قره عين الأخيار لتكملة رد المحتار علي «الدر المختار شرح تنوير الأبصار»

كتاب الدَّعْوَى
لَا يخفى مناسبتها للخصومة: أَي لما اقْتضى كَون الْعَزْل معقبا للوكالة تَقْدِيم بَاب عزل الْوَكِيل فتأخرت الدَّعْوَى عَن الْوكَالَة بِالْخُصُومَةِ عَنهُ.
وَوجه مناسبتها لَهُ أَن الْخُصُومَة شرعا: هِيَ الدَّعْوَى وَالْجَوَاب عَنْهَا، فَكَانَ ذكرهَا بعد الْوكَالَة بِالْخُصُومَةِ من قبيل التَّفْصِيل بعد الاجمال.

قَوْله: (قَول الخ) ظَاهره يَشْمَل الشَّهَادَة إِلَّا أَن يكون تعريفا بالاعم، فَإِن أُرِيد إِخْرَاج الشَّهَادَة يُزَاد لنَفسِهِ.

قَوْله: (إِيجَاب حق على غَيره) أَي ن غير تَقْيِيد بمنازعة وَلَا مسالمة.
حموي.
وَلَا تعرض فِيهِ إِلَى الدّفع عَن حق نَفسه، والمصدر الادعاء وَهُوَ افتعال من ادّعى وَالدَّعْوَى اسْم مِنْهُ، وَتطلق على دَعْوَى الْحَرْب، وَهِي أَن يُقَال يَا لفُلَان، وَكَذَا الدعْوَة والدعاوة بِالْفَتْح وَالْكَسْر اسمان مِنْهُ، والدعوة بِالْفَتْح أَيْضا الْمرة وَالْحلف وَالدُّعَاء إِلَى الطَّعَام وتضم وبالكسر فِي النّسَب ط.
وَقيل الدَّعْوَى فِي اللُّغَة: قَول يقْصد بِهِ الانسان إِيجَاب الشئ على غَيره، إِلَّا أَن اسْم الْمُدَّعِي يتَنَاوَل من لَا حجَّة لَهُ فِي الْعرف وَلَا يتَنَاوَل من لَهُ حجَّة، فَإِن القَاضِي يُسَمِّيه مُدعيًا قبل إِقَامَة الْبَيِّنَة وَبعدهَا يُسَمِّيه محقا لَا مُدعيًا، وَيُقَال لمُسَيْلمَة الْكذَّاب مدعي النُّبُوَّة لانه قد أثبتها بالمعجزة.

قَوْله: (وألفها للتأنيث) هِيَ لُغَة بعض الْعَرَب، وَبَعْضهمْ يؤنثها بِالتَّاءِ.
مِصْبَاح.

قَوْله: (جزم فِي الْمِصْبَاح الخ) قَالَ بَعضهم: الْكسر أولى وَهُوَ الْمَفْهُوم من كَلَام سِيبَوَيْهٍ، لانه ثَبت أَن مَا بعد ألف الْجمع لَا يكون إِلَّا مكسورا، وَأما فَتحه فَإِنَّهُ مسموع لَا يُقَاس عَلَيْهِ.
وَقَالَ بَعضهم: الْفَتْح أولى لَان الْعَرَب آثرت التَّخْفِيف ففتحت ح.

قَوْله: (فيهمَا) أَي فِي الدَّعَاوَى والفتاوى ح.

قَوْله: (مُحَافظَة على ألف التَّأْنِيث) أَي الَّتِي يبْنى عَلَيْهَا الْمُفْرد، وَالظَّاهِر أَنه سَاقِط لفظ وَفتحهَا بعد قَوْله بِكَسْرِهَا كَمَا هُوَ صَرِيح عبارَة الشُّرُنْبُلَالِيَّة والمصباح، أَو يُقَال: إِنَّمَا جزم صَاحب الْمِصْبَاح بِفَتْحِهَا أَيْضا مُحَافظَة الخ فَلَا يسْقط.
تَأمل.

قَوْله: (وَشرعا قَول) أَي إِن قدر عَلَيْهِ، وَإِلَّا فتكفي كِتَابَته.
قَالَ فِي خزانَة الْمُفْتِينَ: وَلَو كَانَ الْمُدَّعِي عَاجِزا عَن الدَّعْوَى عَن ظهر الْقلب يكْتب دَعْوَاهُ فِي صحيفَة وَيَدعِي بهَا فَتسمع دَعْوَاهُ.
اهـ.

قَوْله: (عِنْد القَاضِي) أَي فَلَا تسمع هِيَ وَلَا الشَّهَادَة إِلَّا بَين يَدي الْحَاكِم.
بَحر.
وَأَرَادَ بِالْقبُولِ الملزم فَخرج غَيره كَمَا يَأْتِي.
أَقُول: وَيَنْبَغِي أَن يكون الْمُحكم كَالْقَاضِي فِيمَا يجوز بِهِ التَّحْكِيم بِشُرُوطِهِ فَإِنَّهُ شَرط كَمَا فِي الِاخْتِيَار وَنبهَ عَلَيْهِ الشَّارِح فِي شَرحه عَن الْمُلْتَقى.

(8/3)


قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة بعد أَن ذكر القَاضِي قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن يكون الْمُحكم كَذَلِك لانه يلْزم الْخصم بِالْحَقِّ وَيُخَلِّصهُ اهـ.
وَأَقُول: قد صدر الامر السلطاني الْآن بنفاذ حكم الْمُحكم إِذا رفع للْحَاكِم الشَّرْعِيّ وَكَانَ مُوَافقا نفذه كَمَا فِي كتاب الْقَضَاء من مجلة الاحكام العدلية.

قَوْله: (يقْصد بِهِ طلب حق) أَي مَعْلُوم قبل غَيره.
هَذَا التَّعْرِيف خَاص بِدَعْوَى الاعيان والديون، فَخرج عَنهُ دَعْوَى إِيفَاء الدّين والابراء عَنهُ.
بَحر.
ورده الْعَلامَة الْمَقْدِسِي بِأَن هَذَا إِنَّمَا يكون من جَانب الْمُدعى عَلَيْهِ لدفع الدَّعْوَى: أَي فَلَيْسَ بِدَعْوَى.
وَأَيْضًا إِذا علم أَن الدُّيُون نفضى بأمثالها فالايفاء دَعْوَى دين والابراء دَعْوَى تِلْكَ معنى.
اهـ.
وَقَوله طلب حق يُفِيد أَنه حَال الْمُنَازعَة، فَخرج الاضافة حَال الْمَسْأَلَة فَإِنَّهَا دَعْوَى لُغَةً لَا شَرْعًا.
وَنَظِيرُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: عَيْنٌ فِي يَدِ رَجُلٍ يَقُولُ هُوَ لَيْسَ لِي وَلَيْسَ هُنَاكَ مُنَازِعٌ لَا يَصح نَفْيه، فَلَو ادَّعَاهُ بعده لِنَفْسِهِ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ مُنَازِعٌ فَهُوَ إِقْرَار بِالْملكِ للمنازع، فَلَو ادَّعَاهُ بعد ذَلِك لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَا يكون إِقْرَار بِالْملكِ لَهُ.
اهـ.
بَحر.
أَقُولُ: كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ مَفْرُوضٌ فِي كَوْنِ النَّفْيِ إقْرَارًا لِلْمُنَازِعِ أَوْ لَا، وَلَيْسَ فِيهِ دَعْوَاهُ الْملك لنَفسِهِ حَالَة المسالمة.

قَوْله: (خرج الشَّهَادَة) فَإِنَّهَا وَإِن كَانَت قولا مَقْبُولًا إِلَّا أَنه يقْصد بِهِ إِثْبَات حق للْغَيْر.

قَوْله: (والاقرار) أَي وَكَذَا الاقرار.
وَأورد على التَّعْرِيف يَمِين الِاسْتِحْقَاق، فَإِنَّهُ قَول مَقْبُول يقْصد بِهِ طلب حق قبل الْغَيْر.
وَأجِيب بِأَنَّهُ خرج بِالطَّلَبِ فَإِن المُرَاد بِهِ طلب خَاص وَهُوَ مَا كَانَ بِلَفْظ الدَّعْوَى وَنَحْوه ط.

قَوْله: (أَوْ دَفْعَهُ) أَيْ دَفْعَ الْخَصْمِ عَنْ حَقِّ نَفسه.
زَاد الباقاني فِي الْحَد بعد دَعْوَى صَحِيحَة لينطبق على الْمَحْدُود.
اهـ.
وَعطفه بِأَو التويعية إِشَارَة إِلَى أَن الدَّعْوَى نَوْعَانِ، وَالْقَصْد بِهِ الادخال فَلَا اعْتِرَاض بِإِدْخَال أَو فِي التَّعْرِيف
قَوْله: (دخل دَعْوَى دفع التَّعَرُّض) أَي بقوله أَو دَفعه وَهُوَ أَن يَدعِي كل مِنْهُمَا أَرضًا أَنَّهَا فِي يَده وَبرهن أَحدهمَا على دَعْوَاهُ فَكَانَ مُدعيًا دفع تعرض الآخر حَيْثُ أثبت بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهَا فِي يَده وَالْبَيِّنَة
لَا تقبل إِلَّا بعد صِحَة الدَّعْوَى فَعلمنَا صِحَة دَعْوَى دفع التَّعَرُّض.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَالْفَتْوَى على أَن دَعْوَى دفع التَّعَرُّض صَحِيحَة، فَإِنَّهُ ذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير: أَرض يدعيها رجلَانِ كل يَقُول فِي يَدي لَا يقْضى بِالْيَدِ لوَاحِد مِنْهُمَا، وَلَو أَحدهمَا بِالْيَدِ لآخر لَا يقْضى لَهُ بِهِ، وَلَو برهن أَحدهمَا بِالْيَدِ بقضى لَهُ بِالْيَدِ لانه قَامَ على خصم لنزاعه مَعَه فِي الْيَد، دلّ على أَن دَعْوَى دفع التَّعَرُّض مسموعة لعدم ثُبُوت الْيَد للْآخر.
اهـ.
أَفَادَهُ الرحمتي، لَكِن صورها الطَّحْطَاوِيّ بقوله أَن يَقُول إِن فلَانا يتَعَرَّض لي فِي كَذَا بِغَيْر حق وأطالبه بِدفع التَّعَرُّض فَإِنَّهَا تسمع فينهاه القَاضِي عَن التَّعَرُّض لَهُ بِغَيْر حق، فَمَا دَامَ لَا حجَّة لَهُ فَهُوَ مَمْنُوع عَن التَّعَرُّض، فَإِذا وجد حجَّة تعرض بهَا اهـ.
قَالَ الْحَمَوِيّ نَاقِلا عَن بعد الْفُضَلَاء: لانه وَقع عِنْده تردد فِيمَا إِذا سمع القَاضِي دَعْوَى دفع التَّعَرُّض وَمنع الْخصم من معارضته بعْدهَا هَل يكون قَضَاء مِنْهُ مَانِعا للخصومة من الْمقْضِي عَلَيْهِ فِي

(8/4)


الْحَادِثَة الْمُتَنَازع فِيهَا أم لَا؟ فَإِن كَانَ مَانِعا ظهر نتيجة، وَإِذا لم يكن مَانِعا فَأَي فَائِدَة فِيهِ، وَلم أر من صرح بذلك اهـ.
أَقُول: فَائِدَته فِيمَا يظْهر عدم سَماع ذَلِك القَاضِي مِنْهُ دَعْوَى التَّعَرُّض قبل وجود الْحجَّة مَعَه.
وَاعْلَم أَن النزاع والتعرض متقاربان، لَكِن إِن أُرِيد بالتعرض أَن يكون بِغَيْر حق بل مُجَرّد أذية وَأُرِيد بالنزاع أَن يكون بمستند يتَوَهَّم وجوده فَالْفرق ظَاهر.

قَوْله: (بِخِلَاف دَعْوَى قطع النزاع) أَي بَينه وَبَين غَيره، حَقِيقَته أَن يَأْتِي بشخص للْقَاضِي وَيَقُول هَذَا يَدعِي عَليّ دَعْوَى، فَإِن كَانَ لَهُ شئ فليبينه، وَإِلَّا يشْهد على نَفسه بالابراء، وَهَذَا غير صَحِيح.
وَهَذِه الدَّعْوَى غير مسموعة لَان الْمُدَّعِي من إِذا ترك ترك.
قَالَ فِي الْبَحْر: سُئِلَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ عَنْ الدَّعْوَى بِقَطْعِ النِّزَاعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.
فَأَجَابَ: لَا يُجْبَرُ الْمُدَّعِي على الدَّعْوَى لَان الْحق لَهُ.
اهـ.
وَالَّذِي رَأَيْته فِي عبارَة قَارِئ الْهِدَايَة: سُئِلَ إِذا ادّعى شخص على آخر أَنه يقطع النزاع بَينه وَبَينه: إِن كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حق أَو مُطَالبَة يَدعِي بِهِ ويطالبه، وَإِن كَانَ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ حق يشْهد عَلَيْهِ أَنه لَا
يسْتَحق عَلَيْهِ شَيْئا من الْحُقُوق والدعاوى والطلبات، فَهَل تسمع هَذِه الدَّعْوَى من الْمُدَّعِي أم لَا؟ أجَاب لَا يجب عَلَيْهِ أَن يَدعِي عَلَيْهِ لَان الْحق لَهُ، إِن شَاءَ طلبه وَإِن شَاءَ تَركه اهـ.
وَهِي الَّتِي عناها الشَّارِح بقوله سراجية أَي فَتْوَى سراج الدّين قَارِئ الْهِدَايَة، وَهَذَا بِخِلَاف دَعْوَى دفع التَّعَرُّض كَمَا علمت، لَان ذَلِك يَقُول هَذِه الارض فِي يَدي وَهَذِه الْبَيِّنَة تشهد لي بهَا وَهَذَا يَدعِي أَنَّهَا لَهُ وَفِي يَده وَلَا بَيِّنَة لَهُ على دَعْوَاهُ فَأُرِيد أَن لَا يتَعَرَّض لي لاني أثبت أَنِّي ذُو يَد دونه.

قَوْله: (وَهَذَا الخ) يَعْنِي لما عرفنَا أَن الدَّعْوَى قَول مَقْبُول يقْصد بِهِ طلب حق، فَإِن أردنَا بِالْحَقِّ الامر الوجودي كَأَن يَقُول هَذَا المَال لي أُرِيد أَن يُسلمهُ إِلَيّ بَقِي من أَنْوَاع الدَّعْوَى دَعْوَى دفع التَّعَرُّض فيزاد أَو دَفعه عَنهُ حق نَفسه، وَإِن أَرَادَ بِالْحَقِّ أَعم من الوجودي وَهُوَ مَا تقدم وَمن العدمي وَهُوَ أَن يَقُول هَذَا لَا حق لَهُ فِي مَالِي لاني أثبت أَنِّي ذُو يَد وَأطلق أَن لَا يتَعَرَّض لي بِغَيْر حق وَعدم تعرض حق لكنه عدمي فيستغني عَن هَذِه الزِّيَادَة وَهُوَ قَوْله أَو دَفعه.

قَوْله: (الامر الوجودي) فَلَا يَشْمَل العدمي كالدفع فَيحْتَاج إِلَى زِيَادَته لادخاله فِي تَعْرِيف الدَّعْوَى، وَالْمرَاد بالعدمي مَا يَشْمَل الِاعْتِبَار، فَإِن الدّفع لَيْسَ عدميا لَان المُرَاد بِهِ كَفه عَن الْمُنَازعَة ط.

قَوْله: (لهَذَا الْقَيْد) أَي فيستغني فِي التَّعْرِيف عَن هَذَا الْقَيْد وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ دَفْعُهُ فَإِنَّهُ فَصْلٌ قَصَدَ بِهِ الادخال والفصل بعد الْجِنْس قيد، فَافْهَم.
والاوضح أَن يَقُول لم يحْتَج إِلَى زِيَادَة أَو دَفعه.

قَوْله: (وَالْمُدَّعِي الخ) اسْم فَاعل من ادّعى يَدعِي أَصله متدعي لَان ثلاثية دُعَاء فَنقل إِلَى بَاب الافتعال فَصَارَ اتدعى وقلبت التَّاء دَالا وأدغمت الدَّال فِي الدَّال فَصَارَ ادّعى، وَكَذَلِكَ فِي بَاب التَّصَرُّفَات من الْمُضَارع والامر والمصدر، وَإِنَّمَا أبدلت التَّاء دَالا وَلم يعكس لانها من المهموسة وَالدَّال من المهجورة، فالاقوى لَا يتَحَوَّل إِلَى الضَّعِيف.
تَتِمَّة: لما كَانَ قَوْله وَالْمُدَّعِي الخ للاغلب من المتنازعين فعلا احْتَرز عَنهُ فِي الدُّرَر بقوله من المتنازعين قولا، وَلما كَانَ هَذَا متناولا للمتنازعين فِي المباحث احْتَرز عَنهُ بقوله فِي الْحق: أَي حق العَبْد.
اهـ.

(8/5)


قَالَ شَيخنَا: يُوضحهُ أَنه إِذا تضاربا وَكَانَ الظَّاهِر أَحدهمَا فَإِنَّهُ يُطلق عَلَيْهِ مُدع مَعَ أَنه إِذا ترك لَا يتْرك فَاحْتَاجَ إِلَى إِخْرَاجه بقوله من المتنازعين قولا.
اهـ.
أَبُو السُّعُود.
وَالْحَاصِل: أَن طَالب الْحق يُسمى مُدعيًا والطالب إِذا ترك لَا يتَعَرَّض لَهُ، وَالْمَطْلُوب هُوَ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ التّرْك حَتَّى يسلم مَا عَلَيْهِ.

قَوْله: (من إِذا ترك ترك أَي لَا يجْبر عَلَيْهَا لَان حق الطّلب لَهُ، فَإِذا تَركه لَا سَبِيل عَلَيْهِ.
عَيْني.
أَقُول: وَهَذَا أحسن مَا قيل فِيهِ.
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الاصل: قيل الْمُدعى عَلَيْهِ هُوَ الْمُنكر وَالْآخر الْمُدَّعِي.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَهَذَا صَحِيح غير أَن التَّمْيِيز بَينهمَا يحْتَاج إِلَى فقه وحدة ذكاء، إِذْ الْعبْرَة للمعاني دون الصُّور والمباني، ولان الْكَلَام قد يُوجد من الشَّخْص فِي صُورَة الدَّعْوَى، وَهُوَ إِنْكَار معنى كَالْمُودعِ إِذا ادّعى أَدَاء الْوَدِيعَة أَو هلاكها فَإِنَّهُ مُدع صُورَة ومنكر لوُجُوب الضَّمَان معنى، وَلِهَذَا يحلفهُ القَاضِي إِذا ادّعى رد الْوَدِيعَة أَو لهلاكها أَنه لَا يلْزمه رده وَلَا ضَمَان، وَلَا يحلفهُ أَنه رده لَان الْيَمين أبدا تكون على النَّفْي كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة.

قَوْله: (وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ) أَي ملتبس بمخالفته، وَهُوَ من إِذا ترك لَا يتْرك بل يجْبر على الْخُصُومَة إِذا تَركهَا وَهَذَا فرق صَحِيح.
حموي.
قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: فَلَا يشكل بوصي الْيَتِيم فَإِنَّهُ مدعى عَلَيْهِ معنى فِيمَا إِذا أجْبرهُ القَاضِي على الْخُصُومَة للْيَتِيم، وَإِنَّمَا عرفهَا بذلك وَعدل عَمَّا يَقْتَضِي التَّعْرِيف إِشَارَة إِلَى اخْتِلَاف الْمَشَايِخ فيهمَا.
وَقيل الْمُدَّعِي من يخبر بِحَق لَهُ على غَيره، وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من يخبر بِأَن لَا حق لغيره عَلَيْهِ.
وَقيل الْمُدَّعِي من يلْتَمس خلاف الظَّاهِر، وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من يتَمَسَّك بِالظَّاهِرِ.
اهـ.
وَقيل الْمُدَّعِي من لَا يسْتَحق إِلَّا بِحجَّة كالخارج وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من يسْتَحق بقوله بِلَا حجَّة كذي الْيَد.
قلت: وَهَذَا تَعْرِيف بالحكم فِيهِ دور.
وَأَصَح مَا ذكر فِيهِ الَّذِي مَشى عَلَيْهِ المُصَنّف.

قَوْله: (فَلَوْ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ كُلٌّ فِي مَحَلَّةٍ) أَي بخصوصها وَلَيْسَ قَضَاؤُهُ عَاما، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْجَبْرَ فِي أَصْلِ الدَّعْوَى لَا فِيمَنْ يَدَّعِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَالتَّفْرِيعُ لَا يظْهر، وَفِي بعض النّسخ بِالْوَاو بدل الْفَاء.

قَوْله: (فَالْخِيَارُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِهِ يُفْتَى.
بَزَّازِيَّةٌ) لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ.
وَعِبَارَتُهَا كَمَا فِي الْمِنَحِ: قَاضِيَانِ فِي مِصْرٍ طَلَبَ كل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يذهب إِلَى قَاض فَالْخِيَارُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
اهـ.
وَفِي الْمِنَحِ قُبِلَ هَذَا عَنْ الْخَانِيَّةِ قَالَ: وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَحَلَّةٍ عَلَى حِدَةٍ فَوَقَعَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ مَحَلَّةٍ وَالْآخَرُ مِنْ مَحَلَّةٍ أُخْرَى وَالْمُدَّعِي يُرِيدُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضِي مَحَلَّتِهِ وَالْآخَرُ يَأْبَى ذَلِكَ، اخْتَلَفَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَكَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أهل الْعَسْكَر وَالْآخر من أهل الْبَلدة اهـ.
وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ كَمَا فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ إنَّ الْمُدَّعِيَ مُنْشِئٌ لِلْخُصُومَةِ فَيُعْتَبَرُ قَاضِيهِ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافع لَهَا اهـ.
وَبَيَان التَّعْلِيل كَمَا قَالَ الرَّمْلِيّ إِن عِنْد أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى الْمُدَّعِي إِذا ترك فَهُوَ منشئ، فَيتَخَيَّر إِن شَاءَ أنشأ الْخُصُومَة عِنْد قَاضِي محلته، وَإِن شَاءَ أَنْشَأَهَا عِنْد قَاضِي محلّة خَصمه، وَأَن مُحَمَّدًا

(8/6)


رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول: الْمُدعى عَلَيْهِ دَافع لَهُ والدافع يطْلب سَلامَة نَفسه والاصل بَرَاءَة ذمَّته، فَأَخذه إِلَى من يأباه لريبة ثبتَتْ عِنْده وتهمة وَقعت لَهُ رُبمَا يوقعه فِي إِثْبَات مَا لم يكن ثَابتا فِي ذمَّته بِالنّظرِ إِلَيْهِ واعتباره أولى، لانه يُرِيد الدّفع عَن نَفسه وخصمه يُرِيد أَن يُوجب عَلَيْهِ الاخذ بالمطالبة، وَمن طلب السَّلامَة أولى بِالنّظرِ مِمَّن طلب ضدها.
تَأمل.
وَإِنَّمَا حَمَلَ الشَّارِحُ عِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمَحَلَّةِ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ.
هَذَا كُلُّهُ وَكُلُّ عِبَارَاتِ أَصْحَابِ الْفَتَاوَى يُفِيدُ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ كُلُّ قَاضٍ فِي مَحَلَّةٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوِلَايَةُ لِقَاضِيَيْنِ أَوْ لِقُضَاةٍ عَلَى مِصْرٍ وَاحِدٍ عَلَى السَّوَاءِ فَيُعْتَبَرُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ فَلَهُ الدَّعْوَى عِنْدَ أَيِّ قَاضٍ أَرَادَهُ، إذْ لَا تَظْهَرُ فَائِدَةٌ فِي كَوْنِ الْعِبْرَةِ لِلْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيَشْهَدُ لِصِحَّةِ هَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَعْلِيل صَاحب الْمُحِيط.
اهـ.
وَرَدَّهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَادَّعَى أَنَّ هَذَا بِالْهَذَيَانِ أَشْبَهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ الْعِلَّةُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُنْشِئٌ لِلْخُصُومَةِ، وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافِعٌ لَهَا لَا يُتَّجَهُ ذَلِكَ فَإِن الحكم دائر مَعَ الْعلَّة.
اهـ.
وَهُوَ الَّذِي يظْهر كَمَا قَالَ شَيخنَا، لكنه لم يَأْتِ لرده بِوَجْه يقويه، وَالظَّاهِر أَنه لم يظْهر لَهُ المُرَاد وَهُوَ الَّذِي نذكرهُ فِي الْحَاصِل آخر هَذِه الْعبارَة.
وَأَقُولُ: التَّحْرِيرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ خَطِّ الْمُصَنِّفِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو السُّعُودِ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَصْحِيحِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِأَن الْعِبْرَةَ لِمَكَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ قَاضِيَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي مَحَلَّةٍ وَقَدْ أَمَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْحُكْمِ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ فَقَطْ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْعِمَادِيِّ: وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحدهمَا من أهل العكسر وَالْآخَرُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ فَأَرَادَ الْعَسْكَرِيُّ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضِي الْعَسْكَرِ فَهُوَ عَلَى هَذَا، وَلَا ولَايَة لقَاضِي العكسر عَلَى غَيْرِ الْجُنْدِيِّ، فَقَوْلُهُ وَلَا وِلَايَةَ دَلِيلٌ وَاضح على ذَلِك.
أما إِذا كَانَ كل مِنْهُمَا مَأْذُونًا بِالْحُكْمِ عَلَى أَيٍّ مَنْ حَضَرَ عِنْدَهُ مِنْ مِصْرِيٍّ وَشَامِيٍّ وَحَلَبِيٍّ وَغَيْرِهِمْ كَمَا فِي قُضَاةِ زَمَانِنَا فَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى قَوْلِ أبي يُوسُف لموافقته لتعريف الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ: أَيْ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الَّذِي لَهُ الْخُصُومَة فيطلبها عِنْد أَيِّ قَاضٍ أَرَادَ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ الْقُضَاةُ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا فِي الْقَاهِرَةِ فَالْخِيَارُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مِنْ مَحَلَّتِهِمَا.
قَالَ: وَبِهِ أَفْتَيْت مِرَارًا.
أَقُولُ: وَقَدْ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ نَقْلًا عَن الْمُفْتِي أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيِّ أَنَّ قُضَاةَ الْمَمَالِكِ الْمَحْرُوسَةِ مَمْنُوعُونَ عَنْ الْحُكْمِ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
اهـ.
وَأَشَارَ إِلَيْهِ الشَّارِح، وَذكر شيخ شُيُوخ مَشَايِخنَا السائحاني بعد كَلَام: قَالَ فِي قَضَاء الْبَزَّازِيَّة: فوض قَضَاء نَاحيَة إِلَى رجلَيْنِ لَا يملك أَحدهمَا الْقَضَاء، وَلَو قلد رجلَيْنِ على أَن ينْفَرد كل مِنْهُمَا بِالْقضَاءِ لَا رِوَايَة فِيهِ.
وَقَالَ الامام ظهير الدّين: يَنْبَغِي أَن يجوز لَان القَاضِي نَائِب السُّلْطَان يملك التفرد.
اهـ.
فَتحصل أَن الْولَايَة لَو لقاضيين فَأكْثر كل وَاحِد فِي محلّة فتفرد القَاضِي صَحِيح وَالْعبْرَة للْمُدَّعى عَلَيْهِ، وَإِن كَانُوا فِي مَحل وَاحِد على السوَاء فقد سَمِعت أَنه لَا يملك أحدهم التفرد فَلَا فَائِدَة فِي اخْتِيَار أحدهم، وَإِن أَمر كل وَاحِد بالتفرد جَازَ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يظْهر فرق بَين كل وَاحِد فِي محلّة أَو مُجْتَمعين، فَمَا فهمه المُصَنّف لَيْسَ على إِطْلَاقه بل على هَذَا التَّفْصِيل.
اهـ.
وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يذكر بعد قَوْله جَازَ

(8/7)


وَالْعبْرَة للْمُدَّعِي.
وَقد اتَّضَح المرام من هَذِه الْمَسْأَلَة على أتم وَجه، وَللَّه تَعَالَى الْحَمد، لَكِن صدر الامر
السلطاني الْآن بِالْعَمَلِ على مَا فِي الْمحلة من الْمَادَّة 3081 من أَن الْعبْرَة للْمُدَّعى عَلَيْهِ فاحفظه وَالسَّلَام.

قَوْله: (وَبِه أَفْتيت مرَارًا) رده الْعَلامَة الْمَقْدِسِي، وَذكر أَنه يَنْبَغِي التعويل على قَول أبي يُوسُف لموافقته تَعْرِيف الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ، وَذكر أَنه غير صَحِيح.
أما أَولا فَإِن النّسخ الْمَشْهُورَة من الْبَزَّازِيَّة على الاطلاق الَّذِي ادَّعَاهُ وَبنى عَلَيْهِ فتواه، بل على مَا قَيده من أَن كلا من المتداعيين يطْلب المحاكمة عِنْد قَاضِي محلته كَمَا علمت من عِبَارَته الْمُتَقَدّمَة.
وعَلى تَقْدِير فِي نسخته إطلاقا فَهُوَ مَحْمُول على التَّقْيِيد الْمُصَرّح بِهِ فِي الْعمادِيَّة وَالْخَانِيَّة وَغَيرهمَا، فَإِن الَّذِي ولاه خَصمه بِتِلْكَ الْبَلَد أَو بِتِلْكَ الْمحلة.
وَلِهَذَا قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: اخْتصم غَرِيبَانِ عِنْد قَاضِي بَلْدَة صَحَّ قَضَاؤُهُ على سَبِيل التَّحْكِيم.
أَقُول: وَلَا يحْتَاج إِلَى هَذَا لَان الْقَضَاء يُفَوض لَهُم الحكم على الْعُمُوم فِي كل من هُوَ فِي بلدهم أَو قريتهم وَلَو من الغرباء الَّتِي توَلّوا الْقَضَاء بهَا كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَهُوَ الَّذِي ذكره الْمُؤلف بعد عَن المُصَنّف.

قَوْلُهُ: (عَلَى السَّوَاءِ) أَيْ فِي عُمُومِ الْوِلَايَةِ، لِأَنَّ قُضَاةَ الْمَذَاهِبِ فِي زَمَانِنَا وِلَايَتُهُمْ عَلَى السوَاء فِي التَّعْمِيم، وَهُوَ رد على الْبَحْر.

قَوْله: (بإجابة الْمُدعى عَلَيْهِ) بِأَن قَالَ لَهُ من اخْتَار غَيْرك من الْقَضَاء فَلَا تحكم عَلَيْهِ.

قَوْله: (لزم اعْتِبَاره) أَي أَمر السُّلْطَان أَي الْعَمَل بِهِ وَقد أَمر كَمَا مر فَلَا تنسه.

قَوْلُهُ: (لِعَزْلِهِ) أَيْ لِعَزْلِ مَنْ اخْتَارَهُ الْمُدَّعِي عَن الحكم بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذِه الدَّعْوَى عملا بِأَمْر السُّلْطَان، فَكَأَنَّهُ خصص قَضَاءَهُ بالحكم على من اخْتَارَهُ وَالْقَضَاء يتخصص.

قَوْله: (كَمَا مر مرَارًا) من أَن الْقَضَاء يتَقَيَّد.

قَوْله: (قلت وَهَذَا الْخلاف) أَي بَين مُحَمَّد الْقَائِل بِاعْتِبَار الْمُدعى عَلَيْهِ وَبَين أبي يُوسُف الْقَائِل بِاعْتِبَار الْمُدَّعِي.

قَوْلُهُ: (عَلَى حِدَةٍ) أَيْ لَا يَقْضِي عَلَى غير أَهلهَا.

قَوْله: (أَمَّا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ حَنَفِيٌّ وَشَافِعِيٌّ الخ) أَي وَقد ولى الْحَنَفِيّ على أَن يحكم على جَمِيع أهل الْمصر وَكَذَا الشَّافِعِي وَنَحْوه فَلَيْسَ هُوَ كمن ولى على محلّة.

قَوْله: (فِي مجْلِس وَاحِد) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَة لَان الْمدَار على عُمُوم الْولَايَة كَمَا تقدم، فَلَو اقْتصر على قَوْله وَالْولَايَة وَاحِدَة لَكَانَ أحسن، وَيَعْنِي باتحادها عمومها.

قَوْلُهُ: (وَالْوِلَايَةُ وَاحِدَةٌ) أَيْ لَمْ يُخَصِّصْ كُلَّ وَاحِد بمحله.

قَوْله: (لما أَنه صَاحب الْحق) هَذَا مَا يُعْطِيهِ كَلَام الْمَقْدِسِي، وَهُوَ يُفِيد اعْتِبَار الْمُدَّعِي وَلَو كَانَ أحد الْقُضَاة يساعد الْمُدعى عَلَيْهِ، وَهَذَا التَّعْلِيل مِنْهُ أولى من تَعْلِيله السَّابِق بقوله إذْ لَا تَظْهَرُ فَائِدَةٌ فِي كَوْنِ الْعِبْرَةِ للْمُدَّعِي أَو الْمُدعى عَلَيْهِ ط.
قَالَ الشَّارِح فِي الدّرّ الْمُنْتَقى بعد أَن ذكر نَحْو هَذَا: وَأفْتى بعض موَالِي الرّوم بِأَنَّهُ إِن انْضَمَّ إِلَيْهِ احْتِمَال ظلمه فللمدعى عَلَيْهِ، وَالله تَعَالَى الْمُوفق.
اهـ.

قَوْله: (وركنها) أَي الدَّعْوَى إِضَافَة الْحق إِلَى نَفسه.
الرُّكْن جُزْء الْمَاهِيّة، وَقد قدم أَنَّهَا قَول مَقْبُول الخ، فَهِيَ مركبة من إِضَافَة الْحق إِلَى نَفسه وَمن

(8/8)


القَوْل الدَّال عَلَيْهِ وَمن كَونه عِنْد القَاضِي، فَيكون أَرْكَانهَا ثَلَاثَة، وَيحْتَمل أَن كَونهَا عِنْد القَاضِي شَرط كَمَا سيصرح بِهِ فَيكون الرُّكْن شَيْئَيْنِ فَقَط القَوْل ومدلوله، وَظَاهر كَلَام الشَّارِح أَن الرُّكْن هُوَ الْمَدْلُول فَقَط.
وَأما القَوْل فَهُوَ وَسِيلَة إِلَيْهِ فَيكون أَرَادَ بالركن الْمَاهِيّة وَكَثِيرًا مَا يَقع ذَلِك فِي كَلَامه، فَلْيتَأَمَّل.

قَوْله: (كوكيل ووصي) الاولى كموكل ويتيم.

قَوْله: (عِنْد النزاع الخ) إِنَّمَا تسمى دَعْوَى عِنْد النزاع لانه حِينَئِذٍ يُسمى مُدعيًا، أما بعد ثُبُوت حَقه وَانْقِطَاع النزاع عَنهُ فَلَا يُسمى مُدعيًا، وَكَذَا عِنْد المسالمة فَإِنَّهَا لَيست دَعْوَى شرعا.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَخَرَّجَ الْإِضَافَةَ حَالَةَ الْمُسَالَمَةِ فَإِنَّهَا دَعْوَى لُغَة لَا شرعا.
اهـ.
وَنَظِير مَا تقدم عَن الْبَزَّازِيَّة عِنْد قَوْله يقْصد بِهِ طلب حق.

قَوْله: (وَأَهْلهَا) أدخلهُ فِي الْبَحْر فِي الشُّرُوط، ونظم الْحَمَوِيّ الشُّرُوط بقوله: أيا طَالبا مني شَرَائِط دَعْوَة فَتلك ثَمَان من نظامي لَهَا حلا فحضرة خصم وَانْتِفَاء تنَاقض ومجلس حكم بِالْعَدَالَةِ سربلا كَذَلِك معلومية الْمُدَّعِي بِهِ وإمكانه وَالْعقل دَامَ لَك الْعلَا كَذَاك لِسَان الْمُدَّعِي من شُرُوطهَا وإلزامه خصما بِهِ النّظم كملا
قَوْله: (وَلَو صَبيا) أَي وَلَو الْمُمَيز صَبيا.

قَوْله: (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن مَأْذُونا لَا تصح دَعْوَاهُ كَسَائِر عِبَارَته الدائرة بَين الضّر والنفع.
تَتِمَّة: نقل الْعَلامَة أَبُو السُّعُود عَن الزَّيْلَعِيّ أَن الصَّبِي الْعَاقِل الْمَأْذُون لَهُ يسْتَحْلف وَيقْضى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ، وَلَا يسْتَحْلف الاب فِي مَال الصَّبِي وَالْوَصِيّ فِي مَال الْيَتِيم وَلَا الْمُتَوَلِي فِي مَال الْوَقْف إِلَّا إِذا ادّعى عَلَيْهِم العقد فيستحلفون حِينَئِذٍ.
وَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي الْفُصُول الْعمادِيَّة: لَو ادّعى على صبي مَحْجُور عَلَيْهِ شَيْئا وَله وَصِيّ حَاضر لَا تشْتَرط حَضْرَة الصَّبِي ذكره فِي كتاب الْقِسْمَة، وَلم يفصل بَين مَا إِذا كَانَ الْمُدَّعِي عينا أَو دينا وَجب بِمُبَاشَرَة هَذَا الْوَصِيّ أَو وَجب لَا بمباشرته كضمان الِاسْتِهْلَاك وَنَحْوه.
وَذكر الْخصاف فِي أدب القَاضِي: لَو ادّعى على صبي مَحْجُور مَالا بالاستهلاك أَو بِالْغَصْبِ، إِن قَالَ الْمُدَّعِي لي بَيِّنَة حَاضِرَة تسمع دَعْوَاهُ وَيشْتَرط حُضُور الصَّغِير لَان الصَّبِي مؤاخذ بأفعاله وَالشُّهُود محتاجون إِلَى الاشارة لَكِن يحضر مَعَه أَبوهُ أَو وَصِيّه، حَتَّى إِذا ألزم الصَّغِير بشئ يُؤَدِّي عَنهُ أَبوهُ من مَاله: يَعْنِي من مَال الصَّغِير.
وَذكر بعض الْمُتَأَخِّرين حَضْرَة الصَّغِير الدَّعَاوَى شَرط، سَوَاء كَانَ الصَّغِير مُدعيًا أَو مدعى عَلَيْهِ.
وَالصَّحِيح أَنه لَا يشْتَرط حَضْرَة الاطفال الرضع عِنْد الدَّعَاوَى، هَكَذَا ذكر فِي الْمُحِيط، وَذكر رشيد الدّين فِي فَتَاوَاهُ أَن الْمُخْتَار أَنه يشْتَرط حَضْرَة الصَّبِي عِنْد الدَّعَاوَى.
اهـ.
وَفِي جَامع أَحْكَام الصغار للاستروشني: وَلَو ادّعى رجل على صبي مَحْجُور شَيْئا وَله وَصِيّ حَاضر لَا يشْتَرط حُضُور الصَّبِي، هَكَذَا ذكر شيخ الاسلام، وَلم يفصل بَين مَا إِذا كَانَ الْمُدَّعِي دينا أَو عينا وَجب الدّين بِمُبَاشَرَة هَذَا الْوَصِيّ أَو لَا.

(8/9)


وَذكر الناطفي فِي أجناسه: إِذا كَانَ الدّين وَاجِبا بِمُبَاشَرَة هَذَا الْوَصِيّ لَا يشْتَرط إِحْضَار الصَّبِي.
وَفِي أدب القَاضِي للخصاف: إِذا وَقع الدَّعْوَى على الصَّبِي الْمَحْجُور عَلَيْهِ إِذا لم يكن للْمُدَّعِي بَيِّنَة فَلَيْسَ لَهُ حق إِحْضَاره إِلَى بَاب القَاضِي: لانه لَو حضر لَا يتَوَجَّه عَلَيْهِ الْيَمين، لانه لَو نكل لَا يقْضِي بِنُكُولِهِ، وَإِن كَانَت لَهُ بَيِّنَة وَهُوَ يَدعِي عَلَيْهِ الِاسْتِهْلَاك كَانَ لَهُ حق إِحْضَاره، لَان الصَّبِي مؤاخذ بأفعاله وَالشُّهُود يَحْتَاجُونَ إِلَى الاشارة إِلَيْهِ فَكَانَ لَهُ حق إِحْضَاره، وَلَكِن يحضر مَعَه أَبوهُ حَتَّى إِذا لزم الصَّبِي شئ يُؤَدِّي عَنهُ أَبوهُ من مَاله.
وَفِي كتاب الاقضية أَن إِحْضَار الصَّبِي فِي الدَّعَاوَى شَرط، وَبَعض الْمُتَأَخِّرين من مَشَايِخ زَمَاننَا مِنْهُم من شَرط ذَلِك سَوَاء كَانَ الصَّغِير مُدعيًا أَو مدعى عَلَيْهِ، وَمِنْهُم من أَبى ذَلِك.
وَإِذا لم يكن
للصَّبِيّ وَصِيّ وَطلب الْمُدَّعِي من القَاضِي أَن ينصب عَنهُ وَصِيّا أَجَابَهُ القَاضِي إِلَى ذَلِك.
وَفِي فَتَاوَى القَاضِي ظهير الدّين: وَالصَّحِيح أَنه لَا يشْتَرط حَضْرَة الاطفال الرضع عِنْد الدَّعْوَى، ونشترط حَضْرَة الصَّبِي عِنْد نصب الْوَصِيّ للاشارة إِلَيْهِ.
هَكَذَا فِي الْفَتَاوَى.
وَفِي كتاب الاقضية: وَمن مَشَايِخ زَمَاننَا من أَبى ذَلِك، وَقَالَ لَو كَانَ الصَّبِي فِي المهد يشْتَرط إِحْضَار المهد مجْلِس الحكم، وَلَا شكّ أَن اشْتِرَاطه بعيد، والاول أقرب إِلَى الصَّوَاب وأشبه بالفقه.
اهـ.
وَفِي جَامع أَحْكَام الصغار للاستروشني أَيْضا: الصَّبِي التَّاجِر وَالْعَبْد التَّاجِر يسْتَحْلف وَيقْضى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ.
وَذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث أَن الصَّبِي الْمَأْذُون لَهُ يسْتَحْلف عِنْد عُلَمَائِنَا، وَبِه نَأْخُذ.
وَفِي الْفَتَاوَى أَنه لَا يَمِين على الصَّبِي الْمَأْذُون حَتَّى يدْرك.
وَذكر فِي النَّوَادِر: يحلف الصَّبِي الْمَأْذُون لَهُ وَيَقْضِي بِنُكُولِهِ.
وَفِي الْمنية: الصَّبِي الْعَاقِل الْمَأْذُون لَهُ يسْتَحْلف وَيَقْضِي بِنُكُولِهِ.
وَفِي الْوَلوالجِيَّة: صبي مَأْذُون بَاعَ شَيْئا فَوجدَ المُشْتَرِي بِهِ عَيْبا فَأَرَادَ تَحْلِيفه فَلَا يَمِين عَلَيْهِ حَتَّى يدْرك.
وَعَن مُحَمَّد: لَو حلف وَهُوَ صبي ثمَّ أدْرك لَا يَمِين عَلَيْهِ كالنصراني إِذا حلف ثمَّ أسلم لَا يَمِين عَلَيْهِ، فَهَذَا دَلِيل على أَنه لَو حلف يكون مُعْتَبرا.
وَعَن مُحَمَّد: إِذا ادّعى على الصَّبِي دين وَأنكر الْغُلَام فَالْقَاضِي يحلفهُ، وَإِن نكل يقْضى بِالدّينِ عَلَيْهِ وَلَزِمَه فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة الْكَبِير، وَفِي الصَّبِي الْمَحْجُور إِذا لم يكن للْمُدَّعِي بَيِّنَة لَا يكون لَهُ إِحْضَاره إِلَى بَاب القَاضِي، لانه لَو حلف وَنكل لَا يقْضى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ، وَلَو كَانَ لَهُ بَيِّنَة وَهُوَ يَدعِي عَلَيْهِ الِاسْتِهْلَاك لَهُ إِحْضَاره لانه مَأْخُوذ بأفعاله، وَإِن لم يكن مأخوذا بأقواله وَالشُّهُود محتاجون إِلَى الاشارة إِلَيْهِ فيحضر، لَكِن يحضر مَعَه أَبوهُ وَمن هُوَ فِي مَعْنَاهُ، لَان الصَّبِي بِنَفسِهِ لَا يَلِي شَيْئا فيحضر الاب، حَتَّى إِذا لزمَه يُؤمر الاب بالاداء عَنهُ فِي مَاله.
كَذَا فِي الْحَوَاشِي الحموية.
وَالْحَاصِل: أَن الْمَفْهُوم مِمَّا ذكر أَنه لَا يلْزم إِحْضَار الصَّغِير وَلَو مدْركا على الصَّحِيح مَا لم يكن مُسْتَهْلكا للاشارة إِلَيْهِ فِي الشَّهَادَة وَلَكِن يحضر مَعَه أَبوهُ أَو وَصِيّه.

قَوْلُهُ: (وَشَرْطُهَا) لَمْ أَرَ اشْتِرَاطَ لَفْظٍ مَخْصُوصٍ لِلدَّعْوَى وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَزْمِ وَالتَّحْقِيقِ، فَلَوْ قَالَ أَشُكُّ أَوْ أَظُنُّ لَمْ تصح
الدَّعْوَى.
بَحر.
فَائِدَة: لَا تُسْمَعْ الدَّعْوَى بِالْإِقْرَارِ، لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَة: ادّعى أَن لَهُ عَلَيْهِ كَذَلِك وَأَنَّ الْعَيْنَ الَّذِي فِي يَدِهِ لَهُ لِمَا أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهِ أَوْ ابْتَدَأَ بِدَعْوَى الْإِقْرَارِ وَقَالَ إنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا لِي أَوْ أَقَرَّ أَنَّ لِي عَلَيْهِ كَذَا.

(8/10)


قِيلَ يَصِحُّ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْإِقْرَارِ لِلِاسْتِحْقَاقِ إلَخْ.
بَحْرٌ مِنْ فَصْلِ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ.
وَسَيَأْتِي متْنا أول الاقرار.

قَوْله: (أَي شَرط جَوَاز الدَّعْوَى) أَي صِحَّتهَا.

قَوْله: (مجْلِس الْقَضَاء) فِيهِ مناقشته، فَإِن شَرط الشئ خَارج عَن ذَلِك الشئ وَحُضُور مجْلِس القَاضِي مَأْخُوذ فِي مَفْهُوم الدَّعْوَى حَيْثُ عرفهَا فِي الدُّرَر بِأَنَّهَا مُطَالبَة حق عِنْد من لَهُ الْخَلَاص.
وَأما على تَعْرِيف الْكَنْز بِأَنَّهَا إِضَافَة الشئ إِلَى نَفسه حَالَة الْمُنَازعَة فَلَا ترد هَذِه المناقشة.
أَبُو السُّعُود.
وَالْمرَاد بِمَجْلِس القَاضِي مَحل جُلُوسه حَيْثُ اتّفق وَلَو فِي بَيت أَو دكان، إِذْ لَا تسمع الدَّعْوَى وَلَا الشَّهَادَة إِلَّا بَين يَدي القَاضِي، أما نوابه الْآن فِي محاكم الكنارات فَلَا يَصح سماعهم الدَّعْوَى إِلَّا بهَا مَا لم يُطلق لَهُم الاذن بسماعها أَيْنَمَا أَرَادوا، فَإِذا أطلق لَهُم صَارُوا مثله.

قَوْله: (وَحُضُور خَصمه) قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَا بُد من بَيَان من يكون خصما فِي الدَّعَاوَى ليعلم الْمُدعى عَلَيْهِ، وَقد أغفله الشارحون وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي.
فَأَقُول: فِي دَعْوَى الْخَارِج ملكا مُطلقًا فِي عين فِي يَد مُسْتَأْجر أَو مستعير أَو مُرْتَهن فَلَا بُد من حَضْرَة الْمَالِك وَذي الْيَد، إِلَّا إِذا ادّعى الشِّرَاء مِنْهُ قبل الاجارة فالمالك وَحده يكون خصما، وتشترط حَضْرَة المزراع إِن كَانَ الْبذر مِنْهُ أَو كَانَ الزَّرْع نابتا وَإِلَّا لَا.
وَفِي دَعْوَى الْغَصْب عَلَيْهِ لَا تشْتَرط حَضْرَة الْمَالِك.
وَفِي البيع قبل التَّسْلِيم لَا بُد فِي دَعْوَى الِاسْتِحْقَاق وَالشُّفْعَة من حَضْرَة البَائِع وَالْمُشْتَرِي فَاسِدا بعد الْقَبْض خصم لمن يَدعِي الْملك فِيهِ وَقبل الْقَبْض الْخصم هُوَ البَائِع وَحده وَأحد الْوَرَثَة ينْتَصب خصما عَن الْكل فالقضاء عَلَيْهِ قَضَاء الْكل وعَلى الْمَيِّت.
وَقَيده فِي الْجَامِع بِكَوْن الْكل فِي يَده وَأَن الْبَعْض فِي يَده فبقدره وَالْمُوصى لَهُ لَيْسَ بخصم فِي إِثْبَات الدّين إِنَّمَا هُوَ خصم فِي إِثْبَات الْوكَالَة أَو الْوِصَايَة، إِلَّا إِذا كَانَ موصى لَهُ بِمَا زَاد على الثُّلُث وَلَا وَارِث فَهُوَ كالوارث.
وَاخْتِلَاف الْمَشَايِخ فِي إِثْبَات الدّين على من فِي يَده مَال الْمَيِّت وَلَيْسَ بوارث وَلَا وَصِيّ، وَلَا
تسمع دَعْوَى الدّين على الْمَيِّت على غَرِيم الْمَيِّت مديونا أَو دائنا أَي لاجل المحاصصة.
والخصم فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ خَمْسَةٌ: الْوَارِثُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُوصَى لَهُ والغريم للْمَيت أَو على الْمَيِّت.
وقف على صَغِير لَهُ وَصِيّ ولرجل فِيهِ دَعْوَى يَدعِيهِ على مُتَوَلِّي الْوَقْف لَا على الْوَصِيّ لَان الْوَصِيّ لَا يَلِي الْقَبْض.
وَلَا تشْتَرط حَضْرَة الصَّبِي عِنْد الدَّعْوَى عَلَيْهِ وتكفي حَضْرَة وَصِيّه دينا أَو عينا بَاشرهُ الْوَصِيّ أَو لَا.
وَلَا تشْتَرط حَضْرَة العَبْد والامة عِنْد دَعْوَى الْمولى أَرْشه ومهرها.
وَلَو ادّعى على صبي مَحْجُور عَلَيْهِ استهلاكا أَو غصبا وَقَالَ لي بَيِّنَة حَاضِرَة تسمع دَعْوَاهُ وتشترط حَضْرَة الصَّبِي مَعَ أَبِيه أَو وَصِيّه وَإِلَّا نصب لَهُ القَاضِي وَصِيّا، وتشترط حَضرته عِنْد الدَّعْوَى مُدعيًا أَو مدعى عَلَيْهِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْأَطْفَالِ الرُّضَّعِ عِنْد الدَّعْوَى.
وَالْمُسْتَأْجر خصم لمن يَدعِي الاجارة فِي غيبَة الْمَالِك على الاقرب إِلَى الصَّوَاب، وَلَيْسَ بخصم على الصَّحِيح لمن يَدعِي الاجارة أَو الرَّهْن أَو الشِّرَاء وَالْمُشْتَرِي خصم للْكُلّ كالموهوب لَهُ.
وَفِي دَعْوَى الْعين الْمَرْهُونَة تشْتَرط حَضْرَة الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن وَتَصِح الدَّعْوَى على الْغَاصِب وَإِن لم تكن الْعين فِي يَده، فَلِذَا كَانَ للْمُسْتَحقّ الدَّعْوَى على البَائِع وَحده، وَإِن كَانَ الْمَبِيع فِي يَد المُشْتَرِي

(8/11)


لكَونه غَاصبا وَالْمُودع أَو الْغَاصِب إِذا كَانَ مقرا بالوديعة وَالْغَصْب لَا ينْتَصب خصما للْمُشْتَرِي وينتصب خصما لوَارث الْمُودع أَو الْمَغْصُوب مِنْهُ.
وَمن اشْترى شَيْئا بِالْخِيَارِ فَادَّعَاهُ آخر يشْتَرط حَضْرَة البَائِع وَالْمُشْتَرِي بَاطِلا لَا يكون خصما للْمُسْتَحقّ، وَإِذا اسْتحق الْمَبِيع بِالْملكِ الْمُطلق وَقضى بِهِ فبرهن البَائِع على النِّتَاج وَبرهن على المُشْتَرِي فِي غيبَة الْمُسْتَحق ليدفع عَنهُ الرُّجُوع بِالثّمن اخْتلف الْمَشَايِخ، والاصح أَنه لَا يشْتَرط حَضرته.
وَمِنْهُم من قَالَ: الْمُخْتَار اشْتِرَاطهَا، وَأفْتى السَّرخسِيّ بالاول وَهُوَ الاظهر.
والاشبه أَن الْمُوصى لَهُ ينْتَصب خصما للْمُوصى لَهُ فِيمَا فِي يَده، فَإِن لم يقبض وَلَكِن قضى لَهُ بِالثُّلثِ فخاصمه موصي لَهُ آخر: فَإِن إِلَى القَاضِي الَّذِي قضى لَهُ كَانَ خصما، وَإِلَّا فَلَا.
وَإِذا ادّعى نِكَاح امْرَأَة وَلها زوج ظَاهر يشْتَرط حَضرته لسَمَاع الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة وَدَعوى النِّكَاح عَلَيْهَا بتزويج أَبِيهَا صَحِيحَة بِدُونِ حَضْرَة أَبِيهَا.
وَدَعوى الْوَاهِب الرُّجُوع فِي الْهِبَة للْعَبد عَلَيْهِ صَحِيحَة إِن كَانَ مَأْذُونا، وَإِلَّا فَلَا بُد من حَضْرَة مَوْلَاهُ.
وَالْقَوْل للْوَاهِب أَنه مَأْذُون وَلَا تقبل بَيِّنَة العَبْد أَنه مَحْجُور، فَإِن غَابَ العَبْد لم تصح دَعْوَى الرُّجُوع على مَوْلَاهُ إِن كَانَت الْعين فِي يَد العَبْد.
وَتَمَامه فِي خزانَة الْمُفْتِينَ.
اهـ.

قَوْله: (فَلَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ سَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا وَقْتَ الشَّهَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَبَعْدَ التَّزْكِيَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ أَوْ عَنْ الْبَلَد إِلَّا أَن يكون ذَلِك ضَرُورِيًّا، كَمَا إِذا توجه الْقَضَاء على الْخصم فاستتر بِشَرْطِهِ الْمَذْكُور فِي مَوْضِعه.
ابْن الْغَرْس: وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي فَيَقْضِي عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَطْعَنَ فِي الْبَيِّنَةِ دُونَ الْإِقْرَارِ، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْإِقْرَارِ قَضَاءُ إِعَانَة، لَكِن قَالَ فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من جَامع الْفُصُولَيْنِ نَاقِلا عَن الْخَانِية: غَابَ الْمُدعى عَلَيْهِ بعد مَا بَرْهَنَ عَلَيْهِ أَوْ غَابَ الْوَكِيلُ بَعْدَ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ أَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ ثُمَّ عُدِّلَتْ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ لَا يَحْكُمُ بِهَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يحكم وَهَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ.
وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَغَابَ ثُمَّ حَضَرَ وَكِيلُهُ أَوْ عَلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ حَضَرَ مُوَكِّلُهُ يَقْضِي بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ، وَكَذَا يَقْضِي عَلَى الْوَارِثِ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عَلَى مُوَرِّثِهِ، وَقد مر الْكَلَام على ذَلِك مُسْتَوفى فِي الْقَضَاء، فَرَاجعه.
وَكَذَا لَا تسمع الشَّهَادَة على غَائِب إِلَّا إِذا التمس الْمُدَّعِي بذلك كتابا حكميا للْقَضَاء بِهِ فَيُجِيبهُ القَاضِي إِلَيْهِ، فَيكْتب إِلَى القَاضِي الْغَائِب الَّذِي بطرفه الْخصم بِمَا سَمعه من الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة ليقضي عَلَيْهِ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْبَدَائِع.

قَوْله: (وَهل يحضرهُ بِمُجَرَّد الدَّعْوَى) أَي يحضر القَاضِي الْخصم.

قَوْله: (فحتى يبرهن) يَعْنِي قَالَ بَعضهم: إِنَّمَا يحضرهُ إِذا برهن على دَعْوَاهُ لَا للْقَضَاء بهَا بل ليعلم صدقه.
وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا تُقَام الْبَيِّنَة على الْخصم وَلَا خصم هُنَا بل يحلفهُ بِاللَّه أَنه صَادِق فِيمَا يَدعِي عَلَيْهِ ليعلم بذلك صدقه، فَإِن حلف أحضر لَهُ خَصمه.

قَوْله: (أَو يحلف) أَو لحكاية الْخلاف، لانهما قَوْلَانِ لَا قَوْلٌ وَاحِدٌ يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الْبُرْهَان والتحليف.
قَالَ فِي الْبَحْر: إِن كَانَ فِي الْمصر أَو قَرِيبا مِنْهُ بِحَيْثُ لَو أجَاب يبيت فِي منزله، وَإِن كَانَ أبعد

(8/12)


مِنْهُ قيل يَأْمُرهُ بإقامته الْبَيِّنَة على مُوَافقَة دَعْوَاهُ لاحضار خَصمه والمستور فِي هَذَا يَكْفِي، فَإِذا أَقَامَ يَأْمر إنْسَانا ليحضر خَصمه.
وَقيل يحلفهُ القَاضِي، فَإِن نكل أَقَامَهُ عَن مَجْلِسه، وَإِن حلف أَمر بإحضاره.
اهـ.
قَالَ قاضيخان: فَإِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة قبلت بَينته للاشخاص لَا للْقَضَاء اهـ: أَي بل لاحضاره، فَإِذا حضر أعَاد الْبَيِّنَة ثَانِيًا، فَإِن عدلت قضى عَلَيْهِ كَمَا فِي شرح أدب القَاضِي.
قَالَ الشلبي: وَعمل قُضَاة زَمَاننَا على خلاف مَا تقدم، فَإِذا أَتَى لَهُم شخص فَقَالَ لي دَعْوَى على شخص يأمرون بإحضاره من غير أَن يستفسروا الْمُدَّعِي عَن دَعْوَاهُ ليعلموا صِحَّتهَا من فَسَادهَا، وَهَذَا مِنْهُم غَفلَة عَمَّا ذَكرُوهُ أَو جهل بِهِ.
اهـ.
وَفِي خزانَة الاكمل: قَالَ أَبُو يُوسُف: لَو اختفى الْمُدعى عَلَيْهِ فِي الْبَيْت بعث إِلَيْهِ القَاضِي نسَاء وأمرهن بِدُخُول دَاره، فَإِن عرفنه، وَإِلَّا عزل النِّسَاء فِي بَيت ثمَّ يدْخل الرِّجَال فيفتشون بَقِيَّة الدَّار، قَالَ هِشَام لمُحَمد: مَا تَقول فِي رجل لَهُ حق على ذِي سُلْطَان فَلم يجِئ مَعَه إِلَى مجْلِس القَاضِي؟ فَأَخْبرنِي أَن أَبَا يُوسُف كَانَ يعْمل بالاعداء وَهُوَ قَول أهل الْبَصْرَة وَبِه نَأْخُذ.
والاعداء أَن يبْعَث القَاضِي إِلَى بَابه من يَأْتِيهِ بِهِ، بِأَن يَقُول لَهُ إِن القَاضِي يَدْعُوك إِلَى مجْلِس الحكم، فَإِن أَجَابَهُ فبها، وَإِلَّا جعل القَاضِي وَكيلا عَنهُ.
وَلَا يَأْخُذ أَبُو حنيفَة بالاعداء اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلم يذكر الشارحون هُنَا حكم اسْتِيفَاء ذِي الْحق حَقه من الْغَيْر بِلَا قَضَاء، وأحببت جمعه من موَاضعه تكثرا للفوائد وتيسيرا على طالبيها، فَإِن كَانَ الْحق حد قذف فَلَا يَسْتَوْفِيه بِنَفسِهِ لَان فِيهِ حق الله تَعَالَى اتِّفَاقًا.
والاصح أَن الْغَالِب فِيهِ حَقه تَعَالَى، فَلَا يَسْتَوْفِيه إِلَّا من يُقيم الْحُدُود وَلَكِن يطْلب الْمَقْذُوف كَمَا بَيناهُ فِي بَابه، وَإِن كَانَ قصاصا فَقَالَ فِي جنايات الْبَزَّازِيَّة: قتل الرجل عمدا وَله ولي لَهُ أَن يقْتَصّ بالسي فَقضى بِهِ أَولا وَيضْرب علاوته، وَلَو رام قَتله بِغَيْر سيف منع، وَإِن فعل عزّر لَكِن لَا يضمن لاستيفائه حَقه اهـ.
وَإِن كَانَ تعزيرا فَفِي حُدُود الْقنية: ضَرَبَ غَيْرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَضَرَبَهُ الْمَضْرُوبُ أَيْضًا أَنَّهُمَا يعزران، وَيبدأ بِإِقَامَة التَّعْزِير بالبادئ مِنْهُمَا لانه أظلم
وَالْوُجُوب عَلَيْهِ أسبق اهـ.
وَأما إِذا شَتمه فَلهُ أَن يَقُول لَهُ مثله، والاولى تَركه كَمَا قدمْنَاهُ فِي مَحَله، بِخِلَاف مَا إِذا قذفه فَلَا يجوز لَهُ أَن يَقُول لَهُ مثله كَمَا إِذا قَالَ لَهُ يَا كلب لانه كذب مَحْض.
وَقَالُوا: للزَّوْج أَن يُؤَدب زَوجته، وَله أَن يضْربهَا على عدم إجَابَته إِذا دَعَاهَا لفراشه وَلَا مَانع، وعَلى ترك الزِّينَة وَهُوَ يريدها، وعَلى ضربهَا وَلَده، وعَلى خُرُوجهَا بِغَيْر إِذْنه بِغَيْر حق، وعَلى صعودها على السلط لتطل على الْجِيرَان أَو يَرَاهَا الاجانب، وَحِينَئِذٍ فَلهُ أَن يقفل عَلَيْهَا الْبَاب.
وَالصَّحِيح أَنه لَا يضْربهَا على ترك الصَّلَاة كَمَا مر فِي مَوْضِعه مفصلا.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من التَّحْلِيف: وَمن عَلَيْهِ التَّعْزِير لَو مكن صَاحب الْحق مِنْهُ أَقَامَهُ: يَعْنِي لم يخْتَص الامام بإقامته، فَإِن الزَّوْج يُؤَدب الْمَرْأَة وَلَو رأى أحدا يفعل ذَلِك فَلهُ أَن يمنعهُ ويضربه لَو لم ينزجر بِالْمَنْعِ بِاللِّسَانِ، وَلَو كَانَ حَقه تَعَالَى لانعكست هَذِه الاحكام اهـ.
وَإِن كَانَ عينا.
فَفِي إِجَارَة الْقنية: وَلَو غَابَ الْمُسْتَأْجر بعد السّنة وَلم يسلم الْمِفْتَاح إِلَى الْآجر فَلهُ أَن يتَّخذ مفتاحا آخر، وَلَو أجره من غير إِذن الْحَاكِم جَازَ اهـ.

(8/13)


مطلب: حَادِثَة الْفَتْوَى وَقد صَارَت حَادِثَة الْفَتْوَى: مَضَت الْمدَّة وَغَابَ الْمُسْتَأْجر وَترك مَتَاعه فِي الدَّار فأفتيت بِأَن لَهُ أَن يفتح الدَّار ويسكن فِيهَا، وَأما الْمَتَاع فَيَجْعَلهُ فِي نَاحيَة إِلَى حُضُور صَاحبه، وَلَا يتَوَقَّف الْفَتْح على إِذن القَاضِي أخذا مِمَّا فِي الْقنية.
وَفِي غصب منية الْمُفْتِي: أخذت أَغْصَان شَجَرَة إِنْسَان هَوَاء دَار آخر فَقطع رب الدَّار الاغصان: فَإِن كَانَت الاغصان بِحَال يُمكن لصَاحِبهَا أَن يشدها بِحَبل ويفرغ هَوَاء دَاره ضمن الْقَاطِع، وَإِن لم يكن لَا يضمن إِذا قطع من مَوضِع لَو رفع إِلَى الْحَاكِم أَمر بِالْقطعِ من ذَلِك الْموضع.
اهـ.
وَإِن كَانَ دينا، فَفِي مداينات الْقنية رب الدّين إِذا ظفر من جنس حَقه من مَال الْمَدْيُون على صفته فَلهُ أَخذه بِغَيْر رِضَاهُ، وَلَا يَأْخُذ خلاف جنسه كالدراهم وَالدَّنَانِير.
وَعند الشَّافِعِي: لَهُ أَخذه بِقدر قِيمَته.
وَعَن أبي بكر الرَّازِيّ: لَهُ أَخذ الدَّرَاهِم بِالدَّنَانِيرِ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسا، وَلَو أَخذ من الْغَرِيم جنس الْحق غير رب الدّين وَدفعه
لرب الدّين.
قَالَ ابْن سَلمَة: هُوَ غَاصِب والغريم غَاصِب الْغَاصِب، فَإِن ضمن الْآخِذ لم يصر قصاصا بِدِينِهِ، وَإِن ضمن الْغَرِيم صَار قصاصا.
وَقَالَ نصير بن يحيى: صَار قاصصا بِدِينِهِ والآخذ معِين لَهُ، وَبِه يُفْتى.
وَلَو غصب غير الدَّائِن جنس الدّين من الْمَدْيُون فغصبه مِنْهُ الدَّائِن، فالمختار هُنَا قَول ابْن سَلمَة اهـ.
وَظَاهر قَول أَصْحَابنَا أَن لَهُ الاخذ من جنسه مقرا كَانَ أَو مُنْكرا لَهُ بَيِّنَة أَو لَا، وَلم أر حكم مَا إِذا لم يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِكَسْر الْبَاب ونقب الْجِدَار، وَيَنْبَغِي أَن لَهُ ذَلِك حَيْثُ لَا يُمكنهُ الاخذ بالحاكم وَإِذا أَخذ غير الْجِنْس بِغَيْر إِذْنه فَتلف فِي يَده ضمنه ضَمَان الرَّهْن كَمَا فِي غصب الْبَزَّازِيَّة: رفع عِمَامَة مديونه عَن رَأسه حِين تقضاه الدّين وَقَالَ لَا أردهَا عَلَيْك حَتَّى تقضي الدّين فَتلفت الْعِمَامَة فِي يَده تهْلك هَلَاك الرَّهْن بِالدّينِ.
قَالَ: هَذَا إِنَّمَا يَصح إِذا أمكنه استردادها فَتَركهَا عِنْده.
أما إِذا عجز فَتَركهَا لعَجزه فَفِيهِ نظر اهـ.
وَأَنت خَبِير بِأَن مَا هُنَا مُشكل، إِذْ يَقْتَضِي أَن الزَّائِد على الدّين أَمَانَة مَعَ كَونه غَاصبا، إِذْ لَيْسَ لَهُ أَخذ غير جنس حَقه، فَتَأمل ذَلِك.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة فِي الرَّهْن، تَقَاضَى دَيْنَهُ فَلَمْ يَقْضِهِ فَرَفَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأسه وَأَعْطَاهُ منديلا فلفه عَلَى رَأْسِهِ فَالْعِمَامَةُ رَهْنٌ، لِأَنَّ الْغَرِيمَ بِتَرْكِهَا عِنْده رَضِي بِكَوْنِهَا رهنا، وَسَيَأْتِي فِي الرَّهْن متْنا أَخَذَ عِمَامَةَ الْمَدْيُونِ لِتَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ لَمْ تكن رهنا اهـ.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: أَخذ عِمَامَة مديونه لتَكون رهنا لم يجز أَخذه وهلكه كرهن، وَهَذَا ظَاهر لَو رَضِي الْمَدْيُون بِتَرْكِهِ رهنا.
اهـ.
والتوفيق بَين النقول ظَاهر، فَتَأمل، وَالله تَعَالَى أعلم.

قَوْله: (منية) عبارتها إِذا طلب من القَاضِي إِحْضَار الْخصم وَهُوَ خَارج الْمصر، إِن كَانَ الْوَضع قَرِيبا بِحَيْثُ لَو ابتكر من أَهله أمكنه أَن يحضر مجْلِس القَاضِي ويجيب خَصمه ويبيت فِي منزله يحضرهُ بِمُجَرَّد الدَّعْوَى، كَمَا إِذا كَانَ فِي الْمصر، وَإِن كَانَ أبعد قيل يَأْمر بِإِقَامَة الْبَيِّنَة على مُوَافقَة دَعْوَاهُ لاحضار خَصمه.
وَقيل يحلفهُ القَاضِي، فَإِن نكل أَقَامَهُ عَن مَجْلِسه وَإِن حلف يَأْمر بإحضاره.
اهـ.
كَمَا قدمْنَاهُ بأوضح من هَذَا.

قَوْلُهُ: (وَمَعْلُومِيَّةُ الْمَالِ الْمُدَّعَى) أَيْ بِبَيَانِ جِنْسِهِ وَقدره بالاجماع، لَان الْغَرَض إِلْزَام الْمُدعى عَلَيْهِ عِنْد إِقَامَة الْبَيِّنَة، وَلَا إِلْزَام فِيمَا لَا يعلم جنسه وَقدره.

(8/14)


قَالَ فِي الْبَحْر: وَأَشَارَ بِاشْتِرَاط معلومية الْجِنْس وَالْقدر إِلَى أَنه لَا بُد من بَيَان الْوَزْن فِي الموزونات.
وَفِي دَعْوَى وقر رمان أَو سفرجل لَا بُد من ذكر الْوَزْن للتفاوت فِي الوقر، وَيذكر أَنه حُلْو أَو حامض أَو صَغِير أَو كَبِير.
وَفِي دَعْوَى الكعك يذكر أَنه من دَقِيق المغسول أَو من غَيره، وَمَا عَلَيْهِ من السمسم أَنه أَبيض أَو أسود وَقدر السمسم.
وَقيل لَا حَاجَة إِلَى السمسم وَقدره وَصفته.
وَفِي دَعْوَى الابريسم بِسَبَب السّلم لَا حَاجَة إِلَى ذكر الشَّرَائِط، وَالْمُخْتَار أَنه لَا بُد من ذكر الشَّرَائِط.
وَفِي الْقطن يشْتَرط بَيَان أَنه بخاري أَو خوارزمي.
وَفِي الْحِنَّاء لَا بُد من بَيَان أَنه مدقوق أَو ورق.
وَفِي الديباج إِن سلما يذكر الاوصاف وَالْوَزْن، وَإِن عينا لَا حَاجَة إِلَى ذكر الْوَزْن وَيذكر الاوصاف، وَلَا بُد من ذكر النَّوْع وَالْوَصْف مَعَ ذكر الْجِنْس وَالْقدر فِي المكيلات، وَيَذْكُرُ فِي السَّلَمِ شَرَائِطَهُ مِنْ أَعْلَامِ جِنْسِ رَأس المَال وَغَيره ونوعه وَصفته وَقدره بِالْوَزْنِ إِن كَانَ وزنيا، وانتقاده بِالْمَجْلِسِ حَتَّى يَصِحَّ، وَلَوْ قَالَ بِسَبَبِ بَيْعٍ صَحِيحٍ جَرَى بَيْنَهُمَا صَحَّتْ الدَّعْوَى بِلَا خِلَافٍ.
وَعَلَى هَذَا فِي كُلِّ سَبَبٍ لَهُ شَرَائِطُ قَليلَة يَكْتَفِي بقوله بِسَبَب كَذَا صَحِيح.
وَإِن ادّعى ذَهَبا أَو فضَّة فَلَا بُد من بَيَان جنسه ونوعه إِن كَانَ مَضْرُوبا كبخاري الضَّرْب وصنعته جيدا أَو وسطا أَو رديئا إِذا كَانَ فِي الْبَلَد نقود مُخْتَلفَة.
وَفِي الْعِمَادِيّ: إِذا كَانَ فِي الْبَلَد نقود وأحدها أروج لَا تصح الدَّعْوَى مَا لم يبين.
وَتَمَامه فِي الْبَزَّازِيَّة وخزانة الْمُفْتِينَ اهـ.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَلَو قَالَ بسلم صَحِيح وَلم يذكر الشَّرَائِط، كَانَ شمس الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى يُفْتِي بِالصِّحَّةِ وَغَيره لَا، لَان شَرَائِط مِمَّا لَا يعرفهُ إِلَّا الْخَواص وَيخْتَلف فِيهِ بَعْضهَا.
وَفِي الْمُنْتَقى: لَو قَالَ بِبيع يَكْفِي، وعَلى هَذَا كل مَا لَهُ شَرَائِط كَثِيرَة لَا يَكْتَفِي فِيهِ بقوله بِسَبَب صَحِيح، وَإِذا قلت الشَّرَائِط يَكْتَفِي بِهِ.
أجَاب شَمْسُ الْإِسْلَامِ فِيمَنْ قَالَ كَفَلَ كَفَالَةً صَحِيحَةً أَنه لَا يَصح كَمَا فِي السّلم لَان الْمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيهَا، فَلَعَلَّهُ صَحِيح على اعْتِقَاده لَا فِي الْوَاقِع وَلَا عِنْد الْحَاكِم، والحنفي يعْتَقد عدم
صِحَة الْكفَالَة بِلَا قبُول فَيَقُول كفل وَقبل الْمَكْفُول لَهُ فِي الْمجْلس فَيصح وَيذكر فِي الْقَرْض وأقرضه مِنْهُ مَال نَفسه لجَوَاز أَن يكون وَكيلا فِي الاقراض من غَيره وَالْوَكِيل سفير فِيهِ فَلَا يملك الطّلب وَيذكر أَيْضا قبض الْمُسْتَقْرض وَصَرفه إِلَى حَوَائِجه ليَكُون دينا بالاجماع، فَإِن كَونه دينا عِنْد الثَّانِي مَوْقُوف على صرفه واستهلاكه، وَتَمَامه فِيهَا.

قَوْله: (إِذْ لَا يقْضِي بِمَجْهُول) أَي لَان فَائِدَة الدَّعْوَى الْقَضَاء بهَا وَلَا يقْضِي بِمَجْهُول فَلَا تصح دَعْوَى الْمَجْهُول.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ فَسَادِ الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ دَعْوَى الرَّهْنِ وَالْغَصْب، لما فِي الْخَانِية: إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ رَهَنَ عِنْدَهُ ثَوْبًا وَلَمْ يُسَمُّوا الثَّوْبَ وَلَمْ يَعْرِفُوا عَيْنَهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ وَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي أَيِّ ثَوْبٍ كَانَ وَكَذَلِكَ فِي الْغَصْب.
اهـ.
فالدعوى بالاولى.
وَفِي الْمِعْرَاجِ: وَفَسَادُ الدَّعْوَى، إمَّا أَنْ لَا يكون لزمَه شئ عَلَى الْخَصْمِ أَوْ يَكُونَ الْمُدَّعَى مَجْهُولًا فِي نَفْسِهِ وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ، بِأَنْ ادَّعَى حَقًّا مِنْ وَصِيَّةٍ أَوْ إقْرَارٍ فَإِنَّهُمَا يَصِحَّانِ بِالْمَجْهُولِ، وَتَصِحُّ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ الْمَجْهُول بِلَا خلاف اهـ.
فبلغت المستثنيات خَمْسَة.
اهـ.
وَفِي الاشباه: وَلَا يحلف على مَجْهُول إِلَّا فِي مسَائِل: الاولى: إِذا اتهمَ القَاضِي وَصِيّ الْيَتِيم.

(8/15)


الثَّانِيَة: إِذا اتهمَ مُتَوَلِّي الْوَقْف فَإِنَّهُ يحلفهما نظرا للْوَقْف واليتيم.
الثَّالِثَة: إِذا ادّعى الْمُودع خِيَانَة مُطلقَة.
الرَّابِعَة: الرَّهْن الْمَجْهُول.
الْخَامِسَة: دَعْوَى الْغَصْب.
السَّادِسَة: دَعْوَى السّرقَة.
اهـ.

قَوْله: (وَلَا يُقَال مدعى فِيهِ) قَالَ الْحلَبِي: تعديته بفي لم أرها فَليُرَاجع.
اهـ.
قَالَ الشَّيْخ أَبُو الطّيب: لم أجد فِي كتاب أَن الْمُدعى فِيهِ خطأ أَو لَغْو، وَلَعَلَّ الشَّارِح وجده.
اهـ.
وَفِي طلبة الطّلبَة: وَلَا يُقَال مُدَّعًى فِيهِ وَبِهِ وَإِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهِ المتفقهة إِلَّا أَنه مَشْهُورٌ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ صَوَابٍ مَهْجُورٍ.
حَمَوِيٌّ.
أَقُول: وَحِينَئِذٍ يَسْتَغْنِي عَمَّا قَالَه الشَّارِح من أَن الادعاء يضمن معنى الاخبار فيعدي بِالْبَاء.
تَأمل.

قَوْله: (إِلَّا أَن يتَضَمَّن الاخبار) فِي بعض النّسخ إِلَّا بتضمن الاخبار بِحَذْف أَن وبالباء الْمُوَحدَة فِي تضمن: أَي فعل الدَّعْوَى يتَعَدَّى بِنَفسِهِ فَيُقَال ادَّعَاهُ، وَقد يضمن معنى الاخبار فَيُقَال ادّعى بِأَرْض أَي أخبر بِأَنَّهَا لَهُ فَهُوَ رَاجع إِلَى بِهِ وَبَقِي الاول على عُمُومه.

قَوْله: (وَكَونهَا ملزمة) فَلَا تصح دَعْوَى التَّوْكِيل على مُوكله الْحَاضِر لامكان عَزله.
بَحر.

قَوْله: (وظهوره) أَي الْكَذِب وَهُوَ بِالْجَرِّ عطفا
على تَيَقّن.

قَوْله: (كدعوى مَعْرُوف بالفقر) وَهُوَ أَن يَأْخُذ الزَّكَاة من الاغنياء.
منح: أَي إِن ادّعى لنَفسِهِ، أما لَو ادّعى وكَالَة عَن غَنِي فَيصح كَمَا صرح بِهِ ابْن الْغَرْس لانه غير مُسْتَحِيل عَادَة.

قَوْله: (أَنه أقْرضهُ إِيَّاهَا) نَقْدا منح.

قَوْله: (دفْعَة وَاحِدَة) ظَاهر التَّقْيِيد بِمَا ذكر أَنه إِذا ادَّعَاهَا ثمن عقار كَانَ لَهُ أَو ادَّعَاهَا قرضا بدفعات أَن تسمع دَعْوَاهُ.

قَوْله: (وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْغَرْسِ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ) فِي القضايا الْحكمِيَّة حَيْثُ قَالَ: وَمن شُرُوط صِحَة الدَّعْوَى أَن يكون الْمُدَّعِي بِهِ مِمَّا يحْتَمل الثُّبُوت بِأَن يكون مستحيلا عقلا أَو عَادَة، فَإِن الدَّعْوَى وَالْحَال مَا ذكر ظَاهِرَة الْكَذِب فِي المستحيل العادي يقينية الْكَذِب فِي المستحيل الْعقلِيّ مثلا، الدَّعْوَى بالمستحيل العادي دَعْوَى من هُوَ مَعْرُوف بالفقر وَالْحَاجة، وَهُوَ أَن يَأْخُذ الزَّكَاة من الاغنياء وَيَدعِي على آخر أَنه أقْرضهُ مائَة ألف دِينَار ذَهَبا نَقْدا دفْعَة وَاحِدَة وَأَنه تصرف فِيهَا بِنَفسِهِ ويطالبه برد بدلهَا فَمثل هَذِه الدَّعْوَى لَا يلْتَفت إِلَيْهَا القَاضِي لخروجها مخرج الزُّور والفجور، وَلَا يسْأَل الْمُدعى عَلَيْهِ عَن جوابها اهـ.
قَالَ فِي الْمِنَحِ: لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِي مَنْعِ دَعْوَى الْمُسْتَحِيلِ الْعَادِي إلَى نَقْلٍ عَنْ الْمَشَايِخ اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْر فِي آخر بَاب التَّحَالُف وَالله أعلم هَل مَنْقُول أَو قَالَه تفقها كَمَا وَقع لي ثمَّ ذكر نَحْو مَا ذكره ابْن الْغَرْس، إِلَى أَن قَالَ: قلت: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال: غصب لي مَالا عَظِيما كنت ورثته من مورثي الْمَعْرُوف بالغنى فَحِينَئِذٍ تسمع.
اهـ.
قُلْت: لَكِنْ فِي الْمَذْهَبِ فُرُوعٌ تَشْهَدُ لَهُ مِنْهَا مَا سَيَأْتِي آخر فصل التَّحَالُف.

قَوْله: (حَتَّى لَو سكت) لَا يظْهر التَّفْرِيع ط.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَزَاد الزَّيْلَعِيّ وجوب الْحُضُور على الْخصم، وَفِيه نظر لَان حُضُوره شَرطهَا كَمَا قدمْنَاهُ فَكيف يكون وُجُوبه حكمهَا الْمُتَأَخر عَنْهَا اهـ.

(8/16)


وَأَقُول: وَعبارَة الزَّيْلَعِيّ: وَحكمهَا وجوب الْجَواب على الْخصم إِذا صحت، وَيَتَرَتَّب على صِحَّتهَا وجوب إِحْضَار الْخصم، والمطالبة بِالْجَوَابِ بِلَا أَو نعم، وَإِقَامَة الْبَيِّنَة أَو الْيَمين إِذا أنكر.
اهـ.
فَلَيْسَ فِي كَلَام الزَّيْلَعِيّ مَا يُفِيد أَنه جعل وجوب الْحُضُور حكما.
وَغَايَة مَا اسْتُفِيدَ من كَلَامه أَن القَاضِي لَا يحضرهُ بِمُجَرَّد طلب الْمُدَّعِي بل بعد سَمَاعه دَعْوَاهُ، فَإِن رَآهَا صَحِيحَة أحضرهُ لطلب
الْجَواب وَإِلَّا فَلَا، فَتدبر.
أَبُو السُّعُود.

قَوْله: (وسنحققه) أَي فِي شرح قَول المُصَنّف وَقضى بِنُكُولِهِ مرّة.

قَوْله: (تعلق الْبَقَاء) أَي بَقَاء عَالم الْمُكَلّفين.

قَوْله: (الْمُقدر) أَي الْمُحكم وَهُوَ نعت الْبَقَاء: أَي الَّذِي قدره الله تَعَالَى.

قَوْله: (بتعاطي الْمُعَامَلَات) أَي بِسَبَب تعَاطِي الْمُعَامَلَات، وَهُوَ مُتَعَلق بتعلق: أَي والمعاملات من نَحْو البيع والاجارة والاستئجار وَغير ذَلِك يجْرِي فِيهَا الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان والاقرار والجحود وَالتَّوْكِيل وَغير ذَلِك، فَكَانَت الدَّعْوَى مِمَّا يتقضي بَقَاءَهُ، لانه لَو أهملت لضاعت أَحْوَاله، لَان الانسان مدنِي بالطبع لَا يُمكن أَن يقوم بِجَمِيعِ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ، وَالدَّعْوَى من الْمُعَامَلَات، فَمَا كَانَ سَببا للمعاملات وَهُوَ تعلق الْبَقَاء كَانَ سَببا لَهَا.

قَوْله: (فَلَو كَانَ مَا يَدعِيهِ مَنْقُولًا) أَي مجحودا غير وَدِيعَة، أما الْمقر بِهِ لَا يلْزم إِحْضَاره لانه يَأْخُذهُ من الْمقر، وَكَذَا لَو كَانَ وَدِيعَة لَا يَصح الامر بإحضارها إِذْ الْوَاجِب فِيهَا التَّخْلِيَة لَا النَّقْل ط.
وَيرد عَلَيْهِ أَن الدَّعْوَى فِي الْعين الْوَدِيعَة إِنَّمَا تكون إِذا جَحدهَا، وَحِينَئِذٍ فَتكون مَغْصُوبَة، وَالْعين الْمَغْصُوبَة يُكَلف إحضارها.
تَأمل.
والقهستاني زَاد: وَذكر فِي الخزانة أَنهم لَو شهدُوا بشئ مغيب عَن الْمجْلس قبلت وَإِن أمكن إِحْضَاره، بِخِلَاف مَا قَالَ بعض الْجُهَّال إِنَّه لَا تقبل اهـ.
لكنه غَرِيب فَلْيتَأَمَّل، وَيَأْتِي خِلَافه.

قَوْله: (وَذكر الْمُدَّعِي أَنَّهُ فِي يَدِهِ) فَلَوْ أَنْكَرَ كَوْنَهُ فِي يَدِهِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ بِسَنَةٍ هَلْ يُقْبَلُ وَيُجْبَرُ بِإِحْضَارِهِ؟ قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ خُرُوجُهُ مِنْ يَدِهِ فَتَبْقَى وَلَا تَزُولُ بِشَكٍّ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ.
وَرَدَّهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ بِأَنَّ هَذَا اسْتِصْحَابٌ، وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الدّفع لَا فِي الاثبات، وَلَا شكّ أَن مَا ذكر من قبيل الاثبات.
قَالَ صَاحب التَّوْضِيح: وَمن الْحجَج الْفَاسِدَة الِاسْتِصْحَاب، وَهُوَ حجَّة عِنْد الشَّافِعِي فِي كل مَا يثبت وجوده بِدَلِيل ثمَّ وَقع الشَّك فِي بَقَائِهِ.
وَعِنْدنَا حجَّة للدَّفْع لَا للاثبات، إِذْ الدَّلِيل الْمُوجب لَا يدل على الْبَقَاء وَهَذَا ظَاهر اهـ.

قَوْله: (بِغَيْر حق لاحْتِمَال كَونه مَرْهُونا الخ) فَإِن الشئ قد يكون فِي يَد غير الْمَالِك بِحَق كَالرَّهْنِ فِي يَد الْمُرْتَهن وَالْمَبِيع فِي يَد البَائِع لاجل قبض الثّمن.
قَالَ صدر الشَّرِيعَة: هَذِه عِلّة تَشْمَل الْعقار أَيْضا، فَمَا وَجه تَخْصِيص الْمَنْقُول بِهَذَا الحكم؟
أَقُول: دراية وَجهه مَوْقُوفَة على مقدمتين مسلمتين.
إِحْدَاهمَا: أَن دَعْوَى الاعيان لَا تصح إِلَّا على ذِي الْيَد كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَة: إِنَّمَا ينْتَصب خصما إِذا كَانَ فِي يَده.
وَالثَّانيَِة: أَن الشُّبْهَة مُعْتَبرَة يجب دَفعهَا لَا شُبْهَة الشُّبْهَة، كَمَا قَالُوا: إِن شُبْهَة الرِّبَا مُلْحقَة بِالْحَقِيقَةِ لَا شُبْهَة الشُّبْهَة.

(8/17)


إِذا عرفتهما فَاعْلَم أَن فِي ثُبُوت الْيَد على الْعقار شُبْهَة لكَونه غير مشَاهد، بِخِلَاف الْمَنْقُول فَإِن فِيهِ مُشَاهدَة فَوَجَبَ دَفعهَا فِي دَعْوَى الْعقار بإثباته بِالْبَيِّنَةِ لتصح الدَّعْوَى، وَبعد ثُبُوته يكون احْتِمَال كَون الْيَد لغير الْمَالِك شُبْهَة الشُّبْهَة فَلَا يعْتَبر.
وَأما فِي الْيَد فِي الْمَنْقُول فلكونه مشاهدا لَا يحْتَاج إِلَى إثْبَاته.
لَكِن فِيهِ شُبْهَة كَون الْيَد لغير الْمَالِك فَوَجَبَ دَفعهَا لتصح الدَّعْوَى.
اهـ.
قَالَ الْمولى عبد الْحَلِيم: قد نَشأ من كَلَام صدر الشَّرِيعَة هَذَا كَلِمَات للفضلاء الْمُتَأَخِّرين، وعد كل مِنْهُم مَا طولوا تَحْقِيقا وَمَا لخصوا تدقيقا، وَقد وَقع بَينهم تدافع فذيلوا كَلَامهم بِالْحَمْد لله على كَونهم مهتدين لما منحوا.
أَقُول: وَمن الله التَّوْفِيق وَبِيَدِهِ أزمة التَّحْقِيق والتدقيق: إِنَّه لَا خَفَاء فِي أَنه لَا اخْتِصَاص لقَوْله بِغَيْر حق بالمنقول لَان مفاده دفع احْتِمَال كَون الْمُدَّعِي مَرْهُونا أَو مَحْبُوسًا بِالثّمن فِي يَده، فَفِي الْمَنْقُول: كَمَا احْتَاجَ إِلَى هَذَا الدّفع احْتَاجَ فِي الْعقار أَيْضا.
وَمن ذَلِك أَن الْمَشَايِخ صَرَّحُوا فِي هَذَا الدّفع بِأَنَّهُ وَجب أَن يَقُول فِي الْمَنْقُول بِغَيْر حق، وَأَن يذكر فِي الْعقار أَنه يُطَالِبهُ، لَان ظَاهر حَال الطَّالِب أَن لَا يُطَالِبهُ إِلَّا إِذا كَانَ لَهُ الطّلب وَذَا لَا يكون إِذا كَانَ فِي يَد غَيره بِحَق، فمطالبته بالعقار تَتَضَمَّن قَوْله بِغَيْر حق، وَلذَلِك دفعت هَذَا الِاحْتِمَال كَمَا صرح بِهِ فِي الْهِدَايَة.
وَقد قَالَ ظهير الدّين المرغيناني: إِنَّه لَا بُد فِي دَعْوَى الْعقار من معرفَة القَاضِي كَونه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ، فيذكر الْمُدَّعِي أَنه فِي يَده الْيَوْم بِغَيْر حق كَمَا فِي الْعمادِيَّة.
وَأَيْضًا لَا اخْتِصَاص فِي الْمُطَالبَة بالعقار، إِلَّا أَن وُجُوبهَا لما كَانَ بعد إِحْضَار الْمَنْقُول وتضمنها
طلب الاحضار فِي الْجُمْلَة لم يحتاجوا إِلَى التَّصْرِيح بهَا، وَللَّه دِرْهَم فِي التَّحْقِيق والتدقيق.
إِذا عرفت هَذَا ظهر أَن إِشْكَال صدر الشَّرِيعَة سَاقِط عَن أصل، وَأَنه لَا فرق بَينهمَا فِي الِاحْتِيَاج إِلَى هَذَا الدّفع.
نعم وجد الْفرق بَينهمَا وَهُوَ أَن الْمَنْقُول لما غلب فِيهِ الاعارة وَالرَّهْن بل البيع وَجرى الْغَصْب عَلَيْهِ بالِاتِّفَاقِ دون الْعقار أوجبوا فِي الْمَنْقُول التَّصْرِيح بِأَنَّهُ فِي يَده بِغَيْر حق، واكتفوا فِي الْعقار بتضمن كَلَامه هَذَا الْمَعْنى.
وَأَيْضًا مَا ذكره المُصَنّف هُنَا يصلح أَن يكون عِلّة أَيْضا للُزُوم التَّصْرِيح فِي الْمَنْقُول بِغَيْر حق وللاكتفاء بتضمن كَلَامه ذَلِك فِي الْعقار هَذَا، خير الْكَلَام مَا قل وَدلّ، وَلَا تعجب من تَبْدِيل كَلِمَات جم غفير فَإِنَّهُ ثَمَرَة الانتباه.
وَلَا مبدل لكلمات الله.
وَلَا يشاركها فِيهِ كَلِمَات من سواهُ يورثه من يَشَاء * ((7) الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله) * (الاعراف: 34) وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل.

قَوْله: (وَطلب الْمُدَّعِي إِحْضَاره) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُودِعًا، فَإِذن ادَّعَى عَيْنَ وَدِيعَةٍ لَا يُكَلَّفُ إحْضَارَهَا بَلْ يُكَلف التَّخْلِيَة كَمَا تقدم قَرِيبا.
وَنَقله فِي الْبَحْر عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ.
قَالَ فِي غَايَة الْبَيَان: ثمَّ إِذا حضر ذَلِك الشئ إِلَى مجْلِس القَاضِي فَشَهِدُوا بِأَنَّهُ لَهُ وَلم يشْهدُوا بِأَنَّهُ ملكه يجوز لَان اللَّام للتَّمْلِيك، وَكَذَلِكَ إِن شهدُوا بِأَن هَذَا مَالك لَهُ أَو شهدُوا على إِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ للْمُدَّعِي وَذَلِكَ لَا إِشْكَال فِيهِ، إِنَّمَا الاشكال فِيمَا لَو ادّعى أَنه أقرّ بِهَذَا الشئ وَلم يدع بِأَنَّهُ ملكي وَأقَام الشُّهُود على ذَلِك هَل يقبل وَهل يقْضِي بِالْملكِ؟ مِنْهُم من يَقُول نعم، فقد ذكرنَا أَن الشُّهُود لَو شهدُوا بِأَن هَذَا أقرّ بِهَذَا الشئ لَهُ تقبل وَإِن لم يشْهدُوا بِأَنَّهُ ملكه وَكَذَلِكَ الْمُدَّعِي، وَأَكْثَرهم على أَنه لَا

(8/18)


تصح الدَّعْوَى مَا لم يقل أقرّ بِهِ وَهُوَ ملكي، لَان الاقرار خبر وَالْخَبَر يحْتَمل الصدْق وَالْكذب، فَإِذا كَانَ كذبا لَا يُوجب وَالْمُدَّعِي يَقُول أقرّ بِهِ لي يصير مُدعيًا للْملك والاقرار غير مُوجب لَهُ فَلم تُوجد دَعْوَى الْملك، فَلهَذَا شَرط قَوْله وَهُوَ ملكي، بِخِلَاف الشَّهَادَة لَان الثَّابِت بهَا كَالثَّابِتِ بالمعاينة.
اهـ.
مُلَخصا.

قَوْله: (إِن أمكن) المُرَاد بالممكن مَا لَا مُؤنَة فِي نَقله لَا مَا يُمكن مُطلقًا، لِئَلَّا يلْزم تَكْلِيفه الاحضار مَعَ الامكان وَلَو فِيمَا لَهُ حمل وَمؤنَة مَعَ أَنه لَا يلْزمه.
أَبُو السُّعُود.
وَقيل فِي كَلَام الْمُتُون مساهلة، لَان فِي
دَعْوَى عين وَدِيعَة لَا يُكَلف إحضارها وَإِنَّمَا يُكَلف التَّخْلِيَة.
أَقُول: سوق الْكَلَام على أَن الْمُدَّعِي الْوَاجِب إِحْضَاره مَا يكون فِي يَد الْخصم بِغَيْر حق، والوديعة لَيست كَذَلِك فَلَا يشملها صدر الْكَلَام حَتَّى يحْتَاج إِلَى تدارك إخْرَاجهَا هُنَا كَمَا لَا يخفى، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال: بالانكار لَهَا صَارَت غصبا فيكلف إحضارها كَمَا قدمْنَاهُ عِنْد قَوْله فَلَو كَانَ مَا يَدعِيهِ مَنْقُولًا فَتدبر.

قَوْله: (فعلى الْغَرِيم إِحْضَاره) قدره ليُفِيد وُجُوبه، وَهَذَا إِذا لم يكن هَالكا وَلَا غَائِبا وَلَا مُمْتَنع الْوُصُول إِلَيْهِ بِسَبَب من الاسباب وَلَا يحْتَاج إِلَى حمل وَمؤنَة كَمَا يَأْتِي قَرِيبا.
قَوْله: ليشار إِلَيْهِ فِي الدَّعْوَى بِأَن يَقُول هَذَا ثوبي مثلا، لَان الاعلام أقْصَى مَا يُمكن شَرط وَذَلِكَ بالاشارة فِي الْمَنْقُول لَان النَّقْل مُمكن والاشارة أبلغ فِي التَّعْرِيف.

قَوْله: (وَالشَّهَادَة) بِأَن يَقُول الشَّاهِد أشهد أَن هَذَا الثَّوْب لهَذَا الْمُدَّعِي مثلا.

قَوْله: (والاستحلاف) بِاللَّه الْعَظِيم هَذَا الثَّوْب لي وَهُوَ فِي يدك بِغَيْر حق.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ كَانَ فِي نَقْلِهَا مُؤْنَةٌ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الرَّحَى وَالصُّبْرَةِ فَذِكْرُهُ هَهُنَا سَهْو.
قَالَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ: إلَّا إذَا تَعَسَّرَ بِأَنْ كَانَ فِي نَقْلِهِ مُؤْنَةٌ وَإِنْ قُلْت ذَكَرَهُ فِي الخزانة.
والاولى فِي التَّرْكِيب أَن يَقُول: إِن تعذر إِحْضَار الْعين بهلاكها أَو غيبتها أَو تعسر بِأَن كَانَ فِي نقلهَا مُؤنَة أَو يَقُول وَهُوَ مُقَيّد بِمَا لَا حمل لَهُ وَلَا مُؤنَة كَمَا فِي الْبَحْر، وَهَذَا إِذا كَانَت الْعين قَائِمَة، فَلَو كَانَت هالكة فَهُوَ كدعوى الدّين فِي الْحَقِيقَة كَمَا فِي جَامع الْفَتَاوَى.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَتَفْسِير الْحمل والمؤنة كَونه بِحَال لَا يحمل إِلَى مجْلِس القَاضِي إِلَّا بِأُجْرَة مجَّانا، وَقيل مَا لَا يُمكن حمله بيد وَاحِدَة، وَقيل مَا يحْتَاج فِي نَقله إِلَى مُؤنَة كبر وشعير لَا مَا لَا يحْتَاج فِي نَقله إِلَى مُؤنَة كمسك وزعفران قَلِيل، وَقيل مَا اخْتلف سعره فِي الْبلدَانِ فَهُوَ مِمَّا لَهُ حمل وَمؤنَة لَا مَا اتّفق.
اهـ.
وَعبارَة ابْن الْكَمَال متْنا وشرحا: وَهِي إِنَّمَا تصح فِي الدّين بِذكر جنسه وَقدره.
وَفِي الْعين الْمَنْقُول: أَي الَّذِي يحْتَمل النَّقْل بالاشارة إِلَيْهِ، فعلى الْغَرِيم إِحْضَاره مجْلِس القَاضِي إلَّا إذَا تَعَسَّرَ بِأَنْ كَانَ فِي نَقْلِهِ مُؤنَة وَإِن قلت: ذكره فِي الخزانة.
حضر الْحَاكِم عِنْده أَو بعث أَمينا.
اهـ.
فَتَأَمّله.
وَتَأمل هَذَا الشَّارِح فَإِنَّهُ ظَاهر فِي أَنه إِذا كَانَ فِي النَّقْل مُؤنَة يَكْتَفِي بِذكر الْقيمَة مَعَ أَن الْمُصَرّح بِهِ أَنه فِي صُورَة
التعسر يحضرهُ الْحَاكِم أَو يبْعَث أَمِينه ليشير إِلَيْهَا كَمَا سيجئ قَرِيبا، وَذكر الْقيمَة إِنَّمَا هُوَ فِي المتعذر إِحْضَاره حَقِيقَة بِأَن يكون هَالكا أَو حكما بِأَن يكون غَائِبا، وَإِن لم يكن بِهَذِهِ المثابة بِأَن كَانَ متعسر الاحضار مَعَ بَقَائِهِ كالرحى وصبرة الطَّعَام وقطيع الْغنم أرسل القَاضِي أَمِينه أَو أحضرهُ بِنَفسِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَن يذكرهَا بعد قَوْله فِيمَا سَيَأْتِي وَإِن تعذر إحضارها وَكَانَ الاولى للماتن أَن يَقُول: وَإِن تعسر بدل تعذر، لَان الرحمى وصبرة الطَّعَام من قبيل المتعسر كَمَا هُوَ الْمُصَرّح بِهِ فِي غير كتاب، فَتَأمل.
لَكِن

(8/19)


الَّذِي عَلَيْهِ الْمجلة بِمُوجب الامر الشريف السلطاني أَن الْمَنْقُول مَتى احْتَاجَ إِحْضَاره لمصرف وَلَا يُمكن إِلَّا بذلك فَيَكْفِي فِيهِ التَّعْرِيف وَذكر الْقيمَة كَمَا فِي مَادَّة 0261 ومادة 1261.

قَوْله: (أَو غيبتها) أَي بِحَيْثُ لَا يُمكن إحضارها وَلَا حُضُور القَاضِي بِنَفسِهِ أَو أَمِينه لبعد مَسَافَة أَو مَانع آخر فَيكون ذَلِك بِمَنْزِلَة الْهَلَاك فقد تعذر إحضارها حَقِيقَة فِي الْهَلَاك وَحكما فِي الْغَيْبَة فيكتفي بِذكر قيمتهَا، وَلذَا قَالَ قاضيخان: بِأَن لَا يدْرِي مَكَانهَا.

قَوْله: (لانه) أَي الْمَذْكُور وَهُوَ الْقيمَة، وَهَذَا مِمَّا يزِيد الْعبارَة غموضا لاحتياجه إِلَى التويل وَكَأَنَّهُ تَحْرِيف من النَّاسِخ.
والاولى أَن يُقَال: لانها أَي الْقيمَة مثلهَا: أَي مثل الْعين كَمَا فِي شَرحه الْمُلْتَقى.

قَوْله: (مثله) أَي مثل مَا يَدعِيهِ، وَهُوَ عِلّة لقَوْله وَذكر قِيمَته عِنْد تعذر إِحْضَار الْعين فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَان ذكر الْقيمَة مثل إِحْضَار الْعين، لَان الْمَقْصُود من الْمُدَّعِي مَالِيَّته وَالْقيمَة تماثله فِي الْمَالِيَّة فصح تذكير الضميرين، وَقد قَالُوا: قيمَة القيمي كعينه.

قَوْله: (وَإِن تعذر) المُرَاد بالتعذر هُنَا التعسر.

قَوْله: (مَعَ بَقَائِهَا) أَي وَالْحَال أَن القَاضِي يُمكنهُ أَن يحضرها بِنَفسِهِ أَو أَمِينه لتفترق عَمَّا قدمه من قَوْله أَو غيبتها.

قَوْله: (بعث القَاضِي الخ) لَان أَمِينه يقوم مقَام نَفسه، فَلَو ذهب بِنَفسِهِ لَكَانَ هُوَ الاصل فَلَا شُبْهَة فِي صِحَّته، وَمثله مَا ذكره ابْن الْكَمَال حَيْثُ قَالَ: فعلى الْغَرِيم إِحْضَاره إلَّا إذَا تَعَسَّرَ، بِأَنْ كَانَ فِي نَقْلِهِ مُؤنَة وَإِن قلت.
ذكره فِي الخزانة.
حضر القَاضِي عِنْده أَو بعث أَمينا.
اهـ.
وَهِي الَّتِي قدمهَا الشَّارِح، وَقدمنَا أَنه ذكرهَا فِي غير محلهَا لانه جعلهَا مِثَالا لما تعذر نَقله وَأَنه يَكْتَفِي فِيهِ بِذكر الْقيمَة، وَالْحَال أَنه مِمَّا تعسر لَا مِمَّا تعذر، وَأَن الحكم فِيهِ أَن الْحَاكِم يحضر عِنْده أَو يبْعَث أَمينا وَلَا يَكْتَفِي فِيهِ بِذكر الْقيمَة كَمَا تفيده عبارَة ابْن الْكَمَال الَّتِي نقل الشَّارِح عَنهُ.
تَأمل.
قَالَ شمس الائمة الْحلْوانِي: من المنقولات مَا لَا يُمكن إِحْضَاره عِنْد القَاضِي كالصبرة من الطَّعَام والقطيع من الْغنم، فَالْقَاضِي فِيهِ بِالْخِيَارِ: إِن شَاءَ حضر ذَلِك الْموضع لَو تيَسّر لَهُ ذَلِك، وَإِن لم يَتَيَسَّر لَهُ الْحُضُور وَكَانَ مَأْذُونا بالاستخلاف بعث خَلِيفَته إِلَى ذَلِك، وَهُوَ نَظِير مَا إِذا كَانَ القَاضِي يجلس فِي دَاره وَوَقع الدَّعْوَى فِي جمل لَا يسع بَاب دَاره فَإِنَّهُ يخرج إِلَى بَاب دَاره أَو يَأْمر نَائِبه حَتَّى يخرج ليشير إِلَيْهِ الشُّهُود بِحَضْرَتِهِ.
وَتَمَامه فِي الدُّرَر.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَفِي الدَّابَّة يُخَيّر القَاضِي، إِن شَاءَ خرج إِلَيْهَا، وَإِن شَاءَ بعث إِلَيْهَا من يسمع الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة بحضرتها كَمَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ.
اهـ.
لَكِن قَالَ فِي غَايَة الْبَيَان: فَإِن كَانَت دَابَّة وَلَا يَقع بصر القَاضِي عَلَيْهَا وَلَا تتأتى الاشارة من الشُّهُود وَالْمُدَّعِي وَهُوَ على بَاب الْمَسْجِد يَأْمر بإدخالها فَإِنَّهُ جَائِز عِنْد الْحَاجة.
أَلا ترى أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام طَاف بِالْبَيْتِ على نَاقَته مَعَ أَن حُرْمَة الْمَسْجِد الْحَرَام فَوق حُرْمَة سَائِر الْمَسَاجِد، وَإِن كَانَ يَقع بصر القَاضِي عَلَيْهَا فَلَا يدخلهَا لانه لَا يَأْمَن مَا يكون مِنْهَا وَالْحَاجة منعدمة اهـ.

قَوْله: (وَإِلَّا تكن بَاقِيَة الخ) هَذَا تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ وَذَكَرَ قِيمَتَهُ إنْ تَعَذَّرَ.
وَالْحَاصِل: أَن الْمُدعى بِهِ إِن أمكن إِحْضَار عينه، وَلم يكن لَهُ حمل وَمؤنَة كلف الْمُدعى عَلَيْهِ إِحْضَاره، وَإِن لم يُمكن بِأَن تعذر لهلاك الْعين أَو غيبتها، أَو تعسر بِأَن كَانَ فِي نقلهَا مُؤنَة ذكر الْمُدَّعِي الْقيمَة، وَإِن لم تكن هالكة وَلَا غَائِبَة وَلَا يُمكن إحضارها إِلَى مجْلِس القَاضِي لتعذره كبستان ورحى أَو

(8/20)


تعسره كصبرة وقطيع غنم خير الْحَاكِم: إِن شَاءَ حضر بِنَفسِهِ لانه الاصل، أَو بعث أَمِينه.
وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا عَن الْمجلة من أَنه إِذا لم يكن إِحْضَار الْمَنْقُول إِلَّا بمصرف يَكْفِي تَعْرِيفه وَذكر قِيمَته.

قَوْلُهُ: (بِذِكْرِ الْقِيمَةِ) لِأَنَّ عَيْنَ الْمُدَّعِي تَعَذَّرَ مُشَاهَدَتُهَا وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا بِالْوَصْفِ، فَاشْتُرِطَ بَيَانُ الْقيمَة لانها شئ تُعْرَفُ الْعَيْنُ الْهَالِكَةُ بِهِ.
غَايَةَ الْبَيَانِ.
وَفِي شَرْحِ ابْنِ الْكَمَالِ: وَلَا عِبْرَةَ فِي ذَلِكَ لِلتَّوْصِيفِ لِأَنَّهُ لَا يُجْدِي بِدُونِ ذِكْرِ الْقِيمَةِ وَعِنْدَ ذِكْرِهَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، أُشِيرَ إلَى ذَلِك فِي الْهِدَايَة.
اهـ.
وَفِي قَوْلِهِ وَذَكَرَ قِيمَتَهُ إنْ تَعَذَّرَ إشَارَةٌ إِلَى أَنه لَا يشْتَرط ذكر اللَّوْن فِي الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَةِ وَالسِّنِّ فِي الدَّابَّةِ، وَفِيهِ
خِلَافٌ كَمَا فِي الْعمادِيَّة.
وَقَالَ السَّيِّد أَبُو الْقَاسِم: إنَّ هَذِهِ التَّعْرِيفَاتِ لِلْمُدَّعِي لَازِمَةٌ إذَا أَرَادَ أَخْذَ عَيْنِهِ أَوْ مِثْلِهِ فِي الْمِثْلِيِّ، أَمَّا إذَا أَرَادَ أَخْذَ قِيمَتِهِ فِي الْقِيَمِيِّ، فَيَجِبُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِذِكْرِ الْقِيمَةِ كَمَا فِي مَحَاضِرِ الخزانة اهـ.
فَرْعٌ: وَصَفَ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى فَلَمَّا حَضَرَ خَالَفَ فِي الْبَعْضِ: إنْ تَرَكَ الدَّعْوَى الْأُولَى وَادَّعَى الْحَاضِرُ تُسْمَعُ لِأَنَّهَا دَعْوَى مُبْتَدَأَةٌ، وَإِلَّا فَلَا.
بَحر عَن الْبَزَّازِيَّة.

قَوْله: (وَقَالُوا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ عَيْنَ كَذَا الخ) قَالَ فِي الْبَحْر: وَأطلق فِي بَيَان وجوب الْقيمَة عِنْد التَّعَذُّر واستثنوا مِنْهُ دَعْوَى الْغَصْب وَالرَّهْن.
فَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَو ادّعى عينا غَائِبا لَا يعرف مَكَانَهُ بِأَن ادّعى أَنه غصب مِنْهُ ثوبا أَو قِنَا وَلَا يدْرِي قِيَامه وهلاكه، فَلَو بَين الْجِنْس وَالصّفة وَالْقيمَة تقبل دَعْوَاهُ، وَإِن لم يبين قِيمَته أَشَارَ فِي عَامَّة الْكتب إِلَى أَنَّهَا تقبل، فَإِنَّهُ ذكر فِي كتاب الرَّهْن لَو ادّعى أَنه رهن عِنْده ثوبا، وَهُوَ يُنكر تسمع دَعْوَاهُ.
وَذكر فِي كتاب الْغَصْب: ادّعى أَنه غصب مِنْهُ أمة وَبرهن تسمع.
وَبَعض مَشَايِخنَا قَالُوا: إِنَّمَا تسمع دَعْوَاهُ إِذا ذكر الْقيمَة، وَهَذَا تَأْوِيل مَا ذكر فِي الْكتاب أَن الشُّهُود شهدُوا على إِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ، فَيثبت غصب الْقِنّ بِإِقْرَارِهِ فِي حق الْحَبْس وَالْحكم جَمِيعًا، وَعَامة الْمَشَايِخ على أَن هَذِه الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة تقبل، وَلَكِن فِي حق الْحَبْس وَإِطْلَاق مُحَمَّد فِي الْكتاب يدل عَلَيْهِ.
وَمعنى الْحَبْس: أَن يحْبسهُ حَتَّى يحضرهُ ليعيد الْبَيِّنَة عَليّ عينه، فَلَو قَالَ لَا أقدر عَلَيْهِ حبس قدر مَا لَو قدر أحضرهُ ثمَّ يقْضِي عَلَيْهِ بِقِيمَتِه اهـ.
وَلم يبين الحكم فِيمَا إِذا لم يدر قيمتهَا أَيْضا.
قَالَ فِي الدُّرَر: قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْقِيمَةَ وَقَالَ غُصِبَتْ مِنِّي عَيْنُ كَذَا، وَلَا أَدْرِي أَهُوَ هَالِكٌ أَوْ قَائِمٌ وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ، ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَعْلَمُ قِيمَةَ مَالِهِ، فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ.
أَقُولُ: فَائِدَةُ صِحَّةِ الدَّعْوَى مَعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا أَنْكَرَ، وَالْجَبْرِ عَلَى الْبَيَانِ إذَا أَقَرَّ أَوْ نكل عَن الْيَمين، فَلْيتَأَمَّل.
فَإِنَّ كَلَامَ الْكَافِي لَا يَكُونُ كَافِيًا إلَّا بِهَذَا التَّحْقِيق اهـ.
وَقَوله فائدتها توجه الْيَمين: أَي حَيْثُ لَا بَيِّنَة، وَإِلَّا ففائدتها الْحَبْس كَمَا علمت.
وَقَوله ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَعَامة الْمَشَايِخ على أَن هَذِه الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة تقبل وَلَكِن فِي حق الْحَبْس لَا الحكم، وَقدر الْحَبْس بشهرين كَمَا فِي الْخَانِية.
وَالْحَاصِل: أَنه فِي دَعْوَى الرَّهْن وَالْغَصْب لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْجِنْسِ وَالْقِيمَةِ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة، وَيكون القَوْل فِي الْقيمَة للْغَاصِب وَالْمُرْتَهن.
بَحر: أَي مَعَ الْيَمين كَمَا هُوَ الظَّاهِر.
قُلْت: وَزَادَ فِي الْمِعْرَاجِ: دَعْوَى الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ قَالَ فَإِن فيهمَا: يَصِحَّانِ بِالْمَجْهُولِ، وَتَصِحُّ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ الْمَجْهُولِ بِلَا خلاف اهـ.
فَهِيَ خَمْسَة.

قَوْله: (وَلِهَذَا) أَي لسَمَاع الدَّعْوَى فِي الْغَصْب وَإِن لم يذكر

(8/21)


الْقيمَة.

قَوْله: (مُخْتَلفَة الْجِنْس وَالنَّوْع) كثياب ودواب فَإِن تحتهَا أنواعا.

قَوْله: (كفى ذَلِك الاجمال) أَي وَلَا يشْتَرط التَّفْصِيل.
هندية.

قَوْله: (على الصَّحِيح) كَمَا فِي حزانة الْمُفْتِينَ وقاضيخان.
هندية.

قَوْلُهُ: (وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ) أَيْ عَلَى الْقِيمَةِ.

قَوْلُهُ: (أَو يحلف) أَي عِنْد عدم الْبُرْهَان.

قَوْله: (على الْكل مرّة) أَي وَلَا يحْتَاج أَن يحلفهُ على كل وَاحِد بِخُصُوصِهِ، خلافًا لمن اخْتَار ذَلِك رَاجع مَا هُوَ الصَّوَاب فِي ذَلِك.

قَوْله: (لانه) عِلّة لِلْعِلَّةِ.

قَوْله: (وَقيل فِي دَعْوَى السّرقَة) حَكَاهُ يقبل، لَان ثُبُوت حق الِاسْتِرْدَاد أَو تضمين الْقيمَة لَا يتَوَقَّف على ذَلِك، بل يتَوَقَّف عَلَيْهِ لُزُوم الْقطع مَعَ الْبَيِّنَة من الْمُدَّعِي أَو الاقرار من السَّارِق، وَهَذَا مُقَابل لقَوْل المُصَنّف فِيمَا تقدم، وَذكر قِيمَته إِن تعذر.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَإِنَّمَا يشْتَرط ذكر الْقيمَة فِي الدَّعْوَى إِذا كَانَت دَعْوَى سَرقَة ليعلم أَنَّهَا نِصَاب أَو لَا، فَأَما فِيمَا سوى ذَلِك فَلَا حَاجَة إِلَى بَيَانهَا اهـ وَعَلِيهِ فَكَانَ الاولى ذكره هُنَاكَ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ حَاضِرَةً لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ قِيمَتِهَا إِلَّا فِي دَعْوَى السّرقَة.
حموي.
والتقويم يكون من أهل الْخِبْرَة فِيمَا يظْهر لَا بقول الْمُدَّعِي.

قَوْله: (فَأَما فِي غَيرهَا) أَي السّرقَة فَلَا يشْتَرط: أَي ذكر الْقيمَة.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الشُّرُوطِ الْمَذْكُور من الِاكْتِفَاء بِذكر الْقيمَة.

قَوْله: (فِي دَعْوَى الْعين) أَي الشئ الْمُتَعَيّن المحسوس الْمَمْلُوك للْمُدَّعِي على زَعمه كالمغصوب والوديعة.

قَوْله: (لَا الدّين) أَي الْحق الثَّابِت فِي الذِّمَّة، وَسَتَأْتِي دَعْوَى الدّين فِي الْمَتْن.

قَوْله: (فَلَو ادّعى الخ) هُوَ تَمْثِيل للدّين، لَان الْقيمَة لَازِمَة ذمَّة الْمُدعى عَلَيْهِ فِي زعم الْمُدَّعِي اهـ.
رَحْمَتي.
لَكِن قَالَ بعض الافاضل: هُوَ تَفْرِيع على كَون الشُّرُوط الْمَارَّة إِنَّمَا هِيَ فِي دَعْوَى الْعين، وَأما الدّين فَسَيَأْتِي بأقسامه.
تَأمل.

قَوْله: (بَيَان جنسه) أَي جنس الْقيمَة، وَكَذَا كل دين يَدعِي وجنسه
كالذهب مثلا أَو الْفضة أَو النّحاس، وَكَذَا كل مَكِيل أَو مَوْزُون يُمكن ثُبُوته فِي الذِّمَّة يبين جنسه مَا هُوَ فَلَا يَكْفِي ذكر الْفرش والحرف فِي الْمَدِينَة، لانها كالعنقاء مَعْلُوم الِاسْم مَجْهُول الْجِنْس وَالنَّوْع.

قَوْله: (ونوعه) فَفِي الذَّهَب يبين أَنه من نوع كَذَا، وَكَذَا فِي الْفضة، وَكَذَا فِي الْبر بِأَن يَقُول: حورانية أَو بلدية أَو جيدورية أَو سلمونية.
قَالَ ط: فِيهِ أَنه عِنْد دَعْوَاهُ الْعين لَا يَكْفِي ادِّعَاء عين مَجْهُولَة، بل لَا بُد من بَيَان جِنْسهَا ونوعها ثمَّ يذكر الْقيمَة، فَالْقيمَة إِنَّمَا أغنت عَن الْحُضُور فَحِينَئِذٍ لَا بُد من ذكر الْجِنْس وَالنَّوْع فِي كل، فَلْيتَأَمَّل.
وَلذَا قَالُوا فِي التَّعْلِيل لذكر الْقيمَة لَان الاعيان تَتَفَاوَت وَالشّرط أَن يكون فِي مَعْلُوم وَقد تعذر مشاهدته لانها خلف عَنهُ.
وَفِي الذَّخِيرَة: إِن كَانَ الْعين غَائِبا وَادّعى أَنه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ فَأنْكر إِن بَين الْمُدَّعِي قِيمَته وَصفته تسمع دَعْوَاهُ وَتقبل بَينته اهـ.

قَوْله: (ليعلم القَاضِي بِمَاذَا يقْضِي) قَالَ فِي الذَّخِيرَة مثلا: لَو كَانَ الْمُدَّعِي مَكِيلًا لَا بُد من بَيَان جنسه بِأَنَّهُ حِنْطَة أَو شعير، ونوعه بِأَنَّهَا سقية أَو بَريَّة، وصفتها بِأَنَّهَا جَيِّدَة أَو رَدِيئَة، وَقدره بِأَن يَقُول كَذَا قَفِيزا، وَسبب وُجُوبهَا ذكره ابْن ملك.

(8/22)


أَقُولُ: لِي شُبْهَةٌ فِي هَذَا الْمَحَلِّ: وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَعْيَانًا مُخْتَلِفَةً، فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِذِكْرِ الْقِيمَةِ لِلْكُلِّ جُمْلَةً.
وَذَكَرَ فِي الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْأَعْيَانَ قَائِمَة بِيَدِهِ يُؤمر بإحضارها فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِحَضْرَتِهَا وَلَوْ قَالَ إنَّهَا هَالِكَةٌ وَبَيَّنَ قِيمَةَ الْكُلِّ جُمْلَةً تُسْمَعُ دَعْوَاهُ.
فَظَهَرَ أَنَّ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي دَعْوَى الْأَعْيَانِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ هَالِكَةً، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِحْضَارِهَا.
وَقَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا تَعَذَّرَ إحْضَارُهَا بِهَلَاكٍ وَنَحْوِهِ، فَذِكْرُ الْقِيمَةِ مُغْنٍ عَنْ التَّوْصِيفِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَعْيَانِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ الْقِيمَةِ، فَقَوْلُهُ هُنَا اشْتَرَطَ بَيَانَ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ مُشْكِلٌ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ ذِكْرِ الْقِيمَةِ مِنْ بَيَانِ التَّوْصِيفِ لَمْ يَظْهَرْ فَرْقٌ بَيْنَ دَعْوَى الْقِيمَةِ وَدَعْوَى نَفْسِ الْعَيْنِ الْهَالِكَةِ، فَمَا معنى قَوْله تبعا للبحر فِيمَا تقدم، وَهَذَا كُلُّهُ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ لَا الدَّيْنِ، فَلْيُتَأَمَّلْ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ: ادَّعَى ثَمَنَ مَحْدُود لم يشْتَرط بَيَان حُدُوده.
اهـ.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: إِذا ادّعى على آخر ثمن مَبِيع مَقْبُوض وَلم يبين الْمَبِيع أَو مَحْدُود وَلم يحدد يجوز،
وَهُوَ الاصح وَكَذَا فِي دَعْوَى مَال الاجارة المفسوخة لَا يشْتَرط تَحْدِيد الْمُسْتَأْجر اهـ.

قَوْله: (وَاخْتُلِفَ فِي بَيَانِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي الدَّابَّةِ) أَي المستهلكة، أما الْقَائِمَة فَهِيَ حَاضِرَة فِي الْمجْلس مشار إِلَيْهَا، وَإِذا كَانَ هَذَا فِي الدَّابَّة فَفِي الرَّقِيق أولى.

قَوْله: (فشرطه أَبُو اللَّيْث أَيْضا) أَي كَمَا شَرط بَيَان الْقيمَة.

قَوْله: (وَشرط الشَّهِيد بَيَان السن أَيْضا) أَي كَمَا يشْتَرط بَيَان الْقيمَة والذكورة أَو الانوثة.
قَالَ فِي الْمنح: وَذكر الصَّدْر الشَّهِيد إِذا ادّعى قيمَة دَابَّة مستهلكة لَا بُد من ذكر الذُّكُورَة أَو الانوثة، وَلَا بُد من بَيَان السن، وَهَذَا على أصل أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى مُسْتَقِيم، لَان عِنْده الْقَضَاء بِقِيمَة الْمُسْتَهْلك بِنَاء على الْقَضَاء بِملك الْمُسْتَهْلك، لَان حق الْمَالِك عِنْده بَاقٍ فِي الْعين المستهلكة، فَإِنَّهُ قَالَ: يَصح الصُّلْح عَن الْعين الْمَغْصُوب الْمُسْتَهْلك على أَكثر من قِيمَته، فَلَو لم يكن الْعين الْمُسْتَهْلك ملكا لَا يجوز الصُّلْح على أَكثر من قِيمَته، لانه حِينَئِذٍ يكون الْوَاجِب فِي ذمَّة الْمُسْتَهْلك قيمَة الْمَغْصُوب، وَهُوَ دين فِي الذِّمَّة، وَإِن صَالح من الدّين على أَكثر من قِيمَته لَا يجوز، وَإِذا كَانَ الْقَضَاء بِالْقيمَةِ بِنَاء على الْقَضَاء بِملك الْمُسْتَهْلك لَا بُد من بَيَان الْمُسْتَهْلك فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ لِيَعْلَمَ الْقَاضِي بِمَاذَا يَقْضِي، وَهَذَا الْقَائِل يَقُول: مَعَ ذكر الانوثة والذكورة لَا بُد من ذكر النَّوْع بِأَن يَقُول: فرس أَو حمَار أَو مَا أشبه ذَلِك، وَلَا يَكْتَفِي بِذكر اسْم الدَّابَّة لانها مَجْهُولَة.
اهـ.
قَالَ فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة: وَلَا يشْتَرط ذكر اللَّوْن والشية فِي دَعْوَى الدَّابَّة، حَتَّى لَو ادّعى أَنه غصب مِنْهُ حمارا وَذكر شيته، وَأقَام الْبَيِّنَة على وفْق دَعْوَاهُ فأحضر الْمُدعى عَلَيْهِ حمارا فَقَالَ الْمُدَّعِي هَذَا الَّذِي ادعيته وَزعم الشُّهُود كَذَلِك أَيْضا فنظروا فَإِذا بعض شياته على خلاف مَا قَالُوا، بِأَن ذكر الشُّهُود بِأَن مشقوق الاذن وَهَذَا الْحمار غير مشقوق الاذن، قَالُوا: لَا يمْنَع هَذَا الْقَضَاء للْمُدَّعِي وَلَا يكون هَذَا خللا فِي شَهَادَتهم.
اهـ.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة ادّعى على آخر ألف دِينَار بِسَبَب الِاسْتِهْلَاك أعيانا لَا بُد وَأَن يبين قيمتهَا فِي مَوضِع الِاسْتِهْلَاك، وَكَذَا لَا بُد وَأَن يبين الاعيان فَإِن مِنْهَا مَا يكون مثلِيا وَمِنْهَا مَا يكون من ذَوَات الْقيم.
اهـ.
وفيهَا وَفِي دَعْوَى خرق الثَّوْب وجرح الدَّابَّة لَا يشْتَرط إِحْضَار الثَّوْب وَالدَّابَّة، لَان الْمُدعى بِهِ فِي الْحَقِيقَة الْجُزْء الْفَائِت من الثَّوْب وَالدَّابَّة.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة.

(8/23)


إِذا ادّعى جوهرا لَا بُد من ذكر الْوَزْن إِذا كَانَ غَائِبا وَكَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ مُنْكرا كَون ذَلِك فِي يَده كَذَا فِي السِّرَاجِيَّة.
وَفِي اللُّؤْلُؤ يذكر درره وضوءه ووزنه.
كَذَا فِي حزانة الْمُفْتِينَ.
اهـ.

قَوْله: (سَوَاء كَانَ لَهُ حمل أَو لَا) لَان الْمُودع عَلَيْهِ أَن يخلي بَينه وَبَين الْوَدِيعَة، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن ينقلها إِلَيْهِ مُطلقًا لانه محسن وَمَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل، فَلَا بُد من بَيَان مَكَان الايداع حَتَّى يلْزمه تَسْلِيمهَا فِيهِ دفعا للضَّرَر عَنهُ لَا فرق بَين مَاله حمل أَو لَا.
وَفِي فَتَاوَى رشيد الدّين: يَنْبَغِي أَن تكون لَفْظَة الدَّعْوَى فِي دَعْوَى الْوَدِيعَة أَن لي عِنْده كَذَا قِيمَته كَذَا فَأمره ليحضره لاقيم عَلَيْهِ الْبَيِّنَة على أَنه ملكي إِن كَانَ مُنْكرا وَإِن كَانَ مقرا فَأمره بِالتَّخْلِيَةِ حَتَّى أرفع وَلَا يَقُول فَأمره بِالرَّدِّ.
كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة.

قَوْلُهُ: (مِنْ بَيَانِهِ) أَيْ بَيَانِ مَوْضِعِ الْغَصْبِ لانه يلْزمه تَسْلِيم مَا غصبه مِنْهُ، غير أَنه إِذا كَانَ لَهُ حمل وَمؤنَة لَا يلْزمه بنقله لانه لَا يُكَلف فَوق جِنَايَته فَيشْتَرط حِينَئِذٍ مَحل بَيَان الْغَصْب.

قَوْله: (وَإِلَّا حمل لَهُ لَا) أَي وَإِن لم يكن لَهُ حمل وَمؤنَة لَا يلْزم بَيَان الْمَكَان، وَمَا فسرنا بِهِ هُوَ الْمُوَافق للقواعد.
قَالَ المُصَنّف فِي الْغَصْب: وَيجب رد عين الْمَغْصُوب فِي مَكَان غصبه.
قَالَ الْمُؤلف: لتَفَاوت الْقيم باخْتلَاف الاماكن.
اهـ.
وَمُقْتَضَاهُ أَن يجب بَيَان الْمَكَان مُطلقًا، إِلَّا أَن هَذَا فِي الْهَالِك وَكَلَام المُصَنّف فِي الْقَائِم.
قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: وَفِي غَصْبِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ وَإِهْلَاكِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: يَتَخَيَّرُ الْمَالِك أَخْذِ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ أَوْ يَوْمَ هَلَاكِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنَّهَا قِيمَةُ: أَيِّ الْيَوْمَيْنِ انْتهى.
وَإِن كَانَ الْمُدعى بِهِ هَالكا لَا تصح الدَّعْوَى إِلَّا بِبَيَان جنسه وسنه وَصفته وحليته وَقِيمَته، لانه لَا يصير مَعْلُوما إِلَّا بِذكر هَذِه الاشياء.
وَشرط الْخصاف: بَيَان الْقيمَة.
وَبَعض الْقُضَاة لَا يشترطون بَيَان الْقيمَة كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ.
اهـ.
وَالْحَاصِل: أَنه يجب بَيَان مَكَان الايداع مُطلقًا، لَان الرَّد غير وَاجِب على الْمُودع وَلَيْسَ مُؤْنَته عَلَيْهِ بل على الْمَالِك وَالْوَاجِب عَلَيْهِ تَسْلِيمهَا لَهُ بِمَعْنى عدم الْمَنْع، فَلَو لم يبين الْمَكَان رُبمَا لحق الْمُودع ضَرَر، وَهُوَ مَرْفُوع بِخِلَاف الْغَصْب، فَإِن رد الْعين الْمَغْصُوبَة فِي مَكَان غصبه وَاجِب على الْغَاصِب فَلَا بُد من
بَيَانه إِن كَانَ للْمَغْصُوب حمل وَمؤنَة لاخْتِلَاف القيمي باخْتلَاف الاماكن، بِخِلَاف مَا لَا حمل لَهُ وَلَا مُؤنَة.

قَوْله: (يَوْم غصبه على الظَّاهِر) بِصِيغَة الْفِعْل والمصدر، وَظَاهره جَرَيَان خلاف.
وَسَيَأْتِي فِي الْغَصْب مَا نَصه: وَتَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْقِيَمِيِّ يَوْمَ غَصْبِهِ إجْمَاعًا.
اهـ.
ط.
وَفِي رِوَايَة: يُخَيّر كَمَا مر قَرِيبا عَن نور الْعين.
تَتِمَّة: قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَدَعوى الجمد حَال انْقِطَاعه لَا تصح، وَإِن كَانَت من ذَوَات الامثال لعدم وجوب رد مثله لانقطاعه فَلهُ أَن يُطَالِبهُ بِقِيمَتِه يَوْم الْخُصُومَة.
كَذَا فِي الْوَجِيز للْكَرْدَرِيّ.
وَفِي دَعْوَى الرَّهْن وأشباهه: إِن كَانَت الدَّعْوَى بِسَبَب البيع يحْتَاج إِلَى الاحضار للاشارة إِلَيْهِ، وَإِن كَانَت بِسَبَب الِاسْتِهْلَاك أَو بِسَبَب الْقَرْض أَو بِسَبَب الثمنية لَا يحْتَاج إِلَى الاحضار.
كَذَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ اهـ.

قَوْله: (وَيشْتَرط التَّحْدِيد فِي دَعْوَى الْعقار) لانه تعذر التَّعْرِيف بالاشارة لتعذر النَّقْل فصير إِلَى التَّحْدِيد فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة، وَجمعه عقارات.
قَالَ فِي الْمغرب: الْعقار الضَّيْعَة، وَقيل كل مَا لَهُ أصل كَالدَّارِ

(8/24)


والضيعة.
اهـ.
وَقَدْ صَرَّحَ مَشَايِخُنَا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ: بِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالنَّخْلَ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ وَأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِمَا إذَا بِيعَا بِلَا عَرْصَةٍ فَإِنْ بِيعَا مَعهَا وَجَبت تبعا، وَقد غلط بعض العصرين فَجَعَلَ النَّخِيلَ مِنْ الْعَقَارِ وَنُبِّهَ فَلَمْ يَرْجِعْ كعادته.
بَحر.
وَذكر بعده على قَول الْكَنْز: وَقيل لخصمه أعْطه كَفِيلا الخ عَن الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: لَو طلب الْمُدَّعِي من القَاضِي وضع الْمَنْقُول على يَد عدل، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَدْلًا لَا يُجِيبُهُ، وَإِن فَاسِقًا أَجَابَهُ، وَفِي الْعَقَارِ: لَا يُجِيبُهُ إلَّا فِي الشَّجَرِ الَّذِي عَلَيْهِ الثَّمر لَان الثَّمر نقلي.
اهـ.
قَالَ الْمُؤلف هُنَاكَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّجَرَ مِنْ الْعَقَارِ وَقَدَّمْنَا خِلَافَهُ.
وَفِي حَاشِيَة أبي السُّعُود هُنَاكَ: أَقُول: نقل الْحَمَوِيّ عَن الْمَقْدِسِي التَّصْرِيح بِأَن الشّجر عقار.
اهـ.
قلت: وَيُؤَيِّدهُ كَلَام الْمِصْبَاح، لانه إِذا قيل إِنَّه عقار يبتنى عَلَيْهِ وجوب التَّحْدِيد فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة وَكَيف يُمكن ذَلِك فِي شَجَرَة بُسْتَان بَين أَشجَار كَثِيرَة، وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ: وَقَوْلُهُ لَا شُفْعَةَ فِيهَا إلَخْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مُحْتَكَرَةً، وَإِلَّا فَالْبِنَاءُ بِالْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ تَثْبُتُ فِيهِ
الشُّفْعَةُ، لِأَنَّهُ لِمَا لَهُ مِنْ حَقِّ الْقَرَارِ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشُّفْعَةِ.
اهـ.
أَقُول: لَكِن الَّذِي اعْتَمدهُ الشَّارِح فِي بَابهَا عدم ثُبُوت الشُّفْعَة فِيهِ بقوله: وَأما مَا جزم بِهِ ابْن الْكَمَال مِنْ أَنَّ الْبِنَاءَ إذَا بِيعَ مَعَ حَقِّ الْقَرار يلْتَحق الْعقار، فَرده شَيخنَا الرَّمْلِيّ، وَأفْتى بعدمها تبعا للبزازية وَغَيرهَا فَلْيحْفَظ اهـ.
وَأقرهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى وَبَالغ فِي الرَّد على اسْتِدْلَال أبي السُّعُود، فَرَاجعه ثمَّة.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: قَالَ جمَاعَة من أهل الشُّرُوط: يَنْبَغِي أَن يذكر فِي الْحُدُود دَار فلَان وَلَا يذكر لزيق دَار فلَان، وَعِنْدَهُمَا كِلَاهُمَا سَوَاء طحم: يكْتب فِي الْحَد يَنْتَهِي إِلَى كَذَا ويلاصق كَذَا أَو لزيق كَذَا، وَلَا يكْتب أحد حُدُوده كَذَا.
وَقد قَالَ ح: لَو كتب أحد حُدُوده دجلة أَو الطَّرِيق أَو الْمَسْجِد فَالْبيع جَائِز، وَلَا تدخل الْحُدُود فِي البيع إِذْ قصد النَّاس بهَا إِظْهَار مَا يَقع عَلَيْهِ البيع، لَكِن س قَالَ: البيع فَاسد إِذْ الْحُدُود فِيهِ تدخل فِي البيع، فاخترنا يَنْتَهِي أَو لزيق أَو يلاصق تَحَرُّزًا عَن الْخلاف، ولان الدَّار على قَول من يَقُول يدْخل الْحَد فِي البيع فِي الْموضع الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ، فَأَما ذَلِك الْموضع المنتهي إِلَيْهِ.
فقد جعل حدا وَهُوَ دَاخل فِي البيع.
وعَلى قَول من يَقُول: لَا يدْخل الْحَد فِي البيع فالمنتهي إِلَى الدَّار لَا يدْخل تَحت البيع، وَلَكِن عِنْد ذكر قَوْلنَا بِحُدُودِهِ يدْخل فِي البيع وفَاقا.
قَالُوا: وَالصَّحِيح من الْجَواب أَن يُقَال: لَو ذكر فِي الْحَد لزيق أَو يَنْتَهِي أَو نَحوه تصح الشَّهَادَة، وَلَو ذكر دَار فلَان أَو طَرِيق مَسْجِد لَا تصح الشَّهَادَة ط.
وَالشَّهَادَة كالدعوى فِيمَا مر من الاحكام.
فش: كتب فِي الْحَد لزيق الزقيقة أَو الزقاق وإليها الْمدْخل أَو الْبَاب لَا يَكْفِي لِكَثْرَة الازقة، فَلَا بُد أَن ينسبها إِلَى مَا تعرف بِهِ، وَلَو كَانَت لَا تنْسب إِلَى شئ يَقُول: زقيقة بهَا: أَي بالمحلة أَو الْقرْيَة أَو النَّاحِيَة ليَقَع بِهِ نوع معرفَة.
أَقُول: دلّ هَذَا على أَنه لَا يَكْفِي ذكر الثَّلَاثَة، وَيحْتَمل أَن يكون غَرَضه من قَوْله لَا يَكْفِي فَلَا بُد الخ، أَنه فِي بَيَان الرَّابِع لَا بُد مِنْهُ كَذَا، وَهَذَا لَا يدل على أَن بَيَان الرَّابِع لَا بُد مِنْهُ، إِذْ بَين قَوْلنَا بَيَان الرَّابِع لَا يبين إِلَّا بِكَذَا فرق بَين فَلَا دلَالَة حِينَئِذٍ، وَالله أعلم بغرضه.
وَأَقُول: أَيْضا بالحدود الثَّلَاثَة تتَمَيَّز تِلْكَ الزقيقة من سَائِر الازقة فَلَا تضر الْكَثْرَة، وَأَيْضًا فِي قَوْله

(8/25)


بهَا: أَي بالمحلة الخ نظر، إِذْ الْمعرفَة الْحَاصِلَة بِذكر الْمحلة أَو الْقرْيَة تحصل بِدُونِ ذكرهَا، إِذْ من الْمَعْلُوم أَن الزقيقة لَا تكون إِلَّا بالمحلة أَو الْقرْيَة فَذكرهَا وَعَدَمه سَوَاء، لَكِن يمْنَع أَن الزقيقة لَا تكون إِلَّا بالمحلة أَو الْقرْيَة لجَوَاز أَن يكون مقابلها أَو بقربها أَو نَحْو ذَلِك فَقَط.
لَو كَانَ الْحَد الرَّابِع ملك رجلَيْنِ لكل مِنْهُمَا أَرض على حِدة فَذكر فِي الْحَد الرَّابِع لزيق ملك فلَان وَلم يذكر الآخر يَصح، وَكَذَا لَو كَانَ الرَّابِع لزيق أَرض أَو مَسْجِد فَذكر الارض لَا الْمَسْجِد يجوز.
وَقيل الصَّحِيح: أَنه لَا يَصح الفصلان إِذا جعل الْحَد الرَّابِع كُله لزيق ملك فلَان، فَإِذا لم يكن كُله ملك فلَان فدعواه لم تتَنَاوَل هَذَا الْمَحْدُود فَلَا يَصح، كَمَا لَو غلط فِي أحد الاربعة، بِخِلَاف سُكُوته عَن الرَّابِع.
فش: لَو كَانَ الْمُدَّعِي أَرضًا وَذكروا أَن الْفَاصِل شَجَرَة لَا يَكْفِي، إِذْ الشَّجَرَة لَا تحيط بِكُل الْمُدعى بِهِ، والفاصل يجب أَن يكون محيطا بِكُل الْمُدعى بِهِ حَتَّى يصير مَعْلُوما.
فش: الشَّجَرَة والمسناة تصلح فاصلا.
وَالْحَاصِل: أَن الشَّجَرَة تصلح فاصلا إِذا أحاطت، وَإِلَّا لَا.
أَقُول: وَمثل الشَّجَرَة الْبِئْر وَعين المَاء عدَّة.
الْمقْبرَة لَو كَانَت ربوة تصلح حدا، وَإِلَّا فَلَا: أَي بِأَن كَانَت تلاط.
لَو ذكر فِي الْحَد لَزِيقَ أَرْضُ الْوَقْفِ لَا يَكْفِي، وَيَنْبَغِي أَنْ يذكر أَنَّهَا وقف على الْفُقَرَاء أَو على مَسْجِد كَذَا وَنَحْوه، أَو فِي يَد من أَو ذكر الْوَاقِف.
أَقُول: يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا وَمَا يتلوه من جنسه عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ إلَّا بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ تضييق بِلَا ضَرُورَة.
جف: ذكر اسْم جد الْمَالِك للحد شَرط، وَكَذَا ذكر جد الْوَاقِف لَو كَانَ الْحَد وَقفا، إِلَّا إِذا كَانَ مَشْهُورا مَعْرُوفا لَا يلتبس بِهِ غَيره.
طذ: لَو ذكر لزيق ملك وَرَثَة فلَان لَا يَكْفِي، إِذْ الْوَرَثَة مَجْهُولُونَ مِنْهُم ذُو فرض وَعصب وَذُو رحم فجهلت جَهَالَة فَاحِشَة، أَلا يرى أَن الشَّهَادَة بِأَن هَذَا وَارِث فلَان لَا تقبل لجَهَالَة فِي الْوَارِث.
فش: لَوْ ذَكَرَ لَزِيقَ دَارِ وَرَثَةِ فُلَانٍ لَا يحصل التَّعْرِيف بِذكر الِاسْم وَالنّسب.
وَقيل يَصح ذكره حدا لانه من أَسبَاب التَّعْرِيف عدَّة.
لَو كتب لزيق أَرض وَرَثَةِ فُلَانٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ.
قِيلَ يَصِحُّ، وَقِيلَ لَا.
ش: كَتَبَ لَزِيقَ دَارٍ مِنْ تَرِكَةِ فُلَانٍ يَصِحُّ حدا.
كتب لزيق أَرض مبان وَهِي لَا تَكْفِي.
كَذَا ذكره الشَّارِح وَقَالَ: لَان أَرض مبان وَهِي قد تكون للْغَائِب، وَقد تكون أَرضًا تَركه مَالِكه على أهل الْقرْيَة بالخراج، وَقد تكون أَرضًا تركت لرعي دَوَاب الْقرْيَة من وَقت الْفَتْح فَهِيَ مبان فَبِهَذَا الْقدر مَا يحصل التَّعْرِيف.
أَقُول: فِيهِ نظر، لَان أَرض مبان وَهُوَ لَو كَانَ مَعْرُوفا فِي نَفسه يَنْبَغِي أَن يحصل بِهِ التَّعْرِيف والجهالة فِي مَالِكه، وَفِي جِهَة تَركه لَا يضر التَّعْرِيف.
ط: لَو جعل الْحَد طَرِيق الْعَامَّة لَا يشْتَرط فِيهِ ذكر أَنه طَرِيق الْقرْيَة أَو الْبَلدة، لَان ذكر الْحَد لاعلام مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْمَحْدُود، وَقد حصل الْعلم حَيْثُ انْتهى إِلَى الطَّرِيق.
ط: الطَّرِيق يصلح حدا وَلَا حَاجَة فِيهِ إِلَى بَيَان طوله وَعرضه إِلَّا على قَول شح فَإِنَّهُ قَالَ: تبين

(8/26)


الطَّرِيق بالذراع وَالنّهر لَا يصلح حدا عِنْد الْبَعْض، وَكَذَا السُّور، وَهُوَ رِوَايَة عَن ح.
وَظَاهر الْمَذْهَب أَنه يصلح حدية، وَالْخَنْدَق كنهر فَإِنَّهُ يصلح حدا عِنْدهمَا.
وَاخْتَارَ من قَوْلهمَا، وَلَا عِبْرَة لمن قَالَ: إِن النَّهر يزِيد وَينْقص وَإِن السُّور يخرب وَإِن الطَّرِيق يتْرك السلوك فِيهِ، لَان تبدل دَار فلَان أسْرع من تبدل السُّور وَنَحْوه فَيَنْبَغِي أَن يكون ذَلِك أولى: أَي بصلاحيتها حدا.
ذ: ولوحد بِأَنَّهُ لَزِيقُ أَرْضُ فُلَانٍ وَلِفُلَانٍ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ الَّتِي فِيهَا المدعاة أَرَاضٍ كَثِيرَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ مُخْتَلِفَةٌ تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ.
اهـ.
بِزِيَادَة وَبَعض تَغْيِير.

قَوْله: (كَمَا يشْتَرط فِي الشَّهَادَة عَلَيْهِ) لانه بهَا يصير مَعْلُوما عِنْد القَاضِي.

قَوْله: (وَلَو كَانَ الْعقار مَشْهُورا) لانه يعرف بِهِ مَعَ تعذر الاشارة إِلَيْهِ، وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ الصَّحِيح.
كَذَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن السراج الْوَهَّاج.
لَان قدرهَا لَا يصير مَعْلُوما إِلَّا بالتحديد.
دُرَر.

قَوْله: (خلافًا لَهما) أَي فَإِن عِنْدهمَا إِذا كَانَ الْعقار مَشْهُورا شهرة الرجل فَلَا يحْتَاج إِلَى تحديده.

قَوْله: (إِلَّا إِذا عرف) بتَشْديد الرَّاء الشُّهُود الدَّار بِعَينهَا: أَي بِأَن أشاروا
إِلَيْهَا حَاضِرَة وَقَالُوا نشْهد أَن هَذِه الدَّار لفُلَان، فَافْهَم.

قَوْله: (فَلَا يحْتَاج إِلَى ذكر حُدُودهَا) قَالَ شمس الائمة السَّرخسِيّ: يشْتَرط فِي شِرَاء الْقرْيَة الْخَالِصَة أَن يذكر حُدُود المستثنيات من الْمَسَاجِد والمقابر والحياض للعامة وَنَحْوهَا، وَأَن يذكر مقاديرها طولا وعرضا، وَكَانَ يرد المحاضر والسجلات والصكوك الَّتِي فِيهَا اسْتثِْنَاء هَذِه الاشياء مُطلقَة فَلَا تَحْدِيد وَلَا تَقْرِير.
وَكَانَ أَبُو شجاج لَا يشْتَرط ذَلِك.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَمَا يَكْتُبُونَ فِي زَمَاننَا وَقد عرف المتعاقدان جَمِيع ذَلِك وأحاطا بِهِ علما فقد استرذله بعض مَشَايِخنَا وَهُوَ الْمُخْتَار، إِذْ البيع لَا يصير بِهِ مَعْلُوما للْقَاضِي عِنْد الشَّهَادَة فَلَا بُد من التَّعْيِين اهـ.
أَي بِذكر حُدُوده أَو بالاشارة إِلَيْهِ فِي مَحَله.

قَوْله: (كَمَا لَو ادّعى ثمن الْعقار الخ) ظَاهره وَلَو غير مَقْبُوض.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَو ادّعى ثمن مَبِيع لم يقبض لَا بُد من إِحْضَار الْمَبِيع مجْلِس الحكم حَتَّى يثبت البيع عِنْد القَاضِي، بِخِلَاف لَو ادّعى ثمن مَبِيع قبض فَإِنَّهُ لَا يجب إِحْضَاره لانه دَعْوَى الدّين حَقِيقَة.
اهـ.
وَمُقْتَضَاهُ أَن يفصل فِي الْعقار، وَذكر حُدُوده تُقَام مقَام إِحْضَاره.

قَوْله: (وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ بَلْدَةٍ بِهَا الدَّارُ) ذكر شيخ الاسلام الْفَقِيه أَحْمد أَبُو النَّصْر مُحَمَّد السَّمرقَنْدِي فِي شُرُوطه.
وَفِي دَعْوَى الْعقر لَا بُد أَن يذكر بَلْدَة فِيهَا الدَّار، ثمَّ الْمحلة ثمَّ السِّكَّة، فَيبْدَأ أَولا بِذكر الكورة ثمَّ الْمحلة اخْتِيَارا لقَوْل مُحَمَّد: فَإِن مذْهبه أَن يبْدَأ بالاعم ثمَّ بالاخص.
وَقيل يبْدَأ بالاخص ثمَّ بالاعم فَيَقُول دَار فِي سكَّة كَذَا فِي محلّة كَذَا، وقاسه على النّسَب حَيْثُ يُقَال فلَان ثمَّ يُقَال ابْن فلَان، ثمَّ يذكر الْجد بِمَا هُوَ أقرب فيترقى إِلَى الابعد، وَقَول مُحَمَّد أحسن إِذْ الْعَام يعرف بالخاص لَا بِالْعَكْسِ، وَفصل النّسَب حجَّة عَلَيْهِ إِذْ الاعم اسْمه، فَإِن أَحْمد فِي الدُّنْيَا كثير، فَإِن عرف وَإِلَّا ترقى إِلَى الْحَد.
كَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ برمز ط.
وَالَّذِي فِي شرح أدب القَاضِي: يجب على الْمُدَّعِي وعَلى الشُّهُود الاعلام بأقصى مَا يُمكن، وَهُوَ فِي الدَّار بالبلدة ثمَّ الْمحلة الَّتِي فِيهَا الدَّار فِي تِلْكَ الْبَلدة، ثمَّ يبين حُدُود الدَّار لَان أقْصَى

(8/27)


مَا يُمكن فِي التَّعْرِيف هَذَا اهـ.
وَالشَّارِح تبع مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ.
قَالَ ط: وَالَّذِي يظْهر الاول.
اهـ.
تَأمل.
وَذكر بعض الافاضل على هَامِش الدّرّ قَوْله: وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ بَلْدَةٍ بِهَا الدَّارُ الخ.
وَقَالَ بَعضهم: لَا يلْزم.
وَذكر المرغيناني أَنه لَو سمع قَاض تصح هَذِه الدَّعْوَى.
وَقَالَ الْقُهسْتَانِيّ: وَيشْتَرط
تَحْدِيد الدَّار بِمَا لَا يتَغَيَّر كالدور والاراضي والسور وَالطَّرِيق فَخرج النَّهر لانه يزِيد وَينْقص ويعمر، وَلَو لم تحد وَقضى بِحِصَّة ذَلِك نفذ.
اهـ.
أَقُول: لَكِن قد علمت مِمَّا قدمْنَاهُ قَرِيبا عَن الْفُصُولَيْنِ أَنه لَا عِبْرَة لمن قَالَ: إِن النَّهر يزِيد وَينْقص الخ فَلَا تنسه.
وَأَقُول: لَكِن الْمشَاهد فِي دِيَارنَا دمشق الشَّام، وَبَعض أنهارها فِي بعض المحلات كنهر بردى فَإِنَّهُ كثيرا مَا يتْرك أرضه وَيَمْشي فِي أَرض أُخْرَى مَمْلُوكَة للْغَيْر.
ويمر على ذَلِك أَعْوَام كَثِيرَة بِسَبَب انحدار المَاء إِلَى تِلْكَ الارض ويسفلها ويجعلها لَهُ طَرِيقا آخر فتتغير الْحُدُود وَتصير نسيا منسيا، وَعَلِيهِ فالنهر لَا يصلح أَن يكون حدا إِلَّا إِذا كَانَ جَرَيَانه فِي أَرض لَا يُمكن للْمَاء نحرها وتغيير مَحَله بِأَن كَانَت حافتاه مبنيتين بالآجر والاحجار والمؤنة، أَو كَانَ جَرَيَانه فِي أَرض مثقوبة من صَخْر أَو نَحْو ذَلِك، وَالله تَعَالَى أعلم.

قَوْله: (كَمَا فِي النّسَب) أَي إِذا ادّعى على رجل اسْمه جَعْفَر مثلا، فَإِن عرف وَإِلَّا ترقى إِلَى الاخص فَيَقُول ابْن مُحَمَّد، فَإِن عرف وَإِلَّا ترقى إِلَى الْجد.

قَوْله: (ويكتفي بِذكر ثَلَاثَة) لَان للاكثر حكم الْكل.
زَيْلَعِيّ.
فَيجْعَل الرَّابِع بِإِزَاءِ الثَّالِث حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى مبدأ الْجد الاول.
فصولين.
وَفِي الْحَمَوِيّ: وَقَالَ زفر، لَا بُد من ذكر الْحُدُود الاربعة لَان التَّعْرِيف لَا يتم إِلَّا بهَا، وَلنَا أَن للاكثر حكم الْكل، على أَن الطول يعرف بِذكر الحدين وَالْعرض بِأَحَدِهِمَا، وَقد يكون بِثَلَاثَة.
روى عَن أبي يُوسُف: يَكْفِي الِاثْنَان، وَقيل الْوَاحِد، وَالْفَتْوَى على قَول زفر.
وَلذَا لَو قَالَ: غَلطت فِي الرَّابِع لَا يقبل، وَبِه قَالَت الثَّلَاثَة.
وَهَذِه إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي يُفْتِي بهَا بقول زفر كَمَا أَشرت إِلَى ذَلِك فِي منظومتي فِيمَا يُفْتى بِهِ من أَقْوَال زفر بِقَوْلِي: دَعْوَى الْعقار بهَا لَا بُد أَرْبَعَة من الْحُدُود وَهَذَا بَين وجلي اهـ ط بِزِيَادَة.
لَكِن قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى المحبية بعد كَلَام طَوِيل: فَإِذا كَانَت الْحُدُود الثَّلَاثَة كَافِيَة عِنْد الائمة الثَّلَاثَة كَانَ الْفَتْوَى على ذَلِك، فَقَوْل زفر لانه لَا بُد من الْحُدُود الاربعة غير مفتى بِهِ اهـ.
أَقُول: وَكَون الْفَتْوَى على قَول زفر لم أَجِدهُ فِي كتب الْمَذْهَب وَلَا فِي نظم سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى الْمسَائِل الْعشْرين الَّتِي يُفْتى بهَا على قَول زفر.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ تَرَكَ) أَيْ الْمُدَّعِي أَوْ الشَّاهِدُ الرَّابِع صَحَّ، فَحكمهَا فِي التّرْك والغلط وَاحِد.

قَوْله: (وَإِن ذكره) أَي الْحَد الرَّابِع وَغلط فِيهِ لَا: أَي لَا يَصح، وَهُوَ المفتوى بِهِ ط.
لانه يخْتَلف الْمُدَّعِي وَلَا كَذَلِك بِتَرْكِهِ، وَنَظِيره إِذا ادّعى شِرَاء بِثَمَنٍ مَنْقُودٍ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ وَإِنْ سَكَتُوا عَنْ بَيَانِ جِنْسِ الثَّمَنِ، وَلَوْ ذَكَرُوهُ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ لم تقبل.
كَذَا فِي الزَّيْلَعِيّ.

(8/28)


قَوْله: (بِإِقْرَار الشَّاهِد) كَذَا فِي الْبَحْر، وَفِي الْحَمَوِيّ: والغلط إِنَّمَا يثبت بِإِقْرَار الْمُدَّعِي أَنه غلط الشَّاهِد، وَالظَّاهِر أَن الْغَلَط يثبت بهما، أما لَو ادّعى الْمُدعى عَلَيْهِ الْغَلَط لَا تسمع هَذِه الدَّعْوَى، وَلَو أَقَامَ بَيِّنَة لَا تقبل، وَبَيَانه فِي الْبَحْر وَغَيره.

قَوْله: (فصولين) وَعبارَته: وَإِنَّمَا يثبت الْغَلَط بِإِقْرَار الشَّاهِد إِنِّي غَلطت فِيهِ، أما لَو ادَّعَاهُ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا تسمع وَلَا تقبل بَينته، لَان دَعْوَى غلط الشَّاهِد من الْمُدعى عَلَيْهِ إِنَّمَا تكون بعد دَعْوَى الْمُدَّعِي.
وَجَوَاب الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ أَجَابَ الْمُدَّعِي، فَقَدْ صَدَّقَهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ بِهَذِهِ الْحُدُودِ، فَيَصِيرُ بِدَعْوَى الْغَلَطِ مناقضا بعده.
أَوْ نَقُولُ: تَفْسِيرُ دَعْوَى الْغَلَطِ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَحَدُ الْحُدُودِ لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ الشَّاهِدُ، أَوْ يَقُولُ صَاحِبُ الْحَدِّ لَيْسَ بِهَذَا الِاسْمِ كُلُّ ذَلِكَ نَفْيٌ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تقبل.
اهـ.
قَالَ الْعَلامَة الرَّمْلِيّ فِي عبارَة الْفُصُولَيْنِ: إِسْقَاط من أصل النُّسْخَة وَلَا بُد مِنْهُ وَهُوَ بعد قَوْله بِدَعْوَى الْغَلَط بعده مناقضا فَيَنْبَغِي أَن يفصل أَيْضا، وَيُمكن أَن يغلط لمُخَالفَته لتحديد الْمُدَّعِي فَلَا تنَاقض.
ثمَّ قَالَ: أَو نقُول الخ، وَقد كتبت على نُسْخَتي جَامع الْفُصُولَيْنِ فِي هَذَا الْمحل كِتَابَة حَسَنَة فَرَاجعهَا فَإِنَّهَا مفيدة وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ أَيْضا.
أَقُول: لَو قَالَ بعض حُدُوده كَذَا لَا مَا ذكره الشَّاهِد وَالْمُدَّعِي يَنْبَغِي أَن تقبل بَينته عَلَيْهِ من حَيْثُ إثْبَاته أَن بعض حُدُوده كَذَا فينفي مَا ذكره الْمُدَّعِي ضمنا، فَيكون شَهَادَة على الاثبات لَا على النَّفْي، وَيدل عيه مَسْأَلَة ذكرت فِي فصل التَّنَاقُض أَنه ادّعى دَارا محدودة، فَأجَاب الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه ملكي وَفِي يَدي ثمَّ ادّعى أَن الْمُدَّعِي غلط فِي بعض حُدُوده لم يسمع، لَان جَوَابه إِقْرَار بِأَنَّهُ بِهَذِهِ الْحُدُود، وَهَذَا إِذا
أجَاب بِأَنَّهُ ملكي.
أما لَو أجَاب بقوله لَيْسَ لهَذَا ملكك وَلم يزدْ عَلَيْهِ يُمكن الدّفع بعده بخطأ الْحُدُود.
كَذَا حكى عَن ط أَنه لقن الْمُدعى عَلَيْهِ الدّفع بخطأ الْحُدُود.
أَقُول: دلّ على هَذَا أَن الْمُدعى عَلَيْهِ لَو برهن على الْغَلَط يقبل، فَدلَّ على ضعف الجوابين الْمَذْكُورين فَالْحق مَا قلت من أَنه يَنْبَغِي أَن يكون على هَذَا التَّفْصِيل وَالله تَعَالَى أعلم.
اهـ.
قَالَ فِي نور الْعين: جَمِيع مَا ذكره الْمُعْتَرض فِي هَذَا الْبَحْث مَحل نظر كَمَا لَا يخفى على من تَأمل وتدبر اهـ.
أَقُول: والملخص كَمَا ذكره السائحاني أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الْمَحْدُودُ لَيْسَ فِي يَدِي فَيَلْزَمُ أَنْ يَقُولَ الْخَصْمُ بَلْ فِي يَدِك وَلَكِنْ حَصَلَ غَلَطٌ فَيُمْنَعُ بِهِ، وَلَوْ تَدَارَكَ الشَّاهِدُ الْغَلَطَ فِي الْمَجْلِسِ يُقْبَلُ أَو فِي غَيره إِذا وفْق.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَلَوْ غَلِطُوا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ أَوْ حَدَّيْنِ ثمَّ تداركوا فِي الْمجْلس أَو فِي غَيْرِهِ يُقْبَلُ عِنْدَ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِأَنْ يَقُولَ كَانَ اسْمُهُ فُلَانًا ثُمَّ صَارَ اسْمُهُ فُلَانًا أَو بَاعَ فلَان وَاشْتَرَاهُ الْمَذْكُور.
اهـ.
وَفِيه مسَائِل أَحْبَبْت ذكرهَا هُنَا تتميما للفائدة.
وَفِي ذ: بَين حُدُوده وَلم يبين أَنه كرم أَو أَرض أَو دَار وشهدا كَذَلِك قيل لَا تسمع الدَّعْوَى، وَلَا الشَّهَادَة وَقيل تسمع لَو بَين الْمصر والمحلة والموضع.
ادّعى عشر دبرات أَرض وحد التسع لَا الْوَاحِدَة لَو كَانَت هَذِه الْوَاحِدَة فِي وسط التسع تقبل وَيَقْضِي بِالْجُمْلَةِ لَا لَو على طرف.
جف: ادّعى سُكْنى دَار وَنَحْوه وَبَين حُدُوده لَا يَصح إِذْ السُّكْنَى نقلي فَلَا يحد بشئ.

(8/29)


فش: وَإِن كَانَ السُّكْنَى نقليا لَكِن لما اتَّصل بالارض اتِّصَال تأييد كَانَ تَعْرِيفه بِمَا بِهِ تَعْرِيف الارض، إِذْ فِي سَائِر النقليات إِنَّمَا لَا يعرف بالحدود لامكان إِحْضَاره فيستغني بالاشارة إِلَيْهِ عِنْد الْحَد، أما السُّكْنَى فنقله لَا يُمكن لانه مركب فِي الْبناء تركيب قَرَار فالتحق بِمَا لَا يُمكن نَقله أصلا.
اهـ.
أَقُول: وَالْمرَاد بِالسُّكْنَى مَا ركب فِي الارض كَمَا ظهر فِي كَلَامه: أَي لانه مَنْقُول تعسر إِحْضَاره فَلَا يَكْفِي تحديده، وَلَا بُد من الاشارة إِلَيْهِ عِنْد الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة وَالْحكم عَلَيْهِ.
وَقَوله: وَإِن كَانَ السُّكْنَى نقليا الخ هَذَا قَول آخر نَقله عَن فَتْوَى رشيد الدّين: أَي فَيَكْفِي تحديده وَإِن كَانَ نقليا لانه
الْتحق بالعقار لاتصاله بالارض اتِّصَال قَرَار.
أَقُول: وَمِنْه يظْهر حكم حَادِثَة الْفَتْوَى، وَهِي مَا لَو أَرَادَ مُتَوَلِّي أَرض وقف مَعْلُومَة انتزاعها من يَد مستأجرها بعد مُضِيّ مُدَّة الاجارة وَرفع يَده عَنْهَا وَكَانَ قد غرس وَبنى فِيهَا الْمُسْتَأْجر بِإِذن متوليها بِحَق الْقَرار فَأثْبت بناءه وأشجاره الْمَوْضُوعَة فِي الارض على الْوَجْه الْمَذْكُور لَدَى الْحَاكِم الشَّرْعِيّ بِذكر حُدُود الارض فَقَط من غير إِشَارَة إِلَى الْبناء والاشجار وَحكم لَهُ الْحَاكِم الشَّرْعِيّ بِحَق الْقَرار فِيهَا فَإِنَّهُ يَصح على هَذَا القَوْل الثَّانِي سِيمَا وَقد اتَّصل بِحكم الْحَاكِم.
وَأَقُول: أَيْضا قد تأيد ذَلِك بِأَمْر السُّلْطَان نَصره الرَّحْمَن كَمَا سمعته فِي الْمَنْقُول الَّذِي يحْتَاج نَقله إِلَى مصرف، وَقد تأيد ذَلِك عِنْدِي بعده بفتوى من مفتي الانام بوأهم الله دَار السَّلَام أفتوا فِيهَا بِصِحَّة حجج الاحترام طبق هَذَا المرام، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ فَتَأَمّله منصفا بِكَمَال الالمام.
وَفِيه برمز طظه: شرى علو بَيت لَيْسَ لَهُ سفل يحد السّفل لَا الْعُلُوّ، إِذْ السّفل مَبِيع من وَجه من حَيْثُ إِن قَرَار الْعُلُوّ عَلَيْهِ، فَلَا بُد من تحديده، وتحديده يُغني عَن تَحْدِيد الْعُلُوّ، إِذْ الْعُلُوّ عرف بتحديد السّفل، ولان السّفل أصل والعلو تبع فتحديد الاصل أولى.
قَالَ طى: هَذَا إِذا لم يكن حول الْعُلُوّ حجرَة، فَلَو كَانَت يَنْبَغِي أَن يحد الْعُلُوّ لانه هُوَ الْمَبِيع فَلَا بُد من إِعْلَامه وَهُوَ يحد الْعُلُوّ لانه هُوَ الْمَبِيع فَلَا بُد من إِعْلَامه وَهُوَ يحده وَقد أمكن.

قَوْله: (وَأَسْمَاء أنسابهم) جمعنسب بِمَعْنى مَنْسُوب إِلَيْهِ.
قَالَ فِي الْبَحْر: الْمَقْصُود الاعلام.
اهـ.
وَفِي الْمُلْتَقط: رُبمَا لَا يحد إِلَّا بِذكر الْجد، وَإِذا لم يعرف جده لَا يتَمَيَّز عَن غَيره إِلَّا بِذكر موَالِيه أَو ذكر حرفته أَو وَطنه أَو دكانه أَو حليته إِنَّمَا التَّمْيِيز هُوَ الْمَقْصُود فَيحصل بِمَا قل أَو كثر.
اهـ.
وَلَو ذكر مولى العَبْد وَأَبا مَوْلَاهُ يَكْفِي على الْمُفْتى بِهِ ط.
مطلب: الْمَقْصُود التَّمْيِيز لمعْرِفَة الْحَد
قَوْله: (وَإِلَّا اكْتفى باسمه لحُصُول الْمَقْصُود) قَالَ فِي الْفُصُولَيْنِ: أما الدَّارِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْدِيدِهِ وَلَوْ مَشْهُورًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَتَمَامُ حَدِّهِ بِذِكْرِ جَدِّ صَاحِبِ الْحَدِّ.
وَعِنْدَهُمَا: التَّحْدِيدُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الدَّار الْمَعْرُوف كدار عمر بن الْحَرْث بِكُوفَةَ، فَعَلَى هَذَا لَوْ ذَكَرَ لَزِيقَ دَارِ فُلَانٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ يَكْفِيهِ إذْ الْحَاجَةُ إلَيْهِمَا لِإِعْلَامِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَهَذَا مِمَّا يحفظ جدا.
اهـ.
وَفِيه: وَلَوْ جَعَلَ أَحَدَ الْحُدُودِ أَرْضُ الْمَمْلَكَةِ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ لِأَنَّهَا فِي يَدِ السُّلْطَانِ بِوَاسِطَةِ يَدِ نَائِبِهِ.
اهـ.
وَهَذَا إِذا كَانَ الامير وَاحِدًا، فَلَو كَانَ اثْنَيْنِ لَا بُد أَن يبين اسْم الامير وَنسبه كَمَا فِي الْخُلَاصَة.

(8/30)


رجل ادّعى دَارا فِي يَد رجل فَقَالَ لَهُ القَاضِي هَل تعرف حُدُود الدَّار؟ قَالَ لَا، ثمَّ ادَّعَاهَا وَبَين الْحُدُود لَا تسمع.
أما إِذا قَالَ لَا أعرف أسامي أَصْحَاب الْحُدُود ثمَّ ذكر فِي الْمرة الثَّانِيَة فَتسمع، وَلَا حَاجَة إِلَى التَّوْفِيق.
كَذَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْخُلَاصَة.
وفيهَا: وَلَو أَنه قَالَ لَا أعرف الْحُدُود ثمَّ ذكر الْحُدُود بعد ذَلِك ثمَّ قَالَ: عنيت بِقَوْلِي لَا أعرف الْحُدُود وَلَا أعرف أَسمَاء أَصْحَاب الْحُدُود قبل ذَلِك مِنْهُ، وَتسمع دَعْوَاهُ.
كَذَا فِي الذَّخِيرَة.
رجل ادّعى محدودة وَذكر حُدُودهَا وَقَالَ فِي تَعْرِيفهَا: وفيهَا أَشجَار، وَكَانَت المحدودة بِتِلْكَ الْحُدُود وَلكنهَا خَالِيَة عَن الاشجار لَا تبطل الدَّعْوَى، وَكَذَا لَو ذكر مَكَان الاشجار الْحِيطَان، وَلَو كَانَ الْمُدَّعِي قَالَ فِي تَعْرِيفهَا: لَيْسَ فِيهَا شجر وَلَا حَائِط فَإِذا فِيهَا أَشجَار عَظِيمَة لَا يتَصَوَّر حدوثها بعد الدَّعْوَى إِلَّا أَن حُدُودهَا توَافق الْحُدُود الَّتِي ذكر تبطل دَعْوَاهُ.
وَلَو ادّعى أَرضًا ذكر حُدُودهَا وَقَالَ: هِيَ عشر دبرات أَرض أَو عشر جرب، فَكَانَت أَكثر من ذَلِك لَا تبطل دَعْوَاهُ، وَكَذَا لَو قَالَ: هِيَ أَرض يبذر فِيهَا عشر مكاييل فَإِذا هِيَ أَكثر من ذَلِك أَو أقل إِلَّا أَن الْحُدُود وَافَقت دَعْوَى الْمُدَّعِي لَا تبطل دَعْوَى الْمُدَّعِي، لَان هَذَا خلاف يحْتَمل التَّوْفِيق وَهِي غير محتاجة إِلَيْهِ.
كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان.
وَفِي الْهِنْدِيَّة: رجل ادّعى على رجل أَنه وضع على حَائِطه لَهُ خشبا أَو أجْرى على سطحه مَاء أَو دَاره ميزابا أَو ادّعى أَنه فتح فِي حَائِط لَهُ بَابا أَو بنى على حَائِط لَهُ بِنَاء أَو ادّعى أَنه رمى التُّرَاب أَو الزبل فِي أرضه أَو دَابَّة ميتَة فِي أرضه أَو غرس شَجرا أَو مَا فِيهِ فَسَاد الارض وَصَاحب الارض يحْتَاج إِلَى رَفعه وَنَقله، وَصَححهُ دَعْوَاهُ بِأَن بَين طول الْحَائِط وَعرضه وموضعه وَبَين الارض بِذكر الْحُدُود وموضعها، فَإِذا صحت دَعْوَاهُ وَأنكر الْمُدعى عَلَيْهِ يتسحلفه على السَّبَب، وَلَو كَانَ صَاحب الْخشب هُوَ
الْمُدَّعِي فَقدم صَاحب الْحَائِط إِلَى القَاضِي وَقَالَ: كَانَ لي على حَائِط هَذَا الرجل خشب فَوَقع أَو قلعته لاعيده وَأَن صَاحب الْحَائِط يَمْنعنِي عَن ذَلِك لَا تسمع دَعْوَاهُ مَا لم يَصح، وَتَصْحِيح الدَّعْوَى بِأَن يبين مَوضِع الْخشب وَأَن لَهُ حق وضع خَشَبَة أَو خشبتين أَو مَا أشبه ذَلِك وَبَين غلظ الْخَشَبَة وخفتها، فَإِذا صحت الدَّعْوَى وَأنكر الْمُدعى عَلَيْهِ يحلفهُ القَاضِي على الْحَاصِل بِاللَّه مَا لهَذَا فِي هَذَا الْحَائِط وضع الْخشب الَّذِي يَدعِي وَهُوَ كَذَا وَكَذَا فِي مَوضِع كَذَا من الْحَائِط فِي مقدم الْبَيْت أَو مؤخره حق وَاجِب لَهُ، فَإِذا نكل ألزمهُ القَاضِي حَقه.
اهـ.

قَوْله: (وَذكر أَنه أَي الْعقار فِي يَده الخ) أَي لَان الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يكون خصما إِلَّا إِذا كَانَ الْعقار فِي يَده، فَلَا بُد من ذكره، وَإِنَّمَا خصصه فِي الذّكر، لَان الْكَلَام فِيهِ وَإِلَّا فالمنقول كَذَلِك، وَلذَا جعل صَاحب الْبَحْر الضَّمِير رَاجعا إِلَى الْمُدَّعِي الشَّامِل للمنقول وَالْعَقار.
قَالَ: وَلم أخصصه بالعقار كَمَا فعل الشَّارِح لكَونه شرطا فيهمَا.
اهـ.
وَفِي كَلَامه إِشَارَة إِلَى أَن ذَلِك فِي الدَّعْوَى، أما إِذا شهدُوا بمنقول أَنه فِي ملك الْمُدَّعِي تقبل، وَإِن لم يشْهدُوا أَنه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ بِغَيْر حق، لانهم شهدُوا بِالْملكِ لَهُ وَملك الانسان لَا يكون فِي يَد غَيره إِلَّا بِعَارِض وَالْبَيِّنَة تكون على مدعي الْعَارِض وَلَا تكون على صَاحب الاصل.
وَقَالَ بَعضهم: مَا لم يشْهدُوا أَنه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ بِغَيْر حق لَا تقطع يَد الْمُدعى عَلَيْهِ، والاول أصح.
وَفِيمَا سوى الْعقار لَا يشْتَرط أَن يشْهدُوا أَنه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ لَان القَاضِي يرَاهُ فِي يَده فَلَا حَاجَة إِلَى الْبَيَان.
كَذَا فِي

(8/31)


الْخَانِية.
بَحر.

قَوْله: (إِن كَانَ مَنْقُولًا) هَذَا تكْرَار لَا حَاجَة إِلَيْهِ مَعَ قَوْله فِيمَا تقدم فِي الْمَنْقُول ذكر أَنه فِي يَده بِغَيْر حق، إِلَّا أَن يُقَال: إِنَّمَا ذكره مَعَ مَا تقدم ليشير أَن فِي الْعقار لَا يَتَأَتَّى ذَلِك لَان الْيَد لَا تستولي عَلَيْهِ وَلذَا لَا يثبت فِيهِ الْغَصْب.
تَأمل.

قَوْله: (لما مر) أَي من احْتِمَال كَوْنِهِ مَرْهُونًا فِي يَدِهِ أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ فِي يَده: أَي ليصير خصما: أَقُول: هَذَا يَشْمَل الْعقار، فالتقييد لَا يُفِيد، وَهَكَذَا قَالَ صدر الشَّرِيعَة.
وَفِي الْقُهسْتَانِيّ: وَيزِيد أَيْضا فِي الْعقار عِنْد بعض الْمَشَايِخ كَمَا فِي قاضيخان، وَهُوَ الْمُخْتَار عِنْد كثير من أهل الشُّرُوح، وَمثله فِي الخزانة.

قَوْله: (وَلَا تثبت يَده) أَي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ بتصادقهما لَان الْيَد فِيهِ غير مُشَاهدَة، وَلَعَلَّه فِي
يَد غَيرهمَا تواضعا فِيهِ ليَكُون لَهما ذَرِيعَة إِلَى أَخذه بِحكم الْحَاكِم.
عَيْني.
وسيشير إِلَيْهِ الشَّارِح لَكِن اعْترض على تَعْلِيل الْعَيْنِيّ بِأَنَّهُ لَا يَشْمَل مَا لَا يُمكن حُضُوره إِلَى مجْلِس الحكم كصبرة بر ورحى كَبِيرَة وَنَحْو ذَلِك فَيَنْبَغِي أَن يلْحق بالعقار لمشابهتها لَهُ.
أَقُول: هَذَا الِاعْتِرَاض فِي غَايَة السُّقُوط لما سبق، وسيجئ أَن مَا تعذر نَقله من الْمَنْقُول يحضرهُ القَاضِي أَو يبْعَث أَمينا أَو نَائِبه فَيسمع، وَيَقْضِي ثمَّ يمْضِي القَاضِي، فَفِي صُورَة الْحُضُور مشَاهد أَيْضا، وَفِي صُورَة بعث القَاضِي كالمشاهد، وَلذَلِك أمضى قَضَاءَهُ، بِخِلَاف الْعقار فَإِن كَونه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ قد لَا يُشَاهِدهُ القَاضِي وَإِن حضر عِنْده، وَلذَلِك صَرَّحُوا بِأَن ثُبُوت يَده عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ لَا غير.
أَقُول: وَهَذَا مِمَّا يَقَعُ كَثِيرًا وَيَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ قُضَاةِ زَمَانِنَا حَيْثُ يُكْتَبُ فِي الصُّكُوكِ فَأَقَرَّ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْعَقَارِ الْمَذْكُورِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي إنَّهُ وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَى الْعقار وَيشْهد لَهُ شَاهِدَانِ، وَلذَا نظم سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى ذَلِك بقوله: وَالْيَد لَا يثبت فِي الْعقار مَعَ التصادق فَلَا تُمَارِي بَلْ يَلْزَمُ الْبُرْهَانُ إنْ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ غصبا أَو شِرَاء مدعي
قَوْله: (بل لَا بُد من بَيِّنَة) أَي من الْمُدَّعِي تشهد أَنهم عاينوه فِي يَده: أَي لصِحَّة الْقَضَاء بِالْملكِ، وَلَا يشْتَرط ذَلِك لصِحَّة الدَّعْوَى.
قَالَ فِي الْخَانِية: قَالَ أَبُو بكر: لَا تقبل بَيِّنَة الْمُدَّعِي على الْملك مَا لم يقم الْبَيِّنَة أَنَّهَا فِي يَد ذِي الْيَد، وَمثله فِي الْقُهسْتَانِيّ بأوضح بَيَان.
ثمَّ قَالَ: وَإِذا شهدُوا أَنه فِي يَده يسألهم القَاضِي أَنهم شهدُوا عَن سَماع أَو مُعَاينَة لانهم رُبمَا سمعُوا إِقْرَاره أَنه فِي يَده، وَهَذَا لَا يخْتَص بِهِ، فَإِنَّهُم لَو شهدُوا على البيع مثلا يسألهم عَن ذَلِك لانها شَهَادَة بِالْملكِ للْبَائِع وَالْملك لَا يثبت بالاقرار.

قَوْله: (أَو علم قَاض) هَذَا بِنَاء على أَن القَاضِي يقْضِي بِعِلْمِهِ، وَكَثِيرًا مَا يذكرُونَهُ فِي الْمسَائِل، والمفتى بِهِ: أَنه لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ فَعَلَيهِ لَا بُد من الْبَيِّنَة.

قَوْله: (لاحْتِمَال تزويرهما) هُوَ الصَّحِيح، اعْتَرَضَهُ صدر الشَّرِيعَة بِأَن تُهْمَة الْمُوَاضَعَة ثَابِتَة مَعَ إِقَامَة الْبَيِّنَة أَيْضا، فَإِن الدَّار مثلا إِذا كَانَت أَمَانَة فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ فتواضعا على أَن لَا يقر بالامانة فيقيم الْبَيِّنَة على الْيَد، ثمَّ إِنَّهَا ملكه فَيقْضى عَلَيْهِ.
وَأجِيب بِأَن تُهْمَة الْمُوَاضَعَة فِي صُورَة
الاقرار ظَاهِرَة وَقَرِيبَة بل أَكثر، وَفِي صُورَة إِقَامَة الْبَيِّنَة خُفْيَة وبعيدة بل نادرة وَأبْعد، لَان مبْنى ذَلِك على مواضعة الْخَصْمَيْنِ وشاهدي زور وارتكاب ضَرَر، فَإِن الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا حكم عَلَيْهِ وأخرجت من

(8/32)


يَده يتَضَرَّر، فَتدبر.
وَعند الْبَعْض يَكْفِي تَصْدِيق الْمُدعى عَلَيْهِ أَنَّهَا فِي يَده، وَلَا يحْتَاج إِلَى إِقَامَة الْبَيِّنَة، لانه إِن كَانَ فِي يَده وَأقر بذلك فالمدعي يَأْخُذ مِنْهُ إِن ثَبت ملكيته بِالْبَيِّنَةِ أَو بِإِقْرَار ذِي الْيَد أَو نُكُوله، وَإِن لم يكن فِي يَده لَا يكون للْمُدَّعِي ولَايَة الاخذ من ذِي الْيَد، لَان الْبَيِّنَة قَامَت على غير خصم فالضرر لَا يلْحق إِلَّا بِذِي الْيَد، على أَن التزوير يُوجد لَو كَانَت فِي يَده أَمَانَة، وَلم يذكر إِلَّا مُجَرّد أَنَّهَا فِي يَده كَمَا علمت.

قَوْله: (لمعاينة يَده) قدمنَا قَرِيبا الِاعْتِرَاض على هَذَا التَّعْلِيل، وَإِن الِاعْتِرَاض الذُّكُور فِي غَايَة السُّقُوط فَلَا تنسه.

قَوْله: (ثمَّ هَذَا) أَي عدم ثُبُوت الْيَد بالتصادق.

قَوْله: (ملكا مُطلقًا) أَي بِلَا بَيَان سَبَب الْملك.

قَوْله: (فَلَا يفْتَقر لبينة) أَي أَنه فِي يَده بِغَيْر حق كَمَا فِي الْعمادِيَّة وَغَيرهَا، وَظَاهره أَنه يَصح دَعْوَى الْعقار بِلَا بَيَان سَبَب.
وَقَالَ فِي الْبَحْر: فَظهر بِمَا ذَكرْنَاهُ وَأطْلقهُ أَصْحَاب الْمُتُون أَنه يَصح دَعْوَى الْملك الْمُطلق فِي الْعقار، بِلَا بَيَان سَبَب الْملك.
ثمَّ نقل عَن الْبَزَّازِيَّة أَن صِحَة دَعْوَى الْملك الْمُطلق فِي الْعقار فِي بِلَاد لم يقدم بناؤها، أما فِي بلد قدم بِنَاؤُه فَلَا تسمع فِيهِ دَعْوَى الْملك الْمُطلق لوجوه بَينهَا فِيهِ.
وَظَاهره اعْتِمَاد الاول.
هَذَا خُلَاصَة كَلَامه.
وَقيد بِالدَّعْوَى لَان الشَّاهِد إِذا شهد أَنه ملكه وَلم يقل فِي يَده بِغَيْر حق اخْتلفُوا فِيهِ، وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى أَنه يقبل فِي حق الْقَضَاء بِالْملكِ لَا فِي حق الْمُطَالبَة بِالتَّسْلِيمِ، حَتَّى لَو سَأَلَ القَاضِي الشَّاهِد أهوَ فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ بِغَيْر حق؟ فَقَالَ لَا أَدْرِي يقبل على الْملك، نَص عَلَيْهِ فِي الْمُحِيط كَمَا فِي شَهَادَة الْبَزَّازِيَّة، فَظهر أَن الْمُدَّعِي لَو ادّعى أَنه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ بِغَيْر حق وطالبه وَشهد شاهداه أَنه ملك الْمُدَّعِي وَأَنه فِي يَده الْمُدعى عَلَيْهِ عَن مُعَاينَة يقْضِي القَاضِي بِالْملكِ وَالتَّسْلِيم، إِذْ لَا فرق فِي ذَلِك بَين أَن يثبت كلا الْحكمَيْنِ بِشَهَادَة فريق وَاحِد أَو فريقين كَمَا فِي غَايَة الْبَيَان مفصلا.

قَوْله: (لَان دَعْوَى الْفِعْل) أَشَارَ بِهَذَا إِلَى الْفرق بَين دَعْوَى الْملك الْمُطلق، وَدَعوى الْفِعْل.
وَحَاصِله: أَن دَعْوَى الْفِعْلِ كَمَا تَصِحُّ عَلَى ذِي الْيَدِ تصح على غَيره أَيْضا، فَإِنَّهُ يَدعِي عَلَيْهِ
التَّمْلِيك والتملك وَهُوَ كَمَا يتَحَقَّق من ذِي الْيَد يتَحَقَّق من غَيره أَيْضا، فَعدم ثُبُوت الْيَد لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى.
أَمَّا دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطلق فَدَعْوَى تَرْكِ التَّعَرُّضِ بِإِزَالَةِ الْيَدِ وَطَلَبُ إزَالَتِهَا لَا يتَصَوَّر إِلَّا من صَاحب الْيَد، وبإقراره لَا يثبت كَون ذَا يَد لاحْتِمَال الْمُوَاضَعَة.
أَفَادَهُ فِي الْبَحْر.

قَوْله: (وَذكر أَنه يُطَالِبُهُ بِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا مَنْقُولًا أَوْ عَقَارًا، فَلَوْ قَالَ: لِي عَلَيْهِ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ يَقُلْ لِلْقَاضِي مُرْهُ حَتَّى يُعْطِيهِ، وَقيل: تصح وَهُوَ الصَّحِيح.
قُهُسْتَانِيّ.
قَالَ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود: وَلَيْسَ الْمُرَادُ لَفْظَ وَأُطَالِبُهُ بِهِ بَلْ هُوَ أَوْ مَا يُفِيدُهُ مِنْ قَوْلِهِ مُرْهُ لِيُعْطِيَنِي حَقي، وَأما أَصْحَاب الْفَتَاوَى كالخلاصة جعلُوا اشْتِرَاطه قولا ضَعِيفا، فَالصَّحِيح على مَا فِي الْفَتَاوَى عدم اشْتِرَاط الْمُطَالبَة أصلا.
كَذَا بِخَط شَيخنَا اهـ.
وَمثله فِي الْعُمْدَة، وَسَيَأْتِي فِي دَعْوَى الدّين قَرِيبا.

قَوْله: (لتوقفه) أَي توقف دَعْوَى الْعقار ذكر الضَّمِير، وَإِن كَانَ الْمرجع مؤنثا لاكتسابه التَّذْكِير من الْمُضَاف إِلَيْهِ.

قَوْله: (ولاحتمال رَهنه أَو حَبسه بِالثّمن) أَو لدفع التَّأْجِيل فِي نَحْو الدّين وكل ذَلِك يَزُول بالمطالبة.

قَوْله: (وَبِه) أَي بِذكر أَنه يُطَالِبهُ، لِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ إذَا كَانَ مَحْبُوسًا بِحَق.

قَوْله: (اسْتغنى عَن زِيَادَة بِغَيْر حق)

(8/33)


فَرجع الْكَلَام إِلَى مُوَافقَة صدر الشَّرِيعَة فِي التَّسْوِيَة بَين الْمَنْقُول وَالْعَقار.

قَوْله: (فَافْهَم) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن ذكر كَونه بِغَيْر حق غير لَازم فِي الْعقار وَالْمَنْقُول لَان الْمُطَالبَة تغني عَنهُ.

قَوْله: (وَلَو كَانَ مَا يَدعِيهِ دينا) أَي فِي الذِّمَّة.

قَوْله: (مَكِيلًا أَو مَوْزُونا) إِنَّمَا قيد بِهِ لانه هُوَ الَّذِي يُمكن ثُبُوته فِي الذِّمَّة، وَيلْحق بِهِ المذروع إِذا استوفى شُرُوط السّلم، وَكَذَا العددي المتقارب كالجوز وَالْبيض وَاللَّبن الَّذِي سمي فِيهِ ملبنا مَعْلُوما وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يُمكن ثُبُوته فِي الذِّمَّة.

قَوْله: (نَقْدا أَو غَيره) تَعْمِيم فِي الْمَوْزُون.

قَوْله: (ذكر وَصفه) أَنه جيد أَو ردئ لانه لَا يعرف إِلَّا بِهِ، وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى ذكر وَصفه إِذا كَانَ فِي الْبَلَد نقود مُخْتَلفَة، أما إِذا كَانَ فِي الْبَلَد نقد وَاحِد فَلَا.
حموي.
زَادَ فِي الْكَنْزِ: وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: هَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُتُونِ والشروح، وَأما أَصْحَاب الْفَتَاوَى فَجعلُوا اشْتِرَاطه قولا ضَعِيفا كَمَا فِي الْعُمْدَة انْتهى.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُهُ هُنَا: أَي فِي دَعْوَى الدّين كَمَا ذكره فِي دَعْوَى الْعقار لِمَا قَالُوا: أَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى، لَكِنْ هَذَا عِنْدَ
التَّصْرِيحِ بِتَصْحِيحِ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ عَدَمِ التَّصْرِيحِ أَصْلًا، أَمَّا لَوْ ذَكَرْت مَسْأَلَةَ فِي الْمُتُونِ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِتَصْحِيحِهَا بَلْ صَرَّحُوا بِتَصْحِيحِ مُقَابِلِهَا فَقَدْ أَفَادَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ تَرْجِيحَ الثَّانِي، لِأَنَّهُ تَصْحِيحٌ صَرِيحٌ، وَمَا فِي الْمُتُونِ تَصْحِيحٌ الْتِزَامِيٌّ، وَالتَّصْحِيحُ الصَّرِيحُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّصْحِيحِ الِالْتِزَامِيِّ: أَيْ الْتِزَامُ الْمُتُونِ ذِكْرُ مَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَب كَمَا تقدم فِي رسم الْمُفْتِي أول الْكتاب.
قَالَ ط: وَلَو اسْتغنى عَن ذكر الدّين وَأدْخلهُ فِي جملَة الْمِثْلِيَّات الَّتِي ذكر حكمهَا بعد لَكَانَ أَخْضَر.

قَوْله: (من ذكر الْجِنْس) كحنطة وَالنَّوْع كبلدية أَو حورانية وَالصّفة كجيدة وَالْقدر كعشرة أَقْفِزَة إِن كَانَ كيليا وَعشرَة أَرْطَال إِن كَانَ وزنيا.

قَوْله: (وَسبب الْوُجُوب) بِأَن يَقُول بِسَبَب بيع صَحِيح جرى بَينهمَا.

قَوْله: (لم تسمع) وَكَذَا لَو ادّعى مَالا بِسَبَب لَهُ كحساب جرى بَينهمَا لَا يَصح، لَان الْحساب لَا يصلح سَببا لوُجُوب المَال كَمَا فِي مُشْتَمل الاحكام والهندية عَن الْخُلَاصَة.
وَفِي الاشباه: لَا يلْزم الْمُدَّعِي بَيَان السَّبَب وَتَصِح بِدُونِهِ، إِلَّا فِي الْمِثْلِيَّات وَدَعوى الْمَرْأَة لدين على تَرِكَة زَوجهَا، فَلَو ادّعى مَكِيلًا مثلا فَلَا بُد من بَيَان سَبَب الْوُجُود لاخْتِلَاف الاحكام باخْتلَاف الاسباب حَتَّى من أسلم يحْتَاج إِلَى بَيَان مَكَان الايفاء تَحَرُّزًا عَن النزاع.
وَكَذَا لَو ادَّعَت الْمَرْأَة على تَرِكَة الزَّوْج لم تسمع مَا لم تبين السَّبَب، لجَوَاز أَن يكون دين النَّفَقَة وَهِي تسْقط بِمَوْتِهِ جملَة.
اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّة: وَإِن وَقعت الدَّعْوَى فِي الدّين فَلَا بُد من بَيَان السَّبَب، لانه لَا يجب فِي الذِّمَّة إِلَّا بالاستهلاك، بِخِلَاف دَعْوَى الاملاك والاعيان فَلَا يحْتَاج.
مطلب: فِيمَا يجب ذكره فِي دَعْوَى العقد
قَوْله: (فِي مَكَان عَيناهُ) هَذَا عِنْد الامام، وَعِنْدَهُمَا فِي مَكَان العقد، وَهَذَا فِيمَا لَهُ حمل وَمؤنَة، وَمَا لَا حمل لَهُ كمسك لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ اتِّفَاقًا، ويوفي حَيْثُ شَاءَ كَمَا تقدم فِي السّلم.
وَيَنْبَغِي على قَوْلهمَا أَن يذكر فِي الدَّعْوَى مَكَان العقد فِيمَا لَهُ حمل وَمؤنَة، لَان عِنْدهمَا يجب تَسْلِيمه فِيهِ يُرَاجع.
وَقدمنَا فِي هَذَا الْبَاب أَنه يذكر فِي السَّلَمِ شَرَائِطَهُ مِنْ أَعْلَامِ جِنْسِ رَأْسِ المَال وَغَيره ونوعه

(8/34)


وَصِفَتِهِ وَقَدْرِهِ بِالْوَزْنِ إنْ كَانَ وَزْنِيًّا وَانْتِقَادٍ بِالْمَجْلِسِ حَتَّى يَصح الخ، فَرَاجعه..
قَوْله: (وَفِي نَحْو قرض
الخ) أَي وَفِي دَعْوَى نَحْو الْقَرْض الخ، وَلَا بُد أَن يذكر أَنه أقْرضهُ كَذَا من مَال نَفسه، لجَوَاز أَن يكون وَكيلا بالاقراض، وَالْوَكِيل بالاقراض سفير ومعبر لَا يُطَالب بالاداء، وَيذكر أَيْضا أَنه صرف ذَلِك إِلَى حَاجَة نَفسه ليصير ذَلِك دينا عَلَيْهِ إِجْمَاعًا، لَان الْقَرْض عِنْد أبي يُوسُف ف لَا يصير دينا فِي ذمَّة الْمُسْتَقْرض إِلَّا بصرفه فِي حوائج نَفسه هـ.
فَلَو كَانَ بَاقِيا عِنْد الْمُسْتَقْرض لَا يصير دينا عِنْده، وَنَحْو الْقَرْض ثمن الْمَبِيع، فَإِنَّهُ يتَعَيَّن مَكَان العقد للايفاء ط.
قَالَ صدر الاسلام: لَا يشْتَرط بَيَان مَكَان الايفاء فِي الْقَرْض وَتَعْيِين مَكَان العقد.
هندية عَن الْوَجِيز الْكرْدِي.

قَوْله: (وغصب واستهلاك فِي مَكَان الْقَرْض) وَهَذَا فِيمَا لَهُ حمل وَمؤنَة، وَإِلَّا فَلَا كَمَا تقدم قَرِيبا.

قَوْله: (وَنَحْوه) أَي من الْغَصْب والاستهلاك فَيتَعَيَّن مكانهما للتسليم، وَقد مثل ذَلِك فِي الْبَحْر بِالْحِنْطَةِ لما أَن مَحل ذَلِك فِيمَا لَهُ حمل وَمؤنَة.
مطلب: فِي كَلَام الْمُتُون والشروح فِي الدَّعْوَى قُصُور إِذا لم يبينوا بَقِيَّة الشُّرُوط قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ اعْلَم أَن فِي كَلَام أَصْحَاب الْمُتُون والشروح فِي دَعْوَى قصورا، فَإِنَّهُم لم يبينوا بَقِيَّة شَرَائِط دَعْوَى الدّين وَلم يذكرُوا دَعْوَى العقد.
أما الاول: فَفِي دَعْوَى البضاعة والوديعة بِسَبَب مَوته مجهلا لَا بُد أَن يبين قِيمَته يَوْم مَوته إِذْ هُوَ يَوْم الْوُجُوب، وَفِي الْمُضَاربَة بِمَوْت الْمضَارب مجهلا لَا بُد من ذكر أَن مَال الْمُضَاربَة يَوْم مَوته نقد أَو عرض، لَان الْعرض يَدعِي قِيمَته، وَفِي مَال الشّركَة لَا بُد من ذكر أَنه مَاتَ مجهلا لمَال الشّركَة أَو للْمُشْتَرِي بمالها إِذْ مَالهَا يضمن بِمثلِهِ وَالْمُشْتَرِي بمالها يضمن بِالْقيمَةِ.
وَلَو ادّعى مَالا بكفالة لَا بُد من بَيَان المَال بِأَيّ سَبَب لجَوَاز بُطْلَانهَا، إِذْ الْكفَالَة بِنَفَقَة الْمَرْأَة إِذا لم تذكر مُدَّة مَعْلُومَة لَا تصح إِلَّا أَن يَقُول: مَا عِشْت أَو دمت فِي نِكَاحه وَالْكَفَالَة بِمَال الْكِتَابَة لَا تصح، وَكَذَا بِالدِّيَةِ على الْعَاقِلَة، وَلَا بُد أَن يَقُول: وَأَجَازَ الْمَكْفُول لَهُ الْكفَالَة فِي مجْلِس الْكفَالَة، حَتَّى لَو قَالَ فِي مَجْلِسه لم يجز وَلَا يشْتَرط بَيَان الْمَكْفُول عَنهُ كَمَا فِي الْخَانِية.
وَلَو ادَّعَت امْرَأَة مَالا على وَرَثَة الزَّوْج لم يَصح مَا لم تبين السَّبَب لجَوَاز أَن يكون دين النَّفَقَة، وَهِي تسْقط بِمَوْتِهِ.
وَفِي دَعْوَى الدّين على الْمَيِّت لَو كتب توفّي بِلَا أَدَائِهِ وَخلف من التَّرِكَة بيد هَذَا الْوَارِث مَا يَفِي تسمع هَذِه الدَّعْوَى وَإِن لم يبين أَعْيَان التَّرِكَة وَبِه يُفْتى.
لَكِن إِنَّمَا يَأْمر القَاضِي الْوَارِث بأَدَاء الدّين لَو ثَبت وُصُول التَّرِكَة إِلَيْهِ، وَلَو أنكر
وصولها إِلَيْهِ لَا يُمكن إثْبَاته إِلَّا بعد بَيَان أَعْيَان التَّرِكَة فِي يَده لما يحصل بِهِ الاعلام.
وَلَو ادّعى الدّين بِسَبَب الوراثة لَا بُد من بَيَان كل ورثته وَفِي دَعْوَى السّعَايَة بِهِ إِلَى الْحَاكِم لَا يجب ذكر قَابض المَال، وَلَكِن فِي محْضر دَعْوَاهَا لابد أَن يبين السّعَايَة لينْظر أَنه هَل يجب الضَّمَان عَلَيْهِ لجَوَاز أَنه سعى بِحَق فَلَا يضمن.
وَلَو ادّعى الضَّمَان على الْآمِر أَنه أَمر فلَانا وَأخذ مِنْهُ كَذَا تصح الدَّعْوَى على الامر لَو سُلْطَانا، وَإِلَّا فَلَا.
مطلب: فِي شُرُوط العقد وَأما دَعْوَى العقد من بيع وَإِجَارَة وَوَصِيَّة وَغَيرهَا من أَسبَاب الْملك لَا بُد من بَيَان الطوع وَالرَّغْبَة بِأَن يَقُول: بَاعَ فلَان مِنْهُ طَائِعا أَو رَاغِبًا فِي حَال نَفاذ تصرفه لاحْتِمَال الاكراه.
وَفِي ذكر التخارج وَالصُّلْح عَن التَّرِكَة لَا بُد من بَيَان أَنْوَاع التَّرِكَة، وتحديد الْعقار، وَبَيَان قيمَة كل نوع، ليعلم أَن الصُّلْح

(8/35)


لم يَقع على أَزِيد من قيمَة نصِيبه، لانهم لَو استهلكوا التَّرِكَة ثمَّ صَالحُوا الْمُدَّعِي على أَزِيد من نصِيبه لم يجز عِنْدهم، كَمَا فِي الْغَصْب إِذا استهلكوا الاعيان وصالحوا، وَفِي دَعْوَى البيع مكْرها لَا حَاجَة إِلَى تعْيين الْمُكْره.
هَذَا مَا حررته من كَلَامهم.
اهـ.
قلت: إِنَّمَا تركُوا ذكر ذَلِك لذكرهم حكم كل وَاحِد فِي بَابه، وَفِي كتب الشُّرُوط استوفوا هَذَا.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَإِن ادّعى الْحِنْطَة أَو الشّعير بالامناء فالمختار للْفَتْوَى أَنه يسْأَل الْمُدَّعِي عَن دَعْوَاهُ، فَإِن ادّعى بِسَبَب الْقَرْض والاستهلاك لَا يُفْتى بِالصِّحَّةِ، وَإِن ادّعى بِسَبَب بيع عين من أَعْيَان مَاله بحنطة فِي الذِّمَّة أَو بِسَبَب السّلم يُفْتى بِالصِّحَّةِ، هَكَذَا فِي الذَّخِيرَة.
وَإِن ادّعى مكايلة حَتَّى صحت الدَّعْوَى بِلَا خلاف وَأقَام الْبَيِّنَة على إِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ بِالْحِنْطَةِ أَو بِالشَّعِيرِ وَلم يذكر الصّفة فِي إِقْرَاره قبلت الْبَيِّنَة فِي حق الْجَبْر على الْبَيَان، لَا فِي حق الْجَبْر على الاداء.
كَذَا فِي الْمُحِيط.
وَفِي الذّرة والمج: يعْتَبر الْعرف.
كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة.
إِذا ادّعى الدَّقِيق بالقفيز لَا تصح، وَمَتى ذكر الْوَزْن حَتَّى صحت دَعْوَاهُ لَا بُد أَن يذكر دَقِيق
منخول أَو غير منخول مخبوز أَو غير مخبوز والجودة والوساطة والرداءة.
هَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة.
وَإِذا ادّعى على آخر مائَة عدالية غصبا وَهِي مُنْقَطِعَة عَن أَيدي النَّاس يَوْم الدَّعْوَى يَنْبَغِي أَن يَدعِي قِيمَته، غير أَن عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى تعْتَبر الْقيمَة يَوْم الدَّعْوَى وَالْخُصُومَة.
وَعند أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى يَوْم الْغَصْب، وَعند مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى يَوْم الِانْقِطَاع، وَلَا بُد من بَيَان سَبَب وجوب الدَّرَاهِم فِي هَذِه الصُّورَة.
كَذَا فِي الذَّخِيرَة.
وَفِي الدّين: لَو ادّعى الْمَدْيُون أَنه بعث كَذَا من الدَّرَاهِم إِلَيْهِ أَو قضى فلَان دينه بِغَيْر أمره صحت الدَّعْوَى وَيحلف، وَلَو ادّعى عَلَيْهِ قرض ألف دِرْهَم وَقَالَ: وصل إِلَيْك بيد فلَان وَهُوَ مَالِي لَا تسمع دَعْوَاهُ كَمَا فِي الْعين.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
وَفِي دَعْوَى مَال الاجارة المفسوخة بِمَوْت الآخر: إِذا كَانَت الاجرة دَرَاهِم أَو عدالية يَنْبَغِي أَن يذكر كَذَا دَرَاهِم كَذَا عدالية رائجة من وَقت العقد إِلَى وَقت الْفَسْخ.
كَذَا فِي الذَّخِيرَة.
وَفِي دَعْوَى مَال الاجارة المفسوخة لَا يشْتَرط تَحْدِيد الْمُسْتَأْجر، وَكَذَا ثمن مَبِيع مَقْبُوض، وَلم يبين البيع أَو مَحْدُود وَلم يحدده وَهُوَ الاصح.
وَلَو ادّعى على آخر أَنه اسْتَأْجر الْمُدَّعِي لحفظ عين معِين سَمَّاهُ، وَوَصفه كل شهر بِكَذَا وَقد حفظه مُدَّة كَذَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاء الاجرة الْمَشْرُوطَة، وَلم يحضر ذَلِك الْعين فِي مجْلِس الدَّعْوَى يَنْبَغِي أَن تصح الدَّعْوَى اهـ.
وَاخْتلفُوا فِي اشْتِرَاط حَضْرَة الْمُسْتَعِير مَعَ الْمُعير فِي دَعْوَى الْمُسْتَعَار وحضرة الْمُودع مَعَ الْمُودع فِي دَعْوَى الْوَدِيعَة، وَكَذَا فِي اشْتِرَاط حُضُور الْمزَارِع مَعَ رب الارض فِي دَعْوَى الارض.
بَزَّازِيَّة.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: تشْتَرط حَضْرَة الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن فِي دَعْوَى عين رهن وَالْعَارِية والاجارة كَالرَّهْنِ، وَأما حَضْرَة الْمزَارِع فَهَل هِيَ شَرط فِي دَعْوَى الضّيَاع إِن كَانَ الْبذر من الْمزَارِع فَهُوَ كالمستأجر يشْتَرط حُضُوره، وَإِن لم يكن الْبذر مِنْهُ إِن نبت الزَّرْع فَكَذَلِك ك، وَإِن لم ينْبت لَا يشْتَرط.
هَذَا فِي دَعْوَى الْملك الْمُطلق.
أما إِذا ادّعى على آخر غصب ضيعته وَأَنَّهَا فِي يَد الْمزَارِع فَلَا تشْتَرط حَضْرَة الْمزَارِع لانه يَدعِي عَلَيْهِ الْفِعْل، وَلَو كَانَت الدَّار فِي يَد البَائِع بعد البيع فجَاء مُسْتَحقّ واستحقها لَا يقْضِي بِالدَّار لَهُ إِلَّا بِحَضْرَة البَائِع وَالْمُشْتَرِي.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
وَلَو ادّعى مسيل مَاء فِي دَار الآخر لَا بُد أَن يبين أَنه مسيل

(8/36)


مَاء الْمَطَر أَو مَاء الْوضُوء، وَيَنْبَغِي أَن يبين مَوضِع المسيل أَنه فِي مقدم الْبَيْت أَو مؤخره.
وَلَو ادّعى طَرِيقا فِي دَار الآخر يَنْبَغِي أَن يبين طوله وَعرضه وموضعه فِي الدَّار.
جَامع الْفُصُولَيْنِ.
وَفِيه وَفِي دَعْوَى الاكراه على بيع وَتَسْلِيم يَنْبَغِي أَن يَقُول: بِعته مكْرها وسلمته مكْرها ولي حق فَسخه فافسخه، وَلَو قبض ثمنه يذكر وقبضت ثمنه مكْرها، ويبرهن على كل ذَلِك.
أما لَو ادّعى عَلَيْهِ أَنه ملكي وَفِي يَده بِغَيْر حق لَا تسمع، إِذْ بيع الْمُكْره يُفِيد الْملك بِقَبْضِهِ، فالاسترداد بِسَبَب فَسَاد البيع يَنْبَغِي أَن يكون كَذَلِك.
وفيهَا لَو ادّعى فَسَاد البيع يستفسر عَن سَبَب فَسَاده لجَوَاز أَن يظنّ الصَّحِيح فَاسِدا، وَفِي دَعْوَى البيع مكْرها لَا حَاجَة إِلَى تعْيين الْمُكْره، كَمَا لَو ادّعى السّعَايَة فَلَا حَاجَة إِلَى تعْيين العون.

قَوْله: (وَيسْأل القَاضِي) أَي بِطَلَب الْمُدَّعِي وَقيل: إِن كَانَ الْمُدَّعِي جَاهِلا يسْأَل القَاضِي الْمُدعى عَلَيْهِ بِدُونِ طلبه.
اهـ.
سراجية.
وفيهَا: إِذا حضر الخصمان لَا بَأْس أَن يَقُول مَا لَكمَا، وَإِن شَاءَ سكت حَتَّى يبتدئاه بالْكلَام، وَإِذا تكلم الْمُدَّعِي يسكت الآخر وَيسمع مقَالَته، فَإِذا فرغ يَقُول للْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِطَلَب الْمُدَّعِي مَاذَا تَقول.
وَقيل إِن الْمُدَّعِي إِذا كَانَ جَاهِلا فَإِن القَاضِي يسْأَل الْمُدعى عَلَيْهِ بِدُونِ طلب الْمُدَّعِي.
اهـ.
وَفِي شَهَادَات الخزانة: يجوز للْقَاضِي أَن يَأْمر رجلا يعلم الْمُدَّعِي الدَّعْوَى وَالْخُصُومَة إِذا كَانَ لَا يقدر عَلَيْهَا وَلَا يحسنها.
اهـ.

قَوْله: (بعد صِحَّتهَا) أَي إِذا جَازَت وَقَامَت دَعْوَى الْمُدَّعِي برعاية مَا سبق من شُرُوط صِحَّتهَا.

قَوْله: (لعدم وجوب جَوَابه) الاولى أَن يُعلل بِعَدَمِ الْبَاعِث على السُّؤَال، فَتَأمل ط.

قَوْله: (قَوْله فِيهَا) إِنَّمَا قدره فِرَارًا من اسْتِعْمَال قضى الْآتِي فِي كَلَام المُصَنّف فِي حَقِيقَته ومجازه، لَان الاقرار حجَّة ملزمة بِنَفسِهِ وَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْقَضَاء، فإطلاق اسْم الْقَضَاء فِيهِ مجَاز عَن الامر بِالْخرُوجِ عَمَّا لزمَه بالاقرار كَمَا صرح بِهِ فِي التَّبْيِين اهـ ح.
بِخِلَاف الْبَيِّنَة فَإِن الشَّهَادَة خبر مُحْتَمل بِالْقضَاءِ تصير حجَّة وَسقط احْتِمَال الْكَذِب.
كَذَا فِي التَّبْيِين.
فَقَوْل الشَّارِح فِيهَا أَي فبالقضية الْمَطْلُوبَة حصل الْمَقْصُود وَلَزِمَه الْحق سَوَاء قضى بِهِ القَاضِي أَو لَا، وبالقضاء لَا يثبت أَمر زَائِد، أَلا يرى أَنه يلْزمه الْحق بِإِقْرَارِهِ عِنْد غير القَاضِي، أَو أنكر الْخصم فبرهن الْمُدَّعِي قضى عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَزِمَه الْحق بِالْقضَاءِ وَيثبت حكم الْبَيِّنَة بِهِ، أما بِدُونِ
الْقَضَاء فَلَا يثبت بِالْبَيِّنَةِ حكم، وَكَذَا لَا تعْتَبر فِي غير مجْلِس القَاضِي.
قَالَ فِي الاشباه: لَا يجوز للْمُدَّعى عَلَيْهِ الانكار إِذا كَانَ عَالما بِالْحَقِّ، إِلَّا فِي دَعْوَى الْعَيْب فَإِن للْبَائِع إِنْكَاره ليقيم المُشْتَرِي الْبَيِّنَة عَلَيْهِ ليتَمَكَّن من الرَّد على بَائِعه، وَفِي الْوَصِيّ إِذا علم بِالدّينِ.
كَذَا فِي بُيُوع النَّوَازِل.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَظَاهر مَا فِي الْكتاب أَن القَاضِي لَا يُمْهل الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا استمهله، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَفِي الْبَزَّازِيَّة: ويمهله ثَلَاثَة أَيَّام إِن قَالَ الْمَطْلُوب لي دفع وَإِنَّمَا يمهله هَذِه الْمدَّة لانهم كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي كل ثَلَاثَة أَيَّام أَو جُمُعَة، فَإِن كَانَ يجلس كل يَوْم وَمَعَ هَذَا أمهله ثَلَاثَة أَيَّام جَازَ، فَإِن مَضَت لمُدَّة وَلم يَأْتِ بِالدفع حكم اهـ.

قَوْله: (أَو أنكر فَبَرْهَنَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُقَامُ عَلَى مقرّ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَظَاهر مَا فِي الْكتاب أَن الْبَيِّنَة لَا تُقَام إِلَّا على مُنكر فَلَا تُقَام على مقرّ.
وكتبنا فِي فَوَائِد كتاب

(8/37)


الْقَضَاء أَنَّهَا تُقَام على الْمقر فِي وَارِثٍ مُقِرٍّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَتُقَامُ عَلَيْهِ لِلتَّعَدِّي، وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوِصَايَةِ فَبَرْهَنَ الْوَصِيُّ، وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ فَيُثْبِتُهَا الْوَكِيلُ، ثمَّ زِدْت الْآن رَابِعا من جَامع الْفُصُولَيْنِ من فصل الِاسْتِحْقَاق قَالَ: المرجوع عَلَيْهِ عِنْد الِاسْتِحْقَاق لَو أقرّ الِاسْتِحْقَاق وَمَعَ ذَلِك برهن الرَّاجِع على الِاسْتِحْقَاق كَانَ لَهُ أَن يرجع على بَائِعه إِذْ الحكم وَقع بِبَيِّنَة لَا بِإِقْرَار، لانه مُحْتَاج إِلَى أَن يثبت عَلَيْهِ الِاسْتِحْقَاق ليمكنه الرُّجُوع على بَائِعه.
وَفِيه لَو برهن الْمُدَّعِي ثمَّ أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ بِالْملكِ لَهُ يقْضِي لَهُ بالاقرار لَا بِبَيِّنَة، إِذا الْبَيِّنَة إِنَّمَا تقبل على الْمُنكر لَا على الْمقر.
وَفِيه من مَوضِع آخر: فَهَذَا يدل على جَوَاز إِقَامَتهَا مَعَ الاقرار فِي كل مَوضِع يتَوَقَّع الضَّرَر من غير الْمقر لولاها فَيكون هَذَا أصلا.
اهـ.

قَوْله: (بِلَا طلب الْمُدَّعِي) وإعلامه الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه يُرِيد الْقَضَاء عَلَيْهِ أدب غير لَازم وَتقدم فِي الْقَضَاء أَنه مَتى قَامَت الْبَيِّنَة العادلة وَجب على القَاضِي الحكم بِلَا تَأْخِير.
مطلب: لَا يجوز للْقَاضِي تَأْخِير الحكم بعد شَرَائِطه إِلَّا فِي ثَلَاث قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَأْخِيرُ الْحُكْمِ بَعْدَ شَرَائِطه إِلَّا فِي ثَلَاث مَوَاضِع: الاولى: رَجَاء الصُّلْح بَين الاقارب.
الثَّانِيَة: إِذا استمهل الْمُدَّعِي.
الثَّالِثَة: إِذا كَانَ عِنْده رِيبَة اهـ.

قَوْله: (وَإِلَّا حلفه الْحَاكِم) لانه لَا بُد أَولا من سُؤال القَاضِي الْمُدَّعِي بعد إِنْكَار الْخصم عَن الْبَيِّنَة ليتَمَكَّن من
الِاسْتِحْلَاف لَان النَّبِي (ص) قَالَ للْمُدَّعِي أَلَك بَيِّنَة؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ: لَك يَمِينه سَأَلَ ورتب الْيَمين على عدم الْبَيِّنَة، وَإِنَّمَا تعْتَبر إِقَامَتهَا بعد الانكار والاستشهاد من الْمُدَّعِي، حَتَّى لَو شهدُوا بعد الدَّعْوَى والانكار بِدُونِ طلب الْمُدَّعِي الشَّهَادَة لَا تسمع عِنْد الطَّحَاوِيّ، وَعند غَيره تسمع كَمَا فِي الْعمادِيَّة.
وفيهَا: ثمَّ بعد صِحَة الدَّعْوَى إِنَّمَا يسْتَحْلف فِيهَا سوى الْقصاص بِالنَّفسِ فِي مَوضِع يجوز الْقَضَاء بِالنّكُولِ.
وَفِي مَوضِع: لَا يجوز الْقَضَاء بِالنّكُولِ لَا يجوز الِاسْتِحْلَاف.
وتحليف الاخرس أَن يُقَال لَهُ عَلَيْك عهد الله وميثاقه أَنه كَانَ كَذَا فيشير بنعم.
بَحر.
وَإِنَّمَا يظْهر لَو كَانَ يسمع.
وَانْظُر حكم الاخرس الَّذِي لَا يسمع، وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَلَا الْوَصِيّ فِي مَال الْيَتِيم وَلَا الْمُتَوَلِي فِي مَال الْوَقْف، وَسَيَأْتِي فِي كَلَام المُصَنّف وَيذكر تَمَامه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْله: (بعد طلبه) قيد بِهِ لَان الْحلف حَقه، وَلِهَذَا أضيف إِلَيْهِ بِحرف اللَّام فِي الحَدِيث وَهِي للتَّمْلِيك، وَإِنَّمَا صَار حَقًا لَهُ لَان الْمُنكر قصد إتواء حَقه على زَعمه بالانكار فمكنه الشَّارِع من إتواء نَفسه بِالْيَمِينِ الكاذبة، وَهِي الْغمُوس إِن كَانَ كَاذِبًا كَمَا يزْعم وَهُوَ أعظم من إتواء المَال، وَإِلَّا يحصل للْحَالِف الثَّوَاب بِذكر الله تَعَالَى، وَهُوَ صَادِق على وَجه التَّعْظِيم، وَلَا بُد أَن يكون النّكُول فِي مجْلِس الْقَضَاء لَان الْمُعْتَبر يَمِين قَاطع للخصومة، وَلَا عِبْرَة للْيَمِين عِنْد غَيره.
وَلَو حلفه القَاضِي بِغَيْر طلبه ثمَّ طلب الْمُدَّعِي التَّحْلِيف فَلهُ أَن يحلفهُ ثَانِيًا كَمَا فِي الْعمادِيَّة.
وَلَو حلف بِطَلَب الْمُدَّعِي بِدُونِ تَحْلِيف القَاضِي لم يعْتَبر، وَإِن كَانَ بَين يَدَيْهِ، لَان التَّحْلِيف حق القَاضِي بِطَلَب الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْقنية.
وَيَأْتِي تَمَامه فِي كَلَام المُصَنّف.
وَأطلق الْحَالِف فَيشْمَل الْمُسلم وَالْكَافِر وَلَو مُشْركًا، إِذْ لَا يُنكر أحد مِنْهُم الصَّانِع فيعظمون اسْم الله تَعَالَى ويعتقدون حرمته، لَا الدهرية والزنادقة وَأهل الاباحة، وَهَؤُلَاء أَقوام لم يتجاسروا على إِظْهَار نحلهم فِي عصر من الاعصار إِلَى يَوْمنَا هَذَا، وَنَرْجُو من فضل الله تَعَالَى على أمة حَبِيبه أَن لَا يقدرهم على إِظْهَار مَا انتحلوه

(8/38)


إِلَى انْقِضَاء الدُّنْيَا كَمَا فِي الْبَدَائِع.
ثمَّ إِذا حلف لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِيَمِينِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ، فَإِنْ وَجَدَهَا أَقَامَهَا وَقُضِيَ لَهُ بِهَا.
دُرَر.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَهَلْ يَظْهَرُ كَذِبُ الْمُنْكِرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؟ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ حَتَّى لَا يُعَاقَبَ عُقُوبَةَ
شَاهد الزُّور.
اهـ.
وَفِيه أَيْضا أَنه لَا يَحْنَث لَو كَانَ حلفه بِالطَّلَاق وَنَحْوه.
وَقيل عِنْد أبي يُوسُف، يظْهر كذبه.
وَعند مُحَمَّد: لَا يظْهر.
اهـ.
وَفِي الْخَانِية: وَفِي رِوَايَة عَن مُحَمَّد: يظْهر أَيْضا، وَالْفَتْوَى على أَنه يَحْنَث، وَهَكَذَا فِي الْوَلوالجِيَّة وَذكر فِي المنبع.
وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَة الدّين أَنه لَو ادَّعَاهُ بِلَا سَبَب فَحلف ف ثمَّ برهن ظهر كذبه، وَإِنْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثمَّ برهن عَلَى السَّبَبِ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ، لِجَوَازِ أَنَّهُ وجد الْقَرْض مثلا ثمَّ وجد الابراء أَو الايفاء.
اهـ.
وَهَكَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، فَظهر أَن مَا اخْتَارَهُ الزَّيْلَعِيّ وَتَبعهُ فِي الدُّرَر من الصَّوَاب خلاف مَا يُفْتى بِهِ، سِيمَا وَقع فِي أَمر الدّين.
تدبر
قَوْله: (إِذْ لَا بُد من طلب الْيَمين فِي جَمِيع الدَّعَاوَى) قَالَ فِي الاشباه: الاصح أَنه لَا تَحْلِيف فِي الدّين الْمُؤَجل قبل حُلُوله، لانه لَا تسوغ لَهُ الْمُطَالبَة حَتَّى يَتَرَتَّب على إِنْكَاره التَّحْلِيف.
اهـ.
وَإِذا أَرَادَ تَحْلِيفه يَنْبَغِي للْمُدَّعى عَلَيْهِ أَن يسْأَل القَاضِي إِن الْمُدَّعِي يَدعِي حَالَة أم نَسِيئَة، فَإِن قَالَ حَالَة يحلف بِاللَّه مَا لَهُ عَليّ هَذِه الدَّرَاهِم الَّتِي يدعيها ويسعه ذَلِك كَمَا فِي الْبَحْر.
مطلب: يحلف بِلَا طلب فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع
قَوْله: (إِلَّا عِنْد الثَّانِي فِي أَربع) قَالَ فِي الْبَحْرِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَحْلِيف إِلَّا بعد طلب عِنْدهمَا فِي جَمِيع الدَّعَاوَى وَعند أبي يُوسُف: يسْتَحْلف بِلَا طلب فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع فِي الرَّد بِالْعَيْبِ: يسْتَحْلف المُشْتَرِي على عدم الرِّضَا بِهِ، وَالشَّفِيع على عدم إِبْطَاله الشُّفْعَة، وَالْمَرْأَةُ إذَا طَلَبَتْ فَرْضَ النَّفَقَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِب تستحلف أَنَّهَا لم يطلقهَا زَوجهَا وَلم يتْرك لَهَا شَيْئا وَلَا أَعْطَاهَا النَّفَقَة، وَالرَّابِع الْمُسْتَحق يحلف بِاللَّه تَعَالَى مَا بِعْت وَهَذَا بِنَاء على جَوَاز تلقين الشَّاهِد.
اهـ.
والاولى: أَن يحلف على أَنه لم يستوفه كلا أَو بَعْضًا بِالذَّاتِ أَو بالواسطة وَلم يُبرئهُ مِنْهُ، وَلم يكن عِنْده بِهِ رهن أَو بشئ مِنْهُ، وَقَوله بِاللَّه مَا بِعْت فِيهِ قُصُور، والاولى أَن يحلف بِاللَّه مَا خرج عَن ملكك ليشْمل مَا لَو خرج عَن ملكه بِالْبيعِ وَغَيره، وَانْظُر للْمُدَّعى عَلَيْهِ، وَكَذَا يحلف القَاضِي الْبكر الطالبة للتفريق أَنَّهَا اخْتَارَتْ الْفرْقَة حِين بلغت وَإِن لم يَطْلُبهُ الزَّوْج كَمَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ.
قَالَ فِي التَّتِمَّة: وَلَو ادّعى دعاوى مُتَفَرِّقَة لَا يحلفهُ القَاضِي على كل شئ مِنْهَا، بل يجمعها ويحلفه يَمِينا وَاحِدَة على كلهَا إِذا برهن فَإِنَّهُ يحلف كَمَا وَصفنَا، وَهِي فِي الْخُلَاصَة.

قَوْله: (قَالَ) أَي البزازي.

قَوْله: (وَأَجْمعُوا على التَّحْلِيف) أَي وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كَمَا فِي الاشباه عَن التاترخانية، وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ قُبَيْلَ بَابِ التَّحْكِيمِ مِنْ الْقَضَاءِ.

قَوْله: (فِي دَعْوَى الدّين) قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَا خُصُوصِيَّة لدعوى الدّين بَلْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَدَّعِي حَقًّا فِي التَّرِكَة وأثبته بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يحلف من غير خصم، بل وَإِن أَبى الْخصم كَمَا صرح بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّة لانه حق الْمَيِّت أَنه مَا استوفى حَقه وَهُوَ مثل حُقُوق الله تَعَالَى يحلف من غير دَعْوَى.
كَذَا فِي الْوَلوالجِيَّة.
اهـ.
وَقيد بإثباته بالبنية لانه لَو أقرّ بِهِ الْوَارِث أَو نكل عَن الْيَمين

(8/39)


المتوجهة عَلَيْهِ لَا يحلف كَمَا يعلم من مَسْأَلَة إِقْرَار الْوَرَثَة بِالدّينِ وَمِمَّا قدمْنَاهُ من كَون الاقرار حجَّة بِنَفسِهِ، بِخِلَاف الْبَيِّنَة.
تَأمل.
لَكِن ذكر فِي خزانَة أبي اللَّيْث خَمْسَة نفر جَائِز للْقَاضِي تحليفهم، ثمَّ قَالَ: وَرجل ادّعى دينا فِي التَّرِكَة يحلفهُ القَاضِي بِاللَّه الْعَظِيم جلّ ذكره مَا قَبضته.
اهـ.
فَهَذَا مُطلق وَمَا هُنَا مُقَيّد بِمَا إِذا أثْبته بِالْبَيِّنَةِ، وتعليلهم بِأَنَّهُ حق الْمَيِّت رُبمَا يُعَكر على مَا تقدم.
وَقد يُقَال: التَّرِكَة ملكهم خُصُوصا عِنْد عدم دين على الْمَيِّت، وَقد صَادف إقرارهم ملكهم فَأنى يرد، بِخِلَاف الْبَيِّنَة فَإِنَّهَا حجَّة قَائِمَة من غَيرهم عَلَيْهِم فيحتاط فِيهَا، وَأما الاقرار فَهُوَ حجَّة مِنْهُم على أنفسهم فَلَا يتَوَقَّف على شئ آخر.
وَأَقُول: يَنْبَغِي أَن يحلفهُ القَاضِي مَعَ الاقرار فِيمَا إِذا كَانَ فِي التَّرِكَة دين مُسْتَغْرق لعدم صِحَة إقرارهم فِيهَا وَالْحَال هَذِه فيحلفه القَاضِي بِطَلَب الْغُرَمَاء إِذا أَقَامَ بَيِّنَة وَبِغير طَلَبهمْ، لَكِن إِذا صدقوه شاركهم لانهم أقرُّوا بِأَن هَذَا الشئ الَّذِي هُوَ بَينهم خَاص بهم لهَذَا فِيهِ شركَة مَعنا بِقدر دينه.
تَأمل.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ لِلْمَيِّتِ دَيْنَهُ وَبَرْهَنَ، هَلْ يَحْلِفُ؟ وَيَنْبَغِي أَنْ يحلف احْتِيَاطًا.
اهـ.
قَالَ الرَّمْلِيّ: يَنْبَغِي أَن لَا يتَرَدَّد فِي التَّحْلِيف أخذا من قَوْلهم الدُّيُون تقضى بأمثالها لَا بِأَعْيَانِهَا، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ قد ادّعى حَقًا للْمَيت.
اهـ.
ذكره الْغَزِّي.
وَأَقُول: يَنْبَغِي أَن يُقَال بدل اللَّام على كَمَا هُوَ ظَاهر.
وَأَقُول: قَدْ يُقَالُ: إنَّمَا يَحْلِفُ فِي مَسْأَلَةِ مُدَّعِي الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا باستصحاب الْحَال وَقد استوفى فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ.
وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ دَفْعِ الدَّيْنِ فَقَدْ شَهِدُوا عَلَى حَقِيقَةِ الدَّفْعِ فَانْتَفَى الِاحْتِمَال الْمَذْكُور، فَكيف يُقَال: يَنْبَغِي أَن لَا يتَرَدَّد فِي التَّحْلِيف؟ تَأمل.
وَسَيَأْتِي ذَلِك فِي أَوَاخِر دَعْوَى النّسَب.

قَوْله: (بل يحبس) أَي يحْبسهُ القَاضِي، لانه ظَالِم فَجَزَاؤُهُ الْحَبْس.

قَوْله: (ليقْرَأ وينكر) هَذَا عِنْد أبي حنيفَة، وَقَالا: يستحلفه كَمَا فِي الْمجمع، وَجه قَوْلهمَا: إِن كلاميه تَعَارضا وتساقطا فَكَأَنَّهُ لم يتَكَلَّم بشئ فَكَانَ ساكتا، وَالسُّكُوت بِلَا آفَة نُكُول فيستحلفه القَاضِي وَيَقْضِي بِالنّكُولِ كَمَا فِي المنبع.
وَفِي الْبَدَائِع: هُوَ الاشبه.

قَوْله: (وَكَذَا لَوْ لَزِمَ السُّكُوتَ بِلَا آفَةٍ عِنْدَ الثَّانِي) أَي فَإِنَّهُ يحبس لانه نُكُول حكما، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى، وَعند أبي يُوسُف: السُّكُوت لَيْسَ بإنكار، فحبس إِلَى أَن يُجيب.
صرح بِهِ السَّرخسِيّ.
وقولهما: هُوَ الاشبه كَمَا فِي الْبَدَائِع وَهُوَ الصَّحِيح كَمَا فِي المنبع، وَصرح فِي رَوْضَة الْفُقَهَاء أَن السُّكُوت لَيْسَ بإنكار بِلَا خلاف.
وَفِي الْقنية وَالْبَزَّازِيَّة: الْفَتْوَى على قَول أبي يُوسُف: فَلَو سكت الْخصم بِلَا آفَة وَقضى صَحَّ، وَكَذَا لَو نكل مرّة لَان الْيَمين وَاجِبَة عَلَيْهِ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ترك هَذَا الْوَاجِب بِالنّكُولِ دَلِيل على أَنه باذل ومقر، وَإِلَّا قدم على الْيَمين تفصيا عَن عُهْدَة الْوَاجِب ودفعا للضَّرَر عَن نَفسه ببذل الْمُدَّعِي أَو الاقرار بِهِ، وَالشَّرْع ألزمهُ التورع عَن الْيَمين الكاذبة دون الترفع عَن الْيَمين الصادقة، فترجح هَذَا الْجَانِب: أَي جَانب كَون الناكل باذلا أَو مقرا على جَانب التورع فِي نُكُوله.
كَذَا فِي الدُّرَر.
وَسَيَأْتِي تَمَامه.

قَوْله: (عِنْد الثَّانِي) وَعِنْدَهُمَا: إِذا لزم السُّكُوت

(8/40)


يُؤْخَذ مِنْهُ كَفِيل، ثمَّ يسْأَل جِيرَانه عَسى أَن يكون بِهِ آفَة فِي لِسَانه أَو سَمعه، فَإِن أخبروا أَنه لَا آفَة بِهِ يحضر مجْلِس الحكم، فَإِن سكت وَلم يجب ينزله مُنْكرا: أَي فَيحلف من غير حبس ط.

قَوْله: (لما أَن الْفَتْوَى على قَول الثَّانِي) أَقُول: ظهر مِمَّا هُنَا وَمِمَّا تقدم أَنه قد اخْتلف التَّصْحِيح وَالتَّرْجِيح، وَلَكِن
الارجح قَول أبي يُوسُف لما يُقَال فِيهِ: وَعَلِيهِ الْفَتْوَى، وَقد مر غير مرّة وَيَأْتِي.

قَوْله: (ثمَّ نقل عَن الْبَدَائِع الخ) رَاجع إِلَى قَول الْمَتْن وَإِذا قَالَ الخ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْمَجْمَعِ: وَلَوْ قَالَ لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ فَالْقَاضِي لَا يَسْتَحْلِفُهُ.
قَالَ الشَّارِح: بل يحبس عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ، وَقَالا: يسْتَحْلف.
وَفِي الْبَدَائِع: الاشبه أَنه إِنْكَار.
اهـ.
وَهُوَ تَصْحِيح لقولهما: فَإِنَّ الْأَشْبَهَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّصْحِيحِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
فحاصل مَا فِي الْبَحْر: اخْتِيَار قَول الثَّانِي لَو لزم السُّكُوت بِلَا آفَة فَإِنَّهُ يحبس حَتَّى يقر أَو يُنكر، وَاخْتِيَار قَوْلهمَا فِيمَا إِذا قَالَ لَا أقرّ وَلَا أنكر يَقْتَضِي اخْتِيَار جعله إنكارا فِي مَسْأَلَة السُّكُوت بالاولى، فَكَانَ نقل صَاحب الْبَحْر تَصْحِيح الثَّانِي رُجُوعا عَمَّا أفتى بِهِ أَولا فِي مَسْأَلَة السُّكُوت، فَلِذَا قَالَ الشَّارِح ثمَّ نقل الخ ليُفِيد أَن تَصْحِيح مَا فِي الْبَدَائِع يَقْتَضِي تَصْحِيح قَول الامامين فِي الاولى، وَلَا يشكل مَا قدمْنَاهُ عَن رَوْضَة الْفُقَهَاء من أَن السُّكُوت لَيْسَ بإنكار بِلَا خلاف، لَان الْكَلَام هما فِيمَا إِذا لزم السُّكُوت، وَمَا هُنَاكَ لَا يعد نكولا بِمُجَرَّد سُكُوته فَيقْضى عَلَيْهِ، وشتان مَا بَينهمَا:
قَوْله: (اصطلحا على أَن يحلف الخ) سَيذكرُ الشَّارِح لَو قَالَ: إِذا حَلَفت فَأَنت برِئ مِنْ الْمَالِ فَحَلَفَ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْحَقِّ قبل، لَكِن هُنَا الْيَمين من الْمُدَّعِي، وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ ثمَّة.

قَوْله: (لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّ الْقَاضِي مَعَ طَلَبِ الْخَصْمِ) الاولى كَمَا فِي الْبَحْر عَن الْقنية: لَان التَّحْلِيف حق القَاضِي اهـ.
حَتَّى لَو أَبرَأَهُ الْخصم عَنهُ لَا يَصح.
بَزَّازِيَّة.
وكما أَن التَّحْلِيف عِنْد غير القَاضِي، لَا يعْتَبر فَكَذَلِك النّكُول عِنْد غَيره لَا يُوجب الْحق، لانص الْمُعْتَبر يَمِين قَاطِعَة للخصومة، وَالْيَمِين عِنْد غير القَاضِي غير قَاطِعَة.
دُرَر.
وَكَذَلِكَ لَا عِبْرَة لَهَا عِنْده بِلَا تَحْلِيفه كَمَا قَيده بقوله مَعَ طلب الْخصم، لَكِن الَّذِي يُشِير إِلَيْهِ كَلَام الدُّرَر والعيني أَن الْيَمين حق الْمُدَّعِي.
وَاسْتدلَّ لَهُ فِي الدُّرَر بقوله: وَلِهَذَا أضيف إِلَيْهِ بِحرف اللَّام فِي الحَدِيث، وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: لَك يَمِينه قَالَ: وَوجه كَونه حَقًا لَهُ أَن الْمُنكر قصد إتواء حَقه الخ، وَكَانَ الاولى لَهُ أَن يُعلل الْمَسْأَلَة بقوله: لَان الْمُعْتَبر يَمِين قَاطِعَة للخصومة الخ، ثمَّ يسْتَدرك بِمَا نَقله المُصَنّف عَن الْقنية الْآتِي ذكره، فَلَو فعل ذَلِك لسلم من التّكْرَار.

قَوْله: (وَلَا عِبْرَة الخ) أَي وَلَا يعْتَبر إبراؤه الْمُعَلق بِهَذَا الشَّرْط،
لَان الابراء من الدّين لَا يَصح تَعْلِيقه بِالشّرطِ كَمَا تقدم.

قَوْله: (فَلَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى حَقِّهِ يُقْبَلُ) هَذَا لَا يصلح تَفْرِيعا على مَا قبله، فَإِنَّهُ لَو حلف عِنْد قَاض ثمَّ برهن الْمُدَّعِي يقبل كَمَا سَيَأْتِي ح.
إِلَّا أَن يُقَال: إِنَّمَا فَرعه عَلَيْهِ بِاعْتِبَار قَوْله: وَإِلَّا يحلف ثَانِيًا عِنْد قَاض: أَي حَيْثُ لم يعْتَبر حلفه عِنْد غير

(8/41)


القَاضِي لَهُ تَحْلِيفه عِنْد القَاضِي عِنْد عدم الْبَيِّنَة، بِخِلَاف مَا لَو حلفه عِنْد قَاض فَإِنَّهُ لَا يحلف ثَانِيًا لَان الْحلف الاول مُعْتَبر، وَهَذَا معنى قَوْله: إِلَّا إِذا كَانَ حلفه الخ.

قَوْله: (إِلَّا إِذا كَانَ حَلِفُهُ الْأَوَّلُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ قَاضٍ فَيَكْفِي: أَيْ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّحْلِيفِ ثَانِيًا.
هَذَا، وموقع للاستثناء كَمَا لَا يخفى ح: أَي لانه اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي أَنَّ الْحلف الاول عِنْد غير قَاضِي، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عِنْدَهُ قَبْلَ تقلده الْقَضَاء.
تَأمل وراجع.
قَوْله: دُرَر عبارتها يحلفهُ القَاضِي لَو لم يكن حلفه الاول حِين الصُّلْح عِنْده.

قَوْله: (وَنقل المُصَنّف عَن الْقنية هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُغَايِرُ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي الْمَتْنِ.
فَإِنَّ تِلْكَ فِيمَا إذَا حَلَفَ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ، وَهَذِهِ فِيمَا إذَا حَلَفَ عِنْدَ الْقَاضِي بِاسْتِحْلَافِ الْمُدَّعِي لَا القَاضِي ح: أَي وكما أَنه لَا يَصح التَّحْلِيف إِلَّا عِنْد القَاضِي لَا يَصح إِلَّا تَحْلِيف القَاضِي، حَتَّى لَو أَن الْخصم حلف خَصمه فِي مجْلِس القَاضِي لَا يعْتَبر، لَان التَّحْلِيف حق القَاضِي لَا حق الْخصم.

قَوْله: (وَكَذَا لَو اصطلحا الخ) فِي الْوَاقِعَات الحسامية قبيل الرَّهْن.
وَعَن مُحَمَّدٍ قَالَ لِآخَرَ: لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ إنْ حَلَفْت إنَّهَا لَك أَدَّيْتهَا إلَيْك فَحَلَفَ فَأَدَّاهَا إلَيْهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، إنْ كَانَ أَدَّاهَا إلَيْهِ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي شَرط فَهُوَ بَاطِل، وللمؤدي أَن يرجع بِمَا أَدَّى، لِأَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ حُكْمِ الشَّرْعِ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ أَنَّ الْيَمين على من أنكر دون الْمُدَّعِي، إِ هـ بَحر.

قَوْله: (لم يضمن) وَلَو أدّى لَهُ على هَذَا الشَّرْط رَجَعَ بِمَا أدّى لَان هَذَا الشَّرْط بَاطِل كَمَا علمت.

قَوْله: (لحَدِيث الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي) تتمته وَالْيَمِين على مَا أنكر وَالدَّلِيل مِنْهُ من وَجْهَيْن الاول أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قسم بَينهمَا وَالْقِسْمَة تنَافِي الشّركَة، وَجعل جِنْسَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكِرِينَ وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شئ.
الثَّانِي: أَن أل فِي الْيَمين للاستغراق، لَان لَام التَّعْرِيف تحمل على الِاسْتِغْرَاق، وَتقدم على تَعْرِيف الْحَقِيقَة إِذا لم يكن هُنَاكَ مَعْهُود، فَيكون الْمَعْنى: أَن جَمِيع الايمان على المنكرين، فَلَو رد الْيَمين على
الْمُدَّعِي لزم الْمُخَالفَة لهَذَا النَّص.
الثَّالِث: إِن قَوْله: الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي يُفِيد الْحصْر، فَيَقْتَضِي أَن لَا شئ عَلَيْهِ سواهُ.
قَالَ الْقُسْطَلَانِيّ: وَالْحكمَة فِي كَون الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على الْمُدعى عَلَيْهِ إِن جَانب الْمُدَّعِي ضَعِيف، لَان دَعْوَاهُ خلاف الظَّاهِر، فَكَانَت الْحجَّة القوية عَلَيْهِ وَهِي الْبَيِّنَة، لانها لَا تجلب لنَفسهَا نفعا وَلَا تدفع عَنْهَا ضَرَرا فيتقوى بهَا ضعف الْمُدَّعِي، وجانب الْمُدعى عَلَيْهِ قوي لَان الاصل فرَاغ ذمَّته فَاكْتفى فِيهِ بِحجَّة ضَعِيفَة وَهِي الْيَمين، لَان الْحَالِف يجلب لنَفسِهِ النَّفْع وَيدْفَع عَنْهَا الضَّرَر، فَكَانَ ذَلِك فِي غَايَة الْحِكْمَة اهـ.
وَهَذَا من حَيْثُ مَا ذكره ظَاهر: أَي من ضعف الْيَمين، وَإِلَّا فاليمين إِذا كَانَت غموسا مهلكة لصَاحِبهَا، فَتَأمل.

قَوْله: (وَحَدِيث الشَّاهِد وَالْيَمِين) هُوَ مَا رُوِيَ: أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قضعى بِشَاهِد وَيَمِين " حَلَبِيّ عَن التَّبْيِين.

قَوْله: (عَيْني) عِبَارَته: ولانه يرويهِ ربيعَة عَن سهل بن أبي

(8/42)


صَالح وَأنْكرهُ سهل، فَلَا يبْقى حجَّة بعد مَا أنكرهُ الرَّاوِي فضلا عَن أَن يكون مُعَارضا لصحاح الْمَشَاهِير.
اهـ.

قَوْله: (وَطلب من القَاضِي) يَعْنِي الْمُدعى عَلَيْهِ.

قَوْله: (أَن يحلف الْمُدَّعِي) الْمُنَاسب أَو الشُّهُود، وَيَأْتِي بضميرهم بعد بدل الِاسْم الظَّاهِر ط.

قَوْله: (أَو على أَن الشُّهُود) أَي أَو طلب الْمُدعى عَلَيْهِ من القَاضِي أَن يحلف الشُّهُود على أَنهم صَادِقُونَ، كَمَا يدل عَلَيْهِ اللحاق ح.

قَوْله: (لَا يجِيبه القَاضِي) كَمَا لَا يُجيب ذَا الْيَد إِذا طلب مِنْهُ استحلاف الْمُدَّعِي مَا تعلم أَنِّي بنيت بِنَاء هَذِه الدَّار.
قنية: أَي لانه خلاف الشَّرْع.

قَوْله: (إِلَى طلبته) بِكَسْر اللَّام مَا طلبه والطلبة بِالضَّمِّ السفرة الْبَعِيدَة والطلاب اسْم مصدر طَالب كالطلبة بِالْكَسْرِ قَامُوس.

قَوْله: (لَان الْخصم) فِيهِ أَنه لم يتَقَدَّم مِنْهُ حلف، فالاولى أَن يُعلل بقوله لانه خلاف الشَّرْع، وَيجْعَل هَذَا التَّعْلِيل للثَّانِيَة، وَهُوَ تَحْلِيف الشُّهُود على الصدْق أَو أَنهم محقون لَا يجِيبه لِأَنَّ الْخَصْمَ لَا يَحْلِفُ مَرَّتَيْنِ فَكَيْفَ الشَّاهِدُ.

قَوْله: (لَان لفظ أشهد عندنَا يَمِين) وَإِن لم يقل بِاللَّه، فَإِذا طلب مِنْهُ الشَّهَادَة فِي مجْلِس الْقَضَاء وَقَالَ أشهد فقد حلف.

قَوْله: (لانا أمرنَا بإكرام الشُّهُود) أَي وَفِي التَّحْلِيف تَعْطِيل هَذَا الْحق.

قَوْله: (لَان لَا يلْزمه) أَي الاداء حِينَئِذٍ.

قَوْله: (وَبَيِّنَة الْخَارِج) أَي الَّذِي لَيْسَ ذَا يَد.

قَوْله: (وَفِي الْملك الْمُطلق) قيد بِهِ لما سَيَأْتِي، وَأطْلقهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا،
وَتَارِيخُ الْخَارِجِ مُسَاوٍ أَوْ أَسْبَقُ، أَمَّا إذَا كَانَ تَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقَ، فَإِنَّهُ يقْضِي للْخَارِج كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّة، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُقَيَّدِ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى مَا لَا يدل عَلَيْهِ فَاسْتَوَيَا وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْيَدِ فَيُقْضَى لَهُ.
هَذَا هُوَ الصَّحِيح.
بَحر.

قَوْله: (وَهُوَ الَّذِي لم يذكر لَهُ سَبَب) السَّبَب كَشِرَاء وَارِث فالمطق مَا يتَعَرَّض للذات دون الصِّفَات لَا بِنَفْي وَلَا إِثْبَات ط.

قَوْله: (أَحَق من بَيِّنَة ذِي الْيَد) أَي أولى بِالْقبُولِ مِنْهَا، لَان الْخَارِج أَكثر إِثْبَاتًا وإظهارا، لَان ملك ذِي الْيَد ظَاهر فَلَا حَاجَة إِلَى الْبَيِّنَة: يَعْنِي لَو ادّعى خَارج دَارا أَو مَنْقُولًا ملكا مُطلقًا وَذُو الْيَد ادّعى ذَلِك وبرهنا وَلم يؤرخا أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا لَا تقبل بَيِّنَة ذِي الْيَد، وَيَقْضِي للْخَارِج، أَمَّا إذَا كَانَ تَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقَ يقْضى لذِي الْيَد، ثمَّ يَسْتَوِي الْجَواب بَين أَن يكون الْخَارِج مُسلما أَو ذِمِّيا أَو مستأمنا أَو عبدا أَو حرا أَو امْرَأَة أَو رجلا، وبقولنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة قَالَ الامام أَحْمد، وَقَالَ الامام مَالك وَالشَّافِعِيّ وَزفر: بَيِّنَة ذِي الْيَد أولى.
ط بِاخْتِصَار.

قَوْله: (لانه الْمُدَّعِي) أَي وَذُو الْيَد مدعى عَلَيْهِ لانطباق تَعْرِيف الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ عَلَيْهِمَا.

قَوْله: (بِخِلَاف الْمُقَيد بِسَبَب) أَي لَا يتَكَرَّر.

قَوْله: (كنتاج) صورته: أَقَامَ كل مِنْهُمَا بَيِّنَة على أَنَّهَا ولدت عِنْده فذو الْيَد أولى، لَان بَينته قد دلّت على مَا دلّت عَلَيْهِ بَيِّنَة الْخَارِج: أَي نَظِيره وَمَعَهُ تَرْجِيح الْيَد فَكَانَ أولى.
عَيْني.

قَوْله: (وَنِكَاح) صورته: أَقَامَ كل مِنْهُمَا بَيِّنَة أَنه نَكَحَهَا فذو الْيَد أولى فَالْمُرَاد بِالْملكِ مَا يعم الْحكمِي.

قَوْله: (فَالْبَيِّنَة لذِي الْيَد) أَي فِي الصُّورَتَيْنِ.

قَوْله: (إِجْمَاعًا) أَي لَان بَينته قَامَت على أَوْلَوِيَّة ملكه فَلَا يثبت للْخَارِج إِلَّا بالتلقي مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه مفصلا.

قَوْله: (كَمَا

(8/43)


سيجئ) أَي فِيمَا يَدعِيهِ الرّجلَانِ، والاولى ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة فِي مقَامهَا.

قَوْله: (وَقضى القَاضِي الخ) أَي قضى عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي، وَأفَاد أَن النّكُول لَا يُوجب شَيْئا إِلَّا إِذا اتَّصل بِهِ الْقَضَاء وبدونه لَا يُوجب شَيْئا وَهُوَ بذل على مَذْهَب الامام، وَإِقْرَار على مَذْهَب صَاحِبيهِ وَحَيْثُ لم يقدم على الْيَمين دلّ على أَنه بذل الْحق أَو أقرّ، وَإِذا بذل أَو أقرّ وَجب على القَاضِي الحكم بِهِ، فَكَذَا إِذا نكل.

قَوْله: (حَقِيقَة) الاولى ذكره بعد قَوْله مرّة لَان المتصف بِكَوْنِهِ حَقِيقَة وَحكما أَو صَرِيحًا وَدلَالَة إِنَّمَا هُوَ النّكُول كَمَا فِي الْعَيْنِيّ.

قَوْله: (أَو حكما كَأَن سكت) .
أَقُول: تقدم أَنه مُنْكِرًا عَلَى قَوْلِهِمَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يحبس إلَى أَنْ يُجِيبَ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا لزم السُّكُوت ابْتِدَاء وَلم يجب على الدَّعْوَى بِجَوَابٍ، وَهَذَا فِيمَا إذَا أَجَابَ بِالْإِنْكَارِ ثمَّ لزم السُّكُوت تَأمل.
كَذَا أَفَادَهُ الْخَيْر الرَّمْلِيّ.
ومفاد ذكر المُصَنّف للحكمي بِالسُّكُوتِ تَصْحِيح لقولهما أَيْضا مَنْقُول عَن السراج، كَمَا تقدم اقْتِضَاء تَصْحِيحه عَن الْبَحْر بعد أَن أفتى بِخِلَافِهِ.

قَوْله: (من غير آفَة) أما إِذا كَانَ بهَا فَهُوَ عذر كَمَا فِي الِاخْتِيَار، وَيَأْتِي قَرِيبا بَيَانه.

قَوْله: (كخرس) وَآفَة بِاللِّسَانِ تمنع الْكَلَام أصلا.

قَوْله: (وطرش) يُقَال طرش يطرش طرشا من بَاب علم: أَي صَار أطروشا، وَهُوَ الاصم.

قَوْلُهُ: (فِي الصَّحِيحِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا تقدم.
وَقيل إِذا سكت يحْبسهُ حَتَّى يُجيب، وَأما إِذا كَانَ بِهِ آفَة الخرس فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يحسن الْكِتَابَة، أَو يسمع أَو لَا يحسن شَيْئا، فَإِذا لم يسمع وَله إِشَارَة مَعْرُوفَة فإشارته كالبيان، وَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك أعمى نصب القَاضِي لَهُ وَصِيّا، وَيَأْمُر الْمُدَّعِي بِالْخُصُومَةِ مَعَه إِن لم يكن لَهُ أَب أَو جد أَو وصيهما، وَإِذا كَانَ يسمع يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ إِن كَانَ كَذَا، فَإِن أَوْمَأ بِرَأْسِهِ أَن نعم فَإِنَّهُ يصير حَالفا فِي هَذَا الْوَجْه، وَلَا يَقُول لَهُ بِاللَّه إِن كَانَ كَذَا لانه إِن أَشَارَ بِرَأْسِهِ أَن نعم لَا يصير حَالفا بِهَذَا الْوَجْه بل مقرا كَمَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة.

قَوْله: (وَعرض) مُبْتَدأ خَبره قَوْله ثمَّ الْقَضَاء.

قَوْله: (أحوط) أَي على وَجه النّدب، وَإِنَّمَا لم يعرج عَلَيْهِ المُصَنّف لانه غير ظَاهر الرِّوَايَة.
قَالَ فِي الْكَافِي: يَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يَقُول إِنِّي أعرض عَلَيْك الْيَمين ثَلَاث مَرَّات فَإِن حَلَفت وَإِلَّا قضيت عَلَيْك بِمَا ادّعى، وَهَذَا الانذار لاعلامه بالحكم إِذْ هُوَ مُجْتَهد فِيهِ فَكَأَنَّهُ مَظَنَّة الخفاء اهـ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: أَنَّ التَّكْرَارَ حَتْمٌ حَتَّى لَو قضى الْقَاضِي بِالنُّكُولِ مَرَّةً لَا يَنْفُذُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ ينفذ وَهُوَ نَظِير إمهال الْمُرْتَد كَمَا فِي التَّبْيِين.
قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: لَو كَانَ مَعَ الْخصم بَيِّنَة وَلم يذكرهَا، وَطلب يَمِين الْمُنكر يحل لَهُ إِن ظن أَنه ينكل.
وَأما إِذا ظن أَنه يحلف كَاذِبًا لم يعْذر فِي التَّحْلِيف ثمَّ على الاحوط، ذكر فِي الْخَانِية وَلَو أَن القَاضِي عرض عَلَيْهِ الْيَمين فَأبى، ثمَّ قَالَ قبل القَاضِي أَنا أَحْلف بحلفه وَلَا يقْضِي عَلَيْهِ بشئ، وَهَذَا الاحوط جعله صدر الشَّرِيعَة متْنا.
فَتنبه.
لَكِن جعله ابْن ملك مُسْتَحبا فِي مَوضِع الخفاء ويترجح مَا فِي الْخَانِية بِكَوْن الْمَتْن منع الْحلف بعد الْقَضَاء فَافْهَم أَنه قبله لَا يمْنَع مِنْهُ.

قَوْله: (وَهل يشْتَرط) الاولى وَهل
يفترض.

قَوْله: (على فَور النّكُول خلاف) أَي فِيهِ خلاف، وَلم يبين الْفَوْر بِمَاذَا يكون.
حموي.
قَالَ ط: قلت: هُوَ ظَاهر، وَهُوَ أَن يقْضِي عقبه من غير تراخ قبل تكراره أَو بعده على الْقَوْلَيْنِ.

(8/44)


قَوْله: (قلت قدمنَا) أَي فِي كتاب الْقَضَاء: أَي وجزمهم هُنَاكَ بِهِ مُطلقًا حَيْثُ شَمل كَلَامهم هُنَاكَ مَا بعد الْبَيِّنَة والاقرار، والنكول تَرْجِيح لُزُوم الْفَوْر الَّذِي هُوَ أحد الْقَوْلَيْنِ، وَكَأن المُصَنّف غفل عَنهُ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: لم أر فِيهِ تَرْجِيحا، إِلَّا أَن الْحَمَوِيّ فِي حَاشِيَة الاشباه قَالَ: اعْلَم أَنه يجب على القَاضِي الحكم بِمُقْتَضى الدَّعْوَى عِنْد قيام الْبَيِّنَة على سَبِيل الْفَوْر، وَعَزاهُ لجامع الْفُصُولَيْنِ وَقد خصّه بِالْبَيِّنَةِ كَمَا ترى، فَلَا يُفِيد تَرْجِيح أحد الْقَوْلَيْنِ فِي لُزُوم الْقَضَاء فَوْرًا بعد النّكُول، وَحِينَئِذٍ فَمَا ذكر من الِاسْتِدْرَاك فمحله بعد الْبَيِّنَة أَو الْيَمين، فَتدبر.

قَوْله: (إِلَّا فِي ثَلَاث) قدمنَا أَنَّهَا أَن يرتاب القَاضِي فِي طَرِيق الْقَضَاء كالبينة وَأَن يستمهل الْخصم: أَي الْمُدَّعِي، وَأَن يكون لرجاء الصُّلْح بَين الاقارب، وَظَاهره أَنه لَا خلاف.

قَوْله: (لَا يلْتَفت إِلَيْهِ) لانه أبطل حَقه بِالنّكُولِ فَلَا ينْقض بِهِ الْقَضَاء قيد بِالْقضَاءِ، لانه قبله إِذا أَرَادَ أَن يحلف يجوز، وَلَو بعد الْعرض كَمَا فِي الدُّرَر، أما لَو أَقَامَ الْبَيِّنَة بعد النّكُول فَإِنَّهَا تقبل كَمَا يَأْتِي قَرِيبا.

قَوْله: (فبلغت طرق الْقَضَاء ثَلَاثًا) بَيِّنَة وَإِقْرَار ونكول، وَهُوَ تَفْرِيع على قَوْله فَإِن أقرّ أَو أنكر الخ.

قَوْله: (سبعا) فِيهِ أَن الْقَضَاء بالاقرار مجَاز كَمَا تقدم، والقسامة دَاخِلَة فِي الْيَمين، وَعلم القَاضِي مَرْجُوح والقرينة مِمَّا انْفَرد بذكرها ابْن الْغَرْس فَرَجَعت إِلَى ثَلَاث، فَتَأمل ط.

قَوْله: (بَيِّنَة) لَا شكّ أَن الْبَيِّنَة طَرِيق للْقَضَاء وَأَن الحكم لَا يثبت بِالْبَيِّنَةِ حَتَّى يقْضِي بهَا كَمَا تقدم.

قَوْله: (وَإِقْرَار) تقدم أَن الْحق يثبت بِهِ بِدُونِ حكم، وَإِنَّمَا يَأْمُرهُ القَاضِي بِدفع مَا لزمَه بِإِقْرَارِهِ، وَلَيْسَ لُزُوم الْحق بِالْقضَاءِ كَمَا لَو ثَبت بِالْبَيِّنَةِ، فَجعل الاقرار طَرِيقا للْقَضَاء إِنَّمَا هُوَ ظَاهرا، وَإِلَّا فَالْحق ثَبت بِهِ لَا بِالْقضَاءِ.

قَوْله: (وَيَمِين) لَيْسَ الْيَمين طَرِيقا للْقَضَاء، لَان الْمُنكر إِذا حلف وَعجز الْمُدَّعِي عَن الْبَيِّنَة يتْرك الْمُدَّعِي فِي يَده لعدم قدرَة الْمُدَّعِي على إثْبَاته لَا قَضَاء لَهُ بِيَمِينِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلذَا لَو جَاءَ الْمُدَّعِي بعد ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ يقْضِي لَهُ بهَا، وَلَو ترك المَال فِي يَده قَضَاء لَهُ لم ينْقض فَجعله طَرِيقا للْقَضَاء إِنَّمَا هُوَ ظَاهر بِاعْتِبَار أَن الْقَضَاء يقطع النزاع، وَهَذَا يقطعهُ لَان الاتيان بِالْبَيِّنَةِ بعد الْعَجز عَنْهَا نَادِر.

قَوْله: (ونكول عَنهُ) الْفرق بَين
النّكُول والاقرار أَن الاقرار مُوجب للحق بِنَفسِهِ لَا يتَوَقَّف على قَضَاء القَاضِي، فحين الاقرار يثبت الْحق كَمَا ذكرنَا، وَأما النّكُول فَلَيْسَ بِإِقْرَار صَرِيحًا وَلَا دلَالَة لَكِن يصير إِقْرَارا بِقَضَاء القَاضِي بإنزالة مقرا، وَعَلِيهِ يظْهر كَونه رَابِعا.
أما لَو أرجعناه إِلَى الاقرار فَلَا يظْهر كَونه رَابِعا كَمَا فِي الْمُحِيط.

قَوْله: (وقسامة) قَالَ المُصَنّف: وَسَيَأْتِي أَن الْقسَامَة من طرق الْقَضَاء بِالدِّيَةِ.

قَوْله: (وَعلم قَاض على الْمَرْجُوح) وَظَاهر مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ أَن الْفَتْوَى أَنه لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ لفساد قُضَاة الزَّمَان.
بَحر.

قَوْله: (وَالسَّابِع قرينَة) ذكر ذَلِك ابْن الْغَرْس.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلم أره إِلَى الْآن لغيره.
اهـ.
قَالَ بعض الافاضل: صَرِيح قَول ابْن الْغَرْس فقد قَالُوا: إِنَّه مَنْقُول عَنْهُم، لَا أَنه قَالَه من عِنْد نَفسه، وَعدم رُؤْيَة صَاحب الْبَحْر لَهُ لَا يَقْتَضِي عدم وجوده فِي كَلَامهم، والمثبت مقدم.
لَكِن قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: وَلَا شكّ أَن مَا زَاده ابْن الْغَرْس غَرِيب خَارج عَن الجادة، فَلَا يَنْبَغِي التعويل عَلَيْهِ مَا لَمْ يَعْضُدْهُ نَقْلٌ مِنْ كِتَابٍ مُعْتَمَدٍ فَلَا تغتر بِهِ، وَالله تَعَالَى أعلم.
اهـ.
وَالْحق أَن هَذَا مَحل تَأمل، وَلَا يظنّ أَن فِي مثل ذَلِك يجب عَلَيْهِ الْقصاص مَعَ أَن الانسان قد يقتل

(8/45)


نَفسه وَقد يقْتله آخر ويفر.
وَقد يكون أَرَادَ قتل الْخَارِج فَأخذ السكين وَأصَاب نَفسه فَأَخذهَا الْخَارِج وفر مِنْهُ وَخرج مذعورا، وَقد يكون اتّفق دُخُوله فَوَجَدَهُ مَنْقُولًا فخاف من ذَلِك وفر، وَقد يكون السكين بيد الدَّاخِل فَأَرَادَ قتل الْخَارِج وَلم يتَخَلَّص مِنْهُ إِلَّا بِالْقَتْلِ، فَصَارَ دفع الصَّائِل، فَلْينْظر التَّحْقِيق فِي هَذِه الْمَسْأَلَة.
وَالْحَاصِل: أَن الْقَضَاء فِي الاقرار مجَاز والقسامة دَاخِلَة فِي الْيَمين وَعلم القَاضِي مَرْجُوح والقرينة مِمَّا انْفَرد بهَا ابْن الْغَرْس فَرَجَعت إِلَى ثَلَاث، فَتَأمل.
لَكِن فِي الْمجلة مَادَّة 1471 قد اعْتبر الْقَرِينَة القاطعة الْبَالِغَة حد الْيَقِين وَصدر الامر السلطاني بِالْعَمَلِ بموجبها.

قَوْله: (يَنْبَغِي) أَي تورعا ندبا بِدَلِيل قَوْله تَحَرُّزًا لَان اتقاء الشُّبُهَات مَنْدُوب لَا وَاجِب، وَهُوَ عِنْد من يضن بِدِينِهِ منزلَة الْوَاجِب خوفًا من الْيَمين الْفَاجِرَة الَّتِي تدع الديار بَلَاقِع: أَي خَالِيَة عَن أَهلهَا وخوفا من أكل مَال الْغَيْر، لَكِن قد يُقَال: أَن التَّحَرُّز عَن الْحَرَام وَاجِب لَا مَنْدُوب.
تَأمل.

قَوْله: (وَإِن أَبى خَصمه) هَذِه غير مَسْأَلَة الشَّك،
وَقَوله بِأَن غلب على ظَنّه أَنه محق تقدم أَن الشَّك نَظِيره.

قَوْله: (حلف) لجَوَاز بِنَاء الاحكام وَالْحلف على غَالب الظَّن، وَإِلَّا سلم أَن لَا يفعل بذلا للدنيا لحفظ الدّين، بل لَو تحقق إبِْطَال الْمُدَّعِي الاولى فِي حَقه أَن يبْذل لَهُ مَا يَدعِيهِ وَلَا يحلف كَمَا فعله السّلف الصَّالح مِنْهُم عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

قَوْله: (بِأَن غلب على ظَنّه) ظَاهر هَذِه الْعبارَة مُشكل، لانه يَقْتَضِي أَنه إِذا اسْتَوَى عِنْده الطرفان أَنه يحلف، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل لَا يجوز لَهُ الْحلف إِلَّا إِذا غلب على ظَنّه أَنه محق، وَالشَّارِح هُنَا تبع المُصَنّف فِي هَذِه الْعبارَة.
وَالَّذِي نَقله فِي الْبَحْر عَن الْبَزَّازِيَّة أَن أكبر رَأْيه أَن الْمُدَّعِي محق لَا يحلف، وَإِن مُبْطل سَاغَ لَهُ الْحلف، وَهُوَ فِي غَايَة الْحسن.

قَوْله: (وَتقبل الْبَيِّنَة الخ) لامكان التَّوْفِيق بِالنِّسْيَانِ ثمَّ بالتذكر، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ لَيْسَ لِي حَقٌّ ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا لم تسمع للتناقض.

قَوْله: (خلافًا لما فِي شرح الْمجمع) عبارَة ابْن ملك فِيهِ.
وَفِي الْمُحِيط: إِذا قَالَ لَيْسَ لي بَيِّنَة على هَذَا ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة عَلَيْهِ لَا تقبل عِنْد أبي حنيفَة لانه كذب بَينته، وَتقبل عِنْد مُحَمَّد، لانه يحْتَمل أَنه كَانَ لَهُ بَيِّنَة ونسيها انْتهى.
فقد ذكر خلافًا فِي الْمَسْأَلَة لكنه لم يتَعَرَّض للْيَمِين، وَرجح فِي السِّرَاجِيَّة قَول مُحَمَّد.
وَفِي الدُّرَر قَالَ لَا بَيِّنَة لي ثمَّ برهن أَولا شَهَادَة ثمَّ شهد، فِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَة لَا تقبل لظَاهِر التَّنَاقُض، وَفِي رِوَايَة تقبل، والاصح الْقبُول.
وَحِينَئِذٍ فَلَا مُنَافَاة بَين مَا ذكره وَبَين مَا فِي الْمجمع بل حكى قَوْلَيْنِ.
تَأمل.
لَكِن الْآن قد صدر أَمر السُّلْطَان نَصره الرَّحْمَن بِالْعَمَلِ بِمُوجب الْمجلة من أَنه إِذا قَالَ الْمُدَّعِي لَا بَيِّنَة لي أبدا ثمَّ أحضر بَيِّنَة لَا تقبل أَو قَالَ لَيْسَ لي بَيِّنَة سوى فلَان وَفُلَان وأتى بِغَيْرِهِمَا لَا تقبل كَمَا هُوَ مُصَرح بِهِ فِي الْمجلة فِي مَادَّة 3571.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) لِأَنَّ حُكْمَ الْيَمين انْقِطَاع الْخُصُومَة للْحَال مؤقتا إِلَى غَايَة إِحْضَار الْبَيِّنَة عِنْد الْعَامَّة وَهُوَ الصَّحِيح.
وَقيل انقطاعها مُطلقًا ط.
وَقَوله بعد الْيَمين مُتَعَلق بتقبل: أَي لَو حلف الْمُدعى عَلَيْهِ عِنْد عدم حُضُور الْبَيِّنَة من الْمُدَّعِي سَوَاء قَالَ لَا بَيِّنَة لي أَو لَا ثمَّ أَتَى بهَا تقبل.
قَوْله:

(8/46)


(كَمَا تقبل الْبَيِّنَة بعد الْقَضَاء بِالنّكُولِ) أَي لَو نكل الْمُدعى عَلَيْهِ عَن الْيَمين وَقضى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ ثمَّ جَاءَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ يقْضِي بهَا: أَي كَمَا يقْضِي بهَا مَعَ الاقرار فِي مسَائِل وَقد مرت، فَإِن قيل مَا فَائِدَة قبُولهَا بعده، وَقد لزم حق الْمُدَّعِي بِالْقضَاءِ.
قلت: فائدتها التَّعَدِّي إِلَى غَيره فِي الرَّد بِالْعَيْبِ، لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ وَهُوَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ، بِخِلَافِ الْبَيِّنَة.

قَوْلُهُ: (خَانِيَةٌ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ لَا يَمْنَعُ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِمَا يُبْطِلُهُ لِمَا فِي الْخَانِية من بَاب مَا يبطل دَعْوَى الْمُدَّعِي: رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَ الْبَائِعُ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ الْعَيْب عِنْده فاستحلف فنكل فَقضى عَلَيْهِ وَأَلْزَمَهُ الْعَبْدَ ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ كُنْت تَبَرَّأْت إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْعَيْب وَأقَام الْبَيِّنَة قبلت بَينته.
اهـ.
أَقُولُ: إنْ كَانَ مَبْنَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقَاعِدَةِ هُوَ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ فَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ نُكُولَهُ عَنْ الْحَلِفِ بَذْلٌ أَوْ إقْرَارٌ بِأَنَّ الْعَيْبَ عِنْدَهُ، فَإِقَامَتُهُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَهُ عَلَى أَنَّهُ تَبَرَّأَ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْعَيْبِ مُؤَكِّدٌ لِمَا أَقَرَّ بِهِ فِي ضِمْنِ نُكُولِهِ، أَمَّا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَقَضَى عَلَيْهِ بِهِ يَكُونُ إقْرَارًا بِهِ وَحُكْمًا بِهِ، فَإِذَا بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَضَاهُ إيَّاهُ يَكُونُ تَنَاقُضًا وَنَقْضًا لِلْحُكْمِ، فَبَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فرق، فَكيف تصبح قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ الْبَحْرِ فِي إقَامَةِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، فَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الخاني من هَذَا الْوَجْه أَيْضا.
وَعبارَة صَاحب الْبَحْر فِي الاشياء: وَتسمع الدَّعْوَى بعد الْقَضَاء بِالنّكُولِ كَمَا فِي الْخَانِية.
قَالَ محشيها الْحَمَوِيّ فِي الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي مَا يُخَالف مَا ذكره، وَعبارَته: ادّعى عبدا فِي يَد رجل أَنه لَهُ فَجحد الْمُدعى عَلَيْهِ فاستحلفه فنكل وَقضى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ ثمَّ إِن المقضى عَلَيْهِ أَقَامَ الْبَيِّنَة أَنه كَانَ فَاشْترى هَذَا العَبْد من الْمُدَّعِي قبل دَعْوَاهُ لَا تقبل هَذِه الْبَيِّنَة، إِلَّا أَن يشْهد أَن كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بعد الْقَضَاء.
وَذكر فِي مَوضِع آخر أَن الْمُدعى عَلَيْهِ لَو قَالَ كنت اشْتَرَيْته مِنْهُ قبل الْخُصُومَة وَأقَام الْبَيِّنَة قبلت بَينته وَيَقْضِي لَهُ انْتهى.
قلت: وَذكر فِي الْبَحْر فِي فصل رفع الدَّعْوَى عَن الْبَزَّازِيَّة: وَكَانَ يَصح الدّفع قبل الْبُرْهَان يَصح بعد إِقَامَته أَيْضا، وَكَذَا يَصح قبل الحكم كَمَا يَصح بعده، وَدفع الدّفع وَدفعه وَإِن كثر صَحِيح فِي الْمُخْتَار، وَسَنذكر تَمَامه هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
لَكِن ذكر فِي الْبَحْر فِي أول فصل دَعْوَى الخارجين عَن النِّهَايَة مَا نَصه: وَلَو لم يبرهنا حلف صَاحب الْيَد، فَإِن حلف لَهما تتْرك فِي يَده قَضَاء ترك لَا قَضَاء اسْتِحْقَاق، حَتَّى لَو أَقَامَا الْبَيِّنَة بعد ذَلِك يقْضِي بهَا، وَإِن نكل لَهما جَمِيعًا يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، ثمَّ
بعده إِذا أَقَامَ صَاحب الْيَد الْبَيِّنَة أَنه ملكه لَا يقبل، وَكَذَا لَو ادّعى أحد الْمُسْتَحقّين على صَاحبه وَأقَام بَيِّنَة أَنَّهَا ملكه لَا تقبل لكَونه صَار مقضيا عَلَيْهِ.
اهـ.
وَلَعَلَّه مَبْنِيّ على القَوْل الآخر الْمُقَابل لِلْقَوْلِ الْمُخْتَار.
تَأمل.

قَوْله: (عِنْد الْعَامَّة وَهُوَ الصَّحِيح) رَاجع إِلَى الْقَضَاء بِالْبَيِّنَةِ بعد الْيَمين بِدَلِيل تَعْلِيله بقول سيدنَا شُرَيْح: إِذْ لَا يَمِين فاجرة مَعَ النّكُول وبدليل قَوْله: ولان الْيَمين الخ وَالْمرَاد بالعامة الكافة لَا مَا قَابل الْخَاصَّة.

قَوْله: (وَيظْهر كذبه) فيعاقب معاقبة شَاهد الزُّور، وَلَو ألحق بِيَمِينِهِ يَمِين طَلَاق أَو عتاق يَقع

(8/47)


عَلَيْهِ.

قَوْله: (بِلَا سَبَب) تقدم أَنه لَا يَصح دَعْوَى إِلَّا بعد ذكر سَببه، وَالْحلف لَا بُد أَن يكون بعد صِحَة الدَّعْوَى.
تَأمل.
فَكيف يُقَال: لَو ادَّعَاهُ بِلَا سَبَب، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال: إِن هَذَا فِي دَعْوَى عين لَا دين.

قَوْله: (حَتَّى يَحْنَث فِي يَمِينه) أَي لَو كَانَ بِطَلَاق أَو عتاق لانه هُوَ الَّذِي يدْخل تَحت الْقَضَاء.

قَوْله: (وَعَلِيهِ الْفَتْوَى) وَهُوَ قَول أبي يُوسُف.

قَوْله: (طَلَاق الْخَانِية) وعبارتها: ادّعى عَلَيْهِ ألفا فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِن كَانَ لَك عَليّ ألف فامرأتي طَالِق، وَقَالَ الْمُدَّعِي إِن لم يكن لي عَلَيْك ألف فامرأتي طَالِق، فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَة على حَقه وَقضى القَاضِي بِهِ وَفرق بَين الْمُدعى عَلَيْهِ وَبَين امْرَأَته.
وَهَذَا قَول أبي يُوسُف وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مُحَمَّد، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.
فَإِن أَقَامَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بعد ذَلِك أَنه كَانَ أوفاه ألف دِرْهَم تقبل دَعْوَاهُ، وَيبْطل تَفْرِيق القَاضِي بَين الْمُدعى عَلَيْهِ، وَبَين امْرَأَته، وَتطلق امْرَأَة الْمُدَّعِي إِن زعم أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِلَّا ألف دِرْهَم، وَإِن أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة على إِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ بِأَلف قَالُوا لم يفرق القَاضِي بَين الْمُدعى عَلَيْهِ وَبَين امْرَأَته.
أَقُول: ظهر لَك مِمَّا نَقَلْنَاهُ وَمن عبارَة الشَّارِح أَن عبارَة الشَّارِح غير محررة، لَان الَّذِي نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ طَلَاقِ الْخَانِيَّةِ والولجية مِنْ الْحِنْثِ مُطْلَقٌ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالسَّبَبِ وَعَدَمِهِ.
وَمَا فِي الدُّرَرِ مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ مُطْلَقًا جَعَلُوهُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَاَلَّذِي جَعَلُوا الْفَتْوَى عَلَيْهِ هُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْهُ، وَهُوَ قَول أَبِي يُوسُف، وَالتَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ ذَكَرَهُ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، وَسَنذكر قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْله: (خلافًا لاطلاق الدُّرَر) تبعا للتبيين، وعبارتها: وَهَلْ يَظْهَرُ كَذِبُ الْمُنْكِرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؟ وَالصَّوَابُ أَنه لَا يظْهر كذبه حَتَّى لَا يُعَاقب عِقَاب شَاهد الزُّور اهـ.
وَمثله فِي الْعَيْنِيّ تبعا
للزيلعي.
وَقيل عِنْد أبي يُوسُف: يظْهر كذبه، وَعند مُحَمَّد لَا يظْهر لجَوَاز أَن يكون لَهُ بَيِّنَة أَو شَهَادَة فنسيها ثمَّ ذكرهَا، أَو كَانَ لَا يعلمهَا ثمَّ علمهَا.
وَقيل: تقبل إِن وفْق وفَاقا.
ذكره فِي الْمُلْتَقط.
وَكَذَا إِذا قَالَ لَا دَفْعَ لِي ثُمَّ أَتَى بِدَفْعٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ.
وَقيل: تقبل إِن وفْق وفَاقا.
ذكره فِي الْمُلْتَقط.
وَكَذَا إِذا قَالَ لَا دَفْعَ لِي ثُمَّ أَتَى بِدَفْعٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ.
وَقيل: لَا يَصح دَفعه اتِّفَاقًا لَان مَعْنَاهُ لَيْسَ لي دَعْوَى الدّفع، وَمن قَالَ لَا دَعْوَى لي قبل فلَان ثمَّ ادّعى عَلَيْهِ لَا تسمع، كَذَا هَا هُنَا.
وَبَعْضهمْ قَالَ: يَصح وَهُوَ الاصح، لَان الدّفع يحصل بِالْبَيِّنَةِ على دَعْوَى الدّفع لَا بِدَعْوَى الدّفع فَيكون قَوْله لَا دفع لي بِمَنْزِلَة قَوْله لَا بَيِّنَة لي.
كَذَا فِي الْعمادِيَّة.

قَوْله: (وَإِن ادَّعَاهُ بِسَبَب) كقرض.

قَوْله: (أَنه لَا دين عَلَيْهِ) ظَاهره أَنه لَو حلف أَنه لم يقْرضهُ يَحْنَث وَهُوَ ظَاهر ط.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَقَامَهَا الْمُدَّعِي) سَيُعِيدُ الشَّارِحُ الْمَسْأَلَةَ فِي أثْنَاء هَذَا الْبَاب.

قَوْله: (ثمَّ وجد الابراء أَوْ الْإِيفَاءَ) بَحَثَ فِيهِ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّابِتِ أَنْ يَبْقَى عَلَى ثُبُوتِهِ، وَقد حكمتهم لمن شهد لَهُ بشئ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، وَإِذَا وجد السَّبَب ثَبت والاصل بَقَاؤُهُ انْتهى.
وَأجَاب عَنهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى بِأَن إِثْبَات كَون الشئ لَهُ يُفِيدُ مِلْكِيَّتَهُ لَهُ فِي الزَّمَنِ السَّابِقِ، وَاسْتِصْحَابُ هَذَا الثَّابِتِ يَصْلُحُ لِدَفْعِ مَنْ يُعَارِضُهُ فِي الْمِلْكِيَّةِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا لَهُ، وَقَدْ قَالُوا: الِاسْتِصْحَابُ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلْإِثْبَاتِ، وَإِذَا أَثْبَتْنَا الْحِنْثَ بِكَوْنِ الْأَصْلِ بَقَاءَ الْقَرْضِ يَكُونُ مِنْ الْإِثْبَاتِ بِالِاسْتِصْحَابِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ.
فَتَأمل.

قَوْله: (وَعَلِيهِ الْفَتْوَى) أَي على التَّفْصِيل الَّذِي فِي المُصَنّف، وَمُقَابِله إِطْلَاق الدُّرَر تبعا للزيلعي، بل هُوَ الَّذِي عَن إِطْلَاق الْخَانِية كَمَا يفِيدهُ سِيَاق الْمنح،

(8/48)


ويستغني بعبارته هُنَا عَن قَوْله أَولا وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.
طَلَاق الْخَانِية ط.

قَوْله: (فصولين) قَالَ فِي الْبَحْر وَفِي الْجَامِع: وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَة الدّين أَنه لَو ادَّعَاهُ بِلَا سَبَب فَحلف ثمَّ برهن ظهر كذبه، وَلَو ادَّعَاهُ بِسَبَب وَحلف أَنه لَا دين عَلَيْهِ ثمَّ برهن عَلَى السَّبَبِ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ، لِجَوَازِ أَنَّهُ وَجَدَ الْقَرْضَ ثُمَّ وَجَدَ الْإِبْرَاءَ أَوْ الْإِيفَاءَ اهـ.
فَإِن قلت: هَل يقْضِي بِالنّكُولِ عَن الْيَمين لنفي التُّهْمَة كالامين إِذا ادّعى الرَّد أَو الْهَلَاك فَحلف
وَنكل عَن الْيَمين الَّتِي للِاحْتِيَاط فِي مَال الْمَيِّت كَمَا قدمْنَاهُ؟.
قلت: أما الاول فَنعم كَمَا فِي الْقنية، وَأما الثَّانِي فَلم أره إِ هـ.
وَعبارَة الْبَحْر: قَالَ الرَّمْلِيّ: وَالْوَجْه يَقْتَضِي الْقَضَاء بِالنّكُولِ فِيهَا أَيْضا، إِذْ فَائِدَة الِاسْتِحْلَاف الْقَضَاء بِالنّكُولِ كَمَا هُوَ ظَاهر.
تَأمل.
قَالَ فِي نور الْعين: حلف أَن لادين عَلَيْهِ ثمَّ برهن عَلَيْهِ الْمُدَّعِي، فَعِنْدَ مُحَمَّد لَا يظْهر كذبة فِي يمنه إِذْ الْبَيِّنَة حجَّة من حَيْثُ الظَّاهِر، وَعند أبي يُوسُف يظْهر كذبه فَيحنث.
وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَة الدّين: أَنه لَو ادَّعَاهُ بِلَا سَبَب فَحلف ثمَّ برهن عَلَيْهِ يظْهر كذبه، وَلَو ادَّعَاهُ بِسَبَب وَحلف أَن لَا دين عَلَيْهِ ثمَّ برهن على السَّبَب لَا يظْهر كذبه، لجَوَاز أَن وجد الْقَرْض ثمَّ وجد الايفاء أَو الابراء.
قلت: حلف بطرق أَو عتق مَاله عَلَيْهِ شئ فشهدا عَلَيْهِ بدين لَهُ وألزمه القَاضِي وَهُوَ يُنكر.
قَالَ أَبُو يُوسُف: يَحْنَث، وَقَالَ مُحَمَّد: لَا يَحْنَث لانه لَا يدْرِي لَعَلَّه صَادِق، وَالْبَيِّنَة حجَّة من حَيْثُ الظَّاهِر فَلَا يظْهر كذبه فِي يَمِينه.
ذكر مُحَمَّد فِي ح قَالَ: امْرَأَته طَالِق إِن كَانَ لفُلَان عَلَيْهِ شئ فشهدا أَن فلَانا أقْرضهُ كَذَا قبل يَمِينه وَحكم بِالْمَالِ لم يَحْنَث، وَلَو شَهدا أَن لفُلَان عَلَيْهِ شَيْئا وَحكم بِهِ حنث لانه جعل شَرط حنثه وجوب شئ من المَال عَلَيْهِ، وَقت الْيَمين وَحين شَهدا بالقرض لم يظْهر كَون المَال عَلَيْهِ وَقت الْحلف، بِخِلَاف مَا لَو شَهدا أَن المَال عَلَيْهِ.
يَقُول الحقير: قَوْله بِخِلَاف مَا لَو شَهدا مَحل نظر، إِذْ كَيفَ يظْهر كَون المَال عَلَيْهِ إِذا شَهدا بِأَن المَال عَلَيْهِ بعد أَن مر آنِفا أَن الْبَيِّنَة حجَّة ظَاهرا، فَلَا يظْهر كذبه فِي يَمِينه، وَأَيْضًا يرد عَلَيْهِ أَن يُقَال فعلى مَا ذكر، ثمَّ يَنْبَغِي أَن يَحْنَث فِي مَسْأَلَة الْحلف بِطَلَاق أَو عتق أَيْضا، إِذْ لَا شكّ أَن الْحلف عَلَيْهِمَا لَا يكون إِلَّا بطرِيق الشَّرْط أَيْضا.
وَالْحَاصِل: أَنه يَنْبَغِي أَن يتحد حكم الْمَسْأَلَتَيْنِ نفيا أَو إِثْبَاتًا، وَالْفرق تحكم فالعجب كل الْعجب من التَّنَاقُض بَين كَلَامي مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى مَعَ أَنه إِمَام ذَوي الادب والارب إِلَّا أَن تكون إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ غير صَحِيحَة إِ هـ.
مَا قَالَه فِي أَوَاخِر الْخَامِس عشر.

قَوْله: (وَلَا تَحْلِيف فِي نِكَاح) أَي مُجَرّد عَن المَال عِنْد الامام رَحمَه الله تَعَالَى بِأَن ادّعى رجل على امْرَأَة أَو هِيَ عَلَيْهِ نِكَاحا والاخر يُنكر، مَا إِذا
ادَّعَت الْمَرْأَة تزَوجهَا على كَذَا وَادعت النَّفَقَة وَأنكر الزَّوْج يسْتَحْلف اتِّفَاقًا.
وَهَذِه الْمسَائِل خلافية بَين الامام وصاحبيه، والخرف بَينهم مَبْنِيّ على تَفْسِير الانكار فَقَالَا: إِن النّكُول إِقْرَار لانه يدل على كَونه كَاذِبًا فِي الانكار فَكَانَ إِقْرَار أَو بَدَلا عَنهُ، والاقرار يجْرِي فِي هَذِه الاشياء.
وَقَالَ الامام: إِنَّه بذل وَالْبدل لَا يجْرِي فِي هَذِه الاشياء لانه إِنَّمَا يجْرِي فِي الاعيان.
وَفَائِدَة الِاسْتِحْلَاف الْقَضَاء بِالنّكُولِ، فَلَا يسْتَحْلف.
وأنما قُلْنَا: إِن الْبَدَل لَا يجْرِي فِي هَذِه الْمسَائِل، لانها لَو قَالَت الْمَرْأَة: لَا نِكَاح بيني وَبَيْنك

(8/49)


وَلَكِن بذلت نَفسِي لَك لم يَصح، وَلَو قَالَ فِي دَعْوَى الْوَلَاء عَلَيْهِ: لست أَنا مَوْلَاهُ بل أَنا حر أَو مُعتق فلَان آخر وَلَكِن أبحت لَهُ ولائي لَا يكون لَهُ عَلَيْهِ وَلَاء، وَكَذَا سَائِر الامثلة.
وَسَيَأْتِي بَيَانه قَرِيبا بأوضح من هَذَا.
وَصُورَة الِاسْتِحْلَاف فِي النِّكَاح على قَوْلهمَا أَن يَقُول فِي يَمِينه: مَا هِيَ بِزَوْجَة لي، وَإِن كَانَت زَوْجَة لي فَهِيَ طَالِق بَائِن، لانها إِن كَانَت صَادِقَة لَا يبطل النِّكَاح بجحوده، فَإِذا حلف تبقى معطلة إِن لم يقل مَا ذكر، وَلَا يلْزمه مهر، فَإِن أَبى الْحلف على هَذِه الصُّورَة أجْبرهُ القَاضِي.
بَحر عَن الْبَدَائِع.
وَسَيَأْتِي أَنه بِالنّكُولِ عَن الْحلف يثبت مَا ادَّعَتْهُ من الصَدَاق أَو النَّفَقَة دون النِّكَاح.
فَإِن كَانَ مدعي النِّكَاح وَهُوَ الزَّوْج لم يجز لَهُ تزوج أُخْتهَا أَو أَربع سواهَا مَا لم يطلقهَا وَإِن كَانَت الزَّوْجَة وَأنْكرهُ الزَّوْج فَلَيْسَ لَهَا التَّزَوُّج بسواه، والمخلص لهاما ذَكرْنَاهُ إِن كَانَت زَوْجَة لي الخ.
وَفِي الْقنية: يسْتَحْلف فِي دَعْوَى الاقرار بِالنِّكَاحِ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَظَاهره أَنه بِاتِّفَاق إِ هـ.
أَقُول: وَهَذَا إِذا لم يَجْعَل الاقرار سَببا لدعوى النِّكَاح بِأَن ادّعى أَنَّهَا زَوجته لانها أقرَّت بِالزَّوْجِيَّةِ لي، أما لَو ادّعى نِكَاحهَا وَأَنَّهَا أقرَّت لَهُ بِهِ فَإِنَّهَا تسمع.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة وكما لَا تصح دَعْوَى المَال بِسَبَب الاقرار لَا تصح دَعْوَى النِّكَاح أَيْضا.

قَوْله: (أنكرهُ هُوَ أَو هِيَ) قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ الدَّعْوَى فِي هَذِه الاشياء تتَصَوَّر من أحد الْخَصْمَيْنِ أَيهمَا كَانَ، إِلَّا فِي الْحَد وَاللّعان وَالِاسْتِيلَاد، وَقد فرعوا فروعا على قَول الامام فِي هَذِه الْمسَائِل مَحل بَيَانهَا المطولات.

قَوْله: (بعدة عدَّة) قيد للثَّانِي كَمَا فِي الدُّرَر، أما قبل مُضِيّ الْعدة يثبت بقوله وَإِن كَذبته، لانه أَمر يملك استئنافه للْحَال، وَلَو ادعتها هِيَ فِيهَا فَهِيَ من مَوَاضِع الْخلاف، وَلَو ادَّعَاهَا بعد مضيها وصدقته ثَبت بتصادقهما.
بَحر.
وَلَو كَذبته وَلَا بَيِّنَة فعلى
قوليهما يحلف لَا على قَوْله، وَهِي مَسْأَلَة الْمَتْن، وَكَذَا لَو ادَّعَت أَنه رَاجعهَا وكذبها.

قَوْله: (وَفِي إِيلَاء) زَاد الشَّارِح لَفْظَة إِيلَاء لتوضيح الْمَسْأَلَة، وَإِلَّا فالفئ لَا يسْتَعْمل فِي عرف الْفُقَهَاء إِلَّا فِي الايلاء، فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْحَقِيقَة الْعُرْفِيَّة.

قَوْله: (بعد الْمدَّة) لَو فِيهَا ثَبت بقوله لانه يملك الِاسْتِئْنَاف لَو كَانَ الْمُدَّعِي الزَّوْج وَلَو كَانَت هِيَ فَهِيَ من مَوَاضِع الْخلاف.
وَصُورَة الْمَسْأَلَة: لَو حلف لَا يقر بهَا أَرْبَعَة أشهر ثمَّ قَالَ: فئت وَأنْكرت، فَلَو ادَّعَاهُ فِي مُدَّة الايلاء ثَبت بقوله، لَان من ملك الانشاء مَالك الاقرار، وَلَو بعد مضيها فَإِن صدقته ثَبت، وَإِلَّا لَا، أما لَو ادَّعَت أَنه فَاء إِلَيْهَا وَأنكر الزَّوْج فَلَا يثبت سَوَاء كَانَت فِي الْمدَّة أَو بعْدهَا.
وَالْحَاصِل: أَن التَّقْيِيد بِهِ لَا يظْهر إِلَّا فِيمَا إِذا ادّعى عَلَيْهَا رَجْعَة فأنكرت، لانه إِذا ادّعى فِي الْعدة الرّجْعَة كَانَ رَجْعَة، وَأما إِذا ادَّعَت هِيَ الرّجْعَة فَأنْكر فَلَا لَان دَعْوَاهَا فِي الْعدة وَبعدهَا سَوَاء.

قَوْلُهُ: (تَدَّعِيهِ الْأَمَةُ) بِأَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا وَقَدْ مَاتَ أَوْ أَسْقَطَتْ سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ وَصَارَت أم ولد وَأنْكرهُ الْمولى فَهُوَ على هَذَا الْخلاف.
ابْن كَمَال.

قَوْله: (لثُبُوته بِإِقْرَار) وَلَا يعْتَبر إنكارها وَكَذَا الْحَد وَاللّعان، بِخِلَاف سَائِر الاشياء الْمَذْكُورَة إِذْ يَتَأَتَّى فِيهَا الدَّعْوَى من الْجَانِبَيْنِ.
شَيخنَا عَن الدُّرَر وعزمي زَاده.
وَقَوله وَكَذَا الْحَد وَاللّعان: أَي لَا يتَصَوَّر أَن يكون الْمُدَّعِي إِلَّا الْمَقْذُوف والامة: أَي الْمَقْذُوف بِالنِّسْبَةِ للحد وَاللّعان والامة بِالنِّسْبَةِ للاستيلاد، فَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ من قَوْله وَالْمولى سبق قلم، وَالصَّوَاب والامة.
بَقِي أَن يُقَال: ظَاهر كَلَام الشَّارِح كَغَيْرِهِ أَنَّهَا ادَّعَت الِاسْتِيلَاد مُجَردا عَن دَعْوَى اعترافه، وَالَّذِي

(8/50)


فِي صدر الشَّرِيعَة ادَّعَت أَنَّهَا ولدت مِنْهُ هَذَا الْوَلَد وادعاه: أَي ادَّعَت أَنه ادَّعَاهُ فَهُوَ من تَتِمَّة كَلَامهَا كَمَا ذكره أخي جلبي.
وَالَّذِي يظْهر أَن التَّقْيِيد بِهِ لَيْسَ احترازيا، بل يبتني على مَا هُوَ الْمَشْهُور من أَنه يشْتَرط لثُبُوت نسب ولد الامة وجود الدَّعْوَى من السَّيِّد، وعَلى غير الْمَشْهُور لَا يشْتَرط ذَلِك، بل يَكْفِي عدم نَفْيه.
وَكَذَا ظَاهر كَلَامهم ادَّعَت أمة يُفِيد الِاحْتِرَاز عَن دَعْوَى الزوجه، وَيُخَالِفهُ قَول الْقُهسْتَانِيّ بعد قَول الْمَتْن واستيلاد بِأَن ادّعى أحد من الامة وَالْمولى وَالزَّوْجَة وَالزَّوْج أَنَّهَا ولدت مِنْهُ ولدا حَيا أَو مَيتا
كَمَا فِي قاضيخان.
وَلَكِن فِي الْمَشَاهِير أَن دَعْوَى الزَّوْج وَالْمولى لَا تتَصَوَّر، لَان النّسَب يثبت بِإِقْرَارِهِ، وَلَا عِبْرَة لانكارها بعده، وَيُمكن أَن يُقَال: إِنَّه بِحَسب الظَّاهِر لم يدع النّسَب كَمَا يدل عَلَيْهِ تصويرهم.
اهـ.
أَبُو السُّعُود.
قَالَ البرجندي: وَيُمكن تَصْوِير الْعَكْس فِيهِ أَيْضا بِأَن حبلت من الْمولى فَأعْتقهَا قبل وضع الْحمل وَبعد قرب الْولادَة قتلت الْوَلَد، وَادّعى الْمولى دِيَة الْوَلَد عَلَيْهَا، وَلَا بُد من ثُبُوت الْوَلَد فأنكرت الامة ذَلِك اهـ.
وَفِيه تَأمل.

قَوْله: (وَنسب) قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ وَوِلَادٍ قَالَ فِي الْحَقَائِقِ: لَمْ يَقُلْ وَنَسَبٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ كَالْأَبِ وَالِابْنِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْأَبِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ.
ابْن كَمَال.

قَوْله: (وَبِالْعَكْسِ) بِأَن ادّعى مَجْهُول الْحَال على رجل أَنه مَوْلَاهُ وَأنكر الْمولى أَو ادّعى مَجْهُول الْحَال عَلَيْهِ أَنه أَبوهُ، وَهَذَا فِي دَعْوَى نسب مُجَرّد عَن المَال، أما إِذا ادّعى مَالا بِدَعْوَى النّسَب بِأَن ادّعى رجل على رجل أَنه أَخُوهُ وَقد مَاتَ الاب وَترك مَالا فِي يَد هَذَا، وَطلب الْمِيرَاث أَو ادّعى على رجل أَنه أَخُوهُ لابيه وَطلب من القَاضِي أَن يفْرض لَهُ النَّفَقَة، وَأنكر الْمُدعى عَلَيْهِ ذَلِك فَالْقَاضِي يحلفهُ اتِّفَاقًا، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ الْحَقُّ، وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ فعلى الْخلاف الْمَذْكُور، وَحِينَئِذٍ فيلغز: أَيُّ شَخْصٍ أَخَذَ الْإِرْثَ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ.
ط عَن الْحَمَوِيّ بِزِيَادَة: وَفِيه عَن الاتقاني: يثبت الِاسْتِحْلَاف عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد فِي النّسَب الْمُجَرّد بِدُونِ دَعْوَى حق آخر، وَلَكِن يشْتَرط أَن يثبت النّسَب بِإِقْرَار الْمقر: أَي يكون النّسَب بِحَيْثُ يثبت بالاقرار.
أما إِذا كَانَ بِحَيْثُ لَا يثبت النّسَب بِإِقْرَار الْمقر فَلَا يجْرِي الِاسْتِحْلَاف فِي النّسَب الْمُجَرّد عِنْدهمَا أَيْضا، بَيَانه أَن إِقْرَار الرجل يَصح بِخَمْسَة بالوالدين وَالْولد وَالزَّوْجَة وَالْمولى، لانه إِقْرَار بِمَا يلْزمه وَلَيْسَ فِيهِ تحميل النّسَب على الْغَيْر، وَلَا يَصح إِقْرَاره بِمَا سواهُم، وَيصِح إِقْرَار الْمَرْأَة بأَرْبعَة بالوالدين وَالزَّوْج وَالْمولى وَلَا يَصح بِالْوَلَدِ وَمن سوى هَؤُلَاءِ، لَان فِيهِ تحميل النّسَب على الْغَيْر، إِلَّا إِذا صدقهَا الزَّوْج فِي إِقْرَارهَا بِالْوَلَدِ أَو تشهد بِوِلَادَة الْوَلَد قَابِلَة.

قَوْله: (وَوَلَاء عتاقة) أَيْ بِأَنْ ادَّعَى عَلَى مَعْرُوفِ الرِّقِّ أَنَّهُ مُعْتقه أَو مَوْلَاهُ.

قَوْله: (أَو مُوالَاة) أَي ادّعى عَلَيْهِ أَنه مَوْلَاهُ.

قَوْله: (ادَّعَاهُ الاعلى أَو الاسفل) بِأَن ادّعى على رجل مَعْرُوف أَنه مَوْلَاهُ أَو ادّعى الْمَعْرُوف ذَلِك وَأنكر الآخر.
قَالَ أَبُو السُّعُود: وَأَشَارَ إِلَى عدم الْفرق فِي دَعْوَى الْوَلَاء بَين الْمَعْرُوف والمجهول، بِخِلَاف دَعْوَى الرّقّ وَالنّسب فَإِن مجهولية نسب الْمُدَّعِي على
رقّه، وَنسبه شَرط صِحَة الدَّعْوَى شَيخنَا.
قلت: وَلِهَذَا قَالَ الشمني فِي جَانب دَعْوَى الْوَلَاء بِأَن ادّعى رجل على آخر بِأَن لَهُ عَلَيْهِ وَلَاء عتاقة أَو مُوالَاة أَو الْعَكْس.
اهـ.
وَلم يُقيد بِالْمَجْهُولِ.

قَوْله: (وحد ولعان) هَذَانِ مِمَّا لَا يحلف فيهمَا اتِّفَاقًا، أما على قَول الامام فَظَاهر، وَأما على قَوْلهمَا فَإِن النّكُول وَإِن كَانَ إِقْرَارا عِنْدهمَا لكنه إِقْرَار فِيهِ شُبْهَة، وَالْحُدُود تندرئ بِالشُّبُهَاتِ وَاللّعان فِي معنى الْحَد ط.

قَوْله: (وَالْفَتْوَى الخ) هُوَ قَول

(8/51)


الصاحبين.
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْإِمَامِ.
قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ عِنْدَهُمَا.

قَوْلُهُ: (فِي الْأَشْيَاءِ السَّبْعَةِ) أَيْ السَّبْعَةِ الْأُولَى مِنْ التِّسْعَة، وَعبر عَنْهَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ بالاشياء السَّبْعَة.
وَفِيه ادّعى نِكَاحهَا، فحيلة دفع الْيَمين عَنْهَا على قَوْلهمَا أَن تتَزَوَّج فَلَا تحلف، لانها لَو نكلت فَلَا يحكم عَلَيْهَا، لانها لَو أقرَّت بعد مَا تزوجت لم يجز إِقْرَارهَا.
وَكَذَا لَو أقرَّت بِنِكَاح لغَائِب: قيل يَصح إِقْرَارهَا لَكِن يبطل بالتكذيب، ويندفع عَنْهَا الْيَمين، وَقيل لَا يَصح إِقْرَارهَا فَلَا ينْدَفع عَنْهَا الْيَمين.
اهـ.
وَفِي الْوَلوالجِيَّة: رجل تزوج امْرَأَة بِشَهَادَة شَاهِدين ثمَّ أنْكرت وَتَزَوَّجت بآخر وَمَا شُهُود الاول لَيْسَ للزَّوْج الاول أَن يخاصمها لانها للتحليف، وَالْمَقْصُود مِنْهُ النّكُول، وَلَو أقرَّت صَرِيحًا لم يجز إِقْرَارهَا، لَكِن يُخَاصم الزَّوْج الثَّانِي ويحلفه، فَإِن حلف برِئ وَإِن نكل فَلهُ أَن يخاصمها ويحلفها، فَإِن نكلت يقْضِي بهَا للْمُدَّعِي، وَهَذَا الْجَواب على قَوْلهمَا الْمُفْتى بِهِ.
اهـ.

قَوْله: (بِالنّسَبِ) نظرا إِلَى دَعْوَى الامة.

قَوْله: (أَو الرّقّ) نظرا إِلَى إِنْكَار الْمولى.

قَوْله: (حد قذف ولعان) بِأَن ادَّعَت الْمَرْأَة على زَوجهَا أَنه قَذفهَا بِالزِّنَا وَعَلَيْك اللّعان وَهُوَ مُنكر، وَفِي الْحَد بِأَن ادّعى على آخر بأنك قد قذفتني بِالزِّنَا عَلَيْك الْحَد وَهُوَ يُنكر، وَهَاتَانِ الصورتان مِمَّا لَا يُمكن تصويرهما إِلَّا من جَانب وَاحِد كَمَا تقدم.

قَوْله: (فِي الْكل) لَان هَذِه حُقُوق تثبت بِالشُّبُهَاتِ فَيجْرِي فِيهَا الِاسْتِحْلَاف كالاموال، وَاخْتَارَ الْمُتَأَخّرُونَ أَنه إِن كَانَ الْمُنكر مُتَعَنتًا يسْتَحْلف أخذا بقولهمَا، وَإِن كَانَ مَظْلُوما لَا يسْتَحْلف أخذا بقول الامام زَيْلَعِيّ.
صُورَة الِاسْتِحْلَاف على قَوْلهمَا كَمَا تقدم: مَا هِيَ بِزَوْجَة لي، وَإِن كَانَت زَوْجَة لي فَهِيَ طَالِق بَائِن إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ.
وَقَالَ بَعضهم: يسْتَحْلف على النِّكَاح، فَإِن حلف يَقُول القَاضِي فرقت بَيْنكُمَا كَمَا فِي
الْبَدَائِع
قَوْله: (فَلَا يَمِين إِجْمَاعًا) يرد عَلَيْهِ مَا فِي الْبَدَائِع من قَوْله: وَأما فِي دَعْوَى الْقَذْف إِذا حلف على ظَاهر الرِّوَايَة فنكل يقْضِي بِالْحَدِّ فِي ظَاهر الاقاويل، لانه بِمَنْزِلَة الْقصاص فِي الطّرف عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَة النَّفس.
وَقَالَ بَعضهم: بِمَنْزِلَة سَائِر الْحُدُود لَا يقْضِي فِيهِ بشئ وَلَا يحلف.
وَقيل يحلف وَيَقْضِي فِيهِ بالتعزير دون الْحَد كَمَا فِي السّرقَة يحلف وَيَقْضِي بِالْمَالِ دون الْقطع.
شرنبلالية.

قَوْله: (إِلَّا إِذا تضمن) أَي دَعْوَى الْحَد حَقًا: أَي حق عبد.

قَوْله: (بِأَن علق) كَأَن قَالَ: إِن زَنَيْت فَعَبْدي حر فَادّعى العَبْد زِنَاهُ وَأنكر حَقًا: أَي حق عبد.

قَوْله: (فللعبد تَحْلِيفه) أَي على السَّبَب بِاللَّه مَا زَنَيْت بَعْدَمَا حَلَفت بِعِتْق عَبدك هَذَا.
بَحر.
قَالَ الْعَلامَة سعدي: وَيَنْبَغِي أَن يَقُول العَبْد أَنه قد أَتَى بِمَا علق عيه عتقي وَلَا يَقُول زنى كَيْلا يكون قَاذِفا إِ هـ.
قَالَ الرحمتي وَلَا حد على العَبْد لانه غير قَاصد الْقَذْف وَإِنَّمَا يُرِيد إِثْبَات عتقه.

قَوْله: (وَكَذَا يسْتَخْلف السارف لاجل المَال) يَعْنِي كَمَا أَن مولى العَبْد يسْتَحْلف على الزِّنَا لاجل عتق العَبْد لَا لاقامة الْحَد.
كَذَا يسْتَحْلف السَّارِق لاجل المَال لَا للْقطع.
قَالَ ط: هُوَ من جملَة المستثني، قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: لَا يسْتَخْلف فِي شئ من الْحُدُود، لَا فِي الزِّنَا وَلَا فِي السّرقَة وَلَا الْقَذْف وَلَا شرب الْخمر وَلَا السكر، إِلَّا إِن طَالب الْمَسْرُوق مِنْهُ بِضَمَان المَال استحلفه، فَإِن نكل على الْيَمين ضمنه المَال وَلم يقطعهُ، وَذَلِكَ لَان الدَّعْوَى تَتَضَمَّن أَمريْن: الضَّمَان، وَالْقطع، وَالضَّمان لَا يَسْتَوْفِي النّكُول فَوَجَبَ إِثْبَات أَحدهمَا وَإِسْقَاط الآخر إِ هـ.
وَكَذَا يحلف فِي النِّكَاح إِن ادَّعَت المَال: أَي

(8/52)


إنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ وَغَرَضُهَا الْمَالُ كَالْمَهْرِ وَالنَّفقَة فَأنْكر الزَّوْج يحلف، فَإِن نكل يلْزم الْمَالُ وَلَا يَثْبُتُ الْحِلُّ عِنْدَهُ، لِأَنَّ الْمَالَ يثبت بالبذل لَا الْحِلِّ.
وَفِي النَّسَبِ: إذَا ادَّعَى حَقًّا مَالًا كَانَ كَالْإِرْثِ وَالنَّفَقَةِ أَوْ غَيْرَ مَالٍ كَحَقِّ الْحَضَانَةِ فِي اللَّقِيطِ وَالْعِتْقِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَامْتِنَاعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ: فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ الْحَقُّ، وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ فَعَلَى الْخلاف الْمَذْكُور، وَكَذَا مُنكر الْقود إلَخْ.
ابْنُ كَمَالٍ.
وَإِنْكَارُ الْقَوَدِ سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ.
وَفِي صدر الشَّرِيعَة فيلغز: أما امْرَأَةٍ تَأْخُذُ نَفَقَةً غَيْرَ مُعْتَدَّةٍ وَلَا حَائِضَةٍ وَلَا نفسَاء وَلَا يحل وَطْؤُهَا، وَفِيه يلغز اللغز الْمُتَقَدّم.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَحْلِيفَ فِيهَا عِنْدَ الْإِمَامِ مَا لَمْ يَدَّعِ مَعَهَا مَالًا فَإِنَّهُ يحلف وفَاقا.

قَوْله: (لاجل المَال) أَي بِطَلَب الْمَسْرُوق مِنْهُ، فَلَو لن يطْلب المَال لَا يحلف لَان الْيَمين لَا تلْزم إِلَّا بِطَلَب الْخصم.

قَوْله: (فَإِن نكل ضمن وَلَمْ يُقْطَعْ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ قَطْعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ بَدَلٌ كَمَا فِي قَوَدِ الطَّرَفِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ النُّكُولَ فِي قطع الطّرف النّكُول فِي السَّرِقَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَّحِدَا فِي إيجَابِ الْقطع، وَعَدَمه، وَيُمكن الْجَوَابُ بِأَنَّ قَوَدَ الطَّرَفِ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ كَالْأَمْوَالِ، بِخِلَافِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ فَظهر الْفرق، فَلْيتَأَمَّل.
يعقوبية.

قَوْله: (وَقَالُوا يسْتَحْلف فِي التَّعْزِيرِ) .
لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ، وَلِهَذَا يملك العَبْد بإسقاطه بِالْعَفو وَحُقُوق الْعباد مَبْنِيَّة على المشاحة لَا تسْقط بِالشُّبْهَةِ، فَلَو كَانَ التَّعْزِير لمحض حق الله تَعَالَى كَمَا لَو ادّعى عَلَيْهِ أَنه قبل امْرَأَة بِرِضَاهَا: فَإِنَّهُ إِذا أثبت عَلَيْهِ ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ يعزران، وَإِذا أنكر يَنْبَغِي أَن لَا يستحلفا.

قَوْله: (كَمَا بَسطه فِي الدُّرَر) وَنَصه: وَيحلف فِي التَّعْزِير: يَعْنِي إِذا ادّعى على آخر مَا يُوجب التَّعْزِير، وَأَرَادَ تَحْلِيفه إِذا أنكر فَالْقَاضِي يحلفهُ، لَان التَّعْزِير مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ إسْقَاطَهُ بِالْعَفو وَلَا يمْنَع الصغر وُجُوبه، وَمن عَلَيْهِ التَّعْزِير إِذا أمكن صَاحب الْحق مِنْهُ أَقَامَهُ، لَو كَانَ حق الله تَعَالَى لكَانَتْ هَذِه الاحكام على عكس هَذَا، والاستحلاف يجْرِي فِي حُقُوق الْعباد سَوَاء كَانَت عُقُوبَة أَو مَالا إِ هـ.
وتعليله هُنَا: بِأَن التَّعْزِير مَحْض حق العَبْد مُخَالف لما سبق لَهُ فِي فصل التَّعْزِير أَن حق العَبْد غَالب فِيهِ، وَلِهَذَا قَالَ عزمي زَاده: بَين كَلَامه تدفع إِ هـ.
قلت: لَا يَخْلُو حق العَبْد من حق الله فَلَا يسْتَقلّ عبد بِحَق، لَان الَّذِي جعله حَقه هُوَ الْحق تَعَالَى الْآمِر الناهي، فَكَلَامه الثَّانِي مؤول بالاول.

قَوْله: (وَفِي الْفُصُول) قدمنَا هَذِه الْمَسْأَلَة قَرِيبا بأوضح مِمَّا هُنَا مَعَ فروع أخر.

قَوْله: (فحيلة دفع يَمِينهَا) أَي على قَوْلهمَا.

قَوْله: (أَن تتَزَوَّج) أَي بآخر.

قَوْله: (فَلَا تحلف) لانها لَو نكلت لَا يحكم عَلَيْهَا وَلَو أقرَّت بَعْدَمَا تزوجت لم يجز إِقْرَارهَا، وَكَذَا لَو أقرَّت بِنِكَاح غَائِب فَإِنَّهُ يَصح إِقْرَارهَا على أحد قَوْلَيْنِ، وَلَكِن يبطل بالتكذيب وتندفع عَنْهَا الْيَمين.
قَالَ بعض الافاضل: هَذِه الْحِيلَة ظَاهِرَة لَو تزوجته، أما لَو تزوجت غَيره فَالظَّاهِر عدم صِحَة العقد إِلَّا إِذا حَلَفت نعم لَو تزوجت قبل الرّفْع إِلَى القَاضِي رُبمَا يظْهر.
اهـ.
تَأمل.

قَوْلُهُ: (فِي إحْدَى وَثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً)

(8/53)


تقدّمت فِي الْوَقْف وَذكرهَا فِي الْبَحْر هُنَا.

قَوْله: (فِي الِاسْتِحْلَاف) يَعْنِي يجوز أَن يكون شخص نَائِبا عَن آخر لَهُ حق على غَيره فِي طلب الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا عجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة، فالسين وَالتَّاء فِي قَوْله الِاسْتِحْلَاف للطلب كَمَا يفِيدهُ كَلَامه بعد، وَهَذَا الَّذِي ذكره المُصَنّف ضَابِط كلي، أَفَادَهُ عماد الدّين فِي فصوله فِي مَوَاضِع إِجْمَالا تَارَة وتفصيلا أُخْرَى فِي الْفَصْل السَّادِس عشر، وَالْمُصَنّف لخصه كَمَا نرى.
وَابْن قَاضِي سماوة لخصه فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ أخصر مِنْهُ كَمَا هُوَ دأبه، وَهَذَا من الْمسَائِل الَّتِي أوردهَا المُصَنّف فِي كِتَابه، وَلم يُؤْت بهَا فِي الْمُتُون الْمَشْهُور سوى الْغرَر، وَلَيْسَ فِي كَلَامه مَا يُخَالف الاصل إِلَّا فِي تَعْمِيم الشَّارِح ضمير إِقْرَار فَفِيهِ نوع حزازة، لَان كلا من الْوَصِيّ وَمن بعده لَيْسُوا كَالْوَكِيلِ فِي صِحَة إقرارهم تَارَة وَعدمهَا أُخْرَى، وَأَيْضًا لَيْسَ الْوَكِيل مُطلقًا كَذَلِك كَمَا أَفَادَهُ التَّقْيِيد.
فَلَو قَالَ: إِلَّا إِذا كَانَ الْوَكِيل وَكيلا بِالْبيعِ أَو الْخُصُومَة فِي الرَّد بِالْعَيْبِ لصِحَّة إِقْرَاره بدل قَوْله: أَو صَحَّ إِقْرَاره الخ لَكَانَ سالما، ثمَّ إِنَّه لَا يلْزم من عدم التَّحْلِيف عدم سَماع الدَّعْوَى، بل يَجْعَل كل مِنْهُم خصما فِي حق سَماع الدَّعْوَى وَإِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ من غير استحلاف كَمَا فِي الْعمادِيَّة.

قَوْله: (لَا الْحلف) يَعْنِي لَا يجوز أَن يكون شخص نَائِبا عَن شخص توجه عَلَيْهِ الْيَمين ليحلف من قبله، وَيُخَالِفهُ مَا يَأْتِي عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الاخرس الاصم الاعمى يحلف وليه عَنهُ، وَهُوَ الْمُسْتَثْنى من الضَّابِط الْمَذْكُور كَمَا صرح بِهِ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود.

قَوْله: (وَفرع على الاول) الاولى إِسْقَاطه وَأَن يَقُول: وَفرع عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَار الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ، فعلى الاول قَوْله فالوكيل الخ وعَلى الثَّانِي قَوْله فَلَا يحلف أحد مِنْهُم.

قَوْله: (فَلهُ طلب) أَي ظَاهرا، وَإِلَّا فَفِي الْحَقِيقَة خَصمه الاصيل.

قَوْله: (وَلَا يحلف) لَو قَالَ: وَفَرَّعَ عَلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ وَلَا يَحْلِفُ إلَخْ لَكَانَ أسبك.

قَوْله: (أحد مِنْهُم) أَشَارَ بذلك إِلَى جَوَاب مَا يرد على قَوْله يملك الِاسْتِحْلَاف حَيْثُ وَقع خَبرا عَن قَوْله فالوكيل الخ حَيْثُ وَقع خَبرا عَن الْمُبْتَدَأ وَمَا عطف عَلَيْهِ، وَهُوَ جملَة فَيجب اشتماله على ضمير مُطَابق، فَيُقَال: يملكُونَ وَلَا يحلفُونَ، فَأجَاب بِأَنَّهُ مؤول: أَي يملك كل وَاحِد مِنْهُم الِاسْتِحْلَاف وَلَا يحلف، وكما يَصح التَّأْوِيل فِي الْخَبَر يَصح فِي الْمُبْتَدَأ، والسر فِي أَنه يملك الِاسْتِحْلَاف، وَلَا يحلف أحد مِنْهُم، وَذَلِكَ أَن الْوَكِيل
وَمَا عطف عَلَيْهِ لما كَانَ لَهُ الطّلب وَقد عجز عَن الْبَيِّنَة فَيحلف خَصمه، إِذْ لَا مَانع من ذَلِك.
وَأما إِذا ادّعى عَلَيْهِم فَإِن الْحلف يقْصد بِهِ النّكُول ليقضي بِهِ، والنكول إِقْرَار أَو بذل كَمَا علم، وَلَا يملك وَاحِد مِنْهُم الاقرار على الاصيل وَلَا بذل مَاله وَهُوَ نَائِب فِي الدَّعْوَى قد يعلم حَقِيقَتهَا وَقد لَا يعلم، فَكيف يحلف على مَا لَا علم لَهُ بِهِ؟ تَأمل.

قَوْله: (إِلَّا إِذا ادّعى عَلَيْهِ العقد) أَي عقد بيع أَو شِرَاء أَو إِجَارَة، لانه يكون حِينَئِذٍ أصلا فِي الْحُقُوق فَتكون الْيَمين متجهة عَلَيْهِ لَا على الاصيل، فَلَا نِيَابَة فِي الْحلف فالاستثناء مُنْقَطع، وَهُوَ شَامِل للاربعة.
وَالْمرَاد بِالْعقدِ مَا ذكر، أما عقد النِّكَاح فَغير مُرَاد هُنَا لَان الشَّارِح قدم أَنه لَا تَحْلِيف فِي تَزْوِيجِ الْبِنْتِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً، وَعِنْدَهُمَا: يُسْتَحْلَفُ الاب الصَّغِير.
تَأمل.
أَفَادَهُ الْخَيْر الرَّمْلِيّ.

قَوْله: (أَو صَحَّ إِقْرَاره) مُخْتَصّ بالوكيل فَقَط كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله كَالْوَكِيلِ الخ.

قَوْله: (فيستحلف) الاولى فِي الْمُقَابلَة فَيحلف.

قَوْله: (حِينَئِذٍ) لَا حَاجَة إِلَيْهِ.

قَوْله: (كَالْوَكِيلِ بِالْبيعِ) هُوَ دَاخل تَحت قَوْله إِذا ادّعى عَلَيْهِ العقد فَكَانَ الاول مغنيا عَنهُ.
تَأمل.
نعم كَانَ الاولى بِهَذَا

(8/54)


الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ، فَإِنَّهُ يَصح إِقْرَاره على الْمُوكل، فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يسْتَحْلف على مُقْتَضى قَوْله أَو صَحَّ إِقْرَاره وَلَيْسَ كَذَلِك.
بَقِيَ هَلْ يُسْتَحْلَفُ عَلَى الْعِلْمِ أَوْ عَلَى الْبَتَاتِ؟ ذُكِرَ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ نور الْعين: أَنه الْوَصِيَّ إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَعِيبٌ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ.
اهـ.
فَتَأَمّله.
وَالْحَاصِل: أَن كل من يَصح إِقْرَاره كَالْوَكِيلِ يَصح استحلافه، بِخِلَاف من لَا يَصح إِقْرَاره كالوصي.

قَوْله: (فَإِن إِقْرَاره صَحِيح) لم يبين إِقْرَاره بِأَيّ شئ.
وليحرر.
ط.
أَقُول: الظَّاهِر أَن إِقْرَاره فِيمَا هُوَ من حُقُوق العقد كالاقرار بِعَيْب أَو أجل أَو خِيَار للْمُشْتَرِي.

قَوْله: (إِلَّا فِي ثَلَاث ذكرهَا) هِيَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا وَجَدَ بِالْمُشْتَرَى عَيْبًا فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ وَأَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ لَا يحلف، فَإِن أَقَرَّ الْوَكِيلُ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَيَبْطُلُ حَقُّ الرَّدِّ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَى عَلَى الْآمِرِ رِضَاهُ لَا يَحْلِفُ، وَإِنْ أَقَرَّ لَزِمَهُ.
الثَّالِثَةُ: الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَبْرَأهُ عَن الدّين وَطلب يَمِين الْوَكِيل على الْعلم لَا يحلف وَإِن أقرّ بِهِ لزمَه.
اهـ.
منح
قَوْلُهُ: (وَالصَّوَابُ فِي أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ) أَيْ بِضَمِّ الثَّلَاثَة إِلَى مَا فِي الْخَانِية، لَكِن الاوى مِنْهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْخَانِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (لِابْنِ الْمُصَنِّفِ) وَهُوَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ عَبْدُ الْقَادِرِ وَهُوَ صَاحِبُ تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ وَأَخُوهُ الشَّيْخُ صَالِحٌ صَاحِبُ الزواهر.

قَوْله: (وَلَوْلَا خشيَة التَّطْوِيل لاوردتها كلهَا) هَذِه ونظائرها تَقْتَضِي أَنه لم يقدمهَا وَأَخَوَاتهَا قبيل الْبيُوع، مَعَ أَن ذكرهَا هُنَاكَ لَا مُنَاسبَة لَهُ، وَهُوَ مَفْقُود فِي بعض النّسخ الصَّحِيحَة، وَلَعَلَّ الشَّارِح جمعهَا فِي ذَلِك الْمحل بعد تتميم الْكتاب وَبَلغت هُنَاكَ إِحْدَى وَسِتِّينَ مَسْأَلَة.
مسَائِل الْخَانِية إِحْدَى وَثَلَاثُونَ، ومسائل الْخُلَاصَة ثَلَاث، ومسائل الْبَحْر سِتَّة، وَزِيَادَة تنوير البصائر أَرْبَعَة عشر، وَزِيَادَة زواهر الْجَوَاهِر سَبْعَة، وَزَاد عَلَيْهَا سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى ثَمَان مسَائِل من جَامع الْفُصُولَيْنِ فَصَارَت تِسْعَة وَسِتِّينَ، فَرَاجعهَا ثمَّة إِن شِئْت فِي آخر كتاب الْوَقْف قبيل الْبيُوع.

قَوْله: (أَي الْقطع) فِي بعض كتب الْفِقْه الْبَتّ بدل الْبَتَات وَهُوَ أولى.
وَقد ذكر فِي الْقَامُوس أَن الْبَتّ: الْقطع، وَأَن الْبَتَات: الزَّاد والجهاز ومتاع الْبَيْت، والجميع أبتة ط.

قَوْله: (بِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِك) هَذَا فِي النَّفْي أَو أَنه كَذَلِك فِي الاثبات.

قَوْله: (على الْعلم) أَي على نَفْيه.

قَوْله: (لعدم علمه بِمَا فعل غير ظَاهرا) فَلَو حلف على الْبَتَات لامتنع عَن الْيَمين مَعَ كَونه صَادِقا فيتضرر بِهِ، فطولب بِالْعلمِ فَإِذا لم يقبل مَعَ الامكان صَار باذلا أَو مقرا، وَهَذَا أصل مُقَرر عِنْد أَئِمَّتنَا.
دُرَر.

قَوْله: (يتَّصل بِهِ) أَي يتَعَلَّق حكمه بِهِ بِحَيْثُ يعود إِلَى فعله.

قَوْلُهُ: (أَوْ إبَاقَهُ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِبَاقِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي الْإِبَاقَ الْكَائِنَ

(8/55)


عِنْدَهُ، إذْ لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْبَائِعُ لَا يلْزمه شئ، لِأَنَّ الْإِبَاقَ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمُعَاوَدَةِ، بِأَنْ يُثْبِتَ وُجُودَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كِلَاهُمَا فِي صِغَرِهِ أَوْ كِبَرِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي مَحَلِّهِ.
أَبُو السُّعُودِ.
وَفِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ قَوْلُهُ: يَحْلِفُ على الْبَتَات بِاللَّه مَا أبق.
أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا عَلَيْك حق الرَّدُّ، فَإِنَّ فِي الْحَلِفِ عَلَى السَّبَبِ يَتَضَرَّرُ البَائِع أَو قد يبرأ المُشْتَرِي عَن الْعَيْب.

قَوْله: (وَأثبت ذَلِك) أَي على مَا سبق فِي مَحَله من وجوده عِنْد البَائِع ثمَّ عِنْد المُشْتَرِي الخ.

قَوْله: (يحلف البَائِع على الْبَتَات) يَعْنِي أَنَّ مُشْتَرِيَ الْعَبْدِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ سَارِقٌ أَوْ آبِقٌ وَأَثْبَتَ إبَاقَهُ أَوْ سَرِقَتَهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ أَبَقَ أَوْ سَرَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَأَرَادَ التَّحْلِيفَ
يَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ بِاَللَّهِ مَا سَرَقَ فِي يَدِك، وَهَذَا تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ.
دُرَر.

قَوْله: (فَرجع إِلَى فعل نَفسه) وَهُوَ تَسْلِيمه سليما.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا آكَدُ) أَيْ لِأَنَّ يَمِينَ الْبَتَاتِ آكِد من يَمِين الْعلم حَيْثُ جزم فِي الاولى، وَلم يجْزم فِي الثَّانِيَة، مَعَ أَن فِي الاولى إِنَّمَا حلف على علمه أَيْضا، إِذْ غَلَبَة الظَّن تبيح لَهُ الْحلف، لكنه إِذا جزم بهَا كَانَت آكِد صُورَة.

قَوْله: (وَلذَا تعْتَبر مُطلقًا) أَي فِي فعل نَفسه وَفعل غَيره، فَلَو حلف على الْبَتَات فِي فعل غَيره أَجزَأَهُ بالاولى لانه قد أَتَى بالآكد.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْعَكْسِ) يَعْنِي أَنَّ يَمِينَ الْعِلْمِ لَا تَكْفِي فِي فعل نَفسه ح.
قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ فِي كل مَوضِع وَجَبت فِيهِ الْيَمين عَلَى الْعِلْمِ فَحَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ كَفَى وَسَقَطَتْ عَنْهُ، وَعَلَى عَكْسِهِ لَا، وَلَا يُقْضَى بِنُكُولِهِ عَمَّا لَيْسَ وَاجِبا عَلَيْهِ.
اهـ.
قَالَ فِي الدُّرَر: وَاعْلَم أَن فِي كل مَوضِع الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْبَتَاتِ فَحَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا حَتَّى لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ وَلَا يَسْقُطُ الْيَمِينُ عَنْهُ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْعِلْمِ فَحَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ يُعْتَبَرُ الْيَمِينُ حَتَّى يَسْقُطَ الْيَمِينُ عَنْهُ، وَيُقْضَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْبَتَات آكِد فَيعْتَبر مُطلقًا، بِخِلَاف الْعَكْس.
ذكره الزَّيْلَعِيّ.
اهـ.
وَاسْتشْكل الثَّانِي الْعِمَادِيّ.
قَالَ الرَّمْلِيّ: وَجه الاشكال أَنه كَيفَ يُقْضَى عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ إلَى الْبَتِّ وَيَزُولُ الْإِشْكَالُ بِأَنَّهُ مُسْقِطٌ لِلْيَمِينِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، فَاعْتُبِرَ فَيَكُونُ قَضَاءً بَعْدَ نُكُولٍ عَنْ يَمِين مسقطة للحلف عَنهُ، بِخِلَاف عَكسه، وَلِهَذَا يحلف فِيهِ ثَانِيًا لِعَدَمِ سُقُوطِ الْحَلِفِ عَنْهُ بِهَا، فَنُكُولُهُ عَنهُ لعدم اعْتِبَاره والاجتزاء بِهِ فَلَا يقْضِي عَلَيْهِ بِسَبَب.
تَأمل.
أَقُول: يشكل قَول الرَّمْلِيّ بِأَنَّهُ يَزُول الاشكال الخ، مَعَ أَنه لَا يَزُول بذلك بعد قَول الْبَحْر: وَلَا يقْضِي بِنُكُولِهِ عَمَّا لَيْسَ وَاجِبا عَلَيْهِ.
تَأمل.
وَاسْتشْكل فِي السعدية الْفَرْع الاول بِأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي، بل اللَّائِق أَن يقْضِي بِالنّكُولِ، فَإِنَّهُ إِذا نكل عَن الْحلف على الْعلم فَفِي الْبَتَات أولى.
وَأجَاب عَنهُ: بِالْمَنْعِ لانه يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نُكُولُهُ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ فَائِدَةِ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ، فَلَا يَحْلِفُ حَذَرًا عَنْ التّكْرَار، وَهُوَ بِمَعْنى مَا ذكره الرَّمْلِيّ، وَاسْتشْكل الثَّانِي أَيْضا بِأَنَّهُ مَحل تَأمل، فَإِنَّهُ إِذا لم يجب عَلَيْهِ كَيفَ يقْضِي عَلَيْهِ إِذا نكل، وَلم يجب عَنهُ بِجَوَاب، وَاسْتَشْكَلَهُ الخادمي أَيْضا بِأَن الْبَتَات أَعم تحققا من الْعلم، وَيعْتَبر فِي الْيَمين انتفاؤهما وَانْتِفَاء الاعم أخص من انْتِفَاء الاخص، فَكيف يقْضِي بِالنّكُولِ
عَن الْبَتَات فِي مَوضِع يجب عَلَيْهِ الْحلف على الْعلم، فَإِنَّهُ بعد هَذَا النّكُول يحْتَمل أَن يحلف على الْعلم.
ا

(8/56)


هـ.
قَالَ الْفَاضِل يَعْقُوب باشا بعد نَقله عَن النِّهَايَة: وَفِيه كَلَام، وَهُوَ أَن الظَّاهِر عدم الحكم بِالنّكُولِ لعدم وجوب الْيَمين على الْبَتَات كَمَا لَا يخفى، فَتَأمل.
اهـ.
قَالَ عزمي زَاده: وَفِي هَذَا الْمقَام كَلَام.
اهـ.
فَليُرَاجع.
فرع: مِمَّا يحلف فِيهِ على الْعلم مَا إِذا قَالَ فِي حَال مَرضه لَيْسَ لي شئ فِي الدُّنْيَا ثمَّ مَاتَ عَن زَوْجَة وَبنت وَرَثَة فللورثة أَن يحلفوا زَوجته وَابْنَته على أَنَّهُمَا لَا يعلمَانِ بشئ من تَرِكَة المتوفي بطريقه اهـ.
بَحر عَن الْقنية.

قَوْله: (عَنهُ) أَي عَن الزَّيْلَعِيّ.

قَوْله: (هَذَا إِذا قَالَ الْمُنكر أَيْضا) حكى هَذَا الْقُهسْتَانِيّ بقيل.

قَوْله: (كمودع إِلَخ) صورته: قَالَ رب الْوَدِيعَة أودعتك كَذَا فَرده عَليّ فَقَالَ الْمُودع سلمته إِلَيْك فَالْقَوْل للْمُودع، لانه يَنْفِي الضَّمَان عَن نَفسه وَيَمِينه على الْبَتَات بِأَن يَقُول: وَالله سلمته إِلَيْك، إِذْ مَعْنَاهُ النَّفْي وَهُوَ أَنَّك لَا تسْتَحقّ عِنْدِي شَيْئا، وَمثله وَكيل البيع إِذا ادّعى قبض الْمُوكل الثّمن، وكما لَو قَالَ إِن لم يدْخل فلَان الْيَوْم الدَّار فامرأته طَالِق ثمَّ قَالَ إِنَّه دخل يحلف على الْبَتَات بِاللَّه أَنه دخل الْيَوْم مَعَ أَنه فعل الْغَيْر لكَونه ادّعى علما بذلك.
أَفَادَهُ فِي الْبَحْر.

قَوْله: (سبق الشِّرَاء) أَي من عَمْرو ومثلا.

قَوْله: (وَهُوَ بكر) صَوَابه: وَهُوَ زيد لَان بكرا هُوَ الْمُدَّعِي، وَالَّذِي يحلف زيد الْمُدعى عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ جعله تَفْسِيرا للهاء فِي خَصمه، فَيكون الْمَعْنى وَهُوَ خصم بكر وخصم بكر هُوَ زيد، والاولى أَن يَقُول: أَي خصم بكر هُوَ زيد.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: تَبِعَ الشَّارِحُ فِي هَذَا الْمُصَنِّفَ وَصَاحِبَ الدُّرَرِ.
قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: صَوَابُهُ زَيْدٌ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْكِرُ وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَنْ يَحْلِفَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ لَا لِلْمَفْعُولِ، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْقَاضِي تَحْلِيفَهُ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّحْلِيفِ لَهُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَهُوَ بَكْرٌ تَفْسِيرًا لِلضَّمِيرِ فِي خَصمه، لَكِن فِيهِ ركاكة اهـ.

قَوْله: (لما مر) أَي من أَنه يحلف فِي فعل الْغَيْر على الْعلم وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ لعلمه من التَّفْرِيع.

قَوْله: (كَذَا إدا ادّعى دينا) بِأَن يَقُول رجل لآخر إِن لي على مورثك ألف دِرْهَم فَمَاتَ وَعَلِيهِ الدّين وَلَا بَيِّنَة لَهُ، فَيحلف الْوَارِث على الْعلم.
دُرَر: أَي لَا على
الْبَتَات، وَهَذَا لَو قبض الدّين على مَا اخْتَارَهُ الْفَقِيه وقاضيخان، خلافًا للخصاف.
قُهُسْتَانِيّ.
وَفِي الْبَحْر: وَحَاصِل مَا ذكره الصَّدْر فِي دَعْوَى الدّين على الْوَارِث: أَن القَاضِي يسْأَله أَولا عَن موت أَبِيه ليَكُون خصما فَإِن أقرّ بِمَوْتِهِ سَأَلَهُ عَن الدّين، فَإِن أقرّ بِهِ يَسْتَوْفِيه الْمُدَّعِي من نصِيبه فَقَط لانه لَا يَصح إِقْرَارا على الْمَيِّت فَيبقى إِقْرَارا فِي حق نَفسه، وَإِن أنكر فبرهن الْمُدَّعِي اسْتَوْفَاهُ من التَّرِكَة، لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فِيمَا يَدعِي على الْمَيِّت، وَإِلَّا يبرهن الْمُدَّعِي وَطلب يَمِين الْمُدعى عَلَيْهِ استحلفه على الْعلم: أَي بِاللَّه مَا تعلم أَن لفُلَان بن فلَان هَذَا على أَبِيك هَذَا المَال الَّذِي ادَّعَاهُ وَهُوَ ألف دِرْهَم وَلَا شئ مِنْهُ قضى عَلَيْهِ، فيستوفي من نصِيبه إِن أقرّ بوصول نصِيبه من الْمِيرَاث إِلَيْهِ، وَإِلَّا يقر بوصوله إِلَيْهِ، فَإِن صدقه الْمُدَّعِي فَلَا شئ عَلَيْهِ، وَإِلَّا اسْتحْلف على الْبَتَات مَا وصل إِلَيْهِ قدر مَال الْمُدَّعِي وَلَا بعضه، فَإِن نكل لزمَه الْقَضَاء وَإِلَّا لَا، هَذَا إِذا حلفه على الدّين أَولا، فَإِن حلفه

(8/57)


على الْوُصُول أَولا فَحلف فَلهُ تَحْلِيفه على الدّين ثَانِيًا: أَي على الْعلم لاحْتِمَال ظُهُور مَاله فَكَانَ فِيهِ فَائِدَة منتظرة.
وَإِن لم يصل المَال إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَتى استحلفه وَأقر أَو نكل وَثَبت الدّين فَإِذا ظهر للاب مَال من الْوَدِيعَة أَو البضاعة عِنْد إِنْسَان لَا يحْتَاج إِلَى الاثبات، فَهَذِهِ الْفَائِدَة المنتظرة، وَلَو أَرَادَ الْمُدَّعِي استحلافه على الدّين والوصول مَعًا فَقيل لَهُ ذَلِك وعامتهم إِنَّه يحلف مرَّتَيْنِ وَلَا يجمع وَإِن أنكر مَوته حلفه على الْعلم، فَإِن نكل حلف على الدّين: أَي على الْعلم أَيْضا.
مطلب: دَعْوَى الْوَصِيَّة على الْوَارِث كدعوى الدّين إِذا أنكرها يحلف على الْعلم وَدَعوى الْوَصِيَّة على الْوَارِث كدعوى الدّين، فَيحلف على الْعلم لَو أنكرها ومدعي الدّين على الْمَيِّت إِذا ادّعى على وَاحِد من الْوَرَثَة وحلفه فَلهُ أَن يحلف الْبَاقِي، لَان النَّاس يتفاوتون فِي الْيَمين، وَرُبمَا لَا يعلم الاول بِهِ وَيعلم الثَّانِي.
وَلَو ادّعى أحد الْوَرَثَة دينا على رجل للْمَيت وحلفه لَيْسَ للْبَاقِي تَحْلِيفه، لَان الْوَارِث قَائِم مقَام الْمُورث وَهُوَ لَا يحلفهُ إِلَّا مرّة.
انْتهى مُلَخصا بِزِيَادَة.

قَوْله: (أَو عينا على وَارِث) صورته: أَن يَقُول إِن هَذَا العَبْد الَّذِي ورثته عَن فلَان ملكي وبيدك بِغَيْر حق وَلَا بَيِّنَة لَهُ فَإِن الْوَارِث يحلفهُ على الْعلم يُخَصِّصَ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ بِصُورَةِ الْعَيْنِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ الْعِمَادِيَّةِ، فَإِنَّ جَرَيَانَ ذَلِكَ فِي
الدَّيْنِ مُشكل.
عزمي.
وَهَذَا بِنَاء على أَن القَاضِي يقْضِي بِعِلْمِهِ والمفتى بِهِ لَا فَيكون علمه كَعَدَمِهِ.
قَالَ الْعَلامَة أَبُو الطّيب: أَقُول فِي قَوْله فَإِن جَرَيَان ذَلِك فِي الدّين مُشكل نظر، لما قَالَ فِي نور الْعين نقلا عَن الْمُحِيط البرهاني: إِنَّمَا يحلف على الْعلم فِي الارث لَو علم القَاضِي بالارث أَو أقرّ بِهِ الْمُدَّعِي أَو برهن عَلَيْهِ، وَإِلَّا يحلف بتا، وَكَذَا لَو ادّعى دينا على الْوَارِث يحلف على الْعلم.
اه.

قَوْله: (أَو أقرّ بِهِ الْمُدَّعِي) هُوَ كَمَا سبق فِي التَّصْوِير.

قَوْلُهُ: (أَوْ بَرْهَنَ الْخَصْمُ) وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

قَوْله: (فَيحلف) أَي الْوَارِث على الْعلم فَإِن لم يعلم القَاضِي حَقِيقَة الْحَال وَلَا أقرّ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ وَلَا أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ مَا عَلَيْك تَسْلِيمُ هَذَا الْعين إِلَى الْمُدَّعِي.
عمادية.
قَالَ ط: يُمكن تَصْوِير بِأَن ادّعى مُدع على شخص إِن هَذِه الْعين لَهُ وَعجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة فَطلب يَمِينه على الْبَتّ فَقَالَ إِنَّهَا إِرْث وَأَرَادَ الْيَمين على الْعلم فَأنْكر الْمُدَّعِي ذَلِك فَأَقَامَ الْوَارِث بَيِّنَة على مدعاه فَإِنَّهُ يحلف على الْعلم: أَي فَالشَّرْط فِي تَحْلِيفه الْوَارِث على الْعلم فِي دَعْوَى الْعين أحد هَذِه الثَّلَاثَة.

قَوْله: (وَالْعين) الْوَاو بِمَعْنى أَو.

قَوْله: (الْوَارِث) أَي إنَّهُمَا حق موروث وَأنكر الْخصم.

قَوْله: (يحلف الْمُدعى عَلَيْهِ على الْبَتَات) أَي إنَّهُمَا ليسَا بِحَق مُوَرِثه.

قَوْله: (كموهوب وَشِرَاء.
دُرَر) يَعْنِي لَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ عَبْدًا فَقَبَضَهُ أَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فَجَاءَ رجل وَزعم أَنَّ الْعَبْدَ عَبْدَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَأَرَادَ استحلاف الْمُدعى عَلَيْهِ يحلف على الْبَتَات.
حَلَبِيّ عَن الدُّرَر: أَي أَنه لَيْسَ بِعَبْدِهِ، والاولى كموهوب ومشتري أَو كَهِبَة وَشِرَاء للموافقة لفظا، وَعلله الزَّيْلَعِيّ بِأَن الْهِبَة وَالشِّرَاء سَبَب مَوْضُوع للْملك بِاخْتِيَار الْمَالِك ومباشرته وَلَو لم يعلم أَنه ملك للْملك لَهُ لما بَاشر السَّبَب ظَاهرا، فَيحلف على

(8/58)


الْبَتَات، فَإِذا امْتنع عَمَّا أطلق لَهُ يكون باذلا، أما الْوَارِث فُلَانُهُ لَا اخْتِيَار لَهُ فِي الْملك، وَلَا يَدعِي مَا فعل الْمُورث فَلم يُوجد مَا يُطلق لَهُ الْيَمين على الْبَتَات، ولان الْوَارِث حلف على الْمُورث وَالْيَمِين لَا تجْرِي فِيهَا النِّيَابَة فَلَا يحلف على الْبَتَات، وَالْمُشْتَرِي والموهوب لَهُ أصل بِنَفسِهِ فَيحلف عَلَيْهِ.
اهـ.

قَوْله: (وَيحلف جَاحد الْقود) أَي مُنكر الْقصاص بِأَن ادّعى رجل عَلَيْهِ قصاصا.
عَيْني: أَي سَوَاء كَانَ فِي النَّفس أَو الاطراف بالِاتِّفَاقِ.
دامادا.

قَوْله: (حبس) أَي وَلَا يقْتَصّ، أما عِنْده فلَان النّكُول بذل وَلَا
يجْرِي فِي النَّفس، أَلا ترى أَنه لَو قَتله بأَمْره يجب عَلَيْهِ الْقصاص فِي رِوَايَة، وَفِي أُخْرَى الدِّيَة، وَلَو قطع يَده بأَمْره لَا يجب عَلَيْهِ شئ، إِلَّا أَنه لَا يُبَاح لعدم الْفَائِدَة، أما مَا فِيهِ فَائِدَة كالقطع للاكلة وَقلع السن للوجع لَا يَأْثَم بِفِعْلِهِ، وَأما عِنْدهمَا فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ إِقْرَارا إِلَّا أَن فِيهِ شُبْهَة فَلَا يثبت فِيهِ الْقود لانه كالحدود من وَجه.

قَوْله: (حَتَّى يقر) أَي فيقتص مِنْهُ.

قَوْله: (أَو يحلف) أَي عِنْد الامام فَيبرأ من الدَّعْوَى.
وَفِي الشلبي عَن الاتقاني، أَو يَمُوت جوعا لَان الانفس لَا يسْلك بهَا مسالك الاموال فَلَا يجْرِي فِيهَا الْبَذْل الَّذِي هُوَ مؤدي الانكار، وَإِذا امْتنع الْقصاص وَالْيَمِين حق مُسْتَحقّ يحبس بِهِ كَمَا فِي الْقسَامَة، فَإِنَّهُم إِذا نكلوا عَن الْيَمين يحبسون، حَتَّى يقرُّوا أَو يحلفوا.
وَفِي الْخَانِية فِي كَيْفيَّة التَّحْلِيف بِالْقَتْلِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَة يسْتَحْلف على الْحَاصِل بِاللَّه مَا لَهُ عَلَيْك دم ابْنه فلَان مثلا وَلَا قبلك حق بِسَبَب هَذَا الدَّم الَّذِي يَدعِي.
وَفِي رِوَايَة يحلف على السَّبَب بِاللَّه مَا قتلت فلَان بن فلَان ولي هَذَا عمدا.
وَفِيمَا سوى الْقَتْل من الْقطع والشجة وَنَحْو ذَلِك يحلف على الْحَاصِل بِاللَّه مَا لَهُ عَلَيْك قطع هَذَا العَبْد وَلَا لَهُ عَلَيْك ك حق بِسَبَبِهَا، وَكَذَلِكَ فِي الشجاج والجراحات الَّتِي يجب فِيهَا الْقصاص.
اهـ.

قَوْله: (وَفِيمَا دونه) أَي دون الْقود من الاطراف.

قَوْله: (يقْتَصّ) مِنْهُ: أَي عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى كَمَا علم مَا مر.

قَوْله: (فَيجْرِي فِيهَا الابتذال) أَي فَتثبت بِالنّكُولِ كَمَا أَن المَال يثبت بِهِ، والاولى الْبَذْل كَمَا فِي بعض النّسخ.

قَوْله: (خلافًا لَهما) فَإِنَّهُمَا قَالَا: يجب عَلَيْهِ الارش فيهمَا، وَلَا يقْضِي بِالْقصاصِ لَان الْقصاص فِيمَا دون النَّفس عُقُوبَة تدرأ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا تثبت بِالنّكُولِ كَالْقصاصِ فِي النَّفس، ولان النّكُول وَإِن كَانَ إِقْرَارا عِنْدهمَا فَفِيهِ شُبْهَة الْعَدَم فَلَا يثبت بِهِ الْقصاص، وَيجب بِهِ المَال خُصُوصا إِذا كَانَ امْتنَاع الْقصاص لِمَعْنى من جِهَة من عَلَيْهِ خَاصَّة، كَمَا إِذا أقرّ بالْخَطَأ وَالْوَلِيّ يَدعِي الْعمد، وَإِذا امْتنع الْقود تجب الدِّيَة، وَعند الثَّلَاثَة يقْتَصّ فيهمَا بعد حلف الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْعَيْنِيّ، وَأما إِذا كَانَ الِامْتِنَاع من جَانب من لَهُ كَمَا إِذا أَقَامَ على مَا ادّعى وَهُوَ الْقصاص رجلا وَامْرَأَتَيْنِ أَو الشَّهَادَة على الشَّهَادَة فَإِنَّهُ لَا يقْضِي بشئ لَان الْحجَّة قَامَت بِالْقصاصِ لَكِن تعذر اسْتِيفَاؤهُ وَلم يشبه الْخَطَأ فَلَا يجب شئ، وَلَا تفَاوت فِي هَذَا الْمَعْنى بَين النَّفس وَمَا دونهَا كَمَا فِي الْعِنَايَة.

قَوْله: (قَالَ الْمُدَّعِي لي بَيِّنَة الخ) أَطْلَقَ حُضُورَهَا فَشَمِلَ حُضُورَهَا فِي الْمِصْرِ بِصِفَةِ الْمَرَضِ،
وَظَاهِرُ مَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ خِلَافُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: الِاسْتِحْلَافُ يَجْرِي فِي الدَّعَاوَى الصَّحِيحَةِ إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَقُولُ الْمُدَّعِي لَا شُهُودَ لِي أَوْ شُهُودِي غُيَّبٌ أَوْ فِي الْمصر.
اهـ.
بَحر.

قَوْله: (فِي الْمصر) أَرَادَ بِهِ حضورهما فِيهِ أَو مَحل بَينه وَبَين مَحل الْمُدَّعِي دون مَسَافَة الْقصر، كَمَا يفِيدهُ الْكَلَام الْآتِي.
وَقيد فِي الْمصر، وَإِن كَانَ إِطْلَاق كَلَام المُصَنّف متناولا لما لَو كَانَت حَاضِرَة فِي الْمجْلس لانه الْمُخْتَلف فِيهِ.

(8/59)


قَالَ فِي الْبَحْر: أطلق فِي حُضُورهَا فَشَمَلَ حُضُورهَا فِي مجْلِس الحكم، وَلَا خلاف لَا يحلف وحضورها فِي الْمصر وَهُوَ مَحل الِاخْتِلَاف.

قَوْله: (لم يحلف) أَي عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى، لَان ثُبُوت الْحق فِي الْيَمين مُرَتّب على الْعَجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة، فَلَا تكون حَقه دونه.
عَيْني: أَي فَلَا تكون الْيَمين حَقه دون الْعَجز.

قَوْله: (خلافًا لَهما) لَان الْيَمين حَقه بِالْحَدِيثِ الشريف، وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَك يَمِينه حِين سَأَلَ الْمُدَّعِي فَقَالَ: أَلَك بَيِّنَة؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: لَك يَمِينه، فَقَالَ يحلف وَلَا يُبَالِي، فَقَالَ (ص) : لَيْسَ لَك إِلَّا هَذَا، شَاهِدَاك أَو يَمِينه فَصَارَ الْيَمين حَقًا لَهُ لاضافته إِلَيْهِ بلام التَّمْلِيك، فَإِذا طَالبه بِهِ يجِيبه.
قَالَ ط: وَفِي الِاسْتِدْلَال بِهِ نظر لانه (ص) إِنَّمَا جعل لَهُ الْيَمين عِنْد فَقده الْبَيِّنَة.
قَالَ فِي الْبَحْر: اخْتلف النَّقْل عَن مُحَمَّد، فَمنهمْ من ذكره مَعَ أبي يُوسُف كالزيلعي والخصاف، وَمِنْهُم من ذكره مَعَ الامام كالطحاوي.

قَوْله: (وَقدر فِي الْمُجْتَبى الْغَيْبَة بِمدَّة السّفر) قَالَ فِيهِ بينتي غَائِبَة عَن الْمصر حلف عِنْد أبي حنيفَة، وَقيل قدر الْغَيْبَة بمسيرة سفر.
اهـ.
فقد خَالف مَا نَقله المُصَنّف عَن ابْن ملك من أَن فِي الغائبة عَن الْمصر يحلف اتِّفَاقًا.

قَوْلُهُ: (وَيَأْخُذُ الْقَاضِي) أَيْ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الصُّغْرَى: هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي عَالِمًا بِذَلِكَ، أَمَّا إذَا كَانَ جَاهِلًا فَالْقَاضِي يَطْلُبُ.
رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ.
بَحر.
وَالْمرَاد بِأخذ القَاضِي كَفِيلا: أَي مِمَّن عَلَيْهِ الْحق لَا بِالْحَقِّ نَفسه، وَقد تقدم فِي كتاب الْكفَالَة فِي كَفَالَة النَّفس أَنه لَو أعْطى كَفِيلا بِنَفسِهِ بِرِضَاهُ جَازَ اتِّفَاقًا، وَلَا يجْبر عَلَيْهِ عِنْد الامام خلافًا لَهما، فعندهما يجْبر بالملازمة فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَة للتَّقْيِيد بِهَذَا، وَلَيْسَ مَذْكُورا فِي الدُّرَر وَلَا فِي شرح الْكَنْز.
تَأمل.

قَوْله: (فِي مَسْأَلَة الْمَتْن) وَهِي قَالَ الْمُدَّعِي لي بَيِّنَة حَاضِرَة الخ وَقيد بِهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ
لَا بَيِّنَةَ لِي أَوْ شُهُودِي غُيَّبٌ لَا يَكْفُلُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ.
كَذَا فِي الْهِدَايَة.

قَوْله: (فِيمَا لَا يسْقط بِشُبْهَة) أما فِيمَا يسْقط بهَا كالحدود وَالْقصاص، فَلَا يجْبر على دفع الْكَفِيل كَمَا تقدم.
قَالَ فِي الْبَحْر: ادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً حَاضِرَةً عَلَى الْعَفْوِ أُجِّلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ وَقَالَ لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ يُقْضَى بِالْقِصَاصِ قِيَاسًا كَالْأَمْوَالِ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يُؤَجَّلُ اسْتِعْظَامًا لامر الدَّم.
اهـ.
قَالَ الرَّمْلِيّ: وَمُقْتَضى الاطلاق أَن دَعْوَى الطَّلَاق كدعوى الاموال وَأَن احتاطوا فِي الْفروج لَا تبلغ استعظام أَمر الدِّمَاء، وَلذَلِك يثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ.
اهـ.

قَوْله: (كَفِيلا ثِقَة يُؤمن هروبه) وَله أَن يطْلب وَكيلا بخصومته.
قَالَ فِي الْكَافِي: وَله أَن يطْلب وَكيلا بخصومته حَتَّى لَو غَابَ الاصل يُقيم الْبَيِّنَة على الْوَكِيل، فَيقْضى عَلَيْهِ، وَإِن أعطَاهُ وَكيلا أَن يُطَالِبهُ بالكفيل بِنَفس الْوَكِيل، وَإِذا أعطَاهُ كَفِيلا بِنَفس الْوَكِيل لَهُ أَن يُطَالِبهُ بالكفيل بِنَفس الاصيل لَو كَانَ الْمُدَّعِي دينا، لَان الدّين يَسْتَوْفِي من ذمَّة الاصيل دون الْوَكِيل، فَلَو أَخذ كَفِيلا بِالْمَالِ لَهُ أَن يطْلب كَفِيلا بِنَفس الاصيل، لَان الِاسْتِيفَاء من الاصيل قد يكون أيسر، وَإِن كَانَ الْمُدَّعِي مَنْقُولًا لَهُ أَن يطْلب مِنْهُ مَعَ ذَلِك كَفِيلا بِالْعينِ ليحضرها، وَلَا يغيبه الْمُدعى عَلَيْهِ وَإِن كَانَ عقارا لَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك لانه لَا يقبل التغييب، وَصَحَّ أَن يكون الْوَاحِد كَفِيلا بِالنَّفسِ ووكيلا بِالْخُصُومَةِ لَان الْوَاحِد يقوم بهما، فَلَو أقرّ وَغَابَ قضى، لانه قَضَاء إِعَانَة اهـ.

(8/60)


وَفِيه: وَلَو أُقِيمَت الْبَيِّنَة فَلم تزك فَغَاب الْمَشْهُود عَلَيْهِ فَزُكِّيَتْ لَا يقْضى عَلَيْهِ حَال غيبته فِي ظَاهر الرِّوَايَة، لَان لَهُ حق الْجرْح فِي الشُّهُود، وَعَن أبي يُوسُف أَنه يقْضى.
اهـ.
وَاعْلَم أَنه يَنْبَغِي أَن يشْتَرط فِي الْوَكِيل مَا سبق فِي الْكَفِيل من كَونه ثِقَة مَعْرُوف الدَّار، وَفِي الْبَحْر عَن الصُّغْرَى: لَو أَبى إِعْطَاء الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ لم يجْبر.
اهـ.

قَوْله: (يُؤمن هروبه) تَفْسِير للثقة.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَفَسرهُ فِي الصُّغْرَى بِأَن لَا يخفي نَفسه وَلَا يهرب من الْبَلَد بِأَنْ يَكُونَ لَهُ دَارٌ مَعْرُوفَةٌ وَحَانُوتٌ مَعْرُوفٌ لَا يَسْكُنُ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ وَيَتْرُكُهُ وَيَهْرُبُ مِنْهُ، وَهَذَا شئ يحفظ جدا، وَيَنْبَغِي أَن يكون الْفَقِيه ثِقَة بوظائفه بالاوقاف، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ فِي دَارٍ أَو حَانُوت لانه لَا يَتْرُكهَا ويهرب اهـ.
وَفَسرهُ فِي شرح الْمَنْظُومَة بِأَن يكون مَعْرُوف الدَّار وَالتِّجَارَة، وَلَا يكون لحوحا مَعْرُوفا بِالْخُصُومَةِ، وَأَن يكون من أهل الْمصر لَا غَرِيبا.
اهـ.
قَالَ الْحَمَوِيّ: وَكَذَا العسكري فَإِنَّهُ لَا يهرب وَيتْرك علوفته من الدِّيوَان.
وَالْحَاصِل: أَن الْمدَار على الامن من الهروب اهـ.
وَفِي الْبَحْر أَيْضا عَن كَفَالَة الصُّغْرَى: القَاضِي أَوْ رَسُولِهِ إذَا أَخَذَ كَفِيلًا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنَفسِهِ بِأَمْر الْمُدَّعِي أَولا بِأَمْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُضِفْ الْكَفَالَةَ إلَى الْمُدَّعِي بِأَنْ قَالَ أَعْطِ كَفِيلًا بِنَفْسِك، وَلَمْ يَقُلْ للطَّالِب ترجع الْحُقُوق إِلَى القَاضِي وَرَسُوله، حَتَّى لَوْ سَلَّمَ إلَيْهِ الْكَفِيلَ يَبْرَأُ، وَلَوْ سَلَّمَ إلَى الْمُدَّعِي فَلَا، وَإِنْ أَضَافَ إلَى الْمُدَّعِي كَانَ الْجَواب على الْعَكْس اهـ.
وَفِيهِ عَنْهَا: طَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي وَضْعَ الْمَنْقُول على يَد عَدْلٍ وَلَمْ يَكْتَفِ بِكَفِيلِ النَّفْسِ: فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَدْلًا لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي، وَلَوْ فَاسِقًا يُجِيبُهُ.
وَفِي الْعَقَارِ لَا يُجِيبُهُ إلَّا فِي الشَّجَرِ الَّذِي عَلَيْهِ الثَّمَرُ لِأَنَّ الثَّمَرَ نقلي.
اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَظَاهر أَنَّ الشَّجَرَ مِنْ الْعَقَارِ، وَقَدَّمْنَا خِلَافَهُ.
وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ من الْعقار.
اهـ.
أَقُول: وَقدمنَا الصَّحِيح من ذَلِك فَلَا تنسه.
وَفِي الخزانة: إِذا أَقَامَ بَيِّنَة وَلم تزك فِي جَارِيَة يَضَعهَا القَاضِي على يَد امْرَأَة ثِقَة حَتَّى يسْأَل عَن الشُّهُود، وَلَا يَتْرُكهَا فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ عدلا كَانَ أَو لَا.
هَذَا إِن سَأَلَ الْمُدَّعِي من القَاضِي وَضعهَا.
اه.
وَإِنَّمَا أَخذ الْكَفِيل بِمُجَرَّد الدَّعْوَى اسْتِحْسَانًا لَان فِيهِ نظرا للْمُدَّعِي، وَلَيْسَ فِيهِ كثير ضَرَر بالمدعى عَلَيْهِ، وَهَذَا لَان الْحُضُور مُسْتَحقّ عَلَيْهِ بِمُجَرَّد الدَّعْوَى فصح التكفيل بإحضاره: أَي من غير جبر كَمَا قدمنَا.

قَوْله: (وَلَو وجيها) ضد الخامل، والوجيه من لَهُ حَظّ ورتبة، والخامل من خمل الرجل خمولا من بَاب قعد: سَاقِط لنباهة لَا حَظّ لَهُ.
مِصْبَاح.

قَوْله: (فِي ظَاهر الْمَذْهَب) أَي الْمُعْتَمد.
وَعَن مُحَمَّد أَن الْخصم إِذا كَانَ مَعْرُوفا أَو المَال حَقِيرًا وَالظَّاهِر من حَاله أَنه لَا يخفي نَفسه بذلك الْقدر من المَال لَا يجْبر على إِعْطَائِهِ الْكَفِيل.

قَوْله: (فِي الصَّحِيح) قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ تأقيت الْكفَالَة بِثَلَاثَة أَيَّام وَنَحْوهَا لَيْسَ لاجل أَن يبرأ الْكَفِيل عَنْهَا بعد الْوَقْت، فَإِنَّ الْكَفِيلَ إلَى شَهْرٍ لَا يَبْرَأُ بَعْدَهُ، لَكِنَّ التَّكْفِيلَ إلَى شَهْرٍ لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى الْكَفِيلِ، فَلَا يُطَالَبُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّهِ، لَكِنْ لَوْ عجل يَصِحُّ، وَهُنَا
لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى الْمُدَّعِي فَلَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِالتَّسْلِيمِ لِلْحَالِ إذْ قَدْ يَعْجِزُ الْمُدَّعِي عَن إِقَامَتهَا، وَإِنَّمَا يسلم إِلَى الْمُدَّعِي فَلَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِالتَّسْلِيمِ لِلْحَالِ إذْ قد يعجز الْمُدَّعِي عَنْ إقَامَتِهَا، وَإِنَّمَا يُسَلَّمُ إلَى الْمُدَّعِي بَعْدَ وُجُودِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، حَتَّى لَوْ أَحْضَرَ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ يُطَالِبُ الْكَفِيلَ.

قَوْلُهُ: (إلَى مَجْلِسِهِ) أَي

(8/61)


القَاضِي.

قَوْله: (لَازمه بِنَفسِهِ) أَيْ دَارَ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ فَلَا يُلَازِمُهُ فِي مَكَان معِين، وَلَا يُلَازِمُهُ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ بُنِيَ لِلذِّكْرِ، بِهِ يُفْتى.
بَحر.
وَفِيه: وَيَبْعَثُ مَعَهُ أَمِينًا يَدُورُ مَعَهُ.
وَرَأَيْت فِي الزِّيَادَات أَن الطَّالِب لَو أَمر غَيره بملازمة مديونه فللمديون أَن لَا يرضى بالامين عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى التَّوْكِيل بِلَا رضَا الْخصم، لكنه لَا يحْبسهُ فِي مَوضِع لَان ذَلِك حبس، وَهُوَ غير مُسْتَحقّ عَلَيْهِ بِنَفس الدَّعْوَى، وَلَا يشْغلهُ عَن التَّصَرُّف بل هُوَ يتَصَرَّف وَالْمُدَّعِي يَدُور مَعَه.
مطلب: هَل للطَّالِب أَن يمنعهُ من دُخُول دَاره إِن لم يَأْذَن لَهُ بِالدُّخُولِ مَعَه؟ وَإِذا انْتهى الْمَطْلُوب إِلَى دَاره فَإِن الطَّالِب لَا يمنعهُ من الدُّخُول إِلَى أَهله بل يدْخل والملازم يجلس على بَاب دَاره.
اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَة: وَمن الْقُضَاة الْمُتَأَخِّرين من أوجب حبس الْخصم، لَان الْمُدَّعِي يحْتَاج إِلَى طلب الشُّهُود وَغَيره.
اهـ.
وَفِي الْبَحْر: عَن الزِّيَادَات: أَن الْمَطْلُوب إِذا أَرَادَ أَن يدْخل بَيته، فإمَّا أَن يَأْذَن للْمُدَّعِي فِي الدُّخُول مَعَه أَو يجلس مَعَه على بَاب الدَّار، لانه لَو تَركه حَتَّى يدْخل الدَّار وَحده فَرُبمَا يهرب من جَانب آخر فَيفوت مَا هُوَ الْمَقْصُود مِنْهَا.
مطلب: فِيمَا لَو كَانَ الْمَطْلُوب امْرَأَة وَفِي تَعْلِيق أستاذنا: لَو كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ امْرَأَة فَإِن الطَّالِب لَا يلازمها بِنَفسِهِ، بل يسْتَأْجر امْرَأَة فتلازمها.
وَفِي أول كَرَاهِيَة الْوَاقِعَات: رجل لَهُ على امْرَأَة حق فَلهُ أَنْ يُلَازِمَهَا وَيَجْلِسَ مَعَهَا وَيَقْبِضَ عَلَى ثِيَابِهَا لَان هَذَا لَيْسَ بِحرَام، فَإِن هربت وَدخلت خربة لَا بَأْس بذلك إِذا كَانَ الرجل يَأْمَن على نَفسه وَيكون بَعيدا مِنْهَا يحفظها بِعَيْنِه، لَان فِي هَذِه الْخلْوَة ضَرُورَة، وَأَشَارَ بملازمته إِلَى مُلَازمَة الْمُدَّعِي لما فِي خزانَة الْمُفْتِينَ إِذا كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ متلافا وأبى عَطاء الْكَفِيل بالمدعي.
مطلب: لَهُ مُلَازمَة الْمُدَّعِي
فللمدعي أَن يلازم ذَلِك الشئ أَن يُعْطِيهِ كَفِيلا، وَإِن كَانَ الْمُدَّعِي ضَعِيفا عَن ملازمته يضع ذَلِك الشئ على يَد عدل.
اهـ.
وَظَاهر مَا فِي السراج الْوَهَّاج أَنه لَا يلازمه إِلَّا بِإِذن القَاضِي، وَذكر فِيهِ أَن مِنْهَا أَن يسكن حَيْثُ سكن.
وَفِي الْمِصْبَاح: دَار حول الْبَيْت يَدُور دورا ودورانا طَاف بِهِ، ودوران الْفلك تَوَاتر حركاته بَعْضهَا أثر بعض من غير ثُبُوت وَلَا اسْتِقْرَار.
وَمِنْه قَوْلهم: دارت الْمَسْأَلَة: أَي كلما تعلّقت بِمحل توقف ثُبُوت الحكم على غَيره فتنتقل إِلَيْهِ ثمَّ يتَوَقَّف على الاول وَهَكَذَا.
اهـ.

قَوْله: (مِقْدَار مُدَّة التكفيل) فَإِن لم يَأْتِ بِبَيِّنَة أمره أَن يخلي سَبيله وَلَا يقبل دَعوته إِلَّا بإحضار الْبَيِّنَة كَمَا لَا يخفى.

قَوْله: (إِلَّا أَن يكون الْخصم غَرِيبا أَي مُسَافِرًا) وَأي تَفْسِير مُرَاد، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن حكم الْمُقِيم مُرِيد السّفر كالغريب.
قَالَ فِي الْمنح: المُرَاد من الْغَرِيب الْمُسَافِر.

قَوْله: (إِلَى انْتِهَاء مجْلِس القَاضِي) أطلق فِي مِقْدَار القَاضِي فَشَمَلَ مَا إِذا كَانَ يجلس فِي كل خَمْسَة عشرَة يَوْمًا مرّة.
كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّة.

قَوْله: (دفعا للضَّرَر) بِأخذ الْكَفِيل وبالملازمة أَزِيد من ذَلِك، كَذَا علله فِي الْهِدَايَة لَان فِي أَخذ الْكَفِيل والملازمة زِيَادَة على ذَلِك إِضْرَارًا بِهِ يمنعهُ عَن السّفر، وَلَا ضَرَر هَذَا الْمِقْدَار ظَاهرا.

قَوْله: (حَتَّى لَو علم وَقت سَفَره) بِأَن قَالَ أخرج غَدا مثلا، فَلَو علم أَن السّفر قبل انْتِهَاء مجْلِس القَاضِي يكون التكفيل إِلَى

(8/62)


وَقت السّفر دفعا للضَّرَر.

قَوْله: (إِلَيْهِ) أَي إِلَى وَقت سَفَره.

قَوْله: (أَو يستخبر رفقاءه) بِأَن يبْعَث إِلَيْهِم أَمينا، فَإِن قَالُوا أعد لِلْخُرُوجِ مَعنا يكفله إِلَى وَقت الْخُرُوج.
بَحر.

قَوْله: (لَا بَيِّنَة لي الخ) هَذِه الْمَسْأَلَة من تَتِمَّة قَوْله وَتقبل الْبَيِّنَة لَو أَقَامَهَا بعد الْيَمين، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّارِح هُنَاكَ بقوله: وَإِنْ قَالَ قَبْلَ الْيَمِينِ لَا بَيِّنَةَ لِي، فَكَانَ الْمُنَاسب أَن يذكرهَا هُنَاكَ ح.

قَوْله: (قبل ذَلِك الْبُرْهَان) لَان الْيَمين الْفَاجِرَة أَحَق بِالرَّدِّ من الْبَيِّنَة العادلة كَمَا مر.

قَوْله: (فَهِيَ شُهُود زور) لَان الشَّهَادَة تتَعَلَّق بالشهود، وَيجب عَلَيْهِم أَدَاؤُهَا وَيَأْثَم كاتمها، وَهَذَا القَوْل مِنْهُ لَا يثبت زور الْعدْل لانه قبل الشَّهَادَة ولانه فِي غير مَعْلُوم ولانه جرح مُجَرّد ط.

قَوْله: (أَو قَالَ) أَي الْمُدَّعِي.

قَوْله: (حَلَفت) بتاء الْخطاب.

قَوْله: (كَمَا مر) عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ إلَخْ لَكِنْ هُنَاكَ الْيَمِينُ من الْمُدَّعِي، وَقدمنَا الْكَلَام
عَلَيْهِ هُنَاكَ.

قَوْلُهُ: (فَأَنْكَرَ الْمُدَّعِي) أَيْ مُدَّعِي الدَّيْنِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ) أَيْ لِمُدَّعِي الْإِيصَالِ.
قَوْلُهُ (فَطَلَبَ يَمِينَهُ) أَيْ يَمِينَ الدَّائِنِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ الْمُدَّعِي) أَيْ مُدَّعِي الدَّيْنِ.

قَوْلُهُ: (اجْعَلْ حَقِّي فِي الْخَتْم) المُرَاد بِهِ، وَالله تَعَالَى أعلم: المنقد فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْقَامُوس إِن المختم كمنبر آلَة ينْقد بهَا، فَرَاجعه ط.
أَقُول: وَلَعَلَّه الْمعد الَّذِي يعد عَلَيْهِ الصيارفة والتجار وَفِي بَيت المَال الدَّرَاهِم، وَالْمَقْصُود إِحْضَار الْحق.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: المُرَاد، بالختم الصَّك، وَمَعْنَاهُ اكْتُبْ الصَّك بِالْبَيِّنَةِ ثمَّ استحلفني، أَو المُرَاد بإحضار نفس الْحق فِي شئ مَخْتُومٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَفِي حَاشِيَةِ الْفَتَّالِ عَنْ الْفَتَاوَى الْأَنْقِرَوِيَّةِ: يَعْنِي أَحْضِرْ حَقِّي ثُمَّ اسْتَحْلِفْنِي، وَمثله فِي الحامدية.

قَوْله: (لحَدِيث من كَانَ حَالفا) صَدره كَمَا فِي الْحَمَوِيّ: لَا تحلفُوا بإبائكم وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ، فَمن كَانَ حَالفا الخ.
وَلما رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سمع عمر يحلف بِأَبِيهِ فَقَالَ: إِن الله يَنْهَاكُم أَن تحلفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمن كَانَ حَالفا فليحلف بِاللَّه أَو ليصمت رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأحمد.
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله (ص) لَا تحلفُوا إِلَّا بِاللَّه، وَلَا تحلفُوا إِلَّا وَأَنْتُم صَادِقُونَ رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
عَيْني.

قَوْله: (وَظَاهره) أَي ظَاهر قَول الخزانة من قَوْله: وَهُوَ قَوْله وَالله إِنَّه لَو حلفه بِغَيْرِهِ من أَسمَاء الله أَو صفة تعورف الْحلف بهَا لم يكن يَمِينا: يَعْنِي فِي بَاب الدَّعْوَى، وَيُمكن أَن يكون وَجهه أَن لفظ الْجَلالَة جَامع لجَمِيع الاسماء وَالصِّفَات حَتَّى صحّح بَعضهم

(8/63)


أَنه الِاسْم الاعظم، وَقد ورد تَحْلِيف الشَّارِع بِهِ فَيقْتَصر عَلَيْهِ، وَيحْتَمل أَنه ذكره على سَبِيل التَّمْثِيل لما علم فِي كتاب الايمان أَنه ينْعَقد الْحلف بِكُل اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى، وكل صفة تعورف الْحلف بهَا، وَقد صَرَّحُوا هُنَا بِمَا يدل على ذَلِك.
قَالَ فِي خزانَة الْمُفْتِينَ: مَتى حلفه بِاللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم كَانَ يَمِينا وَاحِدًا، وَإِذا حلفه بِاللَّه والرحمن والرحيم يكون ثَلَاثَة أَيْمَان اهـ.
فَهَذَا صَرِيح بِأَن الرَّحْمَن والرحيم يَمِين.
تَأمل.
وَمثله فِي التَّبْيِين فَإِنَّهُ قَالَ: ويحترز عَن عطف بعض الاسماء على بعض كَيْلا يتَكَرَّر عَلَيْهِ الْيَمين، وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْعَطْفِ فَأَتَى بِوَاحِدَةٍ وَنَكَلَ عَنْ الْبَاقِي لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ
يَمِين وَاحِدَة وَقد أَتَى بهَا.
اهـ.
وسيصرح الشَّارِح بِهِ فِي قَوْله ويجتنب الْعَطف كي لَا يتَكَرَّر الْيَمين وَفِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالْقَسَمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ كَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ وَالْحَقِّ، أَوْ بِصِفَةٍ يُحْلَفُ بِهَا مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى كَعِزَّةِ اللَّهِ وجلاله وكبريائه وعظمته الخ، فَهَذَا كُله يدل على كَونه يَمِينا، وَكَذَا مَا ثَبت فِي الحَدِيث وَرب الْكَعْبَة وَنَحْوه يَقْتَضِي أَن الْحلف بالرحمن والرحيم وَغَيره من أَسْمَائِهِ تَعَالَى يكون يَمِينا، على أَنه صرح فِي رَوْضَة الْقُضَاة بِأَن الْيَمين يكون بالرحمن والرحيم وَسَائِر أَسْمَائِهِ تَعَالَى.
وَأما الْحصْر فِي الحَدِيث الشريف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الجبت والطاغوت وَنَحْوهمَا.

قَوْله: (بِغَيْرِهِ) كالرحمن والرحيم.
بَحر.

قَوْله: (لم يكن يَمِينا) قد علمت أَن الْحق أَنه يَمِين، وَلَا يشكل عَلَيْهِ مَا يفهم من ظَاهر عبارَة الدُّرَر من قَوْله: وَالْحلف بِاللَّه تَعَالَى دون غَيره، وَإِن كَانَ ظَاهره أَن هَذَا التَّرْكِيب للحصر كَمَا فِي الْحَمد لله لَان المُرَاد أَن لَا يكون الْحلف إِلَّا بِذَاتِهِ تَعَالَى: أَي باسم من أَسْمَائِهِ الذاتية أَو الصفاتية فقد انْتَفَى الاشكال، على أَنه هُوَ الْمُصَرّح بِهِ فِي عُمْدَة الْكتب بل عامتهم، وَلَا يُمكن أَن يُقَال إِن مَا ذَكرُوهُ فِي كتاب الايمان فرق عَن هُنَا: أَي الدَّعْوَى لانه لم يُصَرح أحد يفرق أصلا.

قَوْله: (وَلم أره صَرِيحًا بَحر) حَيْثُ قَالَ بعد نَقله عبارَة الخزانة: وَظَاهره أَنه لَا تَحْلِيف بِغَيْر هَذَا الِاسْم، فَلَو حلفه بالرحمن أَو الرَّحِيم لَا يكون يَمِينا، وَلم أره صَرِيحًا اهـ.
قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: فِيهِ قُصُور لوُجُود النَّص على خِلَافه، فقد ذكر فِي كتاب الايمان أَنه لَو قَالَ: والرحمن أَو الرَّحِيم أَو الْقَادِر فَكل ذَلِك يَمِين، وَيدل عَلَيْهِ قَوْلهم فِيمَا إِذا غلظ بِذكر الصّفة يحْتَرز عَن الاتيان بِالْوَاو لِئَلَّا تَتَكَرَّر الْيَمين وَنَصه هُنَا فِي تَحْلِيف الاخرس أَن يُقَال لَهُ عهد الله عَلَيْك، وَلَا فرق بَينه وَبَين الصَّحِيح بل صرح بِهَذَا الصَّحِيح، وَصرح فِي رَوْضَة الْقُضَاة بِأَن الرَّحْمَن الرَّحِيم وَسَائِر أَسمَاء الله تَعَالَى تكون يَمِينا اهـ.
أَقُول: وَالْعجب من المُصَنّف حَيْثُ نَقله وَأقرهُ عَلَيْهِ، وَكَذَا الشَّارِح.

قَوْله: (لَا بِطَلَاق وعتاق وَإِن ألح الْخصم) أَي داوم على طلب الْيَمين بهما، وَمثل الطَّلَاق وَالْعتاق الْحَج كَمَا فِي الْعِنَايَة، وَقد قصد بِهَذَا مُخَالفَة الْكَنْز والدرر حَيْثُ قَالَ: إِلَّا إِذا ألح الْخصم، وَحَكَاهُ فِي الْكَافِي بقيل، وَكَذَا فِي
الْهِدَايَة، فَإِن مَا مَشى عَلَيْهِ الشَّارِح هُوَ ظَاهر الرِّوَايَة.

قَوْله: (لَان التَّحْلِيف بهما حرَام) بل فِي الْقُهسْتَانِيّ عَن الْمُضْمرَات اخْتلفُوا فِي كفره إِذا قَالَ حلفه بِالطَّلَاق، وَقدمنَا الْكَلَام قَرِيبا على مَا لَو حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا مَالَ عَلَيْهِ ثُمَّ برهن الْمُدَّعِي على المَال، وَسَيَأْتِي فِي كَلَام الشَّارِح.

قَوْله: (وَقِيلَ إنْ مَسَّتْ الضَّرُورَةُ فُوِّضَ إلَى الْقَاضِي) قَالَ فِي الْمنية: وَإِن مست الضَّرُورَة يُفْتِي أَن الرَّأْي فِيهِ للْقَاضِي.
قَوْله:

(8/64)


(وَظَاهره أَنه مُفَرع على قَول الاكثر) تبع فِيهِ المُصَنّف وَصَاحب الْبَحْر وَهُوَ عَجِيب، فَإِن صَاحب الخزانة صرح بِأَن ذَلِك على قَول الاكثر فَهُوَ صَرِيح لَا ظَاهر.

قَوْله: (وَإِلَّا فَلَا فَائِدَة) قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: قد تكون فَائِدَته اطمئنان خاطر الْمُدَّعِي إِذا حلف فَرُبمَا كَانَ مشتبها عَلَيْهِ الامر لنسيان وَنَحْوه، فَإِذا حلف لَهُ بهما صدقه اهـ.
وَفِي شرح الْمُلْتَقى عَن الباقلاني: الاقرار بالمدعي إِذا احْتَرز عَنهُ.
اهـ: أَي تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا كَانَ جَاهِلًا بِعَدَمِ اعْتِبَارِ نُكُولِهِ، فَإِذَا طَلَبَ حَلِفَهُ بِهِ رُبَّمَا يمْتَنع ويقر بالمدعي.

قَوْله: (وَاعْتَمدهُ المُصَنّف) حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا كَلَام ظَاهر يجب قبُوله والتعويل عَلَيْهِ، لَان التَّحْلِيف إِنَّمَا يقْصد لنتيجته، وَإِذا لم يقْض بِالنّكُولِ عَنهُ فَلَا يَنْبَغِي الِاشْتِغَال بِهِ، وَكَلَام الْعُقَلَاء فضلا عَن الْعلمَاء الْعِظَام يصان عَن اللَّغْو، وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ اهـ.
لَكِنَّ عِبَارَةَ ابْنِ الْكَمَالِ: فَإِنْ أَلَحَّ الْخَصْمُ: قيل يَصح بِهِمَا فِي زَمَانِنَا لَكِنْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا، وَلَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لَا يَنْفُذُ انْتَهَت.
وَاسْتشْكل فِي السعدية بِأَنَّهُ إِذا امْتنع عَمَّا هُوَ مَنْهِيّ عَنهُ شرعا فَكيف يجوز للْقَاضِي تَكْلِيف الاتيان بِمَا هُوَ مَنْهِيّ عَنهُ شرعا؟ وَلَعَلَّ ذَلِك الْبَعْض يَقُول النَّهْي تنزيهي، وَمثل مَا فِي ابْن الْكَمَال فِي الزَّيْلَعِيِّ وَشَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَائِلَ بِالتَّحْلِيفِ بِهِمَا يَقُولُ إنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَلَكِنْ يُعْرَضُ عَلَيْهِ لَعَلَّهُ يَمْتَنِعُ، فَإِنَّ مَنْ لَهُ أَدْنَى دِيَانَةٍ لَا يَحْلِفُ بِهِمَا كَاذِبًا فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى طَلَاقِ الزَّوْجَةِ وَعِتْقِ الْأَمَةِ أَوْ إمْسَاكِهِمَا بِالْحَرَامِ، بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُتَسَاهَلُ بِهِ فِي زَمَانِنَا كَثِيرًا.
تَأَمَّلْ.

قَوْله: (لَا يفرق) أَي بَين الزَّوْج وَالزَّوْجَة.

قَوْله: (لَان السَّبَب لَا يسْتَلْزم قيام الدّين) لاحْتِمَال وفائه أَو إبرائه أَو هِبته مِنْهُ، وَهَذَا التَّفْصِيل هُوَ
الْمُفْتى بِهِ كَمَا فِي شرح عبد الْبر ط.

قَوْله: (وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى قِيَامِ الْمَالِ: لَا يَحْنَث لاحْتِمَال صدقه) .
أَقُول: تقدم قَرِيبا قَوْله وَيظْهر كذبه بإقامتها لَوْ ادَّعَاهُ: أَيْ الْمَالَ بِلَا سَبَبٍ فَحَلَفَ، وَإِن ادَّعَاهُ بِسَبَب فَحلف أَن لَا دين عَلَيْهِ ثمَّ أَقَامَهَا لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ وَجَدَ الْقَرْضَ، ثُمَّ وَجَدَ الْإِبْرَاءَ أَوْ الْإِيفَاءَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.
وَقد ذكرنَا هُنَاكَ الْكَلَام وَبحث الْمَقْدِسِي فِيهِ وَالْجَوَاب عَنهُ فَرَاجعه إِن شِئْت.

قَوْله: (وَقد تقدم) أَي فِي كَلَام المُصَنّف حَيْثُ قَالَ: وَيظْهر كذبه بإقامتها لَو ادَّعَاهُ بِلَا سَبَب فَحلف الخ، وَإِنَّمَا أعَاد هُنَا لَان هَذِه الْعبارَة أوضح وأدل على الْمَطْلُوب، وفيهَا زِيَادَة فَائِدَة كذكر الْخلاف بَين مُحَمَّد وَأبي يُوسُف، وَهُوَ كالشرح للعبارة الْمُتَقَدّمَة، فقد بَين بِهِ أَن إِطْلَاق الدُّرَر على قَول أحد الشَّيْخَيْنِ، وَلَا اعْتِرَاض على من أَتَى بالعبارة التَّامَّة بعد الْعبارَة القاصرة، كَمَا قَالُوا فِي عطف الْعَام على الْخَاص لَا يحْتَاج إِلَى نُكْتَة لما فِيهِ من زِيَادَة الْفَائِدَة.
تَأمل.

(8/65)


مطلب: مسَائِل ذكرهَا الْخصاف فِي آخر كتاب الْحِيَل قَالَ الْعَلامَة الشلبي فِي حَاشِيَة الزَّيْلَعِيّ: وَنَذْكُر نبذا من مسَائِل ذكرهَا الْخصاف فِي آخر كتاب الْحِيَل: إِن قَالَ كل امْرَأَة لي طَالِق مثلا، وَنوى كل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا بِالْيَمِينِ أَو الْهِنْد أَو بالسند أَو فِي بلد من الْبلدَانِ لَهُ نِيَّته، وَإِن ابْتَدَأَ الْيَمين يحتال وَيَقُول: هُوَ الله، ويدغم ذَلِك حَتَّى لَا يفهم المستحلف.
فَإِن قَالَ المستحلف: إِنَّمَا أحلفك بِمَا أُرِيد وَقل أَنْت نعم، وَيُرِيد أَن يستحلفه بِاللَّه وَالطَّلَاق وَالْعتاق وَالْمَشْي وَصدقَة مَا يملك، يَقُول نعم وَيَنْوِي نعما من الانعام، وَكَذَا لَو قيل لَهُ نساؤك طَوَالِق وَنوى نِسَاءَهُ العور أَو العميان أَو العرجان أَو المماليك أَو اليهوديات فَيكون لَهُ نِيَّته.
وَإِن أَرَادَ أَن يحلف أَنه لم يفعل كَذَا وأحصر الْمَمْلُوك ليحلف بِعِتْقِهِ قَالَ: يضع يَده على رَأس الْمَمْلُوك أَو ظَهره وَيَقُول هَذَا حر: يَعْنِي ظَهره إِن كَانَ فعل فَلَا يعْتق الْمَمْلُوك.
وَإِن حلف بِعِتْق الْمَمْلُوك أَنه لم يفعل كَذَا، وَنوى بِمَكَّة أَو فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، أَو فِي بلد من
الْبلدَانِ لَا يَحْنَث إِن كَانَ فعله فِي غير ذَلِك الْموضع.
وَإِن حلف بِطَلَاق امْرَأَته وَيَقُول امْرَأَتي طَالِق ثَلَاثًا، وَيَنْوِي عملا من الاعمال كالخبز وَالْغسْل أَو أطالق من وثاق، وَيَنْوِي بقوله ثَلَاثًا ثَلَاثَة أَيَّام أَو أشهر أَو جمع فَلَا حنث.
وَلَو بلغ سُلْطَانا عَن رجل كَلَام فَأَرَادَ السُّلْطَان أَن يحلفهُ عَلَيْهِ فَالْوَجْه أَن يَقُول: مَا الَّذِي بلغك عني؟ فَإِذا قَالَ بَلغنِي عَنْك كَذَا وَكَذَا، فَإِن شَاءَ حلف لَهُ بالعتاق وَالطَّلَاق أَنه مَا قَالَ هَذَا الْكَلَام الَّذِي حَكَاهُ هَذَا وَلَا سمع بِهِ إِلَّا هَذِه السَّاعَة فَلَا إِثْم عَلَيْهِ، وَإِن شَاءَ نوى فِي الطَّلَاق وَالْعتاق مَا شرحناه، وَإِن شَاءَ نوى أَنه لم يتَكَلَّم بِهَذَا الْكَلَام بِالْكُوفَةِ مثلا غير الْبَلَد الَّذِي تكلم فِيهِ بِهِ أَو الْموضع، أَو يَنْوِي عدم التَّكَلُّم لَيْلًا، وَإِن تكَلمه نَهَارا أَو عَكسه أَو يَنْوِي زَمنا غير الَّذِي تكلم فِيهِ.
اهـ مُلَخصا.
أَقُول: الظَّاهِر فِي ذَلِك أَن الْحَالِف مَظْلُوما، أما لَو كَانَ ظَالِما فَلَا يَنْوِي، بل الْعبْرَة بِظَاهِر اللَّفْظ الْعرفِيّ الَّذِي حلف بِهِ، لَان الْأَيْمَان مَبْنِيَّة على الْأَلْفَاظ لَا على الْأَغْرَاض كَمَا علم ذَلِك من كتاب الايمان، فَرَاجعه.

قَوْله: (ويغلظ بِذكر أَوْصَافه تعاى) أَيْ يُؤَكِّدُ الْيَمِينَ بِذِكْرِ أَوْصَافِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ مثل قَوْله: * ((59) هُوَ الله الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة الرَّحْمَن الرَّحِيم) * (الْحَشْر: 22) الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ مَا لِفُلَانٍ هَذَا عَلَيْك وَلَا قِبَلَك هَذَا المَال الَّذِي ادَّعَاهُ وَلَا شئ مِنْهُ، لِأَنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ شَتَّى، فَمِنْهُمْ مَنْ يمْتَنع عَن الْيَمين بالتغليظ، ويتجاسر عِنْدَ عَدَمِهِ فَيُغَلَّظُ عَلَيْهِ لَعَلَّهُ يَمْتَنِعُ بِذَلِكَ، وَلَو لم يغلظ جَازَ، وَقيل: لَا تَغْلِيظ على الْمَعْرُوف بالصلاح، ويغلظ على غَيره، وَقيل يغلظ على الخطير من المَال دون الحقير.
عَيْني.

قَوْله: (وَقَيده) أَي قيد بَعضهم التَّغْلِيظ.

قَوْله: (بفاسق) أَي إِذا كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ فَاسِقًا.

قَوْله: (وَمَال خطير) أَي كَمَا ذكرنَا كَمَا بَينه فِي خزانَة الْمُفْتِينَ وتبيين الْحَقَائِق.

قَوْله: (وَالِاخْتِيَار فِيهِ) أَي فِي التَّغْلِيظ لما علمت من أَنه جَائِز وَيجوز إرجاع الضَّمِير إِلَى أصل الْيَمين: أَي الِاخْتِيَار فِي الْيَمين بِأَن يَقُول لَهُ قل وَالله أَو بِاللَّه أَو الرَّحْمَن والقادر على مَا سلف، وَقد صَرَّحُوا أَن التَّحْلِيف حق القَاضِي: أَي الِاخْتِيَار فِي صفة التَّغْلِيظ إِلَى الْقُضَاة يزِيدُونَ فِيهِ مَا شاؤوا أَو ينقصُونَ مَا شاؤوا وَلَا يغلظون لَو شاؤوا كَمَا فِي الْبَحْر عَن الْخُلَاصَة.

قَوْله: (وَفِي صفته) أَي التَّغْلِيظ

(8/66)


الَّتِي ينْطَلق بهَا.

قَوْله: (إِلَى القَاضِي) أَي تفويضه إِلَى القَاضِي.

قَوْله: (ويجتنب الْعَطف) أَي فِي الْيَمين فَلَا يذكرهُ بِحرف الْعَطف ويحترز عَن عطف بعض الاسماء على بعض وَإِلَّا لتَعَدد الْيَمين، وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْعَطْفِ فَأَتَى بِوَاحِدَةٍ وَنَكَلَ عَنْ الْبَاقِي لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ يَمِين وَاحِدَة وَقد أَتَى بهَا كَمَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيّ وقدمناه قَرِيبا فَلَا تنسه.

قَوْله: (لَا يسْتَحبّ) وَقيل لَا يجب، وَقيل لَا يشرع.
وَظَاهر مَا فِي الْهِدَايَة أَن الْمَنْفِيّ وجوب التَّغْلِيظ بهما فَيكون مَشْرُوعا، وَظَاهر مَا فِي الْمُحِيط فِي مَوضِع أَن الْمَنْفِيّ كَونه سنة وَفِي مَوضِع بعده عدم مشروعيته حَيْثُ قَالَ: لَا يجوز التَّغْلِيظ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان، وَصرح فِي غَايَة الْبَيَان أَن للْحَاكِم فعله عندنَا إِن رأى ذَلِك، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي كَونه وَاجِبا أَو سنة.
وَفِي الْبَحْر: لَا يجوز التَّغْلِيظ بِالْمَكَانِ.
قَالَ فِي الْكَافِي: قيل لَا يجب، وَقيل لَا يشرع، لَان فِي التَّغْلِيظ بِالزَّمَانِ تَأْخِير حق الْمُدَّعِي إِلَى ذَلِك الزَّمَان.
قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: وَكَذَا فِي الْمَكَان لَان فِيهِ التَّأْخِير إِلَى الْوُصُول إِلَى ذَلِك الْمَكَان المغلظ بِهِ، فَلَا يشرع.
كَذَا فِي التَّبْيِين وَالْكَافِي.
اهـ.
قلت: وَهَذَا لَا يظْهر إِذا كَانَ على وفْق مَطْلُوبه، وَلَو علل بمخالفته الْمَشْرُوع لَكَانَ أولى، وَعند الشَّافِعِي: يسْتَحبّ هَذَا التَّغْلِيظ فِي قَول، وَيجب فِي قَول بِهِ قَالَ مَالك كَمَا فِي البناية وَغَيره.
أَقُول: الظَّاهِر أَن الْمَذْهَب عندنَا عدم جَوَاز هَذَا التَّغْلِيظ، وَعَلِيهِ دَلَائِل مَشَايِخنَا الْمَذْكُورَة فِي الشُّرُوح وَأما سلب حسن هَذَا لتغليظ تَارَة وسلب الْوُجُوب أُخْرَى فِي عبارتهم فمبني على نفي مَذْهَب الْخصم.
تدبر.

قَوْله: (بِزَمَان) مثل يَوْم الْجُمُعَة.

قَوْله: (وَلَا بمَكَان) مثل الْجَامِع عِنْد الْمِنْبَر أَو مَا بَين الرُّكْن وَالْمقَام وَعند قَبره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَعند صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس.

قَوْله: (وَظَاهره أَنه مُبَاح) فِيهِ أَن الْمُبَاح مَا اسْتَوَى طرفاه فَكَانَ يَقُول فَهُوَ خلاف الاولى.
وَأَقُول كَيفَ يكون مُبَاحا وَفِيه زِيَادَة على النَّص، وَهُوَ قَوْله (ص) الْيَمين على من أنكر وَهُوَ مُطلق عَن التَّقْيِيد بِزَمَان أَو مَكَان، والتخصيص بهما زِيَادَة على النَّص، وَهُوَ نسخ كَمَا أَفَادَهُ الْعَيْنِيّ.
وَفِي شرح الْمُلْتَقى للداماد وَعند الائمة الثَّلَاثَة: يجوز أَن تغلظ بهما أَيْضا إِن كَانَت الْيَمين فِي قسَامَة ولعان وَمَال عَظِيم.
قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: وَعَن أبي يُوسُف أَنه يوضع الْمُصحف فِي حجره، وَيقْرَأ الْآيَة الْمَذْكُورَة وَهِي * ((3) إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا) * (آل عمرَان: 77) الْآيَة ثمَّ يحلف فِي مَكَان مِنْهَا
كَمَا فِي الْمُضْمرَات.

قَوْله: (ويستحلف الْيَهُودِيّ) قَالَ فِي الْمِصْبَاح: الْيَهُودِيّ نِسْبَة إِلَى هود، وَهُوَ اسْم نَبِي عَرَبِيّ، وَسمي بِالْجمعِ والمضارع من هدى إِذا رَجَعَ، وَيُقَال هم يهود وَهُوَ غير منصرف للعلمية وَوزن الْفِعْل، وَجَاز تنوينه، وَقيل نِسْبَة إِلَى يهود بن يَعْقُوب.

قَوْله: (بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى) لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِابْنِ صوريا الاعور: أنْشدك بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى أَن حكم الزِّنَا فِي كتابكُمْ هَذَا كَمَا فِي الْبَحْر.

(8/67)


قَالَ فِي الْبَدَائِع: وَلَا يحلف على الاشارة إِلَى مصحف معِين: أَي من التَّوْرَاة بِأَن يَقُول: بِاللَّه الَّذِي أنزل هَذِه التَّوْرَاة أَو هَذَا الانجيل، لانه ثَبت تَحْرِيف بَعْضهَا فَلَا يُؤمن أَن تقع الاشارة إِلَى الْحَرْف المحرف فَيكون التَّحْلِيف تَعْظِيمًا لما لَيْسَ كَلَام الله تَعَالَى شرنبلالية.
أَو من حَيْثُ إِن الْمَجْمُوع لَيْسَ كَلَام الله تَعَالَى ط.

قَوْله: (وَالنَّصْرَانِيّ) قَالَ فِي الْمِصْبَاح: رجل نَصْرَانِيّ بِفَتْح النُّون وَامْرَأَة نَصْرَانِيَّة، وَرُبمَا قيل نصران ونصرانة، وَيُقَال هُوَ نِسْبَة إِلَى قَرْيَة يُقَال لَهَا نصْرَة، وَلِهَذَا قيل فِي الْوَاحِد نصري على الْقيَاس، وَالنَّصَارَى جمعه مثل مهري ومهارى، ثمَّ أطلق النَّصْرَانِي على كل من تعبد بِهَذَا الدّين اهـ.

قَوْله: (والمجوسي) قَالَ فِي الْمِصْبَاح: هِيَ كلمة فارسية يُقَال تمجس: إِذا دخل فِي دين الْمَجُوس، كَمَا يُقَال تهود أَو تنصر إدا دخل فِي دين الْيَهُود والنصاري.

قَوْله: (فيغلظ على كل بمعتقده) لتَكون ردعا لَهُ عَن الْيَمين الكاذبة.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَمَا ذكره من صُورَة تَحْلِيف الْمَجُوسِيّ مَذْكُور فِي الاصل.
وروى عَن أبي حنيفَة أَنه لَا يحلف أحد: أَي من أهل الْكفْر إِلَّا بِاللَّه خَالِصا تحاشيا عَن تشريك الْغَيْر مَعَه فِي التَّعْظِيم.
وَذكر الْخصاف أَنه لار يحلف غير الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ إِلَّا بِاللَّه، وَاخْتَارَهُ بعض مَشَايِخنَا لما فِي ذكر النَّار من تعظيمها، وَلَا يَنْبَغِي ذَلِك، بِخِلَاف الْكِتَابَيْنِ لانهما من كتبه تَعَالَى، وَظَاهر مَا فِي الْمُحِيط أَن مَا فِي الْكتاب قَول مُحَمَّد، وَمَا ذكره الْخصاف قَوْلهمَا.
فَإِنْ قُلْت: إذَا حَلَفَ الْكَافِرُ بِاَللَّهِ فَقَطْ وَنَكَلَ عَمَّا ذُكِرَ هَلْ يَكْفِيهِ أَمْ لَا؟ قلت: لم أره صَرِيحًا، وَظَاهر قَوْلهم إِن يُغَلَّظُ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَأَنَّهُ مِنْ بَاب التَّغْلِيظ، فَيَكْفِي بِاَللَّهِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ عَنْ الْوَصْفِ الْمَذْكُور.
اهـ.

قَوْله: (اخْتِيَار) قَالَ فِيهِ بعد قَول الْمَتْن ويستحلف الْيَهُودِيّ الخ وَلَو اقْتصر
فِي الْكل على قَوْله بِاللَّه فَهُوَ كَاف، لَان الزِّيَادَة للتَّأْكِيد كَمَا قُلْنَا فِي الْمُسلم، وَإِنَّمَا يغلظ ليَكُون أعظم فِي قُلُوبهم فَلَا يتجاسرون على الْيَمين الكاذبة.
اهـ.

قَوْله: (والوثني) الْوَثَنُ: الصَّنَمُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حجر أَو غَيره، وَالْجمع وثن مثل أَسد وَأسد وأوثان، وينسب إِلَيْهِ من يتدين بِعِبَادَتِهِ على لَفظه فَيُقَال رجل وَثني، وَأَرَادَ بالوثني الْمُشرك سَوَاء عبد صنما أَو وثنا أَو غَيرهمَا.

قَوْله: (لانه يقر بِهِ وَإِن عبد غَيره) أَي يعْتَقد أَن الله تَعَالَى خالقه لكنه يُشْرك مَعَه غَيره.
قَالَ تَعَالَى: * (وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَاوَات والارض ليَقُولن الله) * (لُقْمَان: 52) .

قَوْله: (وَجزم ابْن الْكَمَال بِأَن الدهرية) بِفَتْح الدَّال.
أَي الطَّائِفَة الَّذين يَقُولُونَ بقدم الدَّهْر وَيُنْكِرُونَ الصَّانِع وَيَقُولُونَ: إِن هِيَ إِلَّا أَرْحَام تدفع وَأَرْض تبلع، وَمَا يُهْلِكنَا إِلَّا الدَّهْر.
قَالَ فِي الْقَامُوس: الدَّهْر قد يعد فِي الاسماء الْحسنى والزمن الطَّوِيل والامد الْمَمْدُود وَألف سنة، والدهري وَيضم الْقَائِل بِبَقَاء الدَّهْر.

قَوْله: (لَا يعتقدونه تَعَالَى) وَإِن قَالُوا يقدمهُ لَان قدمه عِنْدهم بِأَنَّهُ قديم بِالزَّمَانِ، وَذَلِكَ لَان مِنْهُم من يَقُول القدماء خَمْسَة: الرب، والدهر، والفلك، والعناصر، والفراغ: أَي الْخَلَاء وَرَاء الْعَام، فالزهرا الْخَالِق لَهَا وَهِي قديمَة بِالزَّمَانِ لَا بِالذَّاتِ كَمَا فِي حَاشِيَة الْكُبْرَى.

قَوْله: (قلت وَعَلِيهِ فبماذا يحلفُونَ) قلت يحلفُونَ بِاللَّه تَعَالَى

(8/68)


لما فِي مِعْرَاج الدِّرَايَة عَن الْمَبْسُوط الْحر والمملوك وَالرجل وَالْمَرْأَة وَالْفَاسِق والصالح وَالْكَافِر وَالْمُسلم فِي الْيَمين سَوَاء، لَان الْمَقْصُود هُوَ الْقَضَاء بِالنّكُولِ، وَهَؤُلَاء فِي اعْتِقَاد الْحُرْمَة فِي الْيَمين الكاذبة سَوَاء.
اهـ.
أَقُول: والزنديق والمباحي داخلون تَحت الْمُشْركين، إِذْ قد سبق فِي صدر الْكتاب من الْبَدَائِع أَنهم لم يتجاسروا فِي عصر من الاعصار على إِظْهَار نحلهم سوء كفرهم، فَلَمَّا لم يقرُّوا بِالْوَاجِبِ الْوُجُود لله تَعَالَى تقدس عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ، وَلَا نَبِي من الانبياء، وَلم يقدروا على إِظْهَار مللهم ألْحقُوا بالمشركين، فيعدون مِنْهُم حكما، على أَنه قد صرح فِي بعض الْكتب أَنهم يقرونَ بِهِ تَعَالَى.
وَلَكِن ينفون الْقدر عَنهُ تَعَالَى فَظهر أَن الْكَفَرَة بأسرهم يَعْتَقِدُونَ الله تَعَالَى وتعمهم الْآيَة الْكَرِيمَة الْمُتَقَدّمَة، فيستحلفون بِاللَّه تَعَالَى، سَوَاء كَانَ المستحلف مِمَّن يعْتَقد الله تَعَالَى أَو لَا، فَإِنَّهُ وَإِن لم يعلم الله تَعَالَى يُعلمهُ،
فَإِذا حلف بِهِ كَاذِبًا فَالله تَعَالَى يقطع دابره وَيجْعَل دياره بَلَاقِع: أَي خَالِيَة، وَحِينَئِذٍ فَلَا معنى لقَوْل الشَّارِح: قلت الخ تَأمل.
أَقُول: وَهَذَا كُله بِخِلَاف الكتابيين كَمَا مر من أَنهم يحلفُونَ بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة أَو الانجيل، وَفِي الْمَقْدِسِي: لانهما من كتبه تَعَالَى.
قَالَ فِي شرح الاقطع: أما الصابئة إِن كَانُوا يُؤمنُونَ بِإِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام استحلفوا بِالَّذِي أنزل الصُّحُف على إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام، وَإِن كَانُوا يعْبدُونَ الْكَوَاكِب استحلفوا بِالَّذِي خلق الْكَوَاكِب.
اه.
إتقاني.
وَلَا تنس مَا قَرّرته.

قَوْله: (أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ) وَلَا يَقُول لَهُ: تحلف بِاللَّه مَا لهَذَا عَلَيْك حق فَإِنَّهُ لَا يكون يَمِينا، وَلَو أشر بنعم لانه يصير كَأَنَّهُ قَالَ احْلِف وَذَلِكَ لَا يكون يَمِينا أَفَادَهُ الاتقاني.
قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: وَلَا يَقُول لَهُ بِاللَّه إِن كَانَ كَذَا، لانه إِذا قَالَ نعم إِقْرَارا لَا يَمِينا.
اهـ.

قَوْله: (فَإِذَا أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ صَارَ حَالِفًا) وَإِن أَشَارَ بالانكار صَار نكولا وَيَقْضِي عَلَيْهِ: قنية.

قَوْله: (أَن عرفه) أَي الْخط.

قَوْله: (وَإِلَّا فبإشارته) ويعامل مُعَاملَة الاخرس.
عبد الْبر.

قَوْله: (وَلَو أعمى أَيْضا) أَي وَهُوَ أَصمّ أُخْرَى.

قَوْله: (فأبوه الخ) مُرَاده بِهِ مَا يعم الْجد، كَمَا أَن المُرَاد بوصيه مَا يَشْمَل وَصِيّ الْجد.
أَفَادَهُ عبد الْبر.
وَظَاهره أَنه يسْتَحْلف عَنهُ، فَإِن كَانَ كَذَلِك فَإِنَّهُ يكون مُخَصّصا لما تقدم من قَوْله إِن النِّيَابَة لَا تجْرِي فِي الْحلف.
كَذَا أَفَادَهُ بعض الْفُضَلَاء.
لَكِن صرح الْعَلامَة أَبُو السُّعُود بِأَنَّهُ مُسْتَثْنى من قَوْلهم الْحلف لَا تجْرِي فِيهِ النِّيَابَة، وَهُوَ ظَاهر فِي أَنه يحلف وَهُوَ ظَاهر فِي أَنه يحلف أَبوهُ أَو وَصِيّه.
تَأمل.

قَوْله: (أَو من نَصبه القَاضِي) الصَّوَاب ثمَّ من نَصبه القَاضِي لانه إِنَّمَا ينصب عَنهُ إِذا فقد من سبق ذكره عبد الْبر، وَهل يحلفُونَ على الْعلم لكَونه مِمَّا يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر أَو على الْبَتّ؟ يحرر ط.

قَوْله: (بَحر) قَالَ فِيهِ: وَالْقَاضِي لَا يحضرها بل هُوَ مَمْنُوع عَن ذَلِك.
كَذَا فِي الْهِدَايَة وَلَو قَالَ الْمُسلم لَا يحضرها لَكَانَ أولى، لما فِي التاترخانية: يكره للْمُسلمِ الدُّخُول فِي الْبيعَة والكنيسة من حَيْثُ إِنَّه مجمع الشَّيَاطِين، وَالظَّاهِر أَنَّهَا تحريمية لانها المرادة عِنْد الاطلاق، وَقَدْ أَفْتَيْت بِتَعْزِيرِ مُسْلِمٍ لَازَمَ الْكَنِيسَةَ مَعَ الْيَهُود.
اهـ.

قَوْله: (فِي دَعْوَى سَبَب يرْتَفع) أَي سَبَب ملك وَلَو حكميا أَو سَبَب ضَمَان، وَقيد بِهِ لَان الدَّعْوَى إِذا وَقعت مُطلقَة عَن سَبَب بِأَن ادّعى عبدا أَنه ملكه فاليمين على

(8/69)


الحكم بِلَا خلاف، فَيُقَال قل بِاللَّه مَا هَذَا العَبْد لفُلَان هَذَا وَلَا شئ مِنْهُ كَمَا فِي الْعمادِيَّة.

قَوْله: (يرْتَفع) أَي برافع كالاقالة وَالطَّلَاق وَالرَّدّ.

قَوْله: (أَي على صُورَة إِنْكَار الْمُنكر) وَهُوَ صُورَة دَعْوَى الْمُدَّعِي.
بَحر: هَذَا مَعْنَاهُ الاصطلاحي، أما مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ: فَالْحَاصِل من كل شئ مَا بَقِي وَثَبت وَذهب مَا سواهُ كَمَا فِي الْقَامُوس، وَيُمكن اعْتِبَاره هُنَا فَإِنَّهُ يحلف على الثَّابِت والمستقر الْآن، وَيكون قَوْله أَي على صُورَة الخ تَفْسِير مُرَاد، وَإِنَّمَا كَانَ على صورته، لَان الْمُنكر يَقُول لم يكن بَيْننَا بيع وَلَا طَلَاق وَلَا غصب.
وَالْحَاصِل: أَن التَّحْلِيف على الْحَاصِل نوع آخر من كَيْفيَّة الْيَمين، وَهُوَ الْحلف على الْحَاصِل وَالسَّبَب، وَالضَّابِط فِي ذَلِك أَن السَّبَب إِمَّا أَن يكون مِمَّا يرْتَفع برافع أَو لَا، فَإِن كَانَ الثَّانِي فالتحليف على السَّبَب بالاجماع، وَإِن كَانَ الاول فَإِن تضرر الْمُدَّعِي بالتحليف على الْحَاصِل عِنْد الطَّرفَيْنِ، وعَلى السَّبَب عِنْد أبي يُوسُف كَمَا سَيَأْتِي مفصلا.
قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: النَّوْعُ الثَّالِثُ فِي مَوَاضِعِ التَّحْلِيفِ عَلَى الْحَاصِلِ وَالتَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ جغ.
ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي دَيْنًا أَوْ مِلْكًا فِي عَيْنٍ أَوْ حَقًّا فِي عَيْنٍ، وَكُلٌّ مِنْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ مُطْلَقًا أَوْ بِنَاءً عَلَى سَبَبٍ، فَلَوْ ادَّعَى دَيْنًا وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبَهُ يُحَلَّفُ عَلَى الْحَاصِلِ مَا لَهُ قِبَلَك مَا ادَّعَاهُ وَلَا شئ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى مِلْكًا فِي عَيْنٍ حَاضِرٍ أَوْ حَقًّا فِي عَيْنٍ حَاضِرٍ ادَّعَاهُ مُطْلَقًا وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ سَبَبًا يُحَلَّفُ عَلَى الْحَاصِل مَا هَذَا لفُلَان وَلَا شئ مِنْهُ، وَلَوْ ادَّعَاهُ بِنَاءً عَلَى سَبَبٍ بِأَنْ ادّعى دينا بسب قَرْضٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ ادَّعَى مِلْكًا بِسَبَبِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ ادَّعَى غَصْبًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً يُحَلَّفُ عَلَى الْحَاصِلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، لَا عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا غصبت مَا استقرضت مَا أودعك مَا شريت مِنْهُ.
كَافِي.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: يُحَلَّفُ عَلَى السَّبَب فِي هَذِه الصُّور الْمَذْكُورَةِ، إلَّا عِنْدَ تَعْرِيضِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ أَيُّهَا الْقَاضِي قَدْ يَبِيعُ الْإِنْسَانُ شَيْئا ثمَّ يقيل، فَحِينَئِذٍ يحلف القَاضِي على الْحَاصِل صَحَّ.
وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ أَنْكَرَ السَّبَبَ يُحَلَّفُ عَلَى السَّبَبِ، وَلَوْ قَالَ مَا عَليّ مَا يَدعِيهِ يحلف على الْحَاصِل.
قاضيخان.
وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَقَاوِيلِ عِنْدِي وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقُضَاةِ.
يَقُول الْحَقِيرِ: وَكَذَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ اهـ.
وَقَالَ فَخر الاسلام الْبَزْدَوِيّ: اللَّائِق أَن يُفَوض الامر إِلَى القَاضِي فَيحلف على الْحَاصِل أَو السَّبَب أَيهمَا رَآهُ مصلحَة كَمَا فِي الْكَافِي، وَمَا فِي الْمَتْن ظَاهر الرِّوَايَة كَمَا فِي الشُّرُوح، وَاعْترض على رِوَايَة عَن أبي يُوسُف بِأَنِّي اللَّائِق التَّحْلِيف على السَّبَب دَائِما، وَلَا اعْتِبَار للتعريض، لانه لَو وَقع فعلى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة، وَإِن عجز فعلى الْمُدعى عَلَيْهِ الْيَمين.
وَأجِيب بِأَنَّهُ قد لَا يقدر عَلَيْهَا والخصم مِمَّن يقدم على الْيَمين الْفَاجِرَة، فاللائق التَّحْلِيف على الْحَاصِل كي لَا يبطل الْحق.
قَالَ البرجندي: مَا ذكره الْمُعْتَرض اعْتِرَاض على قَول أبي يُوسُف بِأَنَّهُ لَا فرق فِي ذَلِك بَين التَّعْرِيض وَعَدَمه، وَذَا لَا ينْدَفع بِهَذَا الْجَواب.

قَوْله: (أَي بِاللَّه مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ) إدْخَالُ النِّكَاحِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يُحَلَّفُ فِيهَا عَلَى الْحَاصِلِ عِنْدَهُمَا غَفْلَةٌ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالشَّارِحِينَ، لِأَنَّ أَبَا حنيفَة لَا يَقُول بالتحليف بِالنِّكَاحِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْإِمَامَ فَرَّعَ عَلَى قَوْلهمَا كتفريعه فِي الْمُزَارعَة على قَوْلهمَا.
بَحر.
أَو يُقَالَ: إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَعَ النِّكَاح دَعْوَى المَال كَمَا نقل عَن الْمَقْدِسِي، وَلَكِن ذكره فِي اليعقوبية أَيْضا ثمَّ قَالَ: وَهَذَا بعيد، لَان الظَّاهِر أَنه يحلف عِنْده فِي تِلْكَ الصُّورَة على

(8/70)


عدم وجوب المَال لَا على عدم النِّكَاح، فَلْيتَأَمَّل.
اهـ.

قَوْله: (وَمَا بَيْنكُمَا بيع قَائِم الْآن) هَذَا قَاصِر، وَالْحَقُّ مَا فِي الْخِزَانَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ.
قَالَ الْمُشْتَرِي: إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ فَإِنْ ذَكَرَ نَقْدَ الثَّمَنِ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا هَذَا العَبْد ملك الْمُدَّعِي، وَلَا شئ مِنْهُ بِالسَّبَبِ الَّذِي ادَّعَى، وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْته، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُشْتَرِي نَقْدَ الثَّمَنِ يُقَالُ لَهُ أَحْضِرْ الثَّمَنَ، فَإِذَا أَحْضَرَهُ اسْتَحْلَفَهُ بِاَللَّهِ مَا يَمْلِكُ قَبْضَ هَذَا الثَّمَنِ وَلَا تَسْلِيم هَذَا الْعَبْدِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَى، وَإِنْ شَاءَ حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ هَذَا شِرَاءٌ قَائِمٌ السَّاعَةَ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مَعَ نَقْدِ الثَّمَنِ دَعْوَى الْمَبِيعِ مِلْكًا مُطْلَقًا وَلَيْسَتْ بِدَعْوَى الْعَقْدِ، وَلِهَذَا تَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الثّمن فَيحلف على ملك الْمَبِيع، وَدَعوى البيع مَعَ تَسْلِيم الْمَبِيع، وَدَعوى الثَّمَنِ مَعْنًى وَلَيْسَتْ بِدَعْوَى الْعَقْدِ وَلِهَذَا تَصِحُّ مَعَ جَهَالَة الْمَبِيع فَيحلف على ملك الثّمن.

قَوْله: (وَمَا يجب عَلَيْك رده الْآن) الصَّوَاب مَا فِي الْخُلَاصَة: مَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ وَلَا مِثْلِهِ وَلَا بَدَلِهِ وَلَا شئ من ذَلِك انْتهى.
وَإِلَى بعض ذَلِك أَشَارَ الشَّارِح بقوله أَو بدله لَان الْمَغْصُوب لَو كَانَ هَالكا لَا يجب على
الْغَاصِب رد عينه لتعذر ذَلِك، بل يجب عَلَيْهِ رد مثله لَو مثلِيا أَو قِيمَته لَو قيميا، فَلَو حلفه بِاللَّه مَا يجب عَلَيْك رده وَكَانَ ذَلِك بعد هَلَاكه وَحلف على ذَلِك لم يَحْنَث لعدم وجوب رده ح.
بل يحلفهُ بِاللَّه مَا يجب عَلَيْك رده، وَلَا رد بدله ليعم حَاله قيام الْمَغْصُوب وهلاكه فَلَو ادّعى عَلَيْهِ قيام الْمَغْصُوب حلفه بِاللَّه مَا يجب عَلَيْك رده، وَإِن ادّعى عَلَيْهِ أَن الْمَغْصُوب قد هلك فِي يَده وَيُرِيد تَضْمِينه حلف بِاللَّه مَا يجب عَلَيْك بدله، وَإِنَّمَا عبر بِالْبَدَلِ ليعم الْمثل لَو مثلِيا وَالْقيمَة لَو قيميا.

قَوْله: (وَمَا هِيَ بَائِن مِنْك الْآن) هَذَا فِي الْبَائِن الْوَاحِد، وَأما إِذا كَانَ بِالثلَاثِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا فِي النِّكَاحِ الَّذِي بَيْنكُمَا وَفِي الرَّجْعِيّ يحلف بِاللَّه تَعَالَى مَا هِيَ طَالِقٌ فِي النِّكَاحِ الَّذِي بَيْنَكُمَا، وَهُوَ معنى قَوْله الْآن قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا فِي النِّكَاح الَّذِي بَيْنكُمَا.

قَوْله: (وَمَا بِعْت) أَي أَو مَا غصبت أَو مَا طلقت لاحْتِمَال أَنه رده أَو جدد النِّكَاح بعد الابانة.
قَالَ فِي الْبَحْر وَلم يسْتَوْف الْمُؤلف رَحمَه الله تَعَالَى الْمسَائِل المفرعة على هَذَا الاصل، فَمِنْهَا الامانة وَالدّين وَقد ذكرناهما.
وَفِي منية الْمُفْتِي: الْمُدعى عَلَيْهِ الالف يحلف بِاللَّه مَا لَهُ قبلك مَا يَدعِي وَلَا شئ مِنْهُ، لانه قد يكون عَلَيْهِ الالف إِلَّا درهما فَيكون صَادِقا.
اهـ.
وَفِيمَا ذكره الاسبيجابي فِي التَّحْلِيف على الْوَدِيعَة إِذا أنكرها الْمُدعى عَلَيْهِ يحلف على صُورَة إِنْكَاره بِاللَّه لَيْسَ لَهُ عنْدك شئ، وَلَا عَلَيْك دين وَعند أبي يُوسُف بِاللَّه مَا أودعهُ وَلَا بَاعه وَلَا أقْرضهُ قُصُور، وَالصَّوَاب مَا فِي الخزانة.
وَفِي دَعْوَى الْوَدِيعَة: إِذا لم تكن حَاضِرَة يحلف بِاللَّه مَا لَهُ هَذَا المَال الَّذِي ادَّعَاهُ فِي يَديك وَدِيعَة وَلَا شئ مِنْهُ، وَلَا لَهُ قبلك حق مِنْهُ لانه مَتى استهلكها أَو دلّ إنْسَانا عَلَيْهَا لَا تكون فِي يَدَيْهِ وَيكون عَلَيْهِ قيمتهَا فَلَا يَكْتَفِي بقوله فِي يَديك بل يضم إِلَيْهِ وَلَا لَهُ قبلك حق مِنْهُ احْتِيَاطًا.
اهـ.
وَمِنْهَا دَعْوَى الْملك الْمُطلق: فَإِن كَانَ فِي ملك مَنْقُول حَاضر فِي الْمجْلس يحلف بِاللَّه مَا هَذَا الْعين

(8/71)


ملك الْمُدَّعِي من الْوَجْه الَّذِي يَدعِيهِ وَلَا شئ مِنْهُ، وَإِن كَانَ غَائِبا من الْمجْلس إِن أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه فِي يَده وَأنكر كَونه ملك الْمُدَّعِي كلف إِحْضَاره ليشير إِلَيْهِ، وَإِن أنكر كَونه فِي يَده فَإِنَّهُ يسْتَحْلف بعد
صِحَة الدَّعْوَى مَا لهَذَا فِي يَديك كَذَا وَلَا شئ مِنْهُ وَلَا شئ عَلَيْك وَلَا قبلك وَلَا قيمَة وَهِي كَذَا وَلَا شئ مِنْهَا.
كَذَا فِي الخزانة.
وَمِنْهَا دَعْوَى إِجَارَة الضَّيْعَة أَو الدَّار أَو الْحَانُوت أَو العَبْد أَو دَعْوَى مُزَارعَة فِي أَرض أَو مُعَاملَة فِي نخل بِاللَّه مَا بَيْنك وَبَين هَذَا الْمُدَّعِي إِجَارَة قَائِمَة تَامَّة لَازِمَة الْيَوْم فِي هَذَا الْعين الْمُدَّعِي وَلَا لَهُ قبلك حق بالاجارة الَّتِي وصفت.
كَذَا فِي الخزانة.
وَمِنْهَا: مَا لَو ادَّعَت امْرَأَة على زَوجهَا أَنه جعل أمرهَا بِيَدِهَا وَإِنَّهَا اخْتَارَتْ نَفسهَا وَأنكر الزَّوْج، فَالْمَسْأَلَة على ثَلَاثَة أوجه، إِمَّا أَن يُنكر الزَّوْج الامر وَالِاخْتِيَار جَمِيعًا وَفِيه لَا يحلف على الْحَاصِل بِلَا خلاف، لانه لَو حلف مَا هِيَ بَائِن مِنْك السَّاعَة رُبمَا تَأَول قَول بعض الْعلمَاء: إِن الْوَاقِع بالامر بِالْيَدِ رَجْعِيّ، فَيحلف على السَّبَب، وَلكنه يحْتَاط فِيهِ للزَّوْج بِاللَّه مَا قلت لَهَا مُنْذُ آخر تزوج تَزَوَّجتهَا أَمرك بِيَدِك، وَمَا تعلم أَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفسهَا بِحكم ذَلِك الامر، وَإِن أقرّ بالامر وَأنكر اخْتِيَارهَا يحلف بِاللَّه مَا تعلم أَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفسهَا، وَإِن أقرّ بِالِاخْتِيَارِ وَأنكر الامر يحلف بِاللَّه مَا جعلت أَمر امْرَأَتك هَذِه بِيَدِهَا قبل أَن تخْتَار نَفسهَا فِي ذَلِك الْمجْلس، وَكَذَا إِن ادَّعَت أَن الزَّوْج حلف بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا أَن لَا يفعل كَذَا وَقد فعل فَهُوَ على التَّفْصِيل.
كَذَا فِي الخزانة.
وَمِنْهَا: أَن مَا ذكره فِي حلف البيع قَاصِر، وَالْحق مَا فِي الخزانة وَقد قدمْنَاهُ قَرِيبا.
وَمِنْهَا: فِي دَعْوَى الْكفَالَة إِذا كَانَت صَحِيحَة بِأَن ذكر أَنَّهَا منجزة أَو معلقَة بِشَرْط مُتَعَارَف وَأَنَّهَا كَانَت بِإِذْنِهِ أَو أجازها فِي الْمجْلس، وَإِذا حلفه يحلفهُ بِاللَّه مَا لَهُ قبلك هَذِه الالف بِسَبَب هَذِه الْكفَالَة الَّتِي يدعيها حَتَّى لَا يتَنَاوَلهُ كَفَالَة أُخْرَى، وَكَذَا إِذا كَانَت كَفَالَة بِعرْض بِاللَّه مَا لَهُ قبلك هَذَا الثَّوْب بِسَبَب هَذِه الْكفَالَة، وَفِي النَّفس بِاللَّه مَا لَهُ قبلك تَسْلِيم نفس فلَان بِسَبَب هَذِه الْكفَالَة الَّتِي يدعيها.
كَذَا فِي الخزانة.
وَمِنْهَا: تَحْلِيف الْمُسْتَحق.
قَالَ فِي الخزانة: رجل أعَار دَابَّة أَو أجرهَا أَو أودعها فجَاء مُدع وَأقَام بَيِّنَة أَنَّهَا لَهُ لَا يقْضِي لَهُ بشئ حَتَّى يحلف بِاللَّه مَا بِعْت وَلَا وهبت وَلَا أَذِنت فيهمَا وَلَا هِيَ خَارِجَة عَن ملكك للْحَال.
وَمِنْهَا: إِذا ادّعى غَرِيم الْمَيِّت إِيفَاء الدّين لَهُ وَأنكر الْوَارِث يحلف مَا تعلم أَنه قَبضه، وَلَا شئ مِنْهُ وَلَا برِئ إِلَيْهِ مِنْهُ.
كَذَا فِي الخزانة وَقدمنَا كَيْفيَّة تَحْلِيف مدعيه على الْمَيِّت.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ أَقُول: قَوْله: وَلَا برِئ الخ لَا حَاجَة إِلَيْهِ لانه يَدعِي الايفاء لَا الْبَرَاءَة فَلَا وَجه لذكره فِي التَّحْلِيف إِ هـ.
وأوجبت عَنهُ فِيمَا كتبناه عَلَيْهِ بِجَوَاز أَن الْمَيِّت أَبرَأَهُ وَلم يعلم الْمَدْيُون أَنه لَا يتَوَقَّف على قبُوله إِ هـ.
أَقُول: وَأجَاب عَنهُ أَيْضا فِي نور الْعين حَيْثُ قَالَ قَوْله: لَا حَاجَة إِلَيْهِ مَحل نظر، لَان الْمُدَّعِي هُوَ إِيفَاء مَجْمُوع الدّين، فَلَو أُرِيد تسويته بالمحلوف عَلَيْهِ لاكتفى فِي الْحلف بِلَفْظ مَا تعلمُونَ أَن أَبَاكُم قَبضه فَزِيَادَة لفظ وَلَا شئ مِنْهُ تدل قطعا على أَن المُرَاد إِنَّمَا هُوَ دفع جَمِيع الْوُجُوه المحتملة فِي جَانب الْمُورث نظرا للْغَرِيم وشفقة عَلَيْهِ، وَيجوز أَن يكون وَجه زِيَادَة، وَلَا برِئ إِلَيْهِ احْتِمَال أَن الْغَرِيم تجوز، فَأَرَادَ بالايفاء الابراء نظرا إِلَى اتِّحَاد مآلها وَهُوَ خلاص الذِّمَّة إِ هـ.

(8/72)


وَفِي الْبَحْر أَيْضا: وَمِنْهَا فِي دَعْوَى الاتلاف، قَالَ فِي الخزانة: ادّعى على آخر أَنه خرق ثَوْبه، واحضر مَعَه إِلَى القَاضِي لَا يحلفهُ مَا خرقت لاحْتِمَال أَنه خرقه وَأَدَّاهُ ضَمَانه ثمَّ ينظر فِي الْخرق إِن كَانَ يَسِيرا وَضمن النُّقْصَان يحلف مَا لَهُ عَلَيْك هَذَا الْقدر من الدَّرَاهِم الَّتِي تَدعِي، وَلَا أقل مِنْهُ وَإِن لم يكن الثَّوْب حَاضرا كلفه القَاضِي بَيَان قِيمَته، وَمِقْدَار النُّقْصَان ثمَّ تترتب عَلَيْهِ الْيمن وَكَذَلِكَ هَذَا فِي هدم الْحَائِط أَو فَسَاد مَتَاع أَو ذبح شَاة أَو نَحوه اه.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ تَكَرَّرَ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ صُوَرِ التَّحْلِيفِ تَكْرَارٌ، لَا فِي لَفْظِ الْيَمِينِ خُصُوصًا فِي تَحْلِيفِ مُدَّعِي دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّهَا تَصِلُ إلَى خَمْسَةٍ، وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ إلَى أَرْبَعَة مَعَ قَوْلهم فِي كتاب الايمان: الْيَمِينَ تَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِ حَرْفِ الْعَطْفِ، مَعَ قَوْلِهِ: لَا، كَقَوْلِهِ: لَا آكُلُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا، وَمَعَ قَوْلِهِمْ هُنَا فِي تَغْلِيظِ الْيَمِينِ: يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْعَطْفِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا عَطَفَ صَارَتْ أَيْمَانًا، وَلَمْ أَرَ عَنْهُ جَوَابا بل وَلَا من تعرض لَهُ اهـ.
قَالَ الرَّمْلِيّ: إِذا تَأمل المتأمل وجد التّكْرَار لتكرار الْمُدَّعِي فَلْيتَأَمَّل.
إِ هـ: يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ وَإِنْ ادَّعَى
شَيْئًا وَاحِدًا فِي اللَّفْظِ لَكِنَّهُ مُدَّعٍ لِأَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةٍ ضِمْنًا فَيحلف الْخصم عَلَيْهَا احْتِيَاطًا.

قَوْله: (خلافًا للثَّانِي) فَقَالَ: الْيَمين تستوفى لحق الْمُدَّعِي فَيجب مطابقتها لدعواه وَالْمُدَّعِي هُوَ السَّبَب، إِلَّا إِذا عرض الْمُدعى عَلَيْهِ بِمَا ذكرنَا بِأَن يَقُول الْمَطْلُوب عِنْد طلب يَمِينه قد يَبِيع الشَّخْص شَيْئا ثمَّ يقايل فَيحلف حِينَئِذٍ على الْحَاصِل ط.
وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوفى.

قَوْله: (نظرا للْمُدَّعى عَلَيْهِ) أَي كَمَا هُوَ نظر للْمُدَّعِي.
وَهَذَا تَعْلِيل لقَوْل الامام وَالثَّالِث، وَهُوَ مَا مَشى عَلَيْهِ فِي الْمَتْن من التَّحْلِيف على الْحَاصِل: يَعْنِي إِنَّمَا يحلفهُ على الْحَاصِل، لَا على السَّبَب لاحْتِمَال طَلَاقه بعد النِّكَاح وإقالته بعد البيع: أَي وأدائه أَو إبرائه بعد الْغَصْب، وتزوجه بعد الابانة وَلَو بعد زوج آخر فِي الْحُرْمَة الغليظة، فَلَو حلف على السَّبَب لَكَانَ حانثا، وَلَو ادّعى الْوَاقِع بعد السَّبَب لكلف إثْبَاته فيتضرر بذلك، فَكَانَ فِي التَّحْلِيف على الْحَاصِل نظر للْمُدَّعى عَلَيْهِ.

قَوْله: (لاحْتِمَال طَلَاقه) أَي فِي دَعْوَى النِّكَاح.

قَوْله: (وإقالته) أَي فِي البيع وإدانته أَو إبرائه بعد الْغَصْب وتزوجه بعد الابانة.
وَالْحَاصِل: أَن الْيَمين كَمَا تقدم شرعت لرجاء النّكُول، فَإِذا حلف على السَّبَب الَّذِي يرْتَفع برافع فنكل وَأقر بِالسَّبَبِ ثمَّ ادّعى الرافع لَا يقبل مِنْهُ قيتضرر، بِخِلَاف مَا إِذا حلف على الْحَاصِل فَإِن فِيهِ نظرا إِلَيْهَا.

قَوْله: (على السَّبَب) بِأَن يحلفهُ بِاللَّه مَا اشْتريت هَذِه الدَّار وَمَا هِيَ مُطلقَة مِنْك بَائِنا فِي الْعدة، وَتقدم تَفْصِيله موضحا فَارْجِع إِلَيْهِ.

قَوْله: (كدعوى شُفْعَة بالجوار وَنَفَقَة مبتوتة) قيد بهما لَان فِي الشُّفْعَة بِالشّركَةِ وَنَفَقَة الرَّجْعِيّ يسْتَحْلف على الْحَاصِل عِنْدهمَا، وَعند أبي يُوسُف على السَّبَب إِلَّا إِذا عرض كَمَا سبق.
أَبُو السُّعُود.

قَوْله: (لكَونه شافعيا) ظَاهر كَلَام الْخصاف والصدر الشَّهِيد أَن معرفَة كَون الْمُدعى عَلَيْهِ شافعيا إِنَّمَا هُوَ بقول الْمُدَّعِي، وَلَو تنَازعا فَالظَّاهِر من كَلَامهم أَنه لَا اعْتِبَار بقول الْمُدعى عَلَيْهِ.
بَحر: أَي سَوَاء كَانَ فِي جَمِيع الْمسَائِل أَو فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَط، حَتَّى لَو كَانَ حنفيا لحلف على السَّبَب لاحْتِمَال أَن يقْصد تَقْلِيد الشَّافِعِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة عِنْد الْحلف، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يُحَلِّفُ عَلَى

(8/73)


الْحَاصِلِ مُعْتَقِدًا مَذْهَبَهُ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةً وَلَا شُفْعَة مثلا فَيُضَيِّعُ النَّفْعَ، فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ مَا أَبَانَهَا وَمَا اشْترى ظَهَرَ النَّفْعُ، وَرِعَايَةُ جَانِبِ الْمُدَّعِي أَوْلَى، لِأَنَّ السَّبَبَ إذَا ثَبَتَ ثَبَتَ الْحَقُّ وَاحْتِمَالُ سُقُوطِهِ
بِعَارِض موهوم، والاصل عَدمه حَتَّى يقوم الدَّلِيل على الْعَارِض.
قَالَ تَاج الشَّرِيعَة: حكى عَن القَاضِي أبي عَليّ النَّسَفِيّ أَنه قَالَ: خرجت حَاجا فَدخلت على القَاضِي أبي عَاصِم فَإِنَّهُ كَانَ يدرس وخليفته يحكم، فَوَافَقَ جلوسي أَن امْرَأَة ادَّعَت على زَوجهَا نَفَقَة الْعدة وَأنكر الزَّوْج، فحلفه بِاللَّه مَا عَلَيْك تَسْلِيم النَّفَقَة من الْوَجْه الَّذِي تَدعِي، فَلَمَّا تهَيَّأ الرجل ليحلف نظرت إِلَى القَاضِي، فَعلم أَنِّي لماذا نظرت، فَنَادَى خَلِيفَته فَقَالَ: سل الرجل من أَي محلّة هُوَ؟ حَتَّى إِن كَانَ من أصَاب الحَدِيث حلفه بِاللَّه مَا هِيَ مُعْتَدَّة مِنْك، لَان الشَّافِعِي لَا يرى النَّفَقَة للمبتوتة، وَإِن كَانَ من أَصْحَابنَا حلفه بِاللَّه مَا لَهَا عَلَيْك تَسْلِيم النَّفَقَة إِلَيْهَا من الْوَجْه الَّذِي تدعى نظرا لَهَا أهـ.

قَوْله: (فيتضرر الْمُدَّعِي) فَإِن قلت: التَّحْلِيف على السَّبَب روعي فِيهِ جَانب الْمُدَّعِي، وَلَا نظر فِيهِ للْمُدَّعى عَلَيْهِ لانه قد يثبت البيع وَالشِّرَاء، وَلَا شُفْعَة بِأَن يُسَلِّمهَا الْمُدَّعِي أَو يسكت عَن الطّلب.
وَالْجَوَاب: أَنَّ الْقَاضِي لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَر بِأَحَدِهِمَا، ورعاية جَانب الْمُدَّعِي أولى، لَان سَبَب وجوب الْحق لَهُ وَهُوَ الشِّرَاء إِذا ثَبت ثَبت الْحق لَهُ، وثبوته إِنَّمَا يكون بِأَسْبَاب عارضة فصح التَّمَسُّك بالاصل حَتَّى يقوم دَلِيل على الْعَارِض كَمَا قدمْنَاهُ قَرِيبا.

قَوْله: (وَأما مَذْهَب الْمُدَّعِي فَفِيهِ خلاف) فَقيل لَا اعْتِبَار بِهِ أَيْضا، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَار لمَذْهَب القَاضِي، فَلَو ادّعى شَافِعِيّ شُفْعَة الْجوَار عِنْد حَنَفِيّ سَمعهَا وَقيل لَا.

قَوْله: (والاوجه أَن يسْأَله) أَي الْمُدَّعِي.

قَوْله: (هَلْ تَعْتَقِدُ وُجُوبَ شُفْعَةِ الْجِوَارِ أَوْ لَا) فَإِن قَالَ اعتقدها يحلف على الْحَاصِل، وَإِن كَانَ لَا يعتقدها يحلف على السَّبَب.

قَوْله: (وَاعْتَمدهُ المُصَنّف) أَي تبعا للبحر: وَالَّذِي يظْهر القَوْل بِأَنَّهُ لَا اعْتِبَار بِمذهب الْمُدعى عَلَيْهِ بل لمَذْهَب القَاضِي كَمَا هُوَ أحد الاقوال الثَّلَاثَة، حَتَّى لَو ادّعى شَافِعِيّ شُفْعَة الْجوَار عِنْد حَنَفِيّ سَمعهَا أَلا يرى أَن أهل الذِّمَّة إِذا تحاكموا إِلَيْنَا نحكم عَلَيْهِم بمعتقدنا فَهَذَا أولى فَلْيتَأَمَّل.
على أَن قُضَاة زَمَاننَا مأمورون بالحكم بِمذهب سيدنَا أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى من السُّلْطَان عز نَصره.

قَوْله: (لعدم تكَرر رقّه) لَان الْمُرْتَد لَا يسترق وَإِن لحق بدار الْحَرْب، لانه لَو ظفر بِهِ فموجبه الْقَتْل فَقَط إِن لم يسلم كَمَا مر فِي بَابه، وَالظَّاهِر أَنه يَكْتَفِي بِإِسْلَامِهِ حَال ادعوى عملا باستصحاب الْحَال كَمَا فِي مَسْأَلَة الطاحون.

قَوْله: (على الْحَاصِل) فَيحلف السَّيِّد على أَنه بَيْنكُمَا عتق قَائِم الْآن لَا مَا أَعتَقته لجَوَاز أَنه أعْتقهُ فلحق ثمَّ عَاد إِلَى
رقّه فيتضرر بِصُورَة هَذَا الْيَمين، وَكَذَا يُقَال فِي الامة ط.

قَوْله: (وَصَحَّ فدَاء الْيَمين) أَي بِمثل الْمُدَّعِي، أَو أقل.
حموي.
مِثَاله إِذا توجه حلف على الْمُدعى عَلَيْهِ أعْطى الْمُدَّعِي مثل الْمُدَّعِي أَو أقل صَحَّ.
قَوْله:

(8/74)


(وَالصُّلْح مِنْهُ) أَي على شئ أقل من الْمُدَّعِي، لَان مبْنى الصُّلْح على الحطيطة.
حموي.
فَيكون الْفِدَاء أَعم من الصُّلْح وَحِينَئِذٍ فَيحْتَاج إِلَى نُكْتَة، وَظَاهر مَا قَرَّرَهُ الشَّارِح أَن أَخذ المَال فِي الْفِدَاء وَالصُّلْح عَن الْيَمين إِنَّمَا يحل إِذا كَانَ الْمُدَّعِي محقا ليَكُون الْمَأْخُوذ فِي حَقه بَدَلا كَمَا فِي الصُّلْح عَن إِنْكَار، فَإِن كَانَ مُبْطلًا لم يجز.
اهـ.
بَحر.

قَوْله: (لحَدِيث ذبوا عَن أعراضكم بأموالكم) قَالَ الْحَمَوِيّ: لما رُوِيَ عَن حُذَيْفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه افتدى يَمِينه بِمَال، وَكَذَا عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ افتدى يَمِينه حِين ادّعى عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ درهما، فَقيل أَلا تحلف وَأَنت صَادِق؟ فَقَالَ أَخَاف أَن يُوَافق قدر يَمِيني فَيُقَال هَذَا بِيَمِينِهِ الكاذبة.
ولان فِيهِ صون عرضه وَهُوَ مستحسن عقلا وَشرعا، ولانه لَو حلف يَقع فِي القيل والقال، فَإِن النَّاس بَين مُصدق ومكذب، فَإِذا افتدى بِيَمِينِهِ فقد صان عرضه وَهُوَ حسن.
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ذبوا عَن أعراضكم بأموالكم.

قَوْله: (أَي ثَابت) الاولى أَن يُقَال: أَي لَازم من جِهَة الحزم والمروءة وصيانة الْعرض: أَي متأكد الْفِعْل بِمَنْزِلَة الْوَاجِب الْعرفِيّ لَا الشَّرْعِيّ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر من الْعبارَة.
نعم هُوَ غير وَاجِب شرعا لما علل بِهِ.

قَوْله: (بِدَلِيل جَوَاز الْحلف صَادِقا) وَقد وَقع من النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم تَعْلِيما وتشريعا.

قَوْله: (وَلَا يحلف) بِالتَّشْدِيدِ من التَّحْلِيف: أَي لَيْسَ للْمُدَّعِي أَن يحلفهُ بعده.

قَوْله: (لانه) أَي لَان الْمُدَّعِي أسقط حَقه فِي الْيَمين بِأخذ الْفِدَاء أَو الصُّلْح عَنهُ.

قَوْله: (أسقط) الَّذِي فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّهُ أَسْقَطَ خُصُومَتَهُ بِأَخْذِ الْمَالِ مِنْهُ.

قَوْله: (حَقه) أَي حق خصومته بِأخذ المَال مِنْهُ.

قَوْله: (لَو أسْقطه أَي الْيَمين) ذكر بِاعْتِبَار كَون الْيَمين قسما وَإِلَّا فَهِيَ مُؤَنّثَة.

قَوْله: (أَو تركته عَلَيْهِ) الاوضح أَو تركته لَك ليناسب الْخطاب قبله وَلَا يظْهر التَّعْبِير بعلى.

قَوْله: (بِخِلَاف الْبَرَاءَة عَن المَال) أَي فَإِنَّهَا لَهُ فيستقل بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ، وَكَذَا عَن الدَّعْوَى: أَي فَيصح لانه حَقه.

قَوْله: (لَان التَّحْلِيف للْحَاكِم) أَي هُوَ حق الْحَاكِم، حَتَّى لَو حلفه الْمُدَّعِي، وَلَو عِنْد الْحَاكِم لَا يعْتَبر كَمَا تقدم فَلَا يَصح الابراء عَن حق غَيره، وَإِنَّمَا صَحَّ فِي الْفِدَاء وَالصُّلْح اسْتِحْسَانًا على خلاف
الْقيَاس بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذكره، ولان بِالْفِدَاءِ وَالصُّلْح يَأْخُذهُ الْمُدَّعِي على أَنه هُوَ مَا يَدعِيهِ على زَعمه أَو صلحا عَنهُ فَتسقط دَعْوَاهُ، فَيسْقط الْيَمين ضمنا لَا قصدا.

قَوْله: (لعدم ركن البيع) وَهُوَ مُبَادلَة المَال بِالْمَالِ فَلم يجز، لَكِن لَا يظْهر تَعْلِيل الشَّارِح فِيمَا ذكر، لَان الَّذِي سبق لَهُ فِي أول البيع بِأَن المَال مَحل البيع على أَن عبارَة الدُّرَر خلية عَن ذَلِك حَيْثُ قَالَ: لَان الشِّرَاء عقد تمْلِيك المَال بِالْمَالِ، وَالْيَمِين لَيست بِمَال وَحِينَئِذٍ فعبارة الدُّرَر أظهر.
فَتَأمل.
ولانه إِسْقَاط للْيَمِين قصدا وَالْمُدَّعِي لَا يملكهُ، لانه لَيْسَ حَقًا لَهُ بل للْقَاضِي كَمَا مر بِخِلَاف الاول، فَإِن الْفِدَاء وَالصُّلْح وَقع عَن الْمُدَّعِي وَهُوَ حق الْمُدَّعِي على زَعمه.

قَوْله: (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن عِنْد حَاكم أَو مُحكم لانه حِينَئِذٍ غير مُعْتَبر، وَكَذَا إِذا كَانَ عِنْد أَحدهمَا، لَكِن بتحليف الْمُدَّعِي لَا الْحَاكِم أَو لم يبرهن لعدم ثُبُوت التَّحْلِيف
قَوْله: (فَلهُ تَحْلِيفه)

(8/75)


أَي تَحْلِيف الْمُدَّعِي لما سبق من أَن التَّحْلِيف للْحَاكِم، فَإِذا وَقع عِنْد غَيره لَا يبْنى عَلَيْهِ حكم دينوي.
قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: أَرَادَ تَحْلِيفَهُ فَبَرْهَنَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ حَلَّفَنِي عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضِي كَذَا يقبل، وَلَوْلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ يَدَّعِي بَقَاءَ حَقِّهِ فِي الْيَمِينِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَبْرَأَنِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى لَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُهُ إنْ لَمْ يُبَرْهِنْ إذْ الْمُدَّعِي بِدَعْوَاهُ اسْتَحَقَّ الْجَوَابَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْجَوَابُ إمَّا إقْرَارٌ أَوْ إنْكَارٌ.
وَقَوْلُهُ أَبْرَأَنِي إلَخْ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ وَلَا إنْكَارٍ فَلَا يُسْمَعُ، وَيُقَالُ لَهُ أَجِبْ خَصْمَك ثُمَّ ادَّعِ مَا شِئْت، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَبْرَأَنِي عَنْ هَذَا الْأَلْفِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ، إذْ دَعْوَى الْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَالِ إقْرَارٌ بِوُجُوبِهِ وَالْإِقْرَارُ جَوَابٌ، وَدَعْوَى الْإِبْرَاءِ مُسْقِطٌ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الصَّوَابُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى دَعْوَى الْبَرَاءَةِ كَمَا يحلف على دَعْوَى التَّحْلِيف، وَإِلَيْهِ مَال مح، وَعَلِيهِ أَكثر قُضَاة زَمَاننَا اهـ.
وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَاسْتَحْلَفَهُ: أَيْ أَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِي جَازَ انْتَهَتْ.
وَبِهِ عُلِمَ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مِنْ الايهام فَتنبه.
أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
وَنقل أَيْضا عَن الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ أَرَادَ الْقَاضِي تَحْلِيفَهُ إنَّهُ حَلَّفَنِي عَلَى هَذَا المَال عَنهُ قَاضٍ آخَرَ أَوْ أَبْرَأَنِي عَنْهُ إنْ بَرْهَنَ قُبِلَ وَانْدَفَعَ عَنْهُ الدَّعْوَى، وَإِلَّا قَالَ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ: انْقَلَبَ الْمُدَّعِي مُدَّعًى عَلَيْهِ، فَإِنْ نَكَلَ انْدفع الدَّعْوَى، وَإِن حلف لزمَه الْمَالُ، لِأَنَّ دَعْوَى
الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمَالِ إقْرَارٌ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ عَنْ دَعْوَى المَال.
اهـ.
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ: وَإِلَّا فَلَهُ تَحْلِيفُهُ: أَيْ وَإِلَّا يُبَرْهِنُ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ: أَيْ تَحْلِيف الْمُدَّعِي الاول تَأمل.

قَوْله: (قلت وَلم أر الخ) قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: وَجَدْت فِي هَامِشِ نُسْخَةِ شَيْخِنَا بِخَطِّ بَعْضِ الْعلمَاء مَا نَصه: قَدْ رَأَيْتهَا فِي أَوَاخِرِ الْقَضَاءِ قُبَيْلَ كِتَابِ الشَّهَادَة من فَتَاوَى الكرنبشي معزيا الاول قَضَاءِ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى.
وَعِبَارَتُهُ: رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ دَعْوَى وَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، فَلَمَّا عَرَضَ القَاضِي الْيَمين عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي حَلَفت بِالطَّلَاق أَن لَا أَحْلِفُ أَبَدًا، وَالْآنَ لَا أَحْلِفُ حَتَّى لَا يَقَعَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الْيَمين ثَلَاثًا ثمَّ يحكم عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ بِهَذَا الْيَمِينِ اهـ.

قَوْله: (فَليُحرر) هُوَ مُحَرر لانه ناكل عَن الْيَمين فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ، لَان الَّذِي تقدم أَن الآفة إِنَّمَا هِيَ قيد فِي السُّكُوت لَا فِي قَوْله لَا أَحْلف لَو فرض إِن هَذَا من الآفة.
وَسبق عَنْ الْعِنَايَةِ أَنَّ الْقَاضِي لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِأَحَدِهِمَا فِي الِاسْتِحْلَافِ عَلَى الْحَاصِل، أَو على السَّبَب، فمراعاة جَانب الْمُدَّعِي أولى، فعلى هَذَا لَا يُعَزّر بِدَعْوَاهُ بِالْحلف بِالطَّلَاقِ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِالْأَوْلَى، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْحَقَ الضَّرَرَ بِنَفسِهِ بإقدامه على الْحلف بِالطَّلَاق كَمَا أَفَادَهُ أَبُو السُّعُود.
وَأَقُول: لَو كَانَ ذَلِك حجَّة صَحِيحَة لتحيل بِهِ كل من تَوَجَّهت عَلَيْهِ يَمِين فَيلْزم ضَيَاعُ حَقِّ الْمُدَّعِي وَمُخَالَفَةُ نَصِّ الْحَدِيثِ وَالْيَمِينُ على من أنكر فَتدبر، وَالله تَعَالَى أعلم واستغفر الله الْعَظِيم.