقْدُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: لِمُعْتِقٍ
غَيْرِ حَرْبِيٍّ. . . إلَخْ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ إعْتَاقُ الْمُسْلِمِ
عَبْدَهُ الْحَرْبِيَّ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ
بِإِعْتَاقِهِ بِالْقَوْلِ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ بِالتَّخْلِيَةِ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ مَوْلَاهُ لِثُبُوتِ
الْعِتْقِ بِالْقَوْلِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ حَتَّى لَوْ خَرَجَا
مُسْلِمَيْنِ لَا وَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا
لِأَبِي يُوسُفَ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ كُلًّا
مِنْهُمَا إعْتَاقٌ) فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ بِمِلْكِ الْقَرِيبِ
يَحْصُلُ الْعِتْقُ بِلَا إعْتَاقٍ وَكَذَا الِاسْتِيلَادُ (قَوْلُهُ:
وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ
لِعَصَبَةِ الْمَوْلَى) يَعْنِي الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لَهُ) يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ قَضَاءُ
دُيُونِهِ وَنَحْوِهَا مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: حَيْثُ يَجُوزُ انْفِرَادُهُ) الْأَوْلَى إفْرَادُهُ (قَوْلُهُ:
وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا بَعْدَ عِتْقِهَا لِلْأَكْثَرِ) أَيْ مِنْ
الْأَقَلِّ فَهُوَ شَامِلٌ لِلسِّتَّةِ فَمَا فَوْقَهَا فَقَوْلُهُ: أَيْ
لِلْأَكْثَرِ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَاصِرٌ عَنْ إفَادَةِ مَتْنِهِ حُكْمَ
السِّتَّةِ كَمَا فَوْقَهَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ جَرَّ
وَلَاءَ ابْنِهِ إلَى قَوْمِهِ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً فَإِنْ
كَانَتْ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ
الْعِتْقِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ لَا
يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا
عِنْدَ عِتْقِ الْأُمِّ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
(قَوْلُهُ: عَجَمِيٌّ لَهُ مَوْلَى مُوَالَاةٍ) إنَّمَا فَرْضُهُ فِيمَنْ
لَهُ مَوْلَى مُوَالَاةٍ لِيَكُونَ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَوْلَى مُوَالَاةٍ
أَوْلَى مِنْهُ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ
مُعْتِقُهَا مِنْ الْعَرَبِ أَوْ غَيْرِهَا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ وَضْعَ
الْقُدُورِيِّ الْخِلَافَ فِي مُعْتَقَةِ الْعَرَبِ اتِّفَاقِيٌّ ذَكَرَهُ
الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ.
(2/34)
كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا؛ لِأَنَّ
أَنْسَابَ الْعَرَبِ قَوِيَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي حُكْمِ الْكَفَاءَةِ،
وَالْعَقْلُ مِنْ الْعَاقِلَةِ لِكَوْنِ تَنَاصُرِهِمْ بِهَا فَأَغْنَتْ
عَنْ الْوَلَاءِ.
(الْأُمُّ إذَا كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ بِمَعْنَى عَدَمِ الرِّقِّ فِي
أَصْلِهَا فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا، وَالْأَبُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ
فَلَوْ عَرَبِيًّا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَلَوْ عَجَمِيًّا لَا
وَلَاءَ عَلَيْهِ لِقَوْمِ الْأَبِ وَيَرِثُهُ مُعْتِقُ الْأُمِّ
وَعَصَبَتُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ حُرُّ
الْأَصْلِ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا
مَنْ لَمْ يَجْرِ عَلَى نَفْسِهِ رِقٌّ بَلْ تَوَلَّدَ مِنْ مُعْتِقِهِ
بَعْدَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَالْعُلُوقِ أَوْ
مِمَّنْ فِي أَصْلِهَا رَقِيقٌ، وَالثَّانِي مَنْ لَا يَكُونُ فِي أَصْلِهِ
رِقٌّ أَصْلًا وَأَنَّ الْوَلَاءَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ
وَغَيْرُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا قَالُوا لَا
تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فِي الْوَلَاءِ، كَمَا فِي
الْعِتْقِ، وَزَوَالُهُ فَرْعُ ثُبُوتِهِ وَثُبُوتُهُ عَلَى الْوَلَدِ
يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ
الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَلَا يَسْرِي مِلْكُ الْأَبِ إلَى
الْوَلَدِ فَلَا يَكُونُ زَوَالُهُ عَنْ الْوَلَدِ إلَّا مِنْ قِبَلِ
مُعْتِقِ الْأُمِّ، وَعَصَبَتُهُ فِي حُكْمِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي
جَانِبِ الْأُمِّ رِقٌّ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى الْوَلَدِ وَلَاءٌ وَأَنَّ
اللَّفْظَ إذَا كَانَ قَطْعِيًّا فِي مَعْنًى وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ
عَلَيْهِ الظَّاهِرُ الْمُحْتَمِلُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَأَنَّ الْمُطْلَقَ
يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الرِّوَايَاتِ إذَا عَرَفْت هَذِهِ
الْمُقَدِّمَاتِ فَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ
مِنْ شَرَائِطِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ أَنْ لَا تَكُونَ الْأُمُّ حُرَّةً
أَصْلِيَّةً فَإِنْ كَانَتْ فَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى وَلَدِهَا وَإِنْ
كَانَ الْأَبُ مُعْتَقًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ
الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى
أُمِّهِ فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا فَإِنَّهُ أَرَادَ بِالْحُرِّيَّةِ
الْأَصْلِيَّةِ الْحُرِّيَّةَ الْأَصْلِيَّةَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي
بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى أُمِّهِ، وَقَدْ
عَرَفْت أَنَّ الْوَلَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ وَزَوَالُ
الْمِلْكِ بِالْوَاسِطَةِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَإِذَا
كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ بِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَثْبُتْ عَلَى
الْوَلَدِ مِلْكٌ فَلَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ وَوَافَقَهُ كَلَامُ
الشَّيْخِ رَشِيدِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيِّ فِي شَرْحِ
التَّكْمِلَةِ وَكَلَامُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ
وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَسْعُودِ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي
مُخْتَصَرِهِ الْمَشْهُورِ بِالْمَسْعُودِيِّ وَكَلَامُهُ فِيمَا صَنَّفَهُ
فِي الْفَرَائِضِ وَسَمَّاهُ بِالْكَافِي وَأَمَّا مَا قَالَ فِي
الْمُنْيَةِ الْوَلَدُ وَإِنْ عَلَقَ حُرَّ الْأَصْلِ بِأَنْ كَانَتْ
أُمُّهُ حُرَّةً أَصْلِيَّةً أَوْ عَارِضِيَّةً يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ
عَلَيْهِ وَلَاءٌ إمَّا لِقَوْمِ الْأَبِ أَوْ لِقَوْمِ الْأُمِّ ثُمَّ
قَالَ: إنْ كَانَ الْأَبُ حُرَّ الْأَصْلِ لَا وَلَاءَ لِقَوْمِ الْأَبِ
وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْأُمُّ حُرَّةَ الْأَصْلِ لَا وَلَاءَ لِقَوْمِ
الْأُمِّ؛ لِأَنَّ حُرَّ الْأَصْلِ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ عِتْقٌ
فَالْمُتَبَادِرُ مِنْ ظَاهِرِهِ أَنَّ الْأُمَّ إذَا كَانَتْ حُرَّةَ
الْأَصْلِ مُطْلَقًا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى وَلَدِهَا الْوَلَاءُ
وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُرَادُهُ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ هَاهُنَا
الْحُرِّيَّةُ الْأَصْلِيَّةُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ بِقَرِينَةِ أَنَّهُ
جَعَلَ الْوَلَدَ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ حُرَّةٍ عَارِضِيَّةٍ وَهِيَ
الْمُعْتَقَةُ حُرَّ الْأَصْلِ ثُمَّ جَعَلَ الْحُرِّيَّةَ الْأَصْلِيَّةَ
مُقَابِلَةً لِلْعَارِضِيِّ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا
سَبَقَ مِنْ الْحَقِّ فَصُورَةُ كَوْنِ الْوَلَاءِ لِقَوْمِ الْأَبِ مَا
إذَا كَانَ فِي نَسَبِ الْأَبِ رَقِيقٌ وَالْوَلَدُ وُلِدَ مِنْ مُعْتِقِهِ
أَوْ مِمَّنْ وَلَدَتْ مِنْ مُعْتِقِهِ، وَصُورَةُ كَوْنِ الْوَلَاءِ
لِقَوْمِ الْأُمِّ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ نِبْطِيًّا حُرَّ الْأَصْلِ
تَزَوَّجَ بِمُعْتَقَةِ إنْسَانٍ أَوْ مَنْ وُلِدَتْ مِنْ مُعْتَقَةٍ
فَإِنَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ فِي الْأَوَّلِ لِقَوْمِ الْأَبِ اتِّفَاقًا
وَفِي الثَّانِي لِقَوْمِ الْأُمِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ
رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَبَوَيْنِ إذَا
كَانَا حُرَّيْنِ أَصْلِيَّيْنِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَلَا وَلَاءَ
عَلَى الْوَلَدِ وَإِذَا كَانَا مُعْتَقَيْنَ أَوْ فِي أَصْلِهِمَا
مُعْتَقٌ فَالْوَلَاءُ لِقَوْمِ الْأَبِ، وَإِذَا كَانَ الْأَبُ مُعْتَقًا
أَوْ فِي أَصْله مُعْتَقٌ وَالْأُمُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَالْأَبُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَوْ عَرَبِيًّا لَا وَلَاءَ
عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى وَلَدِهِ مُطْلَقًا تَقْيِيدُهُ بِالْعَرَبِيِّ
اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَبُ مَوْلَى عَرَبِيٍّ لَا وَلَاءَ
لِأَحَدٍ عَلَى وَلَدِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْعَرَبِيِّ لِقَوْلِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ
مِنْهُمْ» ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَجَمِيًّا لَا
وَلَاءَ عَلَيْهِ. . . إلَخْ) مُسْتَدْرَكٌ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ عَجَمِيٌّ
لَهُ مَوْلَى مُوَالَاةٍ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا قَالُوا لَا تُقْبَلُ
الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فِي الْوَلَاءِ) هَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا
لِأَبِي يُوسُفَ، كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ:
وَثُبُوتُهُ عَلَى الْوَلَدِ يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ) يَعْنِي
بِالْأَصَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ لِمَوَالِيهِ
بِإِعْتَاقِهِ، وَقَدْ حَمَلَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَ عِتْقِهَا ثُمَّ
أُعْتِقَ الْأَبُ فَجَرَّ وَلَاءَ وَلَدِهِ إلَى مَوَالِيه كَمَا تَقَدَّمَ
(قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ زَوَالُهُ عَنْ الْوَلَدِ إلَّا مِنْ قِبَلِ
مُعْتِقِ الْأُمِّ) يَعْنِي زَوَالًا بِوَاسِطَةٍ كَمَا سَيَذْكُرُ
وَإِلَّا فَالْحَصْرُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إذَا مُلِكَ
ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَالِكُهُ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ لَا لِمَوَالِي الْأُمِّ
وَلَا لِمَوَالِي الْأَبِ وَكَذَا لَوْ كَانَ حَمْلًا أَوْصَى بِهِ
فَأَعْتَقَهُ الْمُوصَى لَهُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ
مُرَادُهُ بِالْحُرِّيَّةِ. . . إلَخْ) فِيهِ تَكَلُّفٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ
الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ فَالْمُخَالَفَةُ ثَابِتَةٌ، وَحَصَلَ
التَّدَافُعُ فِي كَلَامِ الْمُنْيَةِ عَلَى هَذَا لِتَجْوِيزِهِ
الْوَلَاءَ عَلَى مَنْ أُمُّهُ حُرَّةٌ بِالْأَصَالَةِ ثُمَّ نَفْيِهِ
عَنْهُ بَعْدَهُ
(2/35)
حُرَّةَ الْأَصْلِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى
سَوَاءٌ كَانَتْ عَرَبِيَّةً أَوْ لَا فَلَا وَلَاءَ عَلَى الْوَلَدِ
لِقَوْمِ الْأَبِ، وَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ مُعْتَقَةً وَالْأَبُ حُرَّ
الْأَصْلِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى فَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا فَلَا وَلَاءَ
عَلَى الْوَلَدِ لِقَوْمِ الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَرَبِيٍّ فَعِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَكُونُ لِقَوْمِ الْأُمِّ عَلَيْهِ وَلَاءٌ
خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَهَاهُنَا فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ ذَكَرْنَاهَا فِي
رِسَالَتِنَا الْمَعْمُولَةِ فِي الْوَلَاءِ فَمَنْ أَرَادَهَا
فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ.
(ثُمَّ الْمُعْتَقُ عَصَبَةٌ) أَيْ شَخْصٌ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ مِنْ
صَاحِبِ الْفَرْضِ وَكُلَّ الْمَالِ عِنْدَ عَدَمِهِ (أُخِّرَتْ عَنْ)
الْعَصَبَةِ (النِّسْبِيَّةِ) وَهِيَ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ
الْفَرَائِضِ إمَّا عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ أَيْ ذَكَرٌ لَا فَرْضَ لَهُ وَلَا
يَدْخُلُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى، وَإِمَّا بِغَيْرِهِ
وَهِيَ أُنْثَى يُعَصِّبُهَا ذَكَرٌ، وَإِمَّا مَعَ غَيْرِهِ كَ الْأُخْتِ
لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ تَصِيرُ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ وَكُلُّهُمْ
يُقَدَّمُ عَلَى الْمُعْتَقِ (وَقُدِّمَتْ) الْعَصَبَةُ (عَلَى ذِي رَحِمٍ)
وَهُوَ مَنْ لَا فَرْضَ لَهُ وَيَدْخُلُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ
أُنْثَى.
(فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ ثُمَّ الْمُعْتَقُ فَإِرْثُهُ لِأَقْرَبِ
عَصَبَةِ سَيِّدِهِ) أَيْ إنْ مَاتَ السَّيِّدُ (ثُمَّ الْمُعْتَقُ وَلَا
وَارِثَ لَهُ مِنْ النَّسَبِ فَإِرْثُهُ لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ سَيِّدِهِ)
عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَعْرُوفِ (وَيَثْبُتُ بِهِ) أَيْ بِالْوَلَاءِ
(الْعَقْلُ) وَهُوَ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي كِتَابِ
الْمَعَاقِلِ (وَوِلَايَةُ النِّكَاحِ) ، وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِهِ.
(ادَّعَيَا) أَيْ شَخْصَانِ (وَلَاءَ مَيِّتٍ وَبَرْهَنَ كُلٌّ) مِنْهُمَا
(أَنَّهُ أَعْتَقَهُ يُقْضَى بِالْمِيرَاثِ وَالْوَلَاءِ لَهُمَا)
لِجَوَازِ اشْتِرَاكِهِمَا فِيهِ كَمَا فِي الْمِلْكِ ذَكَرَهُ فِي
الْمُنْيَةِ.
(لَا وَلَاءَ لِلنِّسَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ)
وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ
لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ
أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ أَوْ دَبَّرْنَ
أَوْ دَبَّرَ مَنْ دَبَّرْنَ أَوْ جَرُّ وَلَاءِ مُعْتَقِهِنَّ أَوْ
مُعْتَقِ مُعْتَقِهِنَّ» أَيْ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا
وَلَاءُ مَنْ أَعْتَقْنَهُ أَوْ وَلَاءُ مَنْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَهُ
وَأَمَّا وَلَاءُ الْمُدَبَّرِ فَقَدْ عَرَفْت بَيَانَهُ بِالْوَجْهَيْنِ
وَعَرَفْت أَيْضًا مَسْأَلَةَ جَرِّ الْوَلَاءِ (وَالثَّانِي) أَيْ
الْوَلَاءُ الْحَاصِلُ مِنْ الْمُوَالَاةِ (إذَا وَالَى حُرٌّ مُكَلَّفٌ)
أَيْ عَاقِلٌ بَالِغٌ قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ
تَصَرُّفٌ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إيجَابَ
الْإِرْثِ وَالْتِزَامَ الْعَقْلِ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِ ذَلِكَ إلَّا
بِإِذْنٍ كَمَا سَيَأْتِي (مَجْهُولَ النَّسَبِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ
مَنْ عُرِفَ نَسَبُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَهُ (غَيْرَ
عَرَبِيٍّ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ تَنَاصُرَ الْعَرَبِ بِالْقَبَائِلِ
فَأَغْنَى عَنْ الْوَلَاءِ (أَوْ) ، وَالَى (صَبِيٌّ عَاقِلٌ) قَيَّدَ
بِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْقِلْ لَمْ يُعْتَبَرْ تَصَرُّفُهُ أَصْلًا
(بِإِذْنِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ) ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ أَنْ
يَثْبُتَ لَهُ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ إذَا ثَبَتَ سَبَبُهُ بِأَنْ مَلَكَ
قَرِيبَهُ أَوْ كَاتَبَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ عَبْدَهُ وَعَتَقَ كَانَ
وَلَاؤُهُ لِلصَّبِيِّ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ
إذَا صَدَرَ عَنْهُ عَقْدُهَا بِالْإِذْنِ (أَوْ) ، وَالَى (الْعَبْدُ
بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) فَإِنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا مِنْ سَيِّدِهِ لِعَقْدِ
الْمُوَالَاةِ (آخَرَ) مَفْعُولُ، وَالَى (عَلَى أَنَّهُ يَرِثُهُ)
مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ، وَالَى بَيَانٌ لِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ أَيْ إنْ
مَاتَ الْأَسْفَلُ وَرِثَهُ الْأَعْلَى (وَيَعْقِلُ عَنْهُ) أَيْ إنْ جَنَى
الْأَسْفَلُ فَدِيَتُهُ عَلَى الْأَعْلَى سَوَاءٌ (أَسْلَمَ) الْأَسْفَلُ
(فِي يَدِهِ) أَيْ يَدِ الْأَعْلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ مُعْتَقَةً وَالْأَبُ حُرَّ الْأَصْلِ
بِذَلِكَ الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا) صَوَابُهُ حَذْفُ إنْ مِنْ "
وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا " لِكَوْنِهِ قَسِيمًا لِقَوْلِهِ " بَعْدَهُ "
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَرَبِيٍّ وَفِي نُسْخَةٍ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ وَلَا
اعْتِرَاضَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ فَإِنَّهُ
يَقُولُ الْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأَبَ فِي الْوَلَاءِ كَمَا فِي
الْعَرَبِيِّ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لِلْآبَاءِ وَإِنْ ضَعُفَ وَلَهُمَا
أَنَّهُ لِلنُّصْرَةِ وَلَا نُصْرَةَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ
مَنْ سِوَى الْعَرَبِ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالْقَبَائِلِ.
(قَوْلُهُ: يُقْضَى بِالْمِيرَاثِ وَالْوَلَاءِ لَهُمَا) أَطْلَقَهُ
فَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ الْمَالُ بِيَدِ أَحَدِهِمَا وَكَانَ يَنْبَغِي
أَنْ يَتَرَجَّحَ صَاحِبُ الْيَدِ لَكِنْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَثْبُتُ لَهُ
الْوَلَاءُ إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى وَهُمَا سِيَّانِ
وَلَمْ يُرَجَّحْ صَاحِبُ الْيَدِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوَلَاءِ وَهُوَ
الْعِتْقُ لَا يَتَأَكَّدُ بِالْقَبْضِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ، كَمَا فِي
مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ.
وَهَذَا إذَا لَمْ يُؤَقِّتَا وَلَمْ يَسْبِقْ الْقَضَاءُ بِإِحْدَى
الْبَيِّنَتَيْنِ لِمَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ وَقَّتَا
فَالسَّابِقُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْعِتْقَ فِي وَقْتٍ لَا
يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ
كَانَ صَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَخِيرِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ وَلَاءَ
الْمُوَالَاةِ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَالْفَسْخَ فَكَانَ عَقْدُ الثَّانِي
نَقْضًا لِلْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ شُهُودُ صَاحِبِ الْوَقْتِ
الْأَوَّلِ أَنَّهُ كَانَ عَقَلَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا
يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَأَشْبَهَ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ وَإِنْ أَقَامَ
الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ
وَارِثًا سِوَاهُ فَقُضِيَ لَهُ ثُمَّ أَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى
مِثْلِ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ
الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ
فَيَبْطُلُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ
بَاطِلًا. اهـ.
(قَوْلُهُ: مَجْهُولَ النَّسَبِ) مَفْعُولُ، وَالَى لَا صِفَةٌ لِحُرٍّ
كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ الْأَعْلَى لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ
جَهْلُ النَّسَبِ، وَلَا كَوْنُهُ غَيْرَ عَرَبِيٍّ وَكَانَ الْأَنْسَبُ
لِلْمُصَنِّفِ تَأْخِيرَ ذِكْرِ الْمَفْعُولِ عَنْ مُوَالَاةِ الْعَبْدِ،
وَالصَّبِيُّ غَيْرَهُمَا فَيَجْعَلُ الْعِبَارَةَ هَكَذَا، وَالَى حُرٌّ
مُكَلَّفٌ أَوْ صَبِيٌّ عَاقِلٌ أَوْ عَبْدٌ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ
وَسَيِّدِهِ مَجْهُولَ النَّسَبِ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ. . . إلَخْ
(قَوْلُهُ: وَغَيْرَ) عَرَبِيٍّ يُغْنِي وَلَا مَوْلَى عَرَبِيٍّ، كَمَا
فِي الْبَدَائِعِ: وَيُغْنِي عَنْ هَذَا كَوْنُهُ مَجْهُولَ النَّسَبِ؛
لِأَنَّ الْعَرَبَ أَنْسَابُهُمْ مَعْلُومَةٌ.
(قَوْلُهُ: أَوْ صَبِيٌّ بِإِذْنِ أَبِيهِ) عَطْفٌ عَلَى حُرٍّ (قَوْلُهُ:
عَلَى أَنَّهُ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ إلَخْ) لَا بُدَّ مِنْ
اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ لِمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَا
بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ، وَالْعَقْلِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ؛
لِأَنَّهُ بِالِالْتِزَامِ وَهُوَ بِالشَّرْطِ اهـ.
وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَمِنْهَا أَيْ الشَّرَائِطِ أَنْ يُشْتَرَطَ
الْمِيرَاثُ وَالْعَقْلُ اهـ.
وَاعْتَرَضَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ عَلَى وُجُوبِ اشْتِرَاطِ
الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ لِصِحَّةِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ بِمَا يَدُلُّ
عَلَيْهِ كَلَامُ الْحَاكِمِ فِي الْكَافِي وَرَدَّهُ قَاضِي زَادَهْ
بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ
(2/36)
(أَوْ لَا) فَإِنَّ مَا وَقَعَ فِي
عِبَارَةِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مِنْ ذِكْرِ الْإِسْلَامِ فِي يَدِهِ قَدْ
خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ (صَحَّ) هَذَا
الْعَقْدُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَعَقْلُهُ عَلَيْهِ وَإِرْثُهُ لَهُ
فِي الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ، وَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ؛
لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَهْلٌ لِلْإِرْثِ وَالْتِزَامِ الْمَالِ
(وَلِلسَّيِّدِ فِي الْأَخِيرِ) أَيْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ
لَهُمَا بَلْ هُوَ وَكِيلٌ مِنْ الْأَهْلِ كَمَا مَرَّ.
(وَلَوْ شُرِطَ) أَيْ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ (مِنْ الْجَانِبَيْنِ
يَتَوَارَثَانِ) إذْ لَا مَانِعَ مِنْ صِحَّتِهِ (بِخِلَافِ وَلَاءِ
الْعَتَاقَةِ) حَيْثُ لَا يَرِثُ إلَّا الْأَعْلَى (وَأُخِّرَ) مَوْلَى
الْمُوَالَاةِ (عَنْ ذِي رَحِمٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ عَقْدُهُمَا
فَلَا يَلْزَمُ غَيْرَهُمَا وَذُو الرَّحِمِ وَارِثٌ شَرْعًا فَلَا
يَمْلِكَانِ إبْطَالَهُ (لِلْأَسْفَلِ النَّقْلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ)
أَيْ يَجُوزُ لِلْأَسْفَلِ أَنْ يَنْقُلَ وَلَاءَهُ عَنْ الْأَعْلَى إلَى
غَيْرِهِ (مَا لَمْ يَعْقِلْ) عَنْهُ فَإِنَّهُ إذَا عَقَلَ عَنْ
الْأَسْفَلِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَوِّلَ وَلَاءَهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ
الْغَيْرِ بِهِ (أَوْ عَنْ وَلَدِهِ) فَإِنَّهُمَا فِي حَقِّ الْوَلَاءِ
كَشَخْصٍ وَاحِدٍ (وَلِلْأَعْلَى التَّبَرِّي عَنْهُ) أَيْ عَنْ وَلَاءِ
الْأَسْفَلِ (بِمَحْضَرٍ مِنْهُ) أَيْ الْأَسْفَلِ.
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لِلْأَعْلَى أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ وَلَائِهِ
لِعَدَمِ اللُّزُومِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ
بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ كَمَا فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ قَصْدًا بِخِلَافِ
مَا إذَا عَقَدَ الْأَسْفَلُ مَعَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ
الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ حُكْمِيٌّ بِمَنْزِلَةِ الْعَزْلِ
الْحُكْمِيِّ فِي الْوَكَالَةِ.
(الْمُعْتَقُ لَا يُوَالِي أَحَدًا) ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ
لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ (وَالَتْ امْرَأَةٌ) أَيْ عَقَدَتْ
عَقْدَ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ مَعَ شَخْصٍ (فَوَلَدَتْ مَجْهُولَ
النَّسَبِ) أَيْ وَلَدًا لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ (صَحَّ) هَذَا الْعَقْدُ
(وَتَبِعَهَا) وَلَدُهَا وَيَصِيرَانِ مَوْلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ (كَذَا
لَوْ أَقَرَّتْ بِهِ) أَيْ بِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ (أَوْ أَنْشَأَتْهُ
وَهُوَ) أَيْ، وَالْحَالُ أَنَّ وَلَدَهَا الْمَجْهُولَ النَّسَبِ
(مَعَهَا) فَإِنَّهُ صَحِيحٌ أَيْضًا وَتَبِعَهَا وَلَدُهَا عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يَتْبَعُهَا؛ لِأَنَّ
الْأُمَّ لَا وِلَايَةَ لَهَا فِي مَالِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ
لَهَا فِي نَفْسِهِ وَلَهُ أَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَهُوَ نَفْعٌ
مَحْضٌ فِي حَقِّ صَغِيرٍ لَا يُدْرَى لَهُ أَبٌ فَلْتَمْلِكْهُ الْأُمُّ
كَقَبُولِ الْهِبَةِ، قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَالَى ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا
أَوْ ذِمِّيًّا جَازَ وَهُوَ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ فَكَذَلِكَ وَلَاءُ
الْمُوَالَاةِ وَإِنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ حَرْبِيٍّ وَوَالَاهُ هَلْ
يَصِحُّ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ، وَفِيهِ خِلَافٌ قِيلَ يَصِحُّ؛
لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَرْبِيِّ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ عَلَى
الْمُسْلِمِ فَكَذَا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ كَمَا فِي الذِّمِّيِّ،
وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ فِي عَقْدِ الْمُوَالَاةِ مَعَ الْحَرْبِيِّ
تَنَاصُرَ الْحَرْبِيِّ وَمُوَالَاتَهُ وَقَدْ نُهِينَا عَنْهُ بِخِلَافِ
الذِّمِّيِّ أَقُولُ ظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ لَازِمٌ
لِلْوَلَاءِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ اخْتِلَافَ الدِّينَيْنِ مَانِعٌ مِنْ
الْإِرْثِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ أَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ
يَثْبُتُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَكِنْ لَا يَظْهَرُ مَا دَامَا عَلَى
حَالِهِمَا فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ يَعُودُ الْمَمْنُوعُ كَمَا أَنَّ
كُفْرَ الْعَصَبَةِ أَوْ صَاحِبِ الْفَرْضِ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ فَإِذَا
زَالَ قَبْلَ الْمَوْتِ يَعُودُ الْمَمْنُوعُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ شُرِطَ مِنْ الْجَانِيَيْنِ يَتَوَارَثَانِ) أَيْ جَازَ
أَنْ يَرِثَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ إذْ حَقِيقَةُ التَّفَاعُلِ
مُنْتَفِيَةٌ اهـ.
وَذُكِرَ مِثْلُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ
كَالْجَوْهَرَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالْخُجَنْدِيِّ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ
وَلَكِنْ نَقَلَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ ابْنِ الضِّيَاءِ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ كَانَ
رَجُلَانِ لَيْسَ لَهُمَا وَارِثٌ مُسْلِمٌ وَهُمَا مُسْلِمَانِ فِي دَارِ
الْإِسْلَامِ فَوَالَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ، وَالَاهُ الْآخَرُ
فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ الثَّانِي مَوْلَى الْأَوَّلِ وَيَبْطُلُ
وَلَاءُ الْأَوَّلِ وَقَالَا كُلٌّ مِنْهُمَا مَوْلًى لِصَاحِبِهِ
لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْوِلَايَتَيْنِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
شَخْصَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا يَرِثُ مِنْ صَاحِبِهِ وَيَعْقِلُ عَنْهُ
كَالْأَخَوَيْنِ وَابْنَيْ الْعَمِّ فَلَا يَتَضَمَّنُ صِحَّةُ أَحَدِهِمَا
انْتِقَاضَ الْآخَرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْلَى الْأَسْفَلَ
تَابِعٌ لِلْأَعْلَى، وَقَوْمُهُ كَالْمُعْتَقِ تَابِعٌ لِلْمُعْتِقِ
وَلِذَا يَرِثُ الْأَعْلَى الْأَسْفَلَ وَيَعْقِلُ عَنْهُ وَلَا يَكُونُ
التَّبَعُ مَتْبُوعًا، وَالْمَتْبُوعُ تَبَعًا فَلَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ
وَتَضَمَّنَ صِحَّةُ الثَّانِي انْتِفَاضَ الْأَوَّلِ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ حَيْثُ لَا يَرِثُ إلَّا
الْأَعْلَى) قَدْ يَرِثُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِاعْتِبَارِ
إعْتَاقِهِ لَهُ كَمَا إذَا اشْتَرَى مُسْتَأْمَنٌ عَبْدًا بِدَارِ
الْإِسْلَامِ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْمُسْتَأْمَنُ لِدَارِ الْحَرْبِ
فَسُبِيَ فَاشْتَرَاهُ عَتِيقُهُ فَأَعْتَقَهُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَكُونُ
مَوْلَى صَاحِبِهِ وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا أَعْتَقَ ذِمِّيًّا كَانَ
عَبْدًا لَهُ فَأَسْلَمَ ثُمَّ هَرَبَ سَيِّدُهُ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ إلَى
دَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ وَأَسْلَمَ فَاشْتَرَاهُ عَتِيقُهُ فَأَعْتَقَهُ
فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَوْلَى صَاحِبِهِ، وَكَذَا لَوْ ارْتَدَّتْ امْرَأَةٌ
بَعْدَ إعْتَاقِ عَبْدِهَا وَلَحِقَتْ ثُمَّ سُبِيَتْ فَاشْتَرَاهَا
عَتِيقُهَا فَأَعْتَقَهَا وَأَسْلَمَتْ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ:
إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَيْ فِي فَسْخِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ)
، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَالْكِفَايَةِ وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ:
أَيْ فِي انْتِقَالِ الْوَلَاءِ إلَى غَيْرِهِ وَتَبْرِيءِ الْأَعْلَى عَنْ
وَلَاءِ الْأَسْفَلِ (قَوْلُهُ: بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ) الْمُرَادُ مِنْ
الْحَضْرَةِ الْعِلْمُ حَتَّى إذَا وُجِدَ الْعِلْمُ بِلَا حُضُورٍ كَفَى،
كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
(قَوْلُهُ: كَذَا لَوْ أَقَرَّتْ بِهِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا
الْعَقْدَ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ كَالشَّهَادَةِ الْمُفَسِّرَةِ
وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ صَرَّحَ بِهِ
فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: أَقُولُ ظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ. . . إلَخْ)
الْإِشْكَالُ مَدْفُوعٌ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى أَنَّ
الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ فَيَصِحُّ
وَيَجُوزُ مُوَالَاةُ الذِّمِّيِّ الذِّمِّيَّ، وَالذِّمِّيِّ الْمُسْلِمَ،
وَالْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ بِمَنْزِلَةِ
الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ وَلَوْ أَوْصَى ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ أَوْ
لِمُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمٌ لِذِمِّيٍّ بِالْمَالِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ
كَذَا الْمُوَالَاةُ، وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا وَالَى ذِمِّيًّا ثُمَّ
أَسْلَمَ الْأَسْفَلُ جَازَ لِمَا قُلْنَا اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(2/37)
(كِتَابُ الْأَيْمَانِ) ذَكَرَهَا عَقِيبَ الْعَتَاقِ لِمُنَاسَبَتِهَا
لَهُ فِي عَدَمِ تَأْثِيرِ الْهَزْلِ وَالْإِكْرَاهِ فِيهِمَا (الْيَمِينُ)
لُغَةً: الْقُوَّةُ، وَشَرْعًا: (تَقْوِيَةُ الْخَبَرِ بِذِكْرِ اسْمِ
اللَّهِ تَعَالَى) نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ وَاَللَّهِ
لَا أَفْعَلُ كَذَا (أَوْ التَّعْلِيقُ) يَعْنِي تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ
بِالشَّرْطِ نَحْوَ إنْ فَعَلْت فَكَذَا أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ فَكَذَا،
وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ تَقْوِيَةُ عَزْمِ الْحَالِفِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ
التَّرْكِ وَهَذَا لَيْسَ بِيَمِينٍ وَضْعًا وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا
عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِحُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ بِهِ وَهُوَ الْحَمْلُ
أَوْ الْمَنْعُ (وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ) الْقِسْمِ (الْأَوَّلِ ثَلَاثَةٌ)
أَيْ الْأَيْمَانُ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الشَّرْعُ وَرَتَّبَ عَلَيْهَا
الْأَحْكَامَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ وَإِلَّا فَمُطْلَقُ الْيَمِينِ أَكْثَرُ
مِنْهَا كَالْيَمِينِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي صَادِقًا، وَالْمُرَادُ
بِتَرَتُّبِ أَلِأَحْكَامِ عَلَيْهَا تَرَتُّبُ الْمُؤَاخَذَةِ
الْأُخْرَوِيَّةِ عَلَى الْغَمُوسِ وَعَدَمُهَا عَلَى اللَّغْوِ،
وَالْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُنْعَقِدَةِ إحْدَاهَا الْيَمِينُ (الْغَمُوسُ)
سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ فِي
الدُّنْيَا وَفِي النَّارِ فِي الْعُقْبَى (وَهِيَ حَلِفُهُ عَلَى كَذِبٍ
يَعْلَمُ كَذِبَهُ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَظَنَّ صِدْقَهُ تَكُونُ
لَغْوًا كَمَا سَيَأْتِي (كَوَاللَّهِ مَا فَعَلْت كَذَا عَالِمًا
بِفِعْلِهِ وَوَاللَّهِ مَا لَهُ عَلَى دَيْنٌ عَالِمًا بِخِلَافِهِ
وَوَاللَّهِ إنَّهُ زَيْدٌ عَالِمًا بِأَنَّهُ غَيْرُهُ) الْمَشْهُورُ فِي
عِبَارَةِ الْقَوْمِ أَنَّ الْغَمُوسَ حَلِفٌ عَلَى فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ
مَاضٍ كَاذِبًا عَمْدًا، وَقَدْ صَرَّحَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ
وَغَيْرُهُمْ أَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ وَالْمُضِيِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ
هُوَ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ وَإِيرَادُ الْمِثَالَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ
إشَارَةٌ إلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَكَلُّفٍ ارْتَكَبَهُ صَدْرُ
الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْت إذَا قِيلَ: وَاَللَّهِ إنَّ
هَذَا حَجَرٌ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ هَذَا الْحَلِفُ عَلَى الْفِعْلِ
قُلْت يُقَدَّرُ كَلِمَةُ كَانَ أَوْ يَكُونُ إنْ أُرِيدَ فِي الزَّمَانِ
الْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ الْمَاضِي أَوْ
الِاسْتِقْبَالِ فِي هَذَا الْحَلِفِ بَاطِلٌ لِتَعَيُّنِ إرَادَةِ
الْحَالِ فَتَدَبَّرْ.
وَبَيَّنَ حُكْمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ |