قره عين الأخيار لتكملة رد المحتار علي «الدر المختار شرح تنوير الأبصار»

بَاب التَّحَالُف
التَّحَالُف من الْحلف بِفَتْح الْحَاء: وَهُوَ الْقسم وَالْيَمِين، فَيكون مَعْنَاهُ التقاسم، وَأما الْحلف بِالْكَسْرِ فَهُوَ الْعَهْد.
وَفِي الْبَحْر عَن الْقَامُوس: تحالفوا تَعَاهَدُوا.
وَفِي الْمِصْبَاح: الحليف الْمعَاهد، يُقَال

(8/76)


مِنْهُ: تحَالفا: تعاهدا وتعاقدا على أَن يكون أَمرهمَا وَاحِدًا فِي النُّصْرَة والحماية، وَلَيْسَ بِمُرَاد هُنَا وَإِنَّمَا المُرَاد حلف الْمُتَعَاقدين عِنْد الِاخْتِلَاف، يُرِيد بِهِ أَن كلا مِنْهُمَا لم يذكر التَّحَالُف بِمَعْنى التقاسم، وَهَذَا اصْطِلَاح جَدِيد من الْفُقَهَاء، وَلَا يذهب عَلَيْك أَن هَذَا غَفلَة عَن دأب أهل اللُّغَة، فَإِنَّهُم يذكرُونَ أصل الْمَادَّة فِي كل كلمة ثمَّ يفرعون عَلَيْهَا المزيدات تَارَة وَلَا يفرعون أُخْرَى، وَهنا كَذَلِك حَيْثُ فرعوا بالمزيد
على الْحلف بِالْكَسْرِ، وَلم يفرعوا بِهِ على الْحلف بِالْفَتْح تدرب كَمَا لَا يخفى.

قَوْله: (ذكر يَمِين الِاثْنَيْنِ) ليناسب الْوَضع الطَّبْع.

قَوْله: (فِي قدر ثمن) دخل فِيهِ رَأس المَال فِي السّلم كَمَا دخل الْمُسلم فِيهِ فِي الْمَبِيع.
بَحر.

قَوْله: (أَو وَصفه) بِأَن ادّعى البَائِع أَنه بِدَرَاهِم رائجة وَادّعى المُشْتَرِي أَنه بِدَرَاهِم فَاسِدَة.

قَوْله: (أَو جنسه) بِأَن ادّعى البَائِع أَنه بِالدَّنَانِيرِ وَالْمُشْتَرِي بِالدَّرَاهِمِ، وَكَذَا لَو اخْتلفَا فِي جنس العقد كَالْهِبَةِ وَالْبيع على الْمُخْتَار فيهمَا.

قَوْله: (أَو فِي قدر مَبِيع) وَلم يتَعَرَّض للِاخْتِلَاف فِي وَصفه أَو جنسه لانه لَا يُوجب التَّحَالُف، بل القَوْل فِيهِ للْبَائِع مَعَ يَمِينه، صرح بالاول فِي الظَّهِيرِيَّة على مَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى عِنْد ذكر الشَّارِح لَهُ، وَلم أر من صرح بِالثَّانِي، وَلَكِن يدْخل تَحت الِاخْتِلَاف فِي أصل البيع.
تدبر.

قَوْله: (لانه نور دَعْوَاهُ بِالْحجَّةِ) وَبَقِي فِي الآخر مُجَرّد الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة أقوى لانها تلْزم الحكم على القَاضِي، بِخِلَاف الدَّعْوَى.
وَفِي الْبَحْر عَن الْمِصْبَاح، الْبُرْهَان: الْحجَّة وإيضاحها.
قيل النُّون زَائِدَة، وَقيل أَصْلِيَّة.
وَحكى الازهري الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ فِي بَاب الثلاثي: النُّون زَائِدَة، وَقَوله برهن فلَان مولد، وَالصَّوَاب أَن يُقَال أَبرَأَهُ إِذا جَاءَ بالبرهان كَمَا قَالَ ابْن الاعرابي.
وَقَالَ فِي بَاب الرباعي: برهن: إِذا أَتَى بِحجَّة اهـ.

قَوْله: (وَإِن برهنا فلمثبت الزِّيَادَة) بَائِعا كَانَ أَو مُشْتَريا.
حموي.
إِذْ لَا مُعَارضَة أَي فِي الزِّيَادَة: أَي إِن برهن كل مِنْهُمَا فِي الصُّورَتَيْنِ حكم لمن أثبت الزِّيَادَة، وَهُوَ البَائِع إِن اخْتلفَا فِي قدر الثّمن، وَالْمُشْتَرِي إِن اخْتلفَا فِي قدر الْمَبِيع، هَذَا مُقْتَضى ظَاهر كَلَامه.
وَكَذَا إِذا اخْتلفَا فِي وصف الثّمن أَو جنسه، وَبرهن كل على مَا ادَّعَاهُ حكم لمثبت وصف أَو جنس اقْتضى زِيَادَة، وَهَذَا مُقْتَضى سِيَاق كَلَامه وسياقه أَيْضا حَيْثُ صرح فِي بَيَان اخْتِلَاف الاجل بِأَن التَّحَالُف يجْرِي فِي الِاخْتِلَاف فِي وصف الثّمن أَو جنسه.
تدبر.

قَوْله: (إِذْ الْبَينَات للاثبات) ومثبت الاقل لَا يُعَارض مُثبت الاكثر، ولان النَّافِي مُنكر ويكفيه الْيَمين فَلَا حَاجَة لبينته، بِخِلَاف مدعي الزِّيَادَة لانه مُدع حَقِيقَة، وَلَا يعْطى بِدَعْوَاهُ بِلَا برهَان.
وَفِي الزَّيْلَعِيّ، قَالَ البَائِع بِعْتُك هَذِه الْجَارِيَة بعبدك هَذَا وَقَالَ المُشْتَرِي اشْتَرَيْتهَا مِنْك بِمِائَة دِينَار وَأَقَامَا الْبَيِّنَة، فَبَيِّنَة البَائِع أولى لانها تثبت الْحق لَهُ فِيهِ والاخرى تنفيه، وَالْبَيِّنَة للاثبات دون النَّفْي.

قَوْله: (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِمَا) أَيْ الثَّمَنُ وَالْمَبِيعُ جَمِيعًا بِأَن ادّعى البَائِع أَكثر مِمَّا يَدعِيهِ المُشْتَرِي من الثّمن،
وَادّعى المُشْتَرِي أَكثر مِمَّا يقر البَائِع من الْمَبِيع فِي حَالَة وَاحِدَة، فَبَيِّنَة البَائِع أولى فِي الثّمن، وَبَيِّنَة المُشْتَرِي أولى فِي الْمَبِيع، لَان حجَّة البَائِع فِي الثّمن أَكثر إِثْبَاتًا وَحجَّة المُشْتَرِي فِي الْمَبِيع أَكثر إِثْبَاتًا.
دُرَر.
وَصُورَة فِي الْعِنَايَة بِمَا إِذا قَالَ البَائِع بِعْتُك هَذِه الْجَارِيَة بِمِائَة دِينَار وَقَالَ المُشْتَرِي بعتنيها وَأُخْرَى مَعهَا بِخَمْسِينَ دِينَارا وَأَقَامَا الْبَيِّنَة، فَبَيِّنَة البَائِع أولى فِي الثّمن، وَبَيِّنَة المُشْتَرِي أولى فِي الْمَبِيع نظرا إِلَى إِثْبَات الزِّيَادَة فهما جَمِيعًا للْمُشْتَرِي بِمِائَة دِينَار.
قيل هَذَا قَول أبي حنيفَة آخرا، وَكَانَ يَقُول أَولا وَهُوَ

(8/77)


قَول زفر: يقْضِي بهما للْمُشْتَرِي بِمِائَة وَخَمْسَة وَعشْرين دِينَارا.

قَوْله: (لَو فِي الثّمن) يجب إِسْقَاط لَو هُنَا، وَفِي قَوْله لَو فِي الْمَبِيع ح.
لَان فِي زِيَادَة لَو هُنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ خللا، وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا، فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ أَوْلَى، وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ أَوْلَى نَظَرًا إلَى زِيَادَة الاثبات.
مدنِي.

قَوْله: (فِي الصُّور الثَّلَاث) فيهمَا أَو فِي أَحدهمَا.

قَوْله: (فَإِن رَضِي كل بمقالة الآخر فِيهَا) بِأَن رَضِي البَائِع بِالثّمن الَّذِي ذكره المُشْتَرِي عِنْد الِاخْتِلَاف فِيهِ أَو رَضِي المُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ الَّذِي ذكره البَائِع إِن كَانَ الِاخْتِلَاف فِيهِ، أَو رَضِي كل بقول الآخر إِن كَانَ الِاخْتِلَاف فيهمَا.
والاولى فِي التَّعْبِير أَن يَقُول: فَإِن تَرَاضيا على شئ بِأَنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي، أَو رَضِي المُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْبَائِعُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي أَحَدِهِمَا، أَوْ رَضِيَ كُلٌّ بِقَوْلِ الْآخَرِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فيهمَا، لَان مَا ذكره الشَّارِح لَا يَشْمَل إِلَّا صُورَة الِاخْتِلَاف فيهمَا، فَتَأمل.
قَول: (وَإِن لَمْ يَرْضَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِدَعْوَى الْآخَرِ تَحَالَفَا) قيد بِهِ للاشارة إِلَى أَن القَاضِي يَقُول لكل مِنْهُمَا: إِمَّا أَن ترْضى بِدَعْوَى صَاحبك وَإِلَّا فسخنا البيع، لَان الْقَصْد قطع الْمُنَازعَة، وَقد أمكن ذَلِك بِرِضا أَحدهمَا بِمَا يَدعِيهِ الآخر، فَيجب أَن لَا يعجل القَاضِي بِالْفَسْخِ حَتَّى يسْأَل كلا مِنْهُمَا بِمَا يختاره كَمَا فِي الدُّرَر، وَهَذَا قياسي إِن كَانَ قبل الْقَبْض لَان كلا مِنْهُمَا مُنكر، واستحساني بعده لَان المُشْتَرِي لَا يَدعِي شَيْئا لَان الْمَبِيع سلم لَهُ.
بَقِي دَعْوَى البَائِع فِي زِيَادَة الثّمن وَالْمُشْتَرِي يُنكره، فَكَانَ يَكْفِي حلفه لَكِن عَرفْنَاهُ بِحَدِيث إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وترادا.
قَالَ فِي الاشباه: وَيسْتَثْنى من ذَلِك مَا إِذا كَانَ الْمَبِيع عبدا فَحلف كل بِعِتْقِهِ على صدق دَعْوَاهُ،
فَلَا تحالف وَلَا فسخ وَيلْزم البيع وَلَا يعْتق، وَالْيَمِين على المُشْتَرِي كَمَا فِي الْوَاقِعَات.
اهـ.
وَيلْزم من الثّمن مَا أقرّ بِهِ المُشْتَرِي لانه مُنكر الزِّيَادَة، لَان البَائِع قد أقرّ أَن العَبْد قد عتق.

قَوْله: (تحَالفا) أَي اشْتَركَا فِي الْحلف.
قُهُسْتَانِيّ.
وَظَاهر كَلَامهم وَمَا سَيَأْتِي أَنه يَقع أَيْضا على الْحلف مِنْهُمَا.

قَوْله: (مَا لم يكن فِيهِ خِيَار) أَي لاحدهما.
قَالَ الْحَمَوِيّ: وَأَشَارَ بعجزهما إلَى أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ فِيهِ خِيَارٌ لِأَحَدِهِمَا وَلِهَذَا.
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ رُؤْيَةٍ أَوْ خِيَارُ عَيْبٍ أَوْ خِيَارُ شَرط لَا يَتَحَالَفَانِ.
اهـ.
وَالْبَائِع كالمشتري وَظَاهره أَنه يتَعَيَّن عَلَيْهِ الْفَسْخ، فَلَو أَبى يجْبر وَيُحَرر.
وَالْمَقْصُود أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْفَسْخِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحَالُفِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّ الْبَائِعَ إذَا كَانَ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَأَنْكَرَهَا الْمُشْتَرِي فَإِنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ التَّحَالُفَ، وَأَمَّا خِيَارُ الْبَائِعِ فَلَا.
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَدَّعِي زِيَادَةَ الْمَبِيعِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهَا فَإِنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ، وَأَمَّا خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَلَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَخْرِيجًا لَا نقلا.
بَحر.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ دَائِمًا فَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ الْإِطْلَاقِ.

قَوْلُهُ: (فَيفْسخ) لانه يَسْتَغْنِي عَن التَّحَالُف حِينَئِذٍ.

قَوْله: (وَبَدَأَ) أَي القَاضِي بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي: أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ كَمَا فِي شرح ابْن الْكَمَال، وَكَذَا فِي صُورَتي الِاخْتِلَاف فِي الْوَصْف وَالْجِنْس.

قَوْله: (لانه

(8/78)


البادئ بالانكار) لانه يُطَالب أَولا بِالثّمن وَهُوَ يُنكره، ولاحتمال أَن ينكل فتتعجل فَائِدَة نُكُوله بإلزامه الثّمن، وَلَو بَدَأَ بِيَمِين البَائِع فنكل تَأَخَّرت مُطَالبَته بِتَسْلِيم الْمَبِيع حَتَّى يَسْتَوْفِي الثّمن، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي التَّحَالُفِ فِي الثَّمَنِ، أَمَّا فِي الْمَبِيعِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الثَّمَنِ فَلَا يَظْهَرُ، لِأَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الْمُنْكِرُ فَالظَّاهِرُ الْبُدَاءَةُ بِهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ بُدِئَ بِيَمِينِ الْمُؤَجّر، وَإِلَى ذَلِك أَوْمَأ الْقُهسْتَانِيّ وَبحث مثل هَذَا الْعَلامَة الرَّمْلِيّ.

قَوْله: (هَذَا) أَي البدء بِيَمِين المُشْتَرِي.

قَوْله: (مقايضة) وَهِي بيع سلْعَة بسلعة.

قَوْله: (أَو صرفا) هُوَ بيع ثمن بِثمن.

قَوْله: (فَهُوَ مُخَيّر) لَان كلا مِنْهُمَا فيهمَا مُشْتَر من وَجه فاستويا فَيُخَير القَاضِي، ولانهما يسلمان مَعًا فَلم يكن أَحدهمَا سَابِقًا.

قَوْله: (وَقيل يقرع ابْن ملك) هَذَا رَاجع إِلَى مَا قبل فَقَط لَا إِلَى المقايضة وَالصرْف لانه لم يحك فيهمَا خلافًا.
قَالَ الْعَيْنِيّ: وَبَدَأَ بِيَمِين المُشْتَرِي عِنْد مُحَمَّد وَأبي يُوسُف وَزفر وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي حنيفَة، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى، وَعَن أبي يُوسُف أَنه يبْدَأ بِيَمِين البَائِع وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي حنيفَة، وَقيل يقرع بَينهمَا فِي الْبدَاءَة اهـ.

قَوْلُهُ: (وَيَقْتَصِرُ عَلَى النَّفْيِ) بِأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ وَالله مَا بَاعه بِأَلف وَيَقُول المُشْتَرِي وَالله مَا اشْتَرَاهُ بِأَلفَيْنِ وَلَا يزِيد الاول وَلَقَد بِعته بِأَلفَيْنِ وَلَا يزِيد الثَّانِي وَلَقَد بَاعَنِي بِأَلف، لَان الايمان على ذَلِك وضعت، أَلا ترى أَنه اقْتصر عَلَيْهِ فِي الْقسَامَة بقَوْلهمْ مَا قتلنَا وَلَا علمنَا لَهُ قَاتلا.
وَالْمعْنَى: أَن الْيَمين تجب على الْمُنكر وَهُوَ النَّافِي فَيحلف على هَيْئَة النَّفْي إشعارا بِأَن الْحلف وَجب عَلَيْهِ لانكاره، وَإِنَّمَا وَجب على البَائِع وَالْمُشْتَرِي، لَان كلا مِنْهُمَا مُنكر.

قَوْله: (فِي الاصح) إِشَارَة إِلَى تَضْعِيف مَا فِي الزِّيَادَات بِضَم الاثبات إِلَى النَّفْي تَأْكِيدًا، وَعبارَته: يحلف البَائِع بِاللَّه مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَلَقَدْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ، وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَلَقَدْ اشْتَرَاهُ بِأَلف.
قَالَ فِي الْمنح: والاصح الِاقْتِصَار على النَّفْي لَان الايمان على ذَلِك وضعت.

قَوْله: (بِطَلَب أَحدهمَا) وَهُوَ الصَّحِيح، لانهما لما حلفا لم يثبت مدعي كل مِنْهُمَا فَبَقيَ بيعا بِثمن مَجْهُول، فيفسخه القَاضِي قطعا للمنازعة.
وَفرع عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوط بقوله: فَلَو وطئ المُشْتَرِي الْجَارِيَة الْمَبِيعَة بعد التَّحَالُف، وَقبل الْفَسْخ يحل لانها لم تخرج عَن ملكه مَا لم يفْسخ القَاضِي.
دُرَر.
وَفسخ القَاضِي لَيْسَ بِشَرْط، حَتَّى لَو فسخاه انْفَسَخ، لَان الْحق لَهما، وَظَاهره أَن فسخ أَحدهمَا لَا يَكْفِي وَإِن اكْتفى بِطَلَبِهِ.
بَحر وحموي.
وَقَوله فِي الدُّرَر: لَو وطئ المُشْتَرِي الْجَارِيَة الخ يُفِيد أَن وطأه لَا يمْنَع من ردهَا بعد الْفَسْخ للتحالف، بِخِلَاف مَا لَو ظهر بهَا عيب قديم بعد الوطئ حَيْثُ لَا يملك ردهَا، وَإِنَّمَا يرجع بِالنُّقْصَانِ إِلَّا إِذا وطئ لاختبار بَكَارَتهَا فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا وَنزع من سَاعَته وَلم يلبث اهـ.
فَيُفَرق بَين هَذَا وَاللّعان، وَهُوَ أَن الزَّوْجَيْنِ إِذا تلاعنا فَالْقَاضِي يفرق بَينهمَا طلبا التَّفْرِيق أَو لم يطلباه، لَان حُرْمَة الْمحل قد ثبتَتْ شرعا للعان على مَا قَالَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام المتلاعنان لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا وَهَذِه الْحُرْمَة حق الشَّرْع، وَأما العقد وفسخه فحقهما بِدَلِيل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تحَالفا وترادا.

قَوْله: (أَو طلبهما) لَا
حَاجَة إِلَيْهِ لعلمه بالاولى.

قَوْله: (وَلَا يَنْفَسِخ بالتحالف) فِي الصَّحِيح: أَي بِدُونِ فسخ القَاضِي لانهما لما حلفا لم يثبت مدعاهما فَيبقى بيعا مَجْهُولا فيفسخه القَاضِي قطعا للمنازعة، أَو أَنه لما لم يثبت بدل

(8/79)


يبْقى بيعا بِلَا بدل، وَهُوَ فَاسد فِي رِوَايَة، وَلَا بُد من الْفَسْخ فِي الْفَاسِد اهـ.
حموي.

قَوْله: (وَلَا بِفَسْخ أَحدهمَا) لبَقَاء حق الآخر وَلَا ولَايَة لصَاحبه عَلَيْهِ، بِخِلَاف القَاضِي فَإِن لَهُ الْولَايَة الْعَامَّة.

قَوْله: (بل بفسخهما) أَي بِلَا توقف على القَاضِي لَان لَهما الْفَسْخ بِدُونِ اخْتِلَاف فَكَذَا مَعَه، فَكَمَا ينْعَقد البيع بتراضيهما يَنْفَسِخ بِهِ وَلَا يحْتَاج إِلَى قَضَاء.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَظَاهر مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ أَنَّهُمَا لَوْ فَسَخَاهُ انْفَسَخَ بِلَا توقف عَلَى الْقَاضِي، وَأَنَّ فَسْخَ أَحَدِهِمَا لَا يَكْفِي وَإِن اكْتفى بِطَلَب أَحدهمَا.

قَوْله: (لزمَه دَعْوَى الآخر) لانه جعل باذلا فَلم تبْق دَعْوَاهُ مُعَارضَة لدعوى الآخر فَلَزِمَ القَوْل بِثُبُوتِهِ.
منح: أَي بِثُبُوت مدعي الآخر.

قَوْله: (بِالْقضَاءِ) مُتَعَلق بقوله لزم: أَي لَا بِمُجَرَّد النّكُول، بل إِذا اتَّصل بِهِ الْقَضَاء.
قَالَ فِي التَّبْيِين: لانه بِدُونِ اتِّصَال الْقَضَاء بِهِ لَا يُوجب شَيْئا، أما على اعْتِبَار الْبَذْل فَظَاهر، وَأما على اعْتِبَار أَنه إِقْرَار فُلَانُهُ إِقْرَار فِيهِ شُبْهَة الْبَذْل فَلَا يكون مُوجبا بِانْفِرَادِهِ.
اهـ.

قَوْلُهُ: (وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا هَلَكَتْ وَسَيَأْتِي متناف.

قَوْله: (وَهَذَا كُله) أَي من التَّحَالُف وَالْفَسْخ.

قَوْله: (كاختلافهما فِي الزق) أَي الظّرْف بِأَن بَاعه التَّمْر فِي زق ووزنه مائَة رَطْل ثمَّ جاءز بالزق فَارغًا ليَرُدهُ على صَاحبه وَزنه عِشْرُونَ فَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ هَذَا زِقِّي وَقَالَ الْمُشْتَرِي هُوَ زِقُّك، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ رِطْلٍ ثَمَنًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ، فَجَعَلَ هَذَا اخْتِلَافًا فِي الْمَقْبُوضِ.
وَفِيهِ الْقَوْلُ قَول الْقَابِض، وَإِن كَانَ فِي ضمنه اخْتِلَاف فِي الثّمن لم يُعْتَبَرْ فِي إيجَابِ التَّحَالُفِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ وَقع مُقْتَضى اخْتِلَافهمَا فِي الزق.

قَوْله: (فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي) لَان القَوْل قَول الْقَابِض أَمينا كَانَ أَو ضمينا.

قَوْله: (وَلَا تحالف) وَإِن لزم فِي ضمنهما الِاخْتِلَاف فِي الثّمن فالبائع يَجعله تسعين وَالْمُشْتَرِي ثَمَانِينَ، لكنه لَيْسَ مَقْصُودا، بل وَقع فِي ضمن اخْتِلَافهمَا فِي الزق.
وَفِي الْبَحْر من البيع الْفَاسِد: وَلَو رد المُشْتَرِي الزق وَهُوَ عشرَة أَرْطَال فَقَالَ البَائِع الزق غَيره وَهُوَ خَمْسَة أَرْطَال فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي مَعَ يَمِينه، لِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي تَعْيِينِ الزِّقِّ الْمَقْبُوض فَالْقَوْل قَول
الْقَابِض ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا، وَإِنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي الثَّمَنِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَة اهـ.

قَوْله: (كَمَا لَو اخْتلفَا فِي وصف الْمَبِيع) مُحْتَرز قَوْله سَابِقًا أَو وَصفه أَي الثّمن.
وَالْحَاصِل: أَنَّهُمَا إِذا اخْتلفَا فِي الْوَصْف فَإِن كَانَ وصف الثّمن تحَالفا وَإِن كَانَ وصف الْمَبِيع فَالْقَوْل للْبَائِع وَلَا تحالف.

قَوْله: (فَالْقَوْل للْبَائِع وَلَا تحالف) لَان اخْتِلَافهمَا لَيْسَ فِي الْبَدَل، لَكِن المُشْتَرِي يَدعِي اشْتِرَاط أَمر زَائِد وَالْبَائِع يُنكره وَالْقَوْل للْمُنكر بِيَمِينِهِ.

قَوْله: (لكَونه لَا يخْتل بِهِ قوام العقد) لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَبِهِ فَأشبه الِاخْتِلَاف فِي الْحَط والابراء.

قَوْله: (نَحْو أجل) أطلقهُ فَشَمِلَ الِاخْتِلَافَ فِي أَصْلِهِ وَقَدْرِهِ، فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الزَّائِدِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فِي

(8/80)


السَّلَمِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ وَخَرَجَ الِاخْتِلَافُ فِي مُضِيِّهِ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَهُوَ مُنْكِرٌ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ.
كَذَا فِي النِّهَايَة.
بَحر.
قَالَ فِي الْبَدَائِع: وَقَوله والاجل: أَي فِي أَصله أَو فِي قدره أَو فِي مضيه أَو فِي قدره ومضيه، فَفِي الاولين: القَوْل قَول البَائِع مَعَ يَمِينه.
وَفِي الثَّالِث: القَوْل قَول المُشْتَرِي.
وَفِي الرَّابِع: القَوْل قَول المُشْتَرِي فِي الْمُضِيّ وَقَول البَائِع فِي الْقدر.
وَبَاقِي التَّفْصِيل فِيهَا وَفِي غَايَة الْبَيَان.
وَمِنْه: مَا لَو ادّعى عَلَيْهِ أَنه اشْترى بِشَرْط كَونه كَاتبا أَو خبازا فَلَا حَاجَة إِلَى تَقْدِيمه.
وَفِي الْبَحْر أَيْضا: وَيُسْتَثْنَى مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَجَلِ مَا لَوْ اخْتلفَا فِي الاجل فِي السَّلَمِ بِأَنْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَنَفَاهُ الْآخَرُ، فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِ لِمُدَّعِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ فِيهِ شَرْطٌ وَتَرْكُهُ فِيهِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَإِقْدَامُهُمَا عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فِيهِ، فَكَانَ القَوْل لنا فِيهِ.
اهـ.
وَفِيه عَن الظَّهِيرِيَّة: قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فِي رجلَيْنِ تبَايعا شَيْئا وَاخْتلفَا فِي الثّمن فَقَالَ المُشْتَرِي اشْتريت هَذَا الشئ بِخَمْسِينَ درهما إِلَى عشْرين شهرا على أَن أؤدي إِلَيْك كل شهر دِرْهَمَيْنِ وَنصفا وَقَالَ البَائِع بعتكه بِمِائَة دِرْهَم إِلَى عشرَة أشهر على أَن تُؤدِّي إِلَيّ كل عشرَة دَرَاهِم وَأَقَامَا الْبَيِّنَة.
قَالَ مُحَمَّد: تقبل شَهَادَتهمَا وَيَأْخُذ البَائِع من المُشْتَرِي سِتَّة أشهر كل شهر عشرَة وَفِي الشَّهْر السَّابِع سَبْعَة وَنصفا ثمَّ يَأْخُذ بعد ذَلِك كل شهر دِرْهَمَيْنِ وَنصفا إِلَى أَن تتمّ لَهُ مائَة، لَان المُشْتَرِي أقرّ لَهُ بِخَمْسِينَ
درهما على أَن يُؤَدِّي إِلَيْهِ كل شهر دِرْهَمَيْنِ وَنصفا، وَبرهن دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ وَأقَام البَائِع الْبَيِّنَة بِزِيَادَة خمسين على أَن يَأْخُذ من هَذِه الْخمسين مَعَ مَا أقرّ لَهُ بِهِ المُشْتَرِي فِي كل شهر عشرَة، فَالزِّيَادَة الَّتِي يدعيها البَائِع فِي كل شهر سَبْعَة وَنصف، وَمَا أقرّ بِهِ المُشْتَرِي لَهُ فِي كل شهر دِرْهَمَانِ وَنصف فَإِذا أَخذ فِي كل شهر عشرَة فقد أَخذ فِي كل سِتَّة أشهر مِمَّا ادَّعَاهُ خَمْسَة وَأَرْبَعين وَمِمَّا أقرّ بِهِ المُشْتَرِي خَمْسَة عشر.
بَقِي إِلَى تَمام مَا يَدعِيهِ من الْخمسين خَمْسَة، فيأخذها البَائِع مَعَ مَا يقر بِهِ المُشْتَرِي فِي كل شهر، وَذَلِكَ سَبْعَة وَنصف ثمَّ يَأْخُذ بعد ذَلِك فِي كل شهر دِرْهَمَيْنِ وَنصفا إِلَى عشْرين شهرا حَتَّى تتمّ الْمِائَة.
وَهَذِه مَسْأَلَة عَجِيبَة يقف عَلَيْهَا من أمعن النّظر فِيمَا ذَكرْنَاهُ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَشَرْطِ رَهْنٍ) أَيْ بِالثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي.

قَوْله: (أَو خِيَار) فَالْقَوْل لمنكره على الْمَذْهَب، وَقد ذكر الْقَوْلَيْنِ فِي بَاب خِيَار الشَّرْط، وَالْمذهب مَا ذَكرُوهُ هُنَا لِأَنَّهُمَا يَثْبُتَانِ بِعَارِضِ الشَّرْطِ، وَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْعَوَارِضِ.
بَحر.
وَلَا فرق بَين أصل شَرط الْخِيَار، وَقدره عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة ويتحالفان عِنْد زفر وَالشَّافِعِيّ وَمَالك كَمَا فِي البناية.

قَوْله: (أَو ضَمَان) أَي ضَمَان الثّمن بِأَن قَالَ بعتكه بِشَرْط أَن يتكفل لي بِالثّمن فلَان وَأنكر المُشْتَرِي، وَمثله ضَمَان الْعهْدَة.
حموي.
فَالْقَوْل قَول الْمُنكر.

قَوْلُهُ: (وَقَبْضِ بَعْضِ ثَمَنٍ) أَوْ حَطِّ الْبَعْضِ أَو إِبْرَاء الْكل وَقيد بِالْبَعْضِ مَعَ أَن كل الثّمن كَذَلِك لدفع وهم، وَهُوَ أَن الاخلاف فِي أصل بعض الثّمن لما أوجب التَّحَالُف كَمَا سبق ذهب الْوَهم إِلَى أَن الِاخْتِلَاف فِي قبض بعضه يُوجب ب التَّحَالُف أَيْضا فَصرحَ بِذكرِهِ دفعا لَهُ كَمَا فِي البرجندي، فَظهر أَن الْقَيْد لَيْسَ للِاحْتِرَاز بل لدفع الْوَهم وَأَرَادَ بِالْقَبْضِ الِاسْتِيفَاء، فَيشْمَل الاخذ والحط والابراء وَلَو كلا، كَمَا فِي مِعْرَاج الدِّرَايَة.

قَوْله: (وَالْقَوْل للْمُنكر بِيَمِينِهِ) لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَبِهِ فَأَشْبَهَ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَطِّ وَالْإِبْرَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ بِانْعِدَامِهِ لَا يَخْتَلُّ مَا بِهِ قِوَامُ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ أَوْ جنس فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَة الِاخْتِلَاف فِي الْقدر فِي جَرَيَانِ التَّحَالُفِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الثَّمَنِ، فَإِنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ وَهُوَ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ، وَلَا كَذَلِك الاجل فَإِنَّهُ لَيْسَ بِوَصْف، أَلا

(8/81)


ترى أَن الثّمن مَوْجُود بعد مضيه فَالْقَوْل لمنكر الْخِيَار والاجل مَعَ يَمِينه، لِأَنَّهُمَا يَثْبُتَانِ بِعَارِضِ الشَّرْطِ وَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْعَوَارِضِ.
بَحر.
قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: ولان أصل الثّمن حق البَائِع والاجل حق المُشْتَرِي، وَلَو كَانَ وَصفا لَهُ لتبع الاصل وَكَانَ حَقًا للْبَائِع، وَلقَائِل أَن يَقُول: هَذَا خلاف الْمَعْقُول، لانه اسْتِدْلَال بِبَقَاء الْمَوْصُوف على بَقَاء الصّفة، وَالصّفة قد تَزُول مَعَ بَقَاء الْمَوْصُوف بِأَن تنزل صِفَاته، فعندكم البيع يَقع بِثمن ثمَّ يُزَاد أَو ينقص مَعَ بَقَائِهِ.
اهـ.
تَأمل.

قَوْله: (وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ: يَتَحَالَفَانِ) أَي فِي الْمسَائِل الثَّلَاثَة وَهِي الاجل وَالشّرط وَقبض بعض الثّمن، وَعَلِيهِ صَاحب الْمَوَاهِب بقوله: وَإِن اخْتلفَا فِي الاجل أَو شَرط أَو قبض الثّمن لم يتحالفا عندنَا واكتفيا بِيَمِين الْمُنكر، حَيْثُ أَشَارَ بعندنا إِلَى خلاف مَالك وَالشَّافِعِيّ، وباكتفيا إِلَى خلاف زفر، فَكَانَ على الشَّارِح أَن يزِيد مَالِكًا، وَجعل الْعَيْنِيّ الْخلاف قاصرا على الاجل حَيْثُ قَالَ: وَعند زفر وَالشَّافِعِيّ وَمَالك يَتَحَالَفَانِ فِي الاجل إِذا اخْتلفَا فِي أَصله وَقدره.

قَوْله: (بعد هَلَاك البيع) أَي عِنْد المُشْتَرِي، إِمَّا إِذا هلك عِنْد البَائِع قبل قَبضه انْفَسَخ البيع ط ومعراج، وَأفَاد أَنَّهُ فِي الْأَجَلِ وَمَا بَعْدَهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الِاخْتِلَافِ بَعْدَ الْهَلَاكِ أَوْ قَبْلَهُ.

قَوْله: (أَو تعيبه بِمَا لَا يرد بِهِ) هَذَا دَاخِلٌ فِي الْهَلَاكِ لِأَنَّهُ مِنْهُ.
تَأَمَّلْ.
ثُمَّ إِن عباراتهم هَكَذَا، أَوْ صَارَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ بِالْعَيْبِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: بِأَنْ زَادَ زِيَادَة مُتَّصِلَة أَو مُنْفَصِلَة إِ هـ: أَيْ زِيَادَةً مِنْ الذَّاتِ كَسِمَنٍ وَوَلَدٍ وَعُقْرٍ.
قَالَ فِي غرر الافكار: أَو تغير إِلَى زِيَادَة منشؤها الذَّات بعد الْقَبْض مُتَّصِلَة كَانَت أَو مُنْفَصِلَة كَوَلَد وَأرش وعقر، وَإِذا تحَالفا عِنْد مُحَمَّد يفْسخ على الْقيمَة، إِلَّا إِذا اخْتَار المُشْتَرِي رد الْعين مَعَ الزِّيَادَة، وَلَوْ لَمْ تَنْشَأْ مِنْ الذَّاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ من حَيْثُ السّعر أَو غَيره كَانَت قبل الْقَبْض أَو بعده يتحالفات اتِّفَاقًا، وَيكون الْكسْب للْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا: إِ هـ.
قَالَ الرَّمْلِيّ: وَقد صَرَّحُوا بِأَن الزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة بِالْمَبِيعِ الَّتِي تتولد من الاصل مَانِعَة من الرَّد كالغرس وَالْبناء وطحن الْحِنْطَة وشي اللَّحْم وَخبر الدَّقِيق، فَإِذا ژجد شئ من ذَلِك لَا تحالف عِنْدهمَا، خلافًا لمُحَمد، وَالله تَعَالَى أعلم.
لم يذكر غَالب الشَّارِحين وَأَصْحَاب الْفَتَاوَى اخْتِلَافهمَا بعد الزِّيَادَة وَلَا بعد موت الْمُتَعَاقدين أَو أَحدهمَا، مَعَ شدَّة الْحَاجة إِلَى ذَلِك، وَقد ذكر ذَلِك مفصلا فِي التاترخانية فَارْجِع إليبه إِن شِئْت، ثمَّ بحثت فِي الْكتب فَرَأَيْت ابْن ملك قَالَ فِي شرح الْمجمع: اعْلَم أَن مَسْأَلَة التَّغَيُّر مَذْكُورَة فِي الْمَنْظُومَة
وَقد أهملها المُصَنّف، ثمَّ تغيره إِلَى زِيَادَة إِن كَانَ من حَيْثُ الذَّات بعد الْقَبْض مُتَّصِلَة كَانَت أَو مُنْفَصِلَة، مُتَوَلّدَة من عينهَا كَالْوَلَدِ أَو بدل الْعين كالارض والعقر يَتَحَالَفَانِ عِنْد مُحَمَّد خلافًا لَهما، وَإِذا تحَالفا يترادان الْقيمَة عِنْده، إِلَّا إِن شَاءَ المُشْتَرِي أَن يرد الْعين مَعَ الزِّيَادَة، وَقيل: يترادان إِن رَضِي المُشْتَرِي أَو لَا.
قيدنَا الزِّيَادَة بقولنَا من حَيْثُ الذَّات، لانها لَو كَانَت من حَيْثُ السّعر يَتَحَالَفَانِ، سَوَاء كَانَ قبل الْقَبْض أَو بعده، وَقَيَّدنَا بقولنَا مُتَوَلّدَة من عينهَا، لانها لَو لم تكن كَذَلِك يَتَحَالَفَانِ اتِّفَاقًا، وَيكون الْكسْب للْمُشْتَرِي عِنْدهم جَمِيعًا.

(8/82)


وَفِي التاترخانية: وَفِي التَّجْرِيد: وَإِن وَقع الِاخْتِلَاف بَين ورثتهما أَو بَين وَرَثَة أَحدهمَا وَبَين الْحَيّ: فَإِن كَانَ قبل قبض السّلْعَة يَتَحَالَفَانِ بالاجماع، وَفِي شرح الطَّحَاوِيّ: إِلَّا أَن الْيمن على الْوَرَثَة على الْعلم.
وَإِن كَانَ الْقَبْض فَكَذَلِك عِنْد مُحَمَّد، وعَلى قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف يَتَحَالَفَانِ، وَفِي شرح الطَّحَاوِيّ: وَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي أَو قَول ورثته بعد وَفَاته.
وفيهَا وَفِي الْخُلَاصَة: رجل اشْترى شَيْئا فَمَاتَ البَائِع أَو المُشْتَرِي وَوَقع الِاخْتِلَاف فِي الثّمن بَين الْحَيّ وورثة الْمَيِّت إِن مَاتَ البَائِع، فَإِن كَانَت السّلْعَة فِي يَد الْوَرَثَة يَتَحَالَفَانِ، وَإِن كَانَت السّلْعَة فِي يَد الْحَيّ لَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدهمَا.
وَقَالَ مُحَمَّد: يَتَحَالَفَانِ، هَذَا إِذا مَاتَ البَائِع، فَإِن مَاتَ المُشْتَرِي والسلعة فِي بُد البَائِع يَتَحَالَفَانِ عِنْد الْكل، وَإِن كَانَت السّلْعَة فِي يَد وَرَثَة المُشْتَرِي عِنْدهمَا لَا يَتَحَالَفَانِ، وعَلى قَول مُحَمَّد يَتَحَالَفَانِ وهلاك الْعَاقِد بِمَنْزِلَة الْمَعْقُود عَلَيْهِ، وَمِمَّنْ ذكر مَسْأَلَة بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْص الِاخْتِيَار والمنهاج والتغير بِالْعَيْبِ الدُّرَر وَالْغرر، وَالله تَعَالَى أعلم.
وَاقعَة الْحَال: اخْتلف المُشْتَرِي مَعَ الْوَكِيل بِقَبض الثّمن، هَل يجْرِي التَّحَالُف بَينهمَا؟ وَقد كتبت الْجَواب: لَا يجْرِي إِذْ الْوَكِيل بِالْقَبْضِ لَا يحلف وَإِن ملك الْخُصُومَة عِنْد الامام فَيدْفَع الثّمن الَّذِي أقرّ بِهِ لَهُ، وَإِذا حضر الْمُوكل الْمُبَاشر للْعقد وَطَلَبه بِالزِّيَادَةِ يَتَحَالَفَانِ حِينَئِذٍ إِ هـ.
ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ تَبِعَ الدُّرَرَ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا قَالُوهُ أَوْلَى لِمَا عَلِمْت مِنْ شُمُوله الْعَيْب، وَغَيره.
تَأمل.

قَوْله: (وَحلف المُشْتَرِي) لانه يُنكر زِيَادَة الثّمن، فَلَو ادّعى البَائِع أَن مَا دَفعه إِلَيْهِ بعض مِنْهُ هُوَ الْمَبِيع وَالْبَاقِي وَدِيعَة يَنْبَغِي أَن يكون
القَوْل فوله لانه مُنكر لتمليك الْبَاقِي، وليراجع.

قَوْله: (إِلَّا إِذا اسْتَهْلكهُ البَائِع الخ) أَي فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ لقيان الْقيمَة مقَام الْعين، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الْمُسْتَهْلك المُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَجْعَل قَابِضا باستهلاكه وَيلْزمهُ الْمَبِيع، وَصَارَ كَمَا لَو هلك فِي يَده فَلَا تحالف، وَالْقَوْل لَهُ فِي أنكار الزِّيَادَة بِيَمِينِهِ، وَلَو اسْتَهْلكهُ البَائِع كَانَ فسخا للْبيع كَمَا لَو هلك بِنَفسِهِ، فَلَا حَاجَة إِلَى التَّحَالُف، وَلذَا قَاضِي زَاده فِي قَوْله بعد هَلَاك الْمَبِيع: لَو عِنْد المُشْتَرِي، وَأَرَادَ بِغَيْر المُشْتَرِي الاجنبي فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ على قيمَة الْمَبِيع كَمَا فِي التَّبْيِين وَالْبَحْر.

قَوْله: (وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِك) وَهل تعْتَبر قِيمَته يَوْم التّلف أَو الْقَبْض أَو أقلهما يُرَاجع.

قَوْله: (وَهَذَا) أَي الِاقْتِصَار على يَمِين المُشْتَرِي.

قَوْله: (لَو الثّمن دينا) بِأَن كَانَ دَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو مَكِيلًا أَو مَوْزُونا، وَإِن كَانَ عينا بِأَن كَانَ العقد مقايضة فاختلفا بعد هَلَاك أحد الْبَدَلَيْنِ يَتَحَالَفَانِ بالِاتِّفَاقِ كَمَا صرح بِهِ الشَّارِح.

قَوْله: (فَلَو مقايضة تحَالفا) وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِ الْبَدَلِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا إنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ عَيْنًا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ كَانَ عَيْنًا وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ دَيْنًا لَا يَتَحَالَفَانِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي كِفَايَةٌ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَبِيع كل مِنْهُمَا) أَي فَكَانَ العقد قَائِما بِبَقَاء الْبَاقِي مِنْهُمَا.

قَوْله: (وَيرد مثل الْهَالِكِ) إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا.

قَوْله: (كَمَا لَو اخْتلفَا فِي جنس الثّمن الخ) كألف دِرْهَم وَألف دِينَار، وَهَذَا تَشْبِيه بالمقايضة فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ بِلَا خلاف، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى ثَمَنٍ، فَلَا بُدَّ من التَّحَالُف ف للْفَسْخ كَمَا فِي الْبَحْر، وَبِهَذَا تعلم أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ كَالِاخْتِلَافِ فِي قدره، إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَهِي مَا إِذا كَانَ الْمَبِيع هَالكا.

(8/83)


وَالْحَاصِل: أَنه إِذا هلك الْمَبِيع لَا تحالف عِنْدهمَا خلافًا لمُحَمد إِذا كَانَ الثّمن دينا، وَاخْتلفَا فِي قدره أَو وَصفه، أما إِذا اخْتلفَا فِي جنسه أَو لم يكن دينا فَلَا خلاف فِي التَّحَالُف.

قَوْله: (وَلَا تحالف بَعْدَ هَلَاكِ بَعْضِهِ) أَيْ هَلَاكِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا سَيذكرُهُ قَرِيبا، لَان التَّحَالُف بعد الْقَبْض ثَبت بِالنَّصِّ على خلاف الْقيَاس، وورلاد الشَّرْع بِهِ فِي حَال قيام السّلْعَة، والسلعة اسْم لجميعها فَلَا تبقى بعد فَوَات جُزْء مِنْهَا، وَلَا يُمكن التَّحَالُف فِي الْقَائِم إِلَّا على اعْتِبَار حِصَّته من الثّمن، وَلَا بُد من الْقِسْمَة على قيمتهمَا،
وَالْقيمَة تعرف بِالظَّنِّ والحزر فَيُؤَدِّي إِلَى التَّحْلِيف مَعَ الْجَهْل وَذَلِكَ لَا يجوز.

قَوْله: (عِنْد المُشْتَرِي) أَي قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ قَبْضِهِمَا) فَلَوْ قَبْلَهُ يَتَحَالَفَانِ فِي مَوْتِهِمَا وَمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَفِي الزِّيَادَة لوُجُود الانكار من الْجَانِبَيْنِ.
كِفَايَة.
وَلَو عِنْد البَائِع قبل الْقَبْض تحَالفا على الْقَائِم عِنْدهم.

قَوْله: (لم يتحالفا عِنْد أبي حنيفَة) أَي وَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي بِيَمِينِهِ، لِأَنَّ التَّحَالُفَ مَشْرُوطٌ بَعْدَ الْقَبْضِ بِقِيَامِ السِّلْعَةِ وَهِي اسْم لجَمِيع الْمَبِيع كَمَا تقدم، فَإِذا هلك بعضه انْعَدم الشَّرْط.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يَتَحَالَفَانِ فِي الْحَيّ وَيفْسخ العقد فِيهِ، وَلَا يَتَحَالَفَانِ فِي الْهَالِك، وَيكون القَوْل فِي ثمنه قَول المُشْتَرِي، وَقَالَ مُحَمَّد: يَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِمَا وَيفْسخ العقد فيهمَا، وَيرد الْحَيّ وَقِيمَة الْهَالِك كَمَا فِي الْعَيْنِيّ.

قَوْله: (إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِتَرْكِ حِصَّةِ الْهَالِكِ أصلا) أَي لَا يَأْخُذ من ثمن الْهَالِكِ شَيْئًا أَصْلًا، وَيَجْعَلُ الْهَالِكَ كَأَنْ لَمْ يكن وَكَأن العقد لن يكن، إِلَّا على الْحَيّ فَحِينَئِذٍ يَتَحَالَفَانِ فِي ثمنه وَيكون الثّمن كُله فِي مُقَابلَة الْحَيّ، وبنكول أَيهمَا لزم دَعْوَى الآخر كَمَا فِي غُرَرُ الْأَفْكَارِ.

قَوْلُهُ: (يَتَحَالَفَانِ) أَيْ عَلَى ثَمَنِ الْحَيّ فَإِن حلفا فسخ العقد فِيهِ وَأَخذه، وَلَا يُؤْخَذ من ثمن الْهَالِك وَلَا فِي قِيمَته شئ، وَأيهمَا نكل لزمَه دَعْوَى الآخر كَمَا فِي التَّبْيِين.

قَوْله: (هَذَا على تَخْرِيج الْجُمْهُور) أَي صرف الِاسْتِثْنَاء إِلَى التَّحَالُف، وَلَفظ الْمَبْسُوط يدل على هَذَا، لَان الْمُسْتَثْنى مِنْهُ عدم التَّحَالُف حَيْثُ قَالَ: لم يتحالفا إِلَّا أَن يرضى الخ.

قَوْله: (وَصرف مَشَايِخ بَلخ الِاسْتِثْنَاء) أَيْ الْمُقَدَّرَ فِي الْكَلَامِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى وَلَا تحالف بعد هَلَاكه بعضه بل الْيَمين على المُشْتَرِي.
قَالَ فِي غرر الافكار بعد ذكره مَا قَدَّمْنَاهُ، وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى حَلِفِ الْمُشْتَرِي الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ يَعْنِي يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِك قدر مَا أقرّ بِهِ المُشْتَرِي وَحلف، لَا الزَّائِد إِلَّا أَن يرضى البَائِع أَن يَأْخُذ الْقَائِم، وَلَا يخاصمه فِي الْهَالِك، فَحِينَئِذٍ لَا يحلف المُشْتَرِي إِذا الْبَائِعُ أَخَذَ الْقَائِمَ صُلْحًا عَنْ جَمِيعِ مَا ادَّعَاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَلَمْ يَبْقَ حَاجَةٌ إلَى تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي لَا الزِّيَادَة، فيتحالفان ويترادان فِي الْقَائِم إِ هـ.

قَوْله: (إِلَى يَمِين المُشْتَرِي) اعْلَم أَن الْمَشَايِخ اخْتلفُوا فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاء، فالعامة على أَنه منصرف إِلَى التَّحَالُف، لانه الْمَذْكُور فِي كَلَام الْقَدُورِيّ، فتقدير الْكَلَام: لم يتحالفا إِلَّا إِذا ترك البَائِع حِصَّة الْهَالِك فيتحالفان.
وَقَالَ بَعضهم: إِنَّه منصرف إِلَى يَمِين المُشْتَرِي الْمُقَدَّرَ فِي الْكَلَامِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: وَلَا تَحَالُفَ بَعْدَ هَلَاكِ
بَعْضِهِ بَلْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُشْتَرِي إِلَّا أَن يرضى الخ: أَي فَحِينَئِذٍ لَا يَمِين على المُشْتَرِي، لانه لما أَخذ البَائِع بقول المُشْتَرِي وَصدقه لَا يحلف المُشْتَرِي، وَيكون القَوْل قَوْله بِلَا يَمِين، وَهَذَا إِنَّمَا يظْهر أَن لَو كَانَ الثّمن مفصلا أَو كَانَت قيمَة الْعَبْدَيْنِ سَوَاء أَو مُتَفَاوِتَة مَعْلُومَة، أما إِذا كَانَت قيمَة الْهَالِك مَجْهُولَة

(8/84)


وتنازعا فِي الْقدر الْمَتْرُوك لَهَا فَلم أره، وَالظَّاهِر أَن القَوْل قَول المُشْتَرِي فِي تعْيين الْقدر وَيُحَرر.
ط.
وَالْحَاصِل: أَنه إِذا هلك بعض الْمَبِيع أَو أخرجه المُشْتَرِي عَن ملكه لَا تحالف، وَالْقَوْل للْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِتَرْكِ حِصَّةِ الْهَالِكِ فيتحالفان، فَيحلف البَائِع أَنه مَا بَاعه بِمَا يَقُول للْمُشْتَرِي، وَيحلف المُشْتَرِي بِأَنَّهُ مَا اشْتَرَاهُ بِمَا يَقُوله البَائِع وَيفْسخ العقد بَينهمَا، وَيَأْخُذ البَائِع الْقَائِم فَقَط وَلَا شئ لَهُ سواهُ، لانه رَضِي بِإِسْقَاط حِصَّة الْهَالِك هَذَا مَا تفيده عبارَة الْمَبْسُوط، وَجعله الشَّارِح تبعا للزيلعي تَخْرِيج الْجُمْهُور، وَالَّذِي تفهمه عبارَة الْجَامِع الصَّغِير، اخْتَارَهُ مَشَايِخ بَلخ عدم التَّحَالُف مُطلقًا، وَأَن القَوْل للْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِتَرْكِ حِصَّةِ الْهَالِكِ، وَأخذ الْقَائِم صلحا عَمَّا يَدعِيهِ من جملَة الثّمن وَلَا شئ لَهُ سواهُ لرضاه بِهِ، وَالله تَعَالَى أعلم.

قَوْله: (وَلَا فِي قدر بدل كِتَابَة) أَي إِذا اخْتلف الْمولى وَالْمكَاتب، فَلَا تحالف عِنْد الامام لَان التَّحَالُف فِي الْمُعَاوَضَات اللَّازِمَة، وَبدل الْكِتَابَة غير لَازم على الْمكَاتب مُطلقًا فَلم يكن فِي معنى البيع، ولان فَائِدَة النّكُول ليقضى عَلَيْهِ، وَالْمكَاتب لَا يقْضى عَلَيْهِ، ولان الْبَدَل فِي الْكِتَابَة مُقَابل بفك الْحجر، وَهُوَ ملك التَّصَرُّف وَالْيَد فِيهِ للْحَالِف وَقد سلم ذَلِك لَهُ وَلَا يَدعِي على مَوْلَاهُ شَيْئا، وَقد بَينا أَن التَّحَالُف بعد الْقَبْض على خلاف الْقيَاس فَلَا يَتَحَالَفَانِ، فَيكون القَوْل قَول العَبْد لكَونه مُنْكرا، وَإِنَّمَا يصير مُقَابلا بِالْعِتْقِ عِنْد الاداء وَقَبله لَا يُقَابله أصلا.
فتعليل الشَّارِح تبع فِيهِ المُصَنّف حَيْثُ علل للامام الْقَائِل بِعَدَمِ التَّحَالُف فِي الْكِتَابَة بِأَن التَّحَالُف فِي الْمُعَاوَضَات اللَّازِمَة وَبدل الْكِتَابَة غير لَازم على الْمكَاتب مُطلقًا، فَلم يكن فِي معنى البيع.
وَقَالا: يَتَحَالَفَانِ وتفسخ الْكِتَابَة كَالْبيع، وَإِن أَقَامَ أَحدهمَا بَيِّنَة قبلت، وَإِن أقاماها فَبَيِّنَة الْمولى أولى لاثباتها الزِّيَادَة، لَكِن يعْتق بأَدَاء قدر مَا برهن عَلَيْهِ، وَلَا يمْتَنع وجوب بدل الْكِتَابَة بعد عتقه، كَمَا لَو كَاتبه على ألف على أَنه إِذا أدّى خَمْسمِائَة عتق، وكما لَو اسْتحق الْبَدَل بعد الاداء كَمَا فِي التَّبْيِين.
قَوْله:
(وَقدر رَأس مَال بعد إِقَالَة عقد السّلم) أَي بِأَن اخْتلف رب السّلم وَالْمُسلم إِلَيْهِ فِي قدر رَأس المَال بعد إِقَالَة السّلم، فَقَالَ رب السّلم رَأس المَال عشرَة وَقَالَ الْمُسلم إِلَيْهِ خَمْسَة لم يتحالفا، لَان التَّحَالُف مُوجبه رفع الاقالة وعود السّلم: أَي مَعَ أَنه دين وَقد سقط والساقط لَا يعود، ولانها لَيست بِبيع بل هِيَ إبِْطَال من وَجه، فَإِن رب السّلم لَا يملك الْمُسلم فِيهِ بالاقالة بل يسْقط فَلم يكن فِيهَا معنى البيع حَتَّى يتحالفا، وَاعْتبر حَقِيقَة الدَّعْوَى والانكار وَالْمُسلم إِلَيْهِ هُوَ الْمُنكر فَكَانَ القَوْل قَوْله، وَقيد بالاختلاف بعْدهَا، لانهما لَو اخْتلفَا قبلهَا فِي قدره تحَالفا كالاختلاف فِي نَوعه وجنسه وَصِفَتِهِ، كَالِاخْتِلَافِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي الْوُجُوهِ الاربعة على مَا قدمْنَاهُ.

قَوْله: (بل القَوْل للْعَبد وَالْمُسلم إِلَيْهِ) مَعَ يَمِينِهِمَا.
بَحْرٌ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ) لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُ النَّقْضَ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَلَا يَعُودُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا سَيَأْتِي.
وَيَنْبَغِي أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِمْ أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ صِفَتِهِ بَعْدَهَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا.
بَحْرٌ.
وَفِيهِ: وَقَدْ عُلِمَ مِنْ تَقْرِيرِهِمْ هُنَا أَنَّ الْإِقَالَةَ تَقْبَلُ الْإِقَالَةَ، إلَّا فِي إقَالَةِ السَّلَمِ، وَأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَقْبَلُهَا، وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي الْفَوَائِد.

قَوْله: (وَإِن اخْتلفَا فِي مِقْدَار الثّمن الخ) بِأَن اشْترى أمة بِأَلف دِرْهَم وَقَبضهَا ثمَّ تَقَايلا البيع حَال قيام الامة، ثمَّ اخْتلفَا فِي مِقْدَار الثّمن بعد الاقالة قبل أَن يقبض البَائِع الامة بِحكم الاقالة تحَالفا وَيعود البيع الاول.

قَوْله: (وَلَا بَيِّنَة) أما إِذا

(8/85)


وجدت لاحدهما عمل بهَا لَهُ وَإِن برهنا، فَبَيِّنَة مُثبت الزِّيَادَة مُقَدّمَة، وَهَذَا قِيَاس مَا تقدم ط.

قَوْله: (وَعَاد البيع) حَتَّى يكون البَائِع فِي الثّمن وَحقّ المُشْتَرِي فِي الْمَبِيع كَمَا كَانَ قبل الاقالة، لَان التَّحَالُف قبل الْقَبْض مُوَافق للْقِيَاس لما أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مُدع ومنكر فيتعدى إِلَى الاقالة، وَلَا بُد من الْفَسْخ مِنْهُمَا أَو من القَاضِي.
أبي السُّعُود.

قَوْله: (لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مَقْبُوضًا) فَلَو لم يَكُونَا مقبوضين أَو أَحدهمَا فَلَا يعود البيع وَالْقَوْل قَول مُنكر الزِّيَادَة مَعَ يَمِينه.
هَذَا مَا ظهر لي ط.
وَفِي مِسْكين: وَالْقَوْل للْمُنكر.

قَوْله: (خلافًا لمُحَمد) لانه يرى النَّص معلولا بعد الْقَبْض أَيْضا، وهما قَالَا: كَانَ يَنْبَغِي أَن لَا تحالف مُطلقًا، لانه إِنَّمَا ثَبت فِي البيع الْمُطلق بِالنِّسْبَةِ، والاقالة فسخ فِي حَقّهمَا إِلَّا أَنه قبل الْقَبْض على وفْق الْقيَاس، فَوَجَبَ الْقيَاس عَلَيْهِ كَمَا قسنا الاجارة على البيع قبل الْقَبْض وَالْوَارِث
على الْعَاقِد وَالْقيمَة على الْعين فِيمَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ غَيْرُ الْمُشْتَرِي.
بَحر.

قَوْله: (وَإِن اخْتلفَا فِي قدر الْمهْر) كألف وألفين.
هَذِه الْمَسْأَلَة وَقعت مكررة، لانها ذكرت فِي بَاب الْمهْر وَتبع فِيهِ صَاحب الْهِدَايَة والكنز، وَلذَلِك لم يذكرهَا هُنَا صَاحب الْوِقَايَة، لَان محلهَا الانسب ثمَّة، إِلَّا أَن المُصَنّف ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة على تَخْرِيج الْكَرْخِي هُنَا وعَلى تَخْرِيج الرَّازِيّ ثمَّة، وَهَكَذَا فِي الْكَنْز، وَقصد مِنْهُ نُكْتَة تخرجها عَن حد التّكْرَار على مَا تقف عَلَيْهِ الْآن إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقيد بِقدر الْمهْر، لَان الِاخْتِلَاف لَو كَانَ فِي أَصله يجب مهر الْمثل لما سبق فِي بَابه، وَالِاخْتِلَاف فِي جنسه كالاختلاف فِي قدره، إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مهر مثلهَا كقيمة مَا عينته الْمَرْأَة مهْرا أَو أَكثر فلهَا قِيمَته لَا عينه كَمَا يَأْتِي ذكره فِي الْهِدَايَة وَغَيرهَا.

قَوْله: (أَو جنسه) كَمَا إِذا ادّعى أَن مهرهَا هَذَا العَبْد وَادعت أَنه هَذِه الْجَارِيَة فَحكم الْقدر وَالْجِنْس وَاحِد، إِلَّا فِي صُورَة وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهَا قِيمَةُ الْجَارِيَةِ لَا عينهَا.
بَحر.
وَفِيه: لم يَذْكُرْ حُكْمَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَحُكْمُهُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ لَهَا نِصْفَ مَا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةُ لَهَا الْمُتْعَةُ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ تَأْخُذَ نصف الْجَارِيَة اهـ.

قَوْله: (قضى لمن أَقَامَ الْبُرْهَان) لانه نور دَعْوَاهُ بهَا، أَمَّا قَبُولُ بَيِّنَةِ الْمَرْأَةِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهَا تَدَّعِي الْأَلْفَيْنِ وَلَا إشْكَالَ، وَإِنَّمَا يَرِدُ عَلَى قَبُولِ بَيِّنَةِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْيَمين لَا الْبَيِّنَة، فَكيف تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ.
قُلْنَا: هُوَ مُدَّعٍ صُورَةً لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَى الْمَرْأَةِ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا بِأَدَاءِ مَا أقرّ بِهِ الْمَهْرِ، وَهِيَ تُنْكِرُ وَالدَّعْوَى كَافِيَةٌ لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ كَمَا فِي دَعْوَى الْمُودِعِ رَدَّ الْوَدِيعَةِ.
مِعْرَاجٌ.

قَوْله: (بِأَن كَانَ كمقالته أَو أقل) لانها تثبت الزِّيَادَة، وَبَيِّنَة الزَّوْج تَنْفِي ذَلِك والمثبت أولى، ولان الظَّاهِر يشْهد لَهُ وَبَيِّنَة الْمَرْأَة تثبت خلاف الظَّاهِر، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبر فِي الْبَينَات.

قَوْله: (فبينته أولى) هَذَا مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى، وَكَذَا الزَّيْلَعِيُّ هُنَا وَفِي بَابِ الْمهْر.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهَا أَيْضًا لِأَنَّهَا أَظْهَرَتْ شَيْئا لم يكن ظَاهرا بتصادقهما كَمَا فِي الْبَحْر.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
قُلْت: بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ مَهْرُ الْمِثْلِ كَيْفَ يُفْعَلُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُمَاثِلُهَا.
تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (لاثباتها

(8/86)


خلاف الظَّاهِر) عِلّة للمسألتين أَيْ وَالظَّاهِرِ مَعَ مَنْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ الْمثل.

قَوْله: (وَإِنْ كَانَ غَيْرَ شَاهِدٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ بَينهمَا) لَيْسَ المُرَاد أَنه متوسط بَينهمَا، بل المُرَاد أَنه أقل مِمَّا ادَّعَتْهُ وَأكْثر مِمَّا ادَّعَاهُ، وَبِه عبر فِي الدُّرَر.

قَوْله: (فالتهاتر) أَي التساقط: أَي فَالْحكم حِينَئِذٍ التهاتر مَعَ الهتر بِكَسْر الْهَاء وَهُوَ السقط من الْكَلَام أَو الْخَطَأ فِيهِ.
عناية.

قَوْله: (للاستواء) أَي فِي الاثبات، لَان بينتها تثبت الزِّيَادَة وبينته تثبت الْحَط، وَلَيْسَ أَحدهمَا بِأولى من الآخر.
دُرَر.

قَوْله: (وَيجب مهر الْمثل عَلَى الصَّحِيحِ) قَيْدٌ لِلتَّهَاتُرِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالصَّحِيح التهاتر وَيجب مهر الْمثل.

قَوْله: (تحَالفا) أَي عِنْد أبي حنيفَة وَأيهمَا نكل لزمَه دَعْوَى الآخر، لانه صَار مقرا بِمَا يَدعِيهِ خَصمه، أَو باذلا.
دُرَر.
وَعند أبي يُوسُف لَا يَتَحَالَفَانِ وَالْقَوْل قَول الزَّوْج مَعَ يَمِينه، إِلَّا أَن يَأْتِي بشئ مستنكر لَا يتعارف مهْرا لَهَا.
وَقيل هُوَ أَن يَدعِي مَا دون عشرَة دَرَاهِم كَمَا فِي الْجَوْهَرَة.
وَقَالَ الامام جَوَاهِر زَاده: هُوَ أَن يَدعِي مهْرا لَا يتَزَوَّج مثلهَا عَلَيْهِ عَادَة، كَمَا لَو ادّعى النِّكَاح على مائَة دِرْهَم وَمهر مثلهَا ألف.
وَقَالَ بَعضهم: المستنكر مَا دون نصف الْمهْر، فَإِذا جَاوز نصف الْمهْر لم يكن مستنكرا.
عَيْني.

قَوْله: (وَلم يفْسخ النِّكَاح لتبعية الْمهْر) لَان أثر التَّحَالُف فِي انعدام التَّسْمِيَة وَذَا لَا يخل بِصِحَّة النِّكَاح: أَي لَان يَمِين كل مِنْهُمَا يبطل مَا يَدعِيهِ صَاحبه من التَّسْمِيَة، وَهُوَ لَا يفْسد النِّكَاح إِذْ الْمهْر تَابع فِيهِ.
بِخِلَاف البيع فَإِن عدم تَسْمِيَته الثّمن يُفْسِدهُ كَمَا مر ويفسخه القَاضِي قطعا للمنازعة بَينهمَا.

قَوْلُهُ: (وَيَبْدَأُ بِيَمِينِهِ) نَقَلَ الرَّمْلِيُّ عَنْ مَهْرِ الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ يَقْرَعُ بَيْنَهُمَا اسْتِحْبَابا لانه لَا رُجْحَان لاحدهما على الآخر.
وَاخْتَارَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَكَثِيرُونَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِيَمِينِهِ، لِأَنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ أَوَّلُ الْيَمِينَيْنِ عَلَيْهِ كتقديم المُشْتَرِي على البَائِع، وَالْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ) التسليمان: هما تَسْلِيم الزَّوْج الْمهْر، وَتَسْلِيم الْمَرْأَة نَفسهَا، وَالسَّابِق فيهمَا تَسْلِيم معجل الْمهْر، وَمَا ذكر تَخْرِيج الْكَرْخِي فَيقدم التَّحَالُف عِنْد الْعَجز عَن الْبُرْهَان فِي الْوُجُوه كلهَا: يَعْنِي فِيمَا إِذا كَانَ مهر الْمثل مثل مَا اعْترف بِهِ الزَّوْج أَو أقل مِنْهُ أَو مثل مَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَة أَو أَكثر مِنْهُ، أَو كَانَ بَينهمَا خَمْسَة أوجه.
وَأما على تَخْرِيج الرَّازِيّ فَلَا تحالف إِلَّا فِي وَجه وَاحِد، وَهُوَ مَا إِذا لم يكن مهر الْمثل شَاهدا لاحدهما، وَفِيمَا عداهُ فَالْقَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ إِذا كَانَ مهر الْمثل مثل مَا يَقُول أَو
أقل، وَقَوْلها مَعَ يَمِينهَا إِذا كَانَ مثل مَا ادَّعَتْهُ أَو أَكثر.
أَبُو السُّعُود عَن الْعِنَايَة.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ التَّحَالُفَ فِيمَا إذَا خَالَفَ قَوْلَهُمَا، أَمَّا إذَا وَافَقَ قَوْلَ أَحَدِهِمَا فَالْقَوْلُ لَهُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَعَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ يَتَحَالَفَانِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ، ثُمَّ يَحْكُمُ مهر الْمثل.
وَصَححهُ فِي الْمَبْسُوط وَالْمُحِيط بِهِ جزم فِي الْكَنْز.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَ الاول وَتَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ تَقْدِيمَ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ لَهُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ يُؤْذِنُ بِتَرْجِيحِهِ وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَة.
وَقَالَ قاضيخان إنَّهُ الْأَوْلَى وَلَمْ يُذْكَرْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِير غَيره، وَالْأَوْلَى الْبُدَاءَةُ بِتَحْلِيفِ الزَّوْجِ، وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا.

قَوْله: (وحيكم بِالتَّشْدِيدِ) وَهَذَا: أَعْنِي التَّحَالُفَ أَوَّلًا ثُمَّ التَّحْكِيمَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، لَان مهر الْمثل لَا اعْتِبَار لَهُ مَعَ وُجُودِ التَّسْمِيَةِ وَسُقُوطِ اعْتِبَارِهَا بِالتَّحَالُفِ، فَلِهَذَا يقدم فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَأَمَّا عَلَى تَخْرِيجِ الرَّازِيّ فالتحكيم قَبْلَ التَّحَالُفِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي الْمَهْرِ مَعَ بَيَانِ اخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ وَخِلَافِ أَبِي يُوسُفَ.
بَحْرٌ.

(8/87)


قَالَ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود: وَلقَائِل أَن يَقُول: مَا بالهم لَا يحكمون قيمَة الْمَبِيع إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ فِي الثّمن لمعْرِفَة من يشْهد لَهُ الظَّاهِر كَمَا فِي النِّكَاح فَإِنَّهُ لَا مَحْظُور فِيهِ، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن مهر الْمثل أَمر مَعْلُوم ثَابت بِيَقِين فَجَاز أَن يكون حكما، بِخِلَاف الْقيمَة فَإِنَّهَا تعلم بالحزر وَالظَّن فَلَا تفِيد الْمعرفَة فَلَا جعل حكما.
عناية.

قَوْله: (وَلَو اخْتلفَا الخ) وَجه التَّحَالُف أَن الاجارة قبل قبض الْمَنْفَعَة كَالْبيع قبل قبض الْمَبِيع فِي كَون كل من الْمُتَعَاقدين يَدعِي على الآخر وَهُوَ يُنكر، وَكَون كل من الْعقْدَيْنِ مُعَاوضَة يجْرِي فِيهَا الْفَسْخ فالتحقت بِهِ.
وَاعْترض بِأَن قيام الْمَعْقُود عَلَيْهِ شَرط لصِحَّة التَّحَالُف، وَالْمَنْفَعَة مَعْدُومَة، وَأجِيب بِأَن الدَّار مثلا أُقِيمَت مقَام الْمَنْفَعَة فِي حق إِيرَاد العقد عَلَيْهَا فَكَأَنَّهَا قَائِمَة تَقْديرا.
دُرَر.

قَوْله: (فِي بدل الاجارة) أَي فِي قدرهَا بِأَن ادّعى الْمُؤَجّر أَنه آجر شهرا بِعشْرَة وَادّعى الْمُسْتَأْجر أَنه آجره بِخَمْسَة.

قَوْله: (أَو فِي قدر الْمدَّة) بِأَن ادّعى الْمُؤَجّر أَنه آجر شهرا وَالْمُسْتَأْجر شَهْرَيْن.

قَوْله: (قبل الِاسْتِيفَاء للمنفعة) لِأَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ وَالْإِجَارَةُ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ نَظِيرُهُ.
بَحْرٌ.
وَفِيه: المُرَاد بِالِاسْتِيفَاءِ التَّمَكُّن مِنْهُ فِي الْمُدَّةِ وَبِعَدَمِهِ عَدَمُهُ لِمَا عُرِفَ أَنه قَائِم مقَامه فِي وجوب الاجر اهـ.
فَلَو أبدل المُصَنّف قَوْله قبل الِاسْتِيفَاء بقوله قبل التَّمَكُّن من الِاسْتِيفَاء لَكَانَ أولى، وَأَشَارَ فِي الْبَحْر بقوله فِي وجوب الاجر إِلَى الِاحْتِرَاز عَن الاجارة الْفَاسِدَة، فَإِن أجر الْمثل إِنَّمَا يجب بِحَقِيقَة الِاسْتِيفَاء لَا بِمُجَرَّد التَّمَكُّن على مَا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (تَحَالَفَا) وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَأيهمَا برهن قبل.

قَوْله: (وبدئ بِيَمِين الْمُسْتَأْجر) لانه هُوَ الْمُنكر للزِّيَادَة.
فَإِنْ قِيلَ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَبْدَأَ بِيَمِينِ الْآجِرِ لِتَعْجِيلِ فَائِدَةِ النُّكُولِ، فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَاجِب.
وَأجِيب بِأَنَّ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةَ التَّعْجِيلِ فَهُوَ الاسبق إنْكَارًا فَيَبْدَأُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَا يمْنَع الْآجِرُ مِنْ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبْضِ الْأُجْرَةِ.
أَبُو السُّعُودِ
قَوْله: (والمؤجر لَوْ فِي الْمُدَّةِ) وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهِمَا قُبِلَتْ بَيِّنَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْفَضْلِ نَحْوُ: أَنْ يَدَّعِيَ هَذَا شَهْرًا بِعَشَرَةٍ ولمستأجر شَهْرَيْنِ بِخَمْسَةٍ فَيُقْضَى بِشَهْرَيْنِ بِعَشَرَةٍ.
بَحْرٌ.

قَوْلُهُ: (وَإِن برهنا فَالْبَيِّنَة للمؤجر فِي الْبَدَل) نظرا إِلَى إِثْبَات الزِّيَادَة، وَلَو اخْتلفَا فيهمَا فَتقدم حجَّة كل فِي زَائِد يَدعِيهِ.

قَوْله: (وللمستأجر فِي الْمدَّة) نظرا إِلَى إِثْبَات الزِّيَادَة.

قَوْله: (وَبعده) أَي بعد الِاسْتِيفَاء لَا تحالف، وَالْمرَاد من الِاسْتِيفَاء التَّمَكُّن كَمَا تقدم.

قَوْله: (وَالْقَوْل للْمُسْتَأْجر) أَي إِذا كَانَ الِاخْتِلَاف فِي الاجرة، فَلَو كَانَ الِاخْتِلَاف فِي الْمدَّة كَأَن ادّعى الْمُسْتَأْجر بعد الِاسْتِيفَاء مُدَّة أَكثر مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُؤَجّر لَا يكون القَوْل للْمُسْتَأْجر بل للمؤجر، وَكَأَنَّهُم تركُوا التَّنْبِيه على ذَلِك لظُهُوره.
أَبُو السُّعُود.

قَوْله: (وَفسخ العقد فِي الْبَاقِي) لانه من الِاخْتِلَاف فِي

(8/88)


العقد.

قَوْله: (وَالْقَوْل فِي الْمَاضِي للْمُسْتَأْجر) لانه من الِاخْتِلَاف فِي الدّين وَهَذَا بالاجماع فَأَبُو يُوسُف مر على أَصله فِي هَلَاك بعض الْمَبِيع، فَإِن التَّحَالُف فِيهِ يتَقَدَّر بِقدر الْبَاقِي عِنْده، فَكَذَا هُنَا، وهما خالفا أَصلهمَا فِي الْمَبِيع، وَالْفرق لمُحَمد مَا بَيناهُ فِي اسْتِيفَاء الْكل من أَن الْمَنَافِع لَا تتقوم إِلَّا بِالْعقدِ، فَلَو تحَالفا لَا يبْقى العقد، فَلم يُمكن إِيجَاب شئ، وَالْفرق لابي حنيفَة أَن العقد فِي الاجارة ينْعَقد سَاعَة فساعة على حسب حُدُوث الْمَنَافِع، فَيصير كل جُزْء من الْمَنَافِع كالمعقود عَلَيْهِ عقدا مُبْتَدأ على حِدة، فَلَا يلْزم من تعذر التَّحَالُف فِي الْمَاضِي التَّعَذُّر فِيمَا بَقِي إِذْ هما فِي حكم عقدين مُخْتَلفين فيتحالفان، بِخِلَاف مَا إِذا
هلك بعض الْمَبِيع حَيْثُ يمْنَع التَّحَالُف فِيهِ عِنْده لانه عقد وَاحِد، فَإِذا امْتنع فِي الْبَعْض امْتنع فِي الْكل ضَرُورَة كي لَا يُؤَدِّي إِلَى تَفْرِيق الصَّفْقَة على البَائِع.
زَيْلَعِيّ.

قَوْله: (لانعقادها سَاعَة فساعة) أَي على حسب حُدُوث الْمَنْفَعَة الْمَعْقُود عَلَيْهَا فِي الاجارة.

قَوْله: (فَكل جُزْء كعقد) أَي فَيصير كل جُزْء من الْمَنْفَعَة كالمعقود عَلَيْهِ ابْتِدَاء.

قَوْله: (بِخِلَاف البيع) أَي بِخِلَاف مَا إِذا هلك بعض الْمَبِيع، لَان كل جُزْء لَيْسَ بمعقود عَلَيْهِ عقدا مُبْتَدأ، بل الْجُمْلَة معقودة بِعقد وَاحِد، فَإِذا تعذر العقد فِي بعضه بِالْهَلَاكِ تعذر فِي كُله ضَرُورَة.

قَوْله: (وَإِن اخْتلف الزَّوْجَانِ الخ) قيد باختلافهما للِاحْتِرَاز عَن اخْتِلَاف نسَاء الزَّوْج دونه، فَإِن مَتَاع النِّسَاء بَينهُنَّ على السوَاء إِن كن فِي بَيت وَاحِد، وَإِن كَانَت كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ فِي بَيت على حِدة فَمَا فِي بَيت كل امْرَأَة بَينهَا وَبَين زَوجهَا على مَا ذكر بعد، وَلَا يشْتَرك بَعضهنَّ مَعَ بعض.
كَذَا فِي خزانَة الاكمل وَالْخَانِيَّة.
وللاحتراز عَن اخْتِلَاف الاب وَالِابْن فِيمَا فِي الْبَيْت.
قَالَ فِي خزانَة الاكمل: قَالَ أَبُو يُوسُف: إِذا كَانَ الاب فِي عِيَال الابْن فِي بَيته فالمتاع كُله للِابْن، كَمَا لَو كَانَ الابْن فِي بَيت الاب وَعِيَاله فمتاع الْبَيْت للاب.
اهـ.
وَانْظُر هَل يَأْتِي التَّفْصِيل هُنَا كَمَا ذَكرُوهُ فِي الزَّوْجَيْنِ بِأَن يكون أَحدهمَا عَالما مثلا وَالْآخر جَاهِلا، وَفِي الْبَيْت كتب وَنَحْوهَا مِمَّا يصلح لاحدهما فَقَط؟ وَكَذَا لَو كَانَت الْبِنْت فِي عِيَال أَبِيهَا فَهَل لَهَا ثِيَاب النِّسَاء؟ وَيَقَع كثيرا إِن الْبِنْت يكون لَهَا جهاز فيطلقها زَوجهَا فتسكن فِي بَيت أَبِيهَا فَهَل تكون كَمَسْأَلَة الزَّوْجَيْنِ أَو كَمَسْأَلَة الاسكاف والعطار الْآتِيَة؟ لم أره فَليُرَاجع.
قَالَ فِي الْبَحْر: قَالَ مُحَمَّد: رجل زوج ابْنَته وَهِي وَخَتنه فِي دَاره وَعِيَاله ثمَّ اخْتلفُوا فِي مَتَاع الْبَيْت فَهُوَ للاب، لانه فِي بَيته وَفِي يَده، وَلَهُم مَا عَلَيْهِم من الثِّيَاب انْتهى.
لَكِن قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: وَهُوَ مُخَالف لما مر عَن خزانَة الاكمل من عدم اعْتِبَار الْبَيْت، بل الْيَد هِيَ الْمُعْتَبرَة كَمَا سَيذكرُهُ الشَّارِح عَنْهَا.
أَقُول: وَيظْهر من هَذَا جَوَاب الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة هِيَ: لَو طلقت الْبِنْت وَلها جهاز وسكنت عِنْد أَبِيهَا فَتَأمل.
وللاحتراز عَن إسكاف وعطار، اخْتلفَا فِي آلَة الاساكفة أَو آلَة العطارين وَهِي فِي أَيْدِيهِمَا، فَإِنَّهُ يقْضِي بهَا بَينهمَا وَلَا ينظر إِلَى مَا يصلح لاحدهما، لانه قد يَتَّخِذهُ لنَفسِهِ أَو للْبيع فَلَا يصلح مرجحا،
وللاحتراز عَمَّا إِذا اخْتلف الْمُؤَجّر وَالْمُسْتَأْجر فِي مَتَاع الْبَيْت فَإِن القَوْل فِيهِ للْمُسْتَأْجر، لكَون الْبَيْت مُضَافا إِلَيْهِ بِالسُّكْنَى، وللاحتراز عَن اخْتِلَاف الزَّوْجَيْنِ فِي غير مَتَاع الْبَيْت، وَكَانَ أَيْدِيهِمَا فَإِنَّهُمَا كالاجنبيين يقسم بَينهمَا، وَقد ذكر الْمُؤلف بعد بعض مَا ذكر.

قَوْله: (وَلَو مملوكين) أَي أَو حُرَّيْنِ أَو مُسلمين أَو كَافِرين أَو كبيرين، وَأما إِذا كَانَ أَحدهمَا حرا وَالْآخر مَمْلُوكا فَسَيَأْتِي، وَأَشَارَ باختلافهما أَنَّهُمَا حَيَّان،

(8/89)


وَلذَلِك فرع عَلَيْهِ بعد حكم موت أَحدهمَا.

قَوْله: (وَالصَّغِير يُجَامع) قيد بِالْجِمَاعِ ليَكُون القَوْل قَوْله فِي الصَّالح لَهما، لَان الْمَرْأَة لَا تكون مَعَ مَا فِي يَدهَا فِي يَد الزَّوْج إِلَّا بذلك، بِخِلَاف الصَّغِير الَّذِي لم يبلغ حد الْجِمَاع، فَإِنَّهُ لَا يَد لَهُ على زَوجته، أما فِي الصَّالح لَهُ فَالْقَوْل لوَلِيِّه فِيهِ، سَوَاء كَانَ يُجَامع أَو لَا.
ثمَّ معنى كَون القَوْل للصَّغِير أَن القَوْل لوَلِيِّه لَان عِبَارَته غير مُعْتَبرَة.

قَوْله: (أَو ذِمِّيَّة) لَان لَهُم مَا لنا وَعَلَيْهِم مَا علينا فِي الْمُعَامَلَات.

قَوْله: (قَامَ النِّكَاح أَو لَا) بِأَن طَلقهَا مثلا، ويستثني مَا إذَا مَاتَ بَعْدَ عِدَّتِهَا كَمَا سَيَأْتِي.
قَالَ الرَّمْلِيّ: أَي سَوَاء وَقع الِاخْتِلَاف بَينهمَا حَال قيام النِّكَاح أَو بعده، وَمَا هُنَا هُوَ الَّذِي مَشى عَلَيْهِ الشُّرَّاح، وَإِن كَانَ فِي لِسَان الْحُكَّام مَا يُخَالف ذَلِك.

قَوْله: (فِي مَتَاع) مُتَعَلق باختلف.

قَوْله: (هُوَ هُنَا مَا كَانَ فِي الْبَيْت) الاولى أَن يَقُول الْبَيْت وَمَا كَانَ فِيهِ بِدَلِيل مَا ذكره فِي الْبَحْر عَن خزانَة الاكمل معزيا للامام الاعظم، من أَن الْمنزل وَالْعَقار والمواشي والنقود مِمَّا يصلح لَهما.
تَأمل.
وَسَيذكر الشَّارِح أَن الْبَيْت للزَّوْج إِلَّا أَن يكون لَهَا بَيِّنَة: أَي لكَونه ذَا يَد وَهُوَ تبع لَهُ فِي السُّكْنَى، وَهِي خَارِجَة معنى كَمَا علل بِهِ فِي الْخَانِية، وَالْمَتَاع لُغَة: كل مَا ينْتَفع بِهِ كالطعام والبز وأثاث الْبَيْت، وَأَصله مَا ينْتَفع بِهِ من الزَّاد، وَهُوَ اسْم من متعته بالتثقيل: إِذا أَعْطيته ذَلِك، وَالْجمع أَمْتعَة.
كَذَا فِي الْمِصْبَاح.
بَحر.
قَالَ الرَّمْلِيّ: أَقُول: الَّذِي يظْهر أَن المُرَاد بقوله فِي مَتَاعِ هُوَ هُنَا مَا كَانَ فِي الْبَيْت: أَي مَا ثَبت وضع أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ أَو تصرفهما فِيهِ بِأَن كَانَت أَيْدِيهِمَا تتعاقب عَلَيْهِ وتختلف بِالتَّصَرُّفِ، يدل عَلَيْهِ التَّعْلِيل فِي مسَائِل هَذَا الْبَاب بِالْيَدِ وَعدمهَا فِي الاخذ بقول الْمُدَّعِي وَعَدَمه.
تَأمل.
اهـ.

قَوْله: (وَلَو ذَهَبا أَو فضَّة) أَقُول: جعل الشَّارِح فِي الدّرّ الْمُنْتَقى النُّقُود مِمَّا يصلح لَهما، وَمثله فِي الْقُهسْتَانِيّ.

قَوْله: (فِيمَا صلح لَهُ) أَي لكل مِنْهُمَا مَعَ يَمِينه، فالصالح لَهُ الْعِمَامَة والقباء والقلنسوة والطيلسان وَالسِّلَاح
والمنطقة والكتب وَالْفرس والدرع الْحَدِيد، والصالح لَهَا الْخمار والدرع والاساور وخواتيم النِّسَاء والحلي والخلخال وَنَحْوهَا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُقِرَّ الْمَرْأَةُ أَنَّ هَذَا الْمَتَاعَ اشْتَرَاهُ، فَإِنْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ سَقَطَ قَوْلُهَا لانها أقرَّت بِأَن الْملك للزَّوْج ثُمَّ ادَّعَتْ الِانْتِقَالَ إلَيْهَا فَلَا يَثْبُتُ الِانْتِقَالُ إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَلَا شكّ أَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى شِرَائِهِ كَانَ كَإِقْرَارِهَا بِهِ فَلَا بُد من بَيِّنَة على انْتِقَاله لَهَا.
اهـ.
بَدَائِع.
وَكَذَا إِذا ادَّعَت أَنَّهَا اشترته مِنْهُ مثلا فَلَا بُد من بَيِّنَة على الِانْتِقَال إِلَيْهَا مِنْهُ بِهِبَة أَو نَحْو ذَلِك، لَا يَكُونُ اسْتِمْتَاعُهَا بِمُشْرِيهِ وَرِضَاهُ بِذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مَلَكَهَا ذَلِكَ كَمَا تَفْهَمُهُ النِّسَاءُ وَالْعَوَامُّ، وَقد أَفْتيت بذلك مرَارًا بَحر.
أَقُول: وَظَاهر قَوْله وَهَذَا كُله إِذا لم تقر الْمَرْأَة الخ شَامِل لما يخْتَص بِالنسَاء.
تَأمل.
وَيَنْبَغِي تَقْيِيده بِمَا لم يكن من ثِيَاب الْكسْوَة الْوَاجِبَة على الزَّوْج.
تَأمل.
وَفِي الْبَحْر عَن الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِتَجْهِيزِ الْبَنَاتِ: افْتَرقَا وَفِي بَيتهَا جَارِيَة نقلهَا مَعهَا وَاسْتَخْدَمَتْهَا سَنَةً وَالزَّوْجُ عَالِمٌ بِهِ سَاكِتٌ ثُمَّ ادَّعَاهَا فَالْقَوْلُ لَهُ، لِأَنَّ يَدَهُ كَانَتْ ثَابِتَةً وَلم يُوجد المزيل.
اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ سُكُوتَ الزَّوْجِ عِنْدَ نَقْلِهَا مَا يصلح لَهما لَا يبطل دَعْوَاهُ اهـ.
أَقُول: قَوْله لَا يبطل دَعْوَاهُ: أَي وَلَا دَعْوَاهَا لَان الْجَارِيَة صَالِحَة لَهما.

قَوْله: (فِيمَا صلح لَهُ)

(8/90)


أَي لكل مِنْهُمَا مَعَ يَمِينه، وَتقدم الْفرق بَين الصَّالح لَهُ والصالح لَهَا.

قَوْله: (فَالْقَوْل لَهُ) أَي للَّذي يفعل أَو يَبِيع من الزَّوْجَيْنِ.
قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ: لَيْسَ هَذَا على ظَاهره، لَان الْمَرْأَة وَمَا فِي يَدهَا فِي يَد الزَّوْج، وَالْقَوْلُ فِي الدَّعَاوَى لِصَاحِبِ الْيَدِ، بِخِلَافِ مَا يخْتَص بهَا لانه عَارض يَد الزَّوْج مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا، وَهُوَ الِاخْتِصَاصُ بِالِاسْتِعْمَالِ كَمَا فِي الْعِنَايَة، لكنه خلاف مَا عَلَيْهِ الشُّرُوح فقد صرح الْعَيْنِيّ بِخِلَافِهِ.

قَوْله: (لتعارض الظاهرين) أَي ظَاهر صالحيته لَهما، وَظَاهر اصطناعه أَو بَيْعه لَهُ فتساقطا ورجعنا إِلَى اعْتِبَار الْيَد، وَهِي وَمَا فِي يَدهَا فِي يَده.
وَبِهَذَا الْحل ظهر أَنه لَا وَجه لتوقف سَيِّدي أبي السُّعُود فَإِنَّهُ قَالَ: وَاعْلَم أَن فِي التَّعْلِيل بتعارض الظاهرين تأملا، لانه حَيْثُ اسْتَويَا فِي الْقُوَّة لَا يصلح أَن يكون تعارضهما مرجحا لاحدهما، هَكَذَا توقفت بُرْهَة ثمَّ راجعت عبارَة الدُّرَر فَلم أجد فِيهَا التَّعْلِيل الْمَذْكُور.
اهـ.
فَإِنَّهُ يَجْعَل التَّعَارُض مرجحا:
أَي بل هُوَ مسْقط والمرجح الْيَد فَلْيتَأَمَّل.
وَالْحَاصِل: أَن مَا علل بِهِ الشَّارِح لَا يصلح عِلّة لوَجْهَيْنِ.
الاول إِذا كَانَ الزَّوْج يَبِيع مَا يصلح لَهُ يَشْهَدُ لَهُ ظَاهِرَانِ الْيَدُ وَالْبَيْعُ لَا ظَاهِرٌ وَاحِد فَلَا تعَارض، وَكَذَلِكَ إِذا كَانَت هِيَ تبيع ذَلِك لَا يتَرَجَّح ملكهَا إلَّا إذَا كَانَ مِمَّا يَصْلُحُ لَهَا عَلَى أَنَّ التَّعَارُضَ لَا يَقْتَضِي التَّرْجِيحَ بَلْ التَّهَاتُرَ.
الثَّانِي أَنه إِذا كَانَ الزَّوْج يَبِيع فَلَا تعَارض، وَإِن كَانَت هِيَ تبيع فَكَذَلِك، وَحِينَئِذٍ الاوجه فِي التَّعْلِيل أَن يُقَال: لَان ظَاهر الَّذِي يفعل وَيبِيع أظهر وَأقوى، كَمَا أَن ظَاهرهَا فِيمَا يخْتَص بهَا أظهر وَأقوى من ظَاهره مَعَ أَن لَهُ يَد عَلَيْهِ.
تَأمل.

قَوْله: (دُرَر وَغَيرهَا) عِبَارَةُ الدُّرَرِ: إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يفعل أَو يَبِيع مَا يصلح للْآخر اهـ.
أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ صَائِغًا وَلَهُ أساور وَخَوَاتِيمُ النِّسَاءِ وَالْحُلِيُّ وَالْخَلْخَالُ وَنَحْوُهَا، فَلَا يَكُونُ لَهَا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ دَلَّالَةً تَبِيعُ ثِيَابَ الرِّجَالِ أَوْ تَاجِرَةً تَتَّجِرُ فِي ثِيَابِ الرِّجَال أَوْ النِّسَاءِ أَوْ ثِيَابِ الرِّجَالِ وَحْدَهَا.
كَذَا فِي شُرُوح الْهِدَايَة.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: قَول الدُّرَرِ: وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ دَلَّالَةً إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ لِلزَّوْجِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ مَا لَوْ كَانَتْ تَبِيعُ ثِيَابَ النِّسَاءِ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ، فَالْقَوْلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا بِجَعْلِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ رَاجِعًا إلَى الزَّوْجِ، ثُمَّ قَوْلُهُ لِتَعَارُضِ الظَّاهِرَيْنِ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً سَوَاءٌ حُمِلَ الْكَلَامُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَبِيعُ يَشْهَدُ لَهُ ظَاهِرَانِ الْيَدُ وَالْبَيْعُ لَا ظَاهِرٌ وَاحِدٌ فَلَا تَعَارُضَ، إلَّا إذَا كَانَتْ هِيَ تبيع فَلَا يُرَجَّحُ مِلْكَهَا لِمَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ إلَّا إذَا كَانَ مِمَّا يَصْلُحُ لَهَا، عَلَى أَنَّ التَّعَارُض لَا يَقْتَضِي التَّرْجِيح بَلْ التَّهَاتُرَ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَبِيعُ فَلَا تَعَارُضَ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ تَبِيعُ هِيَ فَكَذَلِكَ لِمَا مَرَّ أَيْضًا، فَتَنَبَّهْ.
أَقُولُ: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْعِنَايَةِ صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ، لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمَرْأَةِ حَيْثُ قَالَ: إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَبِيعُ ثِيَابَ الرِّجَالِ وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ كَالْخِمَارِ وَالدِّرْعِ والملحفة والحملى فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ: أَيْ الْقَوْلُ قَوْلُهَا فِيهَا لِشَهَادَةِ الظَّاهِر.
اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ قَالَ: وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَبِيعُ مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ لَا يَكُونُ القَوْل قَوْله فِي ذَلِك.
اهـ.
فَالظَّاهِر أَن فِي الْمَسْأَلَة قَوْلَيْنِ
فَليُحرر.
اهـ.
أَقُول: وَالْحَاصِل أَن القَوْل للرجل فِيمَا يخْتَص بِهِ، وَفِي الْمُتَشَابه سَوَاء كَانَت الْمَرْأَة دلَالَة أَو لَا،

(8/91)


وَإِذا كَانَ يصنع أَو يَبِيع ثِيَاب النِّسَاء وحليهن فَالْقَوْل لَهُ فِي الاجناس كلهَا فِي الْمَشْهُور.

قَوْله: (وَالْقَوْل لَهُ فِي الصَّالح لَهما) أَي القَوْل لَهُ فِي مَتَاع يصلح للرجل وللمرأة.

قَوْله: (لانها وَمَا فِي يَدهَا فِي يَد الزَّوْج) أَي وَالْقَوْل فِي الدعاوي لصَاحب الْيَد، وَشَمل كَلَامه مَا إِذا كَانَ فِي لَيْلَة الزفاف فَيكون القَوْل لَهُ، لَكِن قَالَ الاكمل فِي الخزانة: لَو مَاتَت الْمَرْأَة فِي لَيْلَة زفافها فِي بَيته لَا يستحسن أَن يَجْعَل مَتَاع الْبَيْت من الْفرش وحلي النِّسَاء وَمَا يَلِيق بِهن للزَّوْج والطنافس والقماقم والاباريق والفرش والخدم واللحف للنِّسَاء، وَكَذَا مَا يُجهز مثلهَا، إِلَّا أَن يكون الرجل مَعْرُوفا بِتِجَارَة جنس مِنْهَا فَهُوَ لَهُ.
وَاسْتثنى أَبُو يُوسُف من كَون مَا يصلح لَهما لَهُ مَا إِذا كَانَ مَوتهَا لَيْلَة الزفاف، فَكَذَا إِذا اخْتلفَا حَال حياتهما فِيمَا يصلح لَهما فَالْقَوْل لَهُ، وَإِذا كَانَ الِاخْتِلَاف فِي لَيْلَة الزفاف فَالْقَوْل لَهَا فِي الْفرش وَنَحْوهَا لجَرَيَان الْعرف غَالِبا من الْفرش والصناديق والخدم تَأتي بِهِ الْمَرْأَة، وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ لِلْفَتْوَى، إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَصٌّ فِي حكمه لَيْلَة الزفاف عَن الامام بِخِلَافِهِ فَيتبع، بَحر.
لَكِن قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي بعد نَقله عبارَة الاكمل: فَيَنْبَغِي أَن يتَأَمَّل فِيهِ.
اهـ.

قَوْله: (بِخِلَاف مَا يخْتَص بهَا الخ) جَوَاب سُؤال ورد على الْكَلَام السَّابِق تَقْرِيره إِذا كَانَ القَوْل فِي الدَّعَاوَى لذِي الْيَد وَالْمَرْأَة وَمَا فِي يَدهَا فِي يَد الزَّوْج يكون القَوْل للزَّوْج أَيْضا فِي الْمُخْتَص بهَا لانه فِي يَده ط.

قَوْله: (وَهُوَ) أَي ظَاهرهَا.

قَوْله: (لانها خَارِجَة) أَي عَن اعْتِبَار الظَّاهِر، إِذْ الظَّاهِر أَنه لَهُ لانه فِي يَده وَبَيِّنَة الْخَارِج مُقَدّمَة على بَيِّنَة ذِي الْيَد، لَكِن تقدم أَن هَذَا مُقَيّد بِمَا إِذا كَانَت الْبَيِّنَة على الْملك الْمُطلق، فَإِن كَانَت على النِّتَاج وَسبب ملك لَا يتَكَرَّر كَانَت الْبَيِّنَة لذِي الْيَد فَيَنْبَغِي أَن يجْرِي هَذَا هُنَا.

قَوْلُهُ: (وَالْبَيْتُ لِلزَّوْجِ) أَيْ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْبَيْت فَهُوَ لَهُ لانه من الصَّالح لَهما وَفِي يَده حَتَّى لَو برهنا قضى ببرهانها خَارِجَة.
خَانِية.
وفيهَا: إِن كَانَ غير الزَّوْجَة فِي عِيَال أحد كَابْن فِي عيلة أَب أَو الْقلب كَانَ الْمَتَاع عِنْد الِاشْتِبَاه للَّذي يعول.

قَوْله: (إِلَّا أَن يكون لَهَا بَيِّنَةٌ) أَيْ فَيَكُونُ الْبَيْتُ لَهَا، وَكَذَا لَو برهنت على كل مَا صلح لَهما أَو لَهُ وَالْبَيْت الْمسكن، وَبَيت الشّعْر
مَعْرُوف.
مِصْبَاح.
وَالْبَيْت اسْم لمسقف وَاحِد.
مغرب.
وَلم يذكر الدَّار، وَإِن كَانَ دَاخِلا فِي الْعقار فَالظَّاهِر أَن حكمه مثل الْبَيْت بِدَلِيل مَا نَقله سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَاب الدُّخُول وَالْخُرُوج، وَكَذَا صَاحب الْبَحْر عَن الْكَافِي أَن الْعرف الْآن أَن الدَّار وَالْبَيْت وَاحِد، فَيحنث إِن دخل صحن الدَّار، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.
اهـ.
إِلَّا أَن يفرق بَين هَذَا وَبَين الْيَمين.
أَقُول: وَالَّذِي نَقله الشَّارِح هُنَا عَن الْبَحْر أَنَّهَا للزَّوْج على قَوْلهمَا، وَيُؤَيِّدهُ مَا قدمْنَاهُ وَللَّه الْحَمد.
قَالَ فِي الْبَحْر: إِذا اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي غير مَتَاع الْبَيْت، وَكَانَ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنَّهُمَا كالاجنبيين يقسم بَينهمَا.
اهـ.
وَبِه علم أَن الْعقار إِذا لم يَكُونَا ساكنين فِيهِ لم يدْخل فِي مُسَمّى مَتَاع الْبَيْت، لَان الْكَلَام فِي مَتَاع الْبَيْت فَقَط، وَقد علمت تَفْسِير مَتَاع الْبَيْت مِمَّا قدمْنَاهُ من أَن الاولى فِي تَفْسِيره بِالْبَيْتِ، وَبِمَا كَانَ فِيهِ، لما ذَكرْنَاهُ من الِاخْتِلَاف فِي نفس الْبَيْت كَذَلِك، فَعلم أَن قَول الْبَحْر: وَإِذا اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي غير مَتَاع الْبَيْت: المُرَاد بِهِ مَا كَانَ خَارِجا عَن سكناهما فَيقسم بَينهمَا، فَيتَعَيَّن تَقْيِيد الْعقار بِمَا كَانَا ساكنين فِيهِ، فَلْيتَأَمَّل.

قَوْله: (وَهَذَا) أَي مَا تقدم لَو حيين.
قَوْله:: (فِي الْمُشكل) وَالْجَوَاب فِي غير الْمُشكل على

(8/92)


مَا مر.
حموي: أَي أَن القَوْل لكل مِنْهُمَا فِيمَا يخْتَص بِهِ ط.

قَوْله: (الصَّالح لَهما) بَيَان للمراد بالمشكل على حذف أَي التفسيرية.

قَوْله: (فَالْقَوْل فِيهِ للحي) أَي بِيَمِينِهِ إِذْ لَا يَد للْمَيت.
در منتقى.
وَأما مَا يصلح لاحدهما وَلَا يصلح للْآخر فَهُوَ على مَا كَانَ قبل الْمَوْت وَيقوم ورثته مقَامه فِيهِ.
عَيْني.
وَأفَاد قَوْله يقوم وَارثه مقَامه أَنه يعْمل بِبَيِّنَة وَارِث الزَّوْجَة فِي الصَّالح لَهما.

قَوْله: (وَلَو رَقِيقا) لَان الرَّقِيق لَهُ يَد، وَهَذَا لَا يُنَاسب الْمقَام لَان الْكَلَام فِيمَا إِذا كَانَا حُرَّيْنِ، وَأما إِذا كَانَ أَحدهمَا مَمْلُوكا فَهِيَ الْمَسْأَلَة الْآتِيَة، وَعَلِيهِ فَلَو حذفه وَاسْتغْنى بِمَا يَأْتِي فِي الْمَتْن لَكَانَ أولى.

قَوْله: (وَهِي المسبعة) أَي الَّتِي فِيهَا سَبْعَة أَقْوَال لارباب الِاجْتِهَاد.

قَوْلُهُ: (تِسْعَةُ أَقْوَالٍ) الْأَوَّلُ: مَا فِي الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ.
الثَّانِي: قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِلْمَرْأَةِ جِهَازُ مِثْلِهَا وَالْبَاقِي لِلرَّجُلِ: يَعْنِي فِي الْمُشْكِلِ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ.
الثَّالِثُ: قَوْلُ ابْنِ أبي ليلى: الْمَتَاع كُله لَهُ وَلها مَا عَلَيْهَا فَقَط.
الرَّابِع: قَوْلُ ابْنِ مَعْنٍ وَشَرِيكٍ هُوَ بَيْنَهُمَا.
الْخَامِسُ قَول
الْحسن الْبَصْرِيّ: كُلُّهُ لَهَا وَلَهُ مَا عَلَيْهِ.
السَّادِسُ: قَوْلُ شُرَيْح: الْبَيْت للْمَرْأَة.
السَّابِع: قَول مُحَمَّد: إِن الْمُشْكِلِ لِلزَّوْجِ فِي الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ، وَوَافَقَ الْإِمَامُ فِيمَا لَا يُشْكِلُ.
الثَّامِنُ: قَوْلُ زُفَرَ الْمُشْكِلُ بَينهمَا.
التَّاسِع: قَول مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لكل بَيْنَهُمَا.
هَكَذَا حَكَى الْأَقْوَالَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، وَلَا يخفى أَن التَّاسِع هُوَ الرَّابِع.
حَلَبِيّ عَن الْبَحْر.
قَالَ فِي الْكِفَايَة: وعَلى قَول الْحسن الْبَصْرِيّ إِن كَانَ الْبَيْت بَيت الْمَرْأَة فالمتاع كُله لَهَا إِلَّا مَا على الزَّوْج من ثِيَاب بدنه، وَإِن كَانَ الْبَيْت للزَّوْج فالمتاع كُله لَهُ اهـ.

قَوْله: (وَلَو أَحدهمَا مَمْلُوكا فَالْقَوْلُ لِلْحُرِّ فِي الْحَيَاةِ وَلِلْحَيِّ فِي الْمَوْتِ) كَمَا فِي عَامَّة شُرُوح الْجَامِع.
وَذكر السَّرخسِيّ أَنه سَهْو، وَالصَّوَاب أَنه للْحرّ مُطلقًا.
وَفِي الْمُصَفّى: ذكر فَخر الاسلام أَن القَوْل هُنَا فِي الْكُلِّ لَا فِي خُصُوصِ الْمُشْكِلِ، لَكِن اخْتَار فِي الْهِدَايَة قَول الْعَامَّة فاققتفى أَصْحَاب الْمُتُون أَثَره، وَهُوَ قَول الامام وَعِنْدَهُمَا: الْمَأْذُون وَالْمكَاتب كَالْحرِّ كَمَا فِي الداماد شرح الْمُلْتَقى.

قَوْله: (هما كَالْحرِّ) لَان لَهما يدا مُعْتَبرَة، وَله أَن يَد الْحر أقوى وَأكْثر تَصرفا فتقدمت.

قَوْله: (فَالْقَوْل للْحرّ) قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: وَقَوله الْكل مشير إِلَى وُقُوع الِاخْتِلَاف فِي مُطلق الْمَتَاع على مَا ذكر فَخر الاسلام كَمَا فِي الْمُصَفّى، لَكِن فِي الْحَقَائِق قَيده بِمَا إِذا كَانَ الِاخْتِلَاف فِي الامتعة المشكلة اهـ بِتَصَرُّف.
ذكره أَبُو السُّعُود.
وللحي فِي الْمَوْت حرا كَانَ أَو رَقِيقا، إِذْ لَا يَد للْمَيت فَبَقيت يَد الْحَيّ بِلَا معَارض، هَكَذَا ذكره فِي الْهِدَايَة وَالْجَامِع الصَّغِير للصدر الشَّهِيد وَصدر الاسلام وشمس الائمة الْحلْوانِي وقاضيخان.
وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد والزعفراني: للْحرّ مِنْهُمَا بالراء اهـ.
دُرَر.

قَوْله: (لَان يَد الْحر أقوى) عِلّة للمسألة الاولى، وَقَوله وَلَا يَد للْمَيت عِلّة للمسألة الثَّانِيَة، وَهِي كَون القَوْل للحي فِيمَا إِذا مَاتَ أَحدهمَا سَوَاء كَانَ الْحَيّ الْحر أَو العَبْد، لانها إِنَّمَا تظهر قَوِيَّة يَد الْحر إِذا كَانَ حيين، أما الْمَيِّت فَلَا يَد لَهُ حرا كَانَ أَو عبدا فَلِذَا كَانَ القَوْل للحي مِنْهُمَا، وَفِيه لف وَنشر مُرَتّب،

(8/93)


وَبحث فِيهِ صَاحب اليعقوبية فَليُرَاجع.

قَوْله: (واختارت نَفسهَا) أَي لم ترض ببقائها فِي نِكَاحه فَاخْتَارَتْ نَفسهَا.

قَوْله: (فَهُوَ للرجل) لتحققه عِنْده وَهِي رقيقَة وَالرَّقِيق لَا ملك لَهُ.

قَوْله: (قبل أَن
تخْتَار نَفسهَا) الظَّاهِر أَنه قيد اتفاقي، بل الحكم كَذَلِك وَلَو بعد الِاخْتِيَار، لانه لَا يشْتَرط قيام النِّكَاح كَمَا تقدم، وَعَلِيهِ فَلَا فرق وَإِن وَقع الِاخْتِلَاف بعد الْفرْقَة أَو بعد انْقِضَاء الْمدَّة.
تَأمل ط بِزِيَادَة.

قَوْلُهُ: (فَهُوَ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ) يَعْنِي الْمُشْكِلَ لِلزَّوْجِ وَلَهَا مَا صَلَحَ لَهَا لِأَنَّهَا وَقْتَهُ حُرَّةٌ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ السِّيَاقِ وَاللَّحَاقِ.
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ السِّرَاجِ: وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا وَالْمَرْأَةُ مُكَاتَبَةً أَوْ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ وَقَدْ أُعْتِقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ، فَمَا أحدثا قَبْلَ الْعِتْقِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ، وَمَا أَحْدَثَاهُ بَعْدَهُ فهما فِيهِ كلاحرين اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْر: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا: أَيْ جَمِيعُ مَا مر إِذا لم يَقع التنازل بَيْنَهُمَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَالنِّكَاحِ وَعَدَمِهِ، فَإِنْ وَقع قَالَ فِي الْخَانِية: وَلَو كَانَت الدَّار فِي يَد رجل وَامْرَأَة فأقامت الْمَرْأَة الْبَيِّنَة أَن الدَّار لَهَا وَأَن الرجل عَبدهَا وَأقَام الرجل الْبَيِّنَة أَن الدَّار لَهُ وَالْمَرْأَة امْرَأَته تزَوجهَا بِأَلف دِرْهَم، وَدفع إِلَيْهَا وَلم يقم الْبَيِّنَة أَنه حر يقْضِي بِالدَّار وَالرجل للْمَرْأَة وَلَا نِكَاح بَينهمَا، لَان الْمَرْأَة أَقَامَت الْبَيِّنَة على رق الرجل وَالرجل لم يقم الْبَيِّنَة على الْحُرِّيَّة فَيَقْضِي بِالرّقِّ، وَإِذا قضى بِالرّقِّ بطلت بَيِّنَة الرجل فِي الدَّار وَالنِّكَاح ضَرُورَة، وَإِن كَانَ الرجل أَقَامَ بَيِّنَة أَنه حر الاصل وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا يقْضِي بحريّة الرجل وَنِكَاح الْمَرْأَة، وَيَقْضِي بِالدَّار للْمَرْأَة لانا لما قضينا النِّكَاح صَار الرجل فِي الدَّار صَاحب يَد وَالْمَرْأَة خَارِجَة فَيَقْضِي بِالدَّار لَهَا، كَمَا لَو اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي دَار فِي أَيْدِيهِمَا كَانَت الدَّار للزَّوْج فِي قَوْلهمَا، وَلَو اخْتلفَا فِي الْمَتَاع وَالنِّكَاح فأقامت الْبَيِّنَة أَن الْمَتَاع لَهَا وَأَنه عَبدهَا وَأقَام أَن الْمَتَاع لَهُ وَأَنه تزَوجهَا بِأَلف ونقدها فَإِنَّهُ يقْضِي بِهِ عبدا لَهَا وبالمتاع أَيْضا لَهَا، وَإِن برهن على أَنه حر الاصل قضى لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ وبالمرأة وَالْمَتَاع إِن كَانَ مَتَاع النِّسَاء، وَإِن كَانَ مُشكلا قضى بحريَّته وبالمرأة وبالمتاع لَهَا اهـ.

قَوْله: (طَلقهَا وَمَضَت الْعدة فالمشكل للزَّوْج) قد اسْتُفِيدَ هَذَا من التَّعْمِيم السَّابِق فِي قَوْله قَامَ النِّكَاح أَو لَا وَصَاحب الْبَحْر إِنَّمَا فرض الْمَسْأَلَة فِيمَا إِذا مَاتَ الزَّوْج بعد انْقِضَاء الْعدة، وَجعل الْمُشكل لوَارث الزَّوْج، وَلَا اعْتِبَار للزَّوْجَة وَإِن كَانَت حَيَّة لانها صَارَت أَجْنَبِيَّة إِلَى آخر مَا يَأْتِي عَن الْمنح قَرِيبا.
وَلما شَرْطِيَّة، وَالْجَوَاب: فَكَذَا يكون القَوْل لوَارِثه ط.

قَوْله: (لانها صَارَت أَجْنَبِيَّة) تَعْلِيل لقَوْله ولورثته بعده يَعْنِي إِنَّمَا قُلْنَا أَن القَوْل للحي لَو مَاتَ وَهِي فِي نِكَاحه، أما بعد انْقِضَاء الْعدة فقد صَارَت أَجْنَبِيَّة
فَلم يبْق لَهَا يَد على الصَّالح لَهما فَكَانَ القَوْل فِيهِ لوَرَثَة الزَّوْج، لَان الْمَتَاع فِي يدهم بعد مُورثهم، وَفِيه تَأمل.
أَو هُوَ مَحْمُول على مَا إِذا انْتَقَلت وَتركت الْمَتَاع بِالْبَيْتِ، أما لَو بقيت سَاكِنة بعد انْقِضَاء الْعدة فَالظَّاهِر أَن الْمَتَاع بَاقٍ فِي يَدهَا فَيكون القَوْل قَوْلهَا فِي الصَّالح لَهما فَليُحرر، قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: وَيُسْتَفَاد من التَّعْلِيل أَنَّهُمَا لَو مَاتَا فَكَذَلِك.

قَوْله: (وَلما ذكرنَا الخ) الاولى إِسْقَاطه لعلمه من قَوْله ولورثته بعده وَلذَا لم يذكرهُ فِي الْبَحْر.

قَوْله: (أما لَو مَاتَ الخ) لَعَلَّه مَحْمُول على مَا إِذا كَانَ الطَّلَاق فِي مرض الْمَوْت بِدَلِيل تَعْلِيله بقوله بِدَلِيل إرثها قَالَ فِي الْمنح: قيد بكونهما زَوْجَيْنِ للِاحْتِرَاز عَمَّا إِذا طَلقهَا فِي الْمَرَض وَمَات الزَّوْج بعد انْقِضَاء الْعدة، فَإِن الْمُشكل

(8/94)


لوَارث الزَّوْج لانها صَارَت أَجْنَبِيَّة لم يبْق لَهَا يَد، وَإِن مَاتَ قبل انْقِضَاء الْعدة كَانَ الْمُشكل للْمَرْأَة فِي قَول أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهَا تَرِثُ فَلَمْ تَكُنْ أَجْنَبِيَّةً، فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَة مَا لَو مَاتَ الزَّوْج قبل الطَّلَاق، كَذَا فِي الْخَانِية.
مطلب: تورك على عبارَة الشَّارِح وَهَذِه الْعبارَة هِيَ الَّتِي نقلهَا الشَّارِح هُنَا، إِلَّا أَنه أخل بقوله طَلقهَا فِي الْمَرَض، ثمَّ نقل المُصَنّف بعْدهَا عَن الْبَحْر: وَإِن علم أَنه طَلقهَا ثَلَاثًا فِي صِحَّته أَو فِي مَرضه وَقد مَاتَ بعد انْقِضَاء عدتهَا فَمَا كَانَ من مَتَاع الرِّجَال وَالنِّسَاء فَهُوَ لوَرَثَة الزَّوْج، وَإِن مَاتَ فِي عدَّة الْمَرْأَة فَهُوَ للْمَرْأَة كَأَنَّهُ لم يُطلق.
اهـ.
فَيمكن أَن يرجع قَوْله: وَإِن مَاتَ فِي عدَّة الْمَرْأَة الخ إِلَى قَوْله أَو مَرضه، ليُوَافق مَا نَقله عَن الْخَانِية ولظهور وَجهه حِينَئِذٍ.
تَأمل.

قَوْله: (فَالْقَوْل للْمُسْتَأْجر بِيَمِينِهِ) لَان الْبَيْت مُضَاف إِلَيْهِ بِالسُّكْنَى، وَقد سبق ذَلِك فِي المحترزات.
مطلب: تورك على كَلَام الشَّارِح
قَوْله: (فِي آلَات الاساكفة وآلات العطارين) لَعَلَّ الْوَاو بِمَعْنى أَو: أَي اخْتلفَا فِي آلَات الاساكفة مُنْفَرِدَة أَو آلَات العطارين مُنْفَرِدَة، لَان مَا اخْتلفَا فِيهِ فِي أَيْدِيهِمَا فَيقسم بَينهمَا، كَمَا لَو اخْتلفَا فِي سفينة فِي أَيْدِيهِمَا، أَو فِي دَقِيق فِي أَيْدِيهِمَا وَكَانَ أَحدهمَا ملاحا وَالْآخر بَائِع الدَّقِيق، فَإِن كلا من السَّفِينَة
والدقيق يقسم بَينهمَا لما ذكرنَا، بِخِلَاف مَا إِذا اخْتلفَا فيهمَا مُجْتَمعين، فَإِنَّهُ يُعْطي لكل مِنْهُمَا مَا يُنَاسِبه، كَمَا لَو اخْتلفَا فِي سفينة ودقيق وَهِي الَّتِي تَأتي فِي الْمَتْن.
أما لَو لم نحمل الْوَاو على معنى أَو وَتَركنَا الْعبارَة على ظَاهرهَا وأعطينا الاسكاف نصف آلَات الْعَطَّار والعطار نصف آلَات الاسكاف فنكون تركنَا الِاسْتِصْحَاب وَالْعَمَل بِالظَّاهِرِ من الْحَال، وَيكون خَالف هَذَا الْفَرْع مَا قبله وَمَا بعده، وَيُعَكر علينا ذَلِك، لَان تِلْكَ الْفُرُوع تَقْتَضِي أَن لكل مَا عرف بِهِ، فَتَأمل وراجع.

قَوْله: (فَهِيَ بَينهمَا الخ) لانه قد يَتَّخِذهُ لنَفسِهِ أَو البيع، فَلَا يصلح مرجحا.
تَأمل وتفطن.

قَوْله: (وعَلى عُنُقه بدرة) هِيَ كيس فِيهِ ألف أَو عشرَة آلَاف دِرْهَم أَو سَبْعَة آلَاف دِينَار.
اهـ.
قَامُوس.
وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بهَا المَال الْكثير.

قَوْله: (وَذَلِكَ بداره) يفهم مَفْهُومه بالاولى.

قَوْله: (فَهُوَ للمعروف باليسار) وَهَذَا كَالَّذي بعده مِمَّا عمل فِيهِ الاصحاب بِظَاهِر الْحَال.
مطلب: استنبط صَاحب الْبَحْر أَن من شَرط صِحَة الدَّعْوَى أَن يكذب الْمُدَّعِي ظَاهر حَاله وَقد تقدم تَحْقِيقه أول الدَّعْوَى قَالَ فِي الْبَحْر: وَقد استنبطت من فرع الْغُلَام أَن من شَرط سَماع الدَّعْوَى أَن لَا يكذب الْمُدَّعِي ظَاهر حَاله كَمَا هُوَ مُصَرح بِهِ فِي كتب الشَّافِعِيَّة، فَلَو ادّعى فَقير ظَاهر الْفقر على رجل أَمْوَالًا عَظِيمَة

(8/95)


قرضا أَو ثمن مَبِيع لَا تسمع فَلَا جَوَاب لَهَا، وَقدمنَا تَحْقِيق ذَلِك أَوَائِل الدَّعْوَى.

قَوْله: (وعَلى عُنُقه قطيفة) القطيفة دثار مخمل وَالْجمع قطائف وقطف مثل صحيفَة وصحف كَأَنَّهَا جمع قطيف وصحيف، وَمِنْه القطائف الَّتِي تُؤْكَل صِحَاح.

قَوْله: (الَّذِي هِيَ) هَكَذَا فِي نُسْخَتي الَّتِي بيَدي وَهِي الصَّحِيحَة، وَفِي بعض النّسخ كنسخة الطَّحْطَاوِيّ الَّذِي هُوَ بضمير الْمُذكر، وَكتب عَلَيْهَا الاولى: وَهِي بضمير المؤنثة، وَكَذَا يُقَال فِي ادَّعَاهُ.

قَوْله: (وَآخر مُمْسك) الظَّاهِر أَنه ماسك الدَّفَّةَ الَّتِي هِيَ لِلسَّفِينَةِ بِمَنْزِلَةِ اللِّجَامِ لِلدَّابَّةِ.

قَوْله: (وَآخر يجذب) بحبلها على الْبر.

قَوْله: (وَآخر يمدها) أَي يجريها بمقدافها.

قَوْله: (وَلَا شئ للماد) لانه لَا يَد لَهُ فِيهَا أَو أجبرهم على الْعَمَل، بِخِلَاف البَاقِينَ لانهم المتصرفون فِيهَا التَّصَرُّف الْمُعْتَاد.

قَوْله: (وَآخر رَاكب) أَي بَعِيرًا مِنْهَا.

قَوْله: (إِن على الْكل مَتَاع الرَّاكِب) أَي إِن كَانَ
على جَمِيع الابل مَتَاع الرَّاكِب فَجَمِيع الابل للراكب، وَإِن لم يكن على الابل شئ من الْحمل فللراكب الْبَعِير الَّذِي هُوَ رَاكب عَلَيْهِ مَعَ مَا عَلَيْهِ وَبَاقِي الابل للقائد.
قَالَه أَبُو الطّيب.
وَالظَّاهِر أَن الحكم كَذَلِك لَو كَانَ على الْكل مَتَاع الْقَائِد، فَإِن اخْتلفَا فِي الْمَتَاع كَيفَ يكون وَيُرَاجع.
مطلب: تورك على كَلَام الشَّارِح
قَوْله: (بِخِلَاف الْبَقر وَالْغنم) أَي إِذا كَانَ عَلَيْهَا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا قَائِدٌ وَالْآخَرُ سَائِقٌ، فَهِيَ لِلسَّائِقِ إلَّا أَنْ يَقُودَ شَاةً مَعَهُ فَتَكُونَ لَهُ تِلْكَ الشَّاة وَحدهَا.
بَحر عَن نَوَادِر الْمُعَلَّى: أَي إِلَّا أَن يكون السَّائِق للبقر أَو الْغنم مَعَه شَاة يَقُودهَا: أَي أَو بقرة فَيكون لَهُ تِلْكَ الشَّاة أَو الْبَقَرَة وَحدهَا، وَانْقطع حكم السُّوق وَيكون الْبَاقِي لقائدها، وَعَلِيهِ فَكَلَام الشَّارِح غير تَامّ.

قَوْله: (وَتَمَامه فِي خزانَة الاكمل) وَيَأْتِي تَمام تفاريع هَذِه الْمسَائِل فِي الْفَصْل الْآتِي.
وَذكر فِي الْمنح مسَائِل من هَذَا الْقَبِيل قَالَ: دخل رجل فِي منزل يعرف الدَّاخِل أَنه يُنَادي بِبيع الذَّهَب وَالْفِضَّة أَو الْمَتَاع، وَمَعَهُ شئ من ذَلِك فادعياه، فَهُوَ لمن يعرف بِبيعِهِ، وَلَا يصدق رب الْمنزل، وَإِن لم يكن كَذَلِك القَوْل قَول رب الْمنزل.
رجل خرج من دَار إِنْسَان وعَلى عُنُقه مَتَاع رَآهُ قوم وَهُوَ مَعْرُوف بِبيع مثله من الْمَتَاع فَقَالَ صَاحب الدَّار ذَلِك الْمَتَاع متاعي وَالْحَامِل يَدعِيهِ فَهُوَ للَّذي يعرف بِهِ وَإِن لم يعرف بِهِ فَهُوَ لصَاحب الدَّار.
اهـ.
مطلب: لَا تسمع الدَّعْوَى بعد مُضِيّ الْمدَّة قَالَ فِي الْبَحْر عَن ابْن الْغَرْس: رجل تَرَكَ الدَّعْوَى ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَانع من الدَّعْوَى ثمَّ ادّعى لم تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، لِأَنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى مَعَ التَّمَكُّنِ يدل على عدم الْحق ظَاهرا، وَقدمنَا

(8/96)


عَنْهُم أَن من الْقَضَاء الْبَاطِل الْقَضَاء بِسُقُوط الْحق بِمُضِيِّ سِنِين، لَكِن مَا فِي الْمَبْسُوط لَا يُخَالِفهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَضَاء بالسقوط، وَإِنَّمَا فِيهِ عدم سماعهَا.
مطلب: نهى السُّلْطَان عَن سَماع حَادِثَة لَهَا خمس عشرَة سنة وَقد كثر السُّؤَال بِالْقَاهِرَةِ عَن ذَلِك مَعَ وُرُود النَّهْي من السُّلْطَان أيده الله تَعَالَى بِعَدَمِ سَماع حَادِثَة لَهَا خمس عشرَة سنة، وَقد أَفْتيت بِعَدَمِ سماعهَا عملا بنهيه على مَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ، وَالله سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى أعلم.
اهـ.
مطلب: لَا تسمع الدَّعْوَى بعد مُضِيّ ثَلَاثِينَ سنة إِذا كَانَ التّرْك بِلَا عذر شَرْعِي من كَون الْمُدَّعِي غَائِبًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا وَلَيْسَ لَهما ولي أَو الْمُدعى عَلَيْهِ ذَا شَوْكَة أَو أَرض وقف لَيْسَ لَهَا نَاظر وَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ: رَجُلٌ تَصَرَّفَ زَمَانًا فِي أَرْضٍ وَرَجُلٌ آخَرُ رَأَى الْأَرْضَ وَالتَّصَرُّفَ وَلَمْ يَدَّعِ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تُسْمَعْ بَعْدَ ذَلِكَ دَعْوَى وَلَدِهِ فَتُتْرَكُ عَلَى يَدِ الْمُتَصَرِّفِ، لِأَنَّ الْحَالَ شَاهِدٌ.
اهـ.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي عُقُود الدرية بعد كَلَام أَقُول: وَالْحَاصِل من هَذِه النقول أَن الدَّعْوَى بعد مُضِيّ ثَلَاثِينَ سنة أَو بعد ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ لَا تسمع إِذا كَانَ التّرْك بِلَا عذر من كَون الْمُدَّعِي غَائِبًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا وَلَيْسَ لَهُمَا وَلِيٌّ، أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَمِيرًا جَائِرًا يخَاف مِنْهُ، أَو أَرض وقف لَيْسَ لَهَا نَاظر، لَان تَركهَا هَذِه الْمدَّة مَعَ التَّمَكُّنِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ ظَاهِرًا كَمَا مر عَن الْمَبْسُوط، وَإِذا كَانَ الْمُدَّعِي نَاظرا ومطلعا على تصرف الْمُدعى عَلَيْهِ إِلَى أَن مَاتَ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا تسمع الدَّعْوَى على ورثته كَمَا مر عَن الْخُلَاصَة.
وَكَذَا لَو مَاتَ الْمُدَّعِي لَا تسمع دَعْوَى ورثته كَمَا مر عَن الْوَلوالجِيَّة.
وَالظَّاهِر أَن الْمَوْت لَيْسَ بِقَيْد وَأَنه لَا تَقْدِير بِمدَّة مَعَ الِاطِّلَاع على التَّصَرُّف لما ذكره المُصَنّف وَالشَّارِح فِي مسَائِل شَتَّى آخر الْكتاب.
مطلب: بَاعَ عقارا أَو غَيره وَزَوجته أَو قَرِيبه حَاضر سَاكِت يعلم البيع لَا تسمع دَعْوَاهُ بَاعَ عَقَارًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ ثَوْبًا وَابْنُهُ وَامْرَأَته أَو غَيرهمَا من أَقَاربه حَاضِرٌ يَعْلَمُ بِهِ ثُمَّ ادَّعَى الِابْنُ مَثَلًا أَنَّهُ مِلْكُهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ.
كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى، وَجُعِلَ سُكُوتُهُ كَالْإِفْصَاحِ قَطْعًا للتزوير والحيل.
مطلب: لَا يعد سكُوت الْجَار رضَا بِالْبيعِ إِلَّا إِذا سكت عِنْد التَّسْلِيم وَالتَّصَرُّف بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّ سُكُوتَهُ وَلَوْ جَارًا لَا يَكُونُ رِضًا، إلَّا إذَا سَكَتَ الْجَارُ وَقْتَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَرْعًا وَبِنَاءً فَحِينَئِذٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى قَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَة.
اهـ.
وَقَوله لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ: أَيْ دَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ جارا كَمَا فِي حَاشِيَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ على الْمنح،
وَأطَال فِي تَحْقِيقه فِي فَتَاوِيهِ الْخَيْرِيَّة من كتاب الدَّعْوَى، فقد جعلُوا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مُجَرّد السُّكُوت عِنْد البيع مَانِعا من دَعْوَى الْقَرِيب وَنَحْوه كَالزَّوْجَةِ بِلَا تَقْيِيد باطلاع عَلَى تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي، كَمَا أَطْلَقَهُ فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى.
وَأَمَّا دَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ جَارًا فَلَا يمْنَعهَا مُجَرّد السُّكُوت عِنْد البيع، بل لَا بُد من الِاطِّلَاعِ عَلَى تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِمُدَّةٍ وَلَا بِمَوْت كَمَا ترى.

(8/97)


مطلب: مَا يمْنَع صِحَة دَعْوَى الْمُورث يمْنَع صِحَة دَعْوَى وَارثه لَان مَا يمْنَع صِحَة دَعْوَى الْمُورث يمْنَع صِحَة دَعْوَى الْوَارِث لقِيَامه مقَامه كَمَا فِي الْحَاوِي الزَّاهدِيّ وَغَيره، فَتَأمل.
ثمَّ إِن مَا فِي الْخُلَاصَة والولجية يدل على أَن البيع غير قيد بِالنِّسْبَةِ إِلَى الاجنبي وَلَو جارا، بل مُجَرّد الِاطِّلَاع على التَّصَرُّف مَانع من الدَّعْوَى، وَإِنَّمَا فَائِدَة التَّقْيِيد هِيَ الْفرق بَين الْقَرِيب والاجنبي، فَإِن الْقَرِيب للْبَائِع لَا تسمع دَعْوَاهُ إِذا سكت عِنْد البيع، بِخِلَاف الاجنبي، فَإِنَّهُ لَا تسمع إِذا اطلع على تصرف المُشْتَرِي وَسكت فالمانع لدعواه هُوَ السُّكُوت عِنْد الِاطِّلَاع على التَّصَرُّف لَا السُّكُوت عِنْد البيع، فلاجل الْفرق بَينهمَا صوروا الْمَسْأَلَة بِالْبيعِ، وَوجه الْفرق بَينهمَا مَعَ تَمام بَيَان هَذِه الْمَسْأَلَة مُحَرر فِي حواشينا رد الْمُحْتَار على الدّرّ الْمُخْتَار.
ثمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى المرحوم الْعَلامَة الْغَزِّي صَاحب التَّنْوِير مَا يُؤَيّد ذَلِك، وَنَصه: سُئِلَ عَن رجل لَهُ بَيت فِي دَار يسكنهُ مُدَّة تزيد على ثَلَاث سنوات وَله جَار بجانبه، وَالرجل الْمَذْكُور يتَصَرَّف فِي الْبَيْت الْمَزْبُور هدما وَعمارَة مَعَ اطلَاع جَاره على تصرفه فِي الْمدَّة الْمَذْكُورَة، فَهَل إِذا ادّعى الْبَيْت أَو بعضه بَعْدَمَا ذكر من تصرف الرجل الْمَذْكُور فِي الْبَيْت هدما وَبِنَاء فِي الْمدَّة الْمَذْكُورَة تسمع دَعْوَاهُ أم لَا؟ أجَاب: لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى إِ هـ.
فَانْظُر كَيفَ أفتى بِمَنْع سماعهَا من غير الْقَرِيب بِمُجَرَّد التَّصَرُّف مَعَ عدم سبق البيع، وَبِدُون مُضِيّ خمس عشرَة سنة أَو أَكثر.
ثمَّ اعْلَم أَن عدم سَماع الدَّعْوَى بعد مُضِيّ ثَلَاثِينَ سنة أَو بعد الِاطِّلَاع على التَّصَرُّف لَيْسَ مَبْنِيا على بطلَان الْحق فِي ذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرّد منع للقضاة عَن سَماع الدَّعْوَى مَعَ بَقَاء الْحق لصَاحبه، حَتَّى
لَو أقرّ بِهِ الْخصم يلْزمه، وَلَو كَانَ ذَلِك حكما بِبُطْلَانِهِ لم يلْزمه وَيدل على مَا قُلْنَاهُ تَعْلِيلهم للْمَنْع بِقطع التزوير والحيل كَمَا مر فَلَا يرد مَا فِي قَضَاء الاشباه مِنْ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَسْقُطُ بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ، ثمَّ رَأَيْت التَّصْرِيح بِمَا نَقَلْنَاهُ فِي الْبَحْر قبيل قُضَاته دفع الدَّعْوَى، وَلَيْسَ أَيْضا مَبْنِيا على الْمَنْع السلطاني حَيْثُ منع السُّلْطَان عز نَصره قُضَاته من سَماع الدَّعْوَى بعض خمس عشرَة سنة فِي الاملاك وَثَلَاثِينَ سنة فِي الاوقاف، بل هُوَ حكم اجتهادي نَص عَلَيْهِ الْفُقَهَاء كَمَا رَأَيْت، فاغتنم تَحْرِير هَذِه الْمَسْأَلَة فَإِنَّهُ مِنْ مُفْرَدَاتِ هَذَا الْكِتَابِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنعم الْوَهَّاب إِ هـ.
أَقُول: وعَلى هَذَا لَو ادّعى على آخر دَارا مثلا وَكَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ متصرفا فِيهَا هدما وَبِنَاء أَو مُدَّة ثَلَاثِينَ سنة، وَسَوَاء فِيهِ الْوَقْف وَالْملك وَلَو بِلَا نهي سلطاني، أَو خمس عشرَة سنة وَلَو بِلَا هدم وَبِنَاء فيهمَا، وَالْمُدَّعى مطلع على التَّصَرُّف فِي الصُّور الثَّلَاث مشَاهد لَهُ فِي بَلْدَة وَاحِدَة، وَلم يدع وَلم يمنعهُ من الدَّعْوَى مَانع شَرْعِي لَا تسمع دَعْوَاهُ عَلَيْهِ.
أما الاول: فاطلاعه على تصرفه هدما وَبِنَاء وسكوته، وَهُوَ مَانع من الدَّعْوَى كَمَا عرفت.
وَأما الثَّانِي: فلتركه الدَّعْوَى للمدة المزبورة وسكوته، وَهُوَ دَلِيل على عدم الْحق لَهُ، ولان صِحَة الدَّعْوَى شَرط لصِحَّة الْقَضَاء وَالْمَنْع مِنْهُ حكم اجتهادي كَمَا علمت.
وَأما الثَّالِث: فللمنع من السُّلْطَان نَصره الرَّحْمَن قُضَاته فِي سَائِر ممالكه عَن سماعهَا بعد خمس عشرَة سنة إِذا كَانَ تَركهَا لغير عذر شَرْعِي فِي الْملك لَا لكَون التقادم يبطل الْحق بِدَلِيل أَن الْحق بَاقٍ، وَيلْزمهُ لَو أقرّ بِهِ فِي مجْلِس القَاضِي، فَلَو قَالَ: لَا أسلمها لمضي هَذِه الْمدَّة مَعَ عدم دَعْوَاهُ عَليّ وَهُوَ مَانع مِنْهَا لَا يلْتَفت إِلَى تعلله وتنزع من يَده، فَلَو ادّعى أَن الْمُدعى عَلَيْهِ أقرّ لي بهَا فِي أثْنَاء هَذِه الْمدَّة وَهُوَ يُنكره

(8/98)


يَنْبَغِي أَن تسمع أَيْضا، لَان لما كَانَ الْمَنْع من سَماع أصل الدَّعْوَى ففرعها وَهُوَ الاقرار أولى بِالْمَنْعِ لما أَن النَّهْي مُطلق فيشملهما، إِلَّا إِذا كَانَ الاقرار عِنْد القَاضِي كَمَا عرفت، فتنزع من يَده لابطاله ملكه ولالزامه الْحجَّة على نَفسه، وَهِي الاقرار بِعَدَمِ صِحَة تصرفه.
مطلب: لَو ترك دَعْوَاهُ الْمدَّة ثمَّ أَقَامَ بَيِّنَة على أَن الْمُدعى عَلَيْهِ أقرّ لَهُ بهَا تسمع لَكِن يُعَارض ذَلِك إِطْلَاق عبارَة الاسماعيلية حَيْثُ قَالَ فِيمَا إِذا كَانَت دَار بَين زيد وَهِنْد فَوضع
زيد يَده على الدَّار المزبورة مُدَّة تزيد على خمس عشرَة سنة، وَطلبت هِنْد مِنْهُ فِي أثْنَاء الْمدَّة أَن يقسم لَهَا حصَّتهَا وأجابها إِلَى ذَلِك وَمَات وَلم يقسم لَهَا فطالبت أَوْلَاده بحصتها فِي الدَّار فَذكرُوا بِأَن والدهم تصرف أَكثر من خمس عشرَة سنة وَلم تدع عَلَيْهِ هِنْد وَلم يمْنَعهَا من الدَّعْوَى مَانع شَرْعِي، فَلَا تسمع دَعْوَاهَا بذلك، فَهَل تسمع دَعْوَاهَا حَيْثُ كَانَ معترفا بِأَن لَهَا فِي الدَّار حِصَّة؟ أجَاب: تسمع دَعْوَاهَا حَيْثُ كَانَ معترفا بِأَن لَهَا حِصَّة إِ هـ.
إِلَى غير ذَلِك من الاجوبة، إِلَّا أَنه لم يعز ذَلِك لَاحَدَّ كَمَا هُوَ عَادَته فِي فَتَاوَاهُ، لَكِن يُؤَيّد إِطْلَاق التَّنْقِيح أَيْضا، فَتَأمل وراجع يظْهر لَك الْحق.
أما عدم ترك الدَّعْوَى فِي مُدَّة الْخمس عشرَة سنة فَيشْتَرط كَون الدَّعْوَى عِنْد القَاضِي، فَإِن ادّعى عِنْد القَاضِي مرَارًا فِي أثْنَاء الْمدَّة الَّتِي هِيَ خمس عشرَة سنة إِلَّا أَن الدَّعْوَى لم تفصل، فَإِن دَعْوَاهُ تسمع وَلَا يمْنَع مُرُور الزَّمَان، أما لَو كَانَ الْمُدَّعِي أَو الْمُدعى عَلَيْهِ غَائِبا مَسَافَة لسفر ثمَّ حضر مرَارًا فِي أثْنَاء الْمدَّة الَّتِي هِيَ خمس عشرَة سنة وَسكت ثمَّ أَرَادَ أَن يَدعِي بعد ذَلِك فَلَا تسمع دَعْوَاهُ.
كَذَا فِي فَتَاوَى عَليّ أَفَنْدِي، وَإِذا كَانَ الْمَانِع شَوْكَة الْمُدعى عَلَيْهِ وزالت فَلَا يمْنَع الدَّعْوَى إِلَّا إِذا استدام زَوَال شوكته خمس عشرَة سنة، فَلَو زَالَت شوكته أقل من خمس عشرَة سنة ثمَّ صَار ذَا شَوْكَة لَا يمْنَع بعد ذَلِك من الدَّعْوَى لانه لم يصدق أَنه ترك الدَّعْوَى فِي مَسْأَلَة زَوَال الشَّوْكَة خمس عشرَة سنة، وَإِنَّمَا قيدت بِقَوْلِي عِنْد القَاضِي، فَلَو ترك الْمدَّة المزبورة إِلَّا أَنه فِي أثْنَاء ذَلِك ادّعى مرَارًا عِنْد غير القَاضِي لَا تعْتَبر دَعْوَاهُ كَمَا فِي تَنْقِيح سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى، هَذَا مَا ظهر لي تفقها أخذا من مَفْهُوم عِبَارَات السَّادة الاعلام بوأهم الله تَعَالَى دَار السَّلَام.
وَأَقُول: لَكِن الْمُعْتَبر الْآن مَا تقرر فِي الْمجلة الشَّرْعِيَّة فِي الاحكام العدلية، وَصدر الامر الشريف السلطاني بِالْعَمَلِ بمواجبه أَن دَعْوَى الاقرار بعد مُضِيّ مُدَّة الْمَنْع من سَماع الدَّعْوَى لَا تسمع إِذا ادّعى أَنه أقرّ لَهُ بهَا من جُمُعَة أَو سنة مثلا، إِلَّا إِذا كَانَ الاقرار عِنْد القَاضِي أَو تحرر بِهِ سَنَد شَرْعِي بإمضاء الْمقر أَو سنة مثلا، إِلَّا إِذا كَانَ الاقرار عِنْد القَاضِي أَو تحرر بِهِ سَنَد شَرْعِي بإمضاء الْمقر أَو خَتمه المعروفين، وَكَانَ بِمحضر من الشُّهُود وشهدوا بذلك فَإِنَّهَا تسمع حِينَئِذٍ إِذا لم يمض على الاقرار خمس عشرَة سنة، أَو كَانَ دَعْوَى الاقرار على عقار وَكَانَ يستأجره الْمُدعى عَلَيْهِ مُدَّة تزيد على
خمس عشرَة سنة وَالْمُسْتَأْجر يَدعِي التَّصَرُّف وينكر الِاسْتِئْجَار وَأثبت الْمُدَّعِي الِاسْتِئْجَار ومواصلة الاجرة فِي كل سنة وَكَانَ ذَلِك مَعْرُوفا بَين النَّاس، فَإِنَّهَا تسمع الدَّعْوَى حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ للْمُدَّعى عَلَيْهِ حق فِي دَعْوَى التَّصَرُّف الْمدَّة الْمَمْنُوع من سَماع الدَّعْوَى بهَا، وَأَيْضًا فَإِن أول ابْتِدَاء مُدَّة الْمَنْع من حِين زَوَال الْعذر كَمَا تقدم.
وَدَعوى الْمَرْأَة مهرهَا الْمُؤَجل إِذا تركت دَعْوَاهُ وَالْوَقْف الْمُرَتّب بثم إِذا كَانَ الْمُدعى محجوبا بالطبقة إِذا اسْتحق بزوالها وَترك دَعْوَاهُ، فَإِنَّهُ يعْتَبر مُدَّة التّرْك من حِين الْوَفَاة أَو الطَّلَاق وَزَوَال الدرجَة لَو كَانَ خمس عشرَة سنة لَا تسمع.

(8/99)


وَدَعوى الدّين على مُعسر أيسر إِذا تَركهَا الْمدَّة الْمَذْكُورَة من حِين الْيَسَار.
وَمُدَّة عدم سَماع الدَّعْوَى فِي الْوَقْف سِتّ وَثَلَاثُونَ سنة إِذا كَانَ بِدُونِ عذر شَرْعِي وَكَانَ للْوَقْف متول.
وَأما دَعْوَى الاراضي الاميرية فَمن بعد مُرُور عشر سِنِين لَا تسمع الدَّعْوَى بهَا وَلَا بشئ من حُقُوقهَا.
وَأما الدَّعْوَى فِي الْمَنَافِع الْعَامَّة كالطريق الْعَام وَالنّهر الْعَام والمرعى وأمثال ذَلِك إِذا تصرف بهَا أحد: أَي مُدَّة كَانَت فَإِنَّهَا تسمع الدَّعْوَى عَلَيْهِ بهَا.
وَأَن الْقَاصِر إِذا ادّعى عقارا إِرْثا عَن وَالِده مثلا بعد بُلُوغه وأثبته بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة فَلَا يسري سَماع الدَّعْوَى لبَقيَّة الْوَرَثَة البَاقِينَ الْبَالِغين التاريكين للدعوى مُدَّة الْمَنْع، وَمثله من كَانَ مُسَافِرًا.
وَأَنه إِذا ترك شخص الدَّعْوَى عشر سِنِين مثلا بِلَا عذر شَرْعِي وَمَات وَترك دَعْوَاهَا وَارثه أَيْضا الْبَالِغ عشر سِنِين أَو خمس سِنِين فَلَا تسمع دَعْوَى الْوَارِث حِينَئِذٍ لَان مَجْمُوع المدتين مُدَّة الْمَنْع، وَأَيْضًا الْمَالِك وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ إِذا تركا الدَّعْوَى كَذَلِك لَا تسمع دَعْوَى المُشْتَرِي فِيمَا يتَعَلَّق بِحُقُوق الْمَبِيع إِذا كَانَ مَجْمُوع المدتين خمس عشرَة سنة كَمَا فِي الْبَاب الثَّانِي من كتاب الدَّعْوَى من الْمجلة، وفيهَا من الْمَادَّة (0381) : لَو أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ ثمَّ غَابَ قبل الحكم عَلَيْهِ وَكَانَ الاقرار لَدَى القَاضِي فَلهُ أَن يحكم عَلَيْهِ فِي غيابه، وَكَذَلِكَ لَو ثَبت الْحق عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة وَغَابَ قبل التَّزْكِيَة وَالْحكم، فللحاكم أَن يُزكي
الشُّهُود وَيحكم عَلَيْهِ فِي غيبته وفيهَا من الْمَادَّة (4381) لَو أُقِيمَت الْبَيِّنَة على وَكيل الْمُدعى عَلَيْهِ ثمَّ حضر الْمُدعى عَلَيْهِ بِالذَّاتِ فللحاكم أَن يحكم عَلَيْهِ، وَكَذَا بِالْعَكْسِ يحكم على الْوَكِيل، وَكَذَلِكَ لَو أُقِيمَت الْبَيِّنَة على أحد الْوَرَثَة بِحَق ثمَّ غَابَ فللحاكم أَن يحضر وَارِثا آخر ليحكم عَلَيْهِ، وفيهَا فِي الْمَادَّة الْمَذْكُورَة: إِذا طلب الْحَاكِم الشَّرْعِيّ الْخصم بِطَلَب الْمُدَّعِي وَامْتنع عَن الْحُضُور بِلَا عذر فللحاكم إِحْضَاره جبرا، وَإِذا لم يُمكن إِحْضَاره فَبعد طلبه بورثة الاحضار ثَلَاث مَرَّات فِي ثَلَاثَة أَيَّام وَلم يُمكن إِحْضَاره فللحاكم أَن ينصب عَنهُ وَكيلا لتقام عَلَيْهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة وَيحكم عَلَيْهِ.
مطلب فِي أَمْرَد كره خدمَة سَيّده لفسقه فَادّعى السَّيِّد عَلَيْهِ مبلفا سَمَّاهُ وَقَامَت الامارات على السَّيِّد بِأَن غَرَضه استبقاؤه لَا تسمع دَعْوَاهُ فَرْعٌ: سُئِلَ فِي شَابٍّ أَمْرَدَ كَرِهَ خِدْمَةَ مَنْ هُوَ فِي خِدْمَتِهِ لِمَعْنًى هُوَ أَعْلَمُ بِشَأْنِهِ وَحَقِيقَتِهِ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَاتَّهَمَهُ أَنَّهُ عمد إِلَى سبته وَكَسَرَهُ فِي حَالَ غَيْبَتِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ كَذَا الْمبلغ سَمَّاهُ وَقَامَتْ أَمَارَةٌ عَلَيْهِ بِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْهُ بذلك استبقاؤه واستقراره فِي يَده على مَا يتوخاه، هَلْ يَسْمَعُ الْقَاضِي وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَلَيْهِ دَعْوَاهُ وَيَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ هُوَ مُتَقَيِّدٌ بِخِدْمَتِهِ وَأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ مِنْ طَعَامِهِ وَمَرَقَتِهِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِحُبِّ الْغِلْمَانِ، الْجَوَابُ وَلَكُمْ فَسِيحُ الْجِنَانِ.
الْجَوَابُ: قَدْ سَبَقَ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي السُّعُودِ الْعِمَادِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَتْوَى بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي سَمَاعُ مِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَى مُعَلِّلًا بِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحِيلَةِ مَعْهُودٌ فِيمَا بَين الفجرة واختلاقاتهم فِيمَا بَين النَّاس مشتهرة، وفيهَا من لَفظه رَحمَه الله تَعَالَى: لَا بُد للْحَاكِم أَن لَا يصغوا لمثل هَذِهِ الدَّعَاوَى، بَلْ يُعَزِّرُوا الْمُدَّعِيَ وَيَحْجِزُوهُ عَنْ التَّعَرُّضِ لِمِثْلِ ذَلِكَ الْغَمْرِ الْمُنْخَدِعِ، وَبِمِثْلِهِ أَفْتَى صَاحِبُ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ، لِانْتِشَارِ ذَلِكَ فِي غَالِبِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ فُرُوعٌ ذُكِرَتْ فِي بَاب الدَّعْوَى،

(8/100)


تَتَعَلَّقُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمُدَّعِي وَحَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيزِيد ذَلِك بعد إشهاده من بعشاه يتعشى وبغداه يَتَغَدَّى، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لم يكن، وَالله تَعَالَى أعلم.
فتاوي الْخَيْرِيَّة.
وَعبارَة المُصَنّف فِي فَتَاوِيهِ بعد ذكره فَتْوَى أَبِي السُّعُودِ: وَأَنَا أَقُولُ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بِالْفِسْقِ وَحُبِّ الْغِلْمَانِ وَالتَّحَيُّلِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا يَلْتَفِتُ الْقَاضِي لَهَا، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالصَّلَاحِ وَالْفَلَاحِ فَلَهُ سَمَاعُهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم واستغفر الله الْعَظِيم.
مطلب: دفع الدَّعْوَى صَحِيح وَكَذَا دفع الدّفع وَمَا زَاد عَلَيْهِ الحكم وَبعده على الصَّحِيح إِلَّا فِي المخمسة فصل فِي دفع الدَّعَاوَى قَالَ فِي الاشباه: دفع الدَّعْوَى صَحِيح، وَكَذَا دفع الدّفع وَمَا زَاد عَلَيْهِ يَصح هُوَ الْمُخْتَار، وكما يَصح الدّفع قبل إِقَامَة الْبَيِّنَة يَصح بعْدهَا، وكما قبل الحكم يَصح بعده، إِلَّا فِي الْمَسْأَلَة المخمسة كَمَا كتبناه فِي الشَّرْح، وكما يَصح عِنْد الْحَاكِم الاول يَصح عِنْد غَيره، وكما يَصح قبل الاستمهال يَصح بعده هُوَ الْمُخْتَار، إِلَّا فِي ثَلَاث: الاولى: إِذا قَالَ لي دفع وَلم يبين وَجهه لَا يلْتَفت إِلَيْهِ.
الثَّانِيَة: لَو بَينه لَكِن قَالَ بينتي غَائِبَة عَن الْبَلَد لم تقبل.
الثَّالِثَة: لَو بَين دفعا فَاسِدا وَلَو كَانَ الدّفع صَحِيحا وَقَالَ بينتي حَاضِرَة فِي الْمصر يمهله إِلَى الْمجْلس الثَّانِي.
كَذَا فِي جامعي الْفُصُولَيْنِ.
والامهال هُوَ الْمُفْتى بِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
وعَلى هَذَا: لَو أقرّ بِالدّينِ فَادّعى إيفاءه أَو الابراء فَإِن قَالَ بينتي فِي الْمصر لَا يقْضى عَلَيْهِ بِالدفع، وَإِلَّا قضي عَلَيْهِ الدّفع بعد الحكم صَحِيح، إِلَّا فِي الْمَسْأَلَة المخمسة كَمَا ذكرته فِي الشَّرْح.
مطلب: لَا يَصح الدّفع من غير الْمُدعى عَلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَ أحد الْوَرَثَة الدّفع من غير الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يَصح إِلَّا إِذا كَانَ أحد الْوَرَثَة اهـ: أَي فَإِنَّهُ يسمع دَفعه وَإِن ادّعى على غَيره لقِيَام بَعضهم مقَام الْكل، حَتَّى لَو ادّعى مُدع على أحد الْوَرَثَة فبرهن الْوَارِث الآخر أَن الْمُدَّعِي أقرّ بِكَوْنِهِ مُبْطلًا فِي الدَّعْوَى تسمع كَمَا فِي الْبَحْر، لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فِيمَا لَهُم وَعَلَيْهِم.

قَوْله: (ذكر من لَا يكون خصما) لَان معرفَة الملكات قبل معرفَة الاعدم، فَإِن قيل الْفَصْل مُشْتَمل على ذكر من يكون خصما أَيْضا قلت: نعم من حَيْثُ الْفرق لَا من حَيْثُ الْقَصْد الاصلي.
عناية.

قَوْله: (هَذَا الشئ أَو دعنيه الخ) أطلق قَوْله هَذَا فَشَمَلَ أَنه قَالَ ذَلِك وَبرهن عَلَيْهِ قبل تَصْدِيقه الْمُدَّعِي فِي أَن الْملك لَهُ أَو بعد تَصْدِيقه كَمَا فِي تَلْخِيص الْجَامِع، أَو أنكر كَونه ملكا لَهُ، فَطَلَبَ
مِنْ الْمُدَّعِي الْبُرْهَانَ فَأَقَامَهُ وَلَمْ يَقْضِ القَاضِي حَتَّى دَفعه الْمُدَّعِي بِأحد هَذِه الاشياء كَمَا فِي الشُّرُوح، فَظهر أَن قَوْله فِي التَّصْوِير زيد لغَائِب بِنَاء لما فِي الشُّرُوح فَيحمل على التَّمْثِيل، لَكِن فِي نور الْعين برمز قَشّ: ادّعى ذُو الْيَد وَدِيعَة وَلم يُمكنهُ إِثْبَاتهَا حَتَّى حكم للْمُدَّعِي وَنفذ حكمه ثمَّ لَو برهن على الايداع لَا يقبل، فَلَو قدم الْغَائِب فَهُوَ على حجَّته.

(8/101)


مطلب: لَا تنْدَفع الدَّعْوَى لَو كَانَ الْمُدَّعِي هَالكا يَقُول الحقير: فِيهِ إِشْكَال لما سَيَأْتِي فِي أَوَاخِر هَذَا الْفَصْل نقلا عَن الذَّخِيرَة أَنه كَمَا يَصح الدّفع قبل الحكم يَصح بعده أَيْضا، وَلَعَلَّه بِنَاء على أَن الدّفع بعد الحكم لَا يسمع، وَهُوَ خلاف القَوْل الْمُخْتَار كَمَا سَيَأْتِي أَيْضا هُنَاكَ، وَالله تَعَالَى أعلم.
اهـ.
وَأَشَارَ بقوله هَذَا الشئ إِلَى أَن الْمُدَّعِي بِهِ قَائِم كَمَا صرح بِهِ الشَّارِح، إِذْ لَو كَانَ هَالكا لَا تنْدَفع الْخُصُومَة، فَيَقْضِي بِالْقيمَةِ على ذِي الْيَد للْمُدَّعِي، ثمَّ إِن حضر الْغَائِب فَصدقهُ فِيمَا قَالَ فَفِي الْوَدِيعَة وَالرَّهْن والاجارة وَالْمُضَاربَة وَالشَّرِكَة يرجع الْمُدعى عَلَيْهِ على الْغَائِب بِمَا ضمن، وَلَا يرجع الْمُسْتَعِير وَالْغَاصِب وَالسَّارِق كَمَا فِي الْعمادِيَّة، وَإِلَى أَنه أَعم من أَن يكون مَنْقُولًا أَو عقارا كَمَا صرح بِهِ الشَّارِح أَيْضا كَمَا فِي الْمَبْسُوط، وَظَاهر هَذَا القَوْل على أَن ذَا الْيَد ادّعى إِيدَاع الْكل أَو عاريته أَو رَهنه الخ.
مطلب: قَالَ النّصْف لي وَالنّصف وَدِيعَة لفُلَان هَل تبطل الدَّعْوَى فِي الْكل وَفِي النّصْف؟ وَلَو ادّعى أَن نصفه وَنَحْوه ملكه وَنصفه الآخر وَدِيعَة فِي يَد لفُلَان الْغَائِب قيل لَا تبطل دَعْوَى الْمُدَّعِي إِلَّا فِي النّصْف، وَإِلَيْهِ الاشارة فِي بُيُوع الْجَامِع الْكَبِير كَمَا فِي الذَّخِيرَة.
وَقيل تبطل فِي الْكل لتعذر التَّمْيِيز، وَعَلِيهِ كَلَام الْمُحِيط وَالْخَانِيَّة وَالْبَحْر، وَاخْتَارَ فِي الِاخْتِيَار.
وَلَكِن قَالَ صَاحب الْعمادِيَّة: فِي هَذَا القَوْل نظر، فَيظْهر مِنْهُ أَن الْمُخْتَار عِنْده عدم الْبطلَان فِي النّصْف.
وَنقل فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ هَذَا النّظر من غير تعرض، وَكَذَا صَاحب نور الْعين، وَاقْتصر المُصَنّف عَلَى الدَّفْعِ بِمَا ذُكِرَ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا زَادَ وَقَالَ كَانَتْ دَارِي بِعْتهَا مِنْ فُلَانٍ وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَوْدَعَنِيهَا أَوْ ذَكَرَ هِبَةً وَقَبْضًا لَمْ تَنْدَفِعْ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ، وَلَو أجَاب الْمُدعى عَلَيْهِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِي أَوْ هِيَ لِفُلَانٍ وَلَمْ يزدْ لَا يكون دفعا.
حموي
مُلَخصا.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَأَشَارَ بقوله: وَبرهن عَلَيْهِ أَي على مَا قَالَ إِلَى أَنه لَو برهن على إِقْرَار الْمُدَّعِي أَنه لفُلَان وَلم يزِيدُوا فالخصومة بَينهمَا قَائِمَة كَمَا فِي خزانَة الاكمل.
اهـ.
لَكِن يُخَالِفهُ مَا ذكره بعد عَن الْبَزَّازِيَّة أَنَّهَا تنْدَفع فِي هَذِه الصُّورَة، وَكَذَا مُخَالف لما قدمه قبل أسطر عَن خزانَة الاكمل، لَكِن مَا قدمه فِيهِ الشَّهَادَة على إِقْرَار الْمُدَّعِي أَن رجلا دَفعه إِلَيْهِ وَمَا هُنَا على إِقْرَار بِأَنَّهُ لفُلَان بِدُونِ التَّصْرِيح بِالدفع، فَتَأمل.
مطلب: حِيلَة إِثْبَات الرَّهْن على الْغَائِب
قَوْله: (أَو رهننيه) هَذِه مِمَّا تصلح حِيلَة لاثبات الرَّهْن فِي غيبَة الرَّاهِن كَمَا فِي حيل الْوَلوالجِيَّة.
مطلب: لَا بُد من تعْيين الْغَائِب فِي الدّفع وَالشَّهَادَة
قَوْله: (زيد الْغَائِب) أَتَى باسم الْعلم لانه لَو قَالَ أودعينه رَحل لَا أعرفهُ لن تَنْدَفِعْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْغَائِبِ فِي الدّفع، وَكَذَا فِي الشَّهَادَة كَمَا يذكرهُ الشَّارِحُ، فَلَوْ ادَّعَاهُ مِنْ مَجْهُولٍ وَشَهِدَا بِمُعَيَّنٍ أَوْ عَكْسِهِ لَمْ تَنْدَفِعْ.
بَحْرٌ.
وَفِيهِ عَنْ حزانة الْأَكْمَلِ وَالْخَانِيَّةِ: لَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي أَنَّ رَجُلًا دَفَعَهُ إلَيْهِ أَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ فَلَا خُصُومَة بَينهمَا.
مطلب: أطلق فِي الْغَائِب فَشَمَلَ الْبعيد والقريب وَأَطْلَقَ فِي الْغَائِبِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بَعِيدًا مَعْرُوفًا يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ أَوْ قَرِيبًا،
قَوْله: (أَو

(8/102)


غصبته مِنْهُ) المُرَاد أم الْمُدَّعِيَ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فِي الْعَيْنِ وَلَمْ يدع فعلا.
وَحَاصِلُ جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّ يَده يَد أَمَانَة أَو مَضْمُونَة وَالْملك لغيره.

قَوْله: (وَبرهن عَلَيْهِ) مُرَاده بالبرهان: أَي بعد إِقَامَة الْمُدَّعِي الْبُرْهَان على مدعاه، لانه لما ادّعى الْملك أنكرهُ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فَطلب مِنْهُ الْبُرْهَان، وَلم يقْض للْقَاضِي بِهِ حَتَّى دَفعه الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِمَا ذكرنَا وَبرهن على الدّفع، وَلَا بُد من ذَلِك، حَتَّى لَو قضي للْمُدَّعى لم يسمع برهَان ذِي الْيَد كَمَا فِي الْبَحْر.
لَكِن قدمنَا عَن نور الْعين معزيا للذخيرة أَن الْمُخْتَار خِلَافه، وَهُوَ أَنه كَمَا يَصح الدّفع قبل الحكم يَصح بعده أَيْضا فَلَا تنسه، وَقد يُجَاب بِأَنَّهُ إِذا لم يدع
الايداع أَو ادَّعَاهُ وَلم يبرهن عَلَيْهِ لم يظْهر أَن يَده لَيست يَد خُصُومَة فتوجهت عَلَيْهِ دَعْوَى الْخَارِج، وَصَحَّ الحكم بهَا بعد إِقَامَة الْبَيِّنَة على الْملك لانها قَامَت على خصم، ثمَّ إِذا أَرَادَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ أَن يثبت الايداع لَا يُمكنهُ، لانه صَار أَجْنَبِيّا يُرِيد إِثْبَات الْملك الْغَائِب وإيداعه، فَلم تَتَضَمَّن دَعْوَاهُ إبِْطَال الْقَضَاء السَّابِق، وَالدَّفْع إِنَّمَا يَصح إِذا كَانَ فِيهِ برهَان على إبِْطَال الْقَضَاء، وَلما لم يقبل برهانه وَلَا دَعْوَاهُ لما قُلْنَا لم يظْهر بطلَان الْقَضَاء، وعَلى هَذَا لَا نرد الْمَسْأَلَة وعَلى القَوْل الْمُخْتَار، فَلْيتَأَمَّل.
قَالَ فِي نور الْعين: ادّعى ملكا مُطلقًا فَقَالَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ اشْتَرَيْته مِنْك فَقَالَ الْمُدَّعِي قد أقلت البيع فَلَو قَالَ الآخر إِنَّك أَقرَرت أَنِّي مَا أشتريته يسمع إِذا ثبتَتْ الْعَدَالَة، إِذْ وَيصِح الدّفع قبل إِقَامَة الْبَيِّنَة وَبعدهَا وَقبل الحكم وَبعده، وَدفع الدّفع وَإِن كثر صَحِيح فِي الْمُخْتَار، حَتَّى لَو برهن عل مَال وَحكم لَهُ فبرهن خَصمه أَن الْمُدَّعِي أقرّ قبل الحكم أَنه لَيْسَ عَلَيْهِ بَطل الحكم.
قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ: أَقُول: يَنْبَغِي أَن لَا يبطل الحكم لَو أمكن التَّوْفِيق بحدوثه بعد إِقْرَاره على مَا سَيَأْتِي قَرِيبا فِي فش أَنه لم يبطل الحكم الْجَائِز بشك.
يَقُول الحقير: قَوْله: يَنْبَغِي مَحل نظر، لَان مَا فِي ذَلِك بِنَاء على اخْتِيَار اشْتِرَاط التَّوْفِيق، وَعدم الِاكْتِفَاء بِمُجَرَّد إِمْكَان التَّوْفِيق كَمَا مر مرَارًا، فغقط متقدمو مَشَايِخنَا جوزوا دفع الدّفع، وَبَعض متأخريهم على أَنه لَا يَصح، وَقيل يَصح مَا لم يظْهر احتيال وتلبيس.
فش: حكم لَهُ بِمَال ثمَّ رَفعه إِلَى قَاض آخر جَاءَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِالدفع يسمع وَيبْطل حكم الاول، وَفِيه: لَو أَتَى بِالدفع بعد الحكم فِي بعض الْمَوَاضِع لَا يقبل نَحْو أَن يبرهن بعد الحكم أَن الْمُدَّعِي أقرّ قبل الدَّعْوَى أَنه لَا حق لَهُ فِي الدَّار لَا يبطل الحكم لجَوَاز التَّوْفِيق بِأَنَّهُ شراه بِخِيَار فَلم يملكهُ فِي ذَلِك الزَّمَان، ثمَّ مضى وقتا الحكم فملكه، فَلَمَّا احْتمل هَذَا لم يبطل الحكم الْجَائِز بشك، وَلَو برهن قبل الحكم يقبل وَلَا يحكم، إِذْ الشَّك يدْفع الحكم وَلَا يرفعهُ.
يَقُول الحقير: الظَّاهِر أَنه لَو برهن قبل الحكم فِيمَا لم يكن التَّوْفِيق خفِيا يَنْبَغِي أَن لَا يقبل، وَيحكم على مذب من جعل إِمْكَان التَّوْفِيق كَافِيا إِذْ لَا شكّ حِينَئِذٍ لَان إِمْكَانه كتصريحه عِنْدهم، وَالله تَعَالَى أعلم.
ا.
هـ.
ثمَّ نقل عَن الْبَزَّازِيَّة الْمُقْتَضِي عَلَيْهِ: لَا تسمع دَعْوَاهُ بعده فِيهِ إِلَّا أَن يبرهن على إبِْطَال الْقَضَاء بِأَن ادّعى دَارا بالارث وَبرهن وَقضى ثمن ادّعى الْمقْضِي عَلَيْهِ الشِّرَاء من مورث أَو ادّعى الْخَارِج الشِّرَاء من فلَان وَبرهن الْمُدعى عَلَيْهِ من شِرَائِهِ من فلَان أَو من الْمُدَّعِي قبله أَو يقْضِي عَلَيْهِ بالدابة فبرهن على نتاحها عِنْده.
اه.

(8/103)


مطلب: أرد بالبرهان الْحجَّة سَوَاء كَانَت بَيِّنَة أَو إِقْرَار الْمُدَّعِي وَمرَاده بالبرها وجود حجَّة على مَا قَالَ، واء كَانَت بَيِّنَة أَو إِقْرَار الندعي كَمَا فِي الْبَحْر، وَقدمنَا مَا يدل عَلَيْهِ قَرِيبا، لَكِنْ لَا تُشْتَرَطُ الْمُطَابَقَةُ لِعَيْنِ مَا ادَّعَاهُ لما فِي الْبَحْر أَيْضا عَن خزانَة الاكمل قَالَ: شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا دَفَعَهُ إلَيْهِ وَلَا نَدْرِي لمن هُوَ، فَلَا خُصُومَة بَينهمَا، وَلَو لَك يُبَرْهِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعِي اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ كَانَ خَصْمًا، وَإِن نكل فَلَا خصوة.
ا.
هـ.
وَفِي الخزانة: وَلَوْ لَمْ يُبَرْهِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعِي اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ كَانَ خصما، وَإِن نكل فَلَا خُصُومَة ا.
هـ.
وَإِن ادّعى أَن الْغَائِب أودعهُ عِنْده يحلفهُ الْحَاكِم بِاللَّه لقد أودعها إِلَيْهِ على الْبَتَات لَا على الْعلم، لانه وَإِن كَانَ فعل الْغَيْر لَكِن تَمَامه بِهِ وَهُوَ الْقبُول.
بَزَّازِيَّة.
قَالَ الْبَدْر الْعَيْنِيّ: وَالشّرط إِثْبَات هَذِه الاشياء دون الْملك، حَتَّى لَو شهدُوا بِالْملكِ للْغَائِب دون هَذِه الاشياء لم تنْدَفع الْخُصُومَة وَبِالْعَكْسِ تنْدَفع
قَوْله: (وَالْعين قَائِمَة) مفهومة أَنَّهَا لَا تنْدَفع لَو كَانَ الْمُدَّعِي هَالكا وَسَيَأْتِي، وَبِه صرح فِي الْعِنَايَة أخدا من خزانَة الاكمل فَقَالَ: عبد هلك فِي يَد رجل أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَأَقَامَ الَّذِي مَاتَ فِي يَدِهِ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ فُلَانٌ أَوْ غَصَبَهُ أَو آجره وَلم يُقْبَلْ وَهُوَ خَصْمٌ، فَإِنَّهُ يَدَّعِي الْقِيمَةَ عَلَيْهِ وَإِيدَاعُ الدَّيْنِ لَا يُمْكِنُ، ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَهُ فِي الْإِيدَاعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُدَّعِي، أَمَّا لَوْ كَانَ غصبا لَمْ يَرْجِعْ.
وَكَذَا فِي الْعَارِيَّةِ وَالْإِبَاقُ مِثْلُ الْهَلَاك هَاهُنَا، فَإِنْ عَادَ الْعَبْدُ يَوْمًا يَكُونُ عَبْدًا لِمَنْ اسْتَقر عَلَيْهِ الضَّمَان.
اهـ.
وَكَأن الشَّارِح أَخذ التَّقْيِيد من الاشارة بقوله الْمَار هَذَا الشئ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ الْحِسِّيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا إلَى مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وأشرنا إِلَيْهِ فِيمَا سبق.

قَوْله: (وَقَالَ الشُّهُود نعرفه) أَي الْغَائِب الْمُودع باسمه وَنسبه.
قَالَ فِي الْبَحْر: لَا بُد من تعْيين الْغَائِب فِي الدّفع وَالشَّهَادَة، فَلَوْ ادَّعَاهُ مِنْ مَجْهُولٍ وَشَهِدَا بِمُعَيَّنٍ أَوْ عَكسه لم تنْدَفع.

قَوْلُهُ: (أَوْ بِوَجْهِهِ) فَمَعْرِفَتُهُمْ وَجْهَهُ فَقَطْ كَافِيَةٌ عِنْد الامام كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة.

قَوْله: (وَشرط مُحَمَّد مَعْرفَته بِوَجْهِهِ أَيْضا) صَوَاب الْعبارَة: وَشرط مُحَمَّد مَعْرفَته بِوَجْهِهِ واسْمه وَنسبه أَيْضا، أَو يَقُولَ: وَلَمْ يَكْتَفِ مُحَمَّدٌ بِمَعْرِفَةِ الْوَجْهِ فَقَطْ.
قَالَ فِي الْمنح: فَعِنْدَهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالْوَجْهِ وَالِاسْمِ وَالنّسب.
اهـ.
وَمحل الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ مِنْ مُعَيَّنٍ بِالِاسْمِ وَالنّسب فشهدا بِمَجْهُول لَكِن قَالَا نعرفه بِوَجْهِهِ، أما لَوْ ادَّعَاهُ مِنْ مَجْهُولٍ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ إِجْمَاعًا.
كَذَا فِي شرح أدب القَاضِي للخصاف.

قَوْله: (فَلَو حلف لَا يعرف فلَانا) لَا يَخْفَى أَنَّ التَّفْرِيعَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَمْ يَكْتَفِ ف مُحَمَّدٌ بِمَعْرِفَةِ الْوَجْهِ فَقَطْ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ.
وَالْمَعْرِفَةُ بِوَجْهِهِ فَقَطْ لَا تَكُونُ مَعْرِفَةً، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِرَجُلٍ أَتَعْرِفُ فُلَانًا؟ فَقَالَ نَعَمْ، فَقَالَ: هَلْ تعرف اسْمه وَنسبه؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ: إِذا لَا تعرفه وَكَذَا لَو حَلَفَ لَا يَعْرِفُ فُلَانًا وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا بِوَجْهِهِ لَا يَحْنَث.

قَوْله: (ذكره الزَّيْلَعِيّ) عِبَارَته: وَهَذَا كُله فِيمَا إِذا قَالَ الشُّهُود نَعْرِف صَاحب المَال وَهُوَ الْمُودع أَو الْمُعير باسمه وَنسبه وَوَجهه، لَان الْمُدَّعِي يُمكنهُ أَن يتبعهُ، وَإِن قَالُوا لَا نعرفه بشئ من ذَلِك لَا يقبل القَاضِي شَهَادَتهم وَلَا تنْدَفع الْخُصُومَة عَن ذِي الْيَد بالاجماع، لانهم مَا أحالوا الْمُدَّعِي على رجل مَعْرُوف تمكن مخاصمته، وَلَعَلَّ الْمُدَّعِي هُوَ ذَلِك الرجل،

(8/104)


وَلَو اندفعت لبطل حَقه، ولانه لَو كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُودع لَا يبطل، وَإِن كَانَ غَيره يبطل، فَلَا يبطل بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَال دفعا للضَّرَر عَنهُ، إِلَّا إِذا أَحَالهُ على مَعْرُوف يُمكن الْوُصُول إِلَيْهِ كي لَا يتَضَرَّر الْمُدَّعِي، والمعرفة بِوَجْهِهِ فَقَط لَا تكون معرفَة الخ.
وَالْحَاصِل على مَا يُؤْخَذ من كَلَامهم: إِذا قَالُوا نعرفه باسمه وَنسبه وَوَجهه تنْدَفع اتِّفَاقًا، وَإِن قَالُوا نعرفه بِوَجْهِهِ وَلَا نعرفه باسمه وَنسبه تنْدَفع عِنْد أبي حنيفَة، وَلَا تنْدَفع عِنْد مُحَمَّد وَأبي يُوسُف، فَإِنَّهُمَا يشترطان مَعْرفَته باسمه وَوَجهه، وَأما مَعْرفَته باسمه دون وَجهه فَلَا تَكْفِي كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة.

قَوْله: (وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة) وَفِي الْمنح تبعا للبحر: وتعويل الائمة على قَول مُحَمَّد.

قَوْلُهُ: (دُفِعَتْ خُصُومَةُ
الْمُدَّعِي) أَيْ حَكَمَ الْقَاضِي بدفعها لانه أثبت بِبَيِّنَتِهِ أَن يَده لَيست يَد خُصُومَة، بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى الْفِعْل عَلَيْهِ كالغصب وَغَيره، لَان ذَا الْيَد صَار خصما للْمُدَّعِي بِاعْتِبَار دَعْوَى الْفِعْل عَلَيْهِ، فَلَا تنْدَفع الْخُصُومَة بِإِقَامَة الْبَيِّنَة أَن الْعين لَيْسَ للْمُدَّعِي.
زَيْلَعِيّ.
وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ أَعَادَ الْمُدَّعِي الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ لَا يَحْتَاجُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى إعَادَةِ الدَّفْعِ بَلْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْقَاضِي الْأَوَّلُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ دُفِعَتْ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ لِلْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ.
بَحْرٌ.
وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ بعد الْبُرْهَان كَيفَ يتَوَهَّم وجوب الْحلف، أما قبله فقد نُقِلَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ لَقَدْ أَوْدَعَهَا إلَيْهِ لَا عَلَى الْعِلْمِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ الْإِيدَاعَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا تَنْدَفِعُ بَلْ يحلف الْمُدَّعِي على عدم الْعلم، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال إِن صَاحب الْبَحْر لاحظ أَنه يُمكن قِيَاسه على مديون الْمَيِّت.
تَأمل.
قَالَ ط: وَأطلق فِي اندفاعها فَشَمَلَ مَا إِذا صدقه ذُو الْيَد على دَعْوَى الْملك ثمَّ دَفعه بِمَا ذكر فَإِنَّهَا تنْدَفع كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة، وَلم يشْتَرط أحد من أَئِمَّتنَا لقبُول الدّفع إِقَامَة الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة، فَقَوْل صَاحب الْبَحْر: وَلَا بُد من الْبُرْهَان من الْمُدَّعِي غير مُسلم، لانه لم يسْتَند فِيهِ إِلَى نقل أَبُو السُّعُود اهـ.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: شح قَالَ ذُو الْيَد أَنه للْمُدَّعِي إِلَّا أَنه أودعني فلَان تنْدَفع الْخُصُومَة لَو برهن، وَإِلَّا فَلَا.
فش لَا تنْدَفع الْخُصُومَة إِذا صدقه.
أَقُول: فعلى إِطْلَاقه يَقْتَضِي أَن لَا تنْدَفع وَلَو برهن على الايداع، وَفِيه نظر.
اهـ.

قَوْله: (للْملك الْمُطلق) أَي من غير زِيَادَة عَلَيْهِ، وَاحْترز بِهِ عَمَّا إِذا ادّعى عبدا أَنه ملكه وَأعْتقهُ فَدفعهُ الْمُدعى عَلَيْهِ بِمَا ذكر وَبرهن فَإِنَّهُ لَا تنْدَفع الْخُصُومَة، وَيَقْضِي بِالْعِتْقِ على ذِي الْيَد، فَإِن جَاءَ الْغَائِب وَادّعى وَبرهن أَنه عَبده أَو أَنه أعْتقهُ يقْضى بِهِ، فَلَو ادّعى على آخر أَنه عَبده لم يسمع.
وَكَذَا فِي الِاسْتِيلَاد وَالتَّدْبِير.
وَلَو أَقَامَ العَبْد بَيِّنَة أَن فلَانا أعْتقهُ وَهُوَ يملكهُ فبرهن ذُو الْيَد على إِيدَاع فلَان الْغَائِب بِعَيْنِه يقبل، وَبَطلَت الْبَيِّنَة العَبْد، فَإِذا حضر الْغَائِب قيل للْعَبد أعد الْبَيِّنَة عَلَيْهِ، فَإِن أَقَامَهَا قضينا بِعِتْقِهِ وَإِلَّا رد عَلَيْهِ، وَلَو قَالَ العَبْد أَنا حر الاصل قبل قَوْله، وَلَو برهن ذُو الْيَد على الايداع، وَلَا يُنَافِيهِ دَعْوَى حريَّة الاصل، فَإِن الْحر قد يودع، وَكَذَا الاجارة والاعارة.
وَأما فِي الرَّهْن قَالَ بَعضهم: الْحر قد برهن.
وَقَالَ بَعضهم: لَا يرْهن، فَتعْتَبر الْعَادة.
كَذَا فِي خزانَة الاكمل.
اهـ.
لَكِن قَالَ الرَّمْلِيّ: قَالُوا الْحر لَا يجوز
رَهنه لانه غير مَمْلُوك.
وَأَقُول: فَلَو رهن رجل قرَابَته كابنه أَو أَخِيه على مَا جرت بِهِ عَادَة السلاطين فَلَا حكم لَهُ لقَوْله

(8/105)


تَعَالَى: * (فرهان مَقْبُوضَة) * (الْبَقَرَة: 382) .
وَالْحر لَا تثبت عَلَيْهِ الْيَد.
قَالَ بَعضهم: وَرَأَيْت فِي مُصَنف ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم وَهُوَ النَّخعِيّ قَالَ: إِذا رهن الرجل الْحر فَأقر بذلك كَانَ رهنا حَتَّى يفكه الَّذِي رَهنه أَو يفك نَفسه.
وَجه كَلَام النَّخعِيّ الْمُؤَاخَذَة بِإِقْرَارِهِ اهـ.
وَمن الْملك الْمُطلق دَعْوَى الْوَقْف وَدَعوى غلبته.
قَالَ فِي الْبَحْر: لَو ادّعى وقفية مَا فِي يَد آخر وَبرهن فَدفعهُ ذُو الْيَد بِأَنَّهُ مُودع فلَان وَنَحْوه فبرهن فَإِنَّهَا تنْدَفع خُصُومَة الْمُدَّعِي كَمَا فِي الاسعاف.

قَوْله: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ عُرِفَ ذُو الْيَدِ بِالْحِيَلِ) بِأَنْ يَأْخُذَ مَالَ إنْسَانٍ غَصْبًا ثُمَّ يَدْفَعَهُ سِرًّا إلَى مُرِيدِ سَفَرٍ وَيُودِعُهُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ حَتَّى إذَا جَاءَ الْمَالِكُ وَأَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ مِلْكَهُ فِيهِ أَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً على أَن فلَانا أودعهُ فَيبْطل حَقه.
أَفَادَهُ الْحلَبِي.

قَوْله: (وَبِه يُؤْخَذ ملتقى) وَاخْتَارَهُ فِي الْمُخْتَار.
قَالَ فِي التَّبْيِين: فَيجب على القَاضِي أَن ينظر فِي أَحْوَال النَّاس وَيعْمل بِمُقْتَضى حَالهم، فقد رَجَعَ أَبُو يُوسُف إِلَى هَذَا القَوْل بعد مَا ولي الْقَضَاء وابتلي بِأُمُور النَّاس وَلَيْسَ الْخَبَر كالعيان اهـ.
وَمثله فِي مِعْرَاج الدِّرَايَة.

قَوْله: (لَان فِيهَا أَقْوَال خَمْسَة عُلَمَاء) الاول: مَا فِي الْكتاب.
الثَّانِي: قَول أبي يُوسُف: إِن كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ صَالحا فَكَمَا قَالَ الامام، وَإِن كَانَ مَعْرُوفا بالحيل لم تنْدَفع عَنهُ.
الثَّالِث: قَول مُحَمَّد: إِنَّه لَا بُد من معرفَة الِاسْم وَالنّسب.
وَالْوَجْه الرَّابِعُ، قَوْلُ ابْن شُبْرُمَةَ: إنَّهَا لَا تَنْدَفِعُ عَنهُ مُطلقًا لانه تعذر إِثْبَات الْملك للْغَائِب لِعَدَمِ الْخَصْمِ عَنْهُ وَدَفَعَ الْخُصُومَةَ بِنَاءً عَلَيْهِ.
الْخَامِسُ: قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: تَنْدَفِعُ بِدُونِ بَيِّنَة لاقرار بِالْملكِ للْغَائِب، وَقد علم مِمَّا ذكر من قَول مُحَمَّد: إِن الْخلاف لم يتوارد على مورد وَاحِد.
وشبرمة بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَضم الرَّاء، واسْمه عبد الله بن صبية بِفَتْح الصَّاد وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن الطُّفَيْل أحد فُقَهَاء الْكُوفَة، ونظمها بَعضهم فَقَالَ: إِذا قَالَ: إِنِّي مُودع كَانَ دافعا لمن يَدعِي ملكا لَدَى ابْن أبي ليلى كَذَا عندنَا إِن جَاءَ فِيهِ بِحجَّة وَلم تنْدَفع عِنْد ابْن شبْرمَة الدَّعْوَى
وَيَكْفِي لَدَى النُّعْمَان قَول شُهُوده بِأَنا عرفنَا ذَلِك الْمَرْء بالمرأى كَذَاك لَدَى الثَّانِي إِذا كَانَ مصلحا وَآخرهمْ يَأْبَى إِذا لم يكن سمى قَوْله: أَو لَان صورها خمس هِيَ الْمَذْكُورَة فِي الْمَتْن.

قَوْله: (عَيْني) لم يقْتَصر الْعَيْنِيّ على هَذَا الْوَجْه وَإِنَّمَا ذكر الِاحْتِمَالَيْنِ.

قَوْله: (وَفِيه نظر الخ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ وَكَّلَنِي يَرْجِعُ إلَى أَوْدَعَنِيهِ، وَأَسْكَنَنِي إلَى أَعَارَنِيهِ وَسَرَقْته مِنْهُ إلَى غَصَبْته مِنْهُ، وَضَلَّ مِنْهُ فَوَجَدْته إلَى أَوْدَعَنِيهِ، وَهِيَ فِي يَد مُزَارَعَةً إلَى الْإِجَارَةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ، فَلَا يُزَادُ على الْخمس بِحَسب أُصُولهَا، وَإِلَّا فبحسب الْفُرُوع أحد عشر كَمَا ذكره الشَّارِح، وَبِه ينْدَفع التنظير ويندفع مَا أوردهُ صَاحب الْبَحْر على الْبَزَّازِيَّة، وَنسبَة الذهول إِلَيْهِ كَمَا فِي الْمَقْدِسِي.

قَوْله: (أَو أسكنني فِيهَا زيد الْغَائِب الخ) هِيَ وَمَا قبلهَا ألحقهما فِي الْبَحْر بالامانة: أَي الْوَدِيعَة وَالْعَارِية.
وَفِي الْكَافِي: ادّعى دَارا أَنَّهَا دَاره فبرهن ذُو الْيَد أَن فلَانا أسْكنهُ بهَا، فَهَذَا على أَرْبَعَة أوجه: إِن شَهدا بِإِسْكَان فلَان وتسليمه أَو بإسكانه وَكَانَت فِي يَد سَاكن يَوْمئِذٍ أَولا فِي يَد السَّاكِن

(8/106)


تنْدَفع، وَإِن قَالُوا: كَانَت يَوْمئِذٍ فِي يَد ثَالِث لَا تقبل.
أما الاول: فلانهما شَهدا على إسكان صَحِيح لَان الصَّحِيح يكون فِيهِ تَسْلِيم وتسلم.
وَكَذَا الثَّانِي: لَان الْقَبْض الْمَوْجُود عقب العقد يُضَاف إِلَيْهِ.
وَكَذَا الثَّالِث: لَان تحكيم الْحَال لمعْرِفَة الْمِقْدَار أصل مُقَرر وَالرَّابِع فَاسد.

قَوْله: (أَو سَرقته مِنْهُ) هِيَ وَالَّتِي بعْدهَا ألحقهما فِي الْبَحْر بِالْغَصْبِ.

قَوْله: (أَو انتزعته مِنْهُ) عبر فِي الْبَحْر بدل بدله بقوله أَو أَخَذته مِنْهُ وَالْحكم وَاحِد ط.

قَوْله: (بَحر) ذكر فِيهِ بعد هَذَا نَا نَصه: وَإِلَّا ولان رَاجِعَانِ إلَى الْأَمَانَةِ، وَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ إلَى الضَّمَانِ لَمْ يَشْهَدْ فِي الْأَخِيرَةِ وَإِلَّا فَإِلَى الْأَمَانَةِ، فَالصُّوَرُ عَشْرٌ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ لَمْ تَنْحَصِر فِي الْخمس.
اهـ.
وَقد علمت أَن عدم انحصارها بِحَسب فروعها، وَإِلَّا فعلى مَا قَرَّرَهُ من رُجُوع الْخَمْسَة المزيدة إِلَى الْخَمْسَة الاصول فَهِيَ منحصرة، فَالْمُرَاد انحصار أُصُولهَا فِي الْخَمْسَة، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَعْدَ رُجُوعِ مَا زَادَهُ لي مَا ذُكِرَ لَا مَحَلَّ لِلِاعْتِرَاضِ بِعَدَمِ الِانْحِصَارِ.
تَأمل.

قَوْله: (أَو هِيَ فِي يَدي مُزَارعَة) مُقْتَضى كَلَامهَا أَن هَذِه لَيْسَتْ فِي الْبَحْرِ مَعَ أَنَّهَا وَاَلَّتِي بَعْدَهَا فِيهِ ح.

قَوْله: (ألحق) بِصِيغَة الْمَاضِي الْمَعْلُوم.
قَوْله:
(الْمُزَارعَة بالاجارة) من حَيْثُ إِن الْعَامِل إِذا دفع الْبذر مِنْهُ كَانَ مُسْتَأْجرًا لَهَا، وَذَلِكَ فِيمَا إِذا كَانَت الارض لوَاحِد وَالْبذْر وَالْعَمَل للْآخر، فَإِنَّهُ يَجْعَل كَأَنَّهُ أجره أرضه بِمَا شَرطه من الْخَارِج.

قَوْله: (أَو الْوَدِيعَة) من حَيْثُ عدم الضَّمَان لنصيب صَاحبه إِذا ضَاعَ مِنْهُ من غير تعد كَمَا إِذا كَانَ الْعَمَل لوَاحِد وَالْبَاقِي لآخر، أَو الْعَمَل وَالْبَقر فَإِنَّهُ يَجْعَل كَأَنَّهُ اسْتَأْجرهُ، أَو اسْتَأْجرهُ مَعَ بقره ليعْمَل لَهُ فِي أرضه ببذر صَاحب الارض وَصَارَت الارض وَالْبذْر فِي يَد الْعَامِل بِمَنْزِلَة الْوَدِيعَة.

قَوْله: (قل) أَي فِي الْبَزَّازِيَّة.

قَوْله: (فَلَا يُزَاد على الْخمس) أَيْ لَا تُزَادُ مَسْأَلَةُ الْمُزَارَعَةِ الَّتِي زَادَهَا الْبَزَّازِيُّ، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا يُزَاد لباقية أَيْضا، لَكِن فِي الْبَزَّازِيَّة لم يبين إِلَّا إِلْحَاق الْمُزَارعَة، وَمَا فِي الْبَحْر من رُجُوع الاولين إِلَى الامانة وَالثَّلَاثَة الْبَاقِيَة إِلَى الضَّمَان لَيْسَ فِيهِ بَيَان إِلْحَاق، لَان الامانة وَالضَّمان ليستا من الْمسَائِل الْخمس، غَايَته أَنه بَين أَن بَعْضهَا، رَاجع إِلَى الامانة والامانة أَنْوَاع، وَكَذَا الضَّمَان.
نعم قَوْله أسكنني فِيهَا رَاجع إِلَى الْعَارِية، وَهِي من الصُّور الْخمس وانتزعته مِنْهُ رَاجع إِلَى الْغَصْب، وَهُوَ كَذَلِك فَألْحق أَنَّهَا ثَمَان صور أَو تسع، لَان الْمُزَارعَة وَإِن رجعت إِلَى غَيرهَا لَكِنَّهَا تميزت باسم على حِدة وَكَذَا بِأَحْكَام، فَإِن الاجارة بِالْمَجْهُولِ وَإِعْطَاء الاجير من عمله مَشْرُوطَة لَهُ ذَلِك لَا يَصح، وفيهَا يَصح.

قَوْله: (وَقد حررته فِي شرح الْمُلْتَقى) حَيْثُ عمم قَوْله: غبته مِنْهُ بقوله وَلَو حكما، فَأدْخل فِيهِ بقوله أَوْ سَرَقْته مِنْهُ أَوْ انْتَزَعْته مِنْهُ، وَكَذَا عَمَّمَ قَوْلَهُ أَوْدَعَنِيهِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ حُكْمًا، فَأَدْخَلَ فِيهِ الْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُحَرَّرٌ أَحْسَنُ مِمَّا هُنَا، فَإِنَّهُ هُنَا أَرْسَلَ الِاعْتِرَاضَ، وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمُزَارَعَةِ فأوهم خُرُوج مَا عَداهَا عَمَّا ذَكَرُوهُ مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ كَمَا عَلِمْت، فَافْهَم.
مطلب: إِذا حضر الْغَائِب وَصدق الْمُدعى عَلَيْهِ فِي الْإِيدَاعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضمن للْمُدَّعِي وَحَاصِل مَا يُقَال: أَنه إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَهُ فِي الْإِيدَاعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْن رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا

(8/107)


ضمن للْمُدَّعِي، لانه هُوَ الَّذِي أوقعه فِي هَذِه الْمسَائِل لانه عَامل لَهُ، أما فِي الايداع فَظَاهر.
وَأما فِي الاجارة: فُلَانُهُ لما أَخذ الْبَدَل صَار كَأَنَّهُ هُوَ المستوفي للمنفعة باستيفائه بدلهَا فَصَارَ الْمُسْتَأْجر عَاملا لَهُ،
وَكَذَا الرَّاهِن فَإِنَّهُ موف لدينِهِ بِالرَّهْنِ، وَالْمُرْتَهن مستوف بِهِ دينه فَأشبه عقد الْمُعَارضَة، فَإِن مَنْفَعَة الرَّهْن لَهُ ليحصل بِهِ غَرَضه عَن وُصُوله إِلَى الدّين، أما لَو كَانَ غصبا فلَان ضَمَان الْمَغْصُوب عَلَيْهِ وَقد أَدَّاهُ فَلَا يرجع بِهِ على غَيره، لَكِن ظَاهر كَلَام الْمنح أَنه لَيْسَ للْمقر لَهُ رُجُوع عَلَيْهِ بِالْقيمَةِ بعد اسْتِيفَاء الْمُدَّعِي، لانه صَار مُكَذبا شرعا فِي إِقْرَاره للْغَائِب، وَكَذَا الْعَارِية، لَا يرجع فِيهَا على الْمُعير، لَان الْمُسْتَعِير عَامل لنَفسِهِ، والمعير محسن وَمَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل فَلَا رُجُوع لَهُ على معيره.
وَيَنْبَغِي أَن يرجع عَلَيْهِ لانه عَامل لَهُ، والمسروق مِنْهُ كالمغصوب مِنْهُ.
وَينظر فِي اللّقطَة هَل يرجع عَلَيْهِ لانه عَامل لَهُ؟ يتَأَمَّل فِي ذَلِك.
والمزارعة كالاجارة.

قَوْله: (وَإِن كَانَ هَالكا) مُحْتَرز قَوْله وَالْعين قَائِما، وَقد سبق أَنه يَدعِي الدّين عَلَيْهِ وَهُوَ قيمَة الْهَالِك، وإيداع الدّين لَا يُمكن وَكَذَا أَخَوَات الايداع.

قَوْله: (أَوْ قَالَ الشُّهُودُ أَوْدَعَهُ مَنْ لَا نَعْرِفُهُ) لانهم مَا أَحَالُوا الْمُدَّعِيَ عَلَى رَجُلٍ تُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ، وَلَعَلَّ الْمُدَّعِي هُوَ ذَلِك الرجل، وَلَو اندفعت لبطل حَقه كَمَا مر.
لَكِن قد يُقَال: إِن مُقْتَضى الْبَيِّنَة لشيئين ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَلَا خَصْمَ فِيهِ فَلَمْ يثبت، وَدفع خُصُومَة الْمُدَّعِي وَهُوَ خصم فَيثبت.
وَكَذَا يَنْبَغِي أَن يُقَال فِي الْمَجْهُول أَن لَا يثبت للْمَجْهُول وتندفع خُصُومَة الْمُدَّعِي.
تَأمل.

قَوْله: (أَو أقرّ ذُو الْيَد بيد الْخُصُومَة) كيد الْملك فَإِن القَاضِي يقْضِي ببرهان الْمُدَّعِي، لَان ذَا الْيَد لَمَّا زَعَمَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ خصما.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَلَوْ بَرْهَنَ بَعْدَهُ عَلَى الْوَدِيعَةِ لَمْ تُسْمَعْ.

قَوْله: (قَالَ ذُو الْيَد اشْتَرَيْته) وَلَو فَاسِدا مَعَ الْقَبْض كَمَا فِي الْبَحْر، وَأطلق فِي الشِّرَاء فَعم الْفَاسِد كَمَا فِي أدب القَاضِي، وَأَشَارَ إِلَى أَن المُرَاد من الشِّرَاء الْملك الْمُطلق، وَلَو هبة كَمَا يذكر.
وَحَاصِل هَذِهِ: أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى فِي الْعَيْنِ مِلْكًا مُطْلَقًا فَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْمِلْكِ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ الْخُصُومَةُ: يَعْنِي فَيَقْضِي الْقَاضِي بِبُرْهَانِ الْمُدَّعِي، لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ خَصْمًا.
بَحْرٌ.
وَفِيهِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ: وَإِذَا لم تنْدَفع فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَأَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ فَقَضَى لَهُ ثمَّ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ الْغَائِبَ وَبَرْهَنَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، لِأَنَّ الْغَائِب لم يصر مقضيا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَضَى عَلَى ذِي الْيَدِ خَاصَّةً.
اهـ.
لَكِن فِيهِ أَن الْقَضَاء على ذِي الْيَد قَضَاء على من تلقى ذُو الْيَد الْملك مِنْهُ أَيْضا، فَلَا تسمع دَعْوَاهُ
أَيْضا إِلَّا إِذا ادّعى النِّتَاج وَنَحْوه كَمَا تقدم فِي بَاب الِاسْتِحْقَاق.
تَأمل.
وَحِينَئِذٍ فَيجب تصويرها فِيمَا إِذا قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ: هَذَا الشئ ملك فلَان الْغَائِب وَلم يزدْ على ذَلِك، فَإِنَّهُ لَا تنْدَفع الدَّعْوَى عَنهُ بذلك، فَإِذا جَاءَ الْمقر لَهُ الخ فبناؤها على مَا قبلهَا غير صَحِيح، وَهُوَ خلط مَسْأَلَة بِمَسْأَلَة.
تَأمل.

قَوْله: (أَو اتهبته من الْغَائِب) أَي وقبضته، وَمثلهَا الصَّدَقَة كَمَا فِي الْبَحْر، وَهَذَا كَمَا ترى لَيْسَ فِيهِ إِلَّا دَعْوَى مَا ذكر من غير أَن يَدعِي ذُو الْيَد أَن الْمُدَّعِي بَاعهَا من الْغَائِب، فَلَو ادّعى ذَلِك: أَي وَبرهن تقبل وتندفع الْخُصُومَة، وَكَذَا إِذا ادّعى ذُو الْيَد ذَلِك وَإِن لم يدع تلقى الْملك من الْغَالِب ط.

قَوْله: (أَو لم يدع الْملك الْمُطلق) الضَّمِير فِي يَدعِي يرجع إِلَى الْمُدَّعِي لَا إِلَى ذِي الْيَد، والاوضح إِظْهَاره لدفع التشتيت

(8/108)


وَقد سبق بَيَانه.

قَوْلُهُ: (بَلْ ادَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذِي الْيَدِ الْفِعْلَ، وَقَيَّدَ بِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَعْوَاهُ على غَيره فَدفعهُ ذُو الْيَد لوَاحِد مِمَّا ذُكِرَ وَبَرْهَنَ فَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
بَحْرٌ.
وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى هَذَا أَيْضًا بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ غَصَبَ مِنِّي إلَخْ لَكِنَّ قَوْلَهُ وَبَرْهَنَ يُنَافِيهِ مَا سننقله عَن نور الْعين مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ، وَكَذَا مَسْأَلَةُ الشِّرَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُتُون بِأَن قَالَ الْمُدَّعِي غصبته مني أَو سرق مني، ذكر الْغَصْب وَالسَّرِقَة تَمْثِيلٌ، وَالْمُرَادُ دَعْوَى فِعْلٍ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي أَوْدَعْتُك إيَّاهُ أَوْ اشْتَرَيْته مِنْك وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُفِيد ملك الرَّقَبَة لَهُ لَا يدْفع.
كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
بَحْرٌ.
فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُول: كَأَن قَالَ سرق مني.

قَوْله: (وبناه للْمَفْعُول للستر عَلَيْهِ) والاولى لدرء الْحَد عَنهُ، لَان السّتْر يحْتَاج إِلَيْهِ كل من السَّارِق وَالْغَاصِب، لَان فعلهمَا مَعْصِيّة، لَكِن الْغَصْب لَا حد فِيهِ وَالسَّرِقَة فِيهَا الْحَد، وَيعلم بالاولى حكم مَا إِذا بناه للْفَاعِل فقد نَص على الموهوم وَمَوْضِع الْخلاف، فَإِن مُحَمَّدًا يَجْعَلهَا كالغصب، فَلَو بناه للْفَاعِل فَهُوَ مَحل اتِّفَاق على عدم صِحَة الدّفع.

قَوْله: (فَكَأَنَّهُ قَالَ سَرقته مني) فَإِنَّهُ لَا تنْدَفع الْخُصُومَة اتِّفَاقًا لانه يَدعِي عَلَيْهِ الْفِعْل، وَأما سرق مني فَهُوَ عِنْد الامام الاول وَالثَّانِي.
وَمُحَمّد يَقُول: تنْدَفع الْخُصُومَة، لانه لم يدع عَلَيْهِ الْفِعْل فَهُوَ كَقَوْلِه غصب مني، وقولهما اسْتِحْسَان، لانه فِي معنى سَرقته مني، وَإِنَّمَا بناه للْمَفْعُول لما قدمْنَاهُ لدرء الْحَد الخ.

قَوْله: (بِخِلَاف غصب مني) أَي بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول، فَإِن الْخُصُومَة تنْدَفع فِيهِ
لاحْتِمَال أَن الْغَاصِب غير ذِي الْيَد.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَكَذَا أَخذ مني.
اهـ.
وَمفَاده أَن الاخذ كالغصب كَمَا تقدم.

قَوْله: (أَو غصبه مني فلَان الخ) قَالَ فِي الْبَحْر: وَقيد بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَى ذِي الْيَدِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذَكرْنَاهُ وَبَرْهَنَ فَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة.

قَوْله: (وَهل تنْدَفع) أَي خُصُومَة الْمُدَّعِي بِالْمَصْدَرِ بِأَن قَالَ الْمُدَّعِي هَذَا ملكي وَهُوَ فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ غصب فبرهن ذُو الْيَد عَن الايداع وَنَحْوه، قِيلَ تَنْدَفِعُ لِعَدَمِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تنْدَفع.
أما فِي السّرقَة فَيجب أَن لَا تنْدَفع كَمَا فِي بنائِهِ للْمَفْعُول.
خير الدّين على الْمنح.
وَمِثَال السّرقَة أَن يَقُول: هَذَا ملكي فِي يَده سَرقَة.

قَوْله: (الصَّحِيح لَا) أَي لَا تنْدَفع بل تتَوَجَّه الْخُصُومَة عَلَيْهِ لما قُلْنَا.
وَقيل تنْدَفع لعدم دَعْوَى الْفِعْل عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (بَزَّازِيَّةٌ) قَالَ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ وَفِي يَدِهِ غُصِبَ فَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الْإِيدَاعِ، قِيلَ تَنْدَفِعُ لِعَدَمِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تنْدَفع.
بَحر.

قَوْله: (أودعنيه) ظَاهر الْبَزَّازِيَّة أَو الْوَدِيعَة مِثَال.
وعبارتها: لَو برهن الْمُدَّعِي أَنَّهَا لَهُ سرقت مِنْهُ لَا ينْدَفع وَإِن برهن الْمُدعى عَلَيْهِ على الْوُصُول إِلَيْهِ بِهَذِهِ الاسباب.

قَوْلُهُ: (وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ) أَرَادَ بِالْبُرْهَانِ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ، فَخَرَجَ الْإِقْرَارُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ: مَنْ صَارَ خَصْمًا لِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ إنْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِإِيدَاعِ الْغَائِبِ مِنْهُ تنْدَفع، وَإِن لم تنْدَفع بِإِقَامَة الايداع بِثُبُوت إِقْرَار الْمُدَّعِي أَن يَده لَيست يَد خُصُومَة.
بَحر.

قَوْله: (لَا تنْدَفع فِي الْكل) أَي فَيَقْضِي ببرهان الْمُدَّعِي.

قَوْله: (لما قُلْنَا) أَي من أَنه أقرّ ذُو الْيَد بيد الْخُصُومَة، أَمَّا فِي مَسْأَلَتَيْ الْمَتْنِ فَأَشَارَ إلَى عِلَّةِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ أَوْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ بِيَدِ الْخُصُومَةِ، وَإِلَى عِلَّةِ الثَّانِيَةِ

(8/109)


بِقَوْلِهِ ادَّعَى عَلَيْهِ الْفِعْلَ: أَيْ فَإِنَّهُ صَارَ خَصْمًا بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ لَا بِيَدِهِ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَأَمَّا عِلَّةُ مَا إذَا كَانَ هَالِكًا فَلَمْ يُشِرْ إلَيْهَا، وَهِيَ أَنَّهُ يَدَّعِي الدَّيْنَ وَمَحَلُّهُ الذِّمَّةُ، فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا بِذِمَّتِهِ وَبِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَا فِي ذمَّته لغيره، فَلَا تنْدَفع كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَكَذَا عِلَّةُ مَا إذَا قَالَ الشُّهُودُ أَوْدَعَهُ مَنْ لَا نَعْرِفُهُ، وَهِيَ أَنَّهُمْ مَا أَحَالُوا الْمُدَّعِيَ عَلَى رَجُلٍ تُمْكِنُ
مخاصمته.
كَذَا قيل.

قَوْله: (قَالَ) أَي ذُو الْيَد.

قَوْله: (ثمَّ قَالَ فِي مَجْلِسه) أَي مجْلِس الحكم.

قَوْله: (وَلَو برهن الْمُدَّعِي) قَالَ الطَّحْطَاوِيّ: تَطْوِيل من غير فَائِدَة، والاخضر الاوضح أَن يَقُول: إِلَّا إِذا برهن الْمُدَّعِي على ذَلِك الاقرار، ومحصله: إِن ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي إِقْرَاره فِي غير مجْلِس الحكم لَا يقبل إِلَّا إِذا برهن عَلَيْهِ.

قَوْله: (يَجعله الخ) أَي يَجْعَل الْحَاكِم ذَا الْيَد خصما فَيحكم عَلَيْهِ بإثباته للْمُدَّعِي.

قَوْلُهُ: (لِسَبْقِ إقْرَارٍ) بِإِضَافَةِ سَبْقٍ إلَى إقْرَارٍ وَيمْنَع فعل مضارع وَالدَّفْع مَفْعُوله وَلَا يخفى مَا فِيهِ من التعقد.

قَوْله: (يمْنَع الدّفع) أَي دفع ذِي الْيَد بِأَنَّهُ عَارِية مثلا من فلَان.

قَوْلُهُ: (ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الْمُدَّعِي الَّذِي يَدعِي الشِّرَاء مِنْهُ، وَقيد بِهِ للِاحْتِرَاز عَمَّا لَو ادّعى الشِّرَاء من فلَان الْغَائِب الْمَالِك وَبرهن ذُو الْيَد على إِيدَاع غَائِب آخر مِنْهُ لَا تنْدَفع.
ذكره فِي الْبَحْر.

قَوْلُهُ: (أَيْ بِنَفْسِهِ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ أَوْدَعَنِيهِ لَا تَفْسِير لقَوْله ذَلِك ح.

قَوْله: (لم تنْدَفع) أَي الْخُصُومَة بِلَا بَيِّنَة، لانه لَمْ يُثْبِتْ تَلَقِّي الْيَدِ مِمَّنْ اشْتَرَى هُوَ مِنْهُ لِإِنْكَارِ ذِي الْيَدِ وَلَا مِنْ جِهَةِ وَكيله لانكار المُشْتَرِي.
بَحر.
ولان الْوكَالَة لَا تثبت بقوله.
مِعْرَاج.

قَوْله: (دفعت الْخُصُومَة) جَوَاب إِن.

قَوْله: (وَإِن لم يبرهن) لم يذكر يَمِين ذِي الْيَد وَفِي الْبِنَايَةِ، وَلَوْ طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ عَلَى الايداع يحلف على الْبَتَات انْتهى.
بَحر.

قَوْله: (لتوافقهما أَن أصل الْملك للْغَائِب) فَيكون وصولها إِلَى يَده من جِهَته فَلم تكن يَده يَد خُصُومَة.

قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا قَالَ) أَيْ الْمُدَّعِي.

قَوْلُهُ: (اشْتَرَيْته) أَي من الْغَائِب.

قَوْله: (ووكلني بِقَبْضِهِ) أَي مِنْك: أَعنِي وَاضع الْيَد فَيَأْخذهُ لكَونه أَحَق بِالْحِفْظِ.
عَيْني.

قَوْله: (وَبرهن) أَي فَحِينَئِذٍ يَصح دَعْوَاهُ.
وَالْحَاصِل: أَنه بِدَعْوَى الْوَدِيعَة ينْدَفع الْمُدَّعِي إِلَّا إِذا ادّعى أَنه اشْتَرَاهُ من الْغَائِب، وَأَن البَائِع أمره بِالْقَبْضِ.

قَوْله: (بِإِقْرَارِهِ) أَي بِإِقْرَار ذِي الْيَد والاقرار حجَّة قَاصِرَة لَا تسري على الْمَالِك.
وَحَاصِل هَذِه الْمَسْأَلَة: أَن الْمُدَّعِي ادّعى الْملك بِسَبَب من جِهَة الْغَائِب فَدفعهُ ذُو الْيَد بِأَن يَده من الْغَائِب، فقد اتفقَا على أَن الْملك فِيهِ للْغَائِب فَيكون وصولها إِلَى ذِي الْيَد من جِهَته، فَلم تكن يَده يَد خُصُومَة، إِلَّا أَن يُقيم الْمُدَّعِي بَيِّنَة أَن فلَانا وَكله بِقَبْضِهِ لانه أَن يُقيم الْمُدَّعِي بَيِّنَة أَن فلَانا وَكله بِقَبْضِهِ لانه أثبت بِبَيِّنَتِهِ كَونه كَونه أَحَق بإمساكها، وَلَو صدقه ذُو الْيَد فِي شِرَائِهِ مِنْهُ لَا يَأْمُرهُ القَاضِي بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ حَتَّى لَا يكون قَضَاء على الْغَائِب.

قَوْله: (وَهِي عَجِيبَة) سبقه على التَّعَجُّب الزَّيْلَعِيّ، وَلَا عجب أصلا لَان إِقْرَاره على الْغَيْر غير مَقْبُول، لَان الاقرار

(8/110)


حجَّة قَاصِرَة لَا تتعدى إِلَى غير الْمقر، وَقد اتفقَا على أَن الْمُدعى بِهِ ملك الْغَائِب فَلَا ينفذ إِقْرَار مودعه عَلَيْهِ، وَلها نَظَائِر كَثِيرَة كمتولي الْوَقْف وناظر الْيَتِيم فَإِنَّهُ يلْزمه بالبرهان لَا بالاقرار، وَتَقَدَّمت هَذِه بِعَينهَا فِي كتاب الْوكَالَة أَن الْمُودع لَو أقرّ لَهُ أَن الْمُودع وَكله بِقَبض الْوَدِيعَة لَا يُؤمر بِالدفع إِلَيْهِ لعدم نُفُوذ إِقْرَار الْمُودع على الْمُودع فِي إبِْطَال يَده، وَلَو برهن على الْوكَالَة أَمر بِالدفع إِلَيْهِ، بِخِلَاف مَا لَو كَانَ مديون الْغَائِب وَادّعى عَلَيْهِ شخص الْوكَالَة بِالْقَبْضِ وَصدقه فَإِنَّهُ يدْفع إِلَيْهِ لَان الدُّيُون تقضي بأمثالها، فَكَانَ إِقْرَارا على نَفسه لَا على الْغَائِب، وَيُمكن أَن يُقَال فِي وَجه الْعجب: أَن فِي كل من الْمَسْأَلَتَيْنِ قَضَاء على الْغَائِب، وَقد أَمر بِالتَّسْلِيمِ فِي الاولى دون الثَّانِيَة، ولانا نلزمه بِالتَّسْلِيمِ بالبرهان لَا بالاقرار.
تَأمل.

قَوْله: (وَلَو ادّعى أَنه لَهُ) قُلْت: وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَعَارَهُ لِفُلَانٍ كَمَا يظْهر من الْعلَّة.

قَوْلُهُ: (انْدَفَعَتْ) أَيْ بِلَا بَيِّنَةٍ.
نُورُ الْعَيْنِ.

قَوْله: (وَلَو كَانَ مَكَان الْغَصْب سَرقَة لَا تنْدَفع) أَي دَعْوَى سَرقَة الْغَائِب، وَفِيه أَنَّهُمَا توافقا أَن الْيَد لذَلِك الرجل.
قَالَ صَاحب الْبَحْر: وَقد سَأَلت بَعْدَ تَأْلِيفِ هَذَا الْمَحَلِّ بِيَوْمٍ عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ مَتَاعَ أُخْتِهِ مِنْ بَيْتِهَا وَرَهَنَهُ وَغَابَ فَادَّعَتْ الْأُخْتُ بِهِ عَلَى ذِي الْيَدِ.
فَأَجَابَ بِالرَّهْنِ، فأجبت إِن ادَّعَت الاخت غَصْبَ أَخِيهَا وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الرَّهْنِ اندفعت وَإِن ادَّعَت السّرقَة لَا، وَالله تَعَالَى أعلم: أَيْ لَا تَنْدَفِعُ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا ادَّعَتْ سَرِقَةَ أَخِيهَا مَعَ أَنَّا قَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّ تَقْيِيدَ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَى ذِي الْيَدِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ دَفَعَهُ ذُو الْيَد بِوَاحِد مِمَّا ذكر وَبرهن تنْدَفع كدعوى الْملك الْمُطلق، فَيجب أَن يحمل كَلَامه هُنَا عَلَى أَنَّهَا ادَّعَتْ أَنَّهُ سُرِقَ مِنْهَا مَبْنِيًّا للْمَجْهُول لتَكون الدَّعْوَى على ذِي الْيَد، وَإِن أبقى على ظَاهره يكون جَريا على مُقَابل الِاسْتِحْسَان الْآتِي قَرِيبا، لَكِن يُنَافِي الْحمل الْمَذْكُور قَوْلُهَا أَنَّ أَخَاهَا أَخَذَهُ مِنْ بَيْتِهَا.
تَأَمَّلْ، وَقيد بقوله غصبه مِنْهُ أَو سَرقه للِاحْتِرَاز عَن قَوْلِهِ إنَّهُ ثَوْبِي سَرَقَهُ مِنِّي زَيْدٌ وَقَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ زَيْدٌ ذَلِكَ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ اسْتِحْسَانًا.
يَقُولُ الْحُقَيْرُ: لَعَلَّ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ هُوَ أَن الْغَصْب إِزَالَة الْيَد المحققة بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ كَمَا ذُكِرَ
فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، فَالْيَدُ لِلْغَاصِبِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السَّرِقَةِ إذْ الْيَدُ فِيهَا لِذِي الْيَدِ، إذْ لَا يَدَ لِلسَّارِقِ شَرْعًا، ثُمَّ إنَّ فِي عِبَارَةِ لَا يَدَ لِلسَّارِقِ نُكْتَةٌ لَا يَخْفَى حُسْنُهَا عَلَى ذَوِي النُّهَى.
نُورُ الْعَيْنِ.
وَهَذَا أولى مِمَّا قَالَهُ السَّائِحَانِيُّ: يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا قَالَ سُرِقَ مِنِّي، أَمَّا لَوْ قَالَ سَرَقَهُ الْغَائِبُ مِنِّي فَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ لِتَوَافُقِهِمَا أَنَّ الْيَدَ لِلْغَائِبِ، وَصَارَ مِنْ قَبِيلِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ، وَهِيَ تَنْدَفِعُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَأَفَادَ أَنَّهَا مَبْنِيَّة لِلْفَاعِلِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْفُصُولَيْنِ، فَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَة قَوْلَيْنِ قِيَاسا واستحسانا انْتهى.

قَوْله: (اسْتِحْسَانًا) قدمنَا وَجهه قَرِيبا عَن نور الْعين، وَلَعَلَّ وَجهه أَيْضا دفع إِفْسَاد السراق، لَان الضَّرُورَة فِي السّرقَة أعظم من غَيرهَا لانها تكون خُفْيَة، وَلذَا شرع فِيهَا الْحَد.

قَوْله: (لم يكن الثَّانِي خصما للاول) أَي مَا لم يدع عَلَيْهِ فعلا أَو حَتَّى يحضر الْمَالِك بِمَنْزِلَة

(8/111)


الْمُسْتَعِير، لانه لَا يَدعِي ملك الْعين فَلَا يكون خصما للاول.
اهـ.
عبد الْبر.
وَلَا يحْتَاج فِي دفع هَذِه إِلَى الْبَيِّنَة لاتِّفَاقهمَا على ملك زيد وَأَنه صَاحب الْيَد.

قَوْله: (وَلَا لمُدعِي رهن أَو شِرَاء) لما ذكرنَا من الْعلَّة.

قَوْله: (أما المُشْتَرِي فخصم للْكُلّ) وَكَذَلِكَ الْمَوْهُوب لَهُ: أَي من يَدعِي الشِّرَاء أَو الْهِبَة مَعَ الْقَبْض إِذا برهن يكون خصما للْمُسْتَأْجر، ولمدعي الرَّهْن ولمدعي الشِّرَاء.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: بِيَدِهِ دَار زعم شراءها من فلَان الْغَائِب أَو صَدَقَة مَقْبُوضَة وَهبة مُنْذُ شهر أَو أمس وَبرهن أَولا وَبرهن آخرا أَن ذَلِك الْغَائِب رَهنهَا مُنْذُ شهر وأجرها أَو أعارها وَقَبضهَا يحكم بهَا للْمُسْتَعِير، وَالْمُسْتَأْجر وَالْمُرْتَهن، ثمَّ ذُو الْيَد بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ سلم الْمُدَّعِي وتربص إِلَى انْقِضَاء الْمدَّة أَو فك الرَّهْن، وَإِن شَاءَ نقض البيع، وَإِن كَانَ الْمُدَّعِي برهن أَن الدَّار لَهُ أعارها أَو أجرهَا أَو رَهنهَا من الْغَائِب أَو اشْتَرَاهَا الْغَائِب مِنْهُ وَلم ينْقد الثّمن قبل أَن يَشْتَرِيهَا ذُو الْيَد يقْضِي بهَا للْمُدَّعِي فِي الْوُجُوه كلهَا، أما فِي الاعارة فلعدم اللُّزُوم، وَأما فِي الاجارة فُلَانُهُ عذر فِي الْفَسْخ لانه يُرِيد إِزَالَتهَا عَن ملكه، وَأما فِي الشِّرَاء فلَان لَهُ حق الِاسْتِرْدَاد لِاسْتِيفَاء الثّمن، فَإِذا دفع الْحَاكِم الدَّار إِلَى الْمُدَّعِي: فَإِن كَانَ أجرهَا وَلم يقبض الاجرة أخد مِنْهُ كَفِيلا بِالنَّفسِ إِلَى انْقِضَاء الْمدَّة، وَإِن كَانَ قبض الاجرة أَو كَانَ ادّعى رهنا لَا تدفع للْمُدَّعِي تُوضَع على يَد عدل.
وَفِي الْقنية: فَلَو ادّعى ذُو الْيَد أَن الْمُدَّعِي بَاعَ الْعين للْغَائِب وَبرهن ذكر فِي أَجنَاس الناطفي أَنَّهَا تقبل وتندفع الْخُصُومَة.

قَوْله: (يُمْهل إِلَى الْمجْلس الثَّانِي) أَي مجْلِس القَاضِي، وَظَاهر الاطلاق يعم مَا طَال فَصله وَقصر، وَهَذَا بعد السُّؤَال عَنهُ وَعلمه بِأَنَّهُ دفع صَحِيح كَمَا تقدم قبيل التَّحْكِيم.

قَوْله: (للْمُدَّعِي تَحْلِيف مدعي الايداع على الْبَتَات) يَعْنِي إِذا ادّعى شِرَاء شئ من زيد وَادّعى ذُو الْيَد إيداعه مِنْهُ فَإِنَّهَا تنْدَفع الْخُصُومَة من غير برهَان لاتِّفَاقهمَا على أَن أصل الْملك الْغَائِب، لَكِن لمُدعِي الشِّرَاء تَحْلِيف دي الْيَد على الايداع على الْبَتّ لَا على الْعلم، لانه وَإِن كَانَ فعل الْغَيْر لَكِن تَمَامه بِهِ وَهُوَ الْقبُول.
وَفِي الذَّخِيرَة: لَا يحلف ذُو الْيَد على الايداع لانه مدعي الايداع وَلَا حلف على الْمُدَّعِي، وَلَو حلف أَيْضا لَا تنْدَفع، وَلَكِن لَهُ أَن يحلف الْمُدَّعِي على عدم الْعلم.
اهـ.
فَأفَاد بِذكر عبارَة الذَّخِيرَة أَن مَا نَقله أَولا مَعْنَاهُ أَن حَقه لَو حلف يحلف على الْبَتَات، وَلكنه بحلفه لَا تنْدَفع الدَّعْوَى كَمَا هُوَ ظَاهر، وَلذَا قَالَ فِي الدُّرَر: الظَّاهِر أَن التَّحْلِيف يَقع على التَّوْكِيل لَا على الايداع فَإِن طلب مدعي الايداع يَمِين مدعي التَّوْكِيل بِنَاء على مَا ادّعى من الايداع وَعجز عَن إِقَامَة الْبُرْهَان عَلَيْهِ حلف على الْبَتَات: يَعْنِي على عدم تَوْكِيله إِيَّاه لَا على عدم علمه بتوكيله إِيَّاه.
وَعبارَة الدُّرَر غير صَحِيحَة لانه جعل الْيَمين على مدعي التَّوْكِيل، وَإِنَّمَا هِيَ على الْمُدعى عَلَيْهِ: أَي مدعي الايداع كَمَا هُوَ ظَاهر من قَول الْكَافِي، فَإِن طلب الْمُدَّعِي: أَي مدعي الشِّرَاء يَمِينه: أَي يَمِين مدعي الايداع.
كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة.
وَحَاصِله: أَنه لَو ادّعى الشِّرَاء من الْمَالِك وَأَنه وَكله بِقَبْضِهِ فَأنْكر ذُو الْيَد الْوكَالَة، وَعجز الْمُدَّعِي

(8/112)


عَن إِثْبَاتهَا للْمُدَّعِي أَن يحلف ذَا الْيَد على أَنه لم يُوكله بِقَبض مَا بَاعه إِيَّاه مِمَّا هُوَ تَحت يَد الْمُدعى عَلَيْهِ على الْبَتَات وَلَكِن فِي تَحْلِيفه حِينَئِذٍ على الْبَتَات.
تَأمل.
لانه تَحْلِيف على فعل الْغَيْر فَلِذَا اضْطَرَبَتْ عباراتهم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، وَحَاصِل كَلَام الشَّارِح للْمُدَّعِي: أَي مدعي الشِّرَاء من الْغَائِب وتوكيله إِيَّاه بِالْقَبْضِ إِذا جحد مدعي الايداع تَوْكِيله إِيَّاه وَعجز عَن الْبُرْهَان أَن يحلف مدعي الايداع بِاللَّه مَا وَكله الْغَائِب بِقَبض
مَا بَاعه إِيَّاه على الْبَتَات لَا على الْعلم، لَكِن ينظر هَل هَذَا مُوَافق لعبارة الدُّرَر فَيصح عزوه إِلَيْهَا وَيُمكن حمل كَلَام الدُّرَر على مَا إِذا ادّعى الشِّرَاء وَالتَّوْكِيل بِالْقَبْضِ، فَإِن برهن قبل برهانه وَله أَخذه، فَإِن عجز عَن الْبُرْهَان وَطلب يَمِين مدعي الايداع على مَا ادّعى من الايداع حلف على الْبَتَات.
قَالَ عزمي: وَهُوَ صَرِيح عبارَة التسهيل حَيْثُ قَالَ: وَحلف ذُو الْيَد على الايداع بِطَلَب مدعي البيع إِذا لم يكن لَهُ بَيِّنَة على التَّوْكِيل.
اهـ.
وَعَلِيهِ فَكَانَ على الشَّارِح أَن يذكر هَذَا الْفَرْع فِي مَحَله كَمَا نَقله صَاحب الدُّرَر.
فَتَأمل.
وَحَاصِله: أَنه لَو ادّعى الشِّرَاء من الْمَالِك وَأَنه وَكله بِقَبْضِهِ فَأنْكر ذُو الْيَد الْوكَالَة وَعجز الْمُدَّعِي عَن إِثْبَاتهَا للْمُدَّعِي أَن يحلف ذَا الْيَد على أَنه لم يُوكله بِقَبض مَا بَاعه إِيَّاه مِمَّا هُوَ تَحت يَد الْمُدعى عَلَيْهِ على الْبَتَات.

قَوْله: (وَتَمَامه فِي الْبَزَّازِيَّة) وعبارتها كَمَا فِي الْبَحْر: وَإِن ادّعى ذُو الْيَد الْوَدِيعَة وَلم يبرهن عَلَيْهَا وَأَرَادَ أَن يحلف أَن الْغَائِب أودعهُ عِنْده يحلف الْحَاكِم الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِاللَّه تَعَالَى لقد أودعها إِلَيْهِ على الْبَتَات لَا على الْعلم، لانه وَإِن كَانَ فعل الْغَيْر لكنه تَمَامه بِهِ وَهُوَ الْقبُول، وَإِن طلب الْمُدعى عَلَيْهِ يَمِين الْمُدَّعِي فعلى الْعلم بِاللَّه تَعَالَى مَا يعلم إِيدَاع فلَان عِنْده لانه فعل الْغَيْر وَلَا تعلق لَهُ بِهِ.
اهـ.

قَوْله: (ابْن ملك) ذكر ذَلِك فِي جَوَاب سُؤال ورد على دفع الدَّعْوَى بِأحد الامور الْمُتَقَدّمَة، وَنَصه: فَإِن قيل ذُو الْيَد خصم ظَاهرا وَدفع الْخُصُومَة عَن نَفسه تَابع لثُبُوت الْملك للْغَائِب، وَهَذِه الْبَيِّنَة لم تثبته، فَكيف يثبت التَّابِع بِلَا ثُبُوت الاصل؟ قُلْنَا: هَذِه الْبَيِّنَة تَقْتَضِي أَمريْن: أَحدهمَا: الْملك للْغَائِب، وَهُوَ لَيْسَ يخصم فِيهِ، إِذْ لَا ولَايَة لَهُ فِي إِدْخَال شئ فِي ملك غَيره بِلَا رِضَاهُ.
وَثَانِيهمَا: دفع الْخُصُومَة عَنهُ وَهُوَ خصم فِيهِ فَكَانَت مَقْبُولَة، كمن وكل وَكيلا ينْقل أمته فأقامت بَيِّنَة أَنه أعْتقهَا تقبل فِي قصر يَد الْوَكِيل عَنْهَا، وَلَا تقبل فِي وُقُوع الْعتاق مَا لم يحضر الْغَائِب، وَالله تَعَالَى أعلم.
اهـ.
أَقُول: وَكَذَا إِذا وَكله بِنَقْل امْرَأَته فأقامت الْبَيِّنَة أَنه طَلقهَا ثَلَاثًا تقبل فِي قصر يَد الْوَكِيل عَنْهَا، وَلَا تقبل فِي وُقُوع الطَّلَاق مَا لم يحضر الْغَائِب كَمَا فِي الْكَافِي.
فروع: فِي يَدَيْهِ وَدِيعَة لرجل: جَاءَ رجل وَادّعى أَنه وَكيل الْمُودع بقبضها وَأقَام على ذَلِك بَيِّنَة، وَأقَام الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْوَدِيعَة بَيِّنَة أَن الْمُودع قد أخرج هَذَا من الْوكَالَة قبلت بَينته، وَكَذَا إِذا أَقَامَ بَيِّنَة أَن شُهُود الْوَكِيل عبيد.
كَذَا فِي الْمُحِيط.
ادّعى على آخر دَارا فَقَالَ ذُو الْيَد إِنَّهَا وَدِيعَة من فلَان فِي يَدي وَأقَام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ حَتَّى اندفعت عَنهُ الْخُصُومَة، ثمَّ حضر الْغَائِب وَسلمهَا ذُو الْيَد إِلَيْهِ، وَأعَاد الْمُدَّعِي وَالدَّعْوَى فِي الدَّار، فَأجَاب: أَنَّهَا وَدِيعَة فِي يَدي من فلَان، وَأقَام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ، قَالَ: تنْدَفع الْخُصُومَة عَنهُ أَيْضا كَمَا فِي الِابْتِدَاء.
كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ إِذا ادّعى على ذِي الْيَد فعلا لم تَنْتَهِ أَحْكَامه بِأَن ادّعى الشِّرَاء مِنْهُ بِأَلف وَلم يذكر أَنه نقد الثّمن وَلَا قبض مِنْهُ، فَأَقَامَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَة أَنه لفُلَان الْغَائِب أودعنيه أَو غصبته مِنْهُ لَا تنْدَفع عَنهُ

(8/113)


الْخُصُومَة فِي قَوْلهم، وَإِن ادّعى عَلَيْهِ عقدا انْتَهَت أَحْكَامه بِأَن ادّعى أَنه اشْترى مِنْهُ هَذِه الدَّار أَو هَذَا العَبْد ونقده الثّمن وَقبض مِنْهُ الْمَبِيع، ثمَّ أَقَامَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْبَيِّنَة أَنه لفُلَان الْغَائِب أودعنيه، اخْتلفُوا فِيهِ.
قَالَ بَعضهم: تنْدَفع عَنهُ الْخُصُومَة وَهُوَ الصَّحِيح.
كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان فِي دَعْوَى الدّور والاراضي.
عبد أَقَامَ الْبَيِّنَة أَن فلَانا أعْتقهُ وَأقَام صَاحب الْيَد الْبَيِّنَة أَن فلَانا ذَلِك أودعهُ تقبل، وَتبطل بَيِّنَة العَبْد وَلَا يُحَال بَينه وَبَين العَبْد قِيَاسا ويحال اسْتِحْسَانًا، وَيُؤْخَذ من العَبْد كَفِيل بِنَفسِهِ استيثاقا حَتَّى لَا يهرب، فَإِذا حضر الْغَائِب: فَإِن أعَاد الْبَيِّنَة عتق، وَإِلَّا فَهُوَ عبد.
كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ.
وَكَذَا لَو أَقَامَ ذُو الْيَد الْبَيِّنَة أَن فلَانا آخر أودعهُ إِيَّاه كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
لَو ادّعى العَبْد أَنه حر الاصل فَإِن أَقَامَ ذُو الْيَد الْبَيِّنَة على الْملك وإيداعه تقبل، وَإِن أَقَامَ على إيداعه فَحسب لَا تقبل، بِخِلَاف الدَّار، وَإِن برهن على الْملك والايداع وَبرهن العَبْد على حريَّة الاصل حيل بَينهمَا بكفيل.
كَذَا فِي الْكَافِي.
عبد فِي يَد رجل ادّعى رجل أَنه قتل وليا لَهُ خطأ وَأقَام ذُو الْيَد الْبَيِّنَة أَن العَبْد لفُلَان أودعهُ اندفعت عَنهُ الْخُصُومَة.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
رجل ادّعى على آخر أَنه بَاعه جَارِيَة فَقَالَ لم أبعها مِنْك قطّ، فَأَقَامَ المُشْتَرِي الْبَيِّنَة على الشِّرَاء فَوجدَ بهَا أصبعا زَائِدَة وَأَرَادَ ردهَا وَأقَام البَائِع الْبَيِّنَة أَنه برِئ إِلَيْهِ من كل عيب لم تقبل بَيِّنَة البَائِع.
وَذكر الْخصاف رَحمَه الله تَعَالَى هَذِه الْمَسْأَلَة فِي آخر أدب القَاضِي وَقَالَ على قَول أبي يُوسُف رَحمَه الله
تَعَالَى: تقبل بَينته.
كَذَا فِي شرح الْجَامِع للصدر الشَّهِيد.
ادّعى على آخر محدودا فِي يَده وَقَالَ هَذَا ملكي بَاعه أبي مِنْك حَال مَا بلغت وَقَالَ ذُو الْيَد: بَاعه مني حَال صغرك فَالْقَوْل قَول الْمُدَّعِي.
كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة.
اشْترى دَارا لِابْنِهِ الصَّغِير من نَفسه وَأشْهد على ذَلِك شُهُودًا وَكبر الابْن وَلم يعلم بِمَا صنع الاب ثمَّ إِن الاب بَاعَ تِلْكَ الدَّار من رجل وَسلمهَا إِلَيْهِ ثمَّ إِن الابْن اسْتَأْجر الدَّار من المُشْتَرِي ثُمَّ عَلِمَ بِمَا صَنَعَ الْأَبُ فَادَّعَى الدَّارَ على المُشْتَرِي وَقَالَ إِن أبي كَانَ اشْترى هَذِه الدَّار من نَفسه فِي صغري وَإِنَّهَا ملكي وَأقَام على ذَلِك بَيِّنَة، فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ فِي دفع دَعْوَى الْمُدَّعِي إِنَّك متناقض فِي هَذِه الدَّعْوَى لَان استئجارك الدَّار مني إِقْرَار بِأَن الدَّار لَيست لَك فدعواك بعد ذَلِك الدَّار لنَفسك يكون تناقضا، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة صَارَت وَاقعَة الْفَتْوَى.
مطلب: وَاقعَة الْفَتْوَى وَقد اخْتلفت أجوبة الْمُفْتِينَ فِي هَذَا، وَالصَّحِيح أَن هَذَا لَا يصلح دفعا لدعوى الْمُدَّعِي وَدَعوى الْمُدَّعِي صَحِيحَة وَإِن ثَبت التَّنَاقُض، إِلَّا أَن هَذَا تنَاقض فِيمَا طَرِيقه طَرِيق الخفاء.
كَذَا فِي الذَّخِيرَة.
ادّعى دَارا بِسَبَب الشِّرَاء من فلَان فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِنِّي اشْتريت من فلَان ذَلِك أَيْضا وَأقَام بَيِّنَة وتاريخ الْخَارِج أسبق فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِن دعواك بَاطِلَة لَان فِي التَّارِيخ الَّذِي اشْتريت هَذِه الدَّار من فلَان كَانَت رهنا عِنْد فلَان وَلم يرض بشرائك وَأَجَازَ شرائي، لانه كَانَ بعد مَا فك الرَّهْن وَأقَام الْبَيِّنَة لَا يَصح هَذَا الدّفع.
كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة.
وَلَو كَانَ الْمُدَّعِي ادّعى إِن هَذَا الْعين كَانَ لفُلَان رَهنه

(8/114)


بِكَذَا عِنْدِي وقبضته وَأقَام الْبَيِّنَة وَأقَام الْمُدعى عَلَيْهِ فِي دفع دَعْوَاهُ أَنه اشْتَرَيْته مِنْهُ ونقدته الثّمن كَانَ ذَلِك دفعا لدعوى الرَّهْن.
كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان فِي بَاب الْيَمين.
ادّعى عَلَيْهِ دَارا فِي يَده إِرْثا أَو هبة فبرهن الْمُدعى عَلَيْهِ على أَنه اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَبرهن الْمُدَّعِي على إقالته صَحَّ دفع الدّفع.
كَذَا فِي الْوَجِيز للْكَرْدَرِيّ.
دَار فِي يَد رجل وَادّعى أَن أَبَاهُ مَاتَ وَترك هَذِه الدَّار مِيرَاثا لَهُ وَأقَام بَيِّنَة شهدُوا أَن
أَبَاهُ مَاتَ وَهَذِه الدَّار فِي يَدَيْهِ وَأخذ هَذَا الرجل هَذِه الدَّار من تركته بعد وَفَاته أَو أَخذهَا من أبي هَذَا الْمُدَّعِي فِي حَال حَيَاته وَأقَام ذُو الْيَد الْبَيِّنَة أَن الْوَارِث أَو أَبَاهُ أقرّ أَن الدَّار لَيست لَهُ، فَالْقَاضِي يقْضِي بِدفع الدَّار إِلَى الْوَارِث.
هَكَذَا فِي الْمُحِيط.
رجل ادّعى على آخر ضَيْعَة فَقَالَ: الضَّيْعَة كَانَت لفُلَان مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا لاخته فُلَانَة ثمَّ مَاتَت فُلَانَة وَأَنا وارثها وَأقَام الْبَيِّنَة تسمع، فَلَو قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ فِي الدّفع إِن فُلَانَة مَاتَت قبل فلَان مورثها صَحَّ الدّفع.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
رجل ادّعى على آخر مائَة دِرْهَم فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ دفعت إِلَيْك مِنْهَا خمسين درهما وَأنكر الْمُدَّعِي قبض ذَلِك مِنْهُ فَأَقَامَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْبَيِّنَة أَنه دفع إِلَى الْمُدَّعِي خمسين درهما، فَإِنَّهُ لَا يكون دفعا مَا لم يشْهدُوا أَنه دفع إِلَيْهِ أَو قضى هَذِه الْخمسين الَّتِي يَدعِي.
كَذَا فِي جَوَاهِر الْفِقْه.
ادّعى على غَيره كَذَا كَذَا دِينَارا أَو دَرَاهِم فَادّعى الْمُدعى عَلَيْهِ الايفاء وَجَاء بِشُهُود شهدُوا أَن الْمُدعى عَلَيْهِ دفع هَذَا المَال كَذَا كَذَا درهما من الدَّرَاهِم وَلَكِن لَا يدْرِي بِأَيّ جِهَة دفع، هَل يقبل القَاضِي هَذِه الشَّهَادَة وَهل تنْدَفع بهَا دَعْوَى الْمُدَّعِي؟ عَن بعض مَشَايِخنَا رَحِمهم الله تَعَالَى: أَنه يقبل وتندفع بهَا دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَهُوَ الاشبه والاقرب إِلَى الصَّوَاب.
هَكَذَا فِي الْمُحِيط، الْكل من الْهِنْدِيَّة من الْبَاب السَّادِس فِيمَا تدفع بِهِ دَعْوَى الْمُدَّعِي.
وَفِي نور الْعين: ادّعى إِرْثا لَهُ ولاخيه فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِنَّك أَقرَرت إِن أخي بَاعه مِنْك وَسلم وَهَذَا إِقْرَار بِأَنَّهُ ملك الاخ فَلَا يَصح مِنْك دَعْوَى الارث، قيل لَا ينْدَفع لانه لم يقر أَن أخي بَاعَ جَائِزا لَكِن أقرّ بِالْبيعِ فَقَط، وَمن أقرّ أَن فلَانا بَاعه ثمَّ ادّعى أَنه ملكه يسمع، إِلَّا إِذا أقرّ أَنه بَاعَ بيعا صَحِيحا جَائِزا فَحِينَئِذٍ لَا يسمع دَعْوَاهُ بعده.
وَقيل: لَو بَاعَ وَالدَّار بِيَدِهِ وَقت البيع أَو قَالَ: بَاعَ وَسلم فَهَذَا يَكْفِي لانه مِمَّا يدل على الْملك.
وَفِيه لَو برهن ذُو الْيَد على إِقْرَار الْوَصِيّ بِأَنَّهُ بوصاية قَالُوا: لَا يقبل، لَا أَن يشْهدُوا أَنه وصّى من جِهَة الْمُورث أَو القَاضِي إِذْ الْوِصَايَة لَا تثبت بِإِقْرَارِهِ إِ هـ.
الابراء الْعَام فِي ضمن عقد فَاسد لَا يمْنَع الدَّعْوَى.
أَبرَأَهُ عَن الدَّعَاوَى ثمَّ ادّعى مَالا بِالْوكَالَةِ أَو الْوِصَايَة يقبل.
لَا تسمع دَعْوَاهُ فِي شئ من الاشجار بعد مَا ساقى عَلَيْهَا.
التَّنَاقُض يمْنَع الدَّعْوَى لغيره كَمَا يمنعهُ لنَفسِهِ.
من أقرّ بِعَين لغيره فَكَمَا لَا يملك أَن يَدعِيهِ لنَفسِهِ لَا يملك أَن يَدعِيهِ لغيره بوكالة أَو وصاية لَا ينفذ الْقَضَاء بِالدفع قبل يَمِين الِاسْتِظْهَار.
الدَّعْوَى على بعض الْوَرَثَة صَحِيحَة.
لَا تسمع دَعْوَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِم إِلَّا بِإِذن القَاضِي أَو كَون الْمُدَّعِي نَاظرا.

(8/115)


الْخَصْمُ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ خَمْسَةٌ الْوَارِثُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُوصَى لَهُ وَالْغَرِيمُ لِلْمَيِّتِ أَوْ عَلَى الْمَيِّتِ كَمَا تقدم.
دَعْوَى الْملك لَا تصح على غير ذِي الْيَد.
ادّعى أَنه عَم الْمَيِّت، لَا بُد أَن يُفَسر أَنه لابيه أَو لامه وَأَن يَقُول هُوَ وَارثه وَلَا وَارِث لَهُ غَيره بعد أَن ينْسب الشُّهُود الْمَيِّت وَالْمُدَّعِي لبنوة العمومة حَتَّى يلتقيا إِلَى أَب وَاحِد بعد دَعْوَى المَال.
العَبْد إِذا انْقَادَ للْبيع لَا تسمع دَعْوَاهُ حريَّة الاصل بِدُونِ بَيِّنَة.
الابْن إِذا كَانَ فِي عِيَال الاب يكون معينا لَهُ فِيمَا يصنع.
مَا اكْتَسبهُ الابْن يكون لابيه إِذا اتّحدت صنعتهما وَلم يكن مَال سَابق لَهما وَكَانَ الابْن فِي عِيَال أَبِيه، لَان مدَار الحكم كَونه معينا لابيه.
القَوْل للدافع لانه أعلم بِجِهَة الدّفع.
دفع إِلَى ابْنه مَالا فَأَرَادَ أَخذه صدق فِي أَنه دَفعه قرضا.
يَصح إِثْبَات الشِّرَاء فِي وَجه مدعي دين فِي التَّرِكَة المستغرقة.
التَّنَاقُض لَا يمْنَع دَعْوَى الْحُرِّيَّة سَوَاء كَانَت أَصْلِيَّة أَو عارضة.
لَا تسمع الدَّعْوَى بِالْعينِ أَنَّهَا لَهُ بعد مَا ساومه عَلَيْهَا.
لَا تسمع الدَّعْوَى بعد الابراء الْعَام إِلَّا ضَمَان الدَّرك، وَإِلَّا إِذا ظهر شئ للقاصر بعد إبرائه
وَصِيّه بعد بُلُوغه وَلم يكن يُعلمهُ.
يدْخل فِي قَوْله لَا حق لي قبله كل عين وَدين وكفالة وَجِنَايَة وَإِجَارَة وَحبس.
لَا تسمع دَعْوَى الْكفَالَة بعد الابراء الْعَام.
ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الزَّوْج الظَّاهِر.
السَّبَاهِي لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِمُدَّعِي الْأَرْضِ مِلْكًا أَو وَقفا.
الاستيداع يمْنَع دَعْوَى الْملك.
لَاحَدَّ الْوَرَثَة حق الاستخلاص من التَّرِكَة المستغرقة بأَدَاء قِيمَته إِلَى الْغُرَمَاء إِذا امْتنع الْبَاقُونَ.
لَيْسَ لَهُ الدَّعْوَى على وَكيله بِقَبض الرسومات بِمَا أَخذه من الرسومات لَهُ بل الدَّعْوَى لَهُم عَلَيْهِ.
إِذا برهن على مديون مديونه لَا يقبل، وَلَيْسَ لَهُ أَخذه مِنْهُ بِدُونِ وكَالَة أَو حِوَالَة.
لَا يجوز الابراء عَن الاعيان، وَيجوز عَن دَعْوَاهَا.
الارث جبري لَا يسْقط بالاسقاط.
هَل يشْتَرط حَضْرَة الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن فِي دَعْوَى الرَّهْن؟ قَولَانِ.
هَل يشْتَرط حَضْرَة الْمُودع فِي إِثْبَات الْوَدِيعَة؟ فِيهِ اخْتِلَاف الْمَشَايِخ.
ادّعى الشِّرَاء ثمَّ ادّعى الارث تقبل، وبعكسه لَا.
كل مَا كَانَ مَبْنِيا على الخفاء يُعْفَى فِيهِ التَّنَاقُض، فالمديون بعد قَضَاء الدّين لَو برهن على إِبْرَاء الدَّائِن، وَالْمُخْتَلِعَةُ بَعْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْخُلْعِ لَوْ بَرْهَنَتْ على طَلَاق الزَّوْج قبل الْخلْع يقبل، وَكَذَلِكَ الْوَرَثَة إِذا قاسموا مَعَ الْمُوصى لَهُ بِالْمَالِ ثمَّ ادعوا رُجُوع الْمُوصي يَصح لانفراد الْمُوصي بِالرُّجُوعِ.

(8/116)


التَّنَاقُض إِذا كَانَ ظَاهرا والتوفيق خفِيا لَا يَكْفِي إِمْكَان التَّوْفِيق، بل لَا بُد من بَيَانه وَإِلَّا يَكْفِي الامكان.
جحد الامين الامانة ثمَّ اعْترف وَادّعى الرَّد لَا يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة.
التَّصْدِيق إِقْرَار إِلَّا فِي الْحُدُود.
إِذا ثَبت اسْتِحْقَاقه فَطَلَبه على من تنَاول الْغلَّة لَا على النَّاظر.
لَا تصح دَعْوَى التَّمْلِيك مَا لم يبين أَنه بعوض أَو بِلَا عوض.
إِذا ادّعى الْمَأْذُون بالانفاق أَو الدّفع يصدق إِن كَانَ المَال أَمَانَة، وَإِن كَانَ دينا فِي ذمَّته فَلَا.
الدَّعْوَى مَتى فصلت مرّة بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيّ لَا تنقض وَلَا تُعَاد مَا لم يكن فِي إِعَادَتهَا فَائِدَة بِأَن أَتَى بهَا مَعَ دفع أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَة فَإِنَّهَا تسمع.
غلط الِاسْم لَا يضر لجَوَاز أَن يكون لَهُ اسمان.
لَا يلْزم الابْن وَفَاء دين أَبِيه من اسْتِحْقَاقه الْمُنْتَقل إِلَيْهِ عَنهُ فِي وَقت أَهلِي.
ادّعى بعد مَا أقرّ بِالْمَالِ: إِن بعضه قرض وَبَعضه رَبًّا يسمع.
مَاتَ لَا عَن وَارِث وَعَلِيهِ دين لزيد أثْبته زيد فِي وَجه وصيي نَصبه القَاضِي لَهُ أَخذه من التَّرِكَة.
لَا يُكَلف الاب إِحْضَار ابْنه الْبَالِغ لاجل دَعْوَى عَلَيْهِ.
لَا تصح الدَّعْوَى على جَمِيع الضاربين بالبندق إِذا أَصَابَت وَاحِدًا بندقة فَقتلته إِذا لم يعلم الضَّارِب.
العَبْد إِذا ادّعى حريَّة الاصل ثمَّ الْعتْق الْعَارِض تسمع، والتناقض لَا يمْنَع الصِّحَّة.
وَفِي حريَّة الاصل لَا تشْتَرط الدَّعْوَى.
وَفِي الاعتاق الْمُبْتَدَأ تشْتَرط الدَّعْوَى عِنْد أبي حنيفَة.
وَعِنْدَهُمَا لَيست بِشَرْط.
وَأَجْمعُوا على أَن دَعْوَى الامة لَيست بِشَرْط لانها شَهَادَة بِحرْمَة الْفرج فَهِيَ حسبَة، الْكل من التَّنْقِيح لسيدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
كفل بِثمن أَو مهر ثمَّ برهن الْكَفِيل على فَسَاد البيع أَو النِّكَاح لَا يقبل، لَان إقدامه على الْتِزَام المَال إِقْرَار مِنْهُ بِصِحَّة سَبَب وجود المَال فَلَا يسمع مِنْهُ بعده دَعْوَى الْفساد، وَلَو برهن على إِيفَاء الاصيل أَو على إبرائه لَا يقبل لانه تَقْرِير للْوُجُوب السَّابِق.
ادّعى دَارا فَأنْكر ذُو الْيَد فَصَالحه على ألف على أَن يسلم الدَّار لذِي الْيَد ثمَّ برهن ذُو الْيَد على صلح قبل هَذَا الصُّلْح صَحَّ الصُّلْح الاول وَبَطل الثَّانِي.
فِي وَقَالَ كل صلح بعد صلح فَالثَّانِي بَاطِل، وَلَو شراه ثمَّ بَطل الاول وَنفذ الثَّانِي.
وَلَو صَالح ثمَّ شرى جَازَ الشِّرَاء وَبَطل: أَي فِي الصُّلْح الَّذِي هُوَ بِمَعْنى أما إِذا كَانَ الصلج عَلَى عِوَضٍ ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى عِوَضٍ آخَرَ فَالثَّانِي هُوَ الْجَائِزُ وَانْفَسَخَ الاول كَالْمَبِيعِ.
يقبل عذر الْوَارِث وَالْوَصِيّ وَالْمُتوَلِّيّ بالتناقض للْجَهْل.
الاقرار الْمُتَأَخر يرفع الانكار الْمُتَقَدّم، والاقرار الْمُتَقَدّم يمْنَع الانكار الْمُتَأَخر.
ادّعى مَالا فَصَالح ثمَّ ظهر أَنه لَا شئ عَلَيْهِ بَطل الصُّلْح.

(8/117)


من دفع شَيْئا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ لَهُ الرُّجُوع بِمَا دفع.
دَعْوَى الدّفع من الْمُدعى عَلَيْهِ لَيْسَ بتعديل للشُّهُود، حَتَّى لَو طعن فِي الشَّاهِد أَو فِي الدَّعْوَى يَصح من نور الْعين، وَمن أَرَادَ اسْتِيفَاء الْمَقْصُود من مسَائِل الدفوع فَليرْجع إِلَيْهِ الْفَصْل الثَّامِن عشر.
وَذكر فِي الْمجلة فِي مَادَّة 881 البيع بِشَرْط مُتَعَارَف بَين النَّاس فِي الْبَلَد صَحِيح، وَالشّرط مُعْتَبر، وَإِن كَانَ فِيهِ نفع لَاحَدَّ الْمُتَعَاقدين أَو لَهما، وَإِن كَانَ لَا يلائم العقد.
وَفِي 291: الاقالة بالتعاطي الْقَائِم مقَام الايجاب وَالْقَبُول صَحِيحَة.
وَفِي 022: بيع الصُّبْرَة كل مد بقرش يَصح فِي جَمِيع الصُّبْرَة.
وَفِي 983: كل شئ تعومل بَيْعه بالاستصناع يَصح فِيهِ على الاطلاق إِذا وصف الْمَصْنُوع وعرفه على الْوَجْه الْمُوَافق الْمَطْلُوب وَيلْزم، وَلَيْسَ لاحدهما الرُّجُوع إِذا كَانَ على الاوصاف الْمَطْلُوبَة، وَإِذا خَالف يكون المُشْتَرِي مُخَيّرا.
وَأما مَا لَا يتعامل استصناعه إِذا بَين فِيهِ الْمدَّة صَار سلما فَتعْتَبر فِيهِ حِينَئِذٍ شَرَائِط السّلم، وَإِذا لم يبين فِيهِ الْمدَّة كَانَ من قبيل الاستصناع أَيْضا.
وَفِي 893: إِذا شَرط فِي بيع الْوَفَاء أَن يكون قدر من مَنَافِع الْمَبِيع للْمُشْتَرِي صَحَّ وَيلْزم الْوَفَاء بِالشّرطِ.
وَفِي 044: الاجارة المضافة صَحِيحَة لَازِمَة قبل حُلُول وَقتهَا، وَقد صدر الامر الشريف السلطاني بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضى ذَلِك كُله، فاحفظه وَالسَّلَام، وَالله تَعَالَى أعلم وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم.