قره عين الأخيار لتكملة رد المحتار علي «الدر المختار شرح تنوير الأبصار»

بَاب الْقبُول وَعَدَمه
لما فرغ (1) من بَيَان مَا تسمع فِيهِ الشَّهَادَة وَمَا لَا تسمع، وَقدم ذَلِك على هَذَا لانه مَحل وَالْمحل مَشْرُوط وَالشّرط مقدم على الْمَشْرُوط.
ثمَّ معنى الْقبُول لُغَة يُقَال: قبلت القَوْل حَملته: على الصدْق.
كَذَا فِي الْمِصْبَاح.

قَوْله: (لصِحَّة الْفَاسِق) أَي لصِحَّة الْقَضَاء بِشَهَادَتِهِ: أَي وَقد ذكره مِمَّا لَا يقبل، وكما
يَصح الْقَضَاء بِشَهَادَتِهِ الْفَاسِق يَصح بِشَهَادَةِ الْأَعْمَى وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ وبشهادة أحد الزَّوْجَيْنِ مَعَ آخر لصَاحبه وبشهادة الْوَالِد لوَلَده وَعَكسه، حَتَّى لَا يَجُوزُ لِلثَّانِي إبْطَالُهُ وَإِنْ رَأَى بُطْلَانه اه.
بَحر عَن خزانَة الْمُفْتِينَ.
أَقُول: لَعَلَّه مَحْمُول على مَا إِذا كَانَ القَاضِي يرى ذَلِك، بِخِلَاف الْحَنَفِيّ بِقَرِينَة قَوْله حَتَّى لَا يجوز للثَّانِي الخ.
تَأمل.
وَاسْتظْهر الطَّحْطَاوِيّ.
__________
(1)
قَوْله: (وَلما فرغ إِلَخ) هَكَذَا بالاصل وليحرر.

(7/520)


وَذكر فِي منية الْمُفْتِي فِي بحث الْقَضَاء فِي الْمُجْتَهد فِيهِ: قضى بِشَهَادَةِ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بذلك ثمَّ ظهر لَا ينفذ قَضَاؤُهُ، وَعَلِيهِ أَن يَأْخُذ المَال من المقضى لَهُ، وَكَذَا لَو علم أَنَّهُمَا عَبْدَانِ أَو كَافِرَانِ أَو أعيمان، وَقيل ينفذ فَإِنَّهُ ذكر: إِذا قضى بِشَهَادَة محدودين قد تابا ثمَّ عزل أَو مَاتَ وَرفع ذَلِك إِلَى قَاض آخر لَا يرَاهُ أمضى الْقَضَاء الاول اه.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: أَقُول: وَسَيذكر الشَّارِح: أَي صَاحب الْبَحْر نَفاذ الْقَضَاء بِشَهَادَة الْعَدو على عدوه وَهل يُقَال مثل ذَلِك فِي شَهَادَة الاجير الْخَاص؟ صَارَت وَاقعَة الْفَتْوَى وَلم أرها، لَان الْعلَّة التُّهْمَة لَا الْفسق على مَا يحرره الْمُؤلف فِيمَا سَيَأْتِي فِي شَهَادَة الْعَدو، وَهَذِه مثلهَا.

قَوْله: (مثلا) أَشَارَ بِهِ إِلَى أحد الْقَوْلَيْنِ من نَفاذ الْقَضَاء بِشَهَادَة الاعمى أَو أحد الزَّوْجَيْنِ أَو الْوَالِد لوَلَده أَو عَكسه، فَالْمُرَاد من عدم الْقبُول عدم حلّه كَمَا فِي الْبَحْر.
وَفِيه أَنه لَا يَجُوزُ لِلثَّانِي إبْطَالُهُ وَإِنْ رَأَى بُطْلَانَهُ فِي كل ذَلِك اه، وَهَذَا إِذا لم يُؤَيّد قَضَاءَهُ بأرجح الاقوال كَمَا مر.

قَوْله: (كَمَا حَقَّقَهُ المُصَنّف تبعا ليعقوب باشا) أَفَادَ عَنهُ أَن كل شَهَادَة يكون سَبَب ردهَا الْفسق إِذا قبلهَا يَصح كالمخنث والنائحة وَالْمُغني، وَمن يلْعَب بالطيور أَو الطنبور أَو يُغني للنَّاس، وَمن يظْهر سبّ السّلف وَمن ارْتكب مَا يحد لَهُ.
وَيصِح قبُول شَهَادَة الاعمى لقَوْل مَالك بقبولها مُطلقًا كالبصير، أما الْمَمْلُوك لَا يَصح قبُول شَهَادَته، وَكَذَا الْعَدو بِسَبَب الدُّنْيَا لانه لَيْسَ بمجتهد فِيهِ، وَكَذَا السَّيِّد لعَبْدِهِ ومكاتبه والاجير لما ذكر، وَكَذَا من يَبُول فِي الطَّرِيق أَو يَأْكُل فِيهِ لانه لم ينْقل فِيهِ خلاف حَتَّى يكون مُجْتَهدا فِيهِ، وَلم يصرحوا
بِكَوْنِهِ فسقا حَتَّى يدْخل فِي حكمه اه.
وَسَيَأْتِي تَحْقِيقه.

قَوْله: (تقبل من أهل الاهواء) أَي قَبُولًا عَامًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، بَلْ الْمُرَادُ أَصْلُ الْقَبُولِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ بَعْضَهُمْ كُفَّارٌ كَمَا يَأْتِي قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى لِأَنَّ فِسْقَهُمْ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ، وَمَا أَوْقَعَهُمْ فِيهِ إلَّا التَّعَمُّقُ وَالْغُلُوُّ فِي الدِّينِ، وَالْفَاسِقُ إِنَّمَا ترد شَهَادَته لتهمة الْكَذِب، فصاروا كمن يشرب المثلث أَو يَأْكُل مَتْرُوك التَّسْمِيَة عمدا مستبيحا لذَلِك من حَيْثُ التعاطي.
قَالَ فِي الْمغرب: أهل الاهواء من زاغ عَن طَريقَة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَكَانَ من أهل الْقبْلَة.
والاهواء جمع هوى مصدر هويته من بَاب تَعب، إِذا أحبه واشتهاه، ثمَّ يُسمى بِهِ المهوى والمشتهى مَحْمُودًا كَانَ أَو مذموما ثمَّ غلب فِي المذموم.
والهواء مَمْدُود: هُوَ المسخر بَين السَّمَاء والارض، وَالْجمع أهوية.
وَأهل الاهواء لَيْسُوا بطَائفَة بِعَينهَا، بل يُطلق على كل من خَالف السّنة بِتَأْوِيل فَاسد.

قَوْلُهُ: (لَا تُكَفِّرُ) فَمَنْ وَجَبَ إكْفَارُهُ مِنْهُمْ فَالْأَكْثَرُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ كَمَا فِي التَّقْرِيرِ.
وَفِي الْمُحِيط البرهاني: وَهُوَ الصَّحِيح، وَمَا ذكره فِي الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ.
بَحْرٌ.
وَفِيهِ عَنْ السِّرَاجِ: وَأَنْ لَا يَكُونَ مَاجِنًا، وَيَكُونَ عَدْلًا فِي تَعَاطِيهِ، وَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي ظَاهر الرِّوَايَة، وَفِيه نظر، فَإِن الْعَدَالَة شرطت فِي أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فَمَا ظَنك فِي غَيرهم.
تَأمل.
وَفِي فتح الْقَدِير: قَالَ مُحَمَّد بِقبُول شَهَادَة الْخَوَارِج إِذا اعتقدوا وَلم يقاتلوا، فَإِذا قَاتلُوا ردَّتْ شَهَادَتهم لاظهار الْفسق بِالْفِعْلِ.

قَوْله: (كجبر) أَهله طَائِفَة نافون لقدرة العَبْد، والاولى حذف الْكَاف

(7/521)


وَيَقُول والهوى الْجَبْر الخ.
وَيكون بَيَانا لاهل الاهواء فِي ذاتهم لَا من تقبل شَهَادَته مِنْهُم.

قَوْله: (وَقدر) هم النافون للْقَضَاء وَالْقدر عَنهُ تَعَالَى، والقائلون إِن العَبْد يخلف أَفعَال نَفسه.

قَوْله: (ورفض) هم الملعونون اللاعنون الصهرين وَغَيرهمَا من الاخبار.
كَذَا فِي الْقُهسْتَانِيّ.
فهم من أهل الاهواء وَإِن لم تقبل شَهَادَتهم، بِخِلَاف من يفضلهما وعليا (1) على الشَّيْخَيْنِ.

قَوْله: (وَخُرُوج) هم المكفرون للختنين وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَمُعَاوِيَة.

قَوْله: (وتشبيه) ذكر بدله الْقُهسْتَانِيّ المرجئة وهم النافون ضَرَر الذَّنب مَعَ
الايمان.
ثمَّ قَالَ بعد كل: من كفر مِنْهُم كالمجسمة والخوارج وغلاة الروافض والقائلين بِخلق الْقُرْآن لَا تقبل شَهَادَتهم على الْمُسلمين.
كَذَا فِي المشارع اه.
فعد هَؤُلَاءِ الْفرق لبَيَان أهل الاهواء فِي ذاتهم لَا لمن تقبل شَهَادَته مِنْهُم، وَيدل عَلَيْهِ مَا فِي الْبَحْر عَن النِّهَايَة أَن أصُول الْهوى سِتَّة وَذكر مَا ذكره الْمُؤلف.

قَوْله: (وتعطيل) هم الْقَائِلُونَ بخلو الذَّات عَن الصِّفَات.

قَوْله: (فصاروا اثْنَتَيْنِ وَسبعين) فرقة كلهم فِي النَّار، والفرقة الزَّائِدَة على هَذَا الْعدَد هِيَ النَّاجِية، وَهِي مَا كَانَت على مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه الْكِرَام، فَفِي الحَدِيث الشريف: وَسَتَفْتَرِقُ أمتِي على ثَلَاث وَسبعين فرقة كلهَا فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة، قُلْنَا: من هِيَ يَا رَسُول الله، قَالَ: من كَانَ على مَا أَنا عَلَيْهِ وأصحابي وَإِضَافَة الْفرْقَة النَّاجِية من النَّار وهم أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فِي الحَدِيث الشريف إِلَى مَا ذكر تَكْمِلَة إِلَى الثَّلَاث وَالسبْعين فرقة.
ولنذكرها على طَرِيق الاجمال فَنَقُول: أَصْنَاف الْخَوَارِج اثْنَا عشر: الازرقية والاباحية والخازمية والتغلية والخلقية والكوزية والمكتوية والمعتزلة (2) والميمونية والمجلية والاخنسية والمشراقية.
وأصناف الروافضة اثْنَا عشر أَيْضا: العلوية والاموية والشعيبية والاسحاقية والزيدية والعباسية والاسماعيلية والامامية والمتناسخة والاعينية والراجعية والمرشية.
وأصناف الْقَدَرِيَّة اثْنَا عشرَة أَيْضا الخمرية والشعرية والكيسانية والشيطانية والشركية والوهمية والعروندسية والمناسية والمتبرية والباسطية والنظامية والمعتزلة.
وأصناف الجبرية اثْنَا عشر أَيْضا: المطرية والافعالية والمتربية والباسطية والنظامية والمعتزلة.
وأصناف الجبرية اثْنَا عشر أَيْضا: المطرية والافعالية والمركوعية والصنجارية والمباينة والصبية والسابقية والحرفية والكرفية والخشية والحشرية والمعينية.
وأصناف الْجَهْمِية: أَي التعطيل اثْنَا عشر أَيْضا: المعطلة واللازقية والمواردية والخرقية والمملوقية والقهرية والغائية والزنادقة والراهفية والقطية والمرسية والعبرية.
وأصناف المرجئة اثْنَا عشر أَيْضا: التاركية والسبيئة والراجية والشاكية والبهشية والعملية والمشبهة والاقربة والبدعية والمنبسية والحشوية والبعوضية كَمَا فِي فَتَاوَى الشَّيْخ أَمِين الدّين بن عبد العال.

قَوْله: (إِلَّا الخطابية) نِسْبَة إِلَى أبي الْخطاب.
وَاخْتلف فِي اسْمه.
قيل مُحَمَّد بن وهب الاجدع، وَقيل مُحَمَّد بن
__________
(1) بِخِلَاف من يفضلها وعليا) كَذَا بالاصل وَلَعَلَّ الصَّوَاب من يفضل عليا إِلَخ فَليُحرر اه.
مصححه (2) قئله: (والمعتزلة) سَيَأْتِي بعدهمْ فِي أَصْنَاف الْقَدَرِيَّة فَلَعَلَّ أَحدهمَا مُحَرر عَن لفظ آخر، وَبِالْجُمْلَةِ فَلْتنْظرْ هَذِه الاسماء جَمِيعهَا فِي مَحل آخر اه.
مصححه.

(7/522)


أبي زَيْنَب الاسدي الاجدع، وَكَانَ يَقُول بإمامة إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر، فَلَمَّا مَاتَ إِسْمَاعِيل رَجَعَ إِلَى القَوْل بإمامة جَعْفَر وغلوا فِي ذَلِك غلوا كَبِيرا.
وَقَالَ فِي شرح الاقطع: هم قوم ينسبون إِلَى أبي الْخطاب: رجل كَانَ بِالْكُوفَةِ حَارب عِيسَى بن مُوسَى بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس وَأظْهر الدعْوَة إِلَى جَعْفَر فتبرأ مِنْهُ ودعا عَلَيْهِ فَقتل هُوَ وَأَصْحَابه، قَتله وصلبه عِيسَى بالكناسة بِالضَّمِّ: مَحل بِالْكُوفَةِ لانه كَانَ يزْعم أَن عليا هُوَ الاله الاكبر وجعفر الصَّادِق هُوَ الاله الاصغر، وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَن من ادّعى مِنْهُم شَيْئا على غَيره يجب أَن يشْهد لَهُ بَقِيَّة شيعته، وَذكر شمس الائمة السَّرخسِيّ أَنهم ضرب من الروافض يجوزون أَدَاء الشَّهَادَة إِذا حلف الْمُدَّعِي بَين أَيْديهم أَنه محق فِي دَعْوَاهُ وَيَقُولُونَ الْمُسلم لَا يحلف كَاذِبًا.

قَوْله: (يرَوْنَ الشَّهَادَة لشيعتهم) أَي وَاجِبَة.
قُهُسْتَانِيّ.

قَوْله: (وَلكُل من حلف أَنه محق) الاولى التَّعْبِير بِأَو كَمَا فِي الْفَتْح بدل الْوَاو لانهما قَولَانِ كَمَا فِي الْبَحْر وَالْفَتْح وَغَيرهمَا واختلطا فِي عبارَة الشَّارِح.
نعم فِي شرح الْمجمع كَمَا هُنَا.
وَفِي تَعْرِيفَاتِ السَّيِّدِ الشَّرِيفِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ، فَإِنَّهُ قَالَ مَا نَصُّهُ: قَالُوا الْأَئِمَّةُ الانبياء وَأَبُو الْخطاب نَبِي اه، وَهَؤُلَاءِ يَسْتَحِلُّونَ شَهَادَةَ الزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ وَقَالُوا: الْجنَّة نعيم الدُّنْيَا وَالنَّار آلامها اه.

قَوْله: (فردهم) أَي عَن أَدَاء الشَّهَادَة.

قَوْله: (لَا لبدعتهم لانها غير مكفرة) إِذا لم يعتقدوا اعْتِقَاد رئيسهم.

قَوْله: (بل لتهمة الْكَذِب) وَمِنْ التُّهْمَةِ الْمَانِعَةِ أَنْ يَجُرَّ الشَّاهِدُ بِشَهَادَتِهِ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مغرما.
خَانِية.

قَوْله: (وَلم يبْق لمذهبهم ذكر) لفنائهم وانقراضهم.

قَوْله: (وَمن الذِّمِّيّ الخ) لانه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أجَاز شَهَادَة النَّصَارَى بَعضهم على بعض، ولانه من أهل الْولَايَة على نَفسه وَأَوْلَاده الصغار فَيكون من أهل الشَّهَادَة على جنسه، وَالْفِسْق من حَيْثُ الِاعْتِقَاد غير مَانع لانه يجْتَنب عَمَّا يَعْتَقِدهُ محرم دينه، وَالْكذب محرم فِي الاديان كلهَا، قيد بالذمي لَان الْمُرْتَد لَا شَهَادَة لَهُ لانه
لَا ولَايَة لَهُ.
مطلب: شَهَادَة الْمُرْتَد وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة مُرْتَد على مثله، والاصح عدم قبُولهَا بِحَال.
كَذَا فِي الْمُحِيط البرهاني.
مطلب: فِي شَهَادَة الدرزي وَيلْحق بِهِ الدرزي كَمَا أفتى بِهِ الْخَيْر الرَّمْلِيّ والعلامة عَليّ أَفَنْدِي الْمرَادِي فِي رسَالَته (أَقْوَال الائمة العالنة فِي أَحْكَام الدروز والتيامنة) قَالَ الْعَلامَة السَّيِّد مَحْمُود أَفَنْدِي حَمْزَة مفتي دمشق الشَّام فِي فتواه فِي جَوَاب سُؤال رفع إِلَيْهِ ي شَهَادَة أهل الاهواء الْكَفَرَة: هَل تقبل على بَعضهم سَوَاء كَانُوا متفقين فِي الِاعْتِقَاد أم مُخْتَلفين، وَسَوَاء كَانُوا أهل كتاب أم لَا؟ فَكتب حفظه الله تَعَالَى جَوَابا حَاصله بعد ذكر النقول وَالتَّفْصِيل: وَأما شَهَادَة الْكَفَّارَة الَّذين لَا يقرونَ على مَا هم عَلَيْهِ من العقيدة كَأَهل الاهواء المكفرة وَالْمُنَافِقِينَ والباطنية والزنادقة وَالْمَجُوس والدروز والتيامنة والنصيرية والمرتدين فَلَا تقبل شَهَادَتهم على أحد، سَوَاء كَانَ مثلهم فِي الِاعْتِقَاد أَو مُخَالفا لَهُم لعم ولايتهم.
قَالَ فِي الداماد شرح الْمُلْتَقى: أَي لَا تقبل شَهَادَة الْمُسْتَأْمن على الذِّمِّيّ لقُصُور ولَايَته عَلَيْهِ اه.
فمجوز الشَّهَادَة الَّتِي تَدور عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ الْولَايَة، ولكمالها فِي الْمُسلم صحت شَهَادَته على الْجَمِيع، ولنقصانها فِي أهل الذِّمَّة صِحَّته على بَعضهم

(7/523)


وعَلى من دونهم سوى الْمُرْتَد للشُّبْهَة، ولقصورها فِي الْمُسْتَأْمن صحت على من هُوَ مثله، وَلعدم الْولَايَة فِي غَيرهم من الْكفَّار الْمَار ذكرهم وهم الَّذين لَا يقرونَ على مَا هم عَلَيْهِ من الِاعْتِقَاد لم تصح شَهَادَتهم على أحد أصلا.
قَالَ فِي شرح الداماد: وَتقبل شَهَادَة أهل الاهواء مُطلقًا، سَوَاء كَانَت على أهل السّنة أَو بَعضهم على بعض أَو على الْكَفَرَة إِذا لم يكن اعْتِقَادهم مُؤديا إِلَى الْكفْر كَمَا فِي الذَّخِيرَة، وَمن الْمَعْلُوم أَن الشَّرْط إِذا تعقب المتعاطفات فَإِنَّهُ يرجع للْجَمِيع.
فمفهوم هَذِه الْجُمْلَة أَن اعْتِقَاد أهل الاهواء إِذا كَانَ مُؤديا إِلَى الْكفْر فَلَا تقبل شَهَادَتهم على أهل السّنة وَلَا على بَعضهم وَلَا على الْكَفَرَة.
وَمن الْمُقَرّر أَن مفاهيم الْكتب حجَّة عندنَا، وَإِذا لم يكن من مر ذكرهم من أهل الاهواء المكفرة من الْكفَّار فهم شَرّ مِنْهُم فَلَا تقبل
شَهَادَتهم على أحد أصلا.
مطلب: الدروز والتيامنة والنصيرية والبادنية كلهم كفار على أَن الْمولى عبد الرَّحْمَن أَفَنْدِي الْعِمَادِيّ نَص فِي فَتَاوِيهِ فِي كتاب السّير على أَن الدروز والتيامنة والنصيرية والباطنية كلهم كفار ملا حِدة زنادقة فِي حكم الْمُرْتَدين.
وعَلى تَقْدِير قبُول تَوْبَتهمْ يعرض عَلَيْهِم الاسلام وَإِن يسلمُوا أَو يقتلُوا، وَلَا يجوز لولاة الامور تَركهم على مَا هم عَلَيْهِ أبدا اه بِتَصَرُّف اه مُلَخصا.
قَالَ سيد الْوَالِد: شَهَادَة أهل الذِّمَّة بَعضهم على بعض مَقْبُولَة إِذا كَانُوا عُدُولًا فِي دينهم، اتّفقت مللهم أَو اخْتلفت.
أَقُول: وَالظَّاهِر أَن عداوتهم دينية وَإِلَّا لم تقبل.
فَتَأمل.
مطلب: إِذا سكر الذِّمِّيّ لَا تقبل شَهَادَته
قَوْله: (لَو عدلا فِي دينهم) قدمنَا فِي الْبَحْر أَن تَزْكِيَة الذِّمِّيّ أَن يُزكي بِالْأَمَانَةِ فِي دِينِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَأَنَّهُ صَاحِبُ يقظة ويزيكه الْمُسلمُونَ إِن وجدوا، وَإِلَّا فَيسْأَل من عدُول الْكفَّار، وَأَنه إِذا سكر الذِّمِّيّ لَا تقبل شَهَادَته.

قَوْله: (على مثله) فَلَا تقبل على مُسلم لقَوْله تَعَالَى: * (وَلنْ يَجْعَل للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا) * (النِّسَاء: 141) ولانه لَا ولَايَة لَهُ على الْمُسلم، ولانه يتقول عَلَيْهِ لانه يغيظه قهره إِيَّاه (1) .
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: مَاتَ وَعَلِيهِ دين الْمُسلم بِشَهَادَةِ نَصْرَانِيٍّ وَدَيْنٌ لِنَصْرَانِيٍّ بِشَهَادَةِ نَصْرَانِيٍّ.
قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَمُحَمّد وَزفر: بُدِئَ بدين الْمُسلم، هَكَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ، فَإِن فضل شئ كَانَ ذَلِك لِلنَّصْرَانِيِّ، هَكَذَا فِي الْمُحِيط.
وروى الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة أَن التَّرِكَة تقسم بَينهمَا على مِقْدَار دينهما، فَتَاوَى الانقروي عَن التاترخانية وَالْمُحِيط اه.
وَتَمام الْمَسْأَلَة فِيهَا وَفِي حَاشِيَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ على الْبَحْر.
__________
(1)
قَوْله: (لانه يغيضه قهره إِيَّاه) قَالَ الرَّمْلِيّ: الضَّمِير فِي أَنه ويغيضه رَاجع الذِّمِّيّ، وَفِي قهره رَاجع للْمُسلمِ: أَي لانه بِسَبَب قهر الْمُسلم إِيَّاه وإذلاله لَهُ يتقول عَلَيْهِ، بِخِلَاف ملل الْكفْر لانه مِلَّة السَّلَام قاهرة للْكُلّ، فَلم يبْقى لَهُ غيرَة
يستظهرون بهَا انْتهى مِنْهُ.

(7/524)


أَقُول: فِي الذَّخِيرَة نَصْرَانِيٌّ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ مُسْلِمٌ شُهُودًا مِنْ النَّصَارَى عَلَى أَلْفٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَأقَام نَصْرَانِيّ آخَرين كَذَلِك تدفع الالف المتروكة للْمُسلمِ وَلَا يتحاصان عِنْده.
وَعند أبي يُوسُف: يتحاصان.
وَالْخلاف رَاجع إِلَى أَن بَيِّنَة النَّصْرَانِي مَقْبُولَة عِنْدَهُ فِي حَقِّ إثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا فِي حق إثْبَاتِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ.
وَعَلَى قَوْلِ أبي يُوسُف مَقْبُولَة فيهمَا اه.
وَالْحَاصِل: أَنه على قَول الامام يلْزم من إِثْبَات الشّركَة والمحاصة الحكم بِشَهَادَة الْكَافِر على الْمُسلم.

قَوْله: (إِلَّا فِي خمس مسَائِل) الاولى فِيمَا إذَا شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ قَدْ أسلم وَهُوَ يجْحَد لم تجز شَهَادَتهمَا، وَكَذَا لَو شهد عَلَيْهِ رجل وَامْرَأَتَانِ من الْمُسلمين وَترك على دينه، وَلَو شهد نصرانيان على نَصْرَانِيَّة أَنَّهَا أسلمت جَازَ وأجبرت على الاسلام وَلَا تقتل، وَهَذَا قَول الامام اه.
قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: يَنْبَغِي أَن يكون الْكَافِر الذّكر كَذَلِك يجْبر وَلَا يقتل، كَمَا لَو أسلم مكْرها أَو سَكرَان، وَهُوَ كَذَلِك فِي الْوَلوالجِيَّة وَالْمُحِيط.
وَنَصه: لَو شهد على إِسْلَام النَّصْرَانِي رجل وَامْرَأَتَانِ من الْمُسلمين وَهُوَ يجْحَد أجبر على الاسلام وَلَا يقتل، وَلَو شهد رجلَانِ من أهل دينه وَهُوَ يجْحَد فشهادتهما بَاطِلَة، لَان فِي زعمهما أَنه مُرْتَد وَلَا شَهَادَة لاهل الذِّمَّة على الْمُرْتَد اهـ.
الثَّانِيَة: فِيمَا إِذا شَهدا على نَصْرَانِيّ ميت وَهُوَ مديون مُسلم: أَي والتركة لَا تفي.
الثَّالِثَة: فِيمَا إذَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِعَيْنٍ اشْتَرَاهَا مِنْ مُسْلِمٍ وَالْمُسلم يُنكر البيع.
الرَّابِعَة: فِيمَا إِذا شهد أَرْبَعَة عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ إلَّا إذَا قَالَ استكرهها فَإِنَّهُ يحد الرجل وَحده.
الْخَامِسَة: فِيمَا إذَا ادَّعَى مُسْلِمٌ عَبْدًا فِي يَدِ كَافِرٍ فَشهد كَافِرَانِ أَنه عَبده وَقضى بِهِ فلَان القَاضِي الْمُسلم اه.

قَوْله: (وَتبطل بِإِسْلَامِهِ) أَي شَهَادَة الذِّمِّيّ على مثله بِإِسْلَامِهِ: أَي الْمَشْهُود عَلَيْهِ قبل الْقَضَاء، لانه لَو قضى عَلَيْهِ لقضى على مُسلم بِشَهَادَة الْكَافِر.

قَوْله: (وَكَذَا بعده لَو بعقوبة) كقود.
بَحر.
لَان الْمُعْتَبر إِسْلَامه حَال الْقَضَاء لَا حَال أَدَاء الشَّهَادَة وَلَا حَال الشَّهَادَة، لما فِي الْبَحْر عَن الْوَلوالجِيَّة: نصرانيان شَهدا على نَصْرَانِيّ بِقطع يَد أَو قصاص ثمَّ أسلم الْمَشْهُود عَلَيْهِ بعد الْقَضَاء بطلت الشَّهَادَة لَان الامضاء من الْقَضَاء فِي الْعُقُوبَات اه.
وَهل تجب الدِّيَة؟ ذكر الْخصاف أَنَّهَا تجب الدِّيَة، فَقيل إِنَّه قَول الْكل، وَقيل عِنْده ينفذ الْقَضَاء فِيمَا دون النَّفس وَيَقْضِي
بِالدِّيَةِ فِي النَّفس.
وَعِنْدَهُمَا: يقْضِي بِالدِّيَةِ فيهمَا اه.
شرنبلالية.

قَوْله: (وَإِن اخْتلفَا مِلَّة) لَان الْكفْر كُله مِلَّة وَاحِدَة.

قَوْله: (وَالذِّمِّيّ على الْمُسْتَأْمن) لَان الذِّمِّيّ أَعلَى حَالا مِنْهُ لكَونه من أهل دَارنَا وَلذَا يقتل الْمُسلم بالذمي وَلَا يقتل بالمستأمن.
منح.

قَوْله: (لَا عَكسه) لقُصُور ولَايَته عَلَيْهِ لكَونه أدنى حَالا مِنْهُ.
منح.

قَوْله: (وَلَا مُرْتَد على مثله) وَالْوَجْه فِيهِ أَنه لَا ولَايَة لَهُ على أحد كَمَا قدمْنَاهُ.

قَوْله: (فِي الاصح) أَي أَنَّهَا لَا تقبل بِحَال غَيره كَمَا قدمْنَاهُ عَن الْمُحِيط.

قَوْله: (وَتقبل مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ دَخَلَ بِلَا أَمَانٍ قَهْرًا اُسْتُرِقَّ وَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى أَحَدٍ.
فَتْحٌ.

قَوْلُهُ: (مَعَ اتِّحَادِ الدَّارِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ دَارٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ دَارَيْنِ كَالرُّومِ وَالتُّرْكِ لَمْ تقبل.
هِدَايَة.
لَا يَخْفَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي كَانُوا لِلْمُسْتَأْمَنَيْنِ فِي دَارِنَا، وَبِهِ ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ مَا نُقِلَ عَنْ الْحَمَوِيِّ مِنْ تَمْثِيلِهِ لِاتِّحَادِ الدَّارِ بِكَوْنِهِمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا لَزِمَ تَوَارُثُهُمَا حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَا مِنْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.

(7/525)


وَفِي الْفَتْحِ: وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، لِأَنَّ الذِّمِّيَّ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ صَارَ كَالْمُسْلِمِ وَشَهَادَةُ الْمُسلم تقبل على الْمُسْتَأْمن فَكَذَا الذِّمِّيّ.
قَالَه سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
وَيَأْتِي تأييده فِي المقولة الْآتِيَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْله: (لَان اخْتِلَاف داريهما) قَالَ فِي الْبَحْر: وَيسْتَثْنى من الْحَرْبِيّ على مثله مَا إِذا كَانَا فِي دارين مُخْتَلفين كالافرنج والحبش لانْقِطَاع الْولَايَة بَينهمَا، وَلِهَذَا لَا يتوارثان، وَالدَّار تخْتَلف باخْتلَاف المنعة وَالْملك اه.
وَالَّذِي فِي الْمنح وَنَحْوه فِي الْقُهسْتَانِيّ التَّعْبِير بِمَا إِذا كَانَا من دارين، فَيُفِيد أَنَّهُمَا لَو كَانَا فِي دَارنَا وهما من دارين لَا تقبل شَهَادَتهمَا على الآخر، لَان الارث يمْتَنع فِي هَذِه الصُّورَة لوُجُود، الِاخْتِلَاف الْحكمِي، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر: خلافًا لما أَفَادَهُ الْحَمَوِيّ كَمَا تقدم فِي المقولة السَّابِقَة، فَإِنَّهُمَا إِذا كَانَا فِي داريهما لَا وَجه للْقَضَاء بِشَهَادَتِهِ لَان دَار الْحَرْب لَيست دَار أَحْكَام.
فَلْيتَأَمَّل ط.

قَوْله: (عَدو) الْعَدو: من يفرح لحزنك ويحزن لفرحك، وَقيل يعرف بِالْعرْفِ.
بَحر.
وَمثله فِي فَتَاوَى عَليّ أَفَنْدِي عَن خزانَة الْمُفْتِينَ.
قَالَ الْعَلامَة التَّحْرِير السَّيِّد الشريف مَحْمُود أَفَنْدِي حَمْزَة مفتي دمشق الشَّام فِي فَتَاوَاهُ بعد كَلَام:
فَتحصل من هَذَا أَن من يفرح لحزن الآخر ويحزن لفرحه فَهُوَ عدوه، وكل عَدو ترد شَهَادَته إِذا كَانَت دنيوية، فَمن يفرح لحزن الآخر ويحزن لفرحه ترد شَهَادَته، فالصغرى مسلمة لما فِي الْبَحْر وَعلي أَفَنْدِي من تَعْرِيف الْعَدو والكبرى مسلمة للْحَدِيث الشريف (1) الَّذِي هُوَ دَلِيل الْمُجْتَهد، فأنتج لذاته أَن من يفرح لحزن الآخر ويحزن لفرحه ترد شَهَادَته، ثمَّ إِذا حكم بهَا حَاكم لَا ينفذ حكمه لما فِي الْبَحْر أَيْضا: وَكَيف لَا ترد شَهَادَة من اتّصف بِهَذِهِ الصّفة وَهِي مِمَّا تتناهى بِهِ الْعَدَاوَة، وَقد وصف الله تَعَالَى بهَا الْمُنَافِقين فِي كِتَابه الْعَزِيز: * (إِن تمسسكم حَسَنَة تسؤهم وَإِن تصبكم سَيِّئَة يفرحوا بهَا) * (آل عمرَان: 120) .
قَالَ القَاضِي: بَيَان تناهي عداوتهم إِلَى حد حسد وأمانا لَهُم من خير وَمَنْفَعَة وتمنوا مَا أَصَابَهُم من ضَرَر وَشدَّة، فَخذ الْجَواب مَعَ الدَّلِيل والبرهان وَالله تَعَالَى أعلم اه.

قَوْله: (لانها من التدين) فَيدل على كَمَال دينه وعدالته، وَهَذَا لَان المعاداة قد تكون وَاجِبَة، بِأَن رأى فِيهِ مُنْكرا شرعا وَلم ينْتَه بنهيه وَقد قبلوا شَهَادَة الْمُسلم على الْكَافِر مَعَ مَا بَينهمَا من الْعَدَاوَة الدِّينِيَّة.
حموي.

قَوْله: (بِخِلَاف الدُّنْيَوِيَّة) كَشَهَادَة الْمَقْذُوف على الْقَاذِف، والمقطوع عَلَيْهِ الطَّرِيق على الْقَاطِع، والمقتول وليه على الْقَاتِل، والمجروح على الْجَارِح، وَالزَّوْج على امْرَأَته بِالزِّنَا إِذا كَانَ قَذفهَا أَو لَا، فالعداوة لَيْسَ كَمَا يتوهمه بعض المتفقهة، أَو الشُّهُود أَن كل من خَاصم شخصا فِي حق وَادّعى علهي أَن يصير عدوه فَيشْهد بَينهمَا بالعداوة، بل العداة إِنَّمَا تثبت بِنَحْوِ مَا ذكرنَا.
وَفِي الْقُنْيَةِ: أَنَّ الْعَدَاوَةَ بِسَبَبِ الدُّنْيَا لَا تَمْنَعُ بِهِ مَا لَمْ يَفْسُقْ بِسَبَبِهَا أَوْ يَجْلِبْ مَنْفَعَةً أَوْ يَدْفَعْ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَضَرَّةً، وَهُوَ الصَّحِيح وَعَلِيهِ الِاعْتِمَاد اه.
وَفِي فَتَاوَى المُصَنّف: سُئِلَ عَن رجل شتم آخر وقذفه فَهَل تثبت الْعَدَاوَة الدُّنْيَوِيَّة بَينهمَا بِهَذَا الْقدر، حَتَّى لَو شهد لَا تقبل؟ أجَاب: ظَاهر كَلَامهم أَن الْعَدَاوَة الدُّنْيَوِيَّة تثبت بِهَذَا الْقدر، فقد صرح
__________
(1) هُوَ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام (لَا تجوز شَهَادَة ذِي الظنه وَلَا ذِي الحنة) رَوَاهُ الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح.
وَذُو الحنة: قَالَ فِي النِّهَايَة: الحنة الْعَدَاوَة.

(7/526)


فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة أَنَّهَا: أَي الْعَدَاوَة تثبت بِنَحْوِ القدف وَقتل الْوَلِيّ اه.
مطلب الْفسق لَا يتَجَزَّأ وَلَا تقبل شَهَادَة من فِيهِ عَدَاوَة دنيوية على عدوه، وَلَا على غَيره بل تكون قادحة فِي حق جَمِيع النَّاس، فَإِن الْفسق لَا يتَجَزَّأ حَتَّى كَون فَاسِقًا فِي حق شخص لَا فِي حق غَيره، وَيُقَاس على عدم تُجزئ الْفسق مَا لَو كَانَ نَاظرا على أوقاف عديدة وَثَبت فسقه بِسَبَب خِيَانَة فِي وَاحِد مِنْهَا، فَإِن يسرى فِي كلهَا فيعزل مِنْهَا جَمِيعًا كَمَا أفتى بِهِ الْمُفْتِي أَبُو السُّعُود الْعِمَادِيّ الْمُفَسّر فِي فَتَاوِيهِ، وَلَو ادّعى شخص عَدَاوَة آخر يكون اعترافا مِنْهُ بفسق نَفسه، وَلَو شهد الشَّاهِد على آخر فخاصم الْمَشْهُود عَلَيْهِ الشَّاهِد قبل الْقَضَاء لَا يمْتَنع الْقَضَاء بِشَهَادَتِهِ إِلَّا إِذا ادّعى أَنه دفع إِلَيْهِ كَذَا لِئَلَّا يشْهد عَلَيْهِ وَطلب الرَّد وَأثبت دَعْوَاهُ بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار أَو نُكُول فَتبْطل شَهَادَته، وَهُوَ جرح مَقْبُول كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، لَكِن قَالَ سَيِّدي الْوَالِد فِي جَوَاب سُؤال عَمَّن شهد عَلَيْهِ شُهُود بِحَق وزكوا فتعلل الْمُدعى عَلَيْهِ أَن الشُّهُود من زكاهم أَعدَاء لَهُ بِسَبَب تشاجر مَعَهم على قمار وَلعب.
فَأجَاب بعد كَلَام حَاصله: فَفِي الْحَادِثَة المسؤول عَنْهَا رُبمَا أَنه فسق بهَا، إِذْ الْعَدَاوَة جرت بَينهمَا على مَا قَالَه الْمُدعى عَلَيْهِ بِسَبَب قمار وَلعب محرمين شرعا، وَلَكِن الْمُتَأَخّرُونَ على الاول من الاطلاق سَوَاء فسق بهَا أَو لَا، والْحَدِيث الشريف شَاهد لما عَلَيْهِ الْمُتَأَخّرُونَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَرْفُوعا لَا تجوز شَهَادَة خائن وَلَا ذِي غمر على أَخِيه والغمر: الحقد.
وَيُمكن حمله على مَا إِذا كَانَ غير عدل بِدَلِيل أَن الحقد فسق للنَّهْي عَنهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْر.
مطلب: الْعَدَاوَة إِذا فسق بهَا لَا تقبل شَهَادَته على أحد، وَإِن لم يقسق بهَا تقبل على غير عدوه وَقَالَ الْعَلامَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ فِي فتواه: فَتَحَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا، وَصَرَّحَ يَعْقُوب باشا فِي حاشتيه بِعَدَمِ نَفَاذِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عدوه، وَالْمَسْأَلَة دوارة فِي الْكتب فَإِذا أثبت الْمُدعى عَلَيْهِ الْعَدَاوَة ثبوتا شَرْعِيًّا فتجري الاحكام الْمَذْكُورَة من عدم صِحَة أَدَاء الشَّهَادَة والتزكية الْمَذْكُورَة لثُبُوت عداوتهم بالسببين المرقومين المحرمين شرعا، وَسبب الحقد وَأَنَّهُمْ مِمَّن يفرحون لحزنه ويحزنون لفرحه اه.
وَتَمَامه فِيهِ.
فَإِن قلت: الْعَدَالَة الدُّنْيَوِيَّة فسق لانه لَا يحل معاداة الْمُسلم لاجل الدُّنْيَا، فَهَلا اسْتغنى عَنهُ بقوله
لَا تقبل شَهَادَة الْفَاسِق.
قلت: للْفرق بَينهمَا، فَإِنَّهُ لَو قضى بِشَهَادَة الْفَاسِق صَحَّ وأثم كَمَا مر، وَلَو قضى بِشَهَادَة الْعَدو بِسَبَب النديا لَا ينفذ، لانه لَيْسَ بمجتهد فِيهِ كَمَا نَقله المُصَنّف عَن يَعْقُوب باشا، لَكِن قَالَ المنلا عبد الْحَلِيم فِي حَاشِيَته على الدُّرَر: وَقد جَاءَت الرِّوَايَة بِعَدَمِ قبُول شَهَادَة عَدو بِسَبَب الدُّنْيَا مُطلقًا.
وَالتَّحْقِيق فِيهِ أَن من العدادوة المؤثرة فِي الْعَدَالَة كعداوة الْمَجْرُوح على الْجَارِح وعداوة ولي الْمَقْتُول على الْقَاتِل.
وَمِنْهَا غير مُؤثرَة كعداوة شَخْصَيْنِ بَينهمَا وَقعت مُضَارَبَة أَو مشاتمة أَو دَعْوَى مَال أَو حق فِي الْجُمْلَة، فشهادة صَاحب النَّوْع - الاول لَا تقبل كَمَا هُوَ الْمُصَرّح فِي غَالب كتب أَصْحَابنَا وَالْمَشْهُور على أَلْسِنَة فقهائنا، وَشَهَادَة صَاحب النَّوْع الثَّانِي تقبل لانه عدل، وَبِهَذَا التَّحْقِيق يحصل التوافق بَين الرِّوَايَتَيْنِ وَبَين الْمَتْن وَالشَّرْح وَإِن لم يهتد المُصَنّف إِلَيْهِ، الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا اه.

(7/527)


قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى بعد كَلَام: وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ مُعْتَمَدَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: عَدَمُ قَبُولِهَا عَلَى الْعَدُوِّ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْعِلَّةَ الْعَدَاوَة لَا لفسق وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ عَلَى غَيْرِ الْعَدُوِّ أَيْضًا ثَانِيهمَا: أَنَّهَا تقبل إِلَّا فَسَقَ بِهَا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبَانَ وَابْنُ الشِّحْنَةِ اه.
وَهل حكم القَاضِي فِي الْعَدَاوَة حكم الشَّاهِد؟ قَالَ شاحر الْوَهْبَانِيَّة: لم أَقف عَلَيْهِ فِي كتب أَصْحَابنَا.
وَيَنْبَغِي أَن يكون الْجَواب فِيهِ على التَّفْصِيل إِن كَانَ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ لَا ينفذ، وَإِن كَانَ بِشَهَادَة من الْعُدُول وبمحضر من النَّاس فِي مجْلِس الحكم بِطَلَب خصم شَرْعِي ينفذ.
ذكره الْحَمَوِيّ.
وَسِيَاق كَلَام البرجندي يُفِيد أَن شَهَادَة الْعَدو لعَدوه مَقْبُولَة لعدم التُّهْمَة، وَهَذَا بِنَاء على أَن الْعلَّة التُّهْمَة، أما إِذا كَانَت الْعلَّة الْفسق فَلَا فرق.
وَقد اخْتلف تَعْلِيل الْمَشَايِخ فِي ذَلِك.
قَالَ أَبُو السُّعُود: وَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَة قَوْلَيْنِ: مِنْهُم من علل بالاول، وَمِنْهُم من علل بِالثَّانِي اه.
أَقُول: قد علمت مَا قدمْنَاهُ عَن سَيِّدي الْوَالِد أَنَّهُمَا قَولَانِ معتمدان، وَأَن الْمُتُون على عدم قبُولهَا وَإِن لم يفسق بهَا للتُّهمَةِ.

قَوْله: (إِلَّا إِذا كَانَت الصداقة متناهية) أَي فَإِنَّهَا لَا لَا تقبل للتُّهمَةِ.

قَوْله: (بِلَا
إِصْرَار) أَي تقبل من مرتكب صَغِيرَة بِلَا إِصْرَار، لَان الالمام من غير إِصْرَار لَا يقْدَح فِي الْعَدَالَة، إِذْ لَا يُوجد من الْبشر من هُوَ مَعْصُوم سوى الانبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَيُؤَدِّي اشْتِرَاط الْعِصْمَة إِلَى سد بَاب الشَّهَادَة وَهُوَ مَفْتُوح.
أما إِذا أصر عَلَيْهَا وَفَرح بهَا أَو استخف، إِن كَانَ عَالما يقْتَدى بِهِ فَهِيَ كَبِيرَة كَمَا ذكره بَعضهم.

قَوْله: (إنْ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا وَغَلَبَ صَوَابُهُ عَلَى صغائره) الاولى أَن يَقُول على خطئه، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ وَبِلَا غَلَبَةٍ.
قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ تَأْخُذُ حُكْمَ الْكَبِيرَةِ بِالْإِصْرَارِ، وَكَذَا بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى حَيْثُ قَالَ: الْعَدْلُ مَنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا، حَتَّى لَوْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ، وَفِي الصَّغَائِرِ الْعِبْرَةُ للغلبة والدوام على الصَّغِيرَة لتصير كَبِيرَة وَلذَا قَالَ: وَغلب صَوَابه.

قَوْله: (وَهُوَ معنى الْعَدَالَة) قَالَ الْكَمَال: أحسن مَا نقل فِيهَا عَن أبي يُوسُف أَن لَا يأتبي بكبيرة وَلَا يصر على صَغِيرَة وَيكون ستره أَكثر من هتكه، وَصَوَابه أَكثر من خطئه، ومروءته ظَاهِرَة، وَيسْتَعْمل الصدْق ويجتنب الْكَذِب ديانَة ومروءة اه.
قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: من اجتنبي الْكَبَائِر وَفعل مائَة حَسَنَة وتسعا وَتِسْعين صَغِيرَة فَهُوَ عدل، وَإِن فعل حَسَنَة وصغيرتين لَيْسَ بِعدْل اه.
قَالَ فِي الْبَحْر: هِيَ الاسْتقَامَة، وَهِي بالاسلام واعتدال الْعقل، ويعارضه (1) هوى يضله ويصده، وَلَيْسَ لكمالها حد يدْرك مداه، ويكتفي لقبولها بأدناه كي لَا تضيع الْحُقُوق، وَهُوَ رُجْحَان جِهَة الدّين وَالْعقل على الْهوى والشهوة اه.
وَتَمَامه فِيهِ.

قَوْله: (كل فعل يرفض الْمُرُوءَة وَالْكَرم فَهُوَ كَبِيرَة) أَي كل فعل من الذُّنُوب والمعاصي فَهُوَ كَبِيرَة، إِذْ يبعد أَن يُقَال: إِن
__________
(1)
قَوْله: (ويعارضه إِلَخ) لَعَلَّه ومعارضه فَليُحرر.

(7/528)


الاكل فِي السُّوق مثلا لغير السوقي كَبِيرَة، بل قَالُوا: إِنَّمَا يحرم عَلَيْهِ ذَلِك إِذا كَانَ متحملا شَهَادَة لِئَلَّا يضيع حق الْمَشْهُود لَهُ.
وَعبارَة الْخُلَاصَة بعد أَن نقل القَوْل بِأَن الْكَبِيرَة مَا فِيهِ حد بِنَصّ الْكتاب.
قَالَ: وأصحابنا لم يَأْخُذُوا بذلك وَإِنَّمَا بنوا على ثَلَاثَة معَان: أَحدهَا مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هَتْكُ حُرْمَة.
وَالثَّانِي أَن يكون فِيهِ منابذة الْمُرُوءَة وَالْكَرم، فَكل فعل يرفض الْمُرُوءَة وَالْكَرم فَهُوَ كَبِيرَة.
وَالثَّالِث أَن يكون مصرا على الْمعاصِي أَو الْفُجُور اه وَتعقبه فِي فتح الْقَدِير بِأَنَّهُ غير منضبط وَغير
صَحِيح اه.
وَلذَا قَالَ الْمحشِي فِيمَا ذكره الشَّارِح عَنْهَا، قَالَ: إِلَّا أَن يُرَاد الْكَبِيرَة من حَيْثُ منع الشَّهَادَة.
قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: هَذَا التَّعْرِيف غير الاصح.
قَالَ فِي الذَّخِيرَة: الاصح أَن مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هَتْكُ حُرْمَة الدّين فَهُوَ من الْكَبَائِر، وَكَذَا مَا فِيهِ نبذ الْمُرُوءَة وَالْكَرم، وَكَذَا الاعانة على الْمعاصِي والحث عَلَيْهَا.
وَفِي معِين الْمُفْتِي: رفض الْمُرُوءَة ارْتِكَاب مَا يعْتَذر مِنْهُ ويضعه على رتبته عِنْد أهل الْفضل.
قَالَ الْعَيْنِيّ: اخْتلفُوا فِي الْكَبِيرَة، فَقَالَ أهل الْحجاز وَأهل الحَدِيث: هِيَ السَّبع الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث الْمَشْهُور، وَهِي: الاشراك بِاللَّه، والفرار من الزَّحْف، وعقوق الْوَالِدين، وَقتل النَّفس، وبهت الْمُؤمن، وَالزِّنَا، وَشرب الْخمر.
وَزَاد بَعضهم عَلَيْهَا: أكل الرِّبَا، وَأكل أَمْوَال الْيَتَامَى بِغَيْر حق.
وَقيل مَا ثَبت حرمته بِدَلِيل مَقْطُوع بِهِ فَهُوَ كَبِيرَة، وَقيل مَا فِيهِ حد أَو قتل فَهُوَ كَبِيرَة، وَقيل كل مَا أصر عَلَيْهِ الْمَرْء فَهُوَ كَبِيرَة.
وَمَا اسْتغْفر عَنهُ فَهُوَ صَغِيرَة.
والاوجه مَا ذكره المتكلمون أَن كل ذَنْب فَوْقه ذَنْب وَتَحْته ذَنْب، فبالنسبة إِلَى مَا قومه فَهُوَ صَغِيرَة، وَإِلَى مَا تَحْتَهُ فَهُوَ كَبِيرَة.
والاصح مَا نقل عَن شمس الائمة الْحلْوانِي أَنه قَالَ: كُلُّ مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هتك حُرْمَة الله تَعَالَى وَالدّين فَهُوَ من جملَة الْكَبَائِر اه.

قَوْله: (وَمَتى ارْتكب كَبِيرَة سَقَطت عَدَالَته) غير أَن الحكم بِزَوَالِ الْعَدَالَةِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ يَحْتَاجُ إلَى الظُّهُورِ، فَلِذَا شَرط فِي شرب الْمحرم الادمان اه.
حموي.
وَفِي الْقُهسْتَانِيّ عَن قَضَاء الْخُلَاصَة: الْمُخْتَار اجْتِنَاب الاصرار على الْكَبَائِر، فَلَو ارْتكب كَبِيرَة مرّة قبلت شَهَادَته.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الْعَدْلُ مَنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا، حَتَّى لَوْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ.
وَفِي الصَّغَائِرِ الْعِبْرَةُ لِلْغَلَبَةِ لِتَصِيرَ كَبِيرَةً حَسَنٌ.
وَنَقَلَهُ عَنْ أَدَبِ الْقَضَاءِ لعصام وَعَلِيهِ الْمعول، غير أَن الحكم بِزَوَالِ الْعَدَالَةِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ يَحْتَاجُ إلَى الظُّهُورِ، فَلِذَا شَرط فِي شرب الْمحرم وَالسكر والادمان، وَالله سُبْحَانَهُ أعلم اه.
وَإِذا سَقَطت عَدَالَته تعود إِذا تَابَ، لما صَرَّحُوا بِأَن الْمَحْدُود فِي الْقَذْف إِذا تَابَ فَهُوَ عدل: أَي وَإِن لم تقبل شَهَادَته، لَكِن فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْخَانِيَّةِ: الْفَاسِقُ إذَا تَابَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَانٌ يُظْهِرُ التَّوْبَةَ، ثُمَّ بَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ،
وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسَنَةٍ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مفوض إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَالْمُعَدِّلِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ كَانَ عَدْلًا فَشَهِدَ بِزُورٍ ثُمَّ تَابَ فَشَهِدَ تقبل من غير مُدَّة اه.
وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَاب وَقبل بَاب الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة فِي كَلَام الشَّارِح، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا كَانَ فَاسِقًا سِرًّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَ بِفِسْقِهِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّ الْمُدَّعِي، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ أَيْضا وَالْخَانِيَّة، وَالظَّاهِر أَنه لَا يحل لَهُ ذَلِك كَمَا استظهر سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.

(7/529)


قَالَ فِي الْخَانِية قبل التَّزْكِيَة: وَالتَّعْدِيل الْمَعْرُوفُ بِالْعَدَالَةِ إذَا شَهِدَ بِزُورٍ عَنْ أَبِي يُوسُف أَنه لَا تقبل شَهَادَته أصلا أَبَدًا لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ.
وَرَوَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَر أَنه تقبل شَهَادَته وَعَلِيهِ الِاعْتِمَاد اه.
وفيهَا: مَنْ اُتُّهِمَ بِالْفِسْقِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ، وَالْمُعَدِّلُ إِذا قَالَ الشَّاهِد هُوَ مُتَّهم بِالْفِسْقِ لَا تبطل عَدَالَته اه.
وَلَا بَأْس بِذكر أَفْرَاد سَقَطت عدالتهم نَص عَلَيْهَا: مِنْهَا إِذا ترك الصَّلَاة بِجَمَاعَة بعد كَون الامام لَا طعن فِيهِ فِي دِينٍ وَلَا حَالٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا فِي تَركهَا بِأَن يكون مُعْتَقدًا فَضِيلَة أَوَّلَ الْوَقْتِ وَالْإِمَامُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ أَوْ غَيْرَ ذَلِك لَا تسْقط عَدَالَته بِالتّرْكِ، وَكَذَا من ترك الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالْحَلْوَانِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ ثَلَاثَ مَرَّات، والاول أوجه.
وَذكر الاسبيجابي أَن من أكل فَوق الشِّبَع سَقَطت عَدَالَته عِنْد الاكثر، وَلَا بُد من كَونه فِي غير إِرَادَة التَّقْوَى على صَوْم الْغَد أَو مؤانسة الضَّيْف اه.
والاعانة على الْمعاصِي والحث عَلَيْهَا كَبِيرَة، وَلَا تقبل شَهَادَة الطفيلي والرقاص والمجازف فِي كَلَامه والمسخرة بِلَا خلاف، وَلَا من يحلف فِي كَلَامه كثيرا.
وَلَا تقبل شَهَادَة الْبَخِيل وَالَّذِي أخر الْفَرْض بعد وُجُوبه لغير عذر، إِن كَانَ لَهُ وَقت معِين كَالصَّلَاةِ بطلت عَدَالَته، وَإِن لم يكن لَهُ وَقت معِين كَالزَّكَاةِ وَالْحج اخْتلفت فِيهِ الرِّوَايَة والمشايخ.
وَذكر الخاصي عَن قاضيخان أَن الْفَتْوَى على سُقُوطهَا بِتَأْخِير الزَّكَاة من غير عذر.
بِخِلَاف تَأْخِير الْحَج، وبركوب بَحر الْهِنْد لانه مخاطر بِنَفسِهِ وَدينه من سُكْنى دَار الْحَرْب وتكثير سوادهم وعددهم لاجل المَال وَمثله لَا يُبَالِي بِشَهَادَة الزُّور.
وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَجْلِسُ مَجْلِسَ الْفُجُورِ وَالْمَجَانَةِ وَالشرب وَإِن لم يشرب كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة، وَتَمام ذَلِك فِي المطولات.
وَفِي الْبَحْر عَن الْعَتَّابِيَّةِ: من آجر بَيته لمن يَبِيع الْخمر لم تسْقط عَدَالَته اه.

قَوْله: (وَمن
أقلف) إِذْ تقبل شَهَادَة الْكَبِير الَّذِي لم يختتن، لَان الْعَدَالَة لَا تخل بترك الْخِتَان لكَونه سنة عندنَا.
كَذَا أطلقهُ فِي الْكَنْز وَغَيره وتبعهم المُصَنّف.

قَوْله: (لَو لعذر) بِأَن يتْركهُ خوفًا على نَفسه، أما إِذا تَركه بِغَيْر عذر لم تقبل مَا قَيده قاضيخان، وَقَيده فِي الْهِدَايَة بِأَن لَا يتْركهُ اسْتِخْفَافًا بِالدّينِ، أما إِذا تَركه اسْتِخْفَافًا لم تقبل لانه لم يبْق عدلا، وكما تقبل شَهَادَته تصح إِمَامَته كَمَا فِي فتح الْقَدِير.
مطلب: فِي وَقت الْخِتَان وَاخْتلفُوا فِي وقته، فالامام لم يقدر لَهُ وقتا مَعْلُوما لعدم وُرُود النَّص بِهِ، وَهَذِه إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي توقف الامام فِي الْجَواب عَنْهَا، وَقدره الْمُتَأَخّرُونَ وَاخْتلفُوا.
وَالْمُخْتَارُ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ سَبْعٌ وَآخِرَهُ اثْنَتَا عشرَة.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة من بَاب الْيَمين فِي الطَّلَاق وَالْعتاق.
وَلَعَلَّ أَن سبع سِنِين أول وَقت اسْتغْنَاء الصَّبِي عَن الْغَيْر فِي الاكل وَالشرب واللبس والاستنجاء حَيْثُ يتَحَمَّل بِمثلِهِ وَوقت الِاحْتِيَاج إِلَى التَّأْدِيب وتهذيب الاخلاق، وَلذَلِك كَانَ ذَلِك نِهَايَة مُدَّة الْحَضَانَة بل وَقت كَونه مَأْمُورا بِالصَّلَاةِ وَلَو ندب، وَمن جملَته الْخِتَان أَيْضا، وَكَونه ابْن اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَقت المراهقة الْبَتَّةَ وَاحْتِمَال الْبلُوغ فِيهِ، فَحِينَئِذٍ يجْرِي عَلَيْهِ قلم التَّكْلِيف فرضا ووجوبا وَسنة وندبا، وَمن جملَته كشف الْعَوْرَة وَهُوَ حرَام على الْبَالِغين من غير محرم، فَظهر أَن وَقت الْخِتَان على الْوَجْه الْمسنون يتم عِنْده، فَلَو قَالَ رجل إِن بلغ وَلَدي الْخِتَان فَلم أختنه فامرأتي طَالِق: فَإِن نوى أول الْوَقْت لَا يَحْنَث مَا لم يبلغ سبع سِنِين.
وَإِن نوى آخِره قَالَ الصَّدْر الشَّهِيد: الْمُخْتَار أَنه اثْنَتَا عشرَة سنة، وَهُوَ سنة للرِّجَال مكرمَة للنِّسَاء، إِذْ جماع المختونة ألذ.
وَكَانَ ابْن عَبَّاس لَا يُجِيز ذَبِيحَة الاقلف وَلَا شَهَادَته اه.
وَفِيه فَائِدَة من كَرَاهِيَة فَتَاوَى العتابي.
وَقيل فِي ختان الْكَبِير: إِذا أمكن أَنْ يَخْتِنَ نَفْسَهُ فَعَلَ، وَإِلَّا لَمْ يَفْعَلْ إِلَّا أَن يُمكنهُ أَن

(7/530)


يتَزَوَّج أَو يَشْتَرِي ختانة تختنه.
وَذكر الْكَرْخِي فِي الْكَبِير: يختنه الحمامي، وَكَذَا عَن ابْن مقَاتل.
مطلب: لَا بَأْس للحمامي أَن يطلي عَورَة غَيره بالنورة إِذا غُصْن بَصَره حَالَة الضَّرُورَة لَا بَأْس للحمامي أَن يطلي عَورَة غَيره بالنورة انْتهى.
لَكِن قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة بعد أَن نقل عَن التاترخانية أَن أَبَا حنيفَة كَانَ لَا يرى بَأْسا بِنَظَر الحمامي إِلَى عَورَة الرجل، وَنقل أَنه مَا يُبَاح من النّظر
للرجل من الرجل يُبَاح الْمس، وَنَقله عَن الْهِدَايَة وَنقل مَا نَقَلْنَاهُ، لَكِن قَيده بِمَا إِذا كَانَ يغص بَصَره.
وَنقل عَن الْفَقِيه أبي اللَّيْث أَن هَذَا فِي حَالَة الضَّرُورَة لَا فِي غَيرهَا، وَقَالَ: وَيَنْبَغِي لكل وَاحِد أَن يتَوَلَّى عانته بِيَدِهِ إِذا تنور كَمَا فِي الْمُحِيط، فَلْيحْفَظ.
أَقُول: وَمعنى يَنْبَغِي هُنَا الْوُجُوب كَمَا يظْهر، فَتَأمل.

قَوْله: (بَحر) وَمثله فِي التاترخانية.

قَوْله: (والاستهزاء بشئ من الشَّرَائِع كُفْرٌ) أَشَارَ إلَى فَائِدَةِ تَقْيِيدِهِ فِي الْهِدَايَةِ بِأَن لَا يتْرك الْخِتَان اسْتِخْفَافًا بِالدّينِ.

قَوْله: (ابْن كَمَال) عِبَارَته: والاقلف لانه لَا يخل بِالْعَدَالَةِ إِذا تَركه اسْتِخْفَافًا بِالدّينِ.
قَالَ الرَّازِيّ: لم يرد بالاستخفاف الِاسْتِهْزَاء، لَان الِاسْتِهْزَاء بشئ من الشَّرَائِع كفر، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ التواني والتكاسل اه ح.
وَكَذَا ذكر مثله عزمي زَاده مؤولا عبارَة الدُّرَر.
مطلب: فِي شَهَادَة الْخصي
قَوْله: (وَخصي) بِفَتْح الْخَاء: منزوع الخصا، لَان عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قبل شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ، رَوَاهُ ابْن شيبَة (1) ولانه قطع مِنْهُ عُضْو ظلما فَصَارَ كمن قطعت يَده ظلما فَهُوَ مَظْلُومٌ.
نَعَمْ لَوْ كَانَ ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ وَفَعَلَهُ مُخْتَارًا منع.
فتح.

قَوْله: (وأقطع) إِذا كَانَ عدلا، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله قطع يَد رجل فِي السّرقَة، ثمَّ كَانَ بعد ذَلِك يشْهد فَيقبل شَهَادَته.
منح.

قَوْله: (وَولد الزِّنَا) لَان فسق الْوَالِدين لَا يُوجب فسق الْوَلَد ككفرهما.
منح.

قَوْله: (وَلَو بِالزِّنَا) أَيْ وَلَوْ شَهِدَ بِالزِّنَا عَلَى غَيْرِهِ تقبل، أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا شَهِدَ بِالزِّنَا أَوْ بِغَيْرِهِ، خلافًا لمَالِك فِي الاول كَمَا فِي الْمنح.

قَوْلُهُ: (كَأُنْثَى) فَيُقْبَلُ مَعَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فِي غير حد وقود.
قوه: (لَو مُشكلا) فِي كل الاحكام.
شرنبلالية، والاولى أَن يَقُول وَهُوَ كأنثى.

قَوْله: (وعتيق لمعتقه) أَي تقبل شَهَادَته، لَان شريحا قبل شَهَادَة قنبر لعَلي وَهُوَ عتيقه.
وَأَشَارَ بِاللَّامِ إِلَى أَن شَهَادَته على الْمُعْتق تقبل بالاولى كَمَا صرح بِهِ متْنا بقوله.
(وَعَكسه) وقنبر بِفَتْح الْقَاف، وَأما بِضَم الْقَاف فجد سِيبَوَيْهٍ.
ذكره الذَّهَبِيّ فِي مشتبه الانساء والاسماء.
مطلب: فِي تَرْجَمَة شُرَيْح القَاضِي وَشُرَيْح بن الْحَارِث بن قيس الْكُوفِي النَّخعِيّ القَاضِي أَبُو أُميَّة، تَابِعِيّ ثِقَة.
وَقيل لَهُ صُحْبَة،
مَاتَ قبل الثَّمَانِينَ أَو بعْدهَا وَله مائَة وثمان سِنِين أَو أَكثر، واستقضاه عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على الْكُوفَة، وَلم يزل بعد ذَلِك قَاضِيا خمْسا وَسبعين سنة، إِلَّا ثَلَاث سِنِين امْتنع فِيهَا من الْقَضَاء فِي فتْنَة الْحجَّاج فِي حق ابْن الزبير حَيْثُ استعفى الْحجَّاج من الْقَضَاء فأعفاه، وَلم يقْض إِلَى أَن مَاتَ الْحجَّاج
__________
(1)
قَوْله: (ابْن شيبَة) هَكَذَا بِأَصْلِهِ وَلَعَلَّ الصَّوَاب ابْن أبي شيبَة فَليُحرر اه.
مصححه.

(7/531)


كَمَا فِي الْبَحْر وَشرح جلال الدّين التباني على الْمنَار.

قَوْله: (أَن الثّمن كَذَا) وَلَو شَهدا بإيفائه وإبرائه تقبل.
مقدسي.

قَوْله: (لجر النَّفْع بِإِثْبَات الْعِتْقِ) لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَتَحَالَفَا وَفُسِخَ الْبَيْعُ الْمُقْتَضِي لابطال الْعتْق.
منح.
لَكِن تقدم فِي آخر بَاب الاقالة أَنه لَا يُخَالف بعد خُرُوج الْمَبِيع عَن ملكه، لانه يشْتَرط قيام الْمَبِيع عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي التَّحَالُفِ إلَّا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ غَيْرُ المُشْتَرِي، فَرَاجعه وَتَأمل.

قَوْله: (وَمن محرم رضَاعًا) كابنه مِنْهُ.
وَفِي الْأَقْضِيَةِ: تُقْبَلُ لِأَبَوَيْهِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَلِمَنْ أَرْضَعَتْهُ امْرَأَته، وَلَام وَامْرَأَته وَابْنهَا.
بَزَّازِيَّة من الشَّهَادَة.

قَوْله: (أَو مصاهرة) كَأُمّ امْرَأَته وبنتها وَزوج بنته وَامْرَأَة أَبِيه وَابْنه، لَان الاملاك بَينهم متميزة والايدي متحيزة، وَلَا بسطوة لبَعْضهِم فِي مَال بعض فَلَا تتحق التُّهْمَة، بِخِلَاف شَهَادَته لِقَرَابَتِهِ ولادا.
دُرَر.
وَمثله فِي الْبَحْر.

قَوْله: (إِلَّا إِذا امتدت الْخُصُومَة) أَي سِنِين كَمَا فِي الْمنح عَن الْقنية، وَالظَّاهِر أَنه اتفاقي.
قَالَ ابْن وهبان: وَقِيَاس ذَلِك أَن يطرد فِي كل قرَابَة، وَالْفِقْه فِيهِ أَنه لما كثر مِنْهُ التَّرَدُّد مَعَ المخاصم صَار بِمَنْزِلَة الْخصم للْمُدَّعى عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو السُّعُود: وَالتَّقْيِيد بِعَدَمِ الْخِصَام على القَوْل بِهِ لَا يخص الشَّهَادَة للاخ وَنَحْوه اه.
قَالَ المنلا عبد الْحَلِيم: وَلَا يذهب عَلَيْك أَن الْمُعْتَمد عَلَيْهِ قبُول شَهَادَة عَدو بِسَبَب الدُّنْيَا لَو عدلا: أَي بِمُجَرَّد الْخُصُومَة على مَا تقدم، وَذَا لَا يُنَافِي ذَلِك لَان المتردد الْمَذْكُور بِمَنْزِلَة الْمُدَّعِي لَا بِمَنْزِلَة الْعَدو.
تدبر.

قَوْله: (على مَا فِي الْقنية) يَعْنِي إِذا كَانَ مَعَ الْمُدَّعِي أَخ أَو ابْن عَم يخاصمان لَهُ مَعَ الْمُدعى عَلَيْهِ ثمَّ شَهدا لَا تقبل شَهَادَتهمَا فِي هَذِه الْحَادِثَة بعد هَذِه الْخُصُومَة، وَكَذَا كل قرَابَة وَصَاحب تردد فِي الْمُخَاصمَة سِنِين، لانه بطول التَّرَدُّد صَار بِمَنْزِلَة الْخصم للْمُدَّعى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْوَهْبَانِيَّة.

قَوْله: (وَفِي
الخزانة الخ) أَي خاصماه عِنْد أَدَاء الشَّهَادَة عَلَيْهِ بِأَن نسبهما إِلَى الْكَذِب فدفعا عَن أَنفسهمَا، وَمَسْأَلَة الْقنية فِيمَا إِذا خاصماه مَعَ قَرِيبه على الْحق الَّذِي يَدعِيهِ.

قَوْله: (تقبل لَوْ عُدُولًا) قَالَ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُسَاعِدْ الْمُدَّعِي فِي الْخُصُومَةِ أَوْ لَمْ يُكْثِرْ ذَلِكَ تَوْفِيقًا اه.
وفْق الرَّمْلِيُّ بِغَيْرِهِ حَيْثُ قَالَ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ لَوْ عُدُولًا أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا مَسْتُورِينَ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ تَمْتَدَّ الْخُصُومَةُ لِلتُّهْمَةِ بِالْمُخَاصَمَةِ، وَإِذَا كَانُوا عُدُولًا تُقْبَلُ لِارْتِفَاعِ التُّهْمَةِ مَعَ الْعَدَالَةِ.
فَحمل مَا فِي الْقُنْيَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا تَوْفِيقًا، وَمَا قُلْنَاهُ أَشْبَهُ لِأَنَّ الْمُعْتَمد فِي بَاب الشَّهَادَة الْعَدَالَة.

قَوْله: (على عبد كَافِر مَوْلَاهُ مُسلم) لَان هَذِه شَهَادَة قَامَت على إِثْبَات أَمر على الْكَافِر قصدا وَلزِمَ مِنْهُ الحكم على الْمولى الْمُسلم ضمنا، على أَن اسْتِحْقَاق مَالِيَّة الْمولى غير مُضَاف إِلَى الشَّهَادَة، لانه لَيْسَ من ضَرُورَة وجوب الدّين عَلَيْهِ اسْتِحْقَاق مَالِيَّة الْمولى لَا محَالة بل يَنْفَكّ عَنهُ فِي الْجُمْلَة.

قَوْله: (لَا يجوز عَكسه) وَهُوَ مَا إِذا كَانَ العَبْد مُسلما مَوْلَاهُ كَافِر: يَعْنِي لَا تجوز شَهَادَة الْكَافِر على عبد مُسلم مَوْلَاهُ كَافِر، وعَلى وَكيل مُسلم مُوكله كَافِر: فَإِن كَانَ مُسلما لَهُ عبد كَافِر أذن لَهُ بِالْبيعِ وَالشِّرَاء فَشهد عَلَيْهِ شَاهِدَانِ كَافِر ان بشرَاء وَبيع جَازَت شَهَادَتهمَا

(7/532)


عَلَيْهِ، لَان هَذِه شَهَادَة قَامَت على إِثْبَات أَمر على الْكَافِر قصدا وعَلى الْمُسلم ضمنا كَمَا تقدم، وَلَو أَن مُسلما وكل كَافِرًا بشرَاء أَو بيع فَشهد على الْوَكِيل شَاهِدَانِ كَافِرَانِ بشرَاء أَو بيع لَا تقبل شَهَادَتهمَا عَلَيْهِ لانها شَهَادَة كَافِر قَامَت لاثبات حق على مُسلم قصدا كَمَا فِي الدُّرَر وَالْغرر.

قَوْله: (إِن لم يكن عَلَيْهِ دين لمُسلم) هَذَا ظَاهر إِن كَانَت التَّرِكَة لَا يخرج مِنْهَا الدينان، وَأما إِذا كَانَت متسعة لم يكن فِيهَا شُبْهَة أَنه تنقيص شَهَادَة على حق مُسلم.
وَفِي الْمنح: نَصْرَانِيٌّ مَاتَ عَنْ مِائَةٍ فَأَقَامَ مُسْلِمٌ شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيين عَلَيْهِ بِمِائَةٍ وَمُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ بِمِثْلِهِ فَالثُّلُثَانِ لَهُ وَالْبَاقِي بَينهمَا اه: أَي لَان شَهَادَة أهل الذِّمَّة على الْمُسلم لَا تقبل وَهنا لَا تقبل فِي مُشَاركَة الذِّمِّيّ للْمُسلمِ فِي الْمِائَة.
وَالْحَاصِل: أَنَّهَا أَثْبَتَت الدّين على الْمَيِّت دون الْمُشَاركَة مَعَ الْغَرِيم الْمُسلم، وَأَن الْمُسْلِمَ لَمَّا ادَّعَى الْمِائَةَ مَعَ النَّصْرَانِيِّ صَارَ طَالبا نصفهَا وَالْمُنْفَرد بِطَلَب كلهَا فتقسم عولا عِنْد الامام، فلمدعي الْكل الثُّلُثَانِ لانه
لَهُ نِصْفَيْنِ وللمسلم الثُّلُث لَان لَهُ نصفا فَقَط، وَلَكِن لما ادَّعَاهُ مَعَ النَّصْرَانِي قسم بَينهمَا.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: نَصْرَانِيٌّ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ مُسْلِمٌ شُهُودًا من االنصارى عَلَى أَلْفٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَأَقَامَ نَصْرَانِيٌّ آخَرِينَ كَذَلِكَ، فَالْأَلْفُ الْمَتْرُوكَةُ لِلْمُسْلِمِ عِنْدَهُ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يَتَحَاصَّانِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَبُولَ عِنْدَهُ فِي حَقِّ إثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ فَقَطْ دُونَ إثْبَاتِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ.
وَعَلَى قَوْلِ الثَّانِي فِي حَقِّهِمَا.
ذَخِيرَةٌ مُلَخَّصًا.
وَبِهِ ظَهَرَ أَن قبُولهَا على الْمَيِّت غير مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمُسْلِمٍ.
نَعَمْ هُوَ قَيْدٌ لِإِثْبَاتِهَا الشَّرِكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي الْآخَرِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ نَصْرَانِيًّا أَيْضًا يُشَارِكُهُ، وَإِلَّا فَالْمَالُ لِلْمُسْلِمِ، إذْ لَوْ شَارَكَهُ لَزِمَ قِيَامُهَا عَلَى الْمُسْلِمِ، وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَ قَيْدًا لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ ضيق التَّرِكَة عَن الدينَيْنِ، وَإِلَّا لَا يَلْزَمُ قِيَامُهَا عَلَى الْمُسْلِمِ كَمَا لَا يَخْفَى، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي بَعْدَ التَّنْقِيرِ التَّامِّ.

قَوْله: (بَحر) نَص عِبَارَته: وَتقبل شَهَادَة الذِّمِّيّ بدين على ذمِّي ميت وَإِن كَانَ وَصِيّه مُسلما بِشَرْط أَن لَا يكون عَلَيْهِ دين لمُسلم، فَإِنْ كَانَ فَقَدْ كَتَبْنَاهُ عَنْ الْجَامِعِ اه.
وَاَلَّذِي كَتَبَهُ هُوَ قَوْلُهُ نَصْرَانِيٌّ مَاتَ عَنْ مِائَةٍ فَأَقَامَ مُسْلِمٌ شَاهِدَيْنِ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ وَمُسْلِمٌ وَنَصْرَانِي بِمثلِهِ فالثالثان لَهُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا، وَالشَّرِكَةُ لَا تُمْنَعُ لِأَنَّهَا بقرار اه.
وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ الثَّانِيَةَ لَا تُثْبِتُ لِلذِّمِّيِّ مُشَارَكَتَهُ مَعَ الْمُسْلِمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَكِنَّ الْمُسلم لما ادّعى بِطَلَب كُلَّهَا فَتُقْسَمُ عَوْلًا فَلِمُدَّعِي الْكُلِّ الثُّلُثَانِ لِأَنَّ لَهُ نِصْفَيْنِ وَلِلْمُسْلِمِ الْآخَرِ الثُّلُثَ لِأَنَّ لَهُ نِصْفًا فَقَطْ، لَكِنْ لَمَّا ادَّعَاهُ مَعَ النَّصْرَانِيِّ قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَالشَّرِكَةُ لَا تمنع لانها بِإِقْرَارِهِ.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَيقدم دين الصِّحَّة وَهُوَ مَا كَانَ ثَابتا بِالْبَيِّنَةِ أَو الاقرار فِي حَال الصِّحَّة، وَقد يرجح بَعضهم على بعض كَالدّين الثَّابِتِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الثَّابِتِ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَيْهِ، وَالدَّيْنُ الثَّابِتُ بِدَعْوَى الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ يُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ الثَّابِتِ عَلَيْهِ بِدَعْوَى كَافِرٍ إذَا كَانَ شُهُودُهُمَا كَافِرَيْنِ أَوْ شُهُودُ الْكَافِرِ فَقَطْ، أَمَّا إذَا كَانَ شُهُودُهُمَا مُسْلِمِينَ أَوْ شُهُودُ الْكَافِرِ فَقَطْ فهما سَوَاء اه.
فَافْهَم.
وَتَمام الْكَلَام على هَذِه الْمَسْأَلَة وفروعها يطْلب من الْبَحْر وحاشيته لسيدي الْوَالِد.
قَالَ الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَته على الْبَحْر: فتحصيل أَن الْوَصِيّ يُخَالف الْوَكِيل فِي البيع وَالشِّرَاء، وَقد تقرر أَن الْوَكِيل فِي الْحُقُوق الْمُتَعَلّقَة بهما: أَي البيع وَالشِّرَاء أصيل وَالْوَصِيّ قَائِم مقَام الْوَصِيّ، وَقَول

(7/533)


صَاحب الظَّهِيرِيَّة اسْتِحْسَانًا صَرِيح فِي أَن الْعَمَل بِهِ، وَقد صرح صَاحب الْمُحِيط بِمَا فِي الظَّهِيرِيَّة اه.

قَوْله: (كَمَا مر) أَي فِي العَبْد الْكَافِر وسيده مُسلم وَالْوَكِيل الْكَافِر وموكله مُسلم.
وَزَاد فِي الاشباه: عَلَيْهَا إِثْبَات تَوْكِيل كَافِر كَافِرًا بكافرين بِكُل حق لَهُ بِالْكُوفَةِ على خصم كَافِر فيتعدى إِلَى خصم مُسلم اه.

قَوْله: (أَو ضَرُورَة فِي مَسْأَلَتَيْنِ) حُمِلَ الْقَبُولُ فِيهِمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بَحْثًا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْخَصْمُ الْمُسْلِمُ مقرا بِالدّينِ مُنْكرا مُنْكرا للوصاية والنشب، فتقيل شَهَادَة الذميين لانها شَهَادَة على النصرانز الْمَيِّت، أما لَوْ كَانَ مُنْكِرًا لِلدَّيْنِ كَيْفَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيَّيْنِ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَأَحْضَرَ) أَيْ الْوَصِيُّ.

قَوْلُهُ: (ابْن الْمَيِّت) أَي النَّصْرَانِي:
قَوْله: (فَادّعى على مُسلم بِحَق) أَي ثَابت: أَي وَأقَام شَاهِدين نَصْرَانِيين نسبه تقبل اسْتِحْسَانًا.
مطلب: حَادِثَة الْفَتْوَى
قَوْله: (وَوَجهه فِي الدُّرَر) حَيْثُ قَالَ فِيهَا: وَجه الِاسْتِحْسَان أَن الْمُسلمين لَا يحْضرُون موت النَّصَارَى، والوصايا تكون عِنْد الْمَوْت غَالِبا وَسبب ثُبُوت النّسَب النِّكَاح وهم لَا يحْضرُون نكاحهم، فَلَو لم تقبل شَهَادَة النَّصَارَى على الْمُسلم فِي إِثْبَات الايصاء الَّذِي بِنَاؤُه على الْمَوْت وَالنّسب الَّذِي بناءه على النِّكَاح أدّى إِلَى ضيَاع الْحُقُوق الْمُتَعَلّقَة بالايصاء فَقبلت ضَرُورَة كَمَا قبلت شَهَادَة الْقَابِلَة اه.
مطلب: أسلم زَوجهَا وَمَات تقبل شَهَادَة أهل الذِّمَّة على مهرهَا قَالَ عبد الْحَلِيم فِي حَاشِيَته: وَفِيه إِشَارَة إِلَى حَادِثَة الْفَتْوَى، وَهِي: ذِمِّيَّة أسلم زَوجهَا ثمَّ مَاتَ فادعت مهرهَا عَلَيْهِ بِوَجْه خصم شَرْعِي قبلت شَهَادَة أهل الذِّمَّة لثُبُوت مهرهَا عَلَيْهِ لضَرُورَة عدم حُضُور الْمُسلمين نكاحهم.

قَوْله: (والعمال) بِضَم الْعين وَتَشْديد الْمِيم جمع عَامل، وهم الَّذين يَأْخُذُونَ الْحُقُوق الْوَاجِبَة كالخراج وَنَحْوه عِنْد الْجُمْهُور، لَان نفس الْعَمَل لَيْسَ بفسق، فبعض الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم عُمَّال.

قَوْله: (للسُّلْطَان) هَذَا هُوَ المُرَاد بهم عِنْد عَام الْمَشَايِخ كَمَا فِي الْبَحْر.
وَفِيه عَن السِّرَاجِيَّة معزيا إِلَى الْفَقِيه أبي اللَّيْث: إِن كَانَ الْعَامِل مثل عمر بن عبد الْعَزِيز فشهادته جَائِزَة، وَإِن كَانَ مثل يزِيد بن مُعَاوِيَة فَلَا اه.
وَفِي إِطْلَاق الْعَامِل على
الْخَلِيفَة نظر، وَالظَّاهِر مِنْهُ أَنه من قبل عملا من الْخَلِيفَة اه.

قَوْله: (إِلَّا إِذا كَانُوا أعوانا على الظُّلم الخ) أَي كعمال زَمَاننَا.
قَالَ فَخر الاسلام.
لَكِن نقل فِي الْبَحْر عَن الْهِدَايَة أَن الْعَامِل إِذا كَانَ وجيها فِي النَّاس ذَا مُرُوءَة لَا يجازف فِي كَلَامه تقبل شَهَادَته، كَمَا مر عَن أبي يُوسُف فِي الْفَاسِق لانه لوجاهته لَا يقدم على الْكَذِب: يَعْنِي وَلَو كَانَ عونا على الظُّلم كَمَا فِي الْعِنَايَة اه.
مطلب: فِي شَهَادَة مُخْتَار الْقرْيَة وموزع النوائب
قَوْله: (كرئيس الْقرْيَة) هُوَ الْمُسَمّى شيخ الْبَلَد، وهم من أعون النَّاس على الظُّلم لغَيرهم غير

(7/534)


ظلم النَّاس لانفسهم خَاصَّة، وَيُسمى فِي بِلَادنَا شيخ الضَّيْعَة ومختار الْقرْيَة.
قَالَ فِي الْفَتْح: وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ الْقَائِمَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْجِبَايَاتِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَأْجُورٌ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ ظُلْمًا فَعَلَى هَذَا تُقْبَلُ شَهَادَته اه.

قَوْله: (والجابي) أَي جابي الظُّلم.

قَوْله: (والصراف) الَّذِي يجمع عِنْده المَال وَيَأْخُذهُ طَوْعًا.

قَوْله: (والمعرفون) بِالْوَاو، وَفِي بعض النّسخ المعرفين بِالْيَاءِ عطف على الْمَجْرُور وَهُوَ الصَّوَاب، وهم الَّذين يعْرفُونَ عَن قدر الاشخاص الَّذين فِي الْمركب ليَأْخُذ الْحَاكِم مِنْهُم شَيْئا مَعْلُوما مصادرة.

قَوْله: (والعرفاء فِي جَمِيع الاصناف) هم مَشَايِخ الْحَرْف.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى بعد كَلَام: وَبِه يعلم أَن شَهَادَة الفلاحين لشيخ قريتهم وشهادتهم للقسام الَّذِي يقسم عَلَيْهِم وَشَهَادَة الرّعية لحاكمهم وعاملهم وَمن لَهُ نوع ولَايَة عَلَيْهِم لَا تجوز اه.
أَقُول: لكنه مُقَيّد بِمَا سَيَأْتِي قَرِيبا عَن الْهِنْدِيَّة من أَنهم إِذا كَانُوا يُحصونَ وهم مَا إِذا كَانُوا مائَة فَأَقل.
تَأمل.

قَوْله: (ومحضر قُضَاة الْعَهْد) أَي الَّذِي يحضر الاخصام للْقَاضِي لقبولهم الرشا وَلعدم الْمُرُوءَة فيهم، وَالْمرَاد بالعهد الزَّمن أَي قُضَاة زمنهم فيكف الْحَال فِي زَمَاننَا ط.

قَوْله: (والوكلاء المفتعلة) لَعَلَّ المُرَاد بهم من يتوكل فِي الدَّعَاوَى والخصومات، وَذَلِكَ لانه قد ش وهدمنهم قلَّة المبالاة فِي الاحكام وَأخذ الرشا وَغير ذَلِك، وَإِنَّمَا جعلُوا مفتعلة لَان النَّاس لَا يقصدون مِنْهُم إِلَّا الاعانة على أغراضهم بحيلهم وَلم يقصدوا التَّوْكِيل حَقِيقَة فَقَط.

قَوْله: (والصكاك) بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة جمع صكاك
بِفَتْحِهَا.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: من الشَّهَادَات والصكاك تقبل فِي الصَّحِيح.
وَقيل: لَا لانهم يَكْتُبُونَ اشْترى وَبَاعَ وَضمن الدَّرك وَإِن لم يَقع فَيكون كذبا وَلَا فرق بَين الْكَذِب بِالْكِتَابَةِ أَو التَّكَلُّم.
قُلْنَا: الْكَلَام فِي كَاتب غلب عَلَيْهِ الصّلاح وَمثله يُحَقّق ثمَّ يكْتب.
ط.
عَن الْحَمَوِيّ: أَي وَمَا ذكر من الْكَذِب عَفْو لانهم يحققون مَا كتبُوا.
قَالَ الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَة الْمنح: وَفِي إجازات الْبَزَّازِيَّة لَا تقبل شَهَادَة الدَّلال ومحضر قُضَاة الْعَهْد والوكلاء المفتعلة والصكاك اه.
أَقُول وَسَيَأْتِي فِي شرح قَوْله أَو يَبُول أَو يَأْكُل على الطَّرِيق أَنَّهَا لَا تقبل شَهَادَة النّحاس وَهُوَ الدَّلال إِلَّا إِذا كَانَ عدلا لَا يحلف وَلَا يكذب، وَنَقله عَن السراج هُنَا، وَقد رَأَيْنَاهُ فِي كَلَامهم كثير.
وَأَقُول: قد ظهر من هَذَا أَن شَهَادَة الدَّلال والصكاك وَنَحْوهمَا لَا ترد لمُجَرّد الصِّنَاعَة بل لمباشرة مَا لَا يحل شرعا، وَإِنَّمَا تنصيص الْعلمَاء على من ذكر لاشتهار ذَلِك مِنْهُ.
تَأمل.

قَوْله: (وَضَمان الْجِهَات) بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمِيم.
وَقَالَ الْكَمَال عاطفا على من لَا تقبل شَهَادَته مَا نَصه: وَكَذَا كل من شهد على إِقْرَار بَاطِل، وَكَذَا على فعل بَاطِل مثل من يَأْخُذ سوق النخاسين مقاطعة أَو شهد على وثيقتها اه.
وَقَالَ الْمَشَايِخ: إِن شهدُوا حل عَلَيْهِم اللَّعْن أَنه شَهَادَة على بَاطِل، فَكيف هَؤُلَاءِ الَّذين يشْهدُونَ من مباشري السُّلْطَان على ضَمَان الْجِهَات وعَلى المحبوسين عِنْدهم هَؤُلَاءِ وَالَّذين فِي ترسيمهم اه.

قَوْله: (كمقاطعة سوق النخاسين) كمن يَأْخُذهَا بِقِطْعَة من المَال يَجْعَلهَا عَلَيْهِ مكسا وَيُوجد فِي بعض الْكتب بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة جمع نخاس، وَهُوَ بَائِع الدَّوَابّ وَالرَّقِيق، وَالِاسْم النخاسة بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح، من نخس من بَاب نصر: إِذا غرز مُؤخر الدَّابَّة بِعُود وَنَحْوه كَمَا فِي الْقَامُوس، وَقد جعل فِي الاسواق

(7/535)


الَّتِي تبَاع فِيهَا الْحمير مكاسون فَلَا تقبل شَهَادَتهم.

قَوْله: (حَتَّى حل لعن الشَّاهِد) أَي الَّذِي شهد على صك مقاطعة النخاسين كَمَا فِي الْمنح، وَلَيْسَ المُرَاد لعن الْعين لعدم جَوَازه، بل المُرَاد بِأَن يُقَال: لعن الله شَاهد ذَلِك.
مطلب: لَا تصح المقاطعة بِمَال لاحتساب قَرْيَة
قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ فِي فتواه فِي رجل قَاطع على مَال مَعْلُوم احتساب قَرْيَة هَل يَصح ذَلِك أم لَا؟ أجَاب: لَا يَصح ذَلِك بِإِجْمَاع الْمُسلمين، فَلَا يُطَالب الْمُحْتَسب بِمَا الْتَزمهُ من المَال وَلَا يَصح الدَّعْوَى فِي ذَلِك، وَلَا تُقَام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ، وَلَا يحل للْقَاضِي سَماع مثل هَذِه الدَّعْوَى سَوَاء وَقعت بِلَفْظ المقاطعة أَو الِالْتِزَام كَمَا رَأَيْنَاهُ بِخَط الثِّقَات اه.
وَوَجهه أَن المقاطعة لَا يتَصَوَّر أَن تكون بيعا لعدم وجود الْمَبِيع ولزومه شرعا وَلَا إِجَارَة لانها بيع الْمَنَافِع، وَإِذا وَقعت بَاطِلَة كَانَت كَالْعدمِ، وَلَا فرق بَين مقاطعة الاحتساب ومقاطعة الْقَضَاء، فعلى المقاطع على الْقَضَاء مَا على المقاطع على الاحتساب، وَلَا يسْأَل عَن جَوَازه بل يسْأَل عَن كفره مستحله ومتعاطيه كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
قَالَ مؤيد زَاده: سُئِلَ الصفار عَن رجل أَخذ سوق النخاسين مقاطعة من الدِّيوَان وَأشْهد على كتاب المقاطعة إنْسَانا هَل لَهُ أَن يشْهد؟ قَالَ: إِذا شهد حل عَلَيْهِ اللَّعْن، وَلَو شهد على مُجَرّد الاقرار وَقد علم السَّبَب فَهُوَ أَيْضا مَلْعُون، وَيجب التَّحَرُّز عَن تحمل مثل هَذِه الشَّهَادَة، وَكَذَا كل إِقْرَار بناءه على حرَام.

قَوْله: (ورعاياهم) أَي رعايا الْعمَّال والنواب.

قَوْله: (لَا تقبل) لجهلهم وميلهم خوفًا مِنْهُ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَفِي شرح الْمَنْظُومَة: أَمِير كَبِير ادّعى فَشهد لَهُ عماله ودواوينه ونوابه ورعاياهم لَا تقبل اه.
قَالَ الرَّمْلِيّ: يُؤْخَذ مِنْهُ أَن شَهَادَة خُدَّامه الملازمين لَهُ كملازمة العَبْد لمَوْلَاهُ كَذَلِك لَا تقبل، وَهُوَ ظَاهر وَلَا سِيمَا فِي زَمَاننَا هَذَا.
تَأمل، وَقد أَفْتيت بِهِ مرَارًا، وَالله الْمُوفق للصَّوَاب، وَمثله فِي شَهَادَات جَامع الْفَتَاوَى بِصِيغَة أعوان الْحُكَّام والوكلاء على بَاب الْقُضَاة لَا تسمع شَهَادَتهم، لانهم ساعون فِي إبِْطَال حق الْمُسْتَحق وهم فساق.
وَالله تَعَالَى أعلم.
مطلب: الْجند إِذا كَانُوا يُحصونَ لَا تقبل شَهَادَتهم لامير وَإِلَّا تقبل وحد الاحصاء مائَة قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: شَهَادَة الْجند للامير لَا تقبل إِن كَانُوا يُحصونَ، وَإِن كَانُوا لَا يُحصونَ تقبل، نَص فِي الصيرفية فِي حد الاحصاء مائَة وَمَا دونه وَمَا زَاد عَلَيْهِ فَهَؤُلَاءِ لَا يُحصونَ.
كَذَا فِي جَوَاهِر الاخلاطي اه نَاقِلا عَن الْخُلَاصَة.

قَوْله: (كَشَهَادَة الْمزَارِع لرب الارض) فَإِنَّهَا لَا تقبل لفساد الزَّمَان اه، ذكره عبد الْبر، وَظَاهره: وَإِن كَانَت الشَّهَادَة تتَعَلَّق بالمزارعة ط.
قَالَ الرحمتي: قَيده فِي الْقنية فِيمَا إِذا كَانَ الْبذر من رب الارض.
وَوَجهه أَن وُجُوه الْمُزَارعَة
الْجَائِزَة ثَلَاثَة: أَن يكون الارض وَالْبذْر وَالْبَقر لوَاحِد وَالْعَمَل من الآخر، فَيكون الزَّرْع لصَاحب الْبذر وَيكون مَا يَأْخُذهُ الْعَامِل فِي مُقَابلَة عمله فَهُوَ أجِير خَاص فَلَا تقبل شَهَادَته لمستأجره.
وَكَذَا إِن كَانَ الارض وَالْبذْر لوَاحِد وَالْعلم وَالْبَقر لآخر فَيكون أَجِيرا بِمَا يَأْخُذهُ من الْمَشْرُوط وَالْبَقر تبع لَهُ آلَة للْعَمَل.
الثَّالِث أَن تكون الارض لوَاحِد وَالْبَاقِي لآخر فَيكون الْخَارِج لرب النّذر، وَمَا يَأْخُذهُ رب

(7/536)


الارض آجرة أرضه، والمزارع مُسْتَأْجر للارض بِمَا يَدْفَعهُ لصَاحِبهَا من الْمَشْرُوط.
وَمن اسْتَأْجر أَرضًا من آخر تصح شَهَادَته لَهُ، وَلَا تصح الْمُزَارعَة فِي غير هَذِه الْوُجُوه الثَّلَاثَة كَمَا حرر فِي بَابهَا.

قَوْله: (وَقيل أَرَادَ بالعمال) هَذَا مُمْكِنٌ فِي مِثْلِ عِبَارَةِ الْكَنْزِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ: إلَّا إذَا كَانُوا أَعْوَانًا إلَخْ.

قَوْله: (المحترفين) أَي وَالَّذين يؤجرون أنفسهم للْعَمَل، فَإِن بعض النَّاس رد شَهَادَة أهل الصناعات الخسيسة فأفردت هَذِه الْمَسْأَلَة على هَذَا الاظهار مخالفتهم، وَكَيف لَا وكسبهم أطيب المكاسب كَمَا فِي الْبَحْر.
قَالَ الرَّمْلِيّ: فَتحَرَّر أَن الْعبْرَة للعدالة لَا للحرفة، وَهَذَا الَّذِي يجب أَن يعوف عَلَيْهِ ويفتى بِهِ.
فَإنَّا نرى بعض أَصْحَاب الْحَرْف الدنيئة عِنْده من الدّين وَالتَّقوى مَا لَيْسَ عِنْد كثير من أَرْبَاب الوجاهة وَأَصْحَاب المناصب وَذَوي الْمَرَاتِب.
إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم.
اه.
فَيكون فِي إِيرَاد الشَّارِح هَذَا القَوْل رد على من رد شَهَادَة أهل الحرفة الْخَسِيسَةِ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا أَهْلُ الصِّنَاعَاتِ الدَّنِيئَةِ كَالْقَنَوَاتِيِّ وَالزَّبَّالِ وَالْحَائِكِ وَالْحَجَّامِ فَقِيلَ لَا تُقْبَلُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ قَدْ تَوَلَّاهَا قَوْمٌ صَالِحُونَ، فَمَا لَمْ يُعْلَمْ الْقَادِحُ لَا يبْنى على ظَاهر لصناعة، وَتَمَامه فِيهِ فَرَاجعه.

قَوْله: (وَهِي حِرْفَة آبَائِهِ وأجداده) ظَاهره أَنَّهَا إِذا كَانَت حرفتهم لَا تكون دنيئة وَلَو كَانَت دنيئة فِي ذَاتهَا وَهُوَ خلاف مَا يُعْطِيهِ الْكَلَام الْآتِي.

قَوْله: (وَإِلَّا فَلَا مُرُوءَة لَهُ) أَيْ بِأَنْ كَانَ أَبُوهُ تَاجِرًا وَاحْتَرَفَ هُوَ الحياكة أَو الحلافة وَغير ذَلِك.

قَوْله: (فَلَا شَهَادَة لَهُ) أَي لارتكابه الدناءة، وَفِيه نظر لانه مُخَالف لما دقدمه: يَعْنِي صَاحب الْبَحْر قَرِيبًا مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الصِّنَاعَةِ الدَّنِيئَةِ كَالزَّبَّالِ وَالْحَائِكِ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ إذَا كَانَ عَدْلًا فِي الصَّحِيح اه.

قَوْله: (لما عرف فِي حد الْعَدَالَة) قَالَ الْقُهسْتَانِيّ بعد قَول النقاية: وَمن اجْتنب الْكَبَائِر وَلم يصر على الصَّغَائِر وَغلب صَوَابه على خطئه مَا نَصه: كَانَ عَلَيْهِ أَن يزِيد
قيدا آخر: أَي فِي تَعْرِيف الْعَدَالَة، وَهُوَ أَن يجْتَنب الافعال الدَّالَّة على الدناءة وَعدم الْمُرُوءَة كالبول فِي الطَّرِيق اه.
وَهُوَ يَقْتَضِي رد شَهَادَة ذِي الصِّنَاعَة الرَّديئَة لخرم الْمُرُوءَة بهَا وَإِن لم تكن مَعْصِيّة، فَتَأمل ط.
وتحقيقه مَا نذكرهُ فِي المقولة الْآتِيَة.

قَوْلُهُ: (فَتْحٌ) لَمْ أَرَهُ فِي الْفَتْحِ، بَلْ ذكره فِي الْبَحْر بِصِيغَة يَنْبَغِي حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيد الْقبُول بِأَن تكون تِلْكَ الحرفة لَا ثِقَة بِهِ، بِأَن تكون حِرْفَةُ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ، وَإِلَّا فَلَا مُرُوءَةَ لَهُ إِذا كَانَت حِرْفَة دنيئة فَلَا شَهَادَة لَهُ لَهُ لما عرف فِي حد الْعَدَالَة اه.
قَالَ الرَّمْلِيّ: وَعِنْدِي فِي هَذَا التَّقْيِيد نظر يظْهر لمن نظر، فَتَأمل اه: أَيْ فِي التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ: بِحِرْفَةٍ لَائِقَةٍ إلَخْ.
قلت: وَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْعِبْرَةَ لِلْعَدَالَةِ لَا لِلْحِرْفَةِ، فكم من دنئ صناعَة أتقى مِنْ ذِي مَنْصِبٍ وَوَجَاهَةٍ.
عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَعْدِلُ عَنْ حِرْفَةِ أَبِيهِ إلَى أَدْنَى مِنْهَا إلَّا لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ أَوْ صُعُوبَتِهَا عَلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا عَلَّمَهُ إيَّاهَا أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ فِي صِغَرِهِ وَلَمْ يُتْقِنْ غَيْرَهَا، فَتَأَمَّلْ.
وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ هُوَ قَرِيبًا مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الصِّنَاعَةِ الدَّنِيئَةِ كَالزَّبَّالِ وَالْحَائِكِ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ إذَا كَانَ عَدْلًا فِي الصَّحِيحِ اه.
وقدمناه قَرِيبا.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَيُدْفَعُ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ عُدُولَهُ عَنْ حِرْفَةِ أَبِيهِ إلَى أَدْنَى مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْمُرُوءَةِ، وَإِنْ كَانَتْ حِرْفَةُ أَبِيهِ دَنِيئَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هُوَ كَذَلِكَ إنْ عَدَلَ بِلَا عذر.
تَأمل اه.
أَقُول: فَالْحَاصِل أَن الْمُعْتَبر الْعَدَالَة، وَلَا نظر إِلَى الحرفة إِلَّا إِذا عدل عَن حِرْفَة آبَائِهِ الشَّرِيفَة إِلَى

(7/537)


الحرفة الخسيسة إِذا كَانَ بِلَا دَاع إِلَيْهِ من عجز أَو عدم أَسبَاب أَو قلَّة يَد تقصر عَن حِرْفَة أَبِيه، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ أَبوهُ أَو وَصِيّه علمه فِي صغره هَذِه الحرفة الدنيئة فَكبر وَهُوَ لَا يعرف غَيرهَا.
أما إِذا كَانَ بِلَا دَاع فَيدل على رزالته وَعدم مروءته ومبالاته، هَذَا مِمَّا يسْقط الْعَدَالَة.
أما لَو كَانَ انْتِقَاله لَاحَدَّ هَذِه الاعذار الْمَذْكُور فَتقبل إِذا كَانَ عدلا وَلَا وَجه لرد شَهَادَته فَتعين مَا قُلْنَا.

قَوْله: (لَا تقبل من أعمى) فِي شئ من الْحُقُوق دينا أَو عينا، مَنْقُولًا أَو عقارا.
قُهُسْتَانِيّ.
وَالْعلَّة فِيهِ أَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بِالْإِشَارَةِ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلَا يُمَيِّزُ الْأَعْمَى إِلَّا بالنغمة فيخشى عَلَيْهِ التَّلْقِين من الْخصم، إِذْ النغمة تشبه النغمة.

قَوْله: (وَلَو قضى صَحَّ) أَي قَاضِي وَلَو حَنِيفا كَمَا يفِيدهُ إِطْلَاقه، أَو يحمل على
قَاض يرى قبُولهَا كمالكي ط.

قَوْله: (مَا لَو عمي بعد الاداء) لَان المُرَاد بِعَدَمِ قبُولهَا عدم الْقَضَاء بهَا، لَان قيام أهليتها شَرط وَقت الْقَضَاء لصيرورتها حجَّة عِنْده.

قَوْله: (وَمَا جَازَ بِالسَّمَاعِ) أَي كالنسب وَالْمَوْت، وَمَا تجوز الشَّهَادَة عَلَيْهِ بالشهرة والتسامع كَمَا فِي الْخُلَاصَة.

قَوْله: (خلافًا للثَّانِي) أَي فِيمَا لَوْ عَمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَمَا جَازَ بِالسَّمَاعِ كَمَا فِي فتح الْقَدِير.
ولزفر، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن الامام، وَاسْتظْهر قَول بالاول صدر الشَّرِيعَة فَقَالَ: وَقَوله أظره، لَكِنْ رَدَّهُ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ سَائِرِ الْكُتُبِ عَدَمُ أَظَهْرِيَّتِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ بِالثَّانِي فَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ أَيْضًا، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَرَدَّهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَاخْتِيَارَهُ.
نعم، قَالَ ط: وَجزم بِهِ فِي النّصاب من غير ذكر خلاف كَمَا فِي الْحَمَوِيّ اه.
أَقُول: وَهُوَ تَرْجِيح لَهُ، لَكِن عزاهُ فِي الْخُلَاصَة إِلَى النّصاب.
وَفِي النّصاب: لم يتَعَرَّض لحكاية الْخلاف.
وَفِي حَاشِيَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ على الْمنح عِنْد قَوْله وَدخل تَحْتَهُ مَا كَانَ طَرِيقه السماع خلافًا لابي يُوسُف كَمَا فِي فتح الْقَدِير.
أَقُول: عبارَة فتح الْقَدِير: وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يجوز فِيمَا طَرِيقه السماع، وَمَا لَا يَكْفِي فِيهِ السماع إِذا كَانَ بَصيرًا وَقت التَّحَمُّل أعمى عِنْد الاداء إِذا كَانَ يعرفهُ باسمه وَنسبه اه.
أَقُول: فَحق الْعبارَة: خلافًا لابي يُوسُف فِيمَا طَرِيقه السماع أَولا، ولزفر فِيمَا طَرِيقه السماع، وَقد تبع الشَّارِح شَيْخه فِي ذَلِك، فَإِن هَذِه عبارَة حرفا بِحرف، وَلَا يخفى مَا فِيهَا من إِيهَام اخْتِصَاص مَذْهَب أبي يُوسُف بِمَا طَرِيقه السماع وَلَيْسَ كَذَلِك.
وفى الْفَتْح:.
قيد فِي الذَّخِيرَة قَول أبي يُوسُف بِمَا إِذا كَانَت شَهَادَته فِي الدّين وَالْعَقار، أما فِي الْمَنْقُول فأجمع عُلَمَاؤُنَا أنهاا لاتقبل.
أَقُول: وفى الْحَقَائِق: وَقَالَ فِي العون: الْخلاف فِيمَا لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الاشارة وَفِي غير الْحُدُود.
وَقَالَ فِي الذَّخِيرَة: الْخلاف فِيمَا لَا تجوز الشَّهَادَة بالشهرة والتسامع، أما فِي خِلَافه تقبل شَهَادَة الاعمى فَلَا خلاف اه وَهَذَا مُخَالف لما فِي أَكثر الْكتب من أَنه لاتقبل شَهَادَته عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد فِيمَا طَرِيقه السماع أَو لَا، فَارْجِع إِلَى الشُّرُوح والفتاوى إنشئت.
قَالَ فِي صدر الشَّرِيعَة فِي مَسْأَلَة الاعمى: الْعَمى بعد الاداء قبل الْقَضَاء خلافًا لابي يُوسُف،
وَقَوله أظهر.
قَالَ أخى راده فِي حَاشِيَته: وَجه الاظهر إِن الْعَمى إِذا لم يكن مَانِعا عَن الاداء إِذا تحمل بَصيرًا عِنْد أبي يُوسُف، فَعدم كَونه مَانِعا عَن الْقَضَاء بعد أَدَائِهِ بَصيرًا يكون فِي غَايَة الظُّهُور عِنْدهمَا،

(7/538)


لانه لَا تَأْثِير فِي نفس قَضَاء القَاضِي للعمى الْعَارِض للشَّاهِد بعد أَدَائِهِ شَهَادَته اه.

قَوْله: (مُطلقًا) سَوَاء كَانَ فِيمَا يجْرِي فِيهِ التسامع أم لَا.
وَفِي الْبَحْر: وَلَا تقبل شَهَادَته سَوَاء كَانَت بالاشارة أَو بِالْكِتَابَةِ.

قَوْلُهُ: (بِالْأَوْلَى) لِأَنَّ فِي الْأَعْمَى إنَّمَا تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ فِي نِسْبَتِهِ.
وَهُنَا تَتَحَقَّقُ فِي نِسْبَتِهِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَدْرِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَأُمُورٍ أُخَرَ.
كَذَا فِي الْفَتْح، ولانه لَا عبارَة لَهُ أصلا، بِخِلَاف الاعمى.
وَفِي الْمَبْسُوط أَنه بِإِجْمَاع الْفُقَهَاء لَان لَفْظَة الشَّهَادَة لَا تتَحَقَّق.
وَتَمام الْكَلَام على ذَلِك فِي الْفَتْح.
تَنْبِيه: نصوا على أَن نعْمَة السّمع أفضل من نعْمَة الْبَصَر لعُمُوم مَنْفَعَتهَا فَإِنَّهُ يدْرك من كل الْجِهَات، بِخِلَاف الْبَصَر، ولانه لَا أنس فِي مجالسة أخرس، بِخِلَاف الاعمى، ولانه يدْرك التكاليف الشَّرْعِيَّة بِخِلَافِهِ ط.

قَوْله: (ومرتد) لَان الشَّهَادَة من بَاب الْولَايَة وَلَا ولَايَة لَهُ على أحد فَلَا تقبل شَهَادَته، وَلَو على كَافِر أَو مُرْتَد مثله فِي الاصح كَمَا قدمْنَاهُ موضحا.

قَوْله: (ومملوك) وَلَو مكَاتبا أَو مُدبرا أَو أم ولد إِذْ لَا ولَايَة لَهُ على نَفسه كَالصَّبِيِّ، فعلى غَيره أولى.
قَالَ فِي الْحَوَاشِي السعدية: الْوكَالَة ولَايَة كَمَا يعلم من أَوَائِل عزل الْوَكِيل، وَالْعَبْد مَحْجُورا كَانَ أَو مَأْذُونا تجوز وكَالَته، فَتَأمل فِي جَوَابه اه.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَمثله تَوْكِيل صبي يعقل.
وَقد يُقَال: ولايتهما فِي الْوكَالَة غير أَصْلِيَّة.
تَأمل.

قَوْله: (أَو مبعضا) أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن المُرَاد من الْمَمْلُوك من فِيهِ رق، وَإِلَّا فالمملوك لَا يتَنَاوَل الْمكَاتب والمبعض.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَالْمُعتق فِي الْمَرَض كالكاتب فِي زَمَنِ السِّعَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا: حر مديون اه.
أَقُول: وَالْمرَاد بِالْمرضِ مرض الْمَوْت، وَكَانَ الثُّلُث يضيق عَن يقمته وَلم تجزه الْوَرَثَة.
تَنْبِيهَاتٌ: مَاتَ عَنْ عَمٍّ وَأَمَتَيْنِ وَعَبْدَيْنِ فَأَعْتَقَهُمَا الْعم فشهدا ببنوة إِحْدَاهمَا بِعَينهَا للْمَيت: أَيْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا فِي صِحَّتِهِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ، لِأَنَّ فِي قَبُولِهَا ابْتِدَاءً بُطْلَانَهَا انْتِهَاءً، لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ كَمُكَاتَبٍ لَا
تُقْبَلُ شَهَادَته عِنْده لَا عِنْدهمَا لانه حر مديون وَلَو شهد أَنَّ الثَّانِيَةَ أُخْتُ الْمَيِّتِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ الْأُولَى أَوْ بَعْدَهَا أَوْ مَعَهَا لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّا لَوْ قَبِلْنَا لَصَارَتْ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ فَيَخْرُجُ الْعَمُّ عَنْ الْوِرَاثَةِ.
بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ.
أَقُولُ: هَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ وُجُودِ الشَّهَادَتَيْنِ، وَأَمَّا عِنْدَ سَبْقِ شَهَادَةِ الْأُخْتِيَّةِ فَالْعِلَّةُ فِيهَا هِيَ عِلَّةُ الْبِنْتِيَّةِ فَتَفَقَّهْ.
وَفِي الْمُحِيطِ: مَاتَ عَنْ أَخٍ لَا يُعْلَمُ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ فَقَالَ عَبْدَانِ مِنْ رَقِيقِ الْمَيِّتِ إنَّهُ أَعْتَقَنَا فِي صِحَّتِهِ وَإِنْ هَذَا الْآخَرَ ابْنُهُ فَصَدَّقَهُمَا الْأَخُ فِي ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ فِي دَعْوَى الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِمَا، بل هما عَبْدَانِ لِلْآخَرِ لِإِقْرَارِ الْأَخِ أَنَّهُ وَارِثٌ دُونَهُ فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُمَا فِي النَّسَبِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْآخَرِ أُنْثَى جَازَ شَهَادَتهمَا وَثَبت نسبهما، ويسعيان فِي نصف قيمتهَا لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ حَقَّهُ فِي نِصْفِ الْمِيرَاثِ فَصَحَّ بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا، إلَّا أَنَّ الْعِتْقَ فِي عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ فَتَجِبُ السِّعَايَةُ للشَّرِيك السَّاكِت.
وَأَقُول: عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى يَعْتِقَانِ كَمَا قَالَا، غَيْرَ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا بِالْبِنْتِيَّةِ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَته فتفقه.

(7/539)


مطلب: يبطل الْقَضَاء بِظُهُور الشُّهُود عبيدا فَائِدَةٌ: قَضَى بِشَهَادَةٍ فَظَهَرُوا عَبِيدًا تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ، فَلَوْ قَضَى بِوَكَالَةٍ بِبَيِّنَةٍ وَأَخَذَ مَا عَلَى النَّاس من الدُّيُون ثمَّ وجدوا عبيدا لمن تَبْرَأْ الْغُرَمَاءُ، وَلَوْ كَانَ بِمِثْلِهِ فِي وِصَايَةٍ بَرِئُوا لِأَنَّ قَبْضَهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْإِيصَاءُ كَإِذْنِهِ لَهُمْ فِي الدَّفْعِ إلَى أَمِينه، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ إذْ لَا يَمْلِكُ الْإِذْنَ لِغَرِيمٍ فِي دَفْعِ دَيْنِ الْحَيِّ لِغَيْرِهِ، قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: فَعَلَى هَذَا مَا يَقَعُ الْآنَ كَثِيرًا مِنْ تَوْلِيَةِ شَخْصٍ نَظَرَ وَقْفٍ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ مِثْلِهِ مِنْ قَبْضٍ وَصَرْفٍ وَشِرَاءٍ وَبَيْعٍ ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّهُ بِغَيْرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ أَوْ أَنَّ إنْهَاءَهُ بَاطِلٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِإِذْنِ الْقَاضِي كَالْوَصِيِّ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
قُلْت: وَتَقَدَّمَ فِي الْوَقْف مَا يُؤَيّدهُ اه.

قَوْله: (وَصبي) مُطلقًا لعدم الْولَايَة كالمملوك، وَقدمنَا أَن الصَّبِي إِذا بلغ فَشهد فَإِنَّهُ لَا بُد من التَّزْكِيَة، وَكَذَا الْكَافِر إِذا أسلم، وَإِن الْكَافِر إِذا عدل فِي كفره
لشهادة ثمَّ أسلم فَشهد فَإِنَّهُ يَكْفِي التَّعْدِيل الاول، وَأَن الْفرق بَين الصَّبِي وَالْكَافِر هُوَ أَن الْكَافِر كَانَ لَهُ شَهَادَةٌ مَقْبُولَةٌ قَبْلَ إسْلَامِهِ بِخِلَافِ الصَّبِي.

قَوْله: (ومغفل) قَالَ مُحَمَّد فِي رجل عجمي صوام قوام مُغفل يخْشَى عَلَيْهِ أَن يلقن فَيَأْخُذ بِهِ، قَالَ: هَذَا شَرّ من الْفَاسِق فِي الشَّهَادَة.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّا نَرُدُّ شَهَادَة أَقوام نرجو شفاعتهم يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
مَعْنَاهُ: أَنَّ شَهَادَةَ الْمُغَفَّلِ وَأَمْثَالِهِ لَا تقبل وَإِن كَانَ عدلا صَالحا.
تاترخانية.
وَفِي الْبَحْر: وَعَن أبي يُوسُف: أُجِيز شَهَادَة الْمُغَفَّل وَلَا أُجِيز تعديله، لَان التَّعْدِيل يحْتَاج فِيهِ إِلَى الرَّأْي وَالتَّدْبِير والمغفل لَا يستقصي فِي ذَلِك اه.
وَفِي مؤيد زَاده: وَمن اشتدت غفلته لَا تقبل شَهَادَته.

قَوْله: (وَمَجْنُون إِلَّا فِي حَالِ صِحَّتِهِ) أَيْ وَقْتَ كَوْنِهِ صَاحِيًا.
قَالَ فِي الْمُحِيط: وَمن يجن سَاعَة ويفيف أُخْرَى فَشهد فِي حَال صِحَّته تقبل لَان ذَلِك بِمَنْزِلَة الاغماء، وَقدر بعض مَشَايِخنَا جُنُونه بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ، فَإِذا شهد بعدهمَا وَكَانَ صَاحِيًا تقبل اه.
وَقد علم أَن قَوْله إِلَّا فِي حَال صِحَّته اسْتثِْنَاء من مَجْنُون.

قَوْله: (إِلَّا أَن يتحملا) أَي الْمَمْلُوك وَالصَّبِيّ.

قَوْله: (والتمييز) إِنَّمَا عدل عَن قَول حَافظ الدّين والصغر، لَان التَّحَمُّل بالضبط وَهُوَ إِنَّمَا يحصل بالتمييز إِذْ لَا ضبط قبله.
قَالَ فَخر الاسلام: إِن الصَّبِي أَو حَاله كَالْمَجْنُونِ: يَعْنِي إِذا كَانَ عديم الْعقل والتمييز، وَأما إِذا عقل فَهُوَ وَالْمَعْتُوه الْعَاقِل سَوَاء فِي كل الاحكام.
أَفَادَهُ المُصَنّف.

قَوْله: (وأديا بعد الْحُرِّيَّة) أَي النافذة، فَلَو أعتق عَبده فِي مرض مَوته وَلَا مَال لَهُ غَيره ثمَّ شهد لَا تقبل عِنْد الامام لَان عتقه مَوْقُوف.
بَحر.

قَوْله: (كَمَا مر) فِي قَوْله: وعتيق لمعتقه.

قَوْله: (وَبعد الْبلُوغ) لَان الصَّبِي وَالرَّقِيق والمملوك أهل للتحمل، لَان التَّحَمُّل بِالشَّهَادَةِ وَالسَّمَاع وَيبقى إِلَى وَقت الاداء بالضبط وهما لَا ينافيان ذَلِك وهما أهل عِنْد الاداء، وَأطْلقهُ فَشَمَلَ مَا إِذا لم يؤدها إِلَّا بعد الاهلية، وأداها قبلهَا فَردَّتْ ثمَّ زَالَت الْعلَّة فأداها ثَانِيًا.

قَوْله: (وَكَذَا بعد إبصار) أَي بِشَرْطِ أَنْ يَتَحَمَّلَ وَهُوَ بَصِيرٌ أَيْضًا، بِأَنْ كَانَ بَصيرًا فَتحمل ثمَّ عمي ثمَّ أبْصر فَأدى فَافْهَم.
قَالَه سَيِّدي الْوَالِد.
وَعبارَة الشَّارِح توهم أَنه إِذا تحمل أعمى وَأدّى بَصيرًا أَنَّهَا تقبل، وَلَيْسَ كَذَلِك لما تقدم من أَن شَرط التَّحَمُّل الْبَصَر، فَتعين مَا قَالَه سَيِّدي الْوَالِد.

قَوْله: (والاسلام) قَالَ فِي الْبَحْر: وَأَشَارَ إِلَى أَن الْكَافِر إِذا تحملهَا على مُسلم ثمَّ أسلم فأداها

(7/540)


تقبل كَمَا فِي فتح الْقَدِير.

قَوْله: (وتوبة فسق) أَي بِأَن تحمل فَاسِقًا فَأدى بعد تَوْبَة فَإِنَّهَا تقبل.
وَالصَّحِيح أَن تَقْدِير الْمدَّة فِي التَّوْبَة مفوض إِلَى رأى الْمعدل وَالْقَاضِي كَمَا قدمْنَاهُ، احْتَرز بتوبة الْفسق عَن تَوْبَة الْقَذْف كَمَا يَأْتِي قَرِيبا.

قَوْله: (وَطَلَاق زَوْجَة) يَعْنِي إِذا تحمل وَهُوَ زوج وَأدّى بعد زَوَال الوزجية حَقِيقَة وَحكما: أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ حُكِمَ بِرَدِّهَا لِمَا يَأْتِي قَرِيبًا.

قَوْلُهُ: (وَفِي الْبَحْرِ) أَيْ عَنْ الْخُلَاصَة.

قَوْله: (برده) أَي الشَّاهِد.

قَوْله: (فَشهد بهَا) أَي بِتِلْكَ الْحَادِثَة، أما فِي غَيرهَا فَلَا مَانع.

قَوْله: (لم تقبل) أَي الشَّهَادَة.

قَوْله: (إِلَّا أَرْبَعَة الخ) فَعَلَى هَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ وَالْأَجِيرِ والمغفل وَالْمُتَّهَم وَالْفَاسِق بعد ردهَا اه.
بَحر.
وَفِيه أَيْضًا قَبْلَ هَذَا الْبَابِ: اعْلَمْ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَرْدُودِ لِتُهْمَةٍ وَبَيْنَ الْمَرْدُودِ لِشُبْهَةٍ، فَالثَّانِي يُقْبَلُ عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي النَّوَازِلِ اه.
وَأطلق عدم الْقبُول فشمله وَلَو من قَاض آخر.
قَالَ الوبري: من رد الْحَاكِم شَهَادَته فِي حَادِثَة لَا يجوز لحَاكم آخر أَن يقبله فِي تِلْكَ الْحَادِثَة وَإِن اعتقده عدلا.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: أَمَّا مَا سِوَى الْأَعْمَى فَظَاهِرٌ، لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَيْسَتْ شَهَادَةً، وَأَمَّا الْأَعْمَى فَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ.
ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: اسْتشْكل قبُول شَهَادَة الاعمى اه.
أَقُول: وَيُمكن أَن يُقَال بِأَن الْفرق ظَاهر بَينهمَا، وَهُوَ أَن الاعمى لَيْسَ أَهلا للشَّهَادَة مُطلقًا كَالْعَبْدِ وَالصَّبِيّ، وَأما الزَّوْج فَأهل لَهَا لَكِن عدم ققبولها لتهمته.
تَأمل.
وَيَأْتِي قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْله: (عبد الخ) وَجه الْقبُول فِيهَا بعد الرَّد أَن الْمَرْدُود أَولا لَيْسَ بِشَهَادَة، بِخِلَاف الْفَاسِق إِذا ردَّتْ شَهَادَته، أحد الزَّوْجَيْنِ إِذا ردَّتْ شَهَادَته ثمَّ شهد، لَا تقبل لَان لمردود أَولا شَهَادَة فَيكون فِي قبُولهَا بعض نقض قَضَاء قد أمضى بِالِاجْتِهَادِ.
وَقَوله: (وأعمى) يحمل على مَا إِذا تحمل بَصيرًا وَأدّى كَذَلِك وَقد تخَلّل الْعَمى بَينهمَا، وَعَلِيهِ يحمل قَوْله: وَكَذَا بعد إبصار السَّابِق كَمَا نَقَلْنَاهُ عَن سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.

قَوْله: (وَإِدْخَال الْكَمَال) مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي صَدْرِ عِبَارَتِهِ بِخِلَافِهِ، وَمثله فِي التاترخانية
والجوهرة والبدائع.
قَالَ فِي خزانَة الْمُفْتِينَ: وَمن ردَّتْ شَهَادَته لعِلَّة ثمَّ زَالَت الْعلَّة لَا تقبل إِلَّا فِي خَمْسَة مَوَاضِع، إِلَى أَن قَالَ: الْخَامِسَة إِذا تحمل الْمَمْلُوك شَهَادَة لمَوْلَاهُ فَلم يؤد حَتَّى عتق ثمَّ شهد بهَا تقبل، وَكَذَا الزَّوْج إِذا أبان امْرَأَته ثمَّ شهد لَهَا جَازَ، فَظَاهر جعله من المستثنيات يُؤَيّد كَلَام الْكَمَال، وتصويره لَا يساعده لانه قَالَ لم يؤد حَتَّى عتق فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا ردَّتْ لذَلِك ثمَّ شهد بهَا.
وَقَالَ: إِذا أبان امْرَأَته ثمَّ شهد لَهَا وَلم يذكر أَنَّهَا ردَّتْ قبل الابانة كَمَا نذْكر تَصْوِيره قَرِيبا عَن الْجَوْهَرَة والبدائع إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فَتَأمل.

قَوْلُهُ: (سَهْوٌ) لِأَنَّ الزَّوْجَ لَهُ شَهَادَةٌ وَقَدْ حكم بردهَا بِخِلَاف العَبْد وَنَحْوه.
تَأمل.
وَالْعجب أَنه ذكر أَولا أَنَّهَا لَا تقبل، كَمَا لَو ردَّتْ لفسق ثمَّ تَابَ ثمَّ قَالَ فَصَارَ الْحَاصِل الخ فَذكر أحد الزَّوْجَيْنِ مَعَ من يقبل، فَالظَّاهِر أَنه سبق قلم لمُخَالفَته صدر كَلَامه، وَلما صرح بِهِ فِي التَّتارْخَانِيَّة

(7/541)


وَالْخُلَاصَة: لَا تقبل إِلَّا فِي أَرْبَعَة، وَلما فِي الْجَوْهَرَة: إِذا شهد الزَّوْج الْحر لزوجته فَردَّتْ ثمَّ أَبَانهَا وَتَزَوَّجت غَيره ثمَّ شهد لَهَا بتلكا الشَّهَادَة لم تقبل لجَوَاز أَن يكون توصل بِطَلَاقِهَا إِلَى تَصْحِيح شَهَادَته، وَكَذَا إِذا شهِدت لزَوجهَا ثمَّ أَبَانهَا ثمَّ شهِدت لَهُ اه.
وَلما فِي الْبَدَائِع: لَو شهد الْفَاسِق فَردَّتْ أَو أحد الزَّوْجَيْنِ لصَاحبه فَردَّتْ ثمَّ شَهدا بعد التَّوْبَة والبينونة لَا تقبل.
وَلَو شهد العَبْد أَو الصَّبِي أَو الْكَافِر فَردَّتْ ثمَّ عتق وَبلغ وَأسلم وَشهد فِي تِلْكَ الْحَادِثَة بِعَينهَا تقبل.
وَوجه الْفرق أَن الْفَاسِق وَالزَّوْج لَهما شَهَادَة فِي الْجُمْلَة فَإِذا ردَّتْ لَا تقبل بعد، بِخِلَاف الصَّبِي وَالْعَبْد وَالْكَافِر إِذْ لَا شَهَادَة لَهُم أصلا اه.
كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة.
وفيهَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: لَو شهد الْمولى لعَبْدِهِ فِي النِّكَاح فَردَّتْ ثمَّ شهد لَهُ بذلك بعد الْعتْق لم يجز، لَان الْمَرْدُود كَانَ شَهَادَة.
ثمَّ قَالَ: وَالصَّبِيّ أَو الْمكَاتب إِذا شهد فَردَّتْ ثمَّ شَهِدَهَا بعد الْبلُوغ وَالْعِتْق جَازَ، لَان الْمَرْدُود لم يكن شَهَادَة بِدَلِيل أَن قَاضِيا لَو قضى بِهِ لَا يجوز.
فَإِذا عرفت يسهل عَلَيْك تَخْرِيج الْمسَائِل أَن الْمَرْدُود لَو كَانَ شَهَادَة لَا تجوز بعد ذَلِك أبدا، وَلَو لم يكن شَهَادَة تقبل عِنْد اجْتِمَاع الشَّرَائِط اه.
وَلَكِن يشكل عَلَيْهِ شَهَادَة الاعمى، إِذْ لَو قضى بهَا جَازَ فَهِيَ شَهَادَة وَقد حكم
بقبولها بِزَوَال الْعَمى.

قَوْله: (ومحدود فِي قذف) أَي بِسَبَبِهِ، وَقيد بِهِ لَان الرَّد فِي غَيره للفسق وَقد ارْتَفع بِالتَّوْبَةِ.
وَأما فِيهِ فلَان عدم قبُول شَهَادَتهم من تَمام الْحَد وَالْحَد لَا يَزُول بِالتَّوْبَةِ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن الشَّهَادَة لَا ترد بِالْقَذْفِ مُؤَبَّدًا بل بِالْحَدِّ.

قَوْله: (تَمام الْحَد) أَي لَا تسْقط شَهَادَته مَا لم يضْرب تَمام الْحَد، لَان الْحَد لَا يتَجَزَّأ فَمَا دونه لَا يكون حدا وَهُوَ صَرِيح الْمَبْسُوط، لَان الْمَحْدُود من ضرب الْحَد: أَي تَمامًا، لَان مَا دونه يكون تعزيرا غير مسْقط لَهَا وَهُوَ ظَاهر الرِّوَايَة.

قَوْله: (وَقيل بالاكثر) كَمَا هُوَ رِوَايَة، وَقد علمت أَن ظَاهر الرِّوَايَة تَمَامه، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيط لَان الْمُطلق يحمل على الْكَمَال.
وَفِي رِوَايَة: وَلَو بِسَوْط كَمَا فِي المنبع، وَلَا فرق فِي عدم إِتْمَامه بَين أَن يكون ضرب نَاقِصا أَو فر قبل إِتْمَامه، لانه لَيْسَ بِحَدّ حِينَئِذٍ.

قَوْله: (وَإِن تَابَ) إِن وصلية: أَي لَا تقبل شَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف وَإِن تَابَ.

قَوْله: (بتكذيبه نَفسه) الْبَاء للسَّبَبِيَّة: أَي بِسَبَب تَكْذِيبه نَفسه لَان تَكْذِيبه نَاشِئ عَن كذبه وَكذبه ذَنْب يَقْتَضِي التَّوْبَة، فَلَيْسَ التَّكْذِيب تَوْبَة لصِحَّة الشَّهَادَة، وَيُمكن أَن تكون الْبَاء للتصوير، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة فَرَاجعهَا وَتَأمل.

قَوْله: (لَان الرَّد) أَي رد شَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف.

قَوْله: (من تَمام الْحَد بِالنَّصِّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: * (وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا) * (النُّور: 4) وَوجه الِاسْتِدْلَال أَن الله تَعَالَى نَص على الابد وَهُوَ مَا لَا نِهَايَة لَهُ، والتنصيص عَلَيْهِ يُنَافِي الْقبُول فِي وَقت مَا، وَأَن معنى قَوْله لَهُم للمحددين فِي الْقَذْف وبالتوبة لم يخرج عَن كَونه محدودا فِي قذف، ولانه يَعْنِي رد الشَّهَادَة من تَمام الْحَد لكَونه مَانِعا عَن الْقَذْف كالجلد وَالْحَد وَهُوَ الاصل فَيبقى بعد التَّوْبَة لعدم سُقُوطه بهَا، فَكَذَا تَتِمَّة اعْتِبَارا لَهُ بالاصل كَمَا فِي الْعِنَايَة.
وَفِي الْعَيْنِيّ على الْهِدَايَة: وَإِنَّمَا كَانَ رد الشَّهَادَة من تَمام الْحَد: أَي لكَون تَمام الْحَد مَانِعا: أَي عَن الْقَذْف لكَونه زاجرا لانه يؤلم قلبه كالجلد يؤلم بدنه، ولان الْمَقْصُود مِنْهُ رفع الْعَار عَن الْمَقْذُوف وَذَلِكَ فِي إهدار قَول الْقَاذِف أظهر، لانه بِالْقَذْفِ آذَى قلبه فَجَزَاؤُهُ أَن لَا تقبل شَهَادَته.
لانه فعل لِسَانه وفَاقا لجريمته فَيكون من تَمام الْحَد فَيبقى: أَي الرَّد بعد التَّوْبَة كَأَصْلِهِ: أَي كأصل الْحَد اعْتِبَارا بالاصل اه.

(7/542)


قَوْله: (وَالِاسْتِثْنَاء منصرف لما يَلِيهِ) أَي قَوْله تَعَالَى: * (إِلَّا الَّذين تَابُوا) * (النُّور: 5) رَاجع إِلَى قَوْله:
* (وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ) النُّور: 4) لقَوْله: * (وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا) * بِخِلَاف آيَة الْمُحَاربين، فَإِن قَوْله تَعَالَى: * (إِلَّا الَّذين تَابُوا) * (النُّور: 5) رَاجع إِلَى الْحَد لَا لقَوْله: * (وَلَهُم عَذَاب عَظِيم) * لانه لَو رَجَعَ إِلَيْهِ لما قيد الِاسْتِثْنَاء بقبل الْقُدْرَة، لَان التَّوْبَة نافعة مُطلقًا، ففائدة التَّقْيِيد بِهِ سُقُوط الْحَد بِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: تقبل، لقَوْله تَعَالَى: * (وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا وَأُولَئِكَ هم الافاسقون إِلَّا الَّذين تَابُوا) * (النُّور: 4 - 5) فَإِن الِاسْتِثْنَاء إِذا تعقب جملا بَعْضهَا مَعْطُوف على الْبَعْض ينْصَرف إِلَى الْكل كَقَوْل الْقَائِل: مرأته طَالِق وَعَبده حر وَعَلِيهِ حجَّة إِلَّا أَن يدْخل الدَّار، فَإِن الِاسْتِثْنَاء ينْصَرف إِلَى جَمِيع مَا تقدم، لَان هَذَا افتراء على عبد من عبيد الله تَعَالَى، والافتراء على الله تَعَالَى وَهُوَ الْكفْر لَا يُوجب رد الشَّهَادَة على التَّأْبِيد، بل إِذا أسلم يقبل فَهَذَا أولى.
وَلنَا أَن قَوْله تَعَالَى: * (وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا) * (النُّور: 4) مَعْطُوف على قَوْله * (فَاجْلِدُوهُمْ) * (النُّور: 4) والعطف للاشتراك فَيكون رد الشَّهَادَة من حد الْقَذْف وَالْحَد لَا يرْتَفع بِالتَّوْبَةِ.
وَلَا نسلم أَن الِاسْتِثْنَاء فِي الْآيَة تعقب جملا بَعْضهَا مَعْطُوف على بعض، بل تعقب جملَة مُنْقَطِعَة عَن جمل بَعْضهَا مَعْطُوف على بعض، لانه يعقب جملَة * (أُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ) * (النُّور: 4) وَهِي جملَة مستأنفة لَان مَا قبلهَا أَمر وَنهي فَلم يحسن عطفها عَلَيْهِ، بِخِلَاف الْمِثَال فَإِن الْجمل كلهَا فِيهِ إنشائية معطوفة فَيتَوَقَّف كلهَا على آخرهَا، حَتَّى إِذا وجد الْغَيْر فِي الاخير تغير الْكل، وَالْقِيَاس على الْكفْر مُمْتَنع لفقط شَرطه، وَهُوَ أَن لَا يكون فِي الْفَرْع نَص يُمكن الْعَمَل بِهِ، وَهَا هُنَا نَص وَهُوَ التَّأْبِيد.
شمني.
وَفِي الْعِنَايَة: وَلَا يُمكن صرف الِاسْتِثْنَاء إِلَى الْجَمِيع لانه منصرف إِلَى مَا يَلِيهِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: * (وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ) * (النُّور: 4) وَهُوَ لَيْسَ بمعطوف على مَا قبله، لَان مَا قبله طلبي وَهُوَ إخباري.
فَإِن قلت: فَجعله بِمَعْنى الطّلب ليَصِح كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: * (وبالوالدين إحسانا) * (الاسراء: 23) قلت: يأباه ضمير الْفَصْل، فَإِنَّهُ يُفِيد حصر أحد المسندين فِي الآخر وَهُوَ يُؤَكد الاخبارية.
سلمناه لَكِن يلْزم جعل الْكَلِمَات المتعددة كالكلمة الْوَاحِدَة وَهُوَ خلاف الاصل.
سلمناه لكنه كَانَ إِذا ذَاك جَزَاء فَلَا يرْتَفع بِالتَّوْبَةِ كأصل الْحَد وَهُوَ تنَاقض ظَاهر.
سلمناه لكنه كَانَ أبدا مجَازًا عَن مُدَّة غير متطاولة وَلَيْسَ بمعهود.
سلمناه لَكِن جعله لَيْسَ بِأولى من جعل الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا بل جعله مُنْقَطِعًا أولى دفعا
للمحذورات، وَتَمام الصُّور على هَذَا الْبَحْث يَقْتَضِي مطالعة تقريرنا فِي تقريرنا فِي الاستدلالات الْفَاسِدَة اه.

قَوْله: (إلَّا أَنْ يُحَدَّ كَافِرًا فِي الْقَذْفِ فَيُسْلِمَ فَتُقْبَلُ) لِأَنَّ لِلْكَافِرِ شَهَادَةً فَكَانَ رَدُّهَا مِنْ تَمام الْحَد، وبالاسلام حدثت شَهَادَة أُخْرَى فَتقبل على الْمُسلمين والذميين.

قَوْله: (بعد الاسلام) قَالَ فِي الْبَحْر: وضع هَذِه الْمَسْأَلَة يدل على أَن الاسلام لَا يسْقط حد الْقَذْف، وَهل يسْقط شَيْئا من الْحُدُود؟ قَالَ الشَّيْخ عمر قَارِئ الْهِدَايَة: إِذا سرق الذِّمِّيّ أَو زنى ثمَّ أسلم، فَإِن ثَبت عَلَيْهِ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُدْرَأُ عَنهُ الْحَد، وَإِن ثَبت بِشَهَادَة أهل الذِّمَّة فَأسلم سقط عَنهُ الْحَد اه.
وَيَنْبَغِي أَن يُقَال كَذَلِك فِي حد الْقَذْف.
وَفِي الْيَتِيمَةِ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ، وَلم أر حكم

(7/543)


الصَّبِيِّ إذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ لِلتَّأْدِيبِ فَبَلَغَ.
وَنقل الْفَخر الرَّازِيّ عَن الشَّافِعِي سُقُوطَهُ لِزَجْرِهِ بِالْبُلُوغِ، وَمُقْتَضَى مَا فِي الْيَتِيمَةِ أَنه لَا يسْقط إِلَّا أَن يُوجد نقل صَرِيح اه.

قَوْلُهُ: (عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَظَاهر كَلَام المُصَنّف أَنه أسلم بعد مَا ضرب تَمام الْحَد، فَلَو أسلم بعد مَا ضرب بعضه فَضرب الْبَاقِي بعد إِسْلَامه فَفِيهِ ثَلَاث رِوَايَات: فِي ظَاهر الرِّوَايَة لَا تبطل شَهَادَته على التَّأْبِيد، فَإِذا تَابَ قبلت.
وَفِي رِوَايَة: تبطل إِن ضرب الاكثر بعد إِسْلَامه.
وَفِي رِوَايَة: تبطل وَلَو بِسَوْط.
بَحر عَن السراج: أَي لانه لم يُوجد فِي حَقه مَا ترد بِهِ شَهَادَته الَّتِي تقبل مِنْهُ فِي كفره وَلَا الَّتِي تقبل مِنْهُ فِي إِسْلَامه.
لانه فِي حَال كفره لم يقم عَلَيْهِ تَمام الْحَد وَلَا ترد الشَّهَادَة إِلَّا بذلك.
وَفِي الاسلام لم يقم عَلَيْهِ تَمام أَيْضا فَلم تسْقط شَهَادَته.

قَوْله: (بِخِلَاف عبد حد فَعتق لَمْ تُقْبَلْ) لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا فِي حَال رقّه فتوقف الرَّد عَلَى حُدُوثِهَا، فَإِذَا حَدَثَتْ كَانَ رَدُّ شَهَادَتِهِ بعد الْعتْق من تَمام الْحَد.
وَالْفرق بَينه وَبَين الْكَافِر هُوَ أَن الْكَافِر فِي حَال كفره لَهُ شَهَادَة، فَإِذا حد للقذف سَقَطت تِلْكَ الشَّهَادَة فَإِذا أسلم فقد اسْتَفَادَ بالاسلام بعد الْحَد شَهَادَة فَلم يخلفها رد، بِخِلَاف العَبْد إِذا حد ثمَّ أعتق حَيْثُ لَا تقبل شَهَادَته لانه لم يكن لَهُ شَهَادَة على أحد وَقت الْجلد فَلم يتم الرَّد إِلَّا بعد الاعتاق.

قَوْله: (على زِنَاهُ) أَي الْمَقْذُوف:
قَوْله: (أَو اثْنَيْنِ) أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ.
منح.

قَوْله: (كَمَا لَو برهن قبل
الْحَد بَحر) وَنَصه: لانه لَو أَقَامَ أَرْبَعَة بعد مَا حد على أَنه زنى قبلت شَهَادَته بعد التَّوْبَة فِي الصَّحِيح، لانه لَو أَقَامَهَا قبل لم يحد فَكَذَا لَا ترد شَهَادَته، وَإِنَّمَا قيد بقوله على أَنه زنى، لانه لَو أَقَامَ بَيِّنَة على إِقْرَار الْمَقْذُوف بِالزِّنَا لَا يشْتَرط أَن يَكُونُوا أَرْبَعَة، لما فِي فتح الْقَدِير من بَاب حد الْقَذْف: فَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى إِقْرَار الْمَقْذُوف بِالزِّنَا يدْرَأ الْحَد عَن الْقَاذِف، لَان الثَّابِت بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بالمعاينة الخ، فَكَذَا إِذا أَقَامَ رجلَيْنِ بعد حَده على إِقْرَاره بِالزِّنَا تعود شَهَادَته كَمَا لَا يخفى.
ثمَّ اعْلَم أَن الضَّمِير فِي قَوْله لَهُم عندنَا عَائِد إِلَى المحدودين.
وَعند الشَّافِعِي إِلَى القاذفين العاجزين عَن الاثبات كَمَا ذكره الْفَخر الرَّازِيّ، فَلَو لم يحد تقبل شَهَادَته عندنَا خلافًا لَهُ، وَلَو قذف رجلا ثمَّ شهد مَعَ ثَلَاثَة على أَنه زنى: فَإِن كَانَ حد لم يحد الْمَشْهُود عَلَيْهِ، وَإِن لم يحد الْقَاذِف حد الْمَشْهُود عَلَيْهِ.
كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّة اه.

قَوْله: (الْفَاسِق إِذا تَابَ تقبل شَهَادَته) قدمنَا أَن الْفَاسِقُ إذَا تَابَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَانٌ يُظْهِرُ أَثَرَ التَّوْبَةِ عَلَيْهِ، وَأَن بَعضهم قدر ذك بِسِتَّة أشهر وَبَعْضهمْ قدر بِسنة، وَأَن الصَّحِيح أَنه مفوض إِلَى رَأْي القَاضِي والمعدل، فَرَاجعه.

قَوْله: (وَالْمَعْرُوف بِالْكَذِبِ) أَي الْمَشْهُور بِهِ، فَلَا تقبل شَهَادَته فَإِنَّهُ لَا يعرف صدقه متوبته، بِخِلَاف الْفَاسِق إِذا تَابَ عَن سَائِر أَنْوَاع الْفسق فَإِن شَهَادَته تقبل.
بَحر عَن الْبَدَائِع.

قَوْله: (وَشَاهد الزُّور الخ) قَالَ ط: صَنِيعه يَقْتَضِي أَنه ذكر ذَلِك فِي الْبَحْر، وَقد اقْتصر فِيهِ على الاولين، فَلَو قَالَ وَفِي الْمُلْتَقط وسَاق الْعبارَة لَكَانَ أولى اه.
أَقُول: نعم ذكره فِي الْبَحْر فِي هَذَا الْبَاب عِنْد قَول الْكَنْز: وَمن ألم بصغيرة إِن اجْتنب الْكَبَائِر، وَقدمنَا عِبَارَته فِي هَذَا الْبَاب عِنْد قَوْله: وَمَتى ارْتكب كَبِيرَة سَقَطت عَدَالَته.

قَوْله: (لَو عدلا لَا تقبل

(7/544)


أبدا) لانه لَا تعرف تَوْبَته وَلَا تعتمد عَدَالَته: أَي من غير ضرب مُدَّة كَمَا فِي الْبَحْر عَن الْخُلَاصَةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَالْأَقْلَفُ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: الْمَعْرُوفُ بِالْعَدَالَةِ إذَا شَهِدَ بِزُورٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا لِأَنَّهُ لَا تعرف تَوْبَته، وَقيد بِالْعَدْلِ لَان غير الْعدْل إِذا شهد بزور ثمَّ تَابَ تقبل شَهَادَته كَمَا قدمْنَاهُ.

قَوْله: (لَكِن سيجئ تَرْجِيح قبُولهَا) أَي قبيل بَاب الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة.
قَالَ فِي الْخَانِية: تقبل وَعَلَيْهِ
الِاعْتِمَادُ، وَجُعِلَ الْأَوَّلُ رِوَايَةً عَنْ الثَّانِي.
وَرَوَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ تُقْبَلُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَاد، وَكَلَام الشَّارِح فِيمَا يَأْتِي: أَي قبيل بَاب الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ عَنْ أَبِي يُوسُف أَيْضا.
تَأمل.

قَوْله: (ومسجون) وَلَو تعدد، وَلذَا عبر فِي الدُّرَر: يشْهد بَعضهم على بعض، وَالتَّعْلِيل يفِيدهُ.
قَالَ فِي الْمنح: يَعْنِي إِذا حدث بَين أهل السجْن حَادِثَة فِي السجْن وَأَرَادَ بَعضهم أَن يشْهد فِي تِلْكَ الْحَادِثَة لم تقبل لكَوْنهم متهمين.
كَذَا فِي الْجَامِع الْكَبِير وَمثله فِي الْبَزَّازِيَّة اه.

قَوْله: (وَكَذَا لَا تقبل شَهَادَة الصّبيان) ظَاهر عبارَة المُصَنّف: وَعبارَة الصُّغْرَى يُفِيد أَنَّهَا لَا تقبل شَهَادَة الْبَالِغ الَّذِي حضر الملاعب لفسقه بالحضور.

قَوْله: (لمنع الشَّرْع عَمَّا يسْتَحق بِهِ السجْن) لَان الْعدْل لَا يحضر السجْن.
والبالغ لَا يحضر ملاعب الصّبيان وَالرِّجَال لَا تحضر حمام النِّسَاء، وَالشَّرْع شرع لذَلِك طَرِيقا آخر وَهُوَ الِامْتِنَاع عَن حُضُور الملاعب وَعَما يسْتَحق بِهِ الدُّخُول فِي السجْن، وَمنع النِّسَاء عَن الحمامات، فَإِذا لم يمتثلوا كَانَ التَّقْصِير مُضَافا إِلَيْهِم لَا إِلَى الشَّرْع اه.
وَقد تقدم الْكَلَام على أَنه قد يسجن الشَّخْص من غير جرم، وَالْمَنْع إِنَّمَا يظْهر فِي حق المسجون، وَالنِّسَاء فِي الْحمام لَا فِي الصّبيان لعدم تكليفهم.
ذكر فِي إِجَارَة المنبع معزيا إِلَى الْمَبْسُوط أَن عِنْد أَكثر الْعلمَاء والمجتهدين لَا بَأْس باتخاذ الْحمام للرِّجَال وَالنِّسَاء للْحَاجة إِلَيْهَا خُصُوصا فِي الديار الْبَارِدَة، وَمَا رُوِيَ من مَنعهنَّ مَحْمُول على دخولهن مكشوفات الْعَوْرَة.
وَقَالَ الْمَقْدِسِي: وَهُوَ الصَّحِيح.

قَوْله: (وصغرى وشرنبلالية) مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة نَقله عَن الصُّغْرَى، فالاولى شرنبلالية عَن الصُّغْرَى.
قَالَ فِي جَامع الْفَتَاوَى: وَقيل فِي كل ذَلِك يقبل، والاصح الاول كَمَا فِي الْقنية اه.

قَوْله: (تقبل شَهَادَة النِّسَاء وَحْدَهُنَّ) قَدَّمَ فِي الْوَقْفِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُمْضِي قَضَاءَ قَاضٍ آخَرَ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ فِي شجاج الْحمام.
سائحاني.
وَحمله سَيِّدي الْوَالِد على الْقصاص بالشجاج.

قَوْله: (فِي الْقَتْل) فَلَا تقبل فِي نَحْو الاموال والشجاج.

قَوْله: (بِحكم الدِّيَة) الاوضح فِي حكم الدِّيَة وَهُوَ مُتَعَلق بتقبل فِي نَحْو الاموال والشجاج.

قَوْله: (بِحكم الدِّيَة) الاوضح فِي حكم الدِّيَة وَهُوَ مُتَعَلق بتقبل: أَي لَا فِي ثُبُوت الْقصاص، فَإِنَّهُ لَا يثبت بِالنسَاء، وَظَاهر ذَلِك أَنه يحكم بِالدِّيَةِ مَعَ شَهَادَتهنَّ بالعمد ط.

قَوْله: (الْمعلم) وَلَو لغير قُرْآن.

قَوْله: (وَالزَّوْجَة لزَوجهَا وَهُوَ لَهَا) أَي وَلَو كَانَت الزَّوْجَة أمة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تجوز شَهَادَة الْوَالِد لوَلَده، وَلَا الْوَلَد لوالده، وَلَا الْمَرْأَة لزَوجهَا، وَلَا الزَّوْج لامْرَأَته، وَلَا العَبْد لسَيِّده، وَلَا السَّيِّد لعَبْدِهِ، وَلَا

(7/545)


الشَّرِيك لشَرِيكه، وَلَا الاجير لمن اسْتَأْجرهُ كَمَا فِي الْفَتْح مَرْفُوعا من رِوَايَة الْخصاف وَمن قَول شُرَيْح وَسَاقه بِسَنَدِهِ، ولان الْمَنَافِع بَين هَؤُلَاءِ مُتَّصِلَة، وَلِهَذَا لَا يجوز أَدَاء بَعضهم الزَّكَاة إِلَى بعض فَتكون شَهَادَته لنَفسِهِ من وَجه فَلَا تقبل.
قيل مَا فَائِدَة قَول لسَيِّده: فَإِن العَبْد لَا شَهَادَة لَهُ فِي حق أحد؟ وَأجِيب بِأَن ذكره على سَبِيل الاستطراد، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما عد مَوَاضِع التُّهْمَة ذكر العَبْد مَعَ السَّيِّد، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَو قبلت شَهَادَة العَبْد فِي مَوضِع من الْمَوَاضِع على سَبِيل الْفَرْض لم تقبل فِي حق سَيّده.

قَوْله: (وَجَاز عَلَيْهَا) أَي وَعَلِيهِ.

قَوْله: (إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فِي الاشباه) وَفِي الْبَحْر أَيْضا: الاولى: قَذفهَا الزَّوْج ثمَّ شهد عَلَيْهَا بِالزِّنَا مَعَ ثَلَاثَة لم تقبل، لانه يدْفع اللّعان عَن نَفسه.
الثَّانِيَة: شهد الزَّوْج وَآخر بِأَنَّهَا أقرَّت بِالرّقِّ لفُلَان وَهُوَ يَدعِي ذَلِك لم تقبل.
وَلَو قَالَ الْمُدَّعِي أَنا أَذِنت لَهَا فِي نِكَاحه إِلَّا إِذا كَانَ دفع لَهَا الْمهْر بِإِذن الْمولى.
كَذَا فِي النَّوَازِل.
بَحر.
وَكَأن وَجهه أَن إقدامه على نِكَاحهَا وتسليمها الْمهْر منَاف لشهادته إِذا لم يعْتَرف الْمُدَّعِي بِإِذْنِهِ بِالنِّكَاحِ وبقبض الْمهْر.
قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ علم أَن من لَا تقبل شَهَادَته لَهُ لَا يجوز قَضَاؤُهُ، فَلَا يقْضِي لاصله وَإِن علا، وَلَا لفرعه، وَإِن سفل، وَلَو وَكيل من ذكرنَا كَمَا فِي قَضَائِهِ لنَفسِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
وَمِنْهَا أَيْضا: اخْتصم رجلَانِ عِنْد القَاضِي ووكل أَحدهمَا ابْن القَاضِي أَو من لَا تجوز شَهَادَته لَهُ فَقضى القَاضِي لهَذَا الْوَكِيل لَا يجوز، وَإِن قضى عَلَيْهِ يجوز.
وَفِي الخزانة: وَكَذَا لَو كَانَ وَلَده وَصِيّا فضى لَهُ وَلَو كَانَ القَاضِي وَصِيّ الْيَتِيم لم يجز قَضَاؤُهُ فِي أَمر الْيَتِيم، وَلَو كَانَ القَاضِي وَكيلا لم يجز قَضَاؤُهُ لمُوكلِه.
وَتَمَامه فِيهَا اه.

قَوْله: (وَلَو شهد لَهَا ثمَّ تزَوجهَا) أَي قبل الْقَضَاء، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ وَلَمْ يَكُنْ أَجِيرًا ثُمَّ صَار أَجِيرا قبل أَن يقْضِي بهَا.
تاترخانية.
قَالَ ط: وَانْظُر مَا لَو طَلقهَا وَانْقَضَت عدتهَا، وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا هَل يقْضى بهَا؟ وَالْمُنَاسِب للمؤلف زِيَادَة مَسْأَلَة أُخْرَى يزِيد التَّفْرِيع بهَا وضوحا، وَهِي أَنه لَو شهد لامْرَأَته وَهُوَ عدل وَلم يرد الْحَاكِم شَهَادَته حَتَّى طلقه بَائِنا وَانْقَضَت عدتهَا فَإِنَّهُ تنفذ شَهَادَته كَمَا فِي الْخَانِية اه.

قَوْله: (فَعلم منع الزَّوْجِيَّة) وَلَو الْحكمِيَّة كَمَا فِي الْمُعْتَدَّة، لَكِن الَّذِي يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ مَنْعُ الزَّوْجِيَّةِ عِنْدَ الْقَضَاءِ، وَأَمَّا مَنْعُهَا عِنْدَ التَّحَمُّلِ أَوْ الْأَدَاءِ فَلَا يعلم مِمَّا ذكر فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِيمَةِ مَا
ذَكَرَهُ.
فِي الْمِنَحِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ تَحَمَّلَهَا حَالَ نِكَاحِهَا ثُمَّ أَبَانَهَا وَشَهِدَ لَهَا: أَيْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عدتهَا تقبل، وَمَا قدمْنَاهُ فِي المقولة السَّابِقَة قبل هَذِه عَن ط وَهِي: لَو شهد لامْرَأَته وَهُوَ عدل الخ.

قَوْله: (لَا تحمل) أَي لَا تمنع الزَّوْجِيَّة عَن التَّحَمُّل، فَلَو تحمل أَحدهمَا حَال الزَّوْجِيَّة وَأدّى بعد انْقِضَاء الْعدة يجوز.

قَوْله: (أَو أَدَاء) كَمَا فِي الْمَسْأَلَة المنقولة عَن الْخَانِية.
قَالَ الرحمتي: وَهُوَ مَعْطُوف على الْقَضَاء: أَي يمْنَع الزَّوْجِيَّة عَن الْقَضَاء أَو الاداء لَا عِنْد التَّحَمُّل، فَلَو تحملت فِي النِّكَاح أَو الْعدة وَأَدت بعْدهَا جَازَ كتحمل الزَّوْج، وَلَا يَصح الْقَضَاء بِشَهَادَة أحد الزَّوْجَيْنِ وَلَا أداؤهما للشَّهَادَة فِي حَال قيام الزَّوْجِيَّة أَو الْعدة، وَهَذَا هُوَ المتفرع على عبارَة الْخَانِية حَيْثُ قَالَ: ثمَّ تزَوجهَا بطلت: أَي لَا يقْضى بهَا بعد أَدَائِهَا قبل الزَّوْجِيَّة، كَمَا لَا يَصح الاداء حَال قيام الزَّوْجِيَّة اه.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ نَفاذ

(7/546)


شَهَادَة الْعدْل لزوجته حَال الزَّوْجِيَّة إِذا أَبَانهَا وَانْقَضَت عدتهَا قبل رد الْحَاكِم شَهَادَته، وَهُوَ الْمُوَافق لظَاهِر عبارَة الشَّارِح، لَان الظَّاهِر عطف قَوْله أَو أَدَاء على قَوْله لَا تحمل من غير تكلّف لما قَالَه الرحمتي كَمَا سَمِعت، فَتكون الزَّوْجِيَّة غير مَانِعَة عِنْد التَّحَمُّل وَعند الاداء، إِلَّا أَن يشْهد لما قَالَه الرحمتي نقل.
فَتَأمل.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ من انْتِفَاء التُّهْمَة وَقت الْقَضَاء، وَأما فِي بَاب الرُّجُوع إِلَى الْهِبَةِ فَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْهُ وَقْتَ الْهِبَةِ لَا وَقْتَ الرُّجُوعِ، فَلَوْ وُهِبَ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي.
وَفِي بَابِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ: الِاعْتِبَارُ لِكَوْنِهَا زَوْجَةً وَقْتَ الاقرار، فَلَو أقرّ لاجنبيه ثمَّ نَكَحَهَا وَمَات وَهِي زَوجته صَحَّ.
وَفِي بَاب الْوَصِيَّة: الِاعْتِبَارُ لِكَوْنِهَا زَوْجَةً وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّة اه.

قَوْله: (وَالْفرع لاصله) وَلَو كَانَ فرعا من وَجه كَوَلَد الْمُلَاعنَة لَا تقبل شَهَادَته لاصوله أَو هوله أَو لفروعه لثُبُوت نسبه من وَجه بِدَلِيل صِحَة دَعوته مِنْهُ وَعدمهَا من غَيره.
وَتحرم مناكحته وَوضع الزَّكَاة فِيهِ، وَلَا إِرْث وَلَا نَفَقَة من الطَّرفَيْنِ كَوَلَد العاهر، وَلَو بَاعَ أحد التوأمين وَقد ولدا فِي ملكه وَأعْتقهُ المُشْتَرِي فَشهد لبَائِعه تقبل، فَإِن ادّعى الْبَاقِي ثَبت نسبهما وانتقض البيع وَالْعِتْق وَالْقَضَاء، وَيرد
مَا قبض أَو مثله إِن هلك للاستناد لتحويل العقد، وَإِن كَانَ الْقَضَاء قصاصا فِي طرف أَو نفس فأرشه عَلَيْهِ دون الْعَاقِلَة.
وَتَمَامه فِي تَلْخِيص الْجَامِع من بَاب شَهَادَة ولد الْمُلَاعنَة.
وَلَا تقبل شَهَادَة ولد أم الْوَالِد الْمَنْفِيّ من السَّيِّد وَلَا يُعْطِيهِ الزَّكَاة كَوَلَد الْحرَّة الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ.
كَذَا فِي الْمُحِيط البرهاني.
وَفِي فتح الْقَدِير: تجوز شَهَادَته لِابْنِهِ رضَاعًا.
وَفِي خزانَة الاكمل: شهد ابناه أَن الطَّالِب أَبْرَأ أباهما واحتال بِدِينِهِ على فلَان لم تجز إِذا كَانَ الطَّالِب مُنْكرا، وَإِن كَانَ المَال على غير أَبِيهِمَا فشهدا أَن الطَّالِب أحَال بِهِ أباهما والطالب يُنكر وَالْمَطْلُوب يَدعِي الْبَرَاءَة وَالْحوالَة جَازَت انْتهى.
وَفِي الْمُحِيط البرهاني: إِذا شَهدا على فعل أَبِيهِمَا فعلا ملزما لَا تقبل إِذا كَانَ للاب مَنْفَعَة اتِّفَاقًا، وَإِلَّا فعلى قَوْلهمَا لَا تقبل.
وَعَن مُحَمَّد رِوَايَتَانِ، فَلَو قَالَ إِن كلمك فلَان فَأَنت حر فَادّعى فلَان أَنه كَلمه وَشهد ابناه بِهِ (1) لم تقبل عِنْدهمَا، وَكَذَا إِن علق عتقه بِدُخُولِهِ الدَّار، وَلَو أنكر الاب جَازَت شَهَادَتهمَا، وَكَذَا الحكم فِي كل شئ كَانَ من فعل الاب من نِكَاح أَو طَلَاق أَو بيع.
وَإِن شهد ابْنا الْوَكِيل على عقد الْوَكِيل فَهُوَ على ثَلَاثَة أوجه: الاول: أَن يقر الْمُوكل وَالْوَكِيل بالامر وَالْعقد.
وَهُوَ على وَجْهَيْن، فَإِن ادَّعَاهُ الْخصم قضى القَاضِي بالتصادق لَا بِالشَّهَادَةِ، وَإِن أنكر فعلى قَوْلهمَا لَا تقبل وَلَا يقْضِي بشئ، إِلَّا فِي الْخلْع فَإِنَّهُ يقْضِي بِالطَّلَاق بِغَيْر مَال لاقرار الزَّوْج بِهِ وَهُوَ الْمُوكل.
وَعند مُحَمَّد: يقْضِي بِالْعقدِ إِلَّا بِعقد ترجع حُقُوقه إِلَى الْعَاقِد كَالْبيع.
الثَّانِي: أَن يُنكر الْوَكِيل وَالْمُوكل، فَإِن جحد الْخصم لَا تقبل، وَإِلَّا تقبل اتِّفَاقًا.
الثَّالِث: أَن يقر الْوَكِيل بهما ويجحد الْمُوكل العقد فَقَط، فَإِن ادَّعَاهُ الْخصم يقْضِي بِالْعُقُودِ كلهَا،
__________
(1)
قَوْله: (فاادعى فلَان أَنه كَلمه وَشهد لبناه بِهِ) أَي ابْنا فلَان وكذت الضضمير فِي قَوْله بِدُخُولِهِ لفُلَان اه.
مِنْهُ.

(7/547)


إِلَّا النِّكَاح على قَول أبي حنيفَة.
وتمامها فِيهِ.

قَوْله: (وَإِن علا) كجده وجد جده إِلَى مَا لَا نِهَايَة، سَوَاء كَانَ جده لابيه أَو لامه.

قَوْله: (إِلَّا إِذا شهد الْجد الخ) مَحَلُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَبِالْعَكْسِ إذْ الْجد
أصل لَا فرع، وَأَنت خَبِير بِأَن هَذِه لَيست من جزئيات شَهَادَة الْفَرْع لاصله بل الامر بِالْعَكْسِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مَحل لَهُ بعد قَوْله وَبِالْعَكْسِ.
وَقِيَاسه هُنَا أَن يُقَال: إِلَّا إِذا شهد ابْن الابْن على أَبِيه لجده، وَهَذَا تبع فِيهِ صَاحب الاشباه ابْن الشّحْنَة كَمَا نَقله مِنْهُ فِي الْمنح، وَيظْهر لَك بَيَانه قَرِيبا.
ثمَّ إِن صَاحب الْمُحِيط جعل ذَلِك فِي صُورَة مَخْصُوصَة، وَهِي مَا إِذا ولدت امْرَأَة ولدا فادعت أَنه من زَوجهَا هَذَا وَجحد الزَّوْج ذَلِك فَشهد أَبوهُ وَابْنه على إِقْرَار الزَّوْج أَنه وَلَده من هَذِه الْمَرْأَة تقبل شَهَادَتهمَا، لانها شَهَادَة على الاب اه.
وَمثله فِي الْخَانِية.
أَقُول: وتتمة عبارتها: وَلَو شهد أَبُو الْمَرْأَة وجدهَا على إِقْرَار الزَّوْج بذلك لَا تقبل شَهَادَتهمَا لانهما يَشْهَدَانِ لولدهما، وَلَو ادّعى الزَّوْج ذَلِك وَالْمَرْأَة تجحد فَشهد عَلَيْهَا أَبوهَا أَنَّهَا ولدت وأقرت بذلك اخْتلفت فِيهِ الرِّوَايَة.
قَالَ فِي الاصل: لَا تقبل شَهَادَتهمَا فِي رِوَايَة هِشَام، وَتقبل فِي رِوَايَة أبي سُلَيْمَان.
وَإِذا شهد الرجل لِابْنِ ابْنه على ابْنه جَازَت شَهَادَته انْتَهَت.
ونقلها فِي التاترخانية بحروفها.
وَوجه الاولى أَنَّهَا شَهَادَة على الابْن للْمَرْأَة صَرِيحًا بجحوده وادعائها، وَفِي الثَّانِيَة بِالْعَكْسِ، وَالْقَبُول فِي الاولى يَقْتَضِي الْقبُول فِي الثَّانِيَة وترجيح رِوَايَة أبي سُلَيْمَان، إِذْ لَا فرق يظْهر، وَلم يصر الْوَلَد المجحود ابْن ابْن إِلَّا بعد الشَّهَادَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وعَلى هَذَا فَلَا فرق بَين الاموال وَالنّسب فِي الْقبُول.
وَفِي الْمنح عَن شرح الْعَلامَة عبد الْبر نقلا عَن الْخَانِية: الْقبُول مُطلقًا من غير تَقْيِيد بِحَق.
قَالَ المُصَنّف: وَلَعَلَّ وَجه الْقبُول أَن إقدامه على الشَّهَادَة على وَلَده وَهُوَ أعز عَلَيْهِ من ابْنه دَلِيل على صدقه فتنفي التُّهْمَة الَّتِي ردَّتْ لاجلها الشَّهَادَة، وَهَذَا خلاف مَا مَشى عَلَيْهِ صَاحب الْبَحْر من أَنه مُقَيّد بِشَهَادَة الاب على إِقْرَار ابْنه ببنوة وَلَده فِي الاموال وَنَقله قبله أَنَّهَا لَا تقبل، وَحمله على أَنَّهَا فِي غير مَسْأَلَة الْمُحِيط الْمَذْكُورَة، وَتعقب المُصَنّف كَلَامه بِكَلَام ابْن الشّحْنَة.
وَنَصّ قاضيخان فِيمَن لَا تقبل شَهَادَته للتُّهمَةِ أَو إِذا شهد الرجل لِابْنِ ابْنه على ابْنه جَازَت شَهَادَته كَمَا ذكرنَا اه.
قَالَ الشلبي فِي فَتَاوِيهِ: سُئِلت عَمَّا لَو شهِدت الام لبنتها على بنت لَهَا أُخْرَى هَل تقبل شَهَادَتهمَا؟
فأجبت بِمَا حَاصله: إِن شَهَادَة الام على إِحْدَى البنتين وَإِن كَانَت مَقْبُولَة لَكِن لما تَضَمَّنت الشَّهَادَة للاخرى ردَّتْ فَلَا تقبل شَهَادَتهمَا للتُّهمَةِ، وَالله الْمُوفق.
وَيشْهد لما أجبْت بِهِ قَول الزَّيْلَعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب النِّكَاح: وَلَو تزَوجهَا بِشَهَادَة ابنيهما ثمَّ تجاحدا لَا تقبل مُطلقًا لانهما يَشْهَدَانِ لغير الْمُنكر مِنْهُمَا اه.
ثمَّ أجَاب عَن سُؤال الآخر بِمَا نَصه: شَهَادَة الاب على وَلَده لابنته غير صَحِيحَة، وَالله تَعَالَى أعلم اه.
أَقُول: وَيظْهر على اعْتِمَاد عدم الْقبُول أَيْضا لانه مَنْطُوق الْمُتُون، فَتَأمل.

قَوْله: (قَالَ) أَي صَاحب الاشباه.

قَوْله: (إِلَّا إِذا شهد على أَبِيه لامه) فِي مَال لَا طَلَاق ادَّعَتْهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي تنوير الاذهان

(7/548)


والضمائر معزيا فِيهِ لفتاوى شمس الائمة الاوزجندي من أَن الام وَإِن ادَّعَت الطَّلَاق تقبل شَهَادَتهمَا وَهُوَ الاصح، لَان دَعْوَاهَا لَغْو، فَإِن الشَّهَادَة تقبل حسبَة من غير دَعْوَاهَا فَصَارَ وجود دَعْوَاهَا وَعدمهَا سَوَاء ط.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِأُمِّهِ.

قَوْله: (والام فِي نِكَاحه) الْوَاو للْحَال.
وَوَجهه الشريف الْحَمَوِيّ بِأَن فِيهِ جر نفع للام.
وَأخذ السَّيِّد أَبُو السُّعُود من كَلَام الاوزجندي السَّابِق أَن الْقبُول هُنَا أولى، لَان الام لم تدع وَالشَّهَادَة فِي الطَّلَاق مَقْبُولَة حسبَة.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَذكر فِي الْقَضَاء من الْفَصْل الرَّابِع: رجل شهد عَلَيْهِ بنوه أَنه طلق أمّهم ثَلَاثًا وَهُوَ يجْحَد: فَإِن كَانَت الام تَدعِي فالشهادة بَاطِلَة، وَإِن كَانَت تجحد فالشهادة جَائِزَة، لانها إِذا كَانَت تَدعِي فهم يشْهدُونَ لامهم لانهم يصدقون الام فِيمَا تَدعِي ويعيدون الْبضْع إِلَى ملكهَا بعد مَا خرج عَن ملكهَا.
وَأما إِذا كَانَت تجحد فَيَشْهَدُونَ على أمّهم لانهم يكذبونها فِيمَا تجحد ويبطلون عَلَيْهَا مَا اسْتحقَّت من الْحُقُوق على زَوجهَا من الْقسم وَالنَّفقَة وَمَا يحصل لَهَا من مَنْفَعَة عود بضعهَا إِلَى ملكهَا فَتلك مَنْفَعَة مجحودة يشوبها مضرَّة فَلَا تمنع قبُول الشَّهَادَة اه.
وَهَذِه من مسَائِل الْجَامِع الْكَبِير.
وَأورد عَلَيْهِ أَن الشَّهَادَة بِالطَّلَاق شَهَادَة بِحَق الله تَعَالَى، فوجود دَعْوَى الام وَعدمهَا سَوَاء لعدم اشْتِرَاطهَا.
وَأجِيب بِأَن مَعَ كَونه حَقًا لله تَعَالَى فَهُوَ حَقّهَا أَيْضا، فَلم تشْتَرط الدَّعْوَى للاول واعتبرت إِذا وجدت مَانِعَة من الْقبُول للثَّانِي عملا بهما.
وَفِي الْمُحِيط البرهاني معزيا إِلَى فَتَاوَى شمس الاسلام الاوزجندي: أَن الام إِذا ادَّعَت الطَّلَاق تقبل شهادنهما، قَالَ: وَهُوَ الاصح لَان دَعْوَاهَا لَغْو.
قَالَ مَوْلَانَا: وَعِنْدِي أَن مَا ذكره فِي الْجَامِع أصح اه.
وَيتَفَرَّع على هَذَا مسَائِل ذكرهَا ابْن وهبان فِي شَرحه.
الاولى: شَهدا أَن امْرَأَة أَبِيهِمَا ارْتَدَّت وَهِي تنكر: فَإِن كَانَت أمهما حَيَّة لم تقبل ادَّعَت أَو أنْكرت لانتفاعها، وَإِلَّا فَإِن ادّعى الاب لم يقبل، وَإِلَّا قبلت.
الثَّانِيَة: طلق امْرَأَته قبل الدُّخُول ثمَّ تزَوجهَا فَشهد ابناه أَنه طَلقهَا فِي الْمدَّة الاولى ثَلَاثًا ثمَّ تزَوجهَا بِلَا مُحَلل: فَإِن كَانَ الاب يَدعِي لَا تقبل، وَإِلَّا تقبل.
الثَّالِثَة: شهد ابناه على الاب أَنه خلع امْرَأَته على صَدَاقهَا: فَإِن كَانَ الاب يَدعِي لم تقبل، دخل بهَا أَولا، وَإِلَّا تقبل ادّعى أَو لَا.
الرَّابِعَة: شهد ابْنا الْجَارِيَة الحران أَن مَوْلَاهَا أعْتقهَا على ألف دِرْهَم: فَإِن كَانَت تَدعِي لم تقبل، وَإِلَّا فَتقبل.
وَإِن شهد ابْنا الْمولى وَهُوَ يَدعِي لم تقبل وعتقت لاقراره بِغَيْر شئ وَإِلَّا تقبل.
بِخِلَاف مَا إِذا شَهدا على عتق أَبِيهِمَا بِأَلف فَإِنَّهَا لَا تقبل مُطلقًا لَان دَعْوَاهُ شَرط عِنْده.
وَلَو شهد ابْنا الْمولى: فَإِن ادّعى الْمولى لم تقبل، وَإِن جحد وَادّعى الْغُلَام تقبل وَيقْضى بِالْعِتْقِ وبوجوب المَال، وَإِن أنكر لم تقبل.
الْخَامِسَة: جَارِيَة فِي يَد رجل ادَّعَت أَنه بَاعهَا من فلَان وَأَن فلَانا الَّذِي اشْتَرَاهَا أعْتقهَا وَالْمُشْتَرِي يجْحَد فَشهد ابْنا ذِي الْيَد با ادَّعَت الْجَارِيَة: فَإِن ادّعى الاب لم تقبل، وَإِلَّا تقبل اه.
وَهَذِه كلهَا مسَائِل الْجَامِع الْكَبِير ذكرهَا الصَّدْر الشَّهِيد سُلَيْمَان فِي بَاب من الشَّهَادَات.
وَزَاد: قَالَت: بعتني مِنْهُ وأعتقني وَشهد ابْنا البَائِع: إِن داعى لَا تقبل وعتقت بِإِقْرَارِهِ، وَإِن كذبه قبلت وَثَبت الشِّرَاء وَالْعِتْق لانه

(7/549)


خصم، كالشفيع فِي يَده جَارِيَة قَالَ بعتها من فلَان بِأَلف وَقَبضهَا وباعها مني بِمِائَة دِينَار وَشهد ابْنا الباع يقْضى بالبيعين وبالثمنين.
وَعند مُحَمَّد: يشْتَرط تَصْدِيقه وَلَا يحبس بِهِ، وَإِن ادّعى الاب لَا تقبل وَيسلم لَهُ إِقْرَاره إِلَى آخر مَا فِيهِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: وَفِي الْمُنْتَقى: شَهدا على أَن أباهما القَاضِي قضى لفُلَان على فلَان بِكَذَا لَا تقبل، والمأخوذ أَن الاب لَو كَانَ قَاضِيا يَوْم شهد الابْن على حكمه تقبل، وَلَو شهد الابنان على شَهَادَة أَبِيهِمَا تجوز بِلَا خلاف وَكَذَا على كِتَابه اه.
ثمَّ قَالَ: قَضَاء القَاضِي بِشَهَادَة وَلَده وحافده يجوز.
وَفِي الْخَانِية: وَلَو ولدت ولدا وَادعت أَنه من زَوجهَا وَجحد الزَّوْج ذَلِك فَشهد على الزَّوْج أَبوهُ وَابْنه أَنه أقرّ أَن هَذَا وَلَده من هَذِه الْمَرْأَة.
قَالَ فِي الاصل: جَازَت شَهَادَتهمَا، وَلَو ادّعى الزَّوْج ذَلِك وَالْمَرْأَة تجحد فَشهد عَلَيْهَا أَبوهَا أَنَّهَا ولدت وَأَنَّهَا أقرَّت بذلك اخْتلف فِيهِ الرِّوَايَة اه، وَتقدم نقل مَسْأَلَة الْخَانِية فَلَا تنسه.

قَوْله: (لَا تقبل شَهَادَة الانسان لنَفسِهِ) قَالَ مؤيد زَاده: شَهَادَة الانسان فِيمَا بَاشرهُ مَرْدُودَة بالاجماع، سَوَاء كَانَ لنَفسِهِ أَو لغيره وَهُوَ خصم فِي ذَلِك أَولا، فَلَا تجوز شَهَادَة الْوَكِيل بِالنِّكَاحِ اه.

قَوْله: (إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْقَاتِلِ إذَا شَهِدَ بِعَفْوِ ولي الْمَقْتُول) أل فِي الْقَاتِل للْجِنْس الصَّادِق بالتعدد.
وَصورتهَا كَمَا فِي الْحلَبِي عَن الاشباه: ثَلَاثَةٌ قَتَلُوا رَجُلًا عَمْدًا ثُمَّ شَهِدُوا بَعْدَ التَّوْبَة أَو الْوَلِيَّ قَدْ عَفَا عَنَّا.
قَالَ الْحَسَنُ: لَا تقبل إلَّا أَنْ يَقُولَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَفَا عَنَّا وَعَنْ هَذَا الْوَاحِدِ، فَفِي هَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ.
وَقَالَ الْحسن: تقبل فِي حق الْكل اه.
قَالَ البيري: الَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي تَلْخِيص الْكُبْرَى وخزانة الاكمل وَعَن الْحسن فِي ثَلَاثَة قتلوا رجلا عمدا ثمَّ تَابُوا وأقروا وشهدوا أَنه عَفا عَنَّا لَا يجوز.
وَإِن قَالَ اثْنَان عَفا عَنَّا وَعَن هَذَا، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ.
وَقَالَ الْحسن: يجوز فِي الْوَجْهَيْنِ.
وَفِي تَلْخِيص الْكُبْرَى: وَالْفَتْوَى على قَول أبي يُوسُف اه.
ثمَّ على قَول أبي يُوسُف: لَا شَهَادَة لانسان لنَفسِهِ بل شَهَادَتهمَا للثَّالِث، وَلَا تُهْمَة فِيهَا لعدم الِاشْتِرَاك لوُجُوب الْقَتْل على كل وَاحِد مِنْهُمَا كملا فَلم تجز مَنْفَعَة اه.
وَأما على قَول الْحسن بِالْقبُولِ فقد قبلت شَهَادَة الانسان لنَفسِهِ بِالنّظرِ لَهما.
وَقَوله: وَقَالَ الْحسن يجوز فِي الْوَجْهَيْنِ فِيهِ نظر، فَإِنَّهُ ذكر عَن الْحسن فِيمَا إِذا قَالَ الثَّلَاثَة عَفا عَنَّا لَا يجوز، فَإِن عبارتي الاشباه والبيري متفقتان على عد الْقبُول فِيمَا إِذا قَالَ عَفا عَنَّا فَقَط عِنْد الْحسن.
وَالظَّاهِر أَن أَبَا يُوسُف مَعَه إِذْ لم يذكر خِلَافه إِلَّا فِي الثَّانِيَة، فَإِن أُرِيد بِالْوَجْهَيْنِ الثَّالِث والشاهدان وَافق عجز عبارَة الاشباه السَّابِقَة، وَلَا وَجه لقَوْل البيري: وَالَّذِي رَأَيْنَاهُ الخ فَإِنَّهُ يُفِيد الْمُخَالفَة بَين العبارتين ط.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: إِن كَانَ المُرَاد بقول الْحسن تقبل إِذا قَالَ اثْنَان مِنْهُ عَفا عَنَّا وَعَن هَذَا الْوَاحِد تقبل إِن الْقَاتِل اثْنَان فَقَط كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر من ظَاهر الْعبارَة، فَالظَّاهِر أَن الْقبُول فِي حق سُقُوط الْقود عَن الْكل، وَعَلِيهِ فَتجب الدِّيَة على الشَّاهِدين فَقَط، وَإِن كَانَ المُرَاد أَن كل اثْنَيْنِ قَالَ ذَلِك أَو كل وَاحِد قَالَ ذَلِك فَتسقط الدِّيَة عَن الْكل، وَانْظُر مَا وَجه قَول أبي يُوسُف هَذَا وَقد جعل الْمَسْأَلَة فِي الاشباه مُسْتَثْنَاة من قَاعِدَة: لَا تقبل شَهَادَة الانسان لنَفسِهِ، فَقَالَ محشيها الْحَمَوِيّ تبعا للرملي: لَا يَصح اسْتثِْنَاء هَذِه الْمَسْأَلَة من الضَّابِط الْمَذْكُور، لانه لَيْسَ فِيهَا شَهَادَة الانسان لنَفسِهِ، وَلَا على قَول الْحسن، بل إِنَّمَا قبلت على قَوْله فِي الْوَجْه الْمَذْكُور لانها شَهَادَة الِاثْنَيْنِ كل مِنْهُم على عَفْو الْوَلِيّ عَن الثَّالِث.
وَأما شَهَادَة كل لنَفسِهِ فَلَا قَائِل بهَا.

(7/550)


وَالْوَجْه فِي ذَلِك أَن شَهَادَة الِاثْنَيْنِ للْآخر لَا تُهْمَة فِيهَا لعدم الِاشْتِرَاك لوُجُوب الْقَتْل على كل وَاحِد مِنْهُم كملا فَلم تجر مَنْفَعَة فَهِيَ كَشَهَادَة غريمين لغريمين، فَتَأمل.
وَفِي حاشيتها للكفيري: قَالَ أَبُو حنيفَة: تقبل فِي حق الْوَاحِد وَيسْقط الْقصاص عَن الِاثْنَيْنِ ويلزمهما بَقِيَّة الدِّيَة، وَذَلِكَ لَان الشَّهَادَة لَيست لانفسهما.
وَقَالَ الْحسن: تقبل فِي حق الْكل، وَذَلِكَ لما فِيهِ من اعْتِبَار أَن كل اثْنَيْنِ تكون شَهَادَتهمَا لغَيْرِهِمَا، وَإِذا فرض ذَلِك فَتحصل الشَّهَادَة فِي الْمَعْنى لكل من الِاثْنَيْنِ للْآخر فَتقبل شَهَادَة الْكل اه.
نَقله بعض الْفُضَلَاء.
وعَلى هَذَا التَّقْرِير يَصح الِاسْتِثْنَاء لَان فِيهِ قبُول شَهَادَة الانسان لنَفسِهِ، فَتَأمل اه.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَنَظِيره أَي نَظِير مَسْأَلَة الْقَاتِل مَا فِي الْخَانِية أَيْضا: لَو قَالَ إِن دخل دَاري أحد فَعَبْدي حر فَشهد ثَلَاثَة أَنهم دخلوها، قَالَ أَبُو يُوسُف: إِن قَالُوا دخلناها جَمِيعًا لَا تقبل، وَإِن قَالُوا دَخَلنَا وَدخل هَذَا تقبل.
وَسَأَلَ الْحسن بن أبي يُوسُف عَنْهَا فَقَالَ: إِن شهد ثَلَاثَة بِأَنا دخلناها جَمِيعًا تقبل، وَإِن شهد اثْنَان لَا تقبل، فَقَالَ لَهُ الْحسن أصبت وخالفت أَبَاك اه.

قَوْله: (وَسيد لعَبْدِهِ) أَي وَأمته وَأم وَلَده وَتقبل عَلَيْهِم.
قُهُسْتَانِيّ
قَوْله: (ومكاتبه) لانه شَهَادَة لنَفسِهِ من كل وَجه إِن لم يكن عَلَيْهِ دين وَمن وَجه إِن كَانَ عَلَيْهِ دين لَان الْحَال مَوْقُوف مراعى.
وَفِي منية الْمُفْتِي: شهد العَبْد لمَوْلَاهُ فَردَّتْ ثمَّ شهد بهَا عبد الْعتْق تقبل، وَلَو شهد الْمولى لعَبْدِهِ بِالنِّكَاحِ فَردَّتْ ثمَّ شهد لَهُ بعد الْعتْق لم يجز لَان الْمَرْدُود كَانَ شَهَادَة، وَكَذَا الصَّبِي أَو الْمكَاتب إِذا شهد فَردَّتْ ثمَّ شهد بهَا بعد الْبلُوغ وَالْعِتْق جَازَت لَان الْمَرْدُود لم يكن شَهَادَة اه.
بَحر.
وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوفى فِي هَذَا الْبَاب فَرَاجعه.

قَوْله: (وَالشَّرِيك لشَرِيكه) سَوَاء كَانَت شركَة أَمْلَاك أَو شركَة عقد عنانا أَو مُفَاوَضَة أَو وُجُوهًا أَو صنائع، وخصصه فِي النِّهَايَة بِشريك الْعَنَان.
قَالَ: وَأما شَهَادَة أحد المفاوضين لصَاحبه فَلَا تقبل إِلَّا فِي الْحُدُود وَالْقصاص وَالنِّكَاح لَان مَا عَداهَا مُشْتَرك بَينهمَا، وَتَبعهُ فِي الْعِنَايَة والبناية، وَزَاد فِي فتح الْقَدِير على الثَّلَاثَة: الطَّلَاق وَالْعتاق وَطَعَام أَهله وكسوتهم.
وَتعقبه الشَّارِح بِأَنَّهُ سَهْو فَإِنَّهُ لَا يدْخل فِي الشّركَة إِلَّا الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَلَا يدْخل فِيهِ الْعقار وَلَا الْعرُوض، وَلِهَذَا قَالُوا: لَو وهب لاحدهما مَال غير الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير لَا تبطل الشّركَة، لَان الْمُسَاوَاة فِيهِ لَيْسَ بِشَرْط اه.
وَكَذَا قَالَ فِي الْحَوَاشِي السعدية: فِيهِ بحث لانه إِذا كَانَ مَا عداهما مُشْتَركا يدْخل فِي عُمُوم قَوْله مَا لَيْسَ من شركتهما، فَيشْمَل كَلَام المُصَنّف شركَة الْمُفَاوضَة أَيْضا، فَلَا وَجه للاخراج فَتَأمل، إِلَّا أَن يخص بالاملاك بِقَرِينَة السِّيَاق.
ثمَّ إِن قَوْله لَان مَا عداهما مُشْتَرك بَينهمَا غير صَحِيح فَإِنَّهُ لَا يدْخل فِي الشّركَة إِلَّا الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير الخ، وَمَا ذكره فِي النِّهَايَة هُوَ صَرِيح كَلَام مُحَمَّد فِي الاصل كَمَا ذكره فِي الْمُحِيط البرهاني.
ثمَّ قَالَ: وَشَهَادَة أحد شَرِيكي الْعَنَان فِيمَا لم يكن من تجارتهما مَقْبُولَة لَا فِيمَا كَانَ مِنْهَا، وَلم يذكر هَذَا التَّفْصِيل فِي الْمُفَاوضَة لَان الْعَنَان قد تكون خَاصّا وَقد تكون عَاما، فَأَما الْمُفَاوضَة فَلَا تكون إِلَّا فِي جَمِيع الاموال، وَقد عرف ذَلِك فِي كتاب الشّركَة.
وعَلى قِيَاس مَا ذكره شيخ الاسلام فِي كتاب الشّركَة أَن الْمُفَاوضَة تكون خَاصَّة يجب أَن تكون الْمُفَاوضَة على التَّفْصِيل الَّذِي ذكرنَا فِي الْعَنَان اه.
مطلب: شهد الشريكان أَن لَهما وَلفُلَان على هَذَا الرجل كَذَا فَهِيَ على ثَلَاثَة أوجه وَشَمل كَلَام الْمُؤلف مَا إِذا شهد أَن لَهما وَلفُلَان على هَذَا الرجل ألف دِرْهَم وَهِي على ثَلَاثَة أوجه: الاول: أَن ينصا على الشّركَة بِأَن شَهدا أَن لفُلَان وَلَهُمَا على هَذَا الرجل ألف دِرْهَم مُشْتَرك بَينهم فَلَا تقبل.

(7/551)


الثَّانِي: أَن ينصا على قطع الشّركَة بِأَن قَالَا نشْهد أَن لفُلَان على هَذَا خَمْسمِائَة بِسَبَب على حِدة وَلنَا عَلَيْهِ ضَمَانه بِسَبَب على حِدة فَتقبل شَهَادَتهمَا فِي حق فلَان.
الثَّالِث: أَن يطلقا فَلَا تقبل لاحْتِمَال الِاشْتِرَاك.
مطلب شهد الشريكان أَن لَهما وَلفُلَان على هَذَا الرجل كَذَا فَهِيَ على ثَلَاثَة أوجه وَشَمل كَلَام الْمُؤلف مَا إِذا شهد أَن لَهما وَلفُلَان على هَذَا الرجل ألف دِرْهَم وهى على ثَلَاثَة أوجه: الاول: أَن ينصا على الشّركَة بِأَن شَهدا أَن لفُلَان واهما على الرجل ألف دِرْهَم مُشْتَرك بَينهم فَلَا تقبل.
الثَّانِي: أَن ينصا على قطع الشّركَة بِأَن قَالَا نشْهد أَن لفُلَان على هَذَا خَمْسمِائَة بِسَبَب على حِدة وَلنَا عَلَيْهِ ضَمَانه بِسَبَب على حِدة فَتقبل شَهَادَتهمَا فِي حق فلَان.
الثَّالِث: أَن يطلفا فَلَا تقبل لاحْتِمَال الِاشْتِرَاك.
مطلب: شَهدا أَن الدَّائِن أبرأهما وَفُلَانًا عَن الالف وَلَو كَانَ لوَاحِد على ثَلَاثَة دين فَشهد اثْنَان مِنْهُم أَن الدَّائِن أبرأهما وَفُلَانًا عَن الالف الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمَا فَإِن كَانُوا كفلاء لم تقبل، وَإِلَّا فَإِن شهدُوا بالابراء بِكَلِمَة وَاحِدَة فَكَذَلِك وَإِلَّا تقبل.
كَذَا فِي الْمُحِيط البرهاني.
بَحر بِزِيَادَة.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَكَذَلِكَ: أَي لَا تقبل شَهَادَة أجِير أحد الشَّرِيكَيْنِ للشَّرِيك الآخر كَمَا فِي الْمَبْسُوط اه.

قَوْله: (فِيمَا هُوَ من شركتهما) أَي فِيمَا لَيْسَ من شركتهما تقبل لانْتِفَاء التُّهْمَة.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَهنا مسَائِل متفرعة على عدم شَهَادَة الشَّرِيك لشَرِيكه: الاولى: شَهدا أَن زيدا أوصى بِثلث مَاله لقبيلة بني فلَان وهما من تِلْكَ الْقَبِيلَة صحت وَلَا شئ لَهما مِنْهَا.
الثَّانِيَة: لَو أوصى لفقراء جِيرَانه وهما مِنْهُم فَالْحكم كَذَلِك.
الثَّالِثَة: لَو أوصى لفقراء بَيته أَو لاهل بَيته وهما مِنْهُم لم تصح، وَلَو كَانَا غَنِيَّيْنِ صحت.
وَالْفرق بَين الاولين وَالثَّالِثَة أَنه يجوز فيهمَا تَخْصِيص الْبَعْض مِنْهُم بِخِلَافِهِ فِي الثَّالِثَة.
الرَّابِعَة: لَو أوصى لفقراء جِيرَانه فَشهد من لَهُ أَوْلَاد محتاجون مِنْهُم لم تقبل مُطلقًا فِي حق الاولاد
وَغَيرهم.
وَالْفرق بَينهمَا وَبَين أولادهما أَن الْمُخَاطب لم يدْخل تَحت عُمُوم خطابه فَلم يتناولهما الْكَلَام، بِخِلَاف الاولاد فَإِنَّهُم داخلون تَحت الشَّهَادَة، وَإِنَّمَا أدخلنا الْمُتَكَلّم فِي مَسْأَلَة لفقراء أهل بَيته بِاعْتِبَار أَنهم يُحصونَ، بِخِلَاف فُقَرَاء جِيرَانه وَبني تَمِيم.
وَذكر قاضيخان فِي فَتَاوَاهُ من الْوَقْف: لَو شَهدا أَنَّهَا صَدَقَة مَوْقُوفَة على فُقَرَاء جِيرَانه وهما مِنْهُم جَازَت وَلَو على فُقَرَاء قرَابَته لَا.
قَالَ الناطفي فِي الْفرق: إِن الْقَرَابَة لَا تَزُول والجوار يَزُول فَلم تكن شَهَادَة لنَفسِهِ لَا محَالة اه.
وَأهل بَيت الانسان لَا يَزُول عَنْهُم لانهم أَقَاربه الَّذين فِي عِيَاله فَلهَذَا لم تقبل فِيهَا، وَلَكِن يشكل بِمَسْأَلَة الْقَبِيلَة فَإِن الِاسْم عَنْهُم لَا يَزُول مَعَ قبُولهَا وَلَكِن لَا يدخلَانِ.
وَيُمكن الْفرق بَين الْوَصِيَّة وَالْوَقْف بِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن الشّحْنَة اه.
وعَلى هَذَا شَهَادَة أهل الْمدرسَة بوقفها جَائِزَة كَمَا يَأْتِي قَرِيبا فِي كَلَام الشَّرْح.

قَوْله: (لانها لنَفسِهِ من وَجه) وَهُوَ الْبَعْض الَّذِي هُوَ حِصَّة وَذَلِكَ بَاطِل، وَإِذا بَطل فِي الْبَعْض بَطل فِي الْكل لكَونهَا غير متجزئة إِذْ هِيَ شَهَادَة وَاحِدَة.
عناية.

قَوْله: (برق) فَإِذا طعن الْمُدعى عَلَيْهِ فِي الشُّهُود أَنهم عبيد فعلى الْمُدَّعِي إِقَامَة الْبَيِّنَة على حريتهم.
بَحر عِنْد قَوْله: إِلَّا أَن يتحملا فِي الرّقّ والصغر، لكل نقل بعده عَن الْخُلَاصَة فِي الْكَلَام على الْجرْح الْمُجَرّد أَنه

(7/552)


يُقَال للشاهدين أقيما الْبَيِّنَة على الْحُرِّيَّة وَهُوَ صَرِيح مَا قدمه فِي شرح قَوْله والمملوك، وَمَا هُنَا صَرِيح فِي أَن ذَلِك على الْمُدَّعِي وَهُوَ قَوْله فعلى الْمُدَّعِي إِقَامَة الْبَيِّنَة على حريتهم، فَتَأمل.

قَوْله: (وحد) فَلَو قَالَ هم محدودون فِي قذف فعلى الطاعن إِقَامَة الْبَيِّنَة.
حموي.
وَله الطعْن وَلَو بعد الحكم وَلَو عدلهم الْخصم قبلهَا فَلهُ الطعْن وَلَو عدلهم بعد الشَّهَادَة لَا يقبل طعنه ط.

قَوْله: (وَشركَة) أَي إِذا ادّعى الْخصم أَن الشَّاهِد شريك الْمُدَّعِي وَأقَام بَيِّنَة تقبل شَهَادَة بَينته وَلَا يُكَلف الْمُدَّعِي إِقَامَة بَيِّنَة على أَنه لَيْسَ شَرِيكا لَهُ على الظَّاهِر لانها بَيِّنَة نفي ط.

قَوْله: (بِزِيَادَة الْخراج) أَي الَّذِي لم يكن معينا لَا تقبل لانه يدْفع عَن نَفسه بهَا مغرما.

قَوْله: (مَا لَمْ يَكُنْ خَرَاجُ كُلِّ أَرْضٍ مُعَيَّنًا) فَإِن الشَّاهِد بِشَهَادَتِهِ لَا يجر لنَفسِهِ مغنما وَلَا يدْفع بهَا مغرما، وَكَذَا يُقَال فِيمَا بعد.

قَوْلُهُ: (أَوْ لَا خَرَاجَ لِلشَّاهِدِ) أَيْ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْخُلَاصَة.

قَوْله: (شهدُوا على ضَيْعَة) أَي يعود نَفعهَا لجميعهم أما إِذا كَانَت لجَماعَة مُعينين فَلَا مَانع من الْقبُول
فِيمَا يظْهر ط.
وَعبارَة الْبَزَّازِيَّة على قِطْعَة لَكِن فِي الْفَتْح كَمَا هُنَا على ضَيْعَة وَفِي الْقَامُوس: الضَّيْعَة: الْعقار والارض المغلة.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: أهل الْقرْيَة أَو أهل السِّكَّة الْغَيْر النافذة شهدُوا على قِطْعَة أَرض أَنَّهَا من قريتهم أَو سكنهم لَا تقبل، وَإِن كَانَت نَافِذَة: إِن ادّعى لنَفسِهِ حَقًا لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ قَالَ لَا آخُذُ شَيْئًا تقبل.
كَذَا فِي الْوَجِيز للْكَرْدَرِيّ.

قَوْله: (يشْهدُونَ بشئ من مَصَالِحه) بِأَن شهدُوا على قِطْعَة أَرض أَنَّهَا من سكتهم كَمَا قدمْنَاهُ عَن الْهِنْدِيَّة.

قَوْله: (وَفِي النافذة الخ) صورته: ادّعى أهل السِّكَّة قِطْعَة أَرض أَنَّهَا من السِّكَّة وَشهد بَعضهم: إِن كَانَ الشَّاهِد لَا غَرَض لَهُ إِلَّا إِثْبَات نفع عَام لَا جر مغنم لَهُ تقبل، وَإِن أَرَادَ أَن يفتح بَابا فِيهَا لَا تقبل ط.

قَوْلُهُ: (لَا تُقْبَلُ) وَقِيلَ تُقْبَلُ مُطْلَقًا فِي النافذة.
فتح.

قَوْله: (وَإِن قَالَ لَا آخذ شَيْئا تقبل) فِي قاضيخان: دَار بِيعَتْ وَلها شُفْعَة وَأنكر البَائِع البيع فَشهد بذلك بعض الشفعاء: إِن كَانَ لَا يطْلب الشُّفْعَة وَقَالَ أبطلت شفعتي جَازَت شَهَادَته، وَإِلَّا لَا لَان حق الشُّفْعَة مِمَّا يحْتَمل الابطال.
أما فِي الْمَسْأَلَة الْآتِيَة فِي الْوَقْف على الْمدرسَة مَنْ كَانَ فَقِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الْمَدْرَسَةِ يَكُونُ مُسْتَحقّا للْوَقْف استحقاقا لَا يبطل بإبطاله، فَإِنَّهُ لَو قَالَ أبطلت حَقي كَانَ لَهُ أَن يطْلب وَيَأْخُذ بعد ذَلِك، فَكَانَ شَاهدا لنَفسِهِ فَيجب أَن لَا تقبل شَهَادَته.
وَعَن بعض الْمَشَايِخ: إِذا شهد اثْنَان من أهل سكَّة على وقف تِلْكَ السِّكَّة: إِن كَانَ الشَّاهِد يطْلب لنَفسِهِ حَقًا لَا تقبل شَهَادَته، وَإِن كَانَ لَا يطْلب تقبل وَنظر فِيهِ اه مُلَخصا.
وَيُؤَيِّدهُ مَا نذكرهُ من الْكَلَام عَلَيْهَا فِي المقولة الْآتِيَة فاحفظه.

قَوْله: (وَكَذَا) أَي تقبل فِي وقف الْمَدْرَسَةِ: أَيْ فِي وَقْفِيَّةِ وَقْفٍ عَلَى مَدْرَسَةٍ كَذَا وَهُمْ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى وَقْفِ مَكْتَبٍ وَلِلشَّاهِدِ صَبِيٌّ فِي الْمَكْتَبِ، وَشَهَادَةُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي وَقْفٍ عَلَيْهَا، وَشَهَادَتُهُمْ بِوَقْفِ الْمَسْجِدِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى وَقْفِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَكَذَا أَبْنَاءُ السَّبِيلِ إذَا شَهِدُوا بِوَقْفٍ عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ فَالْمُعْتَمَدُ الْقَبُولُ فِي الْكُلِّ، بَزَّازِيَّة.
وَقيد بِالشَّهَادَةِ بوقف الْمدرسَة، لَان شَهَادَةُ الْمُسْتَحِقِّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْغَلَّةِ كَشَهَادَتِهِ بِإِجَارَة وَنَحْوهَا لَا تقبل لَان لَهُ حَقًا فِي الْمَشْهُود بِهِ فَكَانَ مُتَّهمًا.
بَحر.
قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: وَمِنْ هَذَا النَّمَطِ مَسْأَلَةُ قَضَاءِ الْقَاضِي فِي وَقْفٍ تَحْتَ نَظَرِهِ أَوْ مُسْتَحِقٍّ فِيهِ اه.
وَهَذَا كُلُّهُ فِي شَهَادَةِ الْفُقَهَاءِ بِأَصْلِ الْوَقْفِ، أَمَّا شَهَادَةُ الْمُسْتَحِقِّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْغَلَّةِ كَشَهَادَتِهِ بِإِجَارَةٍ
وَنَحْوِهَا لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِيهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا.

(7/553)


وَقَدْ كَتَبْتُ فِي حَوَاشِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ مِثْلَهُ شَهَادَةُ شُهُودِ الْأَوْقَافِ الْمُقَرَّرِينَ فِي وَظَائِفِ الشَّهَادَة بِمَا يرجع إِلَى الْغلَّة لما ذكرنَا، وَتَقْرِيره فيهمَا لَا يُوجِبُ قَبُولَهَا.
وَفَائِدَتُهَا إسْقَاطُ التُّهْمَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي فَلَا يَحْلِفُ، وَيُقَوِّيهِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ، كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاك فَالْقَوْل لَهُ مَعَ الْيَمين، فَإِن برهن فَلَا يَمِين.
بَحر مُلَخصا، فَرَاجعه.
قَالَ الرَّمْلِيّ: وَيعلم من قَوْله وَمن هَذَا النمط الخ جَوَاز شَهَادَة النَّاظر فِي وقف تَحت نظره، لَان الْقَضَاء وَالشَّهَادَة من بَاب وَاحِد كَمَا تقدم.
وَقد أفتى بِهِ شيخ الاسلام الشَّيْخ مُحَمَّد الْغَزِّي فِي وَاقعَة الْحَال بقوله الظَّاهِر قبُولهَا، كَمَا شَهِدَ بِوَقْفِ مَدْرَسَةٍ وَهُوَ صَاحِبُ وَظِيفَةٍ بِهَا.
وَالله تَعَالَى أعلم، فَتَأمل اه.
وَيرد على مَا مر من الْفرق فِي الْبَزَّازِيَّة من قَوْله: أهل الْقرْيَة إِذا شهدُوا على قِطْعَة أَرض أَنَّهَا من أَرَاضِي قريتهم لَا تقبل.
وَأجَاب عَنهُ التُّمُرْتَاشِيّ بِحمْلِهِ على قَرْيَة مَمْلُوكَة كَمَا فِي التَّنْقِيح.

قَوْلُهُ: (انْتَهَى) أَيْ مَا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفَتْحِ آخِرَ الْبَابِ.

قَوْلُهُ: (والاجير الْخَاص) وَذَلِكَ لَان مَنَافِعه مُسْتَحقَّة للْمُسْتَأْجر وَلِهَذَا لَا يجوز لَهُ أَن يُؤجر نَفسه من آخر فِي تِلْكَ الْمدَّة، فَلَو جَازَت شَهَادَته للْمُسْتَأْجر كَانَت شَهَادَة بالاجر لَان شَهَادَته من جملَة مَنَافِعه، فَلَا تقبل شَهَادَته فِي تِجَارَة أستاذه وَلَا فِي شئ آخر اه.
شلبي.
وَقيد بالخاص لَان شَهَادَة الْمُشْتَرك كالخياط تقبل لانه لَا يسْتَوْجب أجرا إِلَّا بِعِلْمِهِ، فَإِذا لم يسْتَوْجب بإجارته شَيْئا انْتَفَت التُّهْمَة عَن شَهَادَة اه.
وَتقبل شَهَادَة من اسْتَأْجرهُ يَوْمًا فِي ذَلِك الْيَوْم اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة، وَلَا تقبل شَهَادَة الْمُسْتَعِير لمعيره بالمستعار، وَلَو رهن دَارا فَشهد لَهُ من اسْتَأْجرهُ للْبِنَاء يقبل، وَإِن شهد لَهُ من اسْتَأْجرهُ لهدمها لَا.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: رجل ادّعى دَارا فِي يَد رجل فَشهد لَهُ شَاهِدَانِ بهَا وَأَن الْمُدَّعِي استأجرهما على بنائها وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يجب عَلَيْهِ الضَّمَان فِي ذَلِك جَازَت شَهَادَتهمَا، وَإِن قَالَا استأجرنا على هدمها فهدمناها لَا تقبل شَهَادَتهمَا بِالْملكِ للْمُدَّعِي ويضمنان قيمَة الْبناء للْمُدَّعى عَلَيْهِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان.
وَشَهَادَة الاستاذ للتلميذ مَقْبُولَة، وَكَذَا الْمُسْتَأْجر للاجير.
فتح.
وَلَا تقبل شَهَادَة الْمُسْتَأْجر
للآجر بالمستأجر.
بَحر.
لَو اسْتَأْجر دَارا شهرا فسكن الشَّهْر كُله ثمَّ جَاءَ مُدع آخر فَشهد بهَا الْمُسْتَأْجر وَرجل آخر مَعَه فَالْقَاضِي يسْأَل الْمُدَّعِي عَن الاجارة أَكَانَت بأَمْره أَو بِغَيْر أمره؟ فَإِن قَالَ كَانَت بأَمْري لم تقبل شَهَادَة الْمُسْتَأْجر لانه مُسْتَأْجر شهد بالمستأجر للآجر، وَإِن قَالَ كَانَت بِغَيْر أَمْرِي تقبل شَهَادَته لانه لَيْسَ بمستأجر فِي حَقه، وَلَو لم يسكن الشَّهْر كُله لم تجز شَهَادَته وَإِن لم يدع الْمُدَّعِي أَن الاجارة كَانَت بأَمْره.
وَلَو شهد المستأجران أَن الْمُدَّعِي للَّذي آجرهما لاثبات الاجارة أَو لانسان آخر على الْمُؤَجّر لفسخ الاجارة، قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: جَازَت شَهَادَتهمَا سَوَاء كَانَت الاجرة رخيصة أَو غَالِيَة.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى: لَا تجوز شَهَادَتهمَا فِي فَسخهَا لانهما يدفعان عَن أَنفسهمَا الاجرة، وَإِن كَانَا ساكنين فِي الدَّار بِغَيْر أجر جَازَت شَهَادَتهمَا.
هندية عَن الْمُحِيط.
وفيهَا إِذا شهد الاجير لاستاذه وَهُوَ أجِير شهر فَلم ترد شَهَادَته وَلم يعدل حَتَّى مضى الشَّهْر ثمَّ

(7/554)


عدل لم تقبل شَهَادَته، فَمن شهد لامْرَأَته ثمَّ طَلقهَا قبل التَّعْدِيل لَا تقبل شَهَادَته، وَإِن شَهِدَ وَلَمْ يَكُنْ أَجِيرًا ثُمَّ صَارَ أَجِيرًا قبل الْقَضَاء بطلت شَهَادَته وَلَو أَن القَاضِي لم يرد شَهَادَته وَهُوَ غير أجِير ثمَّ صَار أَجِيرا ثمَّ مَضَت مُدَّة الاجارة لَا يقْضى بِتِلْكَ الشَّهَادَة وَإِن لم يكن أَجِيرا عِنْد الْقَضَاء وَلَا عِنْد الشَّهَادَة، فَلَو أَن القَاضِي لم يبطل شَهَادَته وَلم يقبل فَأَعَادَ الشَّهَادَة بعد انْقِضَاء مُدَّة الاجارة جَازَت شَهَادَته اه.
وَلَا تجوز شَهَادَة الكيال بِخِلَاف الذِّرَاع، وَشَهَادَة الدَّائِن لمديونه تقبل وَإِن كَانَ مُفلسًا كَمَا فِي الْهِدَايَة.
وَفِي الْمُحِيط: لَا تقبل بدين لَهُ بعد مَوته.
بَحر.
قَالَ الْعَلامَة التُّمُرْتَاشِيّ فِي فَتَاوِيهِ: تقبل شَهَادَة رب الدّين لمديونه حَال حَيَاته إِذا لم يكن مُفلسًا قولا وَاحِدًا.
وَاخْتلف فِيمَا إِذا شهد لَهُ فِي حَال كَونه مُفلسًا: فَفِي الْمُحِيط: لَا تقبل.
وشمس الائمة الْحلْوانِي وَالِد صَاحب الْمُحِيط قَالَ: تقبل.
وَأما إِذا شهد لَهُ بعد الْمَوْت فَلَا تقبل قولا وَاحِدًا لتَعلق حَقه بِالتَّرِكَةِ كالموصى لَهُ.
كَذَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة اه.

قَوْله: (أَو مشاهرة) أَو مياومة هُوَ الصَّحِيح، جَامع الْفَتَاوَى.
وَمثله فِي الْخُلَاصَة، وَيلْحق بِهِ الْمزَارِع فَإِنَّهُ لَا يلْزم أَن تكون مسانهة أَو مشاهرة، فقد يزارعه على إنهاء
هَذَا الزَّرْع لكنه فِي حكمه فَلَا تصح شَهَادَته لرب الْبذر كَمَا تقدم.

قَوْله: (أَو الْخَادِم أَو التَّابِع) يحرر الْفرق بَين الْمَذْكُورين.
وَقد يُقَال: إِن المُرَاد بالخادم من يخْدم بِغَيْر أجر، وَالتَّابِع من يكون يتعيش فِي منزل الْمَشْهُود لَهُ من غير خدمَة كملازم فِي الْبَيْت، وَالْمرَاد بالتلميذ الصناع التابعون لكبيرهم ط.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: هُوَ الَّذِي يَأْكُلُ مَعَهُ وَفِي عِيَاله وَلَيْسَ لَهُ أجر مَعْلُوم.
وَقيل المُرَاد الاجير مسانهة أَو مشاهرة أَو مياومة.
وَتَمَامه فِي الْفَتْح.
وَكَانَ بَين الْخَادِم وَبَين الاجير عُمُوم وخصوص من وَجه، فالاجير يسْتَأْجر لغير الْخدمَة الْخَاصَّة بِهِ، كَمَا لَو اسْتَأْجرهُ لرعي الْغنم أَو للخياطة أَو الْخبز مسانهة أَو مشاهرة وَالْخَادِم قد بِخِدْمَة بِلَا أجر طَمَعا فِي طَعَامه أَو أَمر آخر، فيجتمعان فِيمَن اسْتَأْجرهُ مسانهة أَو مشاهرة للْخدمَة، وينفرد الاجير فِيمَا لَو اسْتَأْجرهُ للخياطة مثلا كَذَلِك، وينفرد الْخَادِم فِيمَا إِذا كَانَ يَخْدمه طَمَعا فِي طَعَامه وَشَرَابه بِدُونِ اسْتِئْجَار، وَالتَّابِع هُوَ الَّذِي يكون عَالَة عَلَيْهِ وَإِن لم يَخْدمه، والتلميذ هُوَ الَّذِي يتَعَلَّم مِنْهُ علما أَو غَيره من الصَّنَائِع ويدخله فِي نَفَقَته، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ بقوله يعد ضَرَر أستاذه الخ بِدَلِيل قَوْله: وَهُوَ معنى قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الخ.

قَوْله: (من القنوع) الضَّم.
قنع يقنع قنوعا: إِذا سَأَلَ، فَيكون المُرَاد بِهِ السُّؤَال كَمَا هُوَ أحد مَعَانِيه.
قَالَ تَعَالَى: * (وأطعموا القانع) * (الْحَج: 63) قَالَ بَعضهم: القانع هُوَ السَّائِل الَّذِي لَا يلح فِي السُّؤَال ويرضى بِمَا يَأْتِيهِ عفوا، وَيُطلق على التذلل.
وَمن دُعَائِهِمْ: نسْأَل الله القناعة ونعوذ بِهِ من القنوع، وَيُطلق على الرِّضَا بالقسم فَهُوَ ضد.
وَفِي الْمثل: خير الْغنى القنوع، وَشر الْفقر الخضوع، وَالْفِعْل كمنع وَاسم الْفَاعِل قَانِع وقنيع.
أما القناعة فالرضا فالقسم كالقنع محركا وَالْفِعْل كفرح وَاسم الْفَاعِل قنع وقانع وقنيع.
أَفَادَهُ فِي الْقَامُوس وَبِهَذَا علمت أَن قَوْله من القناعة: يَعْنِي أَن المُرَاد بالقنوع إِمَّا السُّؤَال وَإِمَّا التذلل، وَعلمت أَن القنوع يَأْتِي بِمَعْنى القناعة.
ط بِزِيَادَة.

قَوْله: (لَا من القناعة) الاجتزاء باليسير من الاعراض الْمُحْتَاج إِلَيْهَا، يُقَال قنع يقنع قناعة وقنعانا إِذا رَضِي، وللحن الْبَابَيْنِ أَشَارَ الشَّاعِر بقوله:

(7/555)


العَبْد حر إِن قنع وَالْحر عبد إِن طمع فاقنع وَلَا تطمع فَمَا شئ أضرّ من الطمع

قَوْله: (وَمفَاده) أَي الحَدِيث الخ صرح بِهِ فِي الْفَتْح جَازِمًا بِهِ، وَنَقله فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: أَي إِذا كَانَ الْعلَّة فِي عدم قبُوله شَهَادَتهمَا هُوَ طلب معاشهم من الْمَشْهُود لَهُ، إِذْ حِينَئِذٍ يتمتعون بِمَا يحصل لَهُ من الْخَيْر، وَذَلِكَ لَا يُوجد فِي الْمُسْتَأْجر والاستاذ فَتَصِح شَهَادَتهم.
لَكِن فِي التاترخانية عَن الْفَتَاوَى الغيائية: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْأَجِيرِ.
وَفِي حَاشِيَةِ الفتال عَن الْمُحِيط للسرخسي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيزَ شَهَادَةَ الْأَجِيرِ لِأُسْتَاذِهِ وَلَا الاستاذ لاجيره اه.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا اسْتَنْبَطَهُ مِنْ الْحَدِيثِ.

قَوْلُهُ: (من يفعل الردئ) أَي من أَفعَال النِّسَاء من التزين بزينتهن والتشبه بِهن فِي الْفِعْل وَالْقَوْل، فالفعل مثل كَونه محلا للواطة، وَالْقَوْل مثل تليين كَلَامه بِاخْتِيَارِهِ تشبها بِالنسَاء اه.
مغرب.
وَجعل بَعضهم الْوَاو فِي قَوْله وَالْقَوْل بِمَعْنى أَو، فأحدهما كَاف لَان التَّشْبِيه بقولهن حرَام للرِّجَال.
وَجعل الْقُهسْتَانِيّ المخنث خلقَة بِمَنْزِلَة امْرَأَة وَاحِدَة فِي الشَّهَادَة، وَهُوَ غَرِيب ط.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: أما إِذا كَانَ فِي كَلَامه لين وَفِي أَعْضَائِهِ تكسر خلقَة وَلم يشْتَهر بشئ من الافعال الرَّديئَة فَهُوَ عدل مَقْبُول الشَّهَادَة، هَكَذَا فِي التَّبْيِين اه.
وَإِنَّمَا كَانَت مَعْصِيّة لَو بِقَصْدِهِ لحَدِيث لعن الله المخنثين من الرِّجَال والمترجلات من النِّسَاء.

قَوْله: (ومغنية) وَلَو بِشعر فِي حِكْمَة.
قُهُسْتَانِيّ.
لانه صلى الله عَلَيْهِ وَآله نهى عَن الصوتين الاحمقين: الْمُغنيَة، والنائحة.
وصف الصَّوْت بِصفة صَاحبه.
اعْلَم أَنَّ التَّغَنِّي لِلَّهْوِ أَوْ لِجَمْعِ الْمَالِ حَرَامٌ بِلَا خلاف وَالنوح كَذَلِك خُصُوصا إِذا كَانَ من الْمَرْأَة، لَان رفع الصَّوْت مِنْهَا حرَام بِلَا خلاف اهـ.
شلبي.

قَوْله: (لحُرْمَة رفع صَوتهَا) ظَاهره أَنه يحرم رفع صَوتهَا فِي مَكَانهَا الْخَاص بهَا بِحَيْثُ لَا يسْمعهَا الاجنبي.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَلِذَا أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ مُغَنِّيَةٍ وَقَيَّدَ فِي غِنَاءِ الرِّجَالِ بِقَوْلِهِ لِلنَّاسِ.
وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْح.
وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى عِنْد قَوْله: وَمن بغني للنَّاس لَكِن نظر فِيهِ الطَّحْطَاوِيّ وَاسْتظْهر عَلَيْهِ بِمَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن شرح أبي المكارم، فَلَا تسمع شَهَادَة مغنية تسمع النَّاس صَوتهَا وَإِن لم تتغن لَهُم اه.
قَالَ فِي السعدية: وَمَا ذكره: أَي صَاحب الدُّرَر من قَوْله وَلَو لنَفسهَا الخ جَارٍ فِي النَّوْحِ بِعَيْنِهِ، فَمَا بَالُهُ لَمْ يَكُنْ مُسْقِطًا لِلْعَدَالَةِ إذَا نَاحَتْ فِي مُصِيبَةِ نَفسهَا اه.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: يُمكن الْفَرْقُ بِأَنَّ الْمُرَادَ رَفْعُ صَوْتٍ يُخْشَى مِنْهُ الْفِتْنَة اه.

قَوْله: (وَيَنْبَغِي تَقْيِيده الخ) مثله كل من أَتَى بَابا من أَبْوَاب الْكَبَائِر.
أَفَادَهُ الْكَمَال.
وَإِنَّمَا خص الظُّهُور عِنْد القَاضِي بالمداومة، لَان الشَّهَادَة على ذَلِك جرح مُجَرّد، لَكِن فِيهِ أَنه تقبل الشَّهَادَة عَلَيْهِ سرا.
تَأمل.

قَوْله: (ونائحة فِي مُصِيبَة غَيرهَا) فِي الْمغرب: ناحت الْمَرْأَة على الْمَيِّت: إِذا ندبته، وَذَلِكَ أَن تبْكي عَلَيْهِ وتعدد محاسنه.
والنياحة الِاسْم، وَمِنْهَا الحَدِيث على مَا قرأته فِي الْفَائِق ثَلَاثَة من أَمر الْجَاهِلِيَّة: الطعْن

(7/556)


فِي الانساب والنياحة، والانواء فالطعن مَعْرُوف، والنياحة مَا ذكر.
والانواء جمع نوء: هِيَ منَازِل الْقَمَر وَالْعرب كَانَت تعتقد أَن الامطار وَالْخَيْر كلهَا تجئ مِنْهَا، وَقيل النوح: بكاء مَعَه صَوت اه.
رملي على الْمنح.
قَالَ فِي الْبَحْر: قَوْلهم إِن النائحة لَا تسْقط عدالتها إِلَّا إِذا ناحت فِي مُصِيبَة غَيرهَا مَعَ أَن النِّيَاحَة كَبِيرَة للتوعد عَلَيْهَا لَكِن لَا تظهر إِلَّا فِي مُصِيبَة غَيرهَا غَالِبا اه.
وَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْلِيل بِهِ، وَأما الَّذِي يذكرهُ الشَّارِح عَن الواني فَلَا يَنْبَغِي تَضْييع المُرَاد بِهِ، إِذْ ظَاهره أَنه يُبَاح لَهَا حِينَئِذٍ، وَهُوَ خلاف الْمَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ.
قَالَ فِي التَّتارْخَانِيَّة معزيا للمحيط: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النَّائِحَةِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الَّتِي تنوح فِي مصيبتها، وَإِنَّمَا أَرَادَ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا وَاِتَّخَذَتْ ذَلِكَ مكسبة اه.
وَنَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الذَّخِيرَةِ.
ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يَتَعَقَّبْ هَذَا مِنْ الْمَشَايِخِ أَحَدٌ فِيمَا علمت، لَكِن بعض متأخري الشَّارِحين نظر فِيهِ بِأَنَّهُ مَعْصِيّة فَلَا فرق بَين كَونه للنَّاس أَو لَا.
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَآله: لعن الله الصالقة والحالقة والشاقة وَقَالَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ ودعا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة وَهِي فِي صَحِيح البُخَارِيّ.
وَلَا شكّ أَن النِّيَاحَة وَلَو فِي مُصِيبَة نَفسهَا مَعْصِيّة، لَكِن الْكَلَام فِي أَن القَاضِي لَا يقبل شهادتها لذَلِك وَذَلِكَ يحْتَاج فِيهِ إِلَى الشُّهْرَة ليصل إِلَى القَاضِي، فَإِنَّمَا قيد بِكَوْنِهَا للنَّاس لهَذَا الْمَعْنى، وَإِلَّا فَهُوَ يرد عَلَيْهِ مثله فِي قَوْلهم: وَلَا مدمن الشّرْب على اللَّهْو، يُرِيد شرب الاشربة الْمُحرمَة خمرًا أَو غَيره.
وَلَفظ مُحَمَّد فِي الاصل: وَلَا شَهَادَة مدمن خمر، وَلَا شَهَادَة مدمن السكر، يُرِيد وَلَو من الاشربة الْمُحرمَة الَّتِي لَيست خمر فَقَالَ هَذَا
الشَّارِح يشْتَرط الادمان فِي الْخمر وَهَذِه الاشربة: يَعْنِي الاشربة الْمُحرمَة لسُقُوط الْعَدَالَة مَعَ أَن شرب الْخمر كَبِيرَة بِلَا قيد الادمان، وَلِهَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْخَصَّافُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ الْإِدْمَانَ، لَكِن نَص عَلَيْهِ فِي الاصل كَمَا سَمِعت فَمَا هُوَ جَوَابه؟ هُوَ الْجَواب فِي تَقْيِيد الْمَشَايِخ بِكَوْن النِّيَاحَة للنَّاس، ثمَّ هُوَ نقل كَلَام الشَّيْخ فِي تَوْجِيه اشْتِرَاط الادمان أَنه إِنَّمَا شَرط ليظْهر عِنْد النَّاس، فَإِن من شربهَا سرا لَا تسْقط عَدَالَته وَلم يتنفس فِيهِ بِكَلِمَة وَاحِدَة، فَكَذَا الَّتِي ناحت فِي بَيتهَا لمصيبتها لَا تسْقط عدالتها لعدم اشتهار ذَلِك عِنْد النَّاس، وَانْظُر إِلَى تَعْلِيل المُصَنّف بِعَدَمِ ذكر الادمان بِأَنَّهُ ارْتكب محرم دينه مَعَ أَن ذَلِك ثَابت بِلَا إدمان، فَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه إِذا أدمن حِينَئِذٍ يظْهر أَنه مرتكب محرم دينه فَترد شَهَادَته، بِخِلَاف الَّتِي استمرت تنوح للنَّاس لظُهُوره حِينَئِذٍ، فَيكون كَالَّذي يسكر وَيخرج سكرانا وتلعب بِهِ الصّبيان فِي رد شَهَادَته، وَصرح بِأَن الَّذِي يتهم بِشرب الْخمر لَا تسْقط عَدَالَته.
وَمِنْهُم من فسر الادمان بنيته، وَهُوَ أَن يشرب وَمن نِيَّته أَن يشرب مرّة أُخْرَى، وَهَذَا هُوَ معنى الاصرار، وَأَنت تعلم أَنه سَيذكرُ رد من يَأْتِي بَابا من أَبْوَاب الْكَبَائِر الَّتِي يتَعَلَّق بهَا الْحَد، وَشرب الْخمر مِنْهَا من غير توقف على نِيَّة أَن يشرب، ولان النِّيَّة أَمر مبطن لَا يظْهر للنَّاس، والمدارات (1) الَّتِي يتَعَلَّق بوجودها حكم القَاضِي لَا بُد أَن تكون ظَاهِرَة لَا خُفْيَة لانها معرفَة، والخفي لَا يعرف والظهور بالادمان الظَّاهِر لَا بِالنِّيَّةِ.
نعم بالادمان الظَّاهِر يعرف إصراره، لَكِن بطلَان الْعَدَالَة لَا يتَوَقَّف فِي الْكَبَائِر على الاصرار بل أَن يَأْتِيهَا وَيعلم ذَلِك، وَإِنَّمَا ذَلِك *
__________
(1)
قَوْله: (والمدارات) المدارات بِفَتْح الْمِيم وَالرَّاء وَالدَّال المهملات أَي مدَار الامر لعدم قبُول الشَّهَادَة النِّيَّة وَهِي أَمر خَفِي لَا بُد أَن تكون إِلَخ اه.
مِنْهُ.

(7/557)


فِي الصَّغَائِر، وَقد اندرج فِيمَا ذكرنَا شرح ذَلِك اه.

قَوْله: (بِأَجْر) أطلق فِي مِسْكين وَأَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْكَافِي، وَكَذَا فِي الْقُهسْتَانِيّ كَمَا يَأْتِي النَّفْل عَنهُ قَرِيبا.

قَوْله: (زَاد الْعَيْنِيّ فَلَو فِي مصيبتها تقبل) اعْلَم أَن هَذَا التَّفْرِيع بعض من الْمَفْهُوم السَّابِق، فالعجب من قَوْله زَاد الخ بل فِي اقْتِصَار الْعَيْنِيّ وتعليل الواني إِشَارَة إِلَى أَنَّهُمَا نقصا من الْعبارَة السَّابِقَة اشْتِرَاط الاجر، وَلِهَذَا قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: وَلَو بِلَا أجر، وَتقدم الْكَلَام على مَا فِي ظَاهر التَّعْلِيل، فَافْهَم.

قَوْله: (بِزِيَادَة اضطرارها) أَي وَفِي النوح تَخْفيف هَذِه الضَّرُورَة، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك ليظْهر قَوْله فَكَانَ كالشرب للتداوي ط.

قَوْلُهُ: (وَاخْتِيَارِهَا) مُقْتَضَاهُ لَوْ
فَعَلَتْهُ عَنْ اخْتِيَارِهَا لَا تقبل.
سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.

قَوْله: (فَكَانَ كالشرب) أَي شرب محرم للتداوي فَإِنَّهُ يجوز عِنْد الثَّانِي للضَّرُورَة.

قَوْله: (وعدو) أَي على عدوه كَمَا فِي الْمُلْتَقى.

قَوْله: (بِسَبَب الدُّنْيَا) لَان المعاداة لاجلها حرَام، فَمن ارتكبها لَا يُؤمن من التقول عَلَيْهِ.
أما إِذا كَانَت دينية فَإِنَّهَا لَا تمنع لانها تدل على كَمَال دينه وعدالته.
وَهَذَا لَان المعاداة قد تكون وَاجِبَة بِأَن رأى فِيهِ مُنْكرا شرعا وَلم ينْتَه بنهيه، بِدَلِيل قبُول شَهَادَة الْمُسلم على الْكَافِر مَعَ مَا بَينهمَا من الْعَدَاوَة الدِّينِيَّة، والمقتول وليه على الْقَاتِل، والمجروح على الْجَارِح، أَو الزَّوْج على امْرَأَته بِالزِّنَا.
ذكره ابْن وهبان.
وَفِي خزانَة الْمُفْتِينَ: والعدو من يفرح لحزنه ويحزن لفرحه.
وَقيل يعرف بِالْعرْفِ اه.
وَمِثَال الْعَدَاوَة الدُّنْيَوِيَّة أَن يشْهد الْمَقْذُوف على الْقَاذِف والمقطوع عَلَيْهِ الطَّرِيق على الْقَاطِع، وَفِي إِدْخَال الزَّوْج هُنَا نظر، فقد صَرَّحُوا بِقبُول شَهَادَته عَلَيْهَا بِالزِّنَا إِلَّا إِذا قَذفهَا أَولا، وَإِنَّمَا الْمَنْع مُطلقًا قَول الشَّافِعِي.
وَفِي بعض الْفَتَاوَى: وَتقبل شَهَادَة الصّديق لصديقه اه: أَي إِلَّا إِذا كَانَت متناهية بِحَيْثُ يتَصَرَّف أَحدهمَا بِمَال الآخر كَمَا تقدم.
ثمَّ اعْلَم أَن الْمُصَرّح بِهِ فِي غَالب كتب أَصْحَابنَا وَالْمَشْهُور على أَلْسِنَة فقهائنا مَا ذكره الْمُؤلف من التَّفْصِيل.
وَنقل فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ الْعَدَاوَةَ بِسَبَبِ الدُّنْيَا لَا تَمْنَعُ، مَا لَمْ يَفْسُقْ بِسَبَبِهَا أَوْ يَجْلِبْ مَنْفَعَةً أَوْ يَدْفَعْ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَضَرَّةً، وَهُوَ الصَّحِيح وَعَلِيهِ الِاعْتِمَاد.
وَمَا فِي الْوَاقِعَات وَغَيرهَا اخْتِيَار الْمُتَأَخِّرين.
وَأما الرِّوَايَة المنصوصة فبخلافها.
وَفِي كنز الرؤوس: شَهَادَة الْعَدو على عدوه لَا تقبل لانه مُتَّهم.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُقْبَلُ إذَا كَانَ عَدْلًا.
قَالَ أستاذنا: وَهُوَ الصَّحِيح وَعَلِيهِ الِاعْتِمَاد، لانه إِذا كَانَ عدلا تقبل شَهَادَته، وَإِن كَانَ بَينهمَا عَدَاوَة بِسَبَب أَمر الدُّنْيَا اه.
وَاخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبَانَ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ، لَكِن الحَدِيث شَاهد لما عَلَيْهِ الْمُتَأَخّرُونَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَرْفُوعا: لَا تجوز شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة، وَلَا زَان وَلَا زَانِيَة، وَلَا ذِي غمر على أَخِيه والغمر: الحقد.
وَيُمكن حمله على مَا إِذا كَانَ غير عدل بِدَلِيل أَن الحقد فسق للنَّهْي عَنهُ.
وَقد ذكر ابْن وهبان رَحمَه الله تَعَالَى تَنْبِيهَات حَسَنَة لم أرها لغيره.
الاول: الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَام صَاحبه الْقنية والمبسوط أَنا إِذا قُلْنَا إِن الْعَدَاوَة قادحة فِي الشَّهَادَة تكون قادحة فِي حق جَمِيع النَّاس لَا فِي حق الْعَدو فَقَط، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْفِقْه، فَإِن الْفسق لَا يتَجَزَّأ حَتَّى يكون فَاسِقًا فِي حق شخص عدلا فِي حق آخر اه.

(7/558)


قلت: وَلِهَذَا لم يقل الْمُؤلف على عدوه بل أطلقهُ، وَيُقَاس على قَوْلهم إِن الْفسق لَا يتَجَزَّأ النَّاظر إِذا كَانَ عَلَيْهِ أنظار وقف عديدة وَثَبت فسقه بِسَبَب خيانته فِي وَاحِد مِنْهَا، فَهَل يسري فسقه فِي كلهَا فيعزل؟ أجَاب سَيِّدي الْوَالِد بالسريان وَأَنه يعْزل مِنْهَا جَمِيعًا، وَبِه أفتى أَبُو السُّعُود، وَكتب الرَّمْلِيّ هُنَا: الظَّاهِر من كَلَامهم أَن عدم الْقبُول إِنَّمَا هُوَ للتُّهمَةِ لَا للفسق، وَيُؤَيِّدهُ مَا يَأْتِي عَن ابْن الْكَمَال، وَمَا صرح بِهِ يَعْقُوب باشا وَكثير من عُلَمَائِنَا صَرَّحُوا بِأَن شَهَادَة الْعَدو على عدوه لَا تقبل، فالتقييد بِكَوْنِهَا على عدوه يَنْفِي مَا عداهُ وَهُوَ الْمُتَبَادر للافهام، فَتَأَمّله اه.
أَقُول: أَنْت خَبِير بِأَن فعل الْكَبِيرَة والاصرار على الصَّغِيرَة قَادِح فِي الْعَدَالَة، وَقد شَرط فِي الْقنية لعدم الْقبُول كَونه فسق بِتِلْكَ الْعَدَاوَة.
وعَلى هَذَا فَعدم قبُولهَا مُطلقًا ظَاهر، وَيَنْبَغِي تَقْيِيده بِمَا إِذا كَانَت عَدَاوَة ظَاهِرَة كَمَا يفِيدهُ مَا يَأْتِي عَن الْفَتْح فِي شرح قَوْله أَو يرتكب مَا يوجبد الْحَد.
فَتحَرَّر أَن الْوَجْه عدم الْقبُول مُطلقًا، وَالتَّعْلِيل بالاتهام كَمَا مر عَن كنز الرؤوس لَا يُنَافِيهِ، لَان الْفَاسِق لَا يقبل للاتهام أَيْضا، وَمَا يَأْتِي عَن ابْن الْكَمَال يُمكن حمله على مَا إِذا لم يفسق بهَا فَلْيتَأَمَّل اه.
قَالَه سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
الثَّانِي: لَو ادّعى شخص عَدَاوَة آخر يكون مُجَرّد دَعْوَاهُ اعترافا مِنْهُ بفسق نَفسه، وَلَا يكون ذَلِك قادحا فِي عَدَالَة الْمُدَّعِي أَنه عَدو مَا لم يثبت الْمُدَّعِي أَنه عَدو لَهُ.
الثَّالِث: لَو قضى القَاضِي بِشَهَادَة الْعَدو على عدوه أَو على غير عدوه هَل يَصح أَو لَا؟ قُلْنَا: إِن الْمَانِع من قبُول الشَّهَادَة هُوَ الْفسق فَيكون حِينَئِذٍ صَحِيحا نافدا، لَان القَاضِي إِذا قضى بِشَهَادَة الْفَاسِق نفذ قَضَاؤُهُ وَيصِح، وَإِن قُلْنَا: إِنَّه لِمَعْنى آخر أقوى من الْفسق لَا يَصح فِي حق الْعَدو وَيصِح فِي حق غَيره.
وَذكر ابْن الْكَمَال فِي إصْلَاح الايضاح أَن شَهَادَة الْعَدو لعَدوه جَائِزَة عكسر شَهَادَة الاصل لفرعه
اه.
وَهَذَا يدل على أَنَّهَا لم تقبل للتُّهمَةِ لَا للفسق اه.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: قَوْله لَان القَاضِي إِذا قضى بِشَهَادَة الْفَاسِق نفذ قَضَاؤُهُ وَيصِح.
قَالَ الرَّمْلِيّ: وَصَرَّحَ يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ بِعَدَمِ نَفَاذِ قَضَاء القَاضِي بِشَهَادَة الْعَدو على عدوه.
وَأَقُول: وَقِيَاسه يَقْتَضِي أَن العصبية كَذَلِك، فَلَا ينفذ ضاء القَاضِي بِشَهَادَتِهِ لانه الَّذِي يبغض الرجل لكَونه من بني فلَان أَو من قبيله كَذَا كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا مَنْقُولًا عَن معِين الْحُكَّام، فَتَأمل اه.
الرَّابِع: قد يتَوَهَّم بعض المتفقهة وَالشُّهُود أَن كل من خَاصم شخصا فِي حق وَادّعى عَلَيْهِ حَقًا أَنه يصير عدوه فَيشْهد بَينهمَا بالعداوة وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْعَدَاوَة إِنَّمَا تثبت بِنَحْوِ مَا ذكرت.
نعم لَو خَاصم الشَّخْص آخر فِي حق لَا تقبل شَهَادَته عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْحق، كَالْوَكِيلِ لَا تقبل شَهَادَته فِيمَا هُوَ وَكيل فِيهِ وَنَحْو ذَلِك، لانه إِذا تخاصم اثْنَان فِي حق لَا تقبل شَهَادَة أَحدهمَا على الآخر لما بَينهمَا من الْمُخَاصمَة اه.
قلت: وَيدل لَهُ مَا فِي فَتَاوَى قاضيخان من بَاب مَا يبطل دَعْوَى الْمُدَّعِي: رجل خَاصم رجلا فِي دَار أَو فِي حق ثمَّ إِن هَذَا الرجل شهد عَلَيْهِ فِي حق آخر جَازَت شَهَادَته إِذا كَانَ عدلا اه.
وَاعْلَم أَنه لَو شهد على رجل آخر فخاصمه فِي شئ قبل الْقَضَاء لَا يمْتَنع الْقَضَاء بِشَهَادَتِهِ إِلَّا إِذا ادّعى أَنه دفع لَهُ كَذَا لِئَلَّا يشْهد عَلَيْهِ وَطلب الرَّد وَأثبت دَعْوَاهُ بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار أَو نُكُول فَحِينَئِذٍ بطلت

(7/559)


شَهَادَته، وَهُوَ جرح مَقْبُول كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَسَيَأْتِي فِي بَيَان الْجرْح.
الْخَامِس: إِذا قُلْنَا: لَا تجوز شَهَادَة الْعَدو على عدوه إِذا كَانَت دنيوية هَل الحكم فِي القَاضِي كَذَلِك حَتَّى لَا يجوز قَضَاء القَاضِي على من بَينه وَبَينه عَدَاوَة؟ لم أَقف عَلَيْهِ فِي كتب أَصْحَابنَا، وَيَنْبَغِي أَن يكون الْجَواب فِيهِ على التَّفْصِيل: إِن كَانَ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ يَنْبَغِي أَن لَا ينفذ، وَإِن كَانَ بِشَهَادَة الْعُدُول وبمحضر من النَّاس فِي مجْلِس الحكم بِطَلَب خصم شَرْعِي يَنْبَغِي أَن ينفذ.
وَفرق الْمَاوَرْدِيّ من الشَّافِعِيَّة بَينهمَا بِأَن أَسبَاب الحكم ظَاهِرَة وَأَسْبَاب الشَّهَادَة خافية.
بَحر.
وَقدمنَا أَوَائِل الْبَاب أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ مُعْتَمَدَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: عَدَمُ قبُولهَا على الْعَدو، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَعَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْعِلَّةَ الْعَدَاوَةُ لَا الْفِسْقُ، وَإِلَّا لَمْ تقبل على غير الْعَدو أَيْضًا.
ثَانِيهِمَا: أَنَّهَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا فَسَقَ بهَا، وَاخْتَارَهُ ابْن وهبان وَابْن الشّحْنَة فَرَاجعه، وَكَذَا تقدم فِي أول الْقَضَاء الْكَلَام على ذَلِك فَارْجِع إِلَيْهِ.
وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيُّ: سُئِلَ فِي شَخْصٍ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَقَالَ إنَّهُمْ ضَرَبُونِي خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَحَكَمَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْخُصُومَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَهَلْ تُسْمَعُ؟ الْجَوَابُ: قَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ عَدَاوَةً دُنْيَوِيَّةً، وَهَذَا قَبْلَ الْحُكْمِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ نَقْضِ الْحُكْمِ، كَمَا قَالُوا: إنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ، فَإِذا قضى لَا ينْقض اه.
لَكِن يُعَارضهُ مَا قدمْنَاهُ آنِفا عَن الرَّمْلِيّ، وَصَرَّحَ يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ بِعَدَمِ نَفَاذِ قَضَاء القَاضِي بِشَهَادَة الْعَدو على عدوه.
وَأَقُول: وَقِيَاسه يَقْتَضِي أَن العصبية كَذَلِك، فَلَا ينفذ قَضَاء القَاضِي بِشَهَادَتِهِ لانه الَّذِي يبغض الرجل لكَونه من بني فلَان أَو من قبيلته كَمَا فِي معِين الْحُكَّام اه.
أَقُول: وَقدم الشَّارِح عبارَة اليعقوبية أول الْقَضَاء وأقرها سَيِّدي الْوَالِد، وَكَذَا الْخَيْر الرَّمْلِيّ فِي فَتَاوَاهُ فَتنبه.

قَوْله: (فَتقبل لَهُ لَا عَلَيْهِ) هَذَا يُفِيد قبُولهَا لغير عدوه إِذا لم يفسق بِهِ كَمَا يَأْتِي.

قَوْله: (وَاعْتمد فِي الْوَهْبَانِيَّة والمحبية قبُولهَا الخ) قد علمت مَا تحصل مِمَّا سبق أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ وَإِن كَانَ عدلا وعد نَفاذ الْقَضَاء بهَا، وَالْمَسْأَلَة دوراة فِي الْكتب فاحفظه.

قَوْله: (مَا لم يفسق بِسَبَبِهَا) وَهِي الرِّوَايَة المنصوصة والاطلاق اخْتِيَار الْمُتَأَخِّرين.
وَفِي الْقُهسْتَانِيّ مَا يُفِيد أَن مَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخّرُونَ هُوَ الصَّحِيح فِي زمانهم وزماننا اهـ.
وَيَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ مَا قيل فِي مدمن الْخمر من الاشتهار ط.

قَوْله: (قَالُوا والحقد فسق للنَّهْي عَنهُ) فسره فِي الطَّرِيقَة المحمدية بِأَن يلْزم نَفسه بغضه وَإِرَادَة الشَّرّ لَهُ.
وَحكمه: إِن لم يكن بظُلْم أَصَابَهُ مِنْهُ بل بِحَق وَعدل كالامر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فَحَرَام، وَإِن كَانَ بظُلْم أَصَابَهُ مِنْهُ فَلَيْسَ بِحرَام، وَإِن لم يقدر على أَخذ الْحق فَلهُ تَأْخِيره إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
قَالَ الله تَعَالَى: * (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ من سَبِيل إِنَّمَا السَّبِيل على الَّذين
يظْلمُونَ النَّاس ويبغون فِي الارض بِغَيْر الْحق أُولَئِكَ لَهُم عَذَاب أَلِيم) * (الشورى: 41 - 42) وسَاق للنَّهْي أَحَادِيث دَالَّة عَلَيْهِ.
مِنْهَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَآله: لَا تُظْهِرْ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيك فَيُعَافِيَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَك.
وَمِنْهَا قَوْله

(7/560)


صلى الله عَلَيْهِ وَآله: لَا يحل لمُؤْمِن أَن يهجر مُؤمنا فَوق ثَلَاث، فَإِذا مرت بِهِ ثَلَاث فليلقه وليسلم عَلَيْهِ، فَإِن رد عَلَيْهِ فقد اشْتَركَا فِي الاجر، وَإِن لم يرد عَلَيْهِ فقد بَاء بالاثم وَهَذَا مَحْمُول على الهجر لاجل الدُّنْيَا، وَأما لاجل الْآخِرَة وَالْمَعْصِيَة والتأديب فَجَائِز بل مُسْتَحبّ من غير تَقْدِير اه.

قَوْله: (سَوَاء شهد على عدوه أَو غَيره) أَو لَهما قيل عَلَيْهِ مفاده أَن عَدو الشَّخْص لَا تقبل شَهَادَته على الشَّخْص وَلَا على غَيره وَلَا معنى لَهُ، إِذْ شَهَادَة عَدو زيد على عَمْرو مَقْبُولَة، فَلَعَلَّ فِي الْعبارَة سقطا اه.
أَقُول: حَيْثُ كَانَ عدم قبُول شَهَادَة الْعَدو على عدوه مَبْنِيا على أَنه يفسق بالمعاداة وَالْفِسْق مِمَّا لَا يتَجَزَّأ فَلهُ معنى، وَلَيْسَ فِي الْعبارَة سقط حِينَئِذٍ لَا فرق بَين ذَلِك الشَّخْص وَغَيره، وَإِنَّمَا يفرق الْحَال لَو كَانَ عدم الْقبُول مَبْنِيا على التُّهْمَة.
فَتَأمل.
ذكره الْحَمَوِيّ.

قَوْله: (لَا تقبل شَهَادَة الْجَاهِل) قَالَ فِي معِين الْحُكَّام: وَلَا من لَا يحكم فَرَائض الْوضُوء وَالصَّلَاة.
وَمن سَافر فَاحْتَاجَ للتيمم فَلم يُحسنهُ وَلَا المنجم وَإِن اعْتقد عدم تَأْثِير النُّجُوم وَادّعى أَنَّهَا أَدِلَّة ويؤدب حَتَّى يكف عَن هَذَا الِاعْتِقَاد وَلَا يصدق لقَوْله تَعَالَى: * () * (الْجِنّ: 26 - 27) .

قَوْله: (على الْعَالم) لَيْسَ بِقَيْد بِدَلِيل التَّفْرِيع وَالتَّعْلِيل ح.

قَوْله: (لفسقه بترك مَا يجب تعلمه شرعا) قدم فِي بَاب التَّعْزِير أَن للْقَاضِي أَن يسْأَل عَن سَبَب فسق الشَّاهِد، فَلَو قَالَ الطاعن هُوَ تَرْكُ وَاجِبٍ سَأَلَ الْقَاضِي الْمَشْتُومَ عَمَّا يجب عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا ثَبَتَ فِسْقُهُ لِمَا فِي الْمُجْتَبَى: مَنْ تَرَكَ الِاشْتِغَالَ بِالْفِقْهِ لَا تقبل شَهَادَته، وَالْمرَاد مَا يجب تعلمه مِنْهُ اه.

قَوْله: (والعالم الخ) أَتَى بِهِ دفعا لتوهم أَن الْعَالم الْمدرس.

قَوْله: (من يسْتَخْرج الْمَعْنى) السِّين وَالتَّاء زائدتان، وَالْمرَاد بِإِخْرَاجِهِ من التَّرْكِيب فهمه مِنْهُ، وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بِهِ من يعلم الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَبَعض آلاتها ط.
قَالَ فِي الاشباه: والاهلية للتدريس لَا تخفى على من لَهُ بَصِيرَة، وَالَّذِي يظْهر أَنَّهَا بِمَعْرِفَةِ مَنْطُوقِ الْكَلَامِ وَمَفْهُومِهِ وَبِمَعْرِفَةِ الْمَفَاهِيمِ، وَأَن تكون لَهُ سَابِقَة الِاشْتِغَال عَلَى الْمَشَايِخِ بِحَيْثُ صَارَ يَعْرِفُ الِاصْطِلَاحَاتِ وَيَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ الْمَسَائِلِ مِنْ
الْكُتُبِ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى أَنْ يَسْأَلَ وَيُجِيبَ إذَا سُئِلَ، وَيَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى سَابِقَةِ اشْتِغَالٍ فِي النَّحْوِ وَالصَّرْفِ بِحَيْثُ صَارَ يَعْرِفُ الْفَاعِلَ مِنْ الْمَفْعُول إِلَى غير ذَلِك، وَإِذا قَرَأَ لَا يلحن، وَإِذا لحن قَارِئ بِحَضْرَتِهِ رد عَلَيْهِ اه.
أَقُول: لَكِن يُؤَيّد أَن المُرَاد بِهِ من يعلم الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة مَا قَالَه قاضيخان: أوصى لاهل الْعلم ببلخ يدْخل أهل الْفِقْه والْحَدِيث اه.

قَوْله: (ومجازف فِي كَلَامه) هُوَ المكثر مِنْهُ الَّذِي لَا يتحَرَّى الصدْق، فَإِن من كثر كَلَامه كثر سقطه.
والمجازفة: هِيَ التَّكَلُّم بِلَا معيار شَرْعِي.
رُوِيَ أَن الْفضل بن الرّبيع وَزِير الْخَلِيفَة شهد عِنْد أبي يُوسُف فَرد شَهَادَته، فَعَاتَبَهُ الْخَلِيفَة وَقَالَ: لم رددت شَهَادَته؟ قَالَ: لاني سمعته يَوْمًا يَقُول للخليفة أَنا عَبدك، فَإِن كَانَ صَادِقا فَلَا شَهَادَة للْعَبد، وَإِن كَانَ كَاذِبًا فَكَذَلِك، لانه إِذا لم يبال فِي مجلسك بِالْكَذِبِ فَلَا يُبَالِي فِي مجلسي، فعذره الْخَلِيفَة اه.
زَاد فِي فتح الْقَدِير بعده: وَالَّذِي عِنْدِي أَن رد أبي يُوسُف شَهَادَته لَيْسَ للكذبة، لَان قَول الْحر لغيره أَنا

(7/561)


عَبدك إِنَّمَا هُوَ مجَاز بِاعْتِبَار معنى الْقيام بخدمتك وكوني تَحت أَمرك ممتثلا لَهُ على إهانة نَفسِي فِي ذَلِك، والتكلم بالمجاز على اعْتِبَار الْجَامِع، فَإِن وَجه التَّشَبُّه لَيْسَ كذبا مَحْظُورًا شرعا، وَلذَا وَقع الْمجَاز فِي الْقُرْآن، وَلَكِن رده لما يدل عَلَيْهِ خُصُوص هَذَا الْمجَاز من إذلال نَفسه وطاعته لاجل الدُّنْيَا، فَرُبمَا يضر هَذَا الْكَلَام إِذا قيل للخليفة فَعدل إِلَى الِاعْتِذَار بِأَمْر يقرب من خاطره اه.

قَوْله: (أَو يحلف فِيهِ) أَي فِي كَلَامه كثيرا: أَي وَإِن كَانَ فِي صدق فَإِن جرأته على ذَلِك تَقْتَضِي قلَّة مبالاته بِأُمُور الدّين، ولانه رُبمَا أَدَّاهُ ذَلِك إِلَى الْكَذِب فِيهِ.
وَقد عده فِي الطَّرِيقَة المحمدية من جملَة آفَات اللِّسَان وسَاق آيَات وَأَحَادِيث، ثمَّ قَالَ: إِن الْحلف بِاللَّه تَعَالَى صَادِقا جَائِزا بِلَا خلاف، لَكِن إكثاره مَكْرُوه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَآله: الْحلف حنث أَو نَدم وَتَمَامه فِيهَا.

قَوْله: (أَو اعْتَادَ شتم أَوْلَاده أَو غَيرهم) كمماليكه وَأَهله، فَإِن كَانَ ذَلِك يصدر مِنْهُ أَحْيَانًا لَا يُؤثر فِي إِسْقَاط الْعَدَالَة، لَان الانسان قَلما يَخْلُو مِنْهُ: هندية.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى: مَنْ يَشْتُمُ أَهْلَهُ وَمَمَالِيكَهُ كَثِيرًا فِي كُلِّ سَاعَةٍ لَا يُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ أَحْيَانَا يُقْبَلُ، وَكَذَا الشتام للحيوان كدابته اه.
قَالَ فِي شرح أدب القَاضِي: إِن من سبّ وَاحِدًا من الْمُسلمين لَا يكون عدلا كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: وحرر ابْن وهبان مَسْأَلَة الشتم حَيْثُ قَالَ: وَالْفِقْه فِي ذَلِك أَن الشتم لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون بِمَا فِيهِ أَو بِمَا لَيْسَ فِيهِ فِي وَجهه أَو غيبته، فَإِن كَانَ فِي غيبته فَهُوَ غيبَة وَإِنَّهَا توجب الْفسق، وَإِن كَانَ فِي وَجهه فَفِيهِ إساءة أدب، وَإنَّهُ من صَنِيع رعاع النَّاس وسوقتهم الَّذين لَا مُرُوءَة لَهُم وَلَا حَيَاء فيهم، وَإِن ذَلِك مِمَّا يسْقط الْعَدَالَة، وَكَذَا إِذا كَانَ السب باللعنة والابعاد كَمَا يَفْعَله من لَا خلاق لَهُم من السوقة وَغَيرهم اه: أَي وَإِن كَانَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ كذب وَحِكْمَة ظَاهر، وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك مَا ورد فِي الحَدِيث: سباب الْمُسلم فسوق وقتاله كفر قَالَ ابْن الاثير فِي النِّهَايَة: السب: الشتم، يُقَال سبه يسبه سبا وسبابا، قيل هَذَا مَحْمُول على من سبّ أَو قَاتل مُسلما بِغَيْر تَأْوِيل، وَقيل إِنَّمَا قَالَ ذَلِك على جِهَة التَّغْلِيظ لَا أَنه يُخرجهُ إِلَى الْكفْر وَالْفِسْق.
وَأَقُول: هَذَا خلاف الظَّاهِر اه.

قَوْله: (لانه) أَي الاعتياد.

قَوْله: (كَبِيرَة) أَي إِذا أصر عَلَيْهِ بِالْعودِ وَلذَا قَيده بالاعتياد، وَإِلَّا فَهُوَ صَغِيرَة.

قَوْله: (كَتَرْكِ زَكَاة) أَي من غير عذر وَبِه أَخذ الْفَقِيه.
قَالَ الامام فَخر الدّين: وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ.
وَذكر الخاصي عَن قاضيخان أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى سُقُوطِ الْعَدَالَةِ بِتَأْخِيرِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ دُونَ الْحَجِّ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا.
كَذَا فِي شَرْحِ النَّظْمِ الْوَهْبَانِيِّ.
منح فِي الْفُرُوع آخر الْبَاب.
وَالصَّحِيح أَن تَأْخِير الزَّكَاة لَا يبطل الْعَدَالَة كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة.

قَوْله: (أَو حج) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: كل فرض لَهُ وَقت معِين كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم إِذا أخر من غير عذر سَقَطت عَدَالَته.
وَمَا لَيْسَ لَهُ وَقت معِين كَالزَّكَاةِ وَالْحج.
روى هِشَام عَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى أَن تَأْخِيره لَا يسْقط الْعَدَالَة وَبِه أَخذ مُحَمَّد بن مقَاتل.
وَقَالَ بَعضهم: إِذا أخر الزَّكَاة وَالْحج من غير عذر ذهبت عَدَالَته، وَبِه أَخذ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث.
وبتأخير الْحَج لَا تسْقط خُصُوصا فِي زَمَاننَا كَمَا فِي الْمُضْمرَات.

قَوْله: (على رِوَايَة فوريته) فِي الْعَام الاول عِنْد الثَّانِي، وَأَصَح الرِّوَايَتَيْنِ عَن الامام وَمَالك وَأحمد: أَي فيفسق وَترد شَهَادَته بِتَأْخِير سِنِين، لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ صَغِيرَةٌ، وَبِارْتِكَابِهِ مَرَّةً لَا يُفَسَّقُ إلَّا بِالْإِصْرَارِ.
بَحْرٌ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفَوْرِيَّةَ ظَنِّيَّةٌ، لِأَنَّ دَلِيلَ الِاحْتِيَاطِ ظَنِّيٌّ، وَلِذَا أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ تَرَاخَى كَانَ أَدَاءً وَإِنْ أَثِمَ

(7/562)


بِمَوْتِهِ قبله كَمَا نَقله الشَّارِح فِي الْحَج.

قَوْله: (أَو ترك جمَاعَة) قَالَ فِي الْفَتْح: مِنْهَا تَرْكُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَ كَوْنِ الْإِمَامِ لَا طَعْنَ عَلَيْهِ فِي دِينٍ وَلَا حَالٍ، وَإِن كَانَ متأولا فِي تَركهَا كَأَن يكون مُعْتَقدًا أَفضَلِيَّة أَوَّلَ الْوَقْتِ وَالْإِمَامُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ أَوْ غَيْرَ ذَلِك لَا تسْقط عَدَالَته بِالتّرْكِ.
أَقُول: وَالْجَمَاعَة سنة مُؤَكدَة فِي قُوَّة الْوَاجِب، وَقيل وَاجِبَة، وَقيل فرض كِفَايَة، وَقيل فرض عين.
وَالْقَوْل بِوُجُوبِهَا هُوَ قَول عَامَّةُ مَشَايِخِنَا، وَبِهِ جَزَمَ فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَب، وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَأَقْوَاهَا وَلِذَا قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ: لَا تقبل شَهَادَته إِذا تَركهَا اسْتِخْفَافًا بِأَن لَا يستعظم أمرهَا كَمَا يَفْعَله الْعَوام أَو مجانة أَو فسقا إمَّا سَهْوًا أَوْ بِتَأْوِيلٍ، كَكَوْنِ الْإِمَامِ مِنْ أهل الاهواء أَو فَاسِقًا فكره الِاقْتِدَاء بِهِ وَلَا يُمكنهُ أَن يصرفهُ، أَو لَا يُرَاعى مَذْهَب الْمُقْتَدِي فَتقبل.
وَالْقَائِل بالفرضية لَا يشترطها للصِّحَّة فَتَصِح صلَاته مُنْفَردا، وتسميتها سنة لوُجُوبهَا بِالسنةِ.
وَتَمام الْكَلَام فِي شرحنا على (نور الايضاح الْمُسَمّى بمعراج النجاح) فَرَاجعه، فَإِن فِيهِ فَوَائِد خلت عَنْهَا أَكثر الشُّرُوح.

قَوْله: (أَو جُمُعَة) مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالْحَلْوَانِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كالسرخسي، والاول أوجه.
فتح.
لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّ الْحُكْمَ بِسُقُوطِ الْعَدَالَةِ بارتكاب الْكَبِيرَة يحْتَاج إِلَى الظُّهُور.
تَأمل.
سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
قَالَ فِي تَهْذِيب القلانسي قَالَ: فِي ترك الْجَمَاعَة مجَّانا شهرا.
وَفِي الذَّخِيرَة: هَذَا إِن لم يستخف بِالدّينِ وَإِن اسْتحق فَهُوَ كَافِر اه.

قَوْله: (أَو أكل فَوق شبع) عِنْد الاكثرين.
وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بالشبع مَا لَا يضرّهُ، وَبِمَا زَاد عَلَيْهِ مَا يضرّهُ لانه هُوَ الَّذِي يحرم ط.

قَوْله: (بِلَا عذر) رَاجع إِلَى الثَّلَاثَة قبله.
وَمِثَال الْعذر فِي الاكل مؤانسة الضَّيْف وَقصد التقوي على صَوْم الْغَد كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة وَالْفَتْح.
وَمن الْعذر مَا إذَا أَكَلَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ لِيَتَقَايَأَهُ.
قَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ: رَأَيْت أَنَسَ بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُ يَأْكُلُ أَلْوَانًا مِنْ الطَّعَامِ وَيُكْثِرُ ثُمَّ يتقايأ وينفعه ذَلِك.
خَانِية.
أَقُول: وَهل مثله مَا إِذا كَانَ مضيفا وَلَا يرضى صَاحب الطَّعَام إِلَّا بذلك؟ بَحر.
وَالَّذِي فِي حفظي أَنه عذر أَيْضا فَليُرَاجع.
أما مَسْأَلَة الضَّيْف فَالظَّاهِر إِذا لم يكن بَينهمَا مباسطة تَامَّة، أما إِذا كَانَ فَلَا يكون عذرا وليحرر أَيْضا.

قَوْله: (وَخُرُوج لفرجة قدوم أَمِير) فِي الْهِنْدِيَّة: إِذا قدم الامير بَلْدَة
فَخرج النَّاس وجلسوا فِي الطَّرِيق ينظرُونَ إِلَيْهِ، قَالَ خلف: بطلت عدالتهم إِلَّا أَن يذهبوا للاعتبار فَحِينَئِذٍ لَا تبطل عدالتهم، وَالْفَتْوَى على أَنهم إِذا خَرجُوا لَا لتعظيم من يسْتَحق التَّعْظِيم وَلَا للاعتبار تبطل عدالتهم.
كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة وقاضيخان.
وَعلله فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى بشغله الطَّرِيق فَصَارَ مرتكبا لِلْحَرَامِ لانه حق الْعَامَّة وَلم يعْمل للجلوس اه.
وَهَذَا التَّعْلِيل يُفِيد أَنه إِذا تجرد عَن شغل الطَّرِيق لَا يكون قادحا مُطلقًا، وَلَا يُنَافِيهِ مَا تقدم إِذا تأملته، لَكِن كَلَام قاضيخان يُفِيد خِلَافه.
قَالَ ابْن وهبان: وَيَنْبَغِي أَن يكون ذَلِك على مَا اعتاده أهل الْبَلَد، فَإِن كَانَ من عَادَة أهل الْبَلَد أَنهم يَفْعَلُونَ ذَلِك وَلَا يُنكرُونَ وَلَا يستخفون فَيَنْبَغِي أَن لَا يقْدَح.
وَذكر ابْن الشّحْنَة بعده: فَقَوْل المُصَنّف وَيَنْبَغِي الخ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي اه.
وَمثله فِي الْبَحْر.
قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: أَقُول فَتحَرَّر من مَجْمُوع مَا ذكر أَنه إِن كَانَ الامير غير صَالح قدح فِي الْعَدَالَة مُطلقًا.
وَإِن كَانَ صَالحا وَلم يشغل الطَّرِيق لَا يقْدَح، وَإِن شغله قدح، وَأَنت على علم بِأَن الحكم يَدُور مَعَ الْعلَّة وَالْعلَّة فِي الْقدح ارْتِكَاب مَا هُوَ مَحْظُور وتعظيم الْفَاسِق كَذَلِك، فعلى ذَلِك يَدُور الحكم.
تَأمل اه.

(7/563)


أَقُول: هَذَا بمعزل عَمَّا قدمْنَاهُ فِيمَا إِذا خرج للاعتبار وَلم يجلس فِي الطَّرِيق وَكَانَ الامير صَالحا أَو فَاسِقًا وَلم يقْصد تَعْظِيمه فَحِينَئِذٍ لَا يقْدَح كَمَا علمت، فَافْهَم.

قَوْله: (وركوب بَحر) أَي بَحر الْهِنْد، وَهُوَ الْبَحْر الاحمر الْمَعْرُوف الْآن ببحر السويس بِأَنَّهُ إِذا ركب الْبَحْر إِلَى الْهِنْد فقد خاطر بِنَفسِهِ وَدينه، وَمِنْهَا سُكْنى دَار الْحَرْب وتكثير سوادهم وعددهم وتشبهه بهم لينال بذلك مَالا وَيرجع إِلَى أَهله غَنِيا، فَإِذا كَانَ لَا يُبَالِي بِمَا ذكر لَا يَأْمَن أَن يَأْخُذ من عرض الدُّنْيَا فَيشْهد بالزور.
وَقَالَ ظهير الدّين: لَا يمْنَع.
قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: وَالَّذِي يظْهر أَن الْمَانِع لَيْسَ الرّكُوب لَهُ مُطلقًا بل مَعَ مَا اقْترن بِهِ، وَهَذَا حِين كَانَ الْهِنْد كُله كفرا كَمَا يرشد إِلَيْهِ التَّعْلِيل.
كَيفَ وَالنَّص الْقطعِي أَبَاحَ ركُوب الْبَحْر مُطلقًا إِلَّا عِنْد ظن الْهَلَاك، وَمَا زَالَ السّلف يركبون الْبحار من غير إِنْكَار، وَنَصّ الْقُرْآن الْعَظِيم أعظم دَلِيل على الْجَوَاز اه بِتَصَرُّف.
وَفِي الْقُهسْتَانِيّ: وَقيل يشْهد رَاكب الْبَحْر للتِّجَارَة وَغَيرهَا، وَهُوَ الصَّوَاب اه ط.
أَقُول: لَا سِيمَا فِي زَمَاننَا الْآن فَإِنَّهُ لَا مخاطرة بِالنَّفسِ، وَلَا مَحل لظن الْهَلَاك فِي السفن المخترعة الْآن وَهِي الْمَعْرُوفَة ببابور النَّار، فَإِن سَيرهَا بالعجل لَا بِالرِّيحِ، فَإِن سَيرهَا بالعجل يَدُور ببخار المَاء المغلي بالنَّار فَلَا يخْشَى من تلف إِلَّا نَادرا من غَفلَة الملاحين.

قَوْله: (وَلبس حَرِير) إِلَى قَوْله أَو قمر محمل ذَلِك فِيمَا يظْهر على من شهر بذلك ط.
أما لبس الْحَرِير فلحرمته إِلَّا مَا اسْتثْنى.
وَأما الْبَوْل فِي السُّوق فلاخلاله بالمروءة.
وَأما اسْتِقْبَال الشَّمْس وَالْقَمَر فِي الْبَوْل فلكراهة ذَلِك لانهما آيتان عظيمتان مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الْبَاهِرَةِ، وَقِيلَ لِأَجْلِ الْمَلَائِكَةِ الَّذين مَعَهُمَا، وَالْمرَاد بالاستقبال اسْتِقْبَال عينهما، فَلَو كَانَ فِي مَكَان مَسْتُور وَلم تكن عينهما بمرأى مِنْهُ بِأَن كَانَ سَاتِرٌ يَمْنَعُ عَنْ الْعَيْنِ وَلَوْ سَحَابًا فَلَا كَرَاهَة، كَمَا إِذا لم يَكُونَا فِي كبد السَّمَاء كَمَا حررته فِي (مِعْرَاج النجاح على نور الايضاح) .
أَقُول: وَمثل لبس الْحَرِير اسْتِعْمَال مَا يحرم شرعا كفضة وَذهب، وَقَوله: أَو إِلَى قبْلَة ظَاهره وَلَو فِي بِنَاء مَعَ أَن الائمة يَقُولُونَ بِعَدَمِ الْكَرَاهَة فِيهِ، فَالظَّاهِر أَن يُقيد هُوَ وَمَا يعده فِي الصَّحرَاء.

قَوْله: (وطفيلي) يتتبع الدَّعْوَات من غير أَن يَدعِي وَصَارَ عَادَة لَهُ وَإِن أَثم بِمرَّة: أَي بِلَا خلاف كَمَا فِي الْبَحْر.

قَوْله: (ومسخرة) لرفضه الْمُرُوءَة إِن اعْتَادَ ذَلِك واشتهر، ولارتكاب الْمَحْظُورَات غَالِبا بِلَا خلاف كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة.

قَوْله: (ورقاص) وَمِنْه الكوشت والحربية وَالْمَعْرُوف بِالسَّمَاعِ كل ذَلِك حرَام، فَمن اعتاده واشتهر عَنهُ يقْدَح فِي عَدَالَته دون مَا يَقع مِمَّن غلب عَلَيْهِم الْحَال ويفعلون ذَلِك بِدُونِ اخْتِيَار، نفعنا الله تَعَالَى بهم، كَمَا أوضح ذَلِك سَيِّدي الْوَالِد فِي رِسَالَة (شِفَاءُ الْعَلِيلِ وَبَلُّ الْغَلِيلِ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ بالختومات والتهاليل) .

قَوْله: (وشتام للدابة) مَحْمُول على الاعتياد.
أَفَادَهُ فِي الْهِنْدِيَّة.

قَوْله: (وَفِي بِلَادنَا يشتمون بَائِع الدَّابَّة) فَيجْرِي فِيهِ التَّفْصِيل فِي الاعتياد وَعَدَمه، وَكَثِيرًا مَا يلعنون الدَّابَّة وبائعها فَلَا يجوز لعن الدَّابَّة وَغَيرهَا من الجماد، وَقد ورد التَّصْرِيح بِالنَّهْي عَن اللَّعْن.

قَوْله: (لَا تقبل شَهَادَة الْبَخِيل) ذكره فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْمُحِيط.

قَوْله: (يستقصي) بالصَّاد الْمُهْملَة: أَي يُبَالغ.

قَوْله: (فِيمَا يتقرض) وَفِي نُسْخَة يقبض وَهُوَ كَذَلِك فِي الْخُلَاصَة.
وَالَّذِي فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة لعبد الْبر

(7/564)


والشرنبلالي يقْرض بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة تَحت وَالْقَاف اه ح.

قَوْله: (وَلَا شَهَادَةُ الْأَشْرَافِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ
لِتَعَصُّبِهِمْ) لانهم قوم يتعصبون، فَإِذا نَاب قوم أحد مِنْهُم نائبة أَتَى سيد قومه فَيشفع فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِزُورٍ اه.
وَعَلَى هَذَا كُلُّ مُتَعَصِّبٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.
بَحر.
قَالَ الرَّمْلِيّ: قَالَ الْغَزِّي قلت: وَفِي الْخُلَاصَة من كتاب الْقَضَاء: فَإِن عدله اثْنَان وجرح اثْنَان فالجرح أولى، إِلَّا إِذا كَانَ بَينهم تعصب فَإِنَّهُ لَا يقبل جرحهم لَان أصل الشَّهَادَة لَا تقبل عِنْد العصبية فالجرح أولى اه.
وَفِي معِين الْحُكَّام فِي مَوَانِع قبُول الشَّهَادَة قَالَ: وَمن العصبية أَن يبغض الرجل الرجل لانه من بني فلَان أَو من قَبيلَة كَذَا اه.
أَقُول: من التعصب أَن يبغضه لانه من حزب فلَان أَو من أَصْحَابه أَو من أَقَاربه أَو منسوبيه اه.
قَالَ عبد الْحَلِيم فِي حَاشِيَة الدُّرَر: وَلَا يذهب عَلَيْك أَن أَكثر طَائِفَة الْقُضَاة بل الموَالِي فِي عصرنا بَينهم تعصب ظَاهر لاجل المناصب والرتب، فَيَنْبَغِي أَن لَا تقبل شَهَادَة بَعضهم على بعض مَا لم يتَبَيَّن عَدَالَته كَمَا لَا يخفى اه.

قَوْله: (وَلَا مَنْ انْتَقَلَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ الخ) أَي اسْتِخْفَافًا لانه لَا يكون أَهلا للشَّهَادَة فَلَا يعْتَمد عَلَيْهِ.
منح، وَتقدم فِي بَاب التَّعْزِير أَن من ارتحل إِلَى مَذْهَب بِدُونِ حَاجَة شَرْعِيَّة يُعَزّر فَكَانَ ذَلِك مَعْصِيّة مُوجبَة لرد شَهَادَته، ولانه لَيْسَ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحَنَفِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، وَقِيلَ لِمَنْ انْتَقَلَ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِيُزَوَّجَ لَهُ أَخَافُ أَن يَمُوت مسلوب الايمان لاهانته بِالدّينِ بجيفة قذرة.
قنية من كتاب الْكَرَاهِيَة.
وَفِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ مِنْ الْمِنَحِ: وَإِنْ انْتقل إِلَيْهِ لقلَّة مبالاة فِي الِاعْتِقَاد والجرأة عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ كَمَا يتقوله وَيَمِيلُ طَبْعُهُ إلَيْهِ لِغَرَضٍ يَحْصُلُ لَهُ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اه.
فَعُلِمَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ خَاصٍّ بِانْتِقَالِ الْحَنَفِيِّ، وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، فَافْهَمْ وَلَا تَكُنْ مِنْ الْمُتَعَصِّبِينَ فَتَحْرُمَ بَرَكَةُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهدين نفعنا الله تَعَالَى بهم أَجْمَعِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة آمين.
وَتقدم هَذَا الْبَحْثَ مُسْتَوْفًى فِي فَصْلِ التَّعْزِيرِ فَارْجِعْ إِلَيْهِ.

قَوْله: (وَكَذَا بَائِع الاكفان والحنوط) أَي إِذا ابتكر وترصد لذَلِك، أما إِذا كَانَ يَبِيع الثِّيَاب وَيَشْتَرِي مِنْهُ الاكفان تجوز شَهَادَته.
جَامع الْفَتَاوَى وبحر.
وَفِي الْهِنْدِيَّة: إِذا كَانَ الرجل يَبِيع الثِّيَاب المصورة أَو ينسجها لَا تقبل شَهَادَته اه: أَي صُورَة ذِي روح.

قَوْلُهُ: (لِتَمَنِّيهِ الْمَوْتَ) وَإِنْ لَمْ يَتَمَنَّهُ بِأَنْ كَانَ عَدْلًا تُقْبَلْ.
كَذَا قَيَّدَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ.
قَالَ الرحمتي: وَيَنْبَغِي
أَن يكون مثله بَائِع الطَّعَام لتمنيه الغلاء والشدة على النَّاس اه.
أَقُول: وَهَذَا أَيْضا إِن لم يتمنه بِأَن كَانَ عدلا تقبل.

قَوْله: (وَكَذَا الدَّلال) أَي فِيمَا عقده لعدم صِحَة الشَّهَادَة على فعل نَفسه أَو مُطلقًا لِكَثْرَة كذبه.
فِي التَّنْقِيح لسيدي الْوَالِد: سُئِلَ فِي شَهَادَة الدَّلال الْعدْل الَّذِي لَا يحلف وَلَا يكذب هَل تقبل؟ الْجَواب نعم إِذا كَانَ كَذَلِك تقبل.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَكَذَا لَا تقبل شَهَادَة النخاس، وَهُوَ الدَّلال إِلَّا إِذا كَانَ عدلا لم يكذب وَلم يحلف اه.
وَقدمنَا عَن الْفَتْح أَن أهل الصناعات الدنيئة الاصح أَنَّهَا تقبل كالزبال والحجام لانها تَوَلَّاهَا قَوْمٌ صَالِحُونَ، فَمَا لَمْ يُعْلَمْ الْقَادِحُ لَا يَبْنِي على ظَاهر الصِّنَاعَة، وَكَذَا الدلالون

(7/565)


والنخاسون، وَيحْتَمل أَن المُرَاد الدَّلال إِذا شهد على البيع، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: الوكيلان بِالْبيعِ والدلالان إِذا شَهدا قَالَا نَحن بعنا هَذَا الشئ من فلَان لَا تقبل شَهَادَتهمَا اه.

قَوْله: (وَالْوَكِيل) أَي بِالنِّكَاحِ.

قَوْله: (وَلَو بِإِثْبَات النِّكَاح) أَي لَا تقبل بِإِثْبَات النِّكَاح لانها شَهَادَة على فعله، وَقَوله: لَو بِإِثْبَات النِّكَاح للتمثيل لَا للتَّقْيِيد، وَمثله سَائِر الْعُقُود الَّتِي بَاشَرَهَا لَا يَصح شَهَادَته بهَا إِذا صرح بِأَنَّهُ بَاشَرَهَا وكَالَة، أما إِذا شهد أَنه ملكه أَو فِي إِجَارَته تقبل.
وَفِي بعض نسخ الشَّرْح زِيَادَة وَاو قبل لَو: أَي وَلَو بِإِثْبَات النِّكَاح ترقيا إِذْ هُوَ هُنَا سفير وَهِي الاولى.

قَوْله: (أما لَو شهد أَنَّهَا امْرَأَته تقبل) لانه شهد بِقِيَام النِّكَاح لَا بعقده.

قَوْلُهُ: (وَالْحِيلَةُ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِعِلَّةٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْفِيَهَا وَيَشْهَدَ، كَمَا إذَا كَانَ عَبْدًا لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَو ابْنه أَو نَحْو ذَلِك، فَلْيتَأَمَّل.
سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
أَقُول: وَسَيَأْتِي قَرِيبا عَن الْبَحْر عَن الْمُلْتَقط أَن لشارب الْخمر أَن يشْهد إِذا لم يطلع عَلَيْهِ، وَأَنه لَا يحل لَهُ أَن يهتك ستره بِذكر فسقه وَإِبْطَال حق الْمُدَّعِي.

قَوْله: (بِالنِّكَاحِ) أَي بإثباته، وَلَا يذكر الْوكَالَة: أَي أَن كَانَ وَكيلا فِيهِ.

قَوْلُهُ: (بَزَّازِيَّةٌ) عِبَارَتُهَا: وَشَهَادَةُ الْوَكِيلَيْنِ أَوْ الدَّلَّالَيْنِ إِذا قَالَا نَحن بعنا هَذَا الشئ، أَوْ الْوَكِيلَانِ بِالنِّكَاحِ أَوْ بِالْخُلْعِ إذَا قَالَا نَحْنُ فَعَلْنَا هَذَا النِّكَاحَ أَوْ الْخُلْعَ لَا تُقْبَلُ، أَمَّا لَوْ شَهِدَ الْوَكِيلَانِ بِالْبَيْعِ أَوْ النِّكَاحِ أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ أَوْ مِلْكُهُ تُقْبَلُ.
وَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ: أَنْكَرَ الْوَرَثَةُ النِّكَاحَ فَشَهِدَ رَجُلٌ قَدْ تَوَلَّى الْعَقْدَ وَالنِّكَاحَ يَذْكُرُ النِّكَاحَ وَلَا يذكر
أَنه تولاه انْتَهَت.

قَوْله: (وَمُلَخَّصه) أَي ملخص مَا ذكره المُصَنّف فِي كتاب الاجارة من كِتَابه الْمُسَمّى بالمعين.

قَوْله: (الدلالين والصكاكين) إِذا كَانَ غَالب حَالهم الْفساد لِكَثْرَة الْكَذِب مِنْهُم غَالِبا، أما إِذا غلب عَلَيْهِم الصّلاح فَالصَّحِيح أَنَّهَا تقبل كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة، وقدمناه آنِفا.

قَوْله: (والمحضرين والوكلاء المفتعلة على أَبْوَابهم) أَي الْقُضَاة، وَهُوَ مُتَعَلق بِالثَّانِي وَحذف من الاول نَظِيره.
قَالَ ح: الوكلاء المفتعلة الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْقُضَاةِ يَتَوَكَّلُونَ لِلنَّاسِ فِي الْخُصُومَة اه.
قَالَ فَخر الدّين: لما سُئِلَ عَن شَهَادَة أعوان الْحَاكِم والوكلاء على أَبْوَاب الْقُضَاة.
قَالَ: لَا تسمع شَهَادَتهم لانهم ساعون فِي إبِْطَال حق الْمُسْتَحقّين فَهُوَ فسق فَلَا تسمع.

قَوْلُهُ: (وَفِيهَا) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا يَأْتِي مَتْنًا.

قَوْله: (أخرج من الْوِصَايَة) نَص على المتوهم، لانه إِذا لم يخرج فشهادته للْمَيت بدين أَو غَيره بَاطِلَة سَوَاء كَانَت الْوَرَثَة كبارًا أَو صغَارًا، وَلَو شهد على الْمَيِّت بدين قبلت على كل حَال.
هندية.

قَوْله: (بعد قبُولهَا) أما إِذا لم يقبل بعد موت الْمُوصي وَلم يرد فَشهد فَالْقَاضِي يَقُول لَهُ أتقبل الْوِصَايَة؟ فَإِن قبل أبطلها، وَإِن رد أمضاها، وَإِن لم يخبر بشئ توقف القَاضِي.
ملتقط.

قَوْله: (للْمَيت) وَلَا للْيَتِيم.
هندية.

قَوْله: (أبدا) أَي وَإِن لم يُخَاصم.
هندية.

قَوْله: (وَكَذَا الْوَكِيل) أَي شَهَادَة الْوَكِيل

(7/566)


للْمُوكل.

قَوْله: (فَكَذَلِك) أَي لَا تقبل عِنْد أبي يُوسُف وَتقبل عِنْد الامام وَمُحَمّد.
كَذَا فِي الذَّخِيرَة.
وَإِنَّمَا اقْتصر الْمُؤلف على قَول الثَّانِي لما قيل إِن الْفَتْوَى وَالْقَضَاء على قَوْله فِي الْوَقْف وَالْقَضَاء ط.

قَوْله: (ومدمن الشّرْب) قَالَ فِي النِّهَايَة معزيا إِلَى الذَّخِيرَة: أَرَادَ بِهِ الادمان فِي النِّيَّة: يَعْنِي يشرب وَمن نِيَّته أَن يشرب بعد ذَلِك إِذا وجده.
قَالَ الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَة الْمنح: بِخِلَاف مَا إِذا أقلع عَنهُ فَإِنَّهُ فَاسق تَابَ فَتقبل شَهَادَته اه.
فَإِذا تمّ هَذَا فَلَا فرق بَين الْخمر وَغَيره، لانه وَإِن كَانَ بقطرة مِنْهَا ارْتكب الْكَبِيرَة وَترد شَهَادَته، لَكِن بِالتَّوْبَةِ يَزُول فسقه وَيعود عدلا وَتقبل شَهَادَته، لَكِن لَا تتمّ بِالتَّوْبَةِ بِمُجَرَّد نِيَّة عدم الشّرْب، بل لَا بُد من النَّدَم والاقلاع فِي الْحَال والعزم على أَن لَا يعود.
وَإِذا علمت معنى الادمان وَأَن غير المدمن تائب بِأَنَّهُ قد أقلع عَنهُ وَنوى أَن لَا يعود إِلَيْهِ سقط هَذَا الْكَلَام كُله، لَان التائب تقبل شَهَادَته سَوَاء تَابَ عَن الصَّغِيرَة أَو الْكَبِيرَة.
أَقُول: لَكِن قدمنَا عَن الْفَتْح عِنْد الْكَلَام على النائحة أَن تَفْسِير الادمان بِالنِّيَّةِ أَمر خَفِي لَا يصلح أَن يكون مدارا لعدم قبُول الشَّهَادَة.
فَتَأمل.

قَوْله: (لَان بقطرة مِنْهَا) فِيهِ حذف اسْم أَن.

قَوْله: (يرتكب الْكَبِيرَة) لانه يحرم قليلها وكثيرها، والقليل يُطلق على القطرة بالاجماع، خلافًا للمعتزلة فَإِنَّهُم يَقُولُونَ بِإِبَاحَة الْقَلِيل.
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهَذَا كُفْرٌ لِأَنَّهُ جُحُودُ للْكتاب فَإِنَّهُ سَمَّاهُ رِجْسًا.
وَالرِّجْسُ: مَا هُوَ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ، وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ مُتَوَاتِرَةً أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَآله حَرَّمَ الْخَمْرَ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأَمَةِ، وَلِأَنَّ قَلِيلَهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ، وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ الْخمر، ولانه لَو أقرّ بِشرب قَطْرَة وَاحِدَة يلْزمه الْحَد كَمَا قرر فِي مَحَله.

قَوْله: (فَترد شَهَادَته) أَي من غير إدمان، هَذَا مُخَالف لما فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا شَرط الادمان ليَكُون ذَلِك ظَاهرا مِنْهُ، فَإِن من شرب الْخمر سرا وَلَا يظْهر مِنْهُ ذَلِك لَا يخرج من أَن يكون عدلا وَإِن شربهَا كثيرا وَإِنَّمَا تسْقط عَدَالَته إِذا كَانَ ذَلِك يظْهر مِنْهُ أَو يخرج سَكرَان فتلعب بِهِ الصّبيان فَإِنَّهُ لَا مُرُوءَة لمثله وَلَا يحْتَرز عَن الْكَذِب عَادَة، وَكَذَا مَنْ يَجْلِسُ مَجْلِسَ الْفُجُورِ وَالْمَجَانَةِ فِي الشُّرْبِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ.
وَفِي فَتَاوَى قاضيخان: لَا تقبل شَهَادَة مدمن الْخمر وَلَا مدمن السكر لانه كَبِيرَة.
وَفِي الذَّخِيرَة: لَا تقبل شَهَادَة مدمن الْخمر.
زَيْلَعِيّ وعيني.
وَفِي النِّهَايَة: الادمان شَرط فِي الْخمر أَيْضا فِي حق سُقُوط الْعَدَالَة اه.
فَهَذِهِ نقُول صَرِيحَة فِي عدم الْفرق فِي اشْتِرَاط الادمان بَين الْخمر وَغَيره، فَمَا ذكره الشَّرْح تبعا لصَاحب الْبَحْر لَا يعول عَلَيْهِ.
أَبُو السُّعُود.
وَقد تقدم أَنه يشْتَرط الاشتهار فِي كل من أَتَى بَابا من أَبْوَاب الْكَبَائِر.
ط بِزِيَادَة.
أَقُول: وَكَذَلِكَ صحّح شَرط الادمان فِي شرب الْخمر لسُقُوط الْعَدَالَة.
البرجندي وَصَاحب التَّتِمَّة، وَعَلِيهِ كَلَام الدُّرَر حَيْثُ عمم الشّرْب شرب الْخمر والعرقي والوزج وَنَحْوهَا كَمَا فِي عبد الْحَلِيم.

قَوْله: (وَمَا ذكره ابْن الْكَمَال) من أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ فَلَا يُسْقِطُ الْعَدَالَة إِلَّا بالاصرار عَلَيْهِ.

قَوْله: (كَمَا حَرَّره فِي الْبَحْر) قَالَ فِيهِ: وَذَكَرَ ابْنُ الْكَمَالِ: أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ لَيْسَ بكبيرة فَلَا تسْقط الْعَدَالَة إِلَّا بالادمان عَلَيْهِ.

(7/567)


قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَةُ شَارِبِ الْخَمْرِ بِنَفْسِ الشُّرْبِ، لِأَنَّ هَذَا الْحَدَّ لم يثبت بِنَصّ قَاطع إِلَّا إِذا داوم على ذَلِك اه.
وَهُوَ غلط من ابْن الْكَمَال لما قدمْنَاهُ عَن الْمَشَايِخ من التَّصْرِيح بِأَن شربهَا كَبِيرَة، ولمخالفتها للْحَدِيث الْمَشْهُور فِي الْكَبَائِر أَنَّهَا سبع، وَذكر مِنْهَا شرب الْخمر اه.
بل إِنَّمَا شَرط الادمان عَلَيْهَا للاشتهار لَا لانها صَغِيرَة، لَان الشَّهَادَة لَا ترد إِلَّا بالادمان وظهوره بالاشتهار.
وَأما مُجَرّد الشّرْب مَعَ قطع النّظر عَن سُقُوط الشَّهَادَة فقد علمت أَنه كَبِيرَة وَلَو بقطرة، فَلَو تغفل.
قَالَ السائحاني: أَقُول: نِسْبَة الْغَلَط إِلَى هَذَا الْهمام فِي الْفرق بَين شَرط الادمان للخمر وَغَيره من الاشربة غير مسلمة لما صرح قاضيخان فِي فَتَاوَاهُ.
وَعبارَته: وَلَا تقبل شَهَادَة مدمن الْخمر وَلَا مدمن السكر لانها كَبِيرَة، وَإِنَّمَا شَرط الادمان ليظْهر ذَلِك عِنْد النَّاس، فَإِن من اتهمَ بِشرب الْخمر فِي بَيته لَا تبطل عَدَالَته وَإِن كَانَت كَبِيرَة، وَإِنَّمَا تبطل إِذا ظهر ذَلِك أَو يخرج سَكرَان يسخر مِنْهُ الصّبيان، لَان مثله لَا يحْتَرز عَن الْكَذِب.
وَذكر الْخصاف رَحمَه الله تَعَالَى أَن شرب الْخمر يبطل الْعَدَالَة.
وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى: مَا لم يظْهر ذَلِك يكون مَسْتُور الْحَال اه.
وَفِي الْمَقْدِسِي: وَمُحَمّد شَرط الادمان وَهُوَ الصَّحِيح.
نعم إِذا حمل الْغَلَط على قَول ابْنُ الْكَمَالِ أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ يظْهر لما قدمْنَاهُ قَرِيبا من أَن شرب قَطْرَة مِنْهُ كَبِيرَة.
وَفِي الْبَدَائِع: شرب الْخمر أَحْيَانًا للتقوي لَا للتلهي يكون عدلا، وَعَامة الْمَشَايِخ لَا يكون عدلا لَان شرب الْخمر كَبِيرَة مَحْضَة اه.

قَوْله: (قَالَ وَفِي غير الْخمر) قد علمت أَنَّهَا يشْتَرط فِيهَا أَيْضا.

قَوْله: (يشْتَرط الادمان) قدمنَا أَنه اخْتلف فِي الادمان هَل هُوَ فِي الْفِعْل أَو النِّيَّة على قَوْلَيْنِ محكيين فِيهِ؟ وَفِي الاصرار، قَالَ ابْن كَمَال: إِن الادمان بالعزم أَمر خَفِي لَا يصلح أَن يكون مدارا لعدم قبُول الشَّهَادَة، ومحصله أَن ابْن الْكَمَال يمِيل إِلَى تَرْجِيح اشْتِرَاط الادمان بِالْفِعْلِ لَا بِالنِّيَّةِ، فَرَاجعه.

قَوْله: (على اللَّهْو) أَي لاجل اللَّهْو: أَي وَهُوَ مَعْرُوف، وَأَصله ترويح النَّفس بِمَا لَا تَقْتَضِيه الْحِكْمَة.
بَحر عَن الْمِصْبَاح، وَالْمرَاد بِهِ أَن لَا يكون للتداوي فَيدْخل فِي اللَّهْو الشّرْب للاعتياد.
قَالَ فِي الْبَحْر: فَأطلق اللَّهْو على المشروب، وَظَاهره أَنه لَا بُد من الادمان فِي حق الْخمر أَيْضا.
قَالَ فِي الْمنح: هُوَ خلاف الظَّاهِر من الْعبارَة، لَان الظَّاهِر مِنْهَا أَن معنى مدمن الشّرْب: أَي مداوم
شرب الْخمر على اللَّهْو.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: أَي مداوم شرب الْخمر لاجل اللَّهْو لَان شربهَا كَبِيرَة.
وَقَالَ منلا خسرو: ومدمن الشّرْب: أَي شرب الاشربة الْمُحرمَة، فَإِن إدمان شرب غَيرهَا لَا يسْقط الشَّهَادَة مَا لم يكن على اللَّهْو اه.
فَأفَاد كَلَامه أَن الشّرْب على اللَّهْو إِنَّمَا هُوَ شَرط فِي غير الاشربة الْمُحرمَة، أما فِيهَا فَلَا يشْتَرط، وَهَذَا يُوَافق كَلَام صَاحب الْبَحْر.
وَالظَّاهِر أَن هَذَا هُوَ الَّذِي أحوجه إِلَى ذكره من حمل اللَّهْو فِي كَلَام الْكَنْز على المشروب، وَهُوَ مُخَالف لكَلَام الزَّيْلَعِيّ، فَإِنَّهُ جعله شرطا فِي الْخمر أَيْضا، وَرُبمَا يُنَاسِبه كَلَام الشَّارِح هُنَا، وَالظَّاهِر خِلَافه لَان شرب الْخمر كَبِيرَة ترد الشَّهَادَة بهَا سَوَاء شربت على اللَّهْو أم لَا، وَظَاهر كَلَامهم أَنه لابد من الادمان فِي حق الْخمر أَيْضا.
وَأما إدمان شرب غير الْمحرم لَا يسْقط الشَّهَادَة مَا لم يكن على اللَّهْو، فَجعل اللَّهْو قيدا للشُّرْب وَحمله على شرب غير الْمُحرمَة هُوَ الَّذِي يظْهر كَمَا يظْهر لي من كَلَامهم، وَالله تَعَالَى الْمُوفق.

قَوْله: (لشُبْهَة الِاخْتِلَاف) قَالَ فِي الْبَحْر: فِي قَوْله على اللَّهْو إِشَارَة إِلَى أَنه لَو شربهَا للتداوي لم تسْقط عَدَالَته لَان للِاجْتِهَاد فِيهِ مساغا اه.
قَالَ ط: والاصح الْحُرْمَة.
نعم لَو شرب لغصة شئ فِي حلقه وَنَحْوه مِمَّا ينفسه لَا محَالة كَانَ مُبَاحا.
قُهُسْتَانِيّ.

(7/568)


وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ: لَا تسْقط عَدَالَة أَصْحَاب المروءات بالشرب مَا لم يشْتَهر.
وَفِي الظَّهِيرِيَّة: من سكر من النَّبِيذ بطلت عَدَالَته فِي قَول الْخصاف لَان السكر حرَام عِنْد الْكل.
وَقَالَ مُحَمَّد: لَا تبطل عَدَالَته إِلَّا إِذا اعْتَادَ ذَلِك اه.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَهُوَ عَجِيب من مُحَمَّد لانه قَالَ بِحرْمَة قَلِيله وَلم يُسْقِطهَا بكثيرة، وَظَاهره أَنه يَقُول بِأَن السكر مِنْهُ صَغِيرَة فَشرط الاعتياد اه.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: قَوْله وَهُوَ عَجِيب من مُحَمَّد الخ فِيهِ نظر ظَاهر يعلم مِمَّا قدمه عَن الصَّدْر الشَّهِيد من أَن الادمان على شرب الْخمر شَرط لسُقُوط الْعَدَالَة عِنْد مُحَمَّد مَعَ أَنه مِمَّن يَقُول بِأَن مُجَرّد شرب الْخمر وَلَو بِدُونِ إدمان وإسكار، وَلِهَذَا قَالَ الْمَقْدِسِي: وَإِنَّمَا فعل ذَلِك مُحَمَّد: يَعْنِي حَيْثُ اشْتِرَاط الاعتياد على السكر من النَّبِيذ للِاحْتِيَاط فَمنع الْقَلِيل: يَعْنِي من الْمُسكر، وَلم يسْقط الْعَدَالَة إِلَّا إِذا اعْتَادَ وَلم يكتف بِالْكَثْرَةِ اه.
فَإِن قلت: لم اشْترط الادمان فِي الشّرْب دون غَيره مِمَّا يُوجب الْحَد؟ قلت: ذكر البرجندي أَن الْوُقُوع فِي الشّرْب أَكثر من الْوُقُوع فِي غَيره، فَلَو جعل مُجَرّد الشّرْب مسْقطًا للعدالة أدّى إِلَى الْحَرج

(7/569)


تَكْمِلَة حَاشِيَة رد الْمُحْتَار - ابْن عابدين (عَلَاء الدّين) ج 2
تَكْمِلَة حَاشِيَة رد الْمُحْتَار
ابْن عابدين (عَلَاء الدّين) ج 2

(7/)


حَاشِيَة قُرَّة عُيُون الاخيار تَكْمِلَة رد الْمُحْتَار على الدّرّ الْمُخْتَار فِي فقه مَذْهَب الامام أبي حنيفَة النُّعْمَان لسيدي مُحَمَّد عَلَاء الدّين أفندى نجل الْمُؤلف
طبعة منقحة مصححة إشراف مكتب البحوث والدراسات
الْجُزْء الثَّامِن دَار الْفِكر للطباعة والنشر والتوزيع

(8/1)


جَمِيع حُقُوق اعادة الطَّبْع مَحْفُوظَة للناشر 1415 هـ / 1995 م دَار الْفِكر بيروت - لبنان دَار الْفِكر: حارة حريك - شَارِع عبد النُّور - برقيا: فكسى - تلكس: 41391 فكر ص.
ب 7061 / 11 - تلفون: 643681 - 8378053 - 837898 - دولي: 860962 فاكس: 2124187875 - 001

(8/2)