قره عين الأخيار لتكملة رد المحتار علي «الدر المختار شرح تنوير الأبصار»

بَاب دَعْوَى الرجلَيْن
لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ عَقْدَ الْبَابِ لِدَعْوَى الرَّجُلَيْنِ عَلَى ثَالِثٍ، وَإِلَّا فَجَمِيعُ الدَّعَاوَى لَا تَكُونُ إلَّا
بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ، فَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الدَّعْوَى.
وَقلت: وَلَعَلَّ صَاحِبَ الدُّرَرِ إنَّمَا أَخَّرَهَا إلَى هَذَا الْمَقَامِ مُقْتَفِيًا فِي ذَلِكَ أَثَرَ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ، لِتَحَقُّقِ مُنَاسَبَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ بِحَيْثُ تَكُونُ فَاتِحَةً لِمَسَائِلِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْهُ: عزمي.

قَوْله: (تقدم حجَّة خَارج) هُوَ الَّذِي لم يكن ذَا يَد وَالْخَارِج الْمُدَّعِي، لانه خَارج عَن يَده فأسند إِلَى الْمُدَّعِي تجوزا، وَإِنَّمَا قدمت بَيِّنَة الْخَارِج، لِأَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُدَّعِي وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بِالْحَدِيثِ، وَفِيه خلاف الشَّافِعِي وَإِنَّمَا كَانَ الْخَارِج مُدعيًا لصدق تَعْرِيفه عَلَيْهِ.

قَوْله: (فِي ملك مُطلق) أَي ملك المَال، بِخِلَاف ملك النِّكَاح فَإِن ذَا الْيَد مقدم وَلَو بِلَا برهَان مَا لم يسْبق تَارِيخ الْخَارِج كَمَا سَيَأْتِي، وَقيد الْمِلْكُ بِالْمُطْلَقِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُقَيَّدِ بِدَعْوَى النِّتَاجِ، وَعَنْ الْمُقَيَّدِ بِمَا إذَا ادَّعَيَا تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ وَاحِدٍ وَأَحَدُهُمَا قَابِضٌ، وَبِمَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ، فَإِنَّ فِي هَذِه الصُّور تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا سَيَأْتِي دُرَر: أَي وَلم يلْزم انْتِقَاض مُقْتَضى الْقِسْمَة لَان قبُول بَيِّنَة ذِي الْيَد إِنَّمَا هُوَ من حَيْثُ مَا ادّعى من زِيَادَة النِّتَاج وَغَيره، فَهُوَ مُدع من تِلْكَ الْجِهَة، وَالْمرَاد بِالْقَبْضِ التلقي من شخص مَخْصُوص مَعَ قَبضه، فَلَا يرد مَا قيل كَون الْمُدَّعِي فِي يَد الْقَابِض أَمر معاين لَا يَدعِيهِ ذُو الْيَد فضلا من إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ وقبولها بالاجماع.
فَإِن قلت: هَل يجب على الْخَارِج الْيَمين لكَونه إِذْ ذَاك مدعى عَلَيْهِ؟ قلت: لَا، لَان الْيَمين إِنَّمَا يجب عِنْد عجز الْمُدَّعِي عَن الْبَيِّنَة، وَهنا لم يعجز كَمَا فِي الْعِنَايَة.

(8/118)


أَو رد عَلَيْهِ بِأَن مُرَاد السَّائِل هَل يجب على الْخَارِج الْيَمين عِنْد عجز ذِي الْيَد عَن الْبَيِّنَة؟ وَإِلَّا فَلَا تمشية لسؤاله أصلا اهـ.
يُرِيد بِهِ أَن الْجَواب لم يدْفع السُّؤَال بل هُوَ بَاقٍ، وَلم يتصد للجواب عَنهُ.
أَقُول: الظَّاهِر أَن يجب الْيَمين على الْخَارِج عِنْد عجز ذِي الْيَد عَن بَيِّنَة فِيمَا إِذا ادّعى الزِّيَادَة، لانه مُدع بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا، وَلِهَذَا لزم عَلَيْهِ الْبُرْهَان، فَيكون الْمُدَّعِي مدعى عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا فَيلْزم عَلَيْهِ الْيَمين عِنْد الْعَجز عَن الْبُرْهَان، وَبَيِّنَة الْمُدَّعِي لم تعْمل مَا لم تسلم من دفع ذِي الْيَد إِذْ هُوَ معَارض لَهَا، وَدَعوى ذِي الْيَد لم تسْقط بعجزه عَن الْبُرْهَان عَلَيْهَا، بل تتَوَجَّه الْيَمين على من كَانَ فِي مُقَابِله كَمَا هُوَ
شَأْن الدَّعْوَى، فَيحلف على عدم الْعلم بِتِلْكَ الزِّيَادَة، فَإِن حلف يحكم للْمُدَّعِي بِبَيِّنَتِهِ لكَونهَا سَالِمَة عَن الْمعَارض، وَإِن نكل يكون مقرا أَو باذلا فَيمْنَع وَيبقى الْمُدعى فِي يَد ذِي الْيَد نعم لَا يجْبر الْخَارِج على الْجَواب عَن دَعْوَى ذِي الْيَد لَو ترك دَعْوَاهُ لعدم كَونه ذَا يَد، لَا لقُصُور فِي كَون ذِي الْيَد مُدعيًا فِيمَا ادَّعَاهُ كَمَا توهمه صَاحب التكملة، هَذَا هُوَ التَّحْقِيق تدبر.
عبد الْحَلِيم
قَوْله: (أَي لم يذكر لَهُ سَبَب) أَي معِين، أَو مُقَيّد بتاريخ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا لَو ذكر لَهُ سَبَب يتَكَرَّر، فَإِن ذكر لَهُ سَبَب لَا يتَكَرَّر قدم بِبَيِّنَة ذِي الْيَد كَمَا يَأْتِي أَيْضا، وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا فِي منية الْمُفْتِي: أَقَامَا بَيِّنَة على عبد فِي يَد رجل أَحدهمَا بِغَصب وَالْآخر بوديعة فَهُوَ بَينهمَا: أَي لَان الْمُودع بالجحود يصير غَاصبا.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ لَوْ ادَّعَيَا إرْثًا مِنْ وَاحِدٍ فَذُو الْيَدِ أَوْلَى كَمَا فِي الشِّرَاءِ، هَذَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ تَلَقِّيَ الْملك من جِهَة وَاحِدَة، فَلَو ادّعَيَا مِنْ جِهَةِ اثْنَيْنِ يُحْكَمُ لِلْخَارِجِ، إلَّا إذَا سبق تَارِيخُ ذِي الْيَدِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَيَاهُ من وَاحِد فَإِنَّهُ هُنَا يقْضِي لذِي الْيَد، إِلَّا إِذا سبق تَارِيخ الْخَارِجُ.
وَالْفَرْقُ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقَ فَهُوَ أَوْلَى: كَمَا لَوْ حَضَرَ الْبَائِعَانٍ وَبَرْهَنَا وَأَرَّخَا وَأَحَدُهُمَا أَسْبَقُ تَارِيخًا وَالْمَبِيعُ فِي يَد أَحدهمَا يحكم للاسبق اهـ من الثَّامِن، وَتَمَامه فِيهِ.
وَفِي الاشباه قبيل الْوكَالَة: إذَا بَرْهَنَ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ عَلَى نَسَبِ صَغِيرٍ قُدِّمَ ذُو الْيَدِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فِي الْخِزَانَةِ.
الْأُولَى: لَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ عَلَى أَنه ابْنه من امْرَأَته هَذِه وَهُمَا حُرَّانِ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهُ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إلَى أُمِّهِ فَهُوَ لِلْخَارِجِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ ذُو الْيَدِ ذِمِّيًّا وَالْخَارِجُ مُسْلِمًا فَبَرْهَنَ الذِّمِّيُّ بِشُهُودٍ مِنْ الْكُفَّارِ وَبَرْهَنَ الْخَارِجُ قُدِّمَ الْخَارِجُ سَوَاءٌ بَرْهَنَ بِمُسْلِمِينَ أَوْ بِكُفَّارٍ، وَلَوْ بَرْهَنَ الْكَافِرُ بِمُسْلِمِينَ قُدِّمَ عَلَى الْمُسلم مُطلقًا اهـ.

قَوْله: (وَإِن وَقت أَحدهمَا فَقَط) ، إِن وصلية ومقتضاها الْعُمُوم: أَي إِن لم يوقتا أَو وقتا مُتَسَاوِيا أَو مُخْتَلفا أَو وَقت أَحدهمَا وَعَلِيهِ مُؤَاخذَة، وَهُوَ أَنه إِذا وقتا وَاخْتلف تاريخهما فَالْعِبْرَة للسابق مِنْهُمَا على مَا تقدم، لَان للتاريخ عِبْرَة فِي دَعْوَى الْملك الْمُطلق إِذا كَانَ من الطَّرفَيْنِ عِنْد أبي حنيفَة، ووافقاه فِي رِوَايَة، وخالفاه فِي أُخْرَى، فَكَانَ عَلَيْهِ أَن يَقُول إِن لم يوقتا أَو وقتا وَأَحَدهمَا مسَاوٍ للْآخر أَو وَقت أَحدهمَا
فَقَط.
قَالَ فِي الْغُرَرِ: حُجَّةُ الْخَارِجِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَوْلَى، إِلَّا إِذا أرخا وَذُو الْيَد أسبق
قَوْله: (وَقَالَ أَبُو يُوسُف: ذُو الْوَقْت أَحَق) أَي فِيمَا لَو وَقت أَحدهمَا فَقَط، لَان التَّارِيخ من أحد الطَّرفَيْنِ مُعْتَبر عِنْده.
وَالْحَاصِل: أَن الْخَارِجِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَوْلَى، إلَّا إذَا أرخا وَذُو الْيَد أسبق.

قَوْله: (وثمرته) أَي ثَمَرَة الْخلاف الْمَعْلُوم من الْمقَام.

قَوْله: (هَذَا العَبْد لي) تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ مَتْنًا قُبَيْلَ السَّلَمِ.

قَوْلُهُ: (تَارِيخُ

(8/119)


غيبَة) أَي غيبَة العَبْد عَن يَده، لِأَنَّ قَوْلَهُ: (مُنْذُ شَهْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِغَابَ فَهُوَ قيد للغيبة.

قَوْله: (مُنْذُ سَنَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ.

قَوْلُهُ: (لِي) أَيْ مِلْكٌ لِي مُنْذُ سَنَةٍ فَهُوَ قيد للْملك وتاريخ، وَالْمُعْتَبَرُ تَارِيخُ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الطَّرَفَيْنِ.

قَوْله: (فَلم يُوجد التَّارِيخ) أَي تَارِيخ الْملك.

قَوْله: (من الطَّرفَيْنِ) بل وجد من طرف ذِي الْيَد والتاريخ حَالَة الِانْفِرَاد لَا يعْتَبر عِنْد الامام، فَكَانَ دَعْوَى صَاحب الْيَد مُطلق الْملك كدعوى الْخَارِج فَيَقْضِي بِبَيِّنَة الْخَارِج.

قَوْله: (وَقَالَ أَبُو يُوسُف) أَي فِيمَا لَو وَقت أَحدهمَا فَقَط
قَوْله: (وَلَو حَالَة الِانْفِرَاد) أَي قَالَ أَبُو يُوسُف: يقْضى للمؤرخ سَوَاء أرخا مَعًا وَكَذَا لَو أرخا حَالَة الِانْفِرَاد، لَان التَّارِيخ حَالَة الِانْفِرَاد مُعْتَبر عِنْده، وَالْحكم فِيمَا لَو أرخا مَعًا أولى بالحكم حَالَة الِانْفِرَاد، لانه مُتَّفق عَلَيْهِ، وَالثَّانِي مذْهبه فَقَط كَمَا هِيَ الْقَاعِدَة فِي لَو الوصلية: أَي الحكم فِي الْمُقدر قبلهَا أولى بالحكم مِمَّا بعْدهَا، وَالْمرَاد بِمَا إِذا أرخا مَعًا سبق تَارِيخ أَحدهمَا أما لَو اسْتَوَى تاريخهما فَهُوَ كَمَا لَو لم يؤرخا لتساقطهما، وَالْفُقَهَاء يطلقون الْعبارَة عِنْد ظُهُور الْمَعْنى، وَحِينَئِذٍ فَقَوْل بعض المحشين: الاولى إِسْقَاط لَو لَان الْكَلَام فِي حَالَة الِانْفِرَاد، وَكَلَامه ينْحل أَنه يقْضى للمؤرخ حَال صُدُور التَّارِيخ مِنْهُمَا.
وَفِي حَالَة الِانْفِرَاد وَلَا معنى للْقَضَاء للمؤرخ فِيمَا إِذا أرخا لتحققه مِنْهُمَا بل الْقَضَاء للسابق اهـ غير لَازم، لَان إِعْمَال الْكَلَام أولى من إهماله.

قَوْله: (كَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ) حَيْثُ قَالَ اسْتحق حمارا فَطُلِبَ ثَمَنُهُ مِنْ بَائِعِهِ فَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ كَمْ مُدَّةً غَابَ عَنْك هَذَا الْحِمَارُ؟ فَقَالَ: مُنْذُ سَنَةٍ، فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّهُ مَلَكَهُ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ قُضِيَ بِهِ لِلْمُسْتَحِقِّ لِأَنَّهُ أَرَّخَ غَيْبَتَهُ لَا الْمِلْكَ وَالْبَائِعُ أَرَّخَ الْمِلْكَ وَدَعْوَاهُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي لِتَلَقِّيهِ مِنْ جِهَتِهِ، فَصَارَ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ ادَّعَى مِلْكَ بَائِعِهِ بِتَارِيخِ عَشْرِ سِنِينَ، غَيْرَ أَنَّ التَّارِيخَ لَا يُعْتَبَرُ حَالَةَ الِانْفِرَاد عِنْد أبي حنيفَة، فَبَقيَ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَحُكِمَ لِلْمُسْتَحِقِّ.
أَقُولُ: يُقْضَى بهَا للمؤرخ عِنْد أبي يُوسُف، لانه يرجع المؤرخ حَالَة الِانْفِرَاد اهـ مُلَخصا.

قَوْله: (وَأقرهُ المُصَنّف) وناقشه الْخَيْر الرَّمْلِيّ بِأَن صَاحب الْفُصُولَيْنِ ذكره فِي الْفَصْل الثَّامِن عشر، وَقدم فِي الثَّامِن الصَّحِيح الْمَشْهُور عَن الامام أَنه لَا عِبْرَة للتاريخ فِي الْملك الْمُطلق حَالَة الِانْفِرَاد، وَحَاصِله أَن صَاحب الْفُصُولَيْنِ فِي الثَّامِن فِي دَعْوَى الخارجين نقل أَن الصَّحِيح الْمَشْهُور عَن الامام عدم اعْتِبَاره حَالَة الِانْفِرَاد وَفِي الثَّامِن عشر فِي الِاسْتِحْقَاق قَالَ: يَنْبَغِي أَن يُفْتى بقول أبي يُوسُف من اعْتِبَاره لانه أوفق وَأظْهر، وَمَا ذكره الْفَقِيه فِي بَابه أولى بِالِاعْتِبَارِ، وَهُوَ مَا ذكره فِي الثَّامِن، وَلَا سِيمَا أَنه نَقله جَازِمًا بِهِ وَأقرهُ، وَالثَّانِي فِي غير بَابه وَعبر عَنهُ بينبغي مَعَ مَا قَالُوا أَنه يُفْتى بقول الامام قطعا، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ مَعَه غَيره كَمَا هُنَا فَإِنَّهُ وَافقه مُحَمَّد.
تَأمل.

قَوْله: (وَلَو برهن خارجان على شئ) يَعْنِي: إذَا ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَزَعَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا مِلْكُهُ وَلَمْ يَذْكُرَا سَبَبَ الْمِلْكِ وَلَا تَارِيخَهُ قُضِيَ بِالْعَيْنِ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا ادَّعَيَا الْوَقْفَ فِي يَدٍ ثَالِثٍ فَيُقْضَى بالعقار نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَقْفٍ النِّصْفُ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ دَعْوَى الْملك الْمُطلق بِاعْتِبَار ملك الْوَاقِف، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْقنية: دَار فِي يَد رجل أَقَامَ عَلَيْهِ رجل بَيِّنَة أَنَّهَا وقفت عَلَيْهِ وَأقَام قيم الْمَسْجِد بَيِّنَة أَنَّهَا وقف الْمَسْجِد:

(8/120)


فَإِن أرخا فَهِيَ للسابق مِنْهُمَا، وَإِن لم يؤرخا فَهِيَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ اهـ وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين أَن يَدعِي ذُو الْيَد الْملك فِيهَا أَو الْوَاقِف على جِهَة أُخْرَى.
مطلب: دَعْوَى الْوَقْف من قبيل دَعْوَى الْملك الْمُطلق وَالْحَاصِل: أَن دَعْوَى الْوَقْف من قبيل دَعْوَى الْملك الْمُطلق، وَلِهَذَا لَو ادّعى وقفية مَا فِي يَد آخر وَبرهن فَدفعهُ ذُو الْيَد بِأَنَّهُ مُودع فلَان وَنَحْوه وَبرهن فَإِنَّهَا تنْدَفع خُصُومَة الْمُدَّعِي كَمَا فِي الاسعاف، فدعوى الْوَقْف دَاخل فِي الْمَسْأَلَة المخمسة، وكما تقسم الدَّار بَين الوقفين كَذَلِك لَو برهن كل على أَن الْوَاقِف جعل لَهُ الْغلَّة وَلَا مُرَجّح، فَإِنَّهَا تكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ، لما فِي الاسعاف من بَاب إِقْرَار الصَّحِيح بِأَرْض فِي يَده أَنَّهَا وقف: لَو شهد اثْنَان على إِقْرَار رجل بِأَن أرضه وقف على زيد ونسله، وَشهد آخرَانِ على إِقْرَاره بِأَنَّهَا وقف على عَمْرو ونسله تكون وَقفا على الاسبق وقتا إِن علم، وَإِن لم يعلم أَو
ذكرُوا وقتا وَاحِدًا تكون الْغلَّة بَين الْفَرِيقَيْنِ أنصافا، وَمن مَاتَ من ولد زيد فَنصِيبه لمن بَقِي مِنْهُم، وَكَذَلِكَ حكم أَوْلَاد عَمْرو.
وَإِذا انقرض أحد الْفَرِيقَيْنِ رجعت إِلَى الْفَرِيق الْبَاقِي لزوَال المزاحم اهـ.
وَقُيِّدَ بِالْبُرْهَانِ مِنْهُمَا، إذْ لَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِالْكُلِّ، فَلَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ الْآخَرُ يُقْضَى لَهُ بِالْكُلِّ، لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ صَار ذَا يَد بِالْقضَاءِ لَهُ، وَإِن لم تكن الْعين فِي يَده حَقِيقَة فَتقدم بَيِّنَة الْخَارِج الآخر عَلَيْهِ، وَلَو لم يبرهنا حلف صَاحب الْيَد، فَإِن حلف لَهما تتْرك فِي يَده قَضَاء ترك لَا قَضَاء اسْتِحْقَاق، حَتَّى لَو أَقَامَا الْبَيِّنَة بعد ذَلِك يقْضى بهَا، وَإِن نكل لَهما جَمِيعًا يقْضى بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، ثمَّ بعده إِذا أَقَامَ صَاحب الْيَد الْبَيِّنَة أَنه ملكه لَا تقبل، وَكَذَا إِذا ادّعى أحد الْمُسْتَحقّين على صَاحبه وَأقَام بَيِّنَة أَنَّهَا ملكه لَا تقبل لكَونه صَار مقضيا عَلَيْهِ.
بَحر لَكِن قدمنَا عَن الاشباه أَنَّهَا تسمع الدَّعْوَى بعد الْقَضَاء بِالنّكُولِ كَمَا فِي الْخَانِية، ونقلنا عَن محشيها الْحَمَوِيّ مَا يُخَالف مَا ذكر من أَن الْمُدعى عَلَيْهِ لَو نكل عَن الْيَمين للْمُدَّعِي وَقضي عَلَيْهِ بِالنّكُولِ ثمَّ إِن الْمقْضِي عَلَيْهِ أَقَامَ الْبَيِّنَة أَنه كَانَ اشْترى هَذَا الْمُدَّعِي من الْمُدعى قبل دَعْوَاهُ لَا تقبل هَذِه الْبَيِّنَة، إِلَّا أَن يشْهد أَنه كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بعد الْقَضَاء، وَقدمنَا أَنه كَمَا يَصح الدّفع قبل الْبُرْهَان يَصح بعد إِقَامَته أَيْضا، وَكَذَا يَصح قبل الحكم كَمَا يَصح بعده، وَدفع الدّفع وَدفعه وَإِن كثر صَحِيح فِي الْمُخْتَار، وَلَعَلَّ مَا مشي عَلَيْهِ صَاحب الْبَحْر هُنَا مَبْنِيّ على القَوْل الآخر الْمُقَابل لِلْقَوْلِ الْمُخْتَار.
تَأمل.

قَوْله: (قضى بِهِ لَهما) لما رُوِيَ عَن أبي مُوسَى أَن رجلَيْنِ ادّعَيَا بَعِيرًا على عهد رَسُول الله (ص) ، فَبعث كل وَاحِد مِنْهُمَا بِشَاهِدين، فَقَسمهُ رَسُول الله (ص) بَينهمَا نِصْفَيْنِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، ولان الْبَينَات من حجج الشَّرْع فَيجب الْعَمَل بهَا مَا أمكن، وَقد أمكن هُنَا، لَان الايدي قد تتوالى فِي عين وَاحِدَة فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة، فيعتمد كل فريق مَا شَاهد من السَّبَب الْمُطلق للشَّهَادَة وَهُوَ الْيَد فَيحكم بالتنصيف بَينهمَا.
وَتَمَامه فِي الزَّيْلَعِيّ.

قَوْله: (فَإِن برهنا فِي دَعْوَى نِكَاح) أَي مَعًا لانه لَو برهن مدعي نِكَاحهَا وَقضي لَهُ بِهِ ثمَّ برهن الآخر على نِكَاحهَا لَا يقبل، كَمَا فِي الشِّرَاء إِذا ادَّعَاهُ من فلَان وَبرهن عَلَيْهِ وَحكم لَهُ بِهِ ثمَّ ادّعى آخر شِرَاءَهُ من فلَان أَيْضا لَا تقبل، وَيجْعَل الشِّرَاء الْمَحْكُوم بِهِ سَابِقًا، وَلَا وَجه للتفريع، فالاولى الاتيان بإلا الاستثنائية.

قَوْله: (سقطا) الضَّمِير للخارجين، فَلَو أَحدهمَا خَارِجا وَالْآخر ذَا يَد فالخارج أَحَق قِيَاسا
على الْملك، وَقيل ذُو الْيَد أولى على كل حَال، وَيَأْتِي تَمَامه قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْله: (لتعذر الْجمع) أَي اجْتِمَاع الزَّوْجَيْنِ على زَوْجَة وَاحِدَة فَإِنَّهُ مُتَعَذر شرعا، لَان النِّكَاح لَا يقبل الِاشْتِرَاك فتتهاتر الْبَيِّنَتَانِ

(8/121)


وَيفرق القَاضِي بَينهمَا حَيْثُ لَا مُرَجّح، وَإِن كَانَ ذَلِك قبل الدُّخُول فَلَا شئ على كل وَاحِد مِنْهُمَا كَمَا فِي الْبَحْر.

قَوْله: (لَو حَيَّة) أَي هَذَا الحكم كَمَا ذكر لَو حَيَّة، وَلَو ميتَة قضى بِهِ: أَي بِالنِّكَاحِ بَينهمَا سَوَاء أرخا واستوى تاريخهما أَو أرخ أَحدهمَا فَقَط أَو لم يؤرخا، وَفَائِدَة الْقَضَاء تظهر فِيمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ، وَلَا يلْزم جمع على وطئ، لانه حِينَئِذٍ دَعْوَى مَال وَهُوَ الْمِيرَاث، أَو دَعْوَى نسب، وَيُمكن ثُبُوته مِنْهُمَا كَمَا هُوَ الْمَعْرُوف فِي الْمَذْهَب، وَسَيَأْتِي فِي بَاب دَعْوَى النّسَب أَنَّهُمَا لَو ادّعَيَا نسب مَجْهُول كَانَ ابنهما بتصديقه، وَهنا ثُبُوت الْفراش يقوم مقَام التَّصْدِيق.

قَوْله: (وعَلى كل نصف الْمهْر) وَلَو مَاتَ قبل الدُّخُول، لَان الْمَوْت متمم للمهر.
فَإِن قلت: كل مِنْهُمَا مدعي الزَّوْجِيَّة معترف بِأَن عَلَيْهِ الْمهْر كَامِلا فَيَنْبَغِي أَن يلْزمه ذَلِك الْمُسَمّى إِن أثبت تَسْمِيَته، وَإِلَّا فمهر الْمثل.
فَالْجَوَاب أَنه لما قضى بِدَعْوَى رَفِيقه فِي النّصْف صَار مُكَذبا شرعا بِالنِّسْبَةِ إِلَى نصف الْمهْر فَوَجَبَ عَلَيْهِ النّصْف فَقَط.

قَوْله: (ويرثان مِيرَاث زوج وَاحِد) لانه دَاخل تَحت أول الْمَسْأَلَة، فَإِن كلا مِنْهُمَا يَدعِي الْمِيرَاث كَامِلا فينصف بَينهمَا.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَلَدَتْ) أَيْ الْمَيِّتَةُ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَظَاهر الْعبارَة أَنَّهَا ولدت بعده، وَلَكِن لينْظر هَل يُقَال لَهُ ولادَة؟ استظهر بعض الْفُضَلَاء عدم اتصاف الْميتَة بِالْولادَةِ الْحَقِيقِيَّة، وَأَن المُرَاد بِالْولادَةِ انْفِصَال الْوَلَد مِنْهَا بِنَفسِهِ أَو غَيره من الاحياء.

قَوْله: (يثبت النّسَب مِنْهُمَا) أَي لَو ادّعَيَا بعد الْمَوْت أَنَّهَا كَانَت زَوْجَة لَهما قبل الْولادَة أَو ولدت بعد الْمَوْت وَقد ادّعى كل مِنْهُمَا أَنَّهَا زَوجته.

قَوْله: (وَتَمَامه فِي الْخُلَاصَة) وَهُوَ أَنَّهُمَا يرثان مِنْهُ مِيرَاث أَب وَاحِد وَيَرِثُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ.
منح وَمَا لَو كَانَ البرهانان بِلَا تَارِيخ أَو بتاريخ مستو أَو من أَحدهمَا كَمَا فِي الْخُلَاصَة.
وَفِي الْمنية: وَلَا يعْتَبر فِيهِ الاقرار وَالْيَد، فَإِن سبق تَارِيخ أَحدهمَا يقْضى لَهُ، وَلَو ادّعَيَا نِكَاحهَا وبرهنا وَلَا مُرَجّح ثمَّ مَاتَا فلهَا نصف الْمهْر وَنصف الْمِيرَاث من كل مِنْهُمَا، وَلَو مَاتَت قبل الدُّخُول فعلى
كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف الْمُسَمّى، وَلَو مَاتَ أَحدهمَا فَقَالَت هُوَ الاول لَهَا الْمهْر وَالْمِيرَاث.
مقدسي عَن الظَّهِيرِيَّة.

قَوْله: (وَهِي لمن صدقته) أَي إِن لم يسْبق تَارِيخ الآخر، لَان النِّكَاح مِمَّا يحكم بِهِ بتصادق الزَّوْجَيْنِ فَيرجع إِلَى تصديقها، إِلَّا إِذا كَانَت فِي بَيت أَحدهمَا أَو دخل بهَا أَحدهمَا فَيكون هُوَ أَوْلَى، وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهَا لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ نَقْلِهَا أَوْ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِ عَقْدِهِ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنه تزَوجهَا قبله فَيكون هُوَ أولى، لَان الصَّرِيح يفوق الدّلَالَة.
زَيْلَعِيّ.
وَفِي الْبَحْر عَن الظَّهِيرِيَّة: لَوْ دَخَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا وَهِيَ فِي بَيْتِ الآخر فَصَاحب الْبَيْت أولى، وَأطلق فِي التَّصْدِيق فَشَمَلَ مَا إذَا سَمِعَهُ الْقَاضِي أَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ مدعيه بعد إنكارها لَهُ.
قَالَ فِي التَّبْيِين: حَاصله أَنَّهُمَا إِذا تنَازعا فِي امْرَأَة وَأَقَامَا الْبَيِّنَة.
فَإِن أرخا وَكَانَ تَارِيخ أَحدهمَا أقدم كَانَ أولى، وَإِن لم يؤرخا أَو اسْتَوَى تاريخهما، فَإِن كَانَ مَعَ أَحَدُهُمَا قَبَضَ كَالدُّخُولِ بِهَا أَوْ نَقْلِهَا إلَى منزله كَانَ أولى، وَإِن لم يُوجد شئ من ذَلِك يرجع إِلَى تَصْدِيق الْمَرْأَة.

(8/122)


وَفِي الْبَحْر: وَالْحَاصِل أَنَّ سَبْقَ التَّارِيخِ أَرْجَحُ مِنْ الْكُلِّ، ثُمَّ الْيَد، ثمَّ الدُّخُول، ثمَّ الاقرار، ثمَّ ذُو التَّارِيخ اهـ.
ثمَّ اعْلَم أَن بَعضهم عبر بإقرارها وَبَعْضهمْ بتصديقها، فَالظَّاهِر أَنَّهُمَا سَوَاء هُنَا، وَلَكِن فرقوا بَينهمَا فَقَالَ الزَّيْلَعِيّ فِي بَاب اللّعان: فَإِن أَبَت حبست حَتَّى تلاعن أَو تصدقه.
وَفِي بعض نسخ الْقَدُورِيّ: أَو تصدقه فتحد، وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً، وَهُوَ لَا يجب بالتصديق أَربع مَرَّات، لَان التَّصْدِيق لَيْسَ بِإِقْرَار قصدا لكنه إِقْرَار ضمنا، فَلَا يعْتَبر فِي حق وجوب الْحَد، وَيعْتَبر فِي درئه فيندفع بِهِ اللّعان وَلَا يجب بِهِ الْحَد اهـ.
وَتقدم فِي حد الْقَذْف أَنه لَو قَالَ لرجل يَا زاني فَقَالَ لَهُ غَيره صدقت حد الْمُبْتَدِئ دون الْمُصدق، وَلَو قَالَ صدقت هُوَ كَمَا قلت فَهُوَ قَاذف أَيْضا اهـ.
وَإِنَّمَا وَجب فِي الثَّانِيَة للْعُمُوم فِي كَاف التَّشْبِيه لَا للتصديق، فَعلم بِهَذَا أَن الْحَد لَا يجب بالتصديق.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: قَالَ لي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ صدقت يلْزمه إِذا لم يقل على وَجه الِاسْتِهْزَاء وَيعرف ذَلِك بالنغمة اهـ فَهُوَ صَرِيح فِيمَا ذكرنَا.
وَأَقُول: لَو اخْتلفَا فِي كَونه صدر على وَجه الِاسْتِهْزَاء أم لَا فَالْقَوْل لمنكر الِاسْتِهْزَاء بِيَمِينِهِ،
وَالظَّاهِر أَنه على نفي الْعلم لَا على فعل الْغَيْر.
تَأمل.
وَفِي شرح أدب الْقَضَاء: وَإِن شَهدا عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْدَمَا شَهدا عَلَيْهِ: الَّذِي شهد بِهِ فلَان عَليّ هُوَ الْحق ألزمهُ القَاضِي وَلم يسْأَل عَن الآخر لَان هَذَا إِقْرَار مِنْهُ، وَإِن قَالَ قبل أَن يشهدَا عَلَيْهِ: الَّذِي يشْهد بِهِ فلَان عَليّ حق أَو هُوَ الْحق فَلَمَّا شَهدا قَالَ للْقَاضِي سل عَنْهُمَا فَإِنَّهُمَا شَهدا عَليّ بباطل وَمَا كنت أظنهما يَشْهَدَانِ لم يلْزمه وَسَأَلَ عَنْهُمَا لانه إِقْرَار مُعَلّق بالخطر فَلَا يَصح اهـ.

قَوْله: (إذَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ مَنْ كَذَّبَتْهُ) فَلَو وجد أَحدهمَا لَا يعْتَبر قَوْلهَا كَمَا علمت.

قَوْله: (وَلم يكن دخل من كَذبته بهَا) لَان الدُّخُول صَار ذَا يَد، وَذَلِكَ دَلِيل سبق عقده ظنا بِالْمُسلمِ خيرا وحملا لامره على الصّلاح، ولاهل الذِّمَّة مَا لنا فِي الْمُعَامَلَات.

قَوْله: (هَذَا إِذا لم يؤرخا) مثل عدم التأريخ مِنْهُمَا إِذا أرخا تأريخا مستويا أَو أرخ أَحدهمَا.
بَحر
قَوْله: (فَالسَّابِق أَحَق بهَا) أَيْ وَإِنْ صَدَّقَتْ الْآخَرَ أَوْ كَانَ ذَا يَد أَو دخل بهَا لانه لَا يعْتَبر مَعَ السَّبق وضع يَد وَلَا دُخُول لكَونه صَرِيحًا وَهُوَ يفوق الدّلَالَة كَمَا علمت.

قَوْله: (فَهِيَ لمن صدقته) إِن لم يكن لاحدهما يَد: أَي أَو دُخُول.

قَوْله: (أَو لذِي الْيَد) أَي إِن كَانَت يَد، وَلَا يعْتَبر تَصْدِيق مَعَه: أَي إِن أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلِلْآخَرِ يَدٌ فَإِنَّهَا لِذِي الْيَدِ.

قَوْلُهُ: (وَعَلَى مَا مَرَّ عَنْ الثَّانِي) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يُقْضَى لِلْمُؤَرِّخِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ عَلَى ذِي الْيَدِ فَيُقْضَى هُنَا لِلْمُؤَرِّخِ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ ذَا يَدٍ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْمُؤَرِّخِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ فَهُوَ أولى، وَسَيَأْتِي متْنا.

قَوْله: (وَلم أر من نبه على هَذَا) ذكره فِي الْبَحْر بحثا حَيْثُ قَالَ: فَالْحَاصِل كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة إِنَّه لَا يتَرَجَّح أَحدهمَا إِلَّا بسبق التَّارِيخ أَو بِالْيَدِ أَو بإقرارها بِدُخُول أَحدهمَا اهـ.
وَكَانَ يَبْتَغِي أَن يزِيد أَو بتاريخ من أَحدهمَا فَقَط كَمَا عَلمته اهـ.
وَلَعَلَّ وَجه عدم التَّنْبِيه أَنَّهُمَا إِذا أرخ أَحدهمَا وَللْآخر يَد فاليد دَلِيل على العقد والتأريخ لَيْسَ بِدَلِيل عَلَيْهِ.

قَوْله: (فَتَأمل) أَي هَل يجْرِي قَوْله هُنَا وَيعْتَبر التأريخ من

(8/123)


جَانب وَاحِد أَو لَا يعْتَبر احْتِيَاطًا فِي أَمر الْفروج، وَالَّذِي يظْهر الثَّانِي فَرَاجعه.

قَوْله: (وَإِن أقرَّت) أَي الْمَرْأَة لمن لَا حجَّة لَهُ فَهِيَ لَهُ لما عرفت من أَن النِّكَاح يثبت بتصادق الزَّوْجَيْنِ.

قَوْله: (وَإِن برهن الآخر) أَي بعد الحكم للاول بِمُوجب الاقرار، والاولى أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ لَمْ تَقُمْ حُجَّةٌ فَهِيَ لِمَنْ أَقَرَّتْ لَهُ، ثُمَّ إنْ
بَرْهَنَ الْآخَرُ قضي لَهُ.

قَوْله: (قضى لَهُ) لانه أقوى من التصادق، لَان الثَّابِت بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بالمعاينة وَيثبت فِي حق الْكل، بِخِلَاف الاقرار فَإِنَّهُ حجَّة قَاصِرَة يثبت فِي حق الْمقر فَقَط، فإقرارها إِنَّمَا نفذ عَلَيْهَا لَا على من أَقَامَ الْبُرْهَان على أَنَّهَا زَوجته، وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي حق الْكل لَان الْقَضَاء لَا يكون على الكافة إِلَّا فِي الْقَضَاء بِالْحُرِّيَّةِ وَالنّسب وَالْوَلَاء وَالنِّكَاح، وَلَكِن فِي النِّكَاح شَرط هُوَ أَن لَا يؤرخا، فَإِن أرخ الْمَحْكُوم لَهُ ثمَّ ادَّعَاهَا آخر بتاريخ أسبق فَإِنَّهُ يقْضِي لَهُ وَيبْطل الْقَضَاء الاول، ويشترك ذَلِك أَيْضا فِي الْحُرِّيَّة الاصلية كَمَا فِي الْبَحْر.
وَقَوله: (وَلَكِن فِي النِّكَاح الخ) أَي الْقَضَاء فِي النِّكَاح إِنَّمَا يكون على الكافة إِذا لم يؤرخا، وَيحمل على مَا إِذا ترجحت بَينته بمرجح آخر غير التَّارِيخ كَالْقَبْضِ والتصديق، وَإِلَّا فَلَا يتَصَوَّر الْقَضَاء لَهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي عدم التَّارِيخ.

قَوْله: (لم يقْض لَهُ) لتأكد الاول بِالْقضَاءِ.

قَوْله: (إِلَّا إِذا ثَبت سبقه) أَي سبق الْخَارِج بالتاريخ بِأَن أرخ الاول تَارِيخا مَعَ الْبُرْهَان وأرخ الثَّانِي تَارِيخا سَابِقًا وَأقَام الْبُرْهَان فَإِنَّهُ يقدم.
قَالَ الْمَقْدِسِي: وَنَظِيره الشِّرَاء من زيد لَو حكم بِهِ ثمَّ ادَّعَاهُ آخر من زيد وَبرهن، وَكَذَا النّسَب وَالْحريَّة بِخِلَاف الْملك الْمُطلق.
اهـ: يَعْنِي الحكم فِيهِ لمن برهن بعد الحكم لآخر وَإِن لم يثبت السَّبق.

قَوْله: (لَان الْبُرْهَان مَعَ التَّارِيخ) أَي السَّابِق بِدَلِيل مَا قَالَ فِي الْمَتْن إِلَّا إِذا ثَبت سبقه ولان من الْمَعْلُوم أَنه إِنَّمَا يكون أقوى بِالسَّبقِ.

قَوْله: (أقوى مِنْهُ بِدُونِهِ) أَي بِدُونِ التَّارِيخ السَّابِق.
وَصُورَة الْمَسْأَلَة: ادّعى أَنه تزَوجهَا الْعَام وَأقَام بَيِّنَة على ذَلِك فَقضى لَهُ ثمَّ ادّعى آخر نِكَاحهَا قبل الْعَام تسمع وَيَقْضِي لَهُ لسبقه، لَان السَّبق لَا يتَحَقَّق إِلَّا عِنْد التَّارِيخ مِنْهُمَا، لَكِن لما كَانَ الثَّانِي سَابِقًا فَكَأَن الاول لم يؤرخ أصلا.

قَوْله: (ظهر نِكَاحه) أَي ثَبت نِكَاحه وظهوره إِنَّمَا يكون بِالْبَيِّنَةِ.
وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن ذَا الْيَد لَو برهن بَعْدَمَا قضى للْخَارِج يقبل.
وَقَالَ بَعضهم: إِن لم يقْض لَهُ.

قَوْله: (إِلَّا إِذا ثَبت سبقه) أَي سبق نِكَاحه: أَي سبق الْخَارِج بالتاريخ فَإِنَّهُ يقدم على مَا علم مِمَّا ذَكرْنَاهُ من الْحَاصِل عَن التَّبْيِين وَالْبَحْر، وَقد تبع المُصَنّف صَاحب الدُّرَر فِي ذكر هَذِه الْعبارَة.
وَقَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ: وَهِي مَوْجُودَة فِي النّسخ بِصُورَة الْمَتْن، وَلَعَلَّه شرح إِذْ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَة على الْمُتَقَدّم اهـ.
وَاعْلَم أَنه إِذا ادّعى نِكَاح صَغِيرَة بتزويج الْحَاكِم لَا تسمع إِلَّا بِشُرُوط: أَن يذكر اسْم الْحَاكِم
وَنسبه وَأَن السُّلْطَان فوض إِلَيْهِ التَّزْوِيج وَأَنه لم يكن لَهَا ولي كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
ثمَّ اعْلَم: أَنَّ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَيَوْم الْقَتْل يدْخل، هَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة والعمادية والولجية وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهَا.
وفرعوا على الاول مَا لَو برهن الْوَارِث على موت مُوَرِثه فِي يَوْم ثمَّ برهنت امْرَأَة على أَن مُوَرِثه كَانَ نَكَحَهَا بعد ذَلِك الْيَوْم يقْضِي لَهَا بِالنِّكَاحِ، وعَلى الثَّانِي لَو برهن الْوَارِث على أَنه قتل يَوْم كَذَا فبرهنت امْرَأَة على أَن هَذَا الْمَقْتُول نَكَحَهَا بعد ذَلِك الْيَوْم لَا تقبل.
وعَلى هَذَا جَمِيع الْعُقُود والمداينات.
وَكَذَا لَو برهن الْوَارِث على أَن مُوَرِثه قتل يَوْم كَذَا فبرهن الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه

(8/124)


كَانَ مَاتَ قبل هَذَا بِزَمَان لَا يسمع، وَلَو برهن على أَن مُوَرِثه قتل يَوْم كَذَا فَبَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ فُلَانٌ قَبْلَ هَذَا بِزَمَان يكون دفعا لدُخُوله تَحت الْقَضَاء، هَذِه عبارَة الْبَزَّازِيَّة.
وَزَاد الْوَلْوَالجيّ موضحا لدعوى الْمَرْأَة النِّكَاح بعد ثُبُوت الْقَتْل فِي يَوْم كَذَا.
بقوله: أَلا ترى أَن امْرَأَة لَو أَقَامَت الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ فَقَضَى بِشُهُودِهَا ثُمَّ أَقَامَتْ أُخْرَى بَيِّنَةً أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا يَوْم النَّحْر بخراسان لَا تقبل بَيِّنَة الْمَرْأَة الاخرى لِأَنَّ النِّكَاحَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ التَّارِيخ، فَإِذا ادَّعَت امْرَأَة أُخْرَى بعد ذَلِك التَّارِيخ بتاريخ لم يقبل اهـ.
أَقُول: وَجه الشّبَه بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ أَن تَارِيخ برهَان الْمَرْأَة على نِكَاح الْمَقْتُول مُخَالف لتاريخ الْقَتْل، إِذْ لَا يتَصَوَّر بعد قَتله أَن ينْكح، كَمَا أَن نِكَاح الثَّانِيَة لَهُ يَوْم النَّحْر بخراسان لَا يتَصَوَّر مَعَ نِكَاح الاولى لَهُ يَوْمه بِمَكَّة فَهُوَ مُخَالف من هَذِه الْحَيْثِيَّة، فَأَشْبَهت هَذِه الْمَسْأَلَة الاولى فِي الْمُخَالفَة، وكل من النِّكَاح وَالْقَتْل يدْخل تَحت الحكم فَتَأمل.
وَفِي الظهيرين: ادّعى ضَيْعَة فِي يَد رجل أَنَّهَا كَانَت لفُلَان مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا لفلانة لَا وَارِث لَهُ غَيرهَا، ثمَّ إِن فُلَانَة مَاتَت وتركتها مِيرَاثا لي لَا وَارِث لَهَا غَيْرِي وَقضى القَاضِي لَهُ بالضيعة فَقَالَ الْمقْضِي عَلَيْهِ دفعا للدعوى إِن فُلَانَة الَّتِي تَدعِي أَنْت الارث عَنْهَا لنَفسك مَاتَت قبل فلَان الَّذِي تَدعِي الارث عَنهُ لفلانة اخْتلفُوا.
بَعضهم قَالُوا: إِنَّه صَحِيح، وَبَعْضهمْ قَالُوا: إِنَّه غير صَحِيح بِنَاء على أَنَّ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ اهـ.
وَإِذا كَانَ الْمَوْت مستفيضا علم بِهِ كل صَغِير وكبير وكل عَالم
وجاهل لَا يقْضى لَهُ وَلَا يَكُونُ بِطَرِيقِ أَنَّ الْقَاضِيَ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ على ذَلِك الْمَوْت بل يكون بطرِيق التيقن بكذب الْمُدَّعِي.
قَالَ فِي التاترخانية: فِي الْفَصْل الثَّامِن فِي التهاتر نقلا عَن الذَّخِيرَة: فِيمَا لَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ الشُّهُودَ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ مِنْ قَاضِي بَلَدِ كَذَا فَأَقَامَ الشُّهُود أَنه: أَي القَاضِي مَاتَ فِي سنة كَذَا الخ أَنه لَا يقْضِي بِهِ إِلَّا إذَا كَانَ مَوْتُ الْقَاضِي قَبْلَ تَارِيخِ شُهُودِ الْمُدعى عَلَيْهِ مستفيضا اهـ مَعَ غَايَة الِاخْتِصَار، فَرَاجعه إِن شِئْت، وَالله تَعَالَى الْمُوفق.
وَتَمام التفاريع على هَذِه الْمَسْأَلَة فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ وَنور الْعين وَالْبَحْر وَغَيرهَا، وَقد مر تَحْقِيقه فِي فصل الْحَبْس فَرَاجعه إِن شِئْت.

قَوْله: (وَإِن ذكرا) هُوَ مُقَابل لقَوْله وَإِن برهن الخارجان مَعْطُوف عَلَيْهِ: أَي إِن برهنا على مُطلق الْملك فقد تقدم حكمه: وَإِن ذكرا سَبَب الْملك فحكما هَذَا.

قَوْله: (بِأَن برهنا على شِرَاء شئ من ذِي يَد) مثله مَا إِذا برهن الخارجان على ذِي يَد أَن كلا أودعهُ الَّذِي فِي يَده فَإِنَّهُ يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَكَذَا الارث، فَلَو ادّعى كل من خَارِجين الْمِيرَاث عَن أَبِيه وَبرهن قضى بِهِ بَينهمَا، وَأفَاد المُصَنّف باقتصار كل على دَعْوَى الشِّرَاء مُجَرّدَة أَنه لَو ادّعى أَحدهمَا شِرَاء وعتقا وَالْآخر شِرَاء فَقَط يكون مدعي الْعتْق أولى، فَإِن الْعتْق بِمَنْزِلَة الْقَبْض.
ذكره فِي خزانَة الاكمل.
وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَنه لَو أرخ أَحدهمَا فَهُوَ لَهُ، وَفِي
قَوْله: (من ذِي يَد) إِشَارَة إِلَى أَنه لَو فِي يَد أَحدهمَا فَهُوَ أولى، وَإِن أرخ الْخَارِج.
نعم لَو تلقياه من جِهَتَيْنِ كَانَ الْخَارِج أَحَق وَهَذَا أوضح مِمَّا فِي الْمَتْن.

قَوْله: (فَلِكُل نصفه) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَب، لكنه يُخَيّر كَمَا ذكره بعد فَصَارَ كفضوليين بَاعَ كل

(8/125)


مِنْهُمَا من رجل وَأَجَازَ الْمَالِك البيعين فَإِن كلا مِنْهُمَا يُخَيّر أَنه تغير عَلَيْهِ شَرط عدم عقده، فَلَعَلَّ رغبته فِي تملك الْكل اهـ.

قَوْله: (بِنصْف الثّمن) أَي الَّذِي عينه أَحدهمَا، وَإِن كَانَ مَا عينه الآخر، كَأَن ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ وَالْآخَرُ بِمِائَتَيْنِ أَخذ الاول نصفه بِخَمْسِينَ وَالْآخر نصفه بِمِائَة، وَقيد بِالشِّرَاءِ من ذِي الْيَد لانه لَو ادّعَيَا الشِّرَاء من ذِي الْيَد فَإِنَّهُ يَأْتِي حكمه.

قَوْله: (لتفريق الصَّفْقَة عَلَيْهِ) فَلَعَلَّ رغبته فِي تملك الْكل.

قَوْله: (وَإِن ترك أَحدهمَا بَعْدَمَا قضى لَهما) أَفَادَ أَنه بِالْقضَاءِ لَهُ بِالنِّصْفِ
لَا يجْبر على أَخذه لما فِيهِ من الضَّرَر.

قَوْله: (لانفساخه) أَي انْفِسَاخ البيع فِي النّصْف بِالْقضَاءِ: أَي لانه صَار مقضيا عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ لصَاحبه فانفسخ البيع فِيهِ فَلَا يكون لَهُ أَن يَأْخُذهُ بعد الِانْفِسَاخ، لَان العقد مَتى انْفَسَخ بِقَضَاء القَاضِي لَا يعود إِلَّا بتجديده وَلم يُوجد.

قَوْله: (فَلَو قبله) أَي فَلَو ترك أَحدهمَا قبل الْقَضَاء بِهِ بَينهمَا فللآخر أَن يَأْخُذهُ كُله، لانه أثبت بِبَيِّنَتِهِ أَنه اشْترى الْكل، وَإِنَّمَا يرجع إِلَى النّصْف بالمزاحمة ضَرُورَة الْقَضَاء بِهِ وَلم يُوجد، وَنَظِيره تَسْلِيم أحد الشفيعين قبل الْقَضَاء، وَنَظِير الاول تَسْلِيمه بعد الْقَضَاء كَمَا فِي الْبَحْر
قَوْله: (للسابق تأريخا إِن أرخا) أَي لانه أثبت الشِّرَاء فِي زمن لَا ينازعه فِيهِ أحد فَانْدفع الآخر بِهِ، وَهَذَا كَمَا علمت فِيمَا إِذا ادّعَيَا الشِّرَاء من وَاحِد، فَلَو اخْتلف بائعهما لم يتَرَجَّح أسبقهما تَارِيخا وَلَا المؤرخ فَقَط لَان ملك بائعهما لَا تَارِيخ لَهُ.

قَوْله: (فَيرد البَائِع مَا قَبَضَهُ) أَيْ الثَّمَنَ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ لِذِي يَد) أَي الْمُدَّعِي بِالْفَتْح إِن لم يؤرخا الخ.
لما ذكر مَا إِذا ادّعى الخارجان الشِّرَاء من ذِي الْيَد، وَفِيه لَا يتَرَجَّح وَاحِد إِلَّا بسبق التَّارِيخ، أَخذ يتَكَلَّم على مَا إِذا ادّعى خَارج وَذُو يَد الشِّرَاء من وَاحِد ويترجح ذُو الْيَد لانها دَلِيل سبقه ولانهما اسْتَويَا فِي الاثبات وترجيح ذِي الْيَد بهَا وَلَيْسَ للثَّانِي مَا يعارضها فَلَا يُسَاوِيه، ولان يَد الثَّابِت لَا تنقص بِالشَّكِّ.
وَيكون التَّرْجِيح أَيْضا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بسبق التَّارِيخ، فيترجح ذُو الْيَد فِي أَربع: مَا إِذا سبق تَارِيخه وَهُوَ ظَاهر، وَمَا إِذا لم يؤرخا لما ذكر، وَمَا إِذا كَانَ التَّارِيخ من جَانب لانه غير مُعْتَبر كَمَا لَو لم يؤرخا، وَمَا إِذا اسْتَوَى التاريخان لتعارضهما فَصَارَ كَمَا لَو لم يؤرخا، ويترجح الْخَارِج فِي وَاحِدَة وَهُوَ مَا إِذا سبق تَارِيخه.
وَيُمكن أَن تجْعَل هَذِه الْمَسْأَلَة من تفاريع مَا إِذا ادّعى الخارجان الشِّرَاء من ذِي الْيَد وَأثبت أَحدهمَا بِالْبَيِّنَةِ قَبضه فِيمَا مضى من الزَّمَان على مَا نَقله فِي الْبَحْر عَن الْمِعْرَاج.
وَيشكل عَلَيْهِ مَا ذكره بعد عَن الذَّخِيرَة من أَن ثُبُوت الْيَد بِأَحَدِهِمَا بالمعاينة.
وَيُمكن أَن يُقَال: مَا ثَبت بِالْبَيِّنَةِ مُعَاينَة لَان المعاينة لَا تَكْفِي من القَاضِي لانه لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ فَلم يبْق إِلَّا مُعَاينَة الشُّهُود.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلِي إشْكَالٌ فِي عِبَارَةِ الْكتاب، وَهُوَ أَنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ مَفْرُوضٌ فِي خَارِجَيْنِ تَنَازَعَا فِيمَا فِي يَدِ ثَالِثٍ، فَإِذَا كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَانَ ذَا يَدٍ تَنَازَعَ مَعَ خَارِجٍ فَلَمْ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ.
ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْمِعْرَاجِ مَا يُزِيلُهُ مِنْ جَوَازِ أَنَّهُ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ قَبْضَهُ فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ وَهُوَ الْآن فِي
يَد البَائِع انْتهى.
إِلَّا أَنه يشكل مَا ذكره بعد عَنْ الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا بِالْمُعَايَنَةِ انْتهى وَالْحَقُّ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَكَانَ يَنْبَغِي إفْرَادُهَا.
وَحَاصِلُهَا: أَنَّ خَارِجًا وَذَا يَدٍ ادَّعَى كُلٌّ الشِّرَاء من ثَالِث وَبَرْهَنَا قُدِّمَ ذُو الْيَدِ فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ وَالْخَارِج فِي وَجه وَاحِد انْتهى كَلَام الْبَحْر.
وَفِيه الاشكال الَّذِي ذكره عَن الذَّخِيرَة.

(8/126)


وَأجَاب الْمَقْدِسِي بِأَن
قَوْله: (وَهُوَ لذِي يَد إِن لم يؤرخا) يرجع إِلَى مُطلق مدعيين لَا بِقَيْد كَونهمَا خَارِجين، وَقد أَشَارَ المُصَنّف إِلَى مَا قدمنَا من أَن الْحق أَنَّهَا مَسْأَلَة أُخْرَى وَكَانَ يَنْبَغِي إفرادها، حَيْثُ ذَكَرَ قَوْلَهُ وَلِذِي وَقْتٍ، وَلَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَلِذِي يَدٍ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَلِذِي اسْتِئْنَاف مَسْأَلَة أُخْرَى.
فرع: لَو برهنا على ذِي يَد بالوديعة يقْضِي بهَا لَهما نِصْفَيْنِ ثمَّ ذَا أَقَامَ أَحدهمَا الْبَيِّنَة على صَاحبه أَنه لَهُ لم يسمع، وَلَو برهن أَحدهمَا وَأقَام الآخر شَاهِدين وَلم يزكيا قضى بِهِ لصَاحب الْبَيِّنَة، ثمَّ أَقَامَ الآخر بَيِّنَة عادلة أَنه ملكه أودعهُ عِنْد الَّذِي فِي يَده أَو لم يذكرُوا ذَلِك فَقضى بِهِ لَهُ على الْمقْضِي لَهُ أَولا، وَهَذَا يُخَالف الشِّرَاء فَإِن فِيهِ لَا يحكم للثَّانِي، وَلَعَلَّه لَان الايداع من قبيل الْمُطلق.

قَوْله: (وَهُوَ لذِي وَقت الخ) الاولى تَقْدِيمهَا على
قَوْله: (وَهُوَ لذِي يَد) لانها من تَتِمَّة الاولى، وَإِنَّمَا كَانَ القَوْل لَهُ لثُبُوت ملكه فِي ذَلِك الْوَقْت مَعَ احْتِمَال الآخر أَن يكون قبله أَو بعده فَلَا يقْضِي لَهُ بِالشَّكِّ، وإنهما اتفقَا على أَن الْملك للْبَائِع وَلم يثبت الْملك لَهما إِلَّا بالتلقي مِنْهُ وَأَن شراءهما حَادث والحادث يُضَاف إِلَى أقرب الاوقات، إِلَّا إِذا ثَبت التَّارِيخ فَيثبت تقدمه، فَلهَذَا كَانَ المؤرخ أولى، بِخِلَاف مَا إِذا اخْتلف بائعهما على مَا بَينا، وَبِخِلَاف مَا إِذا ادّعى الْملك وَلم يدع الشِّرَاء من ذِي الْيَد حَيْثُ لم يكن التَّارِيخ أولى عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد.
تَبْيِين: قَالَ الْمدنِي: أَقُولُ التَّارِيخُ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَا عِبْرَةَ بِهِ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِهِ فِي الْمِلْكِ بِسَبَب كَمَا هُوَ مَعْرُوف اهـ.
وَفِيه عَن الْقُهسْتَانِيّ عَن الخزانة أَنه لَو وَقت أَحدهمَا شهرا وَالْآخر سَاعَة فالساعة أولى والتاريخ هُوَ
قلب التَّأْخِير.
وَاصْطِلَاحا: هُوَ تَعْرِيف وَقت الشئ بِأَن يسند إِلَى وَقت حُدُوث أَمر شَائِع كظهور دولة أَو غَيره كطوفان وزلزلة لينسب إِلَى ذَلِك الْوَقْت الزماني الْآتِي، وَقيل هُوَ يَوْم مَعْلُوم نسب إِلَيْهِ ذَلِك الزَّمَان، وَقيل هُوَ مُدَّة مَعْلُومَة بَين حُدُوث أَمر ظَاهر وَبَين أَوْقَات حوادث أخر كَمَا فِي نِهَايَة الادراك.

قَوْله: (وَالْحَال أَنه لَا يَد لَهما) بِأَن كَانَ الْمَبِيع فِي يَد ثَالِث.

قَوْله: (وَإِن لم يوقتا الخ) لَا حَاجَة إِلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَالشِّرَاءُ أَحَقُّ مِنْ هِبَةٍ) أَيْ لَوْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى ذِي يَدٍ أَحَدُهُمَا عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ وَالْآخَرُ عَلَى الْهِبَةِ مِنْهُ كَانَ الشِّرَاءُ أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَقْوَى لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ وَالْمِلْكُ فِي الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ، فَلَوْ أَحَدُهُمَا ذَا يَدٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يُقْضَى لِلْخَارِجِ أَوْ لِلْأَسْبَقِ تَارِيخًا، وَإِنْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا فَلَا تَرْجِيحَ، وَلَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَا يَدٍ فَهُوَ لَهُمَا، أَوْ للاسبق تَارِيخا كدعوى ملك مُطلق، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُمَلَّكُ اسْتَوَيَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَصْمٌ عَنْ مُمَلَّكِهِ فِي إثْبَاتِ مِلْكِهِ وَهُمَا سَوَاء، بِخِلَاف مَا لَو اتَّحد لِاحْتِيَاجِهِمَا إلَى إثْبَاتِ السَّبَبِ، وَفِيهِ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى، وَأَطْلَقَ فِي الْهِبَةِ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالتَّسْلِيمِ وَبِأَنْ لَا تَكُونَ بِعِوَضٍ وَإِلَّا كَانَتْ بَيْعًا، وَأَشَارَ إلَى اسْتِوَاءِ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ الْمَقْبُوضَتَيْنِ لِلِاسْتِوَاءِ فِي التَّبَرُّعِ، وَلَا تَرْجِيحَ لِلصَّدَقَةِ بِاللُّزُومِ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ فِي ثَانِي الْحَالِ وَهُوَ عَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْهِبَةُ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً كَهِبَةِ مُحْرِمٍ وَالصَّدَقَةُ قَدْ لَا تَلْزَمُ بِأَنْ كَانَت لَغَنِيّ كَذَا فِي الْبَحْر مُلَخصا.
وَفِيهِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ مَعَ الْقَبْضِ وَالْهِبَةِ مَعَ الْقَبْضِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي كُلٍّ مُتَوَقِّفٌ عَلَى

(8/127)


الْقَبْضِ، وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الشِّرَاءِ لِلْمُعَاوَضَةِ.
وَرَدَّهُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَن الاولى تَقْدِيم الْهِبَة لكَونهَا مَشْرُوعَة وَالْبيع الْفَاسِد مَنْهِيّ عَنهُ، وَلم يذكر مَا لَو اخْتلفَا فِي الشِّرَاء مَعَ الْوَقْف، فَحكمه مَا فِي مُشْتَمل الاحكام عَن الْقنية قَالَ: ادّعى على رجل أَن هَذِه الدَّار الَّتِي فِي يَده وقف مُطلق وَذُو الْيَد ادّعى أَن بائعي اشْتَرَاهَا من الْوَقْف وأرخا وَأَقَامَا الْبَيِّنَة فَبَيِّنَة الْوَقْف أولى، ثمَّ إِذا أثبت ذُو الْيَد تَارِيخا سَابِقًا على الْوَقْف فبينته أولى، وَإِلَّا فبينه الْوَقْف أولى اهـ.
وَفِي فَتَاوَى مؤيد زَاده: ادّعى عَلَيْهِ دَارا أَنه بَاعهَا مني مُنْذُ خمس عشرَة سنة وَادّعى الآخر أَنَّهَا وقف عَلَيْهِ مسجل وَأَقَامَا بَيِّنَة فَبَيِّنَة مدعي البيع أولى، وَإِن ذكر الْوَاقِف بِعَيْنِه فَبَيِّنَة الْوَقْف أولى لانه
يصير مقضيا عَلَيْهِ.

قَوْله: (وَصدقَة) قَالَ فِي الْبَحْر: الصَّدَقَة المقبوضة وَالْهِبَة كَذَلِك سَوَاء للتبرع فيهمَا، وَلَا تَرْجِيح للصدقة باللزوم لَان أثر اللُّزُوم يَظْهَرُ فِي ثَانِي الْحَالِ وَهُوَ عَدَمُ التَّمَكُّنِ من الرُّجُوع فِي الْمُسْتَقْبل، وَالتَّرْجِيح يكون بِمَعْنى قَائِم فِي الْحَال، وَالْهِبَة قد تكون لَازِمَة بِأَن كَانَت لمحرم، وَالصَّدَََقَة قد تلْزم بِأَن كَانَت لَغَنِيّ.

قَوْله: (وَرهن وَلَو مَعَ قبض) إِنَّمَا قدم الشِّرَاء عَلَيْهِ لانه يُفِيد الْملك بعوض للْحَال وَالرَّهْن لَا يُفِيد الْملك للْحَال فَكَانَ الشِّرَاء أقوى، وَقد علمت أَن الْهِبَة بعوض كالشراء فَتقدم عَلَيْهِ وَقَوله وَلَو مَعَ قبض رَاجع إِلَى الرَّهْن فَقَط لَان دَعْوَى الْهِبَة أَو الصَّدَقَة غير المقبوضة لَا تسمع.

قَوْله: (واتحد المملك) أما إِذا كَانَ المملك مُخْتَلفا فَلَا يعْتَبر فِيهِ سبق التَّارِيخ.
أَبُو السُّعُود.
بل يستويان كَمَا يَأْتِي قَالَ فِي الْبَحْر: أطلقهُ وَهُوَ مُقَيّد بِأَن لَا تَارِيخ لَهما، إِذْ لَو أرخا مَعَ اتِّحَاد المملك كَانَ للاسبق، فَأَخذه مِنْهُ وَذكر مَا ذكر من خلل صَاحب الْكَنْز بِهَذَا الْقَيْد مَعَ جَوَاز الِاعْتِذَار بِحمْل الْمُطلق على الْخَالِي من التَّارِيخ إِذْ الاصل عَدمه، فَتَأمل.
أَفَادَهُ الرَّمْلِيّ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا) أَيْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لما تقدم فِيمَا إِذا أرخت إِحْدَى بينتي مدعي الشِّرَاء من وَاحِد.

قَوْله: (فالمؤرخة أولى) لانهما اتفقَا على الْملك وَالْملك لَا يتلَقَّى إِلَّا من جِهَة المملك وَهُوَ وَاحِد، فَإِذا أثبت أَحدهمَا تَارِيخا يحكم لَهُ بِهِ دُرَر.

قَوْله: (اسْتَوَيَا) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَصْمٌ عَنْ مُمَلَّكِهِ فِي إثْبَاتِ مِلْكِهِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا إِذا اتَّحد لِاحْتِيَاجِهِمَا إلَى إثْبَاتِ السَّبَبِ، وَفِيهِ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى كَمَا فِي الْبَحْر: أَي فينصف الْمُدَّعِي بَين مدعي الشِّرَاء ومدعي الْهِبَة وَالصَّدَََقَة، وَهَذَا ظَاهر فِي غير الرَّهْن، أما فِيهِ فَيَنْبَغِي أَن لَا يَصح فِيهِ مُطلقًا لعدم صِحَة رهن الْمشَاع شيوعا مُقَارنًا أَو طارئا على حِصَّة شائعة يقسم أَو لَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابه.
وَأما طروه على حِصَّة مفروزة فَلَا يُبطلهُ كَمَا نبه عَلَيْهِ الْمَقْدِسِي، فَتنبه.
وَفِي الْبَحْرِ: لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ رَجُلٍ وَآخَرُ الْهِبَةَ وَالْقَبْضَ مِنْ غَيْرِهِ وَالثَّالِثُ الْمِيرَاثَ مِنْ أَبِيهِ وَالرَّابِعُ الصَّدَقَةَ مِنْ آخَرَ قُضِيَ بَينهم أَربَاعًا، لانهم يلتقون الْمِلْكَ مِنْ مُمَلَّكِهِمْ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمْ حَضَرُوا وَأَقَامُوا الْبَيِّنَة على الْملك الْمُطلق.

قَوْله: (وَهَذَا) أَي الاسْتوَاء.
اعْلَم أَن صَاحب الْبَحْر والهندية جعلا ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَت الْعين فِي أَيْدِيهِمَا.
وَعبارَة الْبَحْر بعد أَن صرح بِأَن مدعي الشِّرَاء وَالْهِبَة مَعَ الْقَبْض خارجان، ادّعَيَا على ثَالِث نَصهَا: وَقيد بكونهما خَارِجين
للِاحْتِرَاز عَمَّا إِذا كَانَت فِي يَد أَحدهمَا وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا فَإِنَّهُ يقْضى للْخَارِج، إِلَّا فِي أسبق التَّارِيخ فَهُوَ للاسبق، وَإِن أرخت إِحْدَاهمَا فَلَا تَرْجِيح لَهَا كَمَا فِي الْمُحِيط، وَإِن كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا فَيَقْضِي بَينهمَا، إِلَّا فِي أسبق التَّارِيخ فَهِيَ لَهُ كدعوى ملك مُطلق، وَهَذَا إِذا كَانَ الْمُدعى مِمَّا لَا يقسم كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّة.

(8/128)


وَأما فِيمَا يقسم كَالدَّارِ فَإِنَّهُ يقْضى لمُدعِي الشِّرَاء، لَان مدعي الْهِبَة أثبت بِالْبَيِّنَةِ الْهِبَة فِي الْكل ثمَّ اسْتحق الآخر نصفه بِالشِّرَاءِ، وَاسْتِحْقَاق نصف الْهِبَة فِي مشَاع يحْتَمل الْقِسْمَة يبطل الْهِبَة بالاجماع.
فَلَا تقبل بَيِّنَة مدعي الْهِبَة، فَكَانَ مدعي الشِّرَاء مُنْفَردا بِإِقَامَة الْبَيِّنَة.
اهـ.
ونقلاها عَن الْمُحِيط.
وَكَلَام الْمُؤلف يُفِيد أَن ذَلِك فِيمَا إِذا اخْتلف المملك واستويا، وَالْحكم وَاحِد لَان الاشاعة تتَحَقَّق فِي حَال اختلافه أَيْضا.

قَوْله: (لَان الِاسْتِحْقَاق) أَي اسْتِحْقَاق مدعي الشِّرَاء النّصْف، وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا قَالَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يفْسد الْهِبَة وَيفْسد الرَّهْن اهـ.
وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ نَقْلًا عَنْ الدُّرَرِ: عَدُّهُ صُورَةَ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ أَمْثِلَةِ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ غَيْرُ صَحِيحٍ.
وَالصَّحِيحُ مَا فِي الْكَافِي وَالْفُصُولَيْنِ، فَإِنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا ظَهَرَ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ الْهِبَةِ فَيكون مُقَارنًا لَهَا لَا طارئا عَلَيْهَا انْتَهَت: أَي وَحَيْثُ كَانَت مِنْ قَبِيلِ الْمُقَارِنِ وَهُوَ يُبْطِلُ الْهِبَةَ إجْمَاعًا ينْفَرد مدعي الشِّرَاء بالبرهان فَيكون أولى.

قَوْله: (من قبيل الشُّيُوع الْمُقَارن) أَي وَهُوَ يبطل الْهِبَة بالاجماع كَمَا علمت، فينفرد مدعي الشِّرَاء بِإِقَامَة الْبَيِّنَة فَيكون أولى.

قَوْله: (لَا الطَّارِئ) لانه لَا يفْسد الْهِبَة وَالصَّدَََقَة، بِخِلَاف الْمُقَارن كَمَا علمت، وَهَذَا جَوَاب عَمَّا قَالَه الْعِمَادِيّ كَمَا تقدم، وَالرُّجُوع بِبَعْض الْهِبَة كالشيوع الطَّارِئ.

قَوْله: (هبة الدُّرَر) وَمثله فِي التَّبْيِين والمنح.

قَوْله: (وَالشِّرَاء وَالْمهْر سَوَاء) يَعْنِي إِذا ادّعى أَحدهمَا الشِّرَاء من ذِي يَد وَادعت امْرَأَة أَنه تزَوجهَا عَلَيْهِ فهما سَوَاء لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّة، فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا مُعَاوضَة يثبت الْملك بِنَفسِهِ، وَهَذَا عِنْدهمَا.
وَقَالَ مُحَمَّد: الشِّرَاء أولى.

قَوْله: (وَترجع هِيَ) أَي على الزَّوْج بِنصْف الْقيمَة لاسْتِحْقَاق نصف الْمُسَمّى.

قَوْله: (وَهُوَ بِنصْف الثّمن) أَي إِن كَانَ نَقده.

قَوْله: (أَو يفْسخ) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول ليشْمل الْمهْر وَالْمُشْتَرِي، لَان كلا مِنْهُمَا
دخل عَلَيْهِ عيب تَفْرِيق الصَّفْقَة، فللمرأة أَن ترده وَترجع بِجمع الْقيمَة وَالْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثّمن
قَوْله: (لما مر) أَي من تفرق الصَّفْقَة عَلَيْهِ.

قَوْله: (أَو أرخا واستوى تاريخهما الخ) قَالَ فِي تَرْجِيح الْبَينَات للبغدادي: قَامَت بَيِّنَة على المَال وَبَيِّنَة على الْبَرَاءَة وأرخا: فَإِن كَانَ تَارِيخ الْبَرَاءَة سَابِقًا يقْضِي بِالْمَالِ، وَإِن كَانَ لاحقا يقْضِي بِالْبَرَاءَةِ، وَإِن لم يؤرخا أَو أرخت إِحْدَاهمَا، دون الاخرى أَو أرخا وتاريخهما سَوَاء فالبراءة أولى، لَان الْبَرَاءَة إِنَّمَا تكْتب لتَكون حجَّة صَحِيحَة وَلَا صِحَة لَهَا إِلَّا بعد وجوب المَال، وَالظَّاهِر أَنه كَانَ بعد وجوب المَال اهـ.

قَوْله: (قيد بِالشِّرَاءِ) أَي فِي جعله مَعَ الْمهْر سَوَاء، لَان الْهِبَة وَأَخَوَاتهَا لَا تَسَاوِي الْمهْر وَلذَا قَالَ الشَّارِح: لَان النِّكَاح أَحَق.

قَوْله: (لِأَنَّ النِّكَاحَ أَحَقُّ مِنْ هِبَةٍ أَوْ رَهْنٍ أَو صَدَقَة) انْظُر مَا معنى هَذِه الْعبارَة مَعَ قَوْله الْمَار وَالشِّرَاء وَالْمهْر سَوَاء فَلم يظْهر لي فائدتها سوى أَنه تكْرَار مَحْض.
تَأمل.

قَوْله: (وَالْمرَاد من النِّكَاح) أَي فِي قَول الْعِمَادِيّ لَان النِّكَاح الخ الْمهْر.
قَالَ فِي الْبَحْر نَاقِلا عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَوْ اجْتَمَعَ نِكَاحٌ وَهِبَةٌ يُمْكِنُ أَنْ يُعْمَلَ بالبينتين لَو استويتا بِأَن تكون مَنْكُوحَة لذا وَهبة للْآخر بِأَن يهب أَمَتَهُ الْمَنْكُوحَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ بَيِّنَةُ الْهِبَة حذرا من تَكْذِيب

(8/129)


الْمُؤمن، وَكَذَا الصَّدَقَةُ مَعَ النِّكَاحِ، وَكَذَا الرَّهْنُ مَعَ النِّكَاح اهـ.
وَهُوَ وهم لانه فهم أَن المُرَاد لَو تَنَازَعَا فِي أَمَةِ أَحَدِهِمَا ادَّعَى أَنَّهَا مِلْكُهُ بِالْهبةِ وَالْآخر أَنه تزَوجهَا وَلَيْسَ مُرَادهم، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْ النِّكَاحِ الْمَهْرُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحِيط فِي الْكتاب، وَلذَا قَالَ فِي الْمُحِيط: وَالشِّرَاء أولى من النِّكَاح عِنْد مُحَمَّد.
وَعند أبي يُوسُف: هما سَوَاء.
لمُحَمد أَن الْمهْر صلَة من وَجه قد أطلق النِّكَاح وَأَرَادَ الْمهْر، وَمِمَّا يدل على مَا ذَكرْنَاهُ أَن الْعِمَادِيّ بَعْدَمَا ذكر أَن النِّكَاح أولى قَالَ: ثمَّ إِن كَانَت الْعين فِي يَد أَحدهمَا فَهُوَ أولى، إِلَّا أَن يؤرخا وتاريخ الْخَارِج أسبق فَيَقْضِي للْخَارِج، وَلَو كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا يقْضى بهَا بَينهمَا نِصْفَيْنِ إِلَّا أَن يؤرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق فَيَقْضِي لَهُ اهـ.
وَكَيف يتَوَهَّم أَن الْكَلَام فِي الْمَنْكُوحَة بعد قَوْله تكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ؟.
وَيَنْبَغِي لَو تنَازعا فِي الامة ادّعى أَحدهمَا أَنَّهَا ملكه وَالْآخر أَنَّهَا منكوحته وهما من رجل وَاحِد وبرهنا وَلَا مُرَجّح أَن يثبتا لعدم الْمُنَافَاة فَتكون ملكا لمُدعِي الْملك هبة أَو شِرَاء مَنْكُوحَة للْآخر كَمَا
بَحثه فِي الْجَامِع، وَلم أره صَرِيحًا.
اهـ.
فَالْحَاصِل: أَن صَاحب الْبَحْر اسْتحْسنَ بحث صَاحب الْفُصُولَيْنِ وَلكنه لم يره مَنْقُولًا، ووهمه فِي حمله قَوْلهم النِّكَاح أولى من الْهِبَة أَن المُرَاد ادِّعَاء أَحدهمَا نِكَاح الامة وَالْآخر هبتها، بِدَلِيل مَا ذكره فِي الْعمادِيَّة أَنَّهَا لَو كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا وَلَا مُرَجّح يقْضِي بَينهمَا، وَلَا يَصح ذَلِك فِي الْمُدَّعِي نِكَاحهَا، وَأَن صَاحب الْمُحِيط أطلق النِّكَاح وَأَرَادَ الْمهْر كَمَا بَينه.

قَوْله: (الْمهْر) فَيكون من إِطْلَاق الشئ وَإِرَادَة أَثَره الْمُتَرَتب عَلَيْهِ.

قَوْله: (كَمَا حَرَّره فِي الْبَحْر مُغَلِّطًا لِلْجَامِعِ) أَيْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي قَوْلِهِ لَو اجْتمع نِكَاح وَهبة إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ.

قَوْله: (نعم الخ) هَذَا الَّذِي جعله صَاحب الْبَحْر بحثا لصَاحب الْفُصُولَيْنِ وَذكر أَنه لم يره مَنْقُولًا كَمَا تقدم، وَهُوَ اسْتِدْرَاك على قَوْله وَالْمرَاد من النِّكَاح الْمهْر.

قَوْله: (لَو تنَازعا فِي الامة) أَي وبرهنا.

قَوْله: (وَلَا مُرَجّح) كسبق التَّارِيخ.

قَوْله: (فَتكون مملكا لَهُ الخ) لعدم الْمُنَافَاة.

قَوْله: (وَرهن مَعَ قبض الخ) أَي إِن لم يكن مَعَ وَاحِد مِنْهُمَا تَارِيخ.

قَوْله: (مَعَه) أَي مَعَ الْقَبْض.
قَالَ المُصَنّف فِي منحه: قولي بِلَا عوض هُوَ قيد لَازم أخل بِهِ صَاحب الْكَنْز والوقاية قَالَ الرَّمْلِيّ: هُوَ لصَاحب الْبَحْر مَعَ أَنه لَا يضر تَركه، إِذا الْهِبَة إِذا أطلقت يُرَاد بهَا الخالية عَن الْعِوَض كَمَا هُوَ ظَاهر.
بل لقَائِل أَن يَقُول: ذكرهَا رُبمَا يشبه التّكْرَار لانها بيع انْتِهَاء حَتَّى جرت أَحْكَام البيع عَلَيْهَا فَيعلم حكمهَا مِنْهُ.
تَأمل.

قَوْله: (اسْتِحْسَانًا) وَجه الِاسْتِحْسَان أَن الرَّهْن مَضْمُون، فَكَذَا الْمَقْبُوض بِحكم الرَّهْن وَالْهِبَة أَمَانَة، والمضمون أقوى فَكَانَ أولى.
وَالْقِيَاس أَن الْهِبَة أولى لانها تثبت الْملك وَالرَّهْن لَا يُثبتهُ.

قَوْله: (وَلَو الْعين مَعَهُمَا اسْتَويَا) يَعْنِي أَن مَا تقدم فِيمَا إِذا كَانَ خَارِجين: فَإِن كَانَت فِي يديهما فهما سَوَاء، وَإِن كَانَت فِي يَد أَحدهمَا فَهُوَ أولى إِلَّا أَن يؤرخا وتاريخ الْخَارِج أسبق فَيَقْضِي لَهُ.
وَبحث فِيهِ الْعِمَادِيُّ بِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ يُفْسِدُ الرَّهْنَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى بِالْكُلِّ لِمُدَّعِي الشِّرَاءِ،

(8/130)


لِأَنَّ مُدَّعِيَ الرَّهْنِ أَثْبَتَ رَهْنًا فَاسِدًا فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فَصَارَ كَأَنَّ مُدَّعِيَ الشِّرَاءِ انْفَرَدَ بِإِقَامَة الْبَيِّنَة، وَلِهَذَا قَالَ شيخ الاسلام خُوَاهَر زَاده: إِنَّه إِنَّمَا يقْضِي بِهِ بَينهمَا فِيمَا إِذا اجْتمع الشِّرَاء وَالْهِبَة إِذا كَانَ الْمُدَّعِي
مِمَّا لَا يحْتَمل الْقِسْمَة كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّة، أما إِذا كَانَ شَيْئا يحتملها يقْضِي بِالْكُلِّ لمُدعِي الشِّرَاء، قَالَ: لَان مدعي الشِّرَاء قد اسْتحق النّصْف على مدعي الْهِبَة، وَاسْتِحْقَاق نصف الْهِبَة فِي مشَاع يحْتَمل الْقِسْمَة يُوجب فَسَاد الْهِبَة فَلَا تقبل بَيِّنَة مدعي الْهِبَة، غير أَن الصَّحِيح مَا أعلمتك من أَن الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَيُفْسِدُ الرَّهْن، وَالله تَعَالَى أعلم.
بَحر.
قُلْت: وَعَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ الشُّيُوعِ الْمُقَارِنِ يَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى لِمُدَّعِي الشِّرَاءِ بِالْأَوْلَى، فَالْحُكْمُ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ مُشكل، فَلْيتَأَمَّل.
قَالَ المُصَنّف فِي الْمنح: هَذَا الْكَلَام من الْعِمَادِيّ يُشِير إِلَى أَن الِاسْتِحْقَاق من قبيل الشُّيُوع الطَّارِئ، وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ من الشُّيُوع الْمُقَارن الْمُفْسد كَمَا صرح بِهِ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، وَصَححهُ فِي شرح الدُّرَر وَالْغرر وَنَقله فِي الْكَنْز فِي كتاب الْهِبَة وَأقرهُ.
قَوْلِهِ: (وَإِنْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ الخ) قَيَّدَ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَهَا عَلَى أَنَّهَا فِي يَده مُنْذُ سِنِين وَلم يشْهد أَنَّهَا لَهُ قُضِيَ بِهَا لِلْمُدَّعِي، لِأَنَّهَا شَهِدَتْ بِالْيَدِ لَا بِالْملكِ كَمَا فِي الْبَحْر.
وَفِيه: وَمن أهم مسَائِل هَذَا الْبَاب معرفَة الْخَارِج من ذِي الْيَد: وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: ادّعى كل أَنه فِي يَده، فَلَو برهن أَحدهمَا يقبل وَيكون الآخر خَارِجا، وَلَوْلَا بَيِّنَة لَهما لَا يحلف وَاحِد مِنْهُمَا.
وَلَو برهن أَحدهمَا على الْيَد وَحكم بِيَدِهِ ثمَّ برهن على الْملك لَا تقبل، إِذْ بَيِّنَة ذِي الْيَد على الْملك لَا تقبل.
مطلب: من أهم مسَائِله دَعْوَى الرجلَيْن معرفَة الْخَارِج من ذِي الْيَد أَخذ عينا من يَد آخر وَقَالَ إِنِّي أَخَذته من يَده لانه كَانَ ملكي وَبرهن على ذَلِك تقبل، لانه وَإِن كَانَ ذَا يَد بِحكم الْحَال لكنه لما أقرّ بِقَبْضِهِ مِنْهُ فقد أقرّ أَن ذَا الْيَد فِي الْحَقِيقَة هُوَ الْخَارِج.
وَلَو غصب أَرضًا وزرعها فَادّعى رجل أَنَّهَا لَهُ وغصبها مِنْهُ: فَلَو برهن على غصبه وإحداث يَده يكون هُوَ ذَا يَد والزراع خَارِجا، وَلَو لم يثبت إِحْدَاث يَده فالزارع ذُو يَد وَالْمُدَّعِي هُوَ الْخَارِج.
بِيَدِهِ عقار أحدث الآخر عَلَيْهِ يَده لَا يصير بِهِ ذَا يَد، فَلَو ادّعى عَلَيْهِ أَنَّك أحدثت الْيَد وَكَانَ
بيَدي فَأنْكر يحلف اهـ.
وَبِه علم أَن الْيَد الظَّاهِر لَا اعْتِبَار بهَا.
ثمَّ اعْلَم: أَن الرجلَيْن إِذا ادّعَيَا عينا، فإمَّا أَن يدعيا ملكا مُطلقًا أَو ملكا بِسَبَب مُتحد قَابل للتكرار أَو غير قَابل أَو مُخْتَلف أَحدهمَا أقوى من الآخر أَو مستويان من وَاحِد أَو من مُتَعَدد أَو يَدعِي أَحدهمَا الْملك الْمُطلق وَالْآخر الْملك بِسَبَب أَو أَحدهمَا مَا يتَكَرَّر وَالْآخر مَا لَا يتَكَرَّر فَهِيَ تِسْعَة، وكل مِنْهُمَا إِمَّا أَن يبرهن أَو يبرهن أَحدهمَا فَقَط، أَو لَا برهَان لوَاحِد مِنْهُمَا وَلَا مُرَجّح أَو لاحدهما مُرَجّح، فَهِيَ أَرْبَعَة صَارَت سِتا وَثَلَاثِينَ، وكل مِنْهَا إِمَّا أَن يكون الْمُدَّعِي فِي يَد ثَالِث أَو فِي يدهما أَو فِي يَد

(8/131)


أَحدهمَا فَهِيَ أَرْبَعَة صَارَت مائَة وَثَمَانِية وَعشْرين وكل مِنْهَا على أَرْبَعَة: إِمَّا أَن لَا يؤرخا أَو أرخا واستويا أَو سبق أَحدهمَا أَو أرخ أَحدهمَا صَارَت خَمْسمِائَة واثني عشر اهـ.
وَقد أوصلها فِي التسهيل لجامع الْفُصُولَيْنِ إِلَى سَبْعَة آلَاف وسِتمِائَة وَسبعين مَسْأَلَة، وأفردها برسالة خَاصَّة، وَقد تخرج مَعَ هَذَا الْعَاجِز الحقير زِيَادَة على ذَلِك بِكَثِير حررته فِي ورقة حِين اطلاعي على تِلْكَ الرسَالَة، وسأجمع فِي ذَلِك رِسَالَة حافلة إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَلَكِن ذكر ذَلِك هُنَا يطول وَلَا حَاجَة إِلَى ذكره، بل اقْتصر على مَا ذكره الْعَلامَة عبد الْبَاقِي أَفَنْدِي أسيري زَاده حَيْثُ جعل لَهَا ميزانا، إِلَّا أَنه أوصل الصُّور إِلَى سِتَّة وَتِسْعين فَقَالَ: اعْلَم أَن الرجلَيْن إِذا ادّعَيَا عينا وبرهنا فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَن ادّعى كِلَاهُمَا ملكا مُطلقًا، أَو ادّعى كِلَاهُمَا بِسَبَب وَاحِد بِأَن ادّعَيَا إِرْثا أَو شِرَاء من اثْنَيْنِ أَو من وَاحِد، أَو ادّعى أَحدهمَا ملكا مُطلقًا وَالْآخر نتاجا، أَو ادّعى كِلَاهُمَا نتاجا، أَو ادّعى كِلَاهُمَا ملكا، وَأَنه إِمَّا أَن يكون الْمُدعى بِهِ فِي يَد ثَالِث أَو فِي يَد أَحدهمَا.
وكل وَجه على أَرْبَعَة أَقسَام: إِمَّا إِن لم يؤرخا أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا، أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق، أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر، وَجُمْلَة ذَلِك سِتَّة وَتسْعُونَ فصلا كَمَا سيجئ إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَهِي هَذِه كَمَا ترى أَحْبَبْت ذكرهَا تسهيلا للمراجعة وتقريبا، وَإِن كَانَ فِي المُصَنّف وَالشَّارِح شئ كثير مِنْهَا، لَكِن بِهَذِهِ الصُّورَة يقرب المأخذ، وَإِن تكَرر فَإِن المكرر للْحَاجة يحلو.
ادّعَيَا عينا ملكا مُطلقًا وَالْعين فِي يَد ثَالِث
(1) : إِن لم يؤرخا يقْضِي بَينهمَا.
(2) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا يقْضِي بَينهمَا.
(3) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق عِنْدهمَا: يقْضِي للاسبق.
وَعند مُحَمَّد فِي رِوَايَة: يقْضِي بَينهمَا.
(4) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر عِنْد أبي حنيفَة: يقْضِي بَينهمَا: وَعند أبي يُوسُف: للمؤرخ.
وَعند مُحَمَّد: لمن أطلق، ومشايخنا أفتوا بقول أبي حنيفَة.
وَلَو ادّعَيَا ملكا مُطلقًا وَالْعين فِي يَدِ ثَالِثٍ وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا تَارِيخا وَاحِدًا وبرهنا: يقْضِي بَينهمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحجَّة.
وَإِن أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي للاسبق لانه أثبت الْملك لنَفسِهِ فِي زمَان لَا ينازعه فِيهِ غَيره فَيَقْضِي بِالْملكِ لَهُ ثمَّ لَا يقْضِي بعده لغيره إِلَّا إِذا تلقى الْملك مِنْهُ، وَمن ينازعه لم يتلق الْملك مِنْهُ فَلَا يقْضِي لَهُ بِهِ.
مطلب: تسْتَحقّ الزَّوَائِد الْمُتَّصِلَة والمنفصلة وَلَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: فَعِنْدَ أبي حنيفَة: لَا عِبْرَة للتاريخ وَيَقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، لَان تَوْقِيت أَحدهمَا لَا يدل على تقدم ملكه، لانه يجوز أَن يكون الآخر أقدم مِنْهُ وَيحْتَمل أَن يكون مُتَأَخِّرًا عَنهُ فَيجْعَل مُقَارنًا رِعَايَة للاحتمالين.
وَعند أبي يُوسُف: للمؤرخ لانه أثبت لنَفسِهِ الْملك فِي ذَلِك الْوَقْت يَقِينا، وَمن لم يؤرخ ثَبت للْحَال يَقِينا، وَفِي ثُبُوته فِي وَقت تَارِيخ صَاحبه شكّ وَلَا يُعَارضهُ.
وَعند مُحَمَّد: يقْضِي لمن أطلق لَان دَعْوَى الْملك الْمُطلق من الاصل، وَدَعوى الْملك المؤرخ يقْتَصر على وَقت

(8/132)


التَّارِيخ، وَلِهَذَا يرجع الباعة بَعضهم على بعض، أَو تسْتَحقّ الزَّوَائِد الْمُتَّصِلَة والمنفصلة فَكَانَ الْمُطلق أسبق تَارِيخا فَكَانَ أولى، هَذَا إِذا كَانَ الْمُدَّعِي فِي يَد ثَالِث.
وَفِي الْخُلَاصَة من الثَّالِث عشر من الدَّعْوَى: يقْضِي للاسبق لانه أثبت الْملك لنَفسِهِ فِي زمَان لَا ينازعه فِيهِ غَيره فَيَقْضِي بِالْملكِ لَهُ ثمَّ لَا يقْضِي بعده لغيره، إِلَّا إِذا تلقى الْملك مِنْهُ، وَمن ينازعه لم يتلق الْملك مِنْهُ فَلَا يقْضِي لَهُ بِهِ.
من الْمحل الْمَزْبُور: فَعِنْدَ أبي حنيفَة: لَا عِبْرَة للتاريخ وَيَقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، لَان تَوْقِيت أَحدهمَا
لَا يدل على تقدم ملكه لانه يجوز أَن يكون الآخر أقدم مِنْهُ، وَيحْتَمل أَن يكون مُتَأَخِّرًا عَنهُ فَجعل مغايرا رِعَايَة للاحتمالين.
من الْمحل الْمَزْبُور: وَعند أبي يُوسُف: للمؤرخ، لانه أثبت لنَفسِهِ الْملك فِي ذَلِك الْوَقْت يَقِينا، وَمن لم يؤرخ ثَبت للْحَال يَقِينا، وَفِي ثُبُوته فِي وَقت تَارِيخ صَاحبه شكّ فَلَا يُعَارضهُ.
من الْمحل الْمَزْبُور: وَعند مُحَمَّد يقْضِي لمن أطلق، لَان دَعْوَى الْملك الْمُطلق دَعْوَى الْملك من الاصل وَدَعوى الْملك المؤرخ تقتصر على وَقت التَّارِيخ.
ادّعَيَا ملكا مُطلقًا وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا (5) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا.
(6) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي بَينهمَا.
(7) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق عِنْدهمَا: يقْضِي للاسبق.
وَعند مُحَمَّد فِي رِوَايَة: يقْضِي بَينهمَا، ومشايخنا أفتوا بأولوية الاسبق على قَول الامامين.
(8) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: عِنْد أبي حنيفَة: يقْضِي بَينهمَا.
وَعند أبي يُوسُف: للمؤرخ وَعند مُحَمَّد: لمن أطلق، ومشايخنا أفتوا على قَول أبي حنيفَة.
وَلَو ادّعَيَا ملكا مُطلقًا، فَإِن كَانَت الْعين فِي أَيْدِيهِمَا فَكَذَلِك الْجَواب: أَي كَمَا كَانَت الْعين فِي يَد ثَالِث، لانه لم يتَرَجَّح أَحدهمَا على الآخر بِالْيَدِ وَلم ينحط حَاله عَن حَال الآخر بِالْيَدِ.
جَامع الْفُصُولَيْنِ من الْفَصْل الثَّامِن.
ادّعَيَا ملكا مُطلقًا وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (9) : لم يؤرخا: يقْضِي للْخَارِج.
(01) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي للْخَارِج.
(11) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق، عِنْدهمَا: يقْضِي لاسبقهما، وَعند مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج، أفتى مَشَايِخنَا بأولوية الاسبق على قَول الامامين.
(21) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر عِنْد أبي يُوسُف: يقْضِي للمؤرخ، وَعند مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج، أفتى مَشَايِخنَا على قَول مُحَمَّد.
وَلَو ادّعَيَا ملكا مُطلقًا: فَإِن كَانَت الْعين فِي يَد أَحدهمَا: فَإِن كَانَا أرخا سَوَاء أَو لم يؤرخا فَهُوَ للْخَارِج لَان بَينته أَكثر إِثْبَاتًا، وَإِن أرخا وَأَحَدهمَا أسبق فَهُوَ لاسبقهما.
وَعَن مُحَمَّد: أَنه رَجَعَ عَن هَذَا القَوْل وَقَالَ: لَا تقبل بَيِّنَة ذِي الْيَد على الْوَقْت وَلَا على غَيره، لَان الْبَيِّنَتَيْنِ قامتا على الْملك الْمُطلق وَلم
يتعرضا لجِهَة الْملك فَاسْتَوَى التَّقَدُّم والتأخر فَيَقْضِي للْخَارِج.
مطلب: الْبَيِّنَة مَعَ التَّارِيخ تَتَضَمَّن معنى بَيِّنَة دفع الْخَارِج وَلَهُمَا أَن الْبَيِّنَة مَعَ التَّارِيخ تَتَضَمَّن الدّفع، فَإِن الْملك إِذا ثَبت للشَّخْص فِي وَقت فثبوته لغيره بعده لَا يكون إِلَّا بالتلقي مِنْهُ، فَصَارَت بَيِّنَة ذِي الْيَد بِذكر التَّارِيخ متضمنة دفع بَيِّنَة الْخَارِج على معنى

(8/133)


أَنَّهَا لَا تصح إِلَّا بعد إِثْبَات التلقي من قبله وبينته على الدّفع مَقْبُولَة، وعَلى هَذَا إِذا كَانَت الدَّار فِي أَيْدِيهِمَا فَصَاحب الْوَقْت الاول أولى عِنْدهمَا، وَعِنْده يكون بَينهمَا.
وَإِن أرخ أَحدهمَا لَا الآخر فَعِنْدَ أبي يُوسُف: يقْضِي للمؤرخ لَان بَينته أقدم من الْمُطلق، كَمَا لَو ادّعى رجلَانِ شِرَاء من آخر وأرخ أَحدهمَا لَا الآخر كَانَ المؤرخ أولى.
وَعند أبي حنيفَة وَمُحَمّد يقْضِي للْخَارِج وَلَا عِبْرَة للْوَقْت لَان بَيِّنَة ذِي الْيَد إِنَّمَا تقبل إِذا كَانَت متضمنة معنى الدّفع، وَهنا وَقع الِاحْتِمَال فِي معنى الدّفع لوُقُوع الشَّك فِي وجوب التلقي من جِهَته لجَوَاز أَن شُهُود الْخَارِج لَو وقتوا لَكَانَ أقدم، فَإِذا وَقع الشَّك فِي تضمنه معنى الدّفع فَلَا يقبل مَعَ الشَّك وَالِاحْتِمَال، جَامع الْفُصُولَيْنِ من الْفَصْل الثَّامِن.
قَالَ الرَّمْلِيّ أَقُول: هَذِه الْمَسْأَلَة المنقولة عَن الْخُلَاصَة لَيست من بَاب دَعْوَى الْملك الْمُطلق.
وَفِي الْخُلَاصَة: إِذا ادّعَيَا تلقي الْملك من رجلَيْنِ وَالدَّار فِي يَد أَحدهمَا فَإِنَّهُ يقْضِي للْخَارِج سَوَاء أرخا أَو لم يؤرخا، أَو أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر إِلَّا إِذا كَانَ تَارِيخ صَاحب الْيَد أسبق اهـ.
قَالَ: رجل ادّعى دَارا أَو عقارا أَو مَنْقُولًا فِي يَد رجل ملكا مُطلقًا وَأقَام الْبَيِّنَة على الْملك الْمُطلق وَأقَام ذُو الْيَد بَيِّنَة أَيْضا أَنه ملكه: فَبَيِّنَة الْخَارِج أولى عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة، وَهَذَا إِذا لم يذكرَا تَارِيخا.
وَأما إِذا ذكرَاهُ وتاريخهما سَوَاء فَكَذَلِك يقْضِي بِبَيِّنَة الْخَارِج، وَإِن كَانَ تَارِيخ أَحدهمَا أسبق فلاسبقهما تَارِيخا سَوَاء كَانَ خَارِجا أَو صَاحب يَد، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَول أبي يُوسُف قَول مُحَمَّد أَولا، وعَلى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ آخرا، لَا عِبْرَة فِيهِ للتاريخ بل يقْضِي للْخَارِج، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر فَكَذَلِك يقْضِي للْخَارِج.
من صرة الفتاوي نقلا من الذَّخِيرَة حجَّة الْخَارِج فِي الْملك
الْمُطلق أولى من حجَّة ذِي الْيَد، لِأَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُدَّعِي وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بِالْحَدِيثِ، إِلَّا إِذا كَانَا أرخا وَذُو الْيَد أسبق، لَان للتاريخ عِبْرَة عِنْد أبي حنيفَة فِي دَعْوَى الْملك الْمُطلق إِذا كَانَ من الطَّرفَيْنِ، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف آخرا، وَقَول مُحَمَّد أَولا.
وعَلى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ آخرا: لَا عِبْرَة لَهُ بل يقْضِي للْخَارِج دُرَر.
ادّعَيَا ملكا إِرْثا من أَبِيه وَالْعين فِي يَد ثَالِث (31) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(41) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا.
يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(51) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة: يقْضِي للاسبق إِن كَانَ تاريخهما لملك مورثهما، وَإِن كَانَ تاريخهما لمَوْت مورثهما: عِنْد مُحَمَّد: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(61) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا إِجْمَاعًا.
وَلَو ادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا إِرْثا من أَبِيه: فَلَو كَانَ الْعين فِي يَدِ ثَالِثٍ وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا سَوَاء فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحجَّة، وَإِن أرخا وَأَحَدهمَا أسبق فَهُوَ لاسبقهما عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف.
وَكَانَ أَبُو يُوسُف يَقُول أَولا: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ فِي الارث وَالْملك الْمُطلق ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَا قُلْنَا.
وَقَالَ مُحَمَّد فِي رِوَايَة أبي حَفْص كَمَا قَالَه أَبُو حنيفَة.
وَقَالَ فِي رِوَايَة أبي سُلَيْمَان: لَا عِبْرَة للتاريخ

(8/134)


فِي الارث فَيَقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن سبق تَارِيخ أَحدهمَا لانهما لَا يدعيان الْملك لانفسهما ابْتِدَاء بل لمورثهما ثمَّ يجرانه إِلَى أَنفسهمَا وَلَا تَارِيخ لملك المورثين، فَصَارَ كَمَا لَو حضر المورثان وبرهنا على الْملك الْمُطلق، حَتَّى لَو كَانَ لملك المورثين تَارِيخ: يقْضِي لاسبقهما.
أَقُول: يَنْبَغِي أَن يكون حكم هَذَا كَحكم دَعْوَى الشِّرَاء من اثْنَيْنِ، لَان المورثين كبائعين فِي تلقي الْملك مِنْهُمَا، فَمن لم يعْتَبر التَّارِيخ فِي الشِّرَاء من البائعين يَنْبَغِي أَن لَا يعْتَبر التَّارِيخ فِي الارث أَيْضا، فَرد الاشكال على من خَالف فيشكل التفصي: أَي التَّخَلُّص إِلَّا بِالْحملِ على الرِّوَايَتَيْنِ.
وَالْحَاصِل: أَن فِي اعْتِبَار تَارِيخ تلقي الْملك من البائعين اخْتِلَاف الرِّوَايَات على مَا سيجئ، فَكَذَا الارث، فَلَا فرق بَينهمَا فِي الحكم فَلَا إِشْكَال حِينَئِذٍ، وَإِن أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا
نِصْفَيْنِ إِجْمَاعًا لانهما ادّعَيَا تلقي الْملك من رجلَيْنِ فَلَا عِبْرَة للتاريخ.
وَقيل يقْضِي للمؤرخ عِنْد أبي يُوسُف جَامع الْفُصُولَيْنِ من الْفَصْل الثَّامِن.
وَفِي كتاب الدَّعْوَى من الْخُلَاصَة وَإِن أرخا لملك مورثهما يعْتَبر سبق التَّارِيخ فِي قَوْلهم جَمِيعًا اهـ: أَي بِأَن أَقَامَ أَحدهمَا بَيِّنَة أَن أَبَاهُ مَاتَ مُنْذُ سنة وَتركهَا مِيرَاثا لَهُ وَأقَام الآخر بَيِّنَة أَن أَبَاهُ مَاتَ مُنْذُ سنتَيْن وَتركهَا مِيرَاثا لَهُ، فَفِي هَذَا الْوَجْه خَالف مُحَمَّد أنقروي فِي دَعْوَى الارث.
ادّعَيَا ملكا إِرْثا من أَبِيهِمَا وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا أَي ادّعى كل مِنْهُمَا الارث من أَبِيه (71) : لم يؤرخا يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(81) : أَو أرخا تَارِيخا يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(91) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة: يقْضِي للاسبق إِن كَانَ تاريخهما لمَوْت مورثهما، وَإِن كَانَ تاريخهما لملك مورثهما عِنْد مُحَمَّد: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَرجح صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ قَول مُحَمَّد هُنَا.
(02) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا إِجْمَاعًا.
أَي كَمَا لَو كَانَت الْعين فِي يَد ثَالِث، وَلَو ادّعَيَا ملكا إِرْثا.
فَإِن كَانَت الْعين فِي أَيْدِيهِمَا فَكَذَلِك الْجَواب.
فِي أول الثَّامِن الْفُصُولَيْنِ مُلَخصا.
ادّعَيَا ملكا إِرْثا لابيه وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (12) : لم يؤرخا: يقْضِي للْخَارِج.
(22) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي للْخَارِج.
(32: أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: عِنْدهمَا يقْضِي للْخَارِج، ومشايخنا أفتوا بأولوية الاسبق على قَول الامامين.
(42) أَو أرخ أَحدهمَا الآخر: يقْضِي للْخَارِج إِجْمَاعًا.
وَلَو ادّعَيَا ملكا إِرْثا لابيه: إِن كَانَت الْعين فِي يَد أَحدهمَا وَلم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء يقْضِي للْخَارِج، وَإِن أرخا وَأَحَدهمَا أسبق فَهُوَ لاسبقهما.
وَعند مُحَمَّد: للْخَارِج لانه لَا عِبْرَة للتاريخ هُنَا، وَإِن أرخ أَحدهمَا لَا الآخر فَهُوَ للْخَارِج إِجْمَاعًا، وَقيل يقْضى للمؤرخ عِنْد أبي يُوسُف من جَامع الْفُصُولَيْنِ فِي الثَّامِن.
أَقُول: أَو أرخا وتاريخ الْخَارِج أسبق، وَإِن أرخا وتاريخ ذِي الْيَد أسبق فَهُوَ لَهُ.

(8/135)


وَالْحَاصِل: أَنه للْخَارِج إِلَّا إِذا سبق تَارِيخ ذِي الْيَد كَمَا سَيَأْتِي، وَوضع الْمَسْأَلَة فِي تلقي الْملك عَن
اثْنَيْنِ، خير الدّين.
وَفِي الْخُلَاصَة من الثَّالِث عشر من الدَّعْوَى: وَلَو ادّعَيَا الْمِيرَاث كل وَاحِد مِنْهُمَا يَقُولُ هَذَا لِي وَرِثْتُهُ مِنْ أَبِي لَو كَانَ فِي يَد أَحدهمَا فَهُوَ للْخَارِج، إِلَّا إِذا كَانَ تَارِيخ ذِي الْيَد أسبق فَهُوَ أولى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر فَهُوَ للْخَارِج بالاجماع.
قَالَ فِي الرَّابِع من الاستروشنية وَالثَّامِن من الْعمادِيَّة نقلا عَن التَّجْرِيد: لَو ادّعى صَاحب الْيَد الارث عَن أَبِيه وَادّعى خَارج مثل ذَلِك وَأقَام الْبَيِّنَة: يقْضِي للْخَارِج فِي قَوْلهم جَمِيعًا، وَلَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق قضى للاسبق عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف، وَعند مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج اهـ.
قَالَ فِي غَايَة الْبَيَان نقلا عَن الْمَبْسُوط لخواهر زَاده: إِن ادّعَيَا ملكا بِسَبَب بِأَن ادّعى كل تلقي الْملك من اثْنَيْنِ بِالْمِيرَاثِ أَو بِالشِّرَاءِ فَالْجَوَاب عَنهُ كالجواب فِي الْملك الْمُطلق على التَّفْصِيل الَّذِي ذَكرْنَاهُ اهـ.
وَقد ذكر أَن الْعين فِي الْملك الْمُطلق إِن كَانَت فِي يَد أَحدهمَا وأرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: فعلى قَول أبي حنيفَة وَقَول أبي يُوسُف الآخر وَهُوَ قَول مُحَمَّد الاول: يقْضِي لاسبقهما تَارِيخا، وعَلى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الآخر: يقْضِي للْخَارِج من هَامِش الانقروي فِي نوع دَعْوَى الارث من كتاب الدَّعْوَى.
ادّعَيَا الشِّرَاء من اثْنَيْنِ وَالْعين فِي يَد ثَالِث (52) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(62) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(72) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة للاسبق إِن كَانَ تاريخهما لملك بائعهما، وَإِن كَانَ تاريخهما لوقت اشترائهما: عِنْد مُحَمَّد يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَرجح صَاحب الْفُصُولَيْنِ قَول مُحَمَّد.
(82) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا اتِّفَاقًا.
وَإِن ادّعَيَا الشِّرَاء من اثْنَيْنِ وَالدَّار فِي يَد الثَّالِث، فَإِن لم يؤرخا أَو أرخا وتاريخهما على السوَاء: قضى بِالدَّار بَينهمَا، وَإِن أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق فَهُوَ على الِاخْتِلَاف الَّذِي ذكرنَا فِي الْمِيرَاث: يَعْنِي
أَن فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر فَهُوَ على مَا ذكرنَا فِي الْمِيرَاث أَيْضا.
وَأما إِذا ادّعَيَا الشِّرَاء من اثْنَيْنِ وأرخا الشِّرَاء وتاريخ أَحدهمَا أسبق: فقد روى عَن مُحَمَّد أَنَّهُمَا إِذا لم يؤرخا ملك البائعين: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ كَمَا فِي فصل الْمِيرَاث، فعلى هَذِه الرِّوَايَة لَا يحْتَاج إِلَى الْفرق بَين الشِّرَاء وَالْمِيرَاث، وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة: يقْضِي فِي فصل الشِّرَاء لاسبقهما تَارِيخا عِنْد مُحَمَّد، وعَلى ظَاهر رِوَايَة مُحَمَّد يحْتَاج إِلَى الْفرق.
أنقروي من نوع فِي دَعْوَى الشِّرَاء وَالْبيع.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَإِن ادّعَيَا الشِّرَاء من وَاحِد وَلم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحجَّة، وَإِن أرخا وَأَحَدهمَا أسبق: يقْضِي لاسبقهما اتِّفَاقًا، بِخِلَاف مَا لَو ادّعَيَا الشِّرَاء من رجلَيْنِ لانهما يثبتان الْملك لبائعهما وَلَا تَارِيخ بَينهمَا لملك البائعين فتاريخه لملكه لَا يعْتد بِهِ، وصارا كَأَنَّهُمَا حضرا وبرهنا على الْملك بِلَا تَارِيخ فَيكون بَينهمَا.
أما هُنَا فقد اتفقَا على أَن الْملك كَانَ لهَذَا الرجل، وَإِنَّمَا اخْتلفَا فِي الملتقي مِنْهُ وَهَذَا الرجل أثبت التلقي لنَفسِهِ فِي وَقت لَا ينازعه فِيهِ صَاحبه

(8/136)


فَيَقْضِي لَهُ بِهِ، ثمَّ لَا يقْضِي بِهِ لغيره بعد إِلَّا إِذا تلقى مِنْهُ وَهُوَ لَا يتلَقَّى مِنْهُ انْتهى.
وَفِيه أَيْضا أَقُول: يتَرَاءَى لي أَن الاصوب هُوَ أَن لَا يعْتَبر سبق التَّارِيخ فِي صُورَة التلقي من اثْنَيْنِ، إِذْ لَا تَارِيخ لابتداء ملك البائعين، فتاريخ المُشْتَرِي لملكه لَا يعْتد بِهِ مَعَ تعدد البَائِع فصارا كَأَنَّهُمَا حضرا وبرهنا على الْملك الْمُطلق بِلَا تَارِيخ اهـ.
ادّعَيَا شِرَاء من اثْنَيْنِ وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا (92) لم يؤرخا.
يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(03) أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(13) أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لاسبقهما.
(23) أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
وَفِي الرَّابِع من دَعْوَى الْمُحِيط فِي نوع فِي دَعْوَى صَاحب الْيَد تلقي الْملك من جِهَة غَيرهمَا: ادّعَيَا تلقي الْملك من جِهَة وَاحِدَة وَلم يؤرخا أَو أرخا وتاريخهما على السوَاء: يقْضِي بِالْعينِ بَينهمَا، وَكَذَلِكَ إِذا أرخ أَحدهمَا دون الآخر: يقْضِي بَينهمَا بِالدَّار، وَإِن أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لاسبقهما
تَارِيخا، وَإِن ادّعَيَا تلقي الْملك من جِهَة اثْنَيْنِ فَكَذَلِك الْجَواب على التَّفْصِيل الَّذِي قُلْنَا فِيمَا إِذا ادّعَيَا التلقي من جِهَة وَاحِدَة.
أنقروي فِي آخر دَعْوَى الشِّرَاء وَالْبيع.
ادّعَيَا عينا شِرَاء من اثْنَيْنِ وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (33) : لم يؤرخا يقْضِي للْخَارِج.
(43) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي للْخَارِج (53) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لاسبقهما.
(63) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر يقْضِي للْخَارِج إِذا ادّعَيَا تلقي الْملك من رجلَيْنِ وَالدَّار فِي يَد أَحدهمَا فَإِنَّهُ يقْضِي للْخَارِج سَوَاء أرخا أَو لم يؤرخا أَو أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر، إِلَّا إِذا كَانَ تَارِيخ صَاحب الْيَد أسبق.
خُلَاصَة من الثَّالِث عشر من كتاب الدَّعْوَى.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: عبد فِي يَد رجل برهن رجل على أَنه كَانَ لفُلَان اشْتَرَاهُ مِنْهُ عشرَة أَيَّام وَبرهن ذُو الْيَد على أَنه كَانَ لآخر اشْتَرَاهُ مِنْهُ مُنْذُ شهر بِكَذَا وَسَماهُ، فعلى قَول الثَّانِي فِي قَوْله الثَّانِي هُوَ لاسبقهما تَارِيخا وَهُوَ ذُو الْيَد.
وَقَالَ مُحَمَّد فِي قَوْله الآخر: هُوَ للْمُدَّعِي، وعَلى قِيَاس قَول الثَّانِي أَولا هُوَ للْمُدَّعِي اهـ.
أَقُول: فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يُفْتى لاسبقهما تَارِيخا، كَمَا لَو ادّعَيَا الشِّرَاء من وَاحِد، لَان الْعَمَل بِظَاهِر الرِّوَايَة أولى.
ادّعَيَا عينا شِرَاء من وَاحِد وَالْعين فِي يَد ثَالِث (73) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(83) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي للْخَارِج.
(93) :

(8/137)


أَو أرخا وتاريخ أحداهما أسبق: يقْضِي لاسبقهما (04) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي للْخَارِج، وَإِن ادّعَيَا الشِّرَاء من وَاحِد وَلم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحجَّة، وَإِن أرخا وَأَحَدهمَا أسبق يقْضِي لاسبقهما اتِّفَاقًا، وَإِن أرخ أَحدهمَا: أَي وهما خارجان لَا الآخر فَهُوَ للمؤرخ اتِّفَاقًا.
من الْفُصُولَيْنِ من الثَّامِن.
وَلَو ادّعَيَا الشِّرَاء وَالدَّار فِي يَد ثَالِث، إِن ادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا الشِّرَاء من صَاحب الْيَد وَلم
يؤرخا وَأَقَامَا الْبَيِّنَة يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ لكل وَاحِد مِنْهُمَا النّصْف بِنصْف الثّمن، وَلَهُمَا الْخِيَار: إِن شَاءَ قبض كل وَاحِد مِنْهُمَا النّصْف بِنصْف الثّمن، وَإِن شَاءَ ترك، فَإِن ترك أَحدهمَا: إِن ترك قبل الْقَضَاء فالآخر يَأْخُذهُ بِجَمِيعِ الثّمن بِلَا خِيَار، وَإِن ترك بعد الْقَضَاء لَا يقبض إِلَّا النّصْف بِنصْف الثّمن.
وَلَو ادّعَيَا الشِّرَاء من غير صَاحب الْيَد فَهِيَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، هَذَا إِذا لم يؤرخا أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا، وَلَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق فأسبقهما تَارِيخا أولى بالاجماع، فَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر يقْضِي لصَاحب التَّارِيخ.
خُلَاصَة من الثَّالِث عشر من الدَّعْوَى.
وَلَو كَانَ الْمَبِيع فِي يَد بَائِعه فبرهن أَحدهمَا على الشِّرَاء وَأَنه قَبضه مُنْذُ شهر وَبرهن آخر على الشِّرَاء وَأَنه قَبضه مُنْذُ عشرَة أَيَّام فذو الْوَقْت الاول أولى.
جَامع الْفُصُولَيْنِ.
ادّعَيَا شِرَاء من وَاحِد وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا (14) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(24) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(34) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لاسبقهما.
(44) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
وَإِن ادّعَيَا الشِّرَاء من وَاحِد وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا فَهُوَ بَينهمَا، إِلَّا إِذا أرخا وَأَحَدهمَا أسبق فَحِينَئِذٍ يقْضِي لاسبقهما.
من جَامع الْفُصُولَيْنِ من الثَّامِن مُلَخصا.
إِذا ادّعَيَا تلقي الْملك من جِهَة وَاحِدَة وَلم يؤرخا أَو أرخا وتاريخهما على السوَاء: يقْضِي بِالْعينِ بَينهمَا، وَكَذَلِكَ إِذا أرخ أَحدهمَا دون الآخر: يقْضِي بَينهمَا، وَإِن أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق يقْضِي لاسبقهما تَارِيخا.
فِي الرَّابِع من دَعْوَى الْمُحِيط.
وَفِي بَاب بَيَان اخْتِلَاف الْبَينَات فِي البيع وَالشِّرَاء من دَعْوَى الْمُحِيط: إِن كَانَت الْعين فِي أَيْدِيهِمَا يقْضِي بَينهمَا فِي الْفُصُول، إِلَّا إِذا أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق.
وَفِي غَايَة الْبَيَان عَن مَبْسُوط خُوَاهَر زَاده: إِن كَانَت الْعين فِي أَيْدِيهِمَا إِن لم يؤرخا أَو أرخ سَوَاء أَو أرخ أَحدهمَا دون الآخر: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، أما فِي الاولين فَلَا إِشْكَال فِيهِ.
وَأما إِذا أرخ أَحدهمَا دون الآخر فَكَذَلِك يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، لانه لَا عِبْرَة للتاريخ حَالَة الِانْفِرَاد إِذا كَانَت الْعين المؤرخ بيدهما مَعًا، أَلا ترى أَنه لَو كَانَ فِي يَد أَحدهمَا فأرخ الْخَارِج لَا يكون تَارِيخ أَحدهمَا عِبْرَة لَا تنقض يَد ذِي الْيَد بِالِاحْتِمَالِ؟ فَكَذَا لَا يكون
التَّارِيخ عِبْرَة إِذا كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا حَتَّى لَا ينْقض مَا يثبت من يَد الآخر فِي النّصْف، وَإِن لم يكن للتاريخ حَالَة الِانْفِرَاد عِبْرَة بِمُقَابلَة الْيَد صَار وجود التَّارِيخ وَعَدَمه بِمَنْزِلَة، وَلَو عدم: يقْضِي بِالدَّار بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
من هَامِش الانقروي فِي أول دَعْوَى الشِّرَاء وَالْبيع.
ادّعَيَا عينا شِرَاء من وَاحِد وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (54) : لم يؤرخا: يقْضِي لذِي الْيَد.
(64) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي لذِي الْيَد.
(74) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لاسبقهما.
(84) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي لذِي الْيَد.
وَإِن

(8/138)


ادّعَيَا الشِّرَاء من وَاحِد وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا فَهُوَ لذِي الْيَد سَوَاء أرخ أَو لم يؤرخ، إِلَّا إِذا أرخا وتاريخ الْخَارِج أسبق فَيَقْضِي بِهِ للْخَارِج ف أول الْفَصْل الثَّامِن من الْفُصُولَيْنِ.
وَفِيه فِي أواسط الْفَصْل الْمَذْكُور: وَلَو ادّعى الْخَارِج وَذُو الْيَد بِسَبَب بِهَذَا السَّبَب نَحْو شِرَاء وإرث وَشبهه، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يدعيا تلقي الْملك من جِهَة وَاحِد أَو من جِهَة اثْنَيْنِ: فَلَو ادعياه من جِهَة وَاحِد وبرهنا حكم بِهِ لذِي الْيَد لَو لم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء، فَلَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق فَهُوَ أولى، وَلَو أرخ أَحدهمَا فذو الْيَد أولى، إِذْ وَقت السَّاكِت مُحْتَمل فَلَا ينْقض قَبضه بشك اهـ.
وَفِيه أَيْضا فِي الْمحل الْمَزْبُور بِإِشَارَة الْمَبْسُوط: وَأَجْمعُوا أَن الْخَارِج وَذَا الْيَد لَو أثبتا الشِّرَاء من وَاحِد وأرخ أَحدهمَا لَا الآخر فذو التَّارِيخ أولى (فش) ذُو الْيَد أولى (فث) إِذْ تَارِيخ الْخَارِج فِي حَقه مخبر بِهِ وَالْقَبْض فِي حق ذِي الْيَد معاين، وَهُوَ دَلِيل على سبق عقده، والمعاينة أقوى من الْخَبَر إِلَّا إِذا أرخا وتاريخ الْخَارِج أسبق يحكم للْخَارِج اهـ.
وَفِي بعده مَسْأَلَة: وَلَو برهن من لَيْسَ بِيَدِهِ على أَنه قَبضه مُنْذُ شهر وَبرهن ذُو الْيَد على قَبضه بِلَا تَوْقِيت أَو برهن على الشِّرَاء وَلم يذكر شُهُوده الْقَبْض فالمبيع لَهُ، إِذْ يَده فِي الْحَال تدل على مَا سبق قَبضه وَقد ثَبت لَهُ التَّارِيخ ضمنا وَلَا يدْرِي أَنه قبل قبض الْخَارِج أَو بعده فلغت الْبَيِّنَتَانِ، وترجح ذُو الْيَد بِيَدِهِ الْقَائِمَة فِي الْحَال اهـ.
ادّعَيَا عينا أَحدهمَا ملكا مُطلقًا وَالْآخر نتاجا وَالْعين فِي يَد ثَالِث
(94) : لم يؤرخا: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
(05) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
(15) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
(25) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
ادّعَيَا عينا ملكا مُطلقًا وَالْآخر نتاجا وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا (35) : لم يؤرخا: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
(45) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
(55) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
(65) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
ادّعَيَا عينا أَحدهمَا ملكا مُطلقًا وَالْآخر نتاجا وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا (75) : لم يؤرخا: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
(85) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي لصالح النِّتَاج.
(95) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
(06) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
فِي بَاب دَعْوَى الرجلَيْن من الدُّرَر وَالْغرر: وَلَو برهن أَحدهمَا من الْخَارِج وَذي الْيَد على الْملك الْمُطلق وَالْآخر على النِّتَاج فذو النِّتَاج أولى.
وَفِي الْبَاب الْمَزْبُور من الملتقي: وَلَو برهنا على الْملك وَالْآخر على النِّتَاج فَهُوَ أولى، وَكَذَا لَو كَانَا خَارِجين اهـ.
وَفِي بَاب مَا يَدعِيهِ الرّجلَانِ من شرح الْمجمع: لَو أَقَامَ أحد المدعيين بَيِّنَة على الْملك وَالْآخر على النِّتَاج قدم صَاحب النِّتَاج سَوَاء كَانَ خَارِجا أَو ذَا يَد، لَان صَاحب النِّتَاج يثبت أولية الْملك فَلَا يملكهُ الْغَيْر إِلَّا بالتلقي مِنْهُ اهـ.

(8/139)


وَقَالَ أَبُو السُّعُود الْعِمَادِيّ فِي تحريراته: قد علم من هَذِه النقول أَنه لَا فرق فِي أَوْلَوِيَّة صَاحب النِّتَاج بَين أَن تكون الْعين فِي يَد أَحدهمَا أَو فِي يَد ثَالِث، فَإِن كَانَت الْعين فِي يدهما فَكَذَلِك صَاحب النِّتَاج أولى، لَان كل وَاحِد من صَاحب الْيَد ذُو يَد فِي نصفه وخارج فِي النّصْف الآخر كذي الْيَد مَعَ
الْخَارِج.
وَالْحَاصِل: إِذا برهن المدعيان أَحدهمَا على الْملك الْمُطلق وَالْآخر على النِّتَاج تقدم بَيِّنَة النِّتَاج، سَوَاء كَانَ الْعين فِي يَد أَحدهمَا أَو فِي يدهما أَو فِي يَد ثَالِث كَمَا بَين فِي الاصول اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْر الرَّائِق فِي الْقَضَاء: أطْلقُوا هَذِه الْعبارَة وَهِي قَوْلهم: تقدم بَيِّنَة النِّتَاج على بَيِّنَة الْملك الْمُطلق، فَشَمَلَ مَا إِذا أرخا واستويا أَو سبق أَحدهمَا أَو أرخ أَحدهمَا أَو لم يؤرخا أصلا، فَلَا اعْتِبَار للتاريخ مَعَ النِّتَاج إِلَّا من أرخ تَارِيخا مستحيلا بِأَن لم يُوَافق سنّ الْمُدَّعِي لوقت ذِي الْيَدِ وَوَافَقَ وَقْتَ الْخَارِجِ فَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ للْخَارِج، وَلَو خَالف سنه للوقتين لَغَتْ الْبَيِّنَتَانِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَيُتْرَكُ فِي يَد ذِي الْيَد على مَا كَانَ.
والنتاج بِكَسْر النُّون: ولادَة الْحَيَوَان وَوَضعه عِنْد مِنْ نُتِجَتْ عِنْدَهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَلَدَتْ وَوَضَعَتْ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالْمُرَادُ: وِلَادَتُهُ فِي مِلْكِهِ أَو ملك بَائِعه أَو مورثها اهـ.
وَالْمرَاد لكَون التَّارِيخ مستحيلا فِي دَعْوَى النِّتَاج عدم مُوَافقَة التَّارِيخ لسن الْمَوْلُود.
وَدَعوى النِّتَاج دَعْوَى سَبَب الْملك بِالْولادَةِ فِي ملكه، لَان سَبَب ذَلِك نَوْعَانِ: أَحدهمَا: لَا يُمكن تكرره وَالثَّانِي: يُمكن تكرره، فَمَا لَا يُمكن تكرره هُوَ النِّتَاج، فوقوع النِّتَاج فِي الْخَارِج مرَّتَيْنِ محَال: يَعْنِي لَا يتَصَوَّر عود الْوَلَد إِلَى بطن أمه ثمَّ خُرُوجه مرّة بعد أُخْرَى، فَإِذا كَانَ الامر كَذَلِك الْوَلَد لَا يُعَاد وِلَادَته بعد الْولادَة مرّة أُخْرَى، وَمَا كَانَ من الْمَتَاع كَذَلِك وَلَا يصنع مرّة أُخْرَى بعد نقضه فَلَا يكون نَحْو النِّتَاج كَمَا صرح بِهِ فِي المفصلات اهـ.
فدعوى النِّتَاج دَعْوَى مَا لَا يتَكَرَّر كَمَا صرح بِهِ قاضيخان فِي آخر دَعْوَى الْمَنْقُول، وَدَعوى النِّتَاج دَعْوَى أولية الْملك كَمَا ذكرُوا فِي آخر الْفَصْل الثَّامِن من الْفُصُولَيْنِ، فَيكون كل دَعْوَى أولية الْملك كالنتاج، وعَلى هَذَا اتِّفَاق الائمة الفحول فِي الْفُرُوع والاصول كَمَا حَقَّقَهُ جوى زَاده.
فَكل سَبَب للْملك من الْمَتَاع مَا لَا يتَكَرَّر: يَعْنِي لَا يُعَاد وَلَا يصنع مرّة بعد أُخْرَى بعد نقضه فَهُوَ فِي معنى النِّتَاج، وَدَعوى الْملك بِهَذَا السَّبَب كدعواه بالنتاج فَإِن مثله فِي عدم التكرر فَحكمه كحكمه فِي جَمِيع أَحْكَامه، وَأما كل سَبَب للْملك من الْمَتَاع مَا يتَكَرَّر: يَعْنِي يُعَاد ويصنع مرّة بعد أُخْرَى بعد نقضه: فَهُوَ لَا يكون بِمَعْنى النِّتَاج بل يكون فِي منزلَة الْملك الْمُطلق كَمَا صرح بِهِ فِي الْمُحِيط والمبسوط والزيلعي والظهيرية وَغَيرهَا اهـ.
مِثَال مَا لَا يتَكَرَّر كنسخ ثِيَاب قطنية أَو كتانية لَا تنسج إِلَّا مرّة، فنسج ثوب قطن أَو كتَّان سَبَب للْملك لَا يتَكَرَّر فَهُوَ كالنتاج، فَلَو أَقَامَ خَارج وَذُو يَد على أَن هَذَا الثَّوْب ملكه وَأَنه نسخ عِنْده فِي ملكه كَانَ ذُو الْيَد أولى كَمَا فِي الْخَانِية وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهمَا اهـ.
وكحلب لبن فَحلبَ لبن سَبَب للْملك لَا يتَكَرَّر فَهُوَ كالنتاج، فَلَو برهن كل من خَارج وَذي يَد على أَن هَذَا اللَّبن حلب فِي ملكه كَانَ ذُو الْيَد أولى كَمَا نَقله شَارِح الملتقي وَحْدَتي عُثْمَان أَفَنْدِي الاسكوبي.

(8/140)


وَمِثَال مَا يتَكَرَّر كالمنطقة المصنوعة من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَغَيرهمَا كالبناء وَالشَّجر والمغروس وَالْبر المزروع وَسَائِر الْحُبُوب وَنَحْوهَا مثلا فَهُوَ مِمَّا يتَكَرَّر ويعاد لَهُ بعد النَّقْض مرّة أُخْرَى، فَلَو برهن كل من الْخَارِج وَذي الْيَد أَن المنطقة صنعت فِي ملكه وَأَن الشّجر المغروس لَهُ فِي ملكه وَأَن الْبر لَهُ زرعه والحبوب الْمَمْلُوكَة لَهُ كَانَ الْخَارِج أولى، لاحْتِمَال أَن الْخَارِج فعله أَولا ثمَّ غصبه ذُو الْيَد مِنْهُ ونقضه وَفعل ثَانِيًا فَيكون ملكا لَهُ بِهَذَا الطَّرِيق، فَلم يكن فِي معنى النِّتَاج بل يكون بِمَنْزِلَة الْملك الْمُطلق كَمَا ذكره ابْن ملك على الْمجمع، فَإِن الذَّهَب الْمَصْنُوع وَالْفِضَّة المصنوعة وَالْبناء ينْقض ويعاد ثَانِيًا، وَالشَّجر يغْرس ثمَّ يقطع من الارض ويغرس ثَانِيًا، والحبوب تزرع ثمَّ تغربل مَعَ التُّرَاب فتميز ثمَّ تزرع ثَانِيًا، وَكَذَلِكَ الْمُصحف الشريف مِمَّا يتَكَرَّر، فَلَو أَقَامَ كل من الْخَارِج وَذي الْيَد الْبَيِّنَة أَنه مصحفه كتبه فِي ملكه فَإِنَّهُ يقْضِي بِهِ للْمُدَّعِي، لَان الْكِتَابَة مِمَّا يتَكَرَّر يكْتب ثمَّ يمحى ثمَّ يكْتب كَمَا فِي دَعْوَى الْمَنْقُول من قاضيخان.
وَفِي الْخُلَاصَة فِي الثَّالِث عشر من الدَّعْوَى: أما لسيف فَمِنْهُ مَا يضْرب مرَّتَيْنِ وَمِنْه مَا يضْرب مرّة وَاحِدَة فَيسْأَل عُلَمَاء الصياقلة، إِن قَالُوا يضْرب مرَّتَيْنِ يقْضِي للْمُدَّعِي، وَإِن قَالُوا مرّة يقْضِي لذِي الْيَد، فَإِن أشكل عَلَيْهِم أَو اخْتلفُوا، فَفِي رِوَايَة أبي سُلَيْمَان: يقْضِي بِهِ لذِي الْيَد، وَفِي رِوَايَة حَفْص: يقْضِي للْخَارِج.
وَفِي الْوَجِيز للسرخسي: وَإِن كَانَ مُشكلا فالاصح أَنه مُلْحق بالنتاج اهـ.
وَفِي الدُّرَر: فَإِن أشكل يرجع إِلَى أهل الْخِبْرَة لانهم أعرف بِهِ، فَإِن أشكل عَلَيْهِم قضى بِهِ للْخَارِج، لَان الْقَضَاء بِبَيِّنَة هُوَ
الاصل والعدول عَنهُ بِحَدِيث النِّتَاج، فَإِذا لم يعلم يرجع إِلَى الاصل اهـ.
ادّعَيَا عينا نتاجا وَالْعين فِي يَد ثَالِث (16) : لم يؤرخا: إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر: قضى بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(26) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود للْوَقْت الَّذِي ذكر قضى بِهِ بَينهمَا، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل عَلَيْهِمَا قضى بِهِ بَينهمَا كَذَلِك نِصْفَيْنِ، وَإِن خَالف مِنْهُ الْوَقْت الَّذِي ذكرا بطلت الْبَيِّنَتَانِ عِنْد الْبَعْض وَيقْضى بِهِ بَينهمَا عِنْد الْبَعْض، وَهُوَ الاصح على مَا قَالَه الزَّيْلَعِيّ وحققه صَاحب الدُّرَر.
(36) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود لتاريخ أَحدهمَا قضى بِهِ إِن وَافق سنه وقته، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل عَلَيْهِمَا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن أشكل على أَحدهمَا.
قضى بِهِ لمن أشكل عَلَيْهِ، وَإِن خَالف للوقتين يطْلب الْبَيَان عِنْد الْبَعْض، وَهُوَ الاصح على مَا قَالَه الزَّيْلَعِيّ وحققه صَاحب الدُّرَر.
وَإِن خَالف سنّ الْمَوْلُود لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ: قضى بِهِ للْآخر.
(46) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضى بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان أَو الرَّقِيق: إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود التَّارِيخ المؤرخ قضى بِهِ للمؤرخ، وَإِن لم يُوَافق بِأَن

(8/141)


أشكل عَلَيْهِمَا يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن خَالف سنه لوقت المؤرخ: يقْضِي بِهِ لمن لم يؤرخ، لانه إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ وَهُوَ مُشكل فِي الْوَقْت الآخر: قضي بهَا لمن أشكل عَلَيْهِ وَهُوَ من لم يؤرخ.
ادّعَيَا نتاجا وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا (56) : لم يؤرخا: إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضِي بِهِ بَينهمَا
نِصْفَيْنِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(66) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود للْوَقْت الَّذِي ذكر: قضى بِهِ بَينهمَا، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل عَلَيْهِمَا: قضى بِهِ بَينهمَا كَذَلِك نِصْفَيْنِ، وَإِن خَالف سنه للْوَقْت الَّذِي ذكرا بطلت الْبَيِّنَتَانِ عِنْد الْبَعْض وَيَقْضِي بِهِ بَينهمَا عِنْد الْبَعْض، وَهُوَ الاصح على مَا قَالَه الزَّيْلَعِيّ وَحقه صَاحب الدُّرَر.
(76) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: إِن ادّعَيَا بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود لتاريخ أَحدهمَا: قضى بِهِ لمن وَافق سنه وقته، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل عَلَيْهِمَا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن أشكل على وَاحِد مِنْهُمَا: قضى بِهِ لمن أشكل عَلَيْهِ، وَإِن خَالف سنه للوقتين بطلت الْبَيِّنَتَانِ عِنْد الْبَعْض، وَهُوَ الاصح على مَا قَالَه الزَّيْلَعِيّ وحققه صَاحب الدُّرَر.
وَإِن خَالف سنّ الْمَوْلُود لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ: قضى بِهِ للْآخر.
(86) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر، إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضى بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: وَإِن وَافق سنّ الْمَوْلُود لتاريخ المؤرخ قضى بِهِ للمؤرخ، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن خَالف الْوَقْت المؤرخ: يقْضى بِهِ لمن لم يؤرخ انْتهى.
لانه إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ وَهُوَ أشكل الْوَقْت الآخر: قضى بِهِ لمن أشكل عَلَيْهِ وَهُوَ من لم يؤرخ.
فِي أَوَاخِر الْفَصْل الثَّامِن من الْفُصُولَيْنِ: التَّارِيخ فِي دَعْوَى النِّتَاج لَغْو على كل حَال أرخا سَوَاء أَو مُخْتَلفين أَو لم يؤرخا أَو أرخ أَحدهمَا فَقَط انْتهى.
وَفِيه: برهن الخارجان على النِّتَاج: فَلَو لم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر فَهُوَ بَينهمَا لفقد الْمُرَجح، وَلَو أرخا وَأَحَدهمَا أسبق: فَلَو وَافق سنه لاحدهما فَهُوَ لَهُ لظُهُور كذب الآخر، وَلَو خالفهما أَو أشكل فَهُوَ بَينهمَا لانه لم يثبت الْوَقْت فكأنهما لم يؤرخا.
وَقيل فِيمَا خالفهما بطلت الْبَيِّنَتَانِ لظُهُور كذبهما فَلَا يقْضِي لَهما اهـ.
وَاعْلَم أَنه إِذا تنَازعا فِي دَابَّة وبرهنا على النِّتَاج عِنْده أَو عِنْد بَائِعه وَلم يؤرخا يحكم بهَا لذِي الْيَد إِن كَانَت فِي يَد أَحدهمَا، أَو يحكم لَهما إِن كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا أَو فِي يَد ثَالِث كَمَا ذكره الزَّيْلَعِيّ.
وَفِي الثَّامِن عشر من دَعْوَى التاترخانية: وَإِن أرخا سَوَاء ينظر إِلَى سنّ الدَّابَّة: إِن كَانَ مُوَافقا للْوَقْت الَّذِي ذكرا يقْضِي بهَا بَينهمَا، وَإِن أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق يقْضِي لصَاحب الْوَقْت الَّذِي سنّ

(8/142)


الدَّابَّة عَلَيْهِ اهـ.
يَعْنِي قضى لمن وَافق سنّهَا وقته، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر وَوَافَقَ سنّ الدَّابَّة الْوَقْت المؤرخ: قضى بِهِ للمؤرخ أَيْضا، لانه إِذا كَانَ أَحدهمَا أسبق قضى بِهِ لمن وَافق سنّهَا وقته، فَإِذا كَانَ الامر كَذَلِك: إِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر كَانَ وَقت غير المؤرخ مُبْهما لعدم ذكر التَّارِيخ، فَإِن فرض المؤرخ سَابِقًا أَو غير سَابق يَسْتَقِيم على صُورَة مَسْأَلَة سبق أحد التاريخين، وَفِي ذَلِك قضى لمن وَافق سنّهَا، فَهُنَا كَذَلِك قضى للمؤرخ لموافقة تَارِيخه سنّهَا، وَإِن فرض المؤرخ مُسَاوِيا لغير المؤرخ قضى للمؤرخ أَيْضا لَان فِي مُوَافقَة غير المؤرخ شكا فَلَا يُعَارضهُ لموافقته المؤرخ.
كَذَا حَقَّقَهُ جوي زَاده فِي تحريراته اهـ.
فَلَا فرق للْقَضَاء لمن وَافق سنّهَا بَين أَن تكون الدَّابَّة فِي يَد أَحدهمَا أَو فِي يديهما أَو فِي يَد ثَالِث لَان الْمَعْنى لَا يخْتَلف، وَإِن خَالف سنّهَا للوقتين أَو أشكل يقْضِي بهَا بَينهمَا إِن كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا أَو فِي يَد ثَالِث.
وَإِن كَانَت فِي يَد أَحدهمَا: قضى بهَا لذِي الْيَد كَمَا حَقَّقَهُ صَاحب الدُّرَر نقلا عَن الزَّيْلَعِيّ وأيده بقوله وَهُوَ الاصح اهـ.
ثمَّ اعْلَم أَن هَذَا إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا للوقتين، أما إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ وَهُوَ مُشكل فِي الْوَقْت الآخر: قضى بالدابة لصَاحب الْوَقْت الَّذِي أشكل سنّ الدَّابَّة عَلَيْهِ، كَذَا فِي الثَّانِي عشر من دَعْوَى التاترخانية اهـ.
هَذَا إِن أرخا كِلَاهُمَا، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر وَكَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لتاريخ المؤرخ: يقْضِي لمن لم يؤرخ لانه بِالطَّرِيقِ الاولى فِي أَن يكون مُشكلا على من لم يؤرخ، لَان من لم يؤرخ أبهم وقته فتحقق الاشكال بَينه وَبَين سنّ الدَّابَّة بِالطَّرِيقِ الاولى، فَيقْضى بالدابة لمن أشكل عَلَيْهِ سنّ الدَّابَّة وَهُوَ من لم يؤرخ.
كَذَا حَقَّقَهُ جوي زَاده فِي تحريراته انْتهى.
وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر وَكَانَ سنّ الدَّابَّة مُشكلا عَلَيْهِمَا قضى بَينهمَا كَمَا فِي الثَّانِي عشر وَالثَّالِث عشر
من دَعْوَى التاترخانية انْتهى.
هَذَا إِذا كَانَت الدَّابَّة فِي أَيْدِيهِمَا أَو فِي يَد ثَالِث.
وَأما إِذا كَانَت فِي يَد أَحدهمَا قضى بهَا لذِي الْيَد إِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر وَكَانَ سنّ الدَّابَّة مُشكلا عَلَيْهِمَا كَمَا حَقَّقَهُ جوى زَاده فِي تحريراته.
وَالْمرَاد من الْمُخَالفَة بَين السن والوقتين كَون الدَّابَّة أكبر من الْوَقْتَيْنِ أَو أَصْغَر مِنْهُمَا كَمَا فِي الثَّامِن عشر من دَعْوَى الْمُحِيط.
وَفِي عبارَة دَعْوَى التَّتِمَّة فِي فصل مَا يتَرَجَّح بِهِ إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ: إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة دون الْوَقْتَيْنِ أَو فَوْقهمَا يكون مُخَالفا للوقتين، وَالْمرَاد بالاشكال عدم ظُهُور سنّ الدَّابَّة كَمَا قَالَ ابْن مَالك على الْمجمع فِي بَاب مَا يَدعِيهِ الرّجلَانِ، فَإِن أشكل: أَي إِن لم يظْهر سنّ الدَّابَّة اهـ.
وَاخْتلفت عِبَارَات بعض النّسخ فِيمَا إِذا خَالف سنّ الدَّابَّة للوقتين.
قَالَ فِي الْهِدَايَة فِي بَاب مَا يَدعِيهِ الرّجلَانِ: وَإِن خَالف سنّ الدَّابَّة للوقتين بطلت الْبَيِّنَتَانِ.
كَذَا ذكره الْحَاكِم وَتَبعهُ فِي الْكَافِي وَالنِّهَايَة وَغَايَة الْبَيَان والبدائع.
وَقَالَ مُحَمَّد: والاصح أَن تكون الدَّابَّة بَينهمَا، لانه إِذا خَالف سنّ الدَّابَّة للوقتين أَو أشكل يسْقط اعْتِبَار ذكر الْوَقْت فَينْظر إِلَى مقصودهما وَهُوَ إِثْبَات الْملك فِي الدَّابَّة وَقد اسْتَويَا فِي الدَّعْوَى وَالْحجّة فَوَجَبَ الْقَضَاء بهَا بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
كَذَا فِي الْكَافِي كَمَا حَقَّقَهُ جوي زَاده فِي تحريراته.
وَفِي آخر الْفَصْل الثَّامِن من الْفُصُولَيْنِ: التَّارِيخ فِي دَعْوَى النِّتَاج لَغْو على كل حَال أرخا سَوَاء أَو مُخْتَلفين أَو لم يؤرخا أَو أرخ أَحدهمَا فَقَط.
قَالَ الْمولى قَاضِي زَاده أخذا من كَلَام صَاحب الدُّرَر والبدائع: بِأَن مُخَالفَة السن للوقتين مكذب الْوَقْتَيْنِ لَا مكذب الْبَيِّنَتَيْنِ، فاللازم مِنْهُ سُقُوط اعْتِبَار ذَلِك

(8/143)


الْوَقْت لَا سُقُوط اعْتِبَار أصل الْبَيِّنَتَيْنِ، لانا لم نتيقن بكذب إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لجَوَاز أَن يكون سنّ الدَّابَّة مُوَافقا للوقتين وَلَا يعرف النَّاظر كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ السَّرخسِيّ فِي محيطه، وَقد يُشَاهد أَن بعض أهل النّظر نظر فِي سنّ فرس وَقَالَ إِن سنه اثْنَان وَنصف وَكَانَ سنه ثَلَاثًا وَنصفا.
فَإِذا تقرر هَذَا فَاعْلَم أَنه إِذا لم يثبت الْوَقْت صَار كَمَا لَو لم يُوَقت على ذكر شيخ الاسلام الاسبيجابي فِي شرح الْكَافِي، لَان الاصل عدم اعْتِبَار التَّارِيخ فِي النِّتَاج كَمَا مر آنِفا من الْفُصُولَيْنِ كَذَا
حَقَّقَهُ جوي زَاده فِي تحريراته.
وَقَالَ: قَالَ قاضيخان فِي أَوَاخِر دَعْوَى الْمَنْقُول: وَإِن خَالف سنّ الدَّابَّة الْوَقْتَيْنِ: فِي رِوَايَة يقْضى لَهما، وَفِي رِوَايَة يبطل الْبَيِّنَتَانِ اهـ.
وَكَذَا فِي خزانَة الاكمل.
وَفِي الثَّامِن من الْعمادِيَّة.
وَفِي الرَّابِع عشر من الاستروشنية كَمَا فِي الْخَانِية: وَالظَّاهِر من كَلَام قاضيخان أَنه رجح الْقَضَاء بَينهمَا لانه قَالَ فِي أول كِتَابه: وَفِيمَا كثرت فِيهِ الاقاويل من الْمُتَأَخِّرين اختصرت عَلَى قَوْلٍ أَوْ قَوْلَيْنِ وَقَدَّمْتُ مَا هُوَ الاظهر وافتتحت بِمَا هُوَ الاشهر.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيّ فِي شرح الْكَنْز نقلا من الْمَبْسُوط: والاصح أَنَّهُمَا لَا تبطلان، بل يقْضِي بَينهمَا إِذا كَانَا خَارِجين أَو كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا، وَإِن كَانَت فِي يَد أَحدهمَا يقْضِي بهَا لذِي الْيَد، وَهَكَذَا ذكر مُحَمَّد.
وَأما مَا ذكره الْحَاكِم بقوله بطلت الْبَيِّنَتَانِ، وَهُوَ قَول بعض الْمَشَايِخ وَهُوَ لَيْسَ بشئ اهـ.
وَاعْتمد صَاحب الدُّرَر مَا فِي الزَّيْلَعِيّ.
وَقَالَ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ: وَقَول الزَّيْلَعِيّ ظَاهر الرِّوَايَة وَهُوَ اخْتِيَار الائمة الثَّلَاثَة كَمَا فِي مِعْرَاج الدِّرَايَة.
وَفِي رضَاع الْبَحْر: الْفَتْوَى إِذا اخْتلفت كَانَ التَّرْجِيح بِظَاهِر الرِّوَايَة تمت النقول من تحريرات المرحوم أنقروي أَفَنْدِي رَحمَه الله تَعَالَى.
ادّعَيَا عينا نتاجا وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (96) : لم يؤرخا إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع قضى بِهِ لذِي الْيَد، وَإِن أَقَامَ كل مِنْهُمَا بَيِّنَة على النِّتَاج فَصَاحب الْيَد أولى.
كَذَا أفتى الْمولى عَليّ أَفَنْدِي.
وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: قضى بِهِ لذِي الْيَد من بَاب دَعْوَى الرجلَيْن فِي دَعْوَى الْهِنْدِيَّة.
(07) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا، إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع قضى بِهِ لصَاحب الْيَد، وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق، إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود للْوَقْت الَّذِي ذكرا: قضى بِهِ لذِي الْيَد، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل أَو خالفهما: قضى بِهِ لذِي الْيَد كَذَلِك.
(17) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع قضى بِهِ لصَاحب الْيَد، وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق، إِن وَافق سنّ الدَّابَّة
لتاريخ أَحدهمَا: قضى بِهِ لمن وَافق سنه، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل عَلَيْهِمَا: قضى بِهِ لذِي الْيَد، وَإِن أشكل على أَحدهمَا: قضى بِهِ لمن أشكل عَلَيْهِ، وَإِن خَالف سنه للوقتين: قضى بِهِ لذِي الْيَد، وَإِن خَالف لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ قضى بِهِ للْآخر.
(27) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: إِن ادّعَيَا أَن الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع قضى بِهِ لصَاحب الْيَد، وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود لتاريخ المؤرخ: قضى بِهِ للمؤرخ، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل عَلَيْهِمَا: قضى بِهِ لذِي الْيَد، وَإِن خَالف سنه لوقت المؤرخ: يقْضِي بِهِ لمن لم يؤرخ، لانه إِذا

(8/144)


كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ وَهُوَ مُشكل فِي الْوَقْت الآخر: قضى بِهِ لمن أشكل عَلَيْهِ وَهُوَ من لم يؤرخ.
قَالَ مُحَمَّد فِي الاصل: إِذا ادّعى الرجل دَابَّة فِي يَد إِنْسَان أَنَّهَا ملكه نتجت عِنْده وَأقَام بَيِّنَة عَلَيْهِ وَأقَام صَاحب الْيَد بَيِّنَة بِمثل ذَلِك الْقيَاس يقْضى بهَا للْخَارِج.
وَفِي الِاسْتِحْسَان: يقْضِي بِهِ لصَاحب الْيَد سَوَاء أَقَامَ صَاحب الْيَد الْبَيِّنَة على دَعْوَاهُ قبل الْقَضَاء بهَا للْخَارِج أَو بعده وَفِي الْهِدَايَة: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي أَوَائِل الثَّانِي عشر من دَعْوَى التاترخانية.
هَذَا إِذا لم يؤرخا، وَإِن أرخا قضى بهَا لصَاحب الْيَد، إِلَّا إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لوقت صَاحب الْيَد مُوَافقا لوقت الْخَارِج فَحِينَئِذٍ يقْضِي للْخَارِج فِي الثَّانِي عشر من دَعْوَى الْمُحِيط.
وَلَا عِبْرَة للتاريخ مَعَ النِّتَاج إِلَّا إِذا أرخا وَقْتَيْنِ مُخْتَلفين وَوَافَقَ سنّ الدَّابَّة تَارِيخ الْخَارِج فَإِنَّهُ يقْضى بهَا للْخَارِج، وَإِن وَافق تَارِيخ ذِي الْيَد أَو كَانَ مُشكلا أَو خالفهما: قضى بهَا لذِي الْيَد كَمَا فِي دَعْوَى الْوَجِيز.
فَاعْلَم هَذَا إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا للوقتين.
أما إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ فَلَا يَخْلُو من أَن يكون مُوَافقا أَو مُخَالفا أَو مُشكلا للْآخر: فَإِن كَانَ مُوَافقا فَكَمَا مر حكمه آنِفا قضى لمن وَافق، وَإِن كَانَ مُخَالفا للوقتين قضى بهَا لذِي الْيَد كَمَا مر، وَإِن كَانَ مُشكلا قضى بهَا لمن أشكل عَلَيْهِ لما ذكر فِي التاترخانية وَالْمُحِيط مُطلقًا إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ وَهُوَ مُشكل فِي الْوَقْت الآخر قضى بالدابة لصَاحب الْوَقْت الَّذِي أشكل سنّ الدَّابَّة عَلَيْهِ اهـ.
هَذَا إِذا كَانَا أرخا كِلَاهُمَا، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ
الآخر وَكَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لتاريخ المؤرخ يقْضِي لمن لم يؤرخ، لانه بِالطَّرِيقِ الاولى من أَن يكون مُشكلا على من لم يؤرخ، لَان من لم يؤرخ أبهم وقته فتحقق الاشكال بَينه وَبَين سنة الدَّابَّة بِالطَّرِيقِ الاولى فَيَقْضِي بالدابة لمن أشكل عَلَيْهِ سنّ الدَّابَّة وَهُوَ من لم يؤرخ، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر وَكَانَ سنّ الدَّابَّة مُشكلا عَلَيْهِمَا: قضى بهَا لذِي الْيَد كَمَا حَقَّقَهُ جوي زَاده اهـ.
وَفِي بَاب دَعْوَى الرجلَيْن فِي ملتقى الابحر: وَإِن برهن خَارج وَذُو الْيَد على النِّتَاج فذو الْيَد أولى، وَكَذَا لَو برهن كل من تلقى الْملك من آخر على النِّتَاج عِنْده اهـ.
يَعْنِي لَو كَانَ النِّتَاج وَنَحْوه عِنْد بَائِعه فذو الْيَد أولى، كَمَا لَو كَانَ النِّتَاج وَنَحْوه عِنْد نَفسه فَإِن كلا مِنْهُمَا إِذا تلقى الْملك من رجل وَأقَام الْبَيِّنَة على سَبَب ملك عِنْده لَا يتَكَرَّر فَهُوَ بِمَنْزِلَة من أَقَامَهَا على ذَلِك السَّبَب عِنْد نَفسه، لَان بَيِّنَة ذِي الْيَد قَامَت على أوليه الْملك فَلَا يثبت للْخَارِج إِلَّا بالتلقي مِنْهُ كَمَا صرح بِهِ فِي الدُّرَر وَالْغرر فِي بَاب دَعْوَى الرجلَيْن اهـ.
وَفِي الْهِدَايَة فِي بَاب مَا يَدعِيهِ الرّجلَانِ: وَلَو تلقى كل وَاحِد مِنْهُمَا الْملك من رجل على حِدة وَأقَام الْبَيِّنَة على النِّتَاج عِنْده فَهُوَ بِمَنْزِلَة إِقَامَتهَا على النِّتَاج عِنْد نَفسه اه.
وَسَوَاء تلقى كل وَاحِد مِنْهُمَا بشرَاء أَو إِرْث أَو هبة أَو صَدَقَة مقبوضتين كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الثَّامِن من شَهَادَات الْبَزَّازِيَّة.
وَفِي آخر دَعْوَى الْمَنْقُول من قاضيخان: عبد فِي يَد رجل أَقَامَ رجل الْبَيِّنَة أَنه عَبده اشْتَرَاهُ من فلَان آخر وَأَنه ولد فِي ملك بَائِعه فلَان فَإِنَّهُ يقْضِي بِالْعَبدِ لذِي الْيَد لَان كل وَاحِد مِنْهُمَا ادّعى نتاج بَائِعه وَدَعوى نتاج بَائِعه كدعوى نتاج نَفسه فَيَقْضِي بِبَيِّنَة ذِي الْيَد انْتهى.
لَان كل وَاحِد من الْخَارِج وَذي الْيَد خصم فِي إِثْبَات نتاج بَائِعه كَمَا أَنه خصم فِي إِثْبَات الْملك لَهُ، وَلَو حضر البائعان وَأَقَامَا الْبَيِّنَة على النِّتَاج كَانَ صَاحب النِّتَاج أولى، فَكَذَا من قَامَ مقامهما كَمَا صرح بِهِ الزَّيْلَعِيّ انْتهى.

(8/145)


وَفِي الدُّرَر فِي بَاب دَعْوَى الرجلَيْن: قَالَ فِي الذَّخِيرَة: وَالْحَاصِل أَن بَيِّنَة ذِي الْيَد على النِّتَاج إِنَّمَا تترجح على بَيِّنَة الْخَارِج على النِّتَاج أَو على مُطلق الْملك، بِأَن ادّعى ذُو الْيَد النِّتَاج وَادّعى الْخَارِج النِّتَاج، أَو ادّعى الْخَارِج الْملك الْمُطلق إِذا لم يدع الْخَارِج على ذِي الْيَد فعلا نَحْو الْغَصْب أَو الْوَدِيعَة أَو الاجارة
أَو الرَّهْن أَو الْعَارِية وَنَحْوهَا، فَأَما إِذا ادّعى الْخَارِج فعلا مَعَ ذَلِك فَبَيِّنَة الْخَارِج أولى.
وَقَالَ فِي الْعمادِيَّة بعد نقل كَلَام الذَّخِيرَة: ذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي بَاب دَعْوَى النِّتَاج من الْمَبْسُوط مَا يُخَالف الْمَذْكُور فِي الذَّخِيرَة فَقَالَ: دَابَّة فِي يَد رجل أَقَامَ آخر بَيِّنَة أَنَّهَا دَابَّته آجرها من ذِي الْيَد أَو أعارها مِنْهُ أَو رَهنهَا إِيَّاه وَذُو الْيَد أَقَامَ بَيِّنَة أَنَّهَا دَابَّته نتجت عِنْده فَإِنَّهُ يقْضِي بهَا لذِي الْيَد لانه يَدعِي النِّتَاج وَالْآخر يَدعِي الاجارة أَو الاعارة والنتاج أسبق مِنْهُمَا فَيَقْضِي لذِي الْيَد، وَهَذَا خلاف مَا نقل عَنهُ اهـ.
وَفِي البرهاني فِي الْفَصْل الثَّانِي عشر من كتاب الدَّعْوَى: إِذا ادّعى ذُو الْيَد النِّتَاجَ وَادَّعَى الْخَارِجُ أَنَّهُ مِلْكُهُ غَصَبَهُ مِنْهُ ذُو الْيَد كَانَت بَيِّنَة الْخَارِج أولى، وَكَذَا إِذا ادّعى ذُو الْيَد النِّتَاج وَادّعى الْخَارِج أَنه ملكه أجره أَو أودعهُ أَو أَعَارَهُ كَانَت بَيِّنَة الْخَارِج أولى.
قَالَ شيخ الاسلام: الْحَاصِل أَن بَيِّنَة ذِي الْيَد على النِّتَاج إِنَّمَا تترجح على بَيِّنَة الْخَارِج على النِّتَاج أَو على الْملك الْمُطلق، بِأَن ادّعى ذُو الْيَد النِّتَاج وَادّعى الْخَارِج الْملك الْمُطلق أَو النِّتَاج إِذا لم يدع الْخَارِج على ذِي الْيَد فعلا نَحْو الْغَصْب أَو الْوَدِيعَة أَو الاجارة أَو الرَّهْن أَو الْعَارِية أَو مَا أشبه ذَلِك.
أما إِذا ادّعى الْملك الْمُطلق وَمَعَ ذَلِك فعلا فَبَيِّنَة الْخَارِج أولى، وَأَشَارَ مُحَمَّد ثمَّة إِلَى هَذَا الْمَعْنى، لَان بَيِّنَة الْخَارِج فِي هَذِه الصُّورَة أَكثر إِثْبَاتًا انْتهى.
هَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة فِي النَّوْع الثَّانِي من كتاب الدَّعْوَى.
تمت النقول.
وَأفْتى مَشَايِخنَا بِمَسْأَلَة الْمُحِيط يَعْنِي يُفْتِي بترجيح بَيِّنَة الْخَارِج فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة.
ادّعَيَا ملكا بسببين مُخْتَلفين من وَاحِد وَالْعين فِي يَد ثَالِث (37) : لم يؤرخا: يقْضى لمُدعِي الشِّرَاء.
(47) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي لمُدعِي الشِّرَاء.
(57) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي للاسبق.
(67) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي للمؤرخ.
ادّعَيَا ملكا بسببين مُخْتَلفين من وَاحِد وَالْعين فِي يدهما (77) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا.
(87) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي بَينهمَا.
(97) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي للاسبق.
(08) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا.
ادّعَيَا ملكا بسببين من وَاحِد وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (18) : لم يؤرخا: يقْضِي لذِي الْيَد.
(28) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي لذِي الْيَد.
(38) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي للاسبق.
(48) أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي لذِي الْيَد.

(8/146)


ادّعَيَا ملكا بسببين مُخْتَلفين من اثْنَيْنِ وَالْعين فِي يَد ثَالِث (58) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
(68) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي بَينهمَا كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
(78) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق عِنْد الامامين: يقْضِي للاسبق.
وَعند مُحَمَّد: يقْضِي بَينهمَا كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
ومشايخنا أفتوا على قَول الامامين.
(88) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا عِنْد أبي حنيفَة، وَعند أبي يُوسُف: يقْضِي للمؤرخ.
وَعند مُحَمَّد: لمن أطلق كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
ومشايخنا أفتوا على قبُول أبي حنيفَة.
ادّعَيَا ملكا بسببين مُخْتَلفين من اثْنَيْنِ وَالْعين فِي يدهما (98) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
(09) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي بَينهمَا كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
(19) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق.
عِنْد الامامين: يقْضِي للاسبق.
وَعند مُحَمَّد: يقْضِي بَينهمَا كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
ومشايخنا أفتوا على قَول الامامين.
(29) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر عِنْد أبي حنيفَة: يقْضِي بَينهمَا.
وَعند أبي يُوسُف: يقْضِي للمؤرخ وَعند مُحَمَّد: لمن أطلق كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
ومشايخنا أفتوا على قَول أبي حنيفَة.
ادّعَيَا ملكا بسببين مُخْتَلفين من اثْنَيْنِ وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (39) : لم يؤرخا: يقْضِي للْخَارِج كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
(49) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي للْخَارِج كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
(59) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق عِنْد الامامين: يقْضِي للاسبق.
وَعند مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
ومشايخنا أفتوا على قَول الامامين.
(69) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: عِنْد مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج.
وَعند أبي يُوسُف: يقْضى للمؤرخ كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
ومشايخنا أفتوا على قَول مُحَمَّد.
ادّعَيَا عينا فِي يَد آخر فبرهن أَحدهمَا أَنه اشْتَرَاهُ من زيد وَبرهن الآخر أَنه ارتهنه من زيد وَلم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء فالشراء أولى، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر فالمؤرخ أولى.
وَلَو أرخا وَأَحَدهمَا أقدم فَهُوَ أولى، وَلَو كَانَت الْعين فِي يَد أَحدهمَا فَهُوَ أولى، إِلَّا إِذا سبق تَارِيخ الْخَارِج فَهُوَ للْخَارِج، وَلَو ادّعى أَحدهمَا هبة وقبضا من زيد وَادّعى الآخر شِرَاء من زيد وَلم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء فالشراء أولى، وَكَذَا جَمِيع مَا مر فِي الرَّهْن.
وَلَو كَانَت الْعين بيدهما فَهُوَ بَينهمَا، إِلَّا أَن يؤرخ وَأَحَدهمَا أقدم فَهُوَ أولى، وَالصَّدَََقَة مَعَ الشِّرَاء كَالْهِبَةِ مَعَ الشِّرَاء، وَلَو اجْتمعت الهبتان فَحكمه حكم مَا اجْتمع الشراءان.
فِي أَوَاخِر الْفَصْل الثَّامِن من الْفُصُولَيْنِ: وَإِذا اجْتمعت الْهِبَة مَعَ الْقَبْض وَالصَّدَََقَة مَعَ الْقَبْض فَالْجَوَاب فِيهِ كالجواب فِيمَا إِذا اجْتمع الشراءان.
من أنقروي.
فِي دَعْوَى الرجلَيْن بسببين مُخْتَلفين من كتاب الدَّعْوَى نقلا فِي الرَّابِع من دَعْوَى التاترخانية.
هَذَا لَو ادّعَيَا تلقي الْملك من جِهَة وَاحِد بسببين مُخْتَلفين، فَلَو ادعياه من جِهَة اثْنَيْنِ بسببين

(8/147)


مُخْتَلفين، بِأَن ادّعى أَحدهمَا هبة وَالْآخر شِرَاء، لَو كَانَت الْعين بيد ثَالِث أَو بيدهما أَو بيد أَحدهمَا فَحكمه كَحكم مَا إِذا ادّعَيَا ملكا مُطلقًا، إِذْ كل مِنْهُمَا يثبت الْملك الْمُطلق لمملكه ثمَّ يثبت الِانْتِقَال إِلَى نَفسه، فَكَأَن المملكين ادّعَيَا ملكا مُطلقًا وبرهنا، فَفِي كل مَوضِع ذكرنَا فِي دَعْوَى الْملك الْمُطلق أَن يقْضِي بَينهمَا فَكَذَا هُنَا، كَذَا ذَا.
وَفِي يس: عين بِيَدِهِ وَبرهن آخر أَنه شراه من زيد وَبرهن آخر أَن بكرا وهبه فَهُوَ بَينهمَا، وَلَو برهنا على التلقي من وَاحِد فالشراء أولى إِذا تَصَادقا، على أَنه لوَاحِد فَبَقيَ النزاع فِي السَّبق فالشراء أسبق، لانه لما لم يبين سبق أَحدهمَا جعلا كَأَنَّهُمَا وافقا مَعًا، وَلَو تقارنا كَانَ الشِّرَاء أسْرع نفاذا من الْهِبَة لانها لَا تصح إِلَّا بِقَبض وَالْبيع يَصح بِدُونِهِ.
هَذَا، وَإِن ادّعى أَحدهمَا الشِّرَاء من زيد وَالْآخر هبة وقبضا من الآخر وَالْعين فِي يَد ثَالِث: قضى بَينهمَا، وَكَذَا لَو ادّعى ثَالِث مِيرَاثا عَن أَبِيه وَادّعى رَابِع صَدَقَة وقبضا من آخر: قضى بَينهم أَربَاعًا عِنْد اسْتِوَاء الْحجَّة إِذْ تلقوا الْملك من مملكهم فكأنهم حَضَرُوا وبرهنوا على الْملك الْمُطلق.
فصولين من أَوَاخِر الثَّامِن.
وَإِن ادّعى أَحدهمَا شِرَاء من زيد وَالْآخر الْهِبَة من الآخر وَالْعين فِي يَد ثَالِث: قضى بَينهمَا، وَكَذَا إِن ادّعى ثَالِث مِيرَاثا عَن أَبِيه وَادّعى رَابِع صَدَقَة من آخر: قضى بَينهم أَربَاعًا، وَإِن كَانَت الْعين فِي يَد أَحدهمَا: يقْضى للْخَارِج إِلَّا فِي أسبق التَّارِيخ، وَإِن كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا: يقْضى بَينهمَا إِلَّا فِي أسبق التَّارِيخ فَهُوَ لَهُ، وَهَذَا إِذا كَانَ الْمُدَّعِي مِمَّا لَا يقسم كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّة.
وَأما مَا يقسم كَالدَّارِ وَالْعَقار فَإِنَّهُ يقْضِي لمُدعِي الشِّرَاء.
أنقروي.
وَإِنَّمَا يَصح أَن يقْضى بَينهمَا لَو كَانَ الْمُدَّعِي مِمَّا لَا يحْتَمل الْقِسْمَة، أما الْمُحْتَمل فَيَقْضِي بكله لمُدعِي الشِّرَاء.
وَالصَّحِيح فِي الْهِبَة أَن يقْضِي بَينهمَا احْتمل الْقِسْمَة أَو لَا، إِذْ الشُّيُوع الطَّارِئ لَا يفْسد الْهِبَة وَالصَّدَََقَة فِي الصَّحِيح وَيفْسد الرَّهْن.
كَذَا فِي أَوَاخِر الْفَصْل الثَّامِن من الْفُصُولَيْنِ.
وَهَذَا آخر مَا وجدته ونقلته من نُسْخَة محرفة تحريفا كليا بعد أَن صححت مَا ظهر لي من الْغَلَط بِالرُّجُوعِ إِلَى أُصُوله الَّتِي هِيَ فِي يَدي وَمَتى ظَفرت بِبَقِيَّة الاصول الْمَنْقُول عَنْهَا تمم تصحيحهما إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْله: (أَو شِرَاء مؤرخ) أَشَارَ بِذكرِهِ بعد ذكر الْملك إِلَى أَنه لَا فرق بَين دَعْوَى الْملك الْمُطلق وَالَّذِي بِسَبَب.
قَالَ الْعَيْنِيّ: وَأما الصُّورَة الثَّانِيَة: أَي صُورَة الشِّرَاء فلانهما لما ادّعَيَا الشِّرَاء من شخص وَاحِد فقد اتفقَا أَن الْملك لَهُ، فَمن أثبت مِنْهُمَا التلقي من جِهَته فِي زمَان لَا يزاحمه فِيهِ أحد كَانَ أولى اهـ.
فَقَوله وَإِن برهن خارجان الخ يشْتَمل على ثَمَان مسَائِل من الصُّور الْمُتَقَدّمَة.

قَوْله: (من وَاحِد غير ذِي يَد) إِنَّمَا قيد بِهِ تبعا للهداية، لَان دَعْوَى الخارجين الشِّرَاء من ذِي يَد قد تقدّمت فِي قَوْله وَلَو برهن خارجان على شئ قضى بِهِ لَهما فَلَا فَائِدَة فِي التَّعْمِيم.
بَحر.
وَفِيه: وَقيد بالبرهان على التَّارِيخ أَي مِنْهُمَا فِي الاولى، لانه لَو أرخت إِحْدَاهمَا دون الاخرى فَهُوَ سَوَاء كَمَا لم يؤرخا عِنْده.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: المؤرخ أولى.
وَقَالَ مُحَمَّد: الْمُبْهم أولى، بِخِلَاف مَا إِذا أرخت إِحْدَاهمَا فَقَط فِي الثَّانِيَة فَإِن المؤرخ أولى.
وَالْحَاصِل: أَنَّهُمَا إِذا لم يؤرخا أَو أرخا واستويا فَهِيَ بَينهمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَإِن أرخا وَسبق أَحدهمَا فَالسَّابِق أَوْلَى فِيهِمَا، وَإِنْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَهِيَ الاحق فِي الثَّانِيَة لَا فِي الاولى، وَقدمنَا أَن دَعْوَى الْوَقْف كدعوى الْملك الْمُطلق فَيقدم الْخَارِج والاسبق تَارِيخا.

قَوْله: (وَذُو يَد على ملك) قيد بِالْملكِ،

(8/148)


لانها لَوْ أَقَامَهَا عَلَى أَنَّهَا فِي يَدِهِ مُنْذُ سنتَيْن وَلم يشهدَا أَنَّهَا لَهُ قُضِيَ بِهَا لِلْمُدَّعِي، لِأَنَّهَا شَهِدَتْ بِالْيَدِ لَا بِالْملكِ.

قَوْلُهُ: (فَالسَّابِقُ أَحَقُّ) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَالِكَيْنِ فَلَا يُتَلَقَّى الْمِلْكُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَلم يتلق الآخر مِنْهُ، وَقُيِّدَ بِالتَّارِيخِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ اسْتَوَيَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَإِنْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا فَالسَّابِقَةُ أَوْلَى فِيهِمَا، وَإِنْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَهِيَ الْأَحَقُّ فِي الثَّانِيَةِ لَا الْأُولَى، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَالْخَارِجُ أَوْلَى فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ.
وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.

قَوْلُهُ: (مُتَّفق) يجوز أَن يقْرَأ بِالرَّفْع خبر لمبتدأ مَحْذُوف: أَي هُوَ: أَي الشَّأْن مُتَّفق، وَيجوز النصب على الْحَال من فَاعل برهنا.

قَوْله: (أَو مُخْتَلف عَيْنِيٍّ) وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ تَبَعًا لِلْكَافِي.
وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ سَهْوٌ، وَأَنَّهُ يُقَدِّمُ الْأَسْبَقَ فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الْأَسْبَقَ تَارِيخًا، وَرَدَّهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ هُوَ السَّاهِي، فَإِنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ.
فَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَلَو بَرْهَنَا عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أسبق اخْتلف الرِّوَايَاتُ فِي الْكُتُبِ فَمَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ يُشِير إلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِسَبْقِ التَّارِيخِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَسْبَقَ أَوْلَى، ثمَّ رجح صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ الاول اهـ مُلَخصا.
وَفِي نور الْعين عَن قاضيخان: ادّعَيَا شِرَاء من اثْنَيْنِ يقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ أَرَّخَا وَأَحَدُهُمَا أَسْبَقُ فَهُوَ أَحَق من ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَا يُعْتَبَرُ التَّارِيخُ: يَعْنِي يقْضِي بَينهمَا، وَإِن أرخ أَحدهمَا فَقَط يقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وِفَاقًا، فَلَوْ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ فَالْخَارِجُ أولى خُلَاصَة، إِلَّا إِذا سبق تَارِيخ ذِي الْيَد هِدَايَة.
برهن خارجان على شِرَاء شئ من اثْنَيْنِ وأرخا فهما سَوَاء، لانهما يثبتان الْملك لبائعهما فَيصير كَأَنَّهُمَا حضرا وادعيا ثمَّ يُخَيّر كل مِنْهُمَا كَمَا فِي مَسْأَلَة دَعْوَى الخارجين شِرَاء من ذِي الْيَد كِفَايَة.
لَو برهنا على شِرَاء من اثْنَيْنِ وتاريخ أَحدهمَا أسبق اخْتلفت رِوَايَات الْكتب، فَمَا فِي الْهِدَايَة يُشِير إِلَى أَنه لَا عِبْرَة لسبق التَّارِيخ بل يقْضِي بَينهمَا، وَفِي الْمَبْسُوط مَا يدل صَرِيحًا أَن الاسبق أولى.
يَقُول الحقير: وَيُؤَيِّدهُ مَا مر عَن قاضيخان أَنه ظَاهر الرِّوَايَة، فَمَا فِي الْهِدَايَة اخْتِيَار قَول مُحَمَّد
اهـ.
ثمَّ قَالَ: وَدَلِيل مَا فِي الْمَبْسُوط وقاضيخان وَهُوَ أَنَّ الْأَسْبَقَ تَارِيخًا يُضِيفُ الْمِلْكَ إلَى نَفْسِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ غَيْرُهُ أَقْوَى مِنْ دَلِيلِ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ أَنَّهُمَا يثبتان الْملك لبائعهما فكأنهما حضرا أَو ادّعَيَا الْملك بِلَا تَارِيخ، وَوجه قُوَّةِ الْأَوَّلِ غَيْرُ خَافٍ عَلَى مَنْ تَأَمَّلَ، ويرجحه أَنه ظَاهر الرِّوَايَة اهـ.
وَكَذَا بُحِثَ فِي دَلِيلِ مَا فِي الْهِدَايَةِ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ فَرَاجِعْهَا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ بِاتِّفَاقِ التَّارِيخِ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَة، فَهُوَ أولى مِمَّا فعله الشَّارِح مُتَابعًا للدرر وَإِنْ وَافَقَ الْكَافِيَ وَالْهِدَايَةَ وَأَمَّا الْحُكْمُ عَلَيْهِ بالسهو كَمَا تقدم عَن الْبَحْرِ فَمِمَّا لَا يَنْبَغِي.

قَوْلُهُ: (مِنْ رَجُلٍ آخَرَ) أَيْ غَيْرِ الَّذِي يَدَّعِي الشِّرَاءَ مِنْهُ صَاحبه زَيْلَعِيّ.

قَوْله: (اسْتَويَا) لانهما فِي الاول يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِبَائِعِهِمَا فَكَأَنَّهُمَا حَضَرَا، وَلَوْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا فَتَوْقِيتُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ الْمِلْكِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَقْدَمَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَاحِدًا لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يُتَلَقَّى إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَإِذَا أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا تَارِيخًا يُحْكَمُ بِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَقَدَّمَهُ شِرَاءُ غَيْرِهِ.
بَحْرٌ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ يُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثّمن، وَإِن شَاءَ ترك اهـ.

قَوْله: (وَإِن اتَّحد الخ) ذكرنَا الْكَلَام

(8/149)


عَلَيْهِ آنِفا، وَتَقَدَّمت فِي هَذَا الْبَاب فِي محلهَا عَن السراج
قَوْله: (مَا يُفِيد مِلْكَ بَائِعِهِ) بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فلَان وَهُوَ يملكهَا.
قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ اعْلَم أَن الْبَيِّنَة على الشِّرَاء لَا تقبل حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا كَمَا فِي خزانَة الاكمل.
وَفِي السراج الْوَهَّاج: لَا تقبل الشَّهَادَة على الشِّرَاء من فلَان حَتَّى يشْهدُوا أَنه بَاعهَا مِنْهُ وَهُوَ يَوْمئِذٍ يملكهَا، أَو يشْهدُوا أَنَّهَا لهَذَا الْمُدَّعِي اشْتَرَاهَا من فلَان بِكَذَا ونقده الثّمن وَسلمهَا إِلَيْهِ، لَان الانسان قد يَبِيع مَا لَا يملك لجَوَاز أَن يكون وَكيلا أَو مُتَعَدِّيا فَلَا يسْتَحق المُشْتَرِي الْملك بذلك فَلَا بُد من ذكر ملك البَائِع أَو مَا يدل عَلَيْهِ اهـ.
قلت: إِذا كَانَ البَائِع وَكيلا فَكيف يشْهدُونَ بِأَنَّهُ بَاعهَا وَهُوَ يملكهَا، فَلْيتَأَمَّل اهـ.
أَقُول: إِذا عرف الشُّهُود أَن البَائِع وَكيل فَالظَّاهِر أَنهم يَقُولُونَ بَاعهَا بِالْوكَالَةِ عَمَّن يملكهَا لَان
خُصُوص وَهُوَ يملكهَا غير لَازم.
قَالَ فِي نور الْعين فِي آخر الْفَصْل السَّادِس رامزا للمبسوط: لَا تقبل بَيِّنَة الشِّرَاء من الْغَائِب إِلَّا بِالشَّهَادَةِ بِأحد الثَّلَاثَة، إِمَّا بِملك بَائِعه بِأَن يَقُولُوا بَاعَ وَهُوَ يملكهُ، وَإِمَّا بِملك مُشْتَرِيه بِأَن يَقُولُوا هُوَ للْمُشْتَرِي اشْتَرَاهُ من فلَان، وَإِمَّا بِقَبْضِهِ بِأَن يَقُولُوا هُوَ للْمُشْتَرِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَقَبضه اهـ.
وَفِيه رامز الْفَتَاوَى القَاضِي ظهير: ادّعى إِرْثا وَرثهُ من أَبِيه وَادّعى آخر شِرَاءَهُ من الْمَيِّت وشهوده شهدُوا بِأَن الْمَيِّت بَاعه مِنْهُ وَلم يَقُولُوا بَاعه مِنْهُ وَهُوَ يملكهُ، قَالُوا: لَو كَانَت الدَّار فِي يَد مدعي الشِّرَاء أم مدعي الارث فالشهادة جَائِزَة لانها على مُجَرّد البيع، إِنَّمَا لَا تقبل إِذا لم تكن الدَّار فِي يَد المُشْتَرِي أَو الْوَارِث، أما لَو كَانَت فالشهادة بِالْبيعِ كَالشَّهَادَةِ بِبيع وَملك اهـ.
وَفِي الْبَحْر عَن الْبَزَّازِيَّة: إِذا كَانَ الْمَبِيع فِي يَد البَائِع تقبل من غير ذكر ملك البَائِع، وَإِن كَانَ فِي يَد غَيره وَالْمُدَّعِي يَدعِيهِ لنَفسِهِ، أَن ذكر الْمُدَّعِي وشهوده أَن البَائِع يملكهَا أَو قَالُوا سلمهَا إِلَيْهِ وَقَالَ سلمهَا إِلَيّ أَو قَالَ قبضت وَقَالُوا قبض أَو قَالَ ملكي اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ وَهِي لي تقبل، فَإِن شهدُوا على الشِّرَاء والنقد وَلم يذكرُوا الْقَبْض وَلَا التَّسْلِيم وَلَا ملك البَائِع وَلَا ملك المُشْتَرِي لَا تقبل الدَّعْوَى وَلَا الشَّهَادَة، وَلَو شهدُوا بِالْيَدِ للْبَائِع دون الْملك اخْتلفُوا اهـ.

قَوْله: (إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ) أَي وَهُوَ يَدعِي الشِّرَاء مِنْهُ وَبرهن فَإِنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَى شَهَادَة الشُّهُود بِملك البَائِع لمعاينة وضع يَده.

قَوْله: (وَلَو شهدُوا بِيَدِهِ) أَي بيد البَائِع دون الْملك: أَي وَالْمَبِيع لَيْسَ فِي يَده.

قَوْله: (فَقَوْلَانِ) يَنْبَغِي أَن يعْتَمد عدم صِحَة ذَلِك، لَان الْيَد تتنوع إِلَى يَد ملك وَيَد غصب وَيَد أَمَانَة، وَبَيَان الْعَام لَا يُحَقّق الْخَاص وَهُوَ الْمَطْلُوب الَّذِي هُوَ الْملك.
تَأمل.

قَوْله: (وَذُو الْيَد على الشِّرَاء مِنْهُ) صورته: عبد فِي يَد زيد ادَّعَاهُ بكر أَنه ملكه وَبرهن عَلَيْهِ وَبرهن زيد على الشِّرَاء مِنْهُ فذو الْيَد أولى، لَان الْخَارِج إِن كَانَ يثبت أولية الْملك فذو الْيَد يتلَقَّى الْملك مِنْهُ فَلَا تنَافِي فِيهِ، فَصَارَ كَمَا إِذا أقرّ بِالْملكِ لَهُ ثمَّ ادّعى الشِّرَاء مِنْهُ، وَكَذَا لَو برهن الْخَارِج على الارث، فصولين.
وَلَو برهن على الشِّرَاء من أَجْنَبِي فالخارج أَحَق.

(8/150)


مطلب: لَا اعْتِبَارَ بِالتَّارِيخِ مَعَ النِّتَاجِ إلَّا مِنْ أرخ تَارِيخا مستحيلا

قَوْلُهُ: (أَوْ بَرْهَنَا) أَيْ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ.
وَفِي الْبَحْرِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَرَّخَا وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا أَوْ سَبَقَ أَوْ لَمْ يُؤَرِّخَا أصلا أَو أرخت إِحْدَاهمَا فَلَا اعْتِبَار للتاريخ مَعَ النِّتَاج، إِلَّا أَن مَنْ أَرَّخَ تَارِيخًا مُسْتَحِيلًا بِأَنْ لَمْ يُوَافِقْ من الْمُدَّعِي لوقت ذِي الْيَدِ وَوَافَقَ وَقْتَ الْخَارِجِ فَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ للْخَارِج، وَلَو خَالف سنه للوقتين لغت الْبَيِّنَتَانِ عِنْد عَامَّة الْمَشَايِخ يتْرك فِي يَدِ ذِي الْيَدِ عَلَى مَا كَانَ وَهُوَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ كَذَا فِي رِوَايَةٍ.
كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ.
وَفِيهِ: برهن الْخَارِج أَن هَذِه أمته ولدت هَذَا الْقِنَّ فِي مِلْكِي وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى مِثْلِهِ يُحْكَمُ بِهَا لِلْمُدَّعِي لِأَنَّهُمَا ادَّعَيَا فِي الْأَمَةِ مِلْكًا مُطْلَقًا فَيُقْضَى بِهَا لِلْمُدَّعِي ثمَّ يسْتَحق الْقِنّ تبعا اه.
مطلب: يقدم ذُو الْيَد فِي دَعْوَى النِّتَاج إِن لم يكن النزاع فِي الام وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ ذَا الْيَدِ إنَّمَا يُقَدَّمُ فِي دَعْوَى النِّتَاج على الْخَارِج إِن لَمْ يَتَنَازَعَا فِي الْأُمِّ، أَمَّا لَوْ تَنَازَعَا فِيهَا فِي الْملك الْمُطلق وَشَهِدُوا بِهِ وَبِنِتَاجِ وَلَدِهَا فَإِنَّهُ لَا يُقَدَّمُ وَهَذِه يجب حفظهَا اهـ.
تَعْرِيف النِّتَاج
قَوْله: (كَالنِّتَاجِ) هُوَ وِلَادَةُ الْحَيَوَانِ، مِنْ نُتِجَتْ عِنْدَهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَلَدَتْ وَوَضَعَتْ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ.
مطلب: المُرَاد بالنتاج وِلَادَته فِي ملكه أَو ملك بَائِعه أَو مُوَرِثه وَالْمرَاد وِلَادَته فِي ملكه أَو ملك بَائِعه أَو مُوَرِثه.
مطلب: هَذَا الْوَلَد وَلدته أمته وَلم يشْهدُوا بِالْملكِ لَهُ لَا يقْضى لَهُ وَلذَا قَالَ فِي خزانَة الاكمل: لَو أَقَامَ ذُو الْيَد أَن هَذِه الدَّابَّة نتجت عِنْده أَو نسج هَذَا الثَّوْب عِنْده أَو أَن هَذَا الْوَلَد وَلدته أمته وَلم يشْهدُوا بِالْملكِ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يقْضِي لَهُ اهـ.
وَكَذَا لَو شهدُوا أَنَّهَا بنت أمته لانهم إِنَّمَا شهدُوا بِالنّسَبِ.
كَذَا فِي الخزانة.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: برهن كل من الْخَارِج وَذي الْيَد على نتاج فِي ملك بَائِعه حكم لذِي الْيَد إِذْ كل مِنْهُمَا خصم عَن بَائِعه، فَكَأَن بائعيهما حضرا وادعيا ملكا بنتاج لذِي الْيَد اهـ.
وَإِنَّمَا حكم لذِي الْيَد لَان الْبَيِّنَة قَامَت على مَا لَا تدل عَلَيْهِ الْيَد وترجحت بَيِّنَة ذِي الْيَد بِالْيَدِ فَقضى لَهُ، وَهَذَا هُوَ
الصَّحِيح.
وَالْقَضَاء بِبَيِّنَة الْخَارِج هُوَ الاصل، وَإِنَّمَا عدلنا عَنهُ بِخَبَر النِّتَاج، وَهُوَ مَا روى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى نَاقَةً فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَتْ عِنْدَهُ وَأَقَامَ الَّذِي هِيَ فِي يَده بَيِّنَة أَنَّهَا نَاقَته نتجها، فَقضى بهَا رَسُول الله (ص) للَّذي هِيَ فِي يَده وَهَذَا حَيْثُ مَشْهُور صَحِيح، فَصَارَت مَسْأَلَة النِّتَاج مَخْصُوصَة كَمَا فِي الْمُحِيط.
وَفِي الْقنية كَمَا تقدم: بَيِّنَة ذِي الْيَد إِذا أَثْبَتَت أولية الْملك بالنتاج عِنْده، فَكَذَا إِذا ادَّعَاهُ عِنْد مُوَرِثه اهـ.
وَلَو برهن أَنه لَهُ ولد فِي ملكه وَبرهن ذُو الْيَد أَنه لَهُ ولد فِي ملك بَائِعه حكم بِهِ لذِي الْيَد لانه خصم عَمَّن تلقى الْملك مِنْهُ وَيَده يَد الملتقي مِنْهُ فَكَأَنَّهُ حضر وَبرهن على النِّتَاج وَالْمُدَّعِي فِي يَده يحكم لَهُ بِهِ.
كَذَا هَذَا اهـ.
مطلب: لَا يتَرَجَّح نتاج فِي ملكه على نتاج فِي ملك بَائِعه وَبِه ظهر أَنه لَا يتَرَجَّح نتاج فِي ملكه على نتاج فِي ملك بَائِعه.

(8/151)


مطلب: لَا يشْتَرط أَن يشْهدُوا أَن أمه فِي ملكه وَلَا يشْتَرط أَن يشْهدُوا بِأَن أمه فِي ملكه، لَكِن لَو شهِدت بَيِّنَة بذلك دون أُخْرَى قدمت عَلَيْهَا، لما فِي الخزانة: عبد فِي يَد رجل أَقَامَ رجل الْبَيِّنَة أَنه عَبده ولد فِي ملكه وَأقَام آخر الْبَيِّنَة أَنه عَبده ولد فِي ملكه من أمته هَذِه قضى للَّذي أمه فِي يَده، فَإِن أَقَامَ صَاحب الْيَد الْبَيِّنَة أَنه عَبده ولد فِي ملكه من أمة أُخْرَى فَصَاحب الْيَد أولى.
مطلب: برهن كل من خَارِجين أَنه عَبده ولد من أمته وَعَبده هذَيْن ينصف وَهُوَ ابْن عَبْدَيْنِ وأمتين عبد فِي يَد رجل أَقَامَ رجل الْبَيِّنَة أَنه عَبده ولد من أمته هَذِه من عَبده هَذَا وَأقَام رجل آخر الْبَيِّنَة بِمثل ذَلِك فَيكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ فَيكون ابْن عَبْدَيْنِ وأمتين.
وَقَالَ صَاحِبَاه: لَا يثبت نسبه مِنْهُمَا اهـ.
وَمحل تَقْدِيم بَيِّنَة ذِي الْيَد فِي النِّتَاج إِذا لم يدع الْخَارِج نتاجا وعتقا، وَإِلَّا كَانَ الْخَارِج أولى، لَان بَيِّنَة النِّتَاج مَعًا لعتق أَكثر إِثْبَاتًا، لانها أَثْبَتَت أولية الْملك على وَجه لَا يسْتَحق عَلَيْهِ أصلا، وَبَيِّنَة ذِي الْيَد
أَثْبَتَت الْملك على وَجه يتَصَوَّر اسْتِحْقَاق ذَلِك عَلَيْهِ، بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى الْخَارِج الْعتْق مَعَ مُطلق الْملك وَذُو الْيَد ادّعى النِّتَاج فَبَيِّنَة ذِي الْيَد أولى.
مطلب: رأى دَابَّة تتبع دَابَّة وترتضع يشْهد بِالْملكِ والنتاج وَفِي شَهَادَات الْبَزَّازِيَّة الشَّاهِد عاين دَابَّة تتبع دَابَّة وترتضع لَهُ أَن يشْهد بِالْملكِ والنتاج اهـ.
قَالَ فِي الْخُلَاصَة: وعَلى هَذَا لَو شهد شَاهِدَانِ على النِّتَاج لزيد وآخران على النِّتَاج لعَمْرو، وَيتَصَوَّر هَذَا بِأَنْ رَأَى الشَّاهِدَانِ أَنَّهُ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِ أُنْثَى كَانَتْ فِي مِلْكِهِ وَآخَرَانِ رَأَيَا أَنَّهُ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِ أُنْثَى فِي مِلْكٍ آخر فَتحل الشَّهَادَة لِلْفَرِيقَيْنِ اهـ.

قَوْله: (وَمَا فِي مَعْنَاهُ) مِمَّا لَا يتَكَرَّر.

قَوْله: (كنسج لَا يُعَاد) كالثياب القطني.

قَوْله: (وحلب لبن) واتخاذ الْجُبْن واللبد والمرعزاء وجز الصُّوف، فَإِذا ادّعى خَارج وَذُو يَد أَن هَذِه ثِيَابِي نسجت عِنْدِي أَو لبني حلب عِنْدِي أَو جبني أَو لبدي اتخذ عِنْدِي أَو صوفي جز عِنْدِي فَإِنَّهُ يقدم ذُو الْيَد كَمَا فِي النِّتَاج، وَالْعلَّة مَا فِي النِّتَاج والجبن بضمة وبضمتين كقبل قَامُوس.
والمرعزاء إِذا شددت الزَّاي قصرت وَإِذا خففت مدت وَالْمِيم وَالْعين مكسورتان، وَقد يُقَال: مرعزاء بِفَتْح الْمِيم مخففا ممدودا وَهِي كالصوف تَحت شعر العنز.
مغرب.
قَالَ أَبُو السُّعُود: هُوَ الشّعْر الْخَفِيف الَّذِي ينتف من ظهر الْمعز وَيعْمل مِنْهُ الاقمشة الرفيعة اهـ.
أَقُول: وَيُوجد جنس مَخْصُوص يُسمى المرعز يعْمل من صوفه الشال اللاهور والفرماش، وَهُوَ يشبه الْمعز فِي الْخلقَة وَالْغنم فِي الصُّوف إِلَّا أَنه أَلين من صوف الْغنم، وَلَعَلَّه هُوَ هُوَ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَا بُد من الشَّهَادَة بِالْملكِ مَعَ السَّبَب الَّذِي لَا يتَكَرَّر كالنتاج اهـ ط.

قَوْله: (وَلَو عِنْد بَائِعه) أَو عِنْد مُوَرِثه كَمَا تقدم: أَي لَا فرق بَين أَن يَدعِي كل مِنْهُمَا النِّتَاج وَنَحْوه عِنْده أَو عِنْد بَائِعه، فَحكم النِّتَاج يجْرِي على مَا فِي مَعْنَاهُ من كل غير متكرر.

قَوْله: (فذو الْيَد أَحَق) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَرَّخَا وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا أَو سبق أَحدهمَا إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا عَن الْبَحْر
قَوْله: (إِلَّا إِذا ادّعى الْخَارِج الخ) أَي حَيْثُ تكون بَيِّنَة الْخَارِج أولى وَإِن ادّعى ذُو الْيَد النِّتَاج، لَان بَيِّنَة الْخَارِج فِي هَذِه

(8/152)


الصُّور أَكثر إِثْبَاتًا لانها تثبت الْفِعْل على ذِي الْيَد وَهُوَ الْغَصْب وأشباهه إِذْ هُوَ غير ثَابت أصلا، وأولية
الْملك إِن لم يكن ثَابتا بِالْيَدِ فَأصل الْملك ثَابت بهَا ظَاهرا فَكَانَ ثَابتا بِالْيَدِ من وَجه دون وَجه، فَكَانَ إِثْبَات غير الثَّابِت من كل وَجه أولى إِذْ الْبَيِّنَة للاثبات كَمَا فِي التَّبْيِين.
بَقِي مَا إِذا ادّعى الْخَارِج فعلا ونتاجا يقدم بالاولى.
وَيُمكن إدخالها فِي عِبَارَته بِأَن يُقَال: دَابَّة فِي يَد رجل أَقَامَ آخر بَيِّنَة أَنَّهَا دَابَّته ملكا أَو نتاجا أَخذهَا من ذِي الْيَد.
تَأمل.

قَوْلُهُ: (فِعْلًا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْخَارِجُ النِّتَاج.
تَأمل.
مطلب: ادّعى الْخَارِج الْفِعْل على ذِي الْيَد الْمُدَّعِي النِّتَاج فالخارج أولى
قَوْله: (كغصب أَو وَدِيعَة) قَالَ فِي الْبَحْر وَقد يكون كل مِنْهُمَا مُدعيًا للْملك والنتاج فَقَطْ، إذْ لَوْ ادَّعَى الْخَارِجُ الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ كَالْغَصْبِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أولى، وَإِن ادّعى ذُو الْيَد النِّتَاج، لَان بَيِّنَة الْخَارِج فِي هَذِه الصُّور أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِإِثْبَاتِهَا الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ إِذْ هُوَ غير ثَابت أصلا كَمَا ذكره الشَّارِح اهـ.

قَوْلُهُ: (فِي رِوَايَةٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي قَول كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لما قَالَ فِي العماية بعد نقل كَلَام الذَّخِيرَة: ذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي بَاب دَعْوَى النِّتَاج عَن الْمَبْسُوط مَا يُخَالف الْمَذْكُور فِي الذَّخِيرَة، فَقَالَ: دَابَّة فِي يَد رجل أَقَامَ آخر بَيِّنَة أَنَّهَا دَابَّته آجرها من ذِي الْيَد أَو أعارها مِنْهُ أَو رَهنهَا إِيَّاه وَذُو الْيَد أَنَّهَا دَابَّته نتجت عِنْده فَإِنَّهُ يقْضِي بهَا لذِي الْيَد، لانه يَدعِي ملك النِّتَاج وَالْآخر يَدعِي الاجارة أَو الاعارة والنتاج أسبق مِنْهُمَا فَيَقْضِي لذِي الْيَد.
وَهَذَا خلاف مَا نقل عَنهُ دُرَر.
وَاسْتظْهر فِي نور الْعين أَنَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَرْجَحُ، وَبِه ظهر عدم الِاخْتِلَاف بَين العبارتين، بِأَن يحمل الاول على أَن كلا مِنْهُمَا ادّعى النِّتَاج وَنَحْوه وَزَاد دَعْوَى الْفِعْل، وَمَا نَقله عَن أبي اللَّيْث أَن الْخَارِج إِنَّمَا ادّعى الْفِعْل فَقَط بِدُونِ النِّتَاج، لَكِن تَعْلِيل الزَّيْلَعِيّ يَقْتَضِي أَن الْمُثبت للْفِعْل أَكثر إِثْبَاتًا سَوَاء كَانَ مَعَه دَعْوَى نتاج أَو لَا، فَلذَلِك حكم صَاحب الدُّرَر أَنَّهَا رِوَايَة ثَانِيَة، وَعَلَيْهَا اقْتصر فِي الْبَحْر وشراح الْهِدَايَة.
وَعبارَة الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ تَعْلِيلِ: تَقْدِيمِ ذِي الْيَدِ فِي دَعْوَى النِّتَاجِ بِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فَكَانَ مُسَاوِيًا لِلْخَارِجِ فِيهَا، فَبِإِثْبَاتِهَا يَنْدَفِعُ الْخَارِجُ، وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ مَقْبُولَةٌ لِلدَّفْعِ، وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ الْفِعْلَ على ذِي الْيَد حَيْثُ تَكُونُ بَيِّنَتُهُ أَرْجَحَ وَإِنْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ النِّتَاجَ، لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا لاثباتها مَا هُوَ غير ثَابت أصلا.
اهـ مُلَخصا ويؤيدها مَا نذكرهُ قَرِيبا إِن
شَاءَ الله تَعَالَى عِنْد قَول المُصَنّف قضى بهَا لذِي الْيَد وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا إذَا تَنَازَعَا فِي الْأُمِّ كَمَا مَرَّ، وَمَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ إعْتَاقًا على النِّتَاج كَمَا مر وَيَأْتِي.
فروع فِي الْبَحْر: شَاتَان فِي يَد رجل إِحْدَاهمَا بَيْضَاء والاخرى سَوْدَاء فادعاهما رجل وَأقَام الْبَيِّنَة أَنَّهُمَا لَهُ وَأَن هَذِه الْبَيْضَاء ولدت هَذِه السَّوْدَاء فِي ملكه وَأقَام ذُو الْيَد الْبَيِّنَة أَنَّهُمَا لَهُ وَأَن هَذِه السَّوْدَاء ولدت هَذِه الْبَيْضَاء فِي ملكه فَإِنَّهُ يقْضِي لكل وَاحِد مِنْهُمَا بِالشَّاة الَّتِي ذكرت شُهُوده أَنَّهَا ولدت فِي ملكه: أَي فَيَقْضِي للاول بِالسَّوْدَاءِ وَللثَّانِي بالبيضاء.
قَالَ فِي التاترخانية: هَكَذَا ذكر مُحَمَّد، وَهَذَا إِذا كَانَ سنّ الشاتين مُشكلا، فَإِن كَانَت وَاحِدَة مِنْهُمَا تصلح أما للاخرى والاخرى لَا تصلح أما لهَذِهِ كَانَت عَلامَة الصدْق ظَاهِرَة فِي شَهَادَة شُهُود أَحدهمَا فَيَقْضِي بِشَهَادَة شُهُوده.

(8/153)


وَعَن أبي يُوسُف فِيمَا إِذا كَانَ سنّ الشاتين مُشكلا: إِنِّي لَا أقبل بينتهما وأقضي بِالشَّاة لكل وَاحِد مِنْهُمَا بِالشَّاة فِي يَده، وَهَذَا قَضَاء ترك لَا قَضَاء اسْتِحْقَاق.
وَلَو أَقَامَ الَّذِي فِي يَده الْبَيْضَاء أَن الْبَيْضَاء شاتي ولدت فِي ملكي والسوداء الَّتِي فِي يَد صَاحِبي شاتي ولدت من هَذِه الْبَيْضَاء وَأقَام الَّذِي السَّوْدَاء فِي يَده أَن السَّوْدَاء ولدت فِي ملكي والبيضاء الَّتِي فِي يَد صَاحِبي ملكي ولدت من هَذِه السَّوْدَاء فَإِنَّهُ يقْضِي لكل وَاحِد مِنْهُمَا بِمَا فِي يَده اهـ.
وَإِن كَانَ فِي يَد رجل حمام أَو دَجَاج أَو طير مِمَّا يفرخ أَقَامَ رجل الْبَيِّنَة أَنه لَهُ فرخ فِي ملكه وَأقَام صَاحب الْيَد الْبَيِّنَة على مثل ذَلِك: قضى بِهِ لصَاحب الْيَد.
وَلَو ادّعى لَبَنًا فِي يَد رجل أَنه لَهُ ضربه فِي ملكه وَبرهن ذُو الْيَد: يقْضِي بِهِ للْخَارِج، وَلَو كَانَ مَكَان اللَّبن آجر أَو جص أَو نورة: يقْضِي بِهِ لصَاحب الْيَد، وغزل الْقطن لَا يتَكَرَّر فَيَقْضِي بِهِ لذِي الْيَد، بِخِلَاف غزل الصُّوف وورق الشّجر وثمرته بِمَنْزِلَة النِّتَاج، بِخِلَاف غُصْن الشَّجَرَة وَالْحِنْطَة لابد من الشَّهَادَة بِالْملكِ مَعَ السَّبَب الَّذِي لَا يتَكَرَّر كالنتاج.
لَو برهن الْخَارِج على أَن الْبَيْضَة الَّتِي تفلقت عَن هَذِه الدَّجَاجَة كَانَت لَهُ لم يقْض لَهُ بالدجاجة
وَيَقْضِي على صَاحب الدَّجَاجَة ببيضة مثلهَا لصَاحِبهَا، لَان ملك الْبَيْضَة لَيْسَ لملك الدَّجَاجَة، فَإِن من غصب بَيْضَة وحضنها تَحت دجَاجَة لَهُ كَانَ الفرخ للْغَاصِب وَعَلِيهِ مثلهَا، بِخِلَاف الامة فَإِن وَلَدهَا لصَاحب الام، وَجلد الشَّاة يقْضِي بِهِ لصَاحب الْيَد والجبة المحشوة والفرو وكل مَا يقطع من الثِّيَاب والبسط والانماط وَالثَّوْب الْمَصْبُوغ بعصفر أَو زعفران يقْضِي بهَا للْخَارِج اهـ.

قَوْله: (أَو كَانَ سَببا يتَكَرَّر) عطف على ادّعى: يَعْنِي أَن ذَا الْيَد أَحَق فِي كل حَال إِلَّا فِي حَال مَا إِذا ادّعى غصبا أَو كَانَ سَببا يتَكَرَّر فَإِنَّهُ يقْضِي للْخَارِج بِمَنْزِلَة الْملك الْمُطلق
قَوْله: (كبناء) أَي كَمَا إِذا ادّعى ذُو الْيَد أَن هَذَا الْآجر ملكي بنيت بِهِ حائطي وَادّعى الْخَارِج كَذَلِك يقدم الْخَارِج لانه يُمكن تكرره.

قَوْله: (وغرس) قَالَ الْحَمَوِيّ: وَالْحِنْطَة مِمَّا يتَكَرَّر، فَإِن الانسان قد يزرع فِي الارض ثمَّ يغربل التُّرَاب فيميز الْحِنْطَة مِنْهَا ثمَّ يزرع ثَانِيَة، فَإِذا ادّعى كل أَنَّهَا حنطته زَرعهَا وَأَقَامَا برهانا فَإِنَّهُ يقدم الْخَارِج، وَالنَّخْل يغْرس غير مرّة فَإِذا تنَازعا فِي أَرض ونخيل: أَي كل يَدعِي غرسه وبرهنا فَإِنَّهُ يقْضِي للْخَارِج بهما، وَكَذَا الارض المزروعة: يَعْنِي أَنَّهَا أرضه زَرعهَا كل يَدعِي ذَلِك، أما إِذا كَانَ الزَّرْع مِمَّا يتَكَرَّر فَظَاهر وَإِلَّا كَانَ تبعا للارض كَمَا فِي الْخُلَاصَة.
وَالْحَاصِل: أَن المنظور إِلَيْهِ فِي كَونه يتَكَرَّر أَولا يتَكَرَّر هُوَ الاصل لَا التبع كَمَا فِي الْبَحْر
قَوْله: (ونسج خَز) الْخَزُّ اسْمُ دَابَّةٍ، ثُمَّ سُمِّيَ الثَّوْبُ الْمُتَّخَذُ من وبره خَزًّا.
قيل هُوَ نسج إِذا بلَى يغزل مرّة ثَانِيَة ثمَّ ينسج.
عزمي.

قَوْله: (أَو أشكل على أهل الْخِبْرَة) قَالَ فِي الْبَحْر ونصل السَّيْف يسْأَل عَنهُ، فَإِن أخبروا أَنه لَا يضْرب إِلَّا مرّة كَانَ لذِي الْيَد وَإِلَّا للْخَارِج: أَي فَإِذا ادّعى خَارج وَذُو يَد أَن هَذَا النصل لَهُ ضربه بِيَدِهِ وَأَقَامَا برهانا فَهُوَ على هَذَا اهـ.
قَالَ أَبُو السُّعُود: فَإِن أشكل على أهل الْخِبْرَة قضى بِهِ للْخَارِج وَالْوَاحد مِنْهُم يَكْفِي والاثنان أحوط.
عزمي وزيلعي.
وَذكر فِي غَايَة الْبَيَان أَنه إِذا أشكل على أهل الْخِبْرَة اخْتلفت الرِّوَايَة، فَفِي رِوَايَة أبي سُلَيْمَان: يقْضِي لذِي الْيَد.
وَفِي رِوَايَة أبي حَفْص: يقْضِي للْخَارِج اهـ.

قَوْله: (لانه الاصل) أَي كَون الْمُدَّعِي

(8/154)


للْخَارِج المبرهن لَان الْقَضَاء بِبَيِّنَة هُوَ الاصل، فَإِذا لم يعلم يرجع إِلَى الاصل.

قَوْله: (وَإِنَّمَا عدلنا عَنهُ
بِحَدِيث النِّتَاج) سبق مَا فِيهِ قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: النِّتَاج بِالْكَسْرِ مصدر، يُقَال نتجت النَّاقة بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول نتاجا: ولدت قَالَ شيخ الاسلام زَكَرِيَّا: النِّتَاج بِكَسْر النُّون من تَسْمِيَة الْمَفْعُول بِالْمَصْدَرِ، يُقَال نتجت النَّاقة بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول نتاجا: ولدت اهـ.
وَقَالَ ابْن الملقن فِي ضبط كَلَام الْمِنْهَاج النِّتَاج بِفَتْح النُّون، وَرَأَيْت بِخَط المُصَنّف فِي الاصل بِكَسْرِهَا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع اهـ.
قَالَ الهيتمي: ضَبطه المُصَنّف: يَعْنِي النَّوَوِيّ بِكَسْر النُّون، وَضَبطه الاستاذ بِالْفَتْح اهـ.
تَتِمَّة: الْمقْضِي عَلَيْهِ فِي حَادِثَة لَا تسمع دَعْوَاهُ بعده إِلَّا إِذا برهن على إبِْطَال الْقَضَاء أَو على تلقي الْملك من الْمقْضِي لَهُ أَو على النِّتَاج كَمَا فِي الْعمادِيَّة وَالْبَزَّازِيَّة.
قَالَ الرَّمْلِيّ: وَالظَّاهِر أَن مَا فِي خزانَة الاكمل هُوَ الرَّاجِح كَمَا يشْهد لَهُ الِاقْتِصَار عَلَيْهِ فِي الْعمادِيَّة وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهمَا، فازدد نقلا فِي الْمَسْأَلَة إِن شِئْت، وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ فِي دفع الدَّعْوَى.

قَوْلُهُ: (مِنْ الْآخَرِ) أَيْ مِنْ خَصْمِهِ الْآخَرِ.

قَوْله: (بِلَا وَقت) قيد بِهِ لانهما لَو أرخا يقْضِي بِهِ لصَاحب الْوَقْت الاخير، كَذَا فِي خزانَة الاكمل.

قَوْله: (وَتُرِكَ الْمَالُ الْمُدَّعَى بِهِ فِي يَدِ مَنْ مَعَه) أَي لَا على وَجه الْقَضَاء بل عملا بالاصل، لانه لما تهاترت الْبَيِّنَتَانِ رَجَعَ إِلَى الاصل، وَهُوَ أَن وضع الْيَد من أَسبَاب الْملك.

قَوْله: (وَقَالَ مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج) أَي لامكان الْعَمَل بالبينتين وَبِأَن يَجْعَل ذُو الْيَد كَأَنَّهُ اشْترى من الآخر وَقبض ض ثمَّ بَاعَ، لَان الْقَبْض دَلِيل الشِّرَاء فَيُؤْمَر بِالدفع إِلَيْهِ لَان تمكنه من الْقَبْض دَلِيل السَّبق.
وَلَا يعكس الامر لَان البيع قبل الْقَبْض لَا يجوز وَإِن كَانَ فِي الْعقار عِنْده، وَهَذَا فِيمَا إِذا كَانَت فِي يَد أَحدهمَا كَمَا يظْهر من تَقْرِير كَلَامه.
وَجه قَوْلهمَا كَمَا فِي الْبَحْر أَن الاقدام على الشِّرَاء إِقْرَار مِنْهُ بِالْملكِ للْبَائِع فَصَارَ كَأَنَّهُمَا قَامَتَا عَلَى الْإِقْرَارَيْنِ.
وَفِيهِ التَّهَاتُرُ بالاجماع.
كَذَا هُنَا.
ولان السَّبَب يُرَاد لحكمه وَهُوَ الْملك وَلَا يُمكن الْقَضَاء لذِي الْيَد إِلَّا بِملك مُسْتَحقّ فَبَقيَ الْقَضَاء بِمُجَرَّد السَّبَب وَأَنه لَا يفِيدهُ، ثمَّ لَو شهِدت الْبَيِّنَتَانِ على نقد الثّمن فالالف بالالف قصاص عِنْدهمَا إِذا اسْتَويَا لوُجُود قبض الْمَضْمُون من كل جَانب، وَإِن لم يشْهدُوا على نَقده الثّمن فالقصاص مَذْهَب مُحَمَّد للْوُجُوب عِنْده.

قَوْله: (قُلْنَا الاقدام) أَي من الْخَارِج على الشِّرَاء الَّذِي ادَّعَاهُ والاقدام من ذِي الْيَد على الشِّرَاء الَّذِي ادَّعَاهُ.

قَوْله: (إِقْرَار مِنْهُ) أَي من القادم بِالْملكِ لَهُ للْآخر فَصَارَت بَيِّنَة كل وَاحِد مِنْهُمَا كَأَنَّهَا قَامَت على إِقْرَار الآخر، وَفِيه التهاتر بالاجماع لتعذر الْجمع.
قَوْله:
(وَلَو أثبتا قبضا تهاترتا اتِّفَاقًا) لَان الْجمع غير مُمكن عِنْد مُحَمَّد لجَوَاز كل وَاحِد من البيعين، بِخِلَاف الاول، وَهَذَا فِي غير الْعقار، أما فِي الْعقار: فَإِن وقتت الْبَيِّنَتَانِ وَلم يثبتا قبضا، فَإِن كَانَ وَقت الْخَارِج أسبق: يقْضِي لصَاحب الْيَد عِنْدهمَا فَيجْعَل كَأَن الْخَارِج اشْترى أَولا ثمَّ بَاعَ قبل الْقَبْض من صَاحب الْيَد وَهُوَ جَائِز فِي الْعقار عِنْدهمَا.
وَعند مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج لانه لَا يَصح بَيْعه قبل الْقَبْض فَبَقيَ على ملكه، وَإِن أثبتا قبضا: يقْضِي بهَا لصَاحب الْيَد بالاجماع، وَإِن كَانَ وَقت صَاحب الْيَد أسبق: يقْضِي بهَا للْخَارِج سَوَاء شهدُوا بِالْقَبْضِ أَو لم يشْهدُوا كَمَا فِي الْبَحْر عَن الْهِدَايَة.
وَفِيه وَفِي الْمَبْسُوط مَا يُخَالِفهُ كَمَا علم من الْكَافِي اه.

(8/155)


أَقُول: ثمَّ رَأَيْت فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة مَا يكون تأييدا لكَلَام الْهِدَايَة، حَيْثُ قَالَ: وَعند مُحَمَّد: يقْضِي بالبينتين: يَعْنِي إِن ذكرُوا الْقَبْض الخ.
تَأمل.
وَفِي الْبَحْر أَيْضا عَن الْكَافِي: دَار فِي يَد زيد برهن عَمْرو على أَنه بَاعهَا من بكر بِأَلف وَبرهن بكر على أَنه بَاعهَا من عَمْرو بِمِائَة دِينَار وَجحد زيد ذَلِك كُله قضى بِالدَّار بَين المدعيين وَلَا يقْضِي بشئ من الثمنين لانه تعذر الْقَضَاء بِالْبيعِ لجَهَالَة التَّارِيخ وَلم يتَعَذَّر الْقَضَاء بِالْملكِ.
وَعند مُحَمَّد: يقْضِي بهَا بَينهمَا.
وَلكُل وَاحِد نصف الثّمن على صَاحبه، لانه لم يسلم لكل وَاحِد إِلَّا نصف الْمَبِيع.
وَلَو ادَّعَت امْرَأَة شِرَاء الدَّار من عَمْرو بِأَلف وَعَمْرو ادّعى أَنه اشْتَرَاهَا مِنْهَا بِأَلف وَزيد وَهُوَ ذُو الْيَد يَدعِي أَنَّهَا لَهُ اشْتَرَاهَا من عَمْرو بِأَلف وَأَقَامُوا الْبَيِّنَة: قضى لذِي الْيَد لتعارض بينتي غَيره فَبَقيت بَينته بِلَا معَارض.
وَعند مُحَمَّد: يقْضِي بِالدَّار لذِي الْيَد بِأَلف عَلَيْهِ للْخَارِج وَيَقْضِي لَهَا على الْخَارِج بِأَلف، لَان ذَا الْيَد وَالْمَرْأَة ادّعَيَا التلقي من الْخَارِج فَيجْعَل كَأَنَّهَا فِي يَده اهـ.
مطلب: برهن كل على إِقْرَار الآخر أَنَّهَا لَهُ تهاترا وَأَشَارَ الْمُؤلف إِلَى أَنه لَو برهن كل على إِقْرَار الآخر أَن هَذَا الشئ لَهُ فَإِنَّهُمَا يتهاتران وَيبقى فِي يَد ذِي الْيَد.
كَذَا فِي الخزانة.

قَوْله: (وَلَا ترجح) يحْتَمل أَن يقْرَأ الْفِعْل بالتذكير أَو التَّأْنِيث، فعلى الاولى يعود الضَّمِير الْمُسْتَتر على الحكم، وعَلى الثَّانِي يعود على الدَّعْوَى.
إِلَى هَذَا أَشَارَ الْعَيْنِيّ.
قَوْله:
(فَإِن التَّرْجِيح عندنَا) أَي وَعند الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم وَبَعض الْمَالِكِيَّة يرجحون بِكَثْرَة الْعدَد.

قَوْله: (بِقُوَّة الدَّلِيل) بِأَن يكون أَحدهمَا متواترا وَالْآخر من الْآحَاد أَو كَانَ أَحدهمَا مُفَسرًا وَالْآخر مُجملا، فيرجح الْمُفَسّر على الْمُجْمل والتواتر على الْآحَاد لقُوَّة فِيهِ، وَكَذَا لَا يرجح أحد القياسين وَلَا الحَدِيث بِحَدِيث آخر، وَشَهَادَة كل شَاهِدين عِلّة تَامَّة فَلَا تصليح للترجيح كَمَا فِي الْبَحْر.
وَسَيَأْتِي قَرِيبا تَمَامه.

قَوْله: (لَا بكثرته) وَلذَا لَا ترجح الْآيَة بِآيَة أُخْرَى وَلَا الْخَبَر بالْخبر وَلَا أحد القياسين بِقِيَاس آخر.
قَالَ فِي غَايَة الْبَيَان: لَان التَّرْجِيح يكون بِقُوَّة الْعلَّة لَا بِكَثْرَة فِي الْعِلَل، وَلذَلِك قُلْنَا: إِن الْخَبَرَيْنِ إِذا تَعَارضا لَا يتَرَجَّح أَحدهمَا على الآخر بِخَبَر آخر بل بِمَا بِهِ يتَأَكَّد معنى الْحجَّة فِيهِ، وَهُوَ الِاتِّصَال برَسُول الله (ص) حَتَّى يتَرَجَّح الْمَشْهُور بِكَثْرَة رُوَاته على الشاذ لظُهُور زِيَادَة الْقُوَّة فِيهِ من حَيْثُ الِاتِّصَال برَسُول الله (ص) ، ويترجح بِفقه الرَّاوِي وَحسن ضَبطه وإتقانه لانه يتقوى بِهِ معنى الِاتِّصَال برَسُول الله (ص) على الْوَجْه الَّذِي وصل إِلَيْنَا بِالنَّقْلِ، وَكَذَلِكَ الْآيَتَانِ إِذا وَقعت الْمُعَارضَة بَينهمَا لَا تترجح إِحْدَاهمَا بِآيَة أُخْرَى، بل بِقُوَّة فِي معنى الْحجَّة وَهُوَ أَنه نَص مُفَسّر وَالْآخر مؤول، وَكَذَلِكَ لَا يتَرَجَّح أحد الْخَبَرَيْنِ بِالْقِيَاسِ، فَعرفنَا أَن مَا يَقع بِهِ التَّرْجِيح هُوَ مَا لَا يصلح عِلّة للْحكم ابْتِدَاء بل مَا يكون مقويا لما بِهِ صَارَت الْعلَّة مُوجبَة للْحكم اهـ.
قَالَ الْمولى عبد الْحَلِيم: قَوْله فلَان التَّرْجِيح لَا يَقع بِكَثْرَة الْعِلَل بل التَّرْجِيح يَقع بِقُوَّة الْعلَّة وَلذَلِك ترجح شَهَادَة الْعدْل على شَهَادَة المستور، كَمَا يرجح كَون أحد الْخَبَرَيْنِ أَو الْآيَتَيْنِ مُفَسرًا أَو محكما على الآخر اهـ.

قَوْله: (فهما سَوَاء فِي ذَلِك) أَي فِي الاقامة الْمَأْخُوذَة من أَقَامَ: أَي فِي حكمهَا.

(8/156)


قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ فَإِنَّهُ يُفِيد حِينَئِذٍ الْعِلْمَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ كَالْجَانِبِ الْآخَرِ اهـ.
أَقُولُ: ظَاهِرُ مَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَالزَّيْلَعِيِّ يُفِيدُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَلَنَا أَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ شَاهِدَيْنِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ كَمَا فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ، وَالتَّرْجِيحُ لَا يَقَعُ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ بَلْ بِقُوَّتِهَا، بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُتَوَاتِرًا وَالْآخَرُ آحَادًا أَوْ يكون أَحدهمَا مُفَسرًا وَالْآخر مُجملا فيرجح الْمُفَسّر على الْمُجْمل والمتواتر على الْآحَاد اهـ.
بيري.
وَفِي شرح الْمُفْتِي أَن عدد الشُّهُود إِذا بلغ حد التَّوَاتُر يَنْبَغِي أَن يرجح على من لم يبلغهُ قِيَاسا على الْخَبَر من أَنه يرجح كَون أحد الْخَبَرَيْنِ إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا وَلم أظفر على الرِّوَايَة اهـ، أَقُول: قد ذكر فِي التَّحْرِير وَشَرحه مَا حَاصله: فرق بَين الشَّهَادَة وَالْخَبَر، لَان السّمع ورد فِي الشَّهَادَة على خلاف الْقيَاس بِأَن يكون نصابها اثْنَيْنِ فَلَا يكون لكثرتهم قُوَّة زَائِدَة تمنع مَا اعْتَبرهُ السّمع فِي الطّرف الآخر، بِخِلَاف الرِّوَايَة فِي الْخَبَر فَإِن الحكم فِيهِ نيط بِرِوَايَة كل من الرَّاوِي، فَلَا شكّ أَن كثرتهم تزيد الظَّن وَالْقُوَّة وَفِيه فَافْتَرقَا على أَن مَا ورد فِيهِ النَّص لَا يؤثره الْقيَاس.
تدبر.

قَوْله: (لَان الْمُعْتَبر أصل الْعَدَالَة) بل الْمُعْتَبر فِيهِ الْولَايَة بِالْحُرِّيَّةِ وَالنَّاس فِيهِ سَوَاء وَالْعَدَالَة شرطت لظُهُور أثر الصدْق حَتَّى وَجب على القَاضِي الْقَضَاء وَلذَلِك لم يلْتَفت إِلَى زِيَادَة قُوَّة فِي الْعَدَالَة، وَبَاقِي التَّفْصِيل فِي شرح الْمُفْتِي الشَّارِح الْهِنْدِيّ.

قَوْله: (وَلَا حد للاعدلية) أَي فَلَا يَقع التَّرْجِيح بهَا لاحْتِمَال أَن يجد الآخر مَا هُوَ أعدل فَلَا يسْتَقرّ الحكم على حَالَة.

قَوْلُهُ: (بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ) اعْلَمْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحمَه الله تَعَالَى اعْتَبَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَ الْمُنَازَعَةِ، وَهُوَ أَنَّ النِّصْفَ سَالِمٌ لِمُدَّعِي الْكُلِّ بِلَا مُنَازَعَةٍ، بَقِي النّصْف الآخر وَفِيه منازعتهما على السوَاء فينصف، فَلِصَاحِبِ الْكُلِّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ الرُّبْعُ، وَهُمَا اعْتَبَرَا طَرِيقَ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَذَا لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ كُلًّا وَنِصْفًا، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَعُولُ إلَى ثَلَاثَةٍ، فَلِصَاحِبِ الْكُلِّ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ سَهْمٌ هَذَا هُوَ الْعَوْلُ.
وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَضْرِبُ بِقَدْرِ حَقِّهِ، فَصَاحِبُ الْكُلِّ لَهُ ثُلُثَانِ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَيُضْرَبُ الثُّلُثَانِ فِي الدَّارِ وَصَاحِبُ النِّصْفِ لَهُ ثُلُثٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَيُضْرَبُ الثُّلُثُ فِي الدَّارِ فَحَصَلَ ثُلُثُ الدَّارِ لِأَنَّ ضَرْبَ الْكُسُورِ بِطَرِيقِ الْإِضَافَةِ فَإِنَّهُ إذَا ضُرِبَ الثُّلُثُ فِي السِّتَّةِ مَعْنَاهُ ثلث السِّتَّة وَهُوَ اثْنَان.
منح.
قَالَ فِي الْهِدَايَة: إِن لهَذِهِ الْمَسْأَلَة نَظَائِر وأضدادا لَا يحتملها هَذَا الْمُخْتَصر، وَقد ذَكرنَاهَا فِي الزِّيَادَات اهـ.
وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهَا قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى عَن شرح الزِّيَادَات لقاضيخان.

قَوْله: (بطرِيق الْعَوْل) هُوَ فِي اللُّغَة الزِّيَادَة والارتفاع.
وَعند أهل الْحساب أَن يُزَاد على الْمخْرج من أخواته إِذا ضَاقَ عَن فرض ذِي السهْم.

قَوْله: (فَالْمَسْأَلَة من اثْنَيْنِ) لوُجُود كسر مخرجه ذَلِك وَهُوَ النّصْف.

قَوْله: (وَتَعُولُ إلَى ثَلَاثَةٍ) فَلِصَاحِبِ الْكُلِّ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِ النّصْف سهم فَيقسم أَثلَاثًا بَينهمَا.
والاصل أَنه إِذا

(8/157)


وَقعت الدَّعْوَى فِي شئ معِين كَانَت الْقِسْمَة بطرِيق الْمُنَازعَة، وَمَتى كَانَت الدَّعْوَى فِي جُزْء غير معِين وَكَانَ باسم السهْم والنصيب كَانَت الْقِسْمَة بطرِيق الْعَوْل، فَالْوَجْه لَهما أَن الدَّعْوَى وَقعت فِي جُزْء غير معِين وَهُوَ النّصْف فَيقسم على طَرِيق الْعَوْل كَمَا فِي الْمَوَارِيث.
وَله أَن الدَّعْوَى وَقعت فِي الْعين وَإِن كَانَت باسم النّصْف شَائِعا، لَكِن الدَّعْوَى لَا تصح إِلَّا بالاضافة والاشارة إِلَى مَحل معِين كَأَن يَقُول نصف هَذِه الدَّار، فَإِذا صحت الدَّعْوَى على تعْيين الْمحل الَّذِي وَقعت الدَّعْوَى فِيهِ أَخذ حكم دَعْوَى شئ معِين، وَالْعين قطّ لَا تعول فَيقسم على طَرِيق الْمُنَازعَة، بِخِلَاف الْمَوَارِيث والديون لَان المنازع فِيهِ ابْتِدَاء هُوَ الدُّيُون فِي ذمَّة الْمَيِّت دون الْعين، وَكَذَا الْمَوَارِيث أنصباء غير مُعينَة بل هِيَ شائعة فِي التَّرِكَة.
كَذَا فِي الْكَافِي شرح الْمَنْظُومَة.

قَوْله: (مِيرَاث) يَعْنِي إِذا اجْتمعت سِهَام الْفَرَائِض فِي التَّرِكَة وَضَاقَتْ التَّرِكَة عَن الْوَفَاء بهَا تقسم على طَرِيق الْعَوْل، فَإِن مَاتَت وَتركت زوجا وأختا شَقِيقَة وأختا لَام فَالْمَسْأَلَة من سِتَّة وتعول إِلَى سَبْعَة.

قَوْله: (وديون) بِأَن كَانَ عَلَيْهِ مِائَتَان وَترك مائَة فيعطي لكل ذِي مائَة خَمْسُونَ، فَلَو كَانَ لاحدهما مائَة وَللْآخر خَمْسُونَ قسمت الْمِائَة ثَلَاثَة أسْهم اثْنَان لصَاحب الْمِائَة وَوَاحِد لصَاحب الْخمسين.

قَوْله: (وَوَصِيَّة) أَي بِمَا دون الثُّلُث كَمَا قَيده الزَّيْلَعِيّ إِذا اجْتمعت وزادت على الثُّلُث، كَمَا لَو أوصِي لرجل بسدس مَاله وَلآخر بِثُلثِهِ وَلم تجز الْوَرَثَة يقسم الثُّلُث بطرِيق الْعَوْل فَيجْعَل الثُّلُث ثَلَاثَة أسْهم سهم لصَاحب السُّدس وسهمان لصَاحب الثُّلُث.

قَوْله: (ومحاباة) أَي الْوَصِيَّة بالمحاباة، بِأَن أوصى بِأَن يُبَاع عبد يُسَاوِي مائَة بِخَمْسِينَ وَعبد يُسَاوِي مِائَتَيْنِ بِمِائَة وَلم يتْرك غَيرهمَا وَلم تجز الْوَرَثَة كَانَ ثلث المَال مائَة والمحاباة مائَة وَخمسين فتجعل الْمِائَة ثَلَاثَة أسْهم سَهْمَان للمحابي بِمِائَة وَسَهْم للمحابي بِخَمْسِينَ.

قَوْله: (ودراهم مُرْسلَة) أَي مُطلقَة غير مُقَيّدَة بِثلث أَو نصف أَو نَحْوهمَا: كَمَا إِذا أوصى لرجل بِمِائَة وَلآخر بمائتين وَلم يتْرك إِلَّا ثلثمِائة فَكَانَ ثلث المَال مائَة وَلم تجز الْوَرَثَة تقسم الْمِائَة ثَلَاثَة أسْهم سهم لصَاحب الْمِائَة وسهمان لصَاحب الْمِائَتَيْنِ.

قَوْله: (وسعاية) بِأَن أوصى بِعِتْق عَبْدَيْنِ أَو أعتقهما فِي مرض مَوته وَلم يتْرك غَيرهمَا وَلم تجز الْوَرَثَة يسْعَى كل بِثُلثي قِيمَته، فَلَو أعتق وَاحِدًا وَنصف الآخر أَو أوصى بعتقهما كَذَلِك وقيمتهما سَوَاء وَكَانَ ذَلِك جَمِيع التَّرِكَة
وَلم تجز الْوَرَثَة وَقِيمَة العَبْد مائَة وَقِيمَة نصف العَبْد خَمْسُونَ وَثلث وَالْمَال خَمْسُونَ يَجْعَل الْخَمْسُونَ ثَلَاثَة أسْهم سَهْمَان للْعَبد وَيسْعَى فِي بَاقِي قِيمَته وَسَهْم لنصف العَبْد وَيسْعَى فِي الْبَاقِي.

قَوْله: (وَجِنَايَة رَقِيق) أَدخل فِي هَذِه صُورَتَيْنِ، جِنَايَة العَبْد الرَّقِيق غير الْمُدبر وَالْمُدبر.
وَصُورَة الاولى: عَبْدٌ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ وَقَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَإِنَّهُ يدْفع لَهما بطرِيق الْعَوْل، فأولياء الْمَقْتُول يريدونه كُله وَصَاحب الْعين يُرِيد نصفه وَالْكل نِصْفَانِ مَعَ نصف صَاحب الْعين فَيجْعَل ثَلَاثَة أسْهم سَهْمَان لوَلِيّ الْمَقْتُول وَسَهْم للمقلوع عينه.
وَصُورَة الثَّانِيَة: جِنَايَة الْمُدبر إِذا جنى على هَذَا الْوَجْه فَإِنَّهُ يدْفع السَّيِّد قِيمَته ثلثاها لوَلِيّ الْمَقْتُول وثلثها لصَاحب الْعين، وَكَأَنَّهَا سَقَطت من الْكَاتِب فَإِنَّهَا لم تُوجد فِي نسخ الدّرّ.
وَبَقِي من الصُّور الْوَصِيَّة بِالْعِتْقِ وَبهَا تتمّ الثمان.

قَوْله: (وَهِي مَسْأَلَة الفضوليين) بِأَن بَاعَ فُضُولِيّ عبد إِنْسَان بِمِائَة وفضولي آخر نصف ذَلِك العَبْد بِخَمْسِينَ وَأَجَازَ الْمَالِك البيعين كَانَ لصَاحب الْكل ثَلَاثَة أَربَاع العَبْد أَو

(8/158)


ترك وَصَاحب النّصْف ربعه أَو ترك بطرِيق الْمُنَازعَة عِنْدهم جَمِيعًا.

قَوْله: (وَإِذا أوصى لرجل بِكُل مَاله) أَي وَلآخر بِنصفِهِ وأجازت الْوَرَثَة ذَلِك، فَعِنْدَ أبي حنيفَة: صَاحب النّصْف لَا يُنَازع صَاحب الْكل فِي أحد النصفين فَيسلم لَهُ ويتنازعان فِي النّصْف الثَّانِي فيقتسمانه.
وَعِنْدَهُمَا: للْمُوصى لَهُ بِالْكُلِّ نِصْفَانِ وللموصى لَهُ بِالنِّصْفِ وَاحِد، فَيجْعَل المَال ثَلَاثَة أسْهم: سَهْمَان للْمُوصى لَهُ بِالْكُلِّ، وَسَهْم للْمُوصى لَهُ بِالنِّصْفِ، وَكَذَا الْمُوصى لَهُ بِالْعَبدِ: ثَلَاثَة أَرْبَاعه عِنْده، وللموصى لَهُ بِالنِّصْفِ ربعه.
وَعِنْدَهُمَا: يَجْعَل ثَلَاثَة أسْهم.

قَوْله: (وَهُوَ خمس) الاولى: عبد مَأْذُون بَين رجلَيْنِ أدانه أحد الموليين مائَة: يَعْنِي بَاعه شَيْئا نَسِيئَة بِمِائَة وأدانه أَجْنَبِي مائَة فَبيع العَبْد بِمِائَة: عِنْد أبي حنيفَة: يقسم ثمن العَبْد بَين الْمولى الدَّائِن وَبَين الاجنبي أَثلَاثًا ثُلُثَاهُ للاجنبي وَثلثه للْمولى، لَان إدانته تصح فِي نصيب شَرِيكه لَا فِي نصِيبه.
الثَّانِيَة: إِذا أدانه أَجْنَبِي مائَة وأجنبي آخر خمسين وَبيع العَبْد: عِنْد أبي حنيفَة: يقسم الثّمن بَينهمَا أَثلَاثًا وَعِنْدَهُمَا: أَربَاعًا.
الثَّالِثَة: عبد قتل رجلا خطأ وَآخر عمدا وللمقتول عمدا وليان فَعَفَا أَحدهمَا: يُخَيّر مولى العَبْد بَين
الدّفع وَالْفِدَاء، فَإِن فدى الْمولى يفْدي بِخَمْسَة عشر ألفا خَمْسَة آلَاف لِشَرِيك الْعَافِي وَعشرَة آلَاف لوَلِيّ الْخَطَأ، فَإِن دَفعه يقسم العَبْد بَينهمَا أَثلَاثًا عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا: أَربَاعًا.
الرَّابِعَة: لَو كَانَ الْجَانِي مُدبرا وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا وَدفع الْمولى الْقيمَة.
الْخَامِسَة: أم ولد قتلت مَوْلَاهَا وأجنبيا عمدا وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا وليان فَعَفَا أحد ولي كل وَاحِد مِنْهُمَا على التَّعَاقُب سعت فِي ثَلَاثَة أَربَاع قيمتهَا وَكَانَ للساكت من ولي الاجنبي ربع الْقيمَة، وَيقسم نصف الْقيمَة بَينهمَا بطرِيق الْعَوْل أَثلَاثًا عِنْد أبي حنيفَة.
وَعِنْدَهُمَا: أَربَاعًا بطرِيق الْمُنَازعَة.
كَذَا فِي الْبَحْر.
وَالَّذِي فِي التَّبْيِين: فَيعْطى الرّبع لِشَرِيك الْعَافِي آخرا وَالنّصف الآخر بَينه وَبَين شريك الْعَافِي أَولا أَثلَاثًا: ثُلُثَاهُ لِشَرِيك الْعَافِي أَولا، وَالثلث لِشَرِيك الْعَافِي آخرا عِنْده، وَعِنْدَهُمَا: أَربَاعًا.
مطلب: جنس مسَائِل الْقِسْمَة أَرْبَعَة
قَوْله: (وَتَمَامه فِي الْبَحْر) نَقله عَن شرح الزِّيَادَات لقاضيخان حَيْثُ قَالَ: وجنس مسَائِل الْقِسْمَة أَرْبَعَة: مِنْهَا مَا يقسم بطرِيق الْعَوْل وَالْمُضَاربَة عِنْد الْكل.
وَمِنْهَا مَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة عِنْدهم.
وَمِنْهَا مَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا: بطرِيق الْعَوْل وَالْمُضَاربَة.
ومنهما مَا يقسم على عكس ذَلِك.
مطلب: مَا يقسم بطرِيق الْعَوْل عِنْدهم ثَمَانِيَة أما مَا يقسم بطرِيق الْعَوْل عِنْدهم فثمانية.
إِحْدَاهَا: الْمِيرَاث إِذا اجْتمعت سِهَام الْفَرَائِض فِي التَّرِكَة وَضَاقَتْ التركت عَن الْوَفَاء بهَا تقسم التَّرِكَة بَين أَرْبَاب الدُّيُون بطرِيق الْعَوْل.
وَالثَّانيَِة: إِذا اجْتمعت الدُّيُون المتفاوتة وَضَاقَتْ التَّرِكَة عَن الْوَفَاء بهَا: تقسم التَّرِكَة بَين أَرْبَاب الدُّيُون بطرِيق الْعَوْل.

(8/159)


وَالثَّالِثَة: إِذا أوصى لرجل بِثلث مَاله وَلآخر بربعه وَلآخر بسدس مَاله وَلم يجز الْوَرَثَة حَتَّى عَادَتْ الْوَصَايَا إِلَى الثُّلُث: يقسم الثُّلُث بَينهم على طَرِيق الْعَوْل.
وَالرَّابِعَة: الْوَصِيَّةُ بِالْمُحَابَاةِ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ الْعَبْدُ الَّذِي قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ مِنْ هَذَا الرجل بألفي دِرْهَم وَأوصى لآخر بِأَن يُبَاعَ الْعَبْدُ الَّذِي يُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ بِأَلْفِ حَتَّى حَصَلَتْ الْمُحَابَاةُ لَهُمَا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ كَانَ الثُّلُث بَينهمَا بطرِيق الْعَوْل.
وَالْخَامِسَة: الْوَصِيَّة بِالْعِتْقِ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ نِصْفُهُ وَأَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ مِنْ هَذَا الآخر ثلثه وَذَاكَ لَا يخرج من الثُّلُث: يُقْسَمُ ثُلُثُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ، وَيَسْقُطُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتُهُ مِنْ السِّعَايَةِ.
وَالسَّادِسَة: الْوَصِيَّة بِأَلف مُرْسلَة: إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَلْفٍ وَلِآخَرَ بِأَلْفَيْنِ كَانَ الثُّلُث بَينهمَا بطرِيق الْعَوْل.
وَالسَّابِعَة: عَبْدٌ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ وَقَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَدفع بهَا: يُقْسَمُ الْجَانِي بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ، ثُلُثَاهُ لِوَلِيِّ الْقَتِيل، وَثلثه للْآخر.
وَالثَّامِنَة: مُدَبَّرٌ جَنَى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَدُفِعَتْ الْقِيمَةُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ كَانَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْل.
مطلب: مَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة مَسْأَلَة وَاحِدَة وَأما مَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة فَمَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْجَامِعِ: فُضُولِيٌّ بَاعَ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَم وَفُضُولِيٌّ آخَرُ بَاعَ نِصْفَهُ مِنْ آخَرَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَأَجَازَ الْمَوْلَى البيعين جَمِيعًا: خير المشتريان، فَإِن اختارا الاخذ أخذا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِمُشْتَرِي الْكُلِّ وَرُبْعُهُ لمشتري النّصْف عِنْدهم جَمِيعًا.
مطلب: مَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة عِنْده وبطريق الْعَوْل عِنْدهمَا ثَلَاث مسَائِل وَأما مَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا بطرِيق الْعَوْل فَثَلَاث مسَائِل.
إِحْدَاهَا: دَار تنَازع فِيهَا رجلَانِ أَحدهمَا يَدعِي كلهَا وَالْآخر يَدعِي نصفهَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَة: عِنْد أبي حنيفَة: تقسم الدَّار بَينهمَا بطرِيق الْمُنَازعَة، ثَلَاثَة أرباعها لمُدعِي الْكل وَالرّبع لمُدعِي النّصْف.
وَعِنْدَهُمَا: أَثلَاثًا، ثلثاها لمُدعِي الْكل وثلثها لمُدعِي النّصْف.
وَالثَّانيَِة: إِذا أوصى بِجَمِيعِ مَاله لرجل وَنصفه لآخر وأجازت الْوَرَثَة: عِنْد أبي حنيفَة المَال بَينهمَا
أَربَاعًا، وَعِنْدَهُمَا أَثلَاثًا.
وَالثَّالِثَة: إِذا أوصى بِعَبْد بِعَيْنِه لرجل وبنصفه لآخر وَهُوَ يخرج من ثلثه أَو لَا يخرج وأجازت الْوَرَثَة كَانَ العَبْد بَينهمَا أَربَاعًا عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا: أَثلَاثًا.
مطلب: مَا يقسم بطرِيق الْعَوْل عِنْده وبطريق الْمُنَازعَة عِنْدهمَا خمس مسَائِل وَأما مَا يقسم بطرِيق الْعَوْل عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا بطرِيق الْمُنَازعَة فَخمس مسَائِل.
مِنْهَا: مَا ذكره فِي الْمَأْذُون: عبد مَأْذُون بَين رجلَيْنِ أدانه أحد الموليين مائَة: يَعْنِي بَاعه شَيْئا بنسيئة وأدانه أَجْنَبِي مائَة فَبيع العَبْد بِمِائَة: عِنْد أبي حنيفَة: يقسم ثمن العَبْد بَين الْمولى الْمَدِين وَبَين الاجنبي أَثلَاثًا ثُلُثَاهُ للاجنبي وَثلثه للمولي، لَان إدانته تصح فِي نصيب شَرِيكه لَا فِي نصِيبه.

(8/160)


وَالثَّانيَِة: إِذا أدانه أَجْنَبِي مائَة وأجنبي آخر خمسين وَبيع العَبْد: عِنْد أبي حنيفَة يقسم الثّمن بَينهمَا أَثلَاثًا، وَعِنْدَهُمَا أَربَاعًا.
وَالثَّالِثَة: عبد قتل رجلا خطأ وَآخر عمدا وللمقتول عمدا وليان فَعَفَا أَحدهمَا: يُخَيّر مولى العَبْد بَين الدّفع وَالْفِدَاء، فَإِن هَذَا الْمولى يفْدي بِخَمْسَة عشر ألفا خَمْسَة آلَاف لشَرِيكه الْعَافِي وَعشرَة آلَاف لوَلِيّ الْخَطَأ، فَإِن دفع يقسم العَبْد بَينهمَا أَثلَاثًا عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا: أَربَاعًا.
وَالرَّابِعَة: لَو كَانَ الْجَانِي مُدبرا وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا وَدفع الْمولى الْقيمَة.
وَالْخَامِسَة: مَسْأَلَة الْكتاب أم ولد قتلت مَوْلَاهَا وأجنبيا عمدا وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا وليان فَعَفَا أحد وليي كل وَاحِد مِنْهُمَا على التَّعَاقُب سعت فِي ثَلَاثَة أَربَاع قيمتهَا: كَانَ للساكت من ولي الاجنبي ربع الْقيمَة، وَيقسم نصف الْقيمَة بَينهمَا بطرِيق الْعَوْل أَثلَاثًا عِنْد أبي حنيفَة.
وَعِنْدَهُمَا: أَربَاعًا بطرِيق الْمُنَازعَة.
والاصل لابي يُوسُف وَمُحَمّد أَن الْحَقَّيْنِ مَتى ثبتا على الشُّيُوع فِي وَقت وَاحِد كَانَت الْقِسْمَة عولية، وَإِن ثبتا على وَجه التَّمْيِيز أَو فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلفين كَانَت الْقِسْمَة نزاعية، وَالْمعْنَى فِيهِ أَن الْقيَاس يَأْبَى الْقِسْمَة بطرِيق الْعَوْل، لَان تَفْسِير الْعَوْل أَن يضْرب كل وَاحِد مِنْهُمَا بِجَمِيعِ حَقه أَحدهمَا بِنصْف
المَال وَالْآخر بِالْكُلِّ، وَالْمَال الْوَاحِد لَا يكون لَهُ كل وَنصف آخر، وَلِهَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: من شَاءَ باهلته، إِن الله تَعَالَى لم يَجْعَل فِي المَال الْوَاحِد ثلثين وَنصفا وَلَا نِصْفَيْنِ وَثلثا، وَإِنَّمَا تركنَا الْقيَاس فِي الْمِيرَاث بِإِجْمَاع الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَيلْحق بِهِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَفِي الْمِيرَاث حُقُوق الْكل ثبتَتْ على وَجه الشُّيُوع فِي وَقت وَاحِد وَهُوَ حَالَة الْمَوْت، وَفِي التَّرِكَة إِذا اجْتمعت حُقُوق مُتَفَاوِتَة حق أَرْبَاب الدُّيُون وَثَبت فِي وَقت وَاحِد وَهُوَ حَالَة الْمَوْت أَو الْمَرَض فَكَانَت فِي معنى الْمِيرَاث، وَكَذَلِكَ فِي الْوَصَايَا وَفِي العَبْد وَالْمُدبر إِذا فَقَأَ عين إِنْسَان وَقتل آخر خطأ حق أَصْحَاب الْجِنَايَة ثَبت فِي وَقت وَاحِد وَهُوَ وَقت دفع العَبْد الْجَانِي أَو قيمَة الْمُدبر لَان مُوجب جِنَايَة الْخَطَأ لَا يملك قبل الدّفع، وَلِهَذَا لَا يجب فِيهِ الزَّكَاة قبل الْقَبْض وَلَا تصح بِهِ الْكفَالَة.
وَإِنَّمَا يملك التَّسْلِيم وَوقت الدّفع وَاحِد.
وَفِي مَسْأَلَة دَعْوَى الدَّار الْحق إِنَّمَا يثبت بِالْقضَاءِ وَوقت الْقَضَاء وَاحِد فَكَانَت فِي معنى الْمِيرَاث، وَفِي مَسْأَلَة بيع الْفُضُولِيّ وَقت ثُبُوت الْحَقَّيْنِ مُخْتَلف، لَان الْملك ثَبت عِنْد الاجارة مُسْتَندا إِلَى قوت العقد وَوقت العقد مُخْتَلف.
وَفِي الْقسم الرَّابِع وَقت ثُبُوت الْحَقَّيْنِ مُخْتَلف، أما فِي مَسْأَلَة الادانة فلَان الْحق ثَبت بالادانة وَوقت الادانة مُخْتَلف.
وَفِي العَبْد إِذا قتل رجلا عمدا وَآخر خطأ وللمقتول عمدا وليان فَعَفَا أَحدهمَا وَاخْتَارَ الْمولى دفع العَبْد أَو كَانَ الْجَانِي مُدبرا وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا فَدفع الْمولى الْقيمَة عِنْدهمَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة، لَان وَقت ثُبُوت الْحَقَّيْنِ مُخْتَلف، لَان حق السَّاكِت من ولي الدَّم كَانَ فِي الْقصاص لَان مثل وَالْمَال بدل عَن الْقصاص وَوُجُوب الْبَدَل مُضَاف إِلَى سَبَب الاصل وَهُوَ الْقَتْل، فَكَانَ وَقت ثُبُوت حَقه الْقَتْل وَحقّ ولي الْخَطَأ فِي الْقيمَة، إِذْ العَبْد الْمَدْفُوع يثبت عِنْد الدّفع لَا قبله، لانه صلَة معنى والصلات لَا تملك قبل الْقَبْض، فَكَانَ وَقت الْحَقَّيْنِ مُخْتَلفا فَلم يكن فِي معنى الْمِيرَاث وَكَانَت القسمتين نزاعية.
وَفِي جِنَايَة أم الْوَلَد وجوب الدِّيَة للَّذي لم يعف مُضَاف إِلَى الْقَتْل لما قُلْنَا والقتلان وجدا فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلفين فَكَانَت الْقِسْمَة نزاعية عِنْدهمَا.

(8/161)


والاصل لابي حنيفَة أَن قسْمَة الْعين مَتى كَانَت بِحَق ثَابت فِي الذِّمَّة أَو بِحَق ثَبت فِي الْعين
على وَجه الشُّيُوع فِي الْبَعْض دون الْكل كَانَت الْقِسْمَة عولية، وَمَتى وَجب قسْمَة الْعين بِحَق ثَبت على وَجه التَّمْيِيز أَو كَانَ حق أَحدهمَا فِي الْبَعْض الشَّائِع وَحقّ الآخر فِي الْكل كَانَت الْقِسْمَة نزاعية.
وَالْمعْنَى فِيهِ أَن الْحُقُوق مَتى وَجَبت فِي الذِّمَّة فقد اسْتَوَت فِي الْقُوَّة، لَان الذِّمَّة متسعة فَيضْرب كل وَاحِد مِنْهُمَا بِجَمِيعِ حَقه فِي الْعين وَكَذَا إِذا كَانَ حق كل وَاحِد فِي الْعين، لَكِن فِي الْجُزْء الشَّائِع فقد اسْتَوَت فِي الْقُوَّة، لَان مَا من جُزْء ثَبت فِيهِ حق أَحدهمَا إِلَّا وَللْآخر أَن يزاحمه فَكَانَت الْحُقُوق مستوية فِي الْقُوَّة.
والاصل فِي قسْمَة الْعَوْل الْمِيرَاث كَمَا قَالَا، وثمة حق كل وَاحِد مِنْهُمَا ثَبت فِي الْبَعْض الشَّائِع.
وَإِذا ثَبت الحقان على وَجه التَّمْيِيز لم يكن فِي معنى الْمِيرَاث، وَكَذَا إِذا كَانَ حق أَحدهمَا فِي الْبَعْض الشَّائِع وَحقّ الآخر فِي الْكل لم يكن فِي معنى الْمِيرَاث، لَان صَاحب الْكل يزاحم صَاحب الْبَعْض فِي كل شئ، أما صَاحب الْبَعْض فَلَا يزاحم صَاحب الْكل فَلم يكن فِي معنى الْمِيرَاث، ولان حق كل وَاحِد مِنْهُمَا إِذا كَانَ فِي الْبَعْض الشَّائِع وَمَا يَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِحكم الْقِسْمَة غير مُقَرر وَأَنه غير الشَّائِع كَانَ الْمَأْخُوذ بدل حَقه لَا أصل حَقه، فَيكون فِي معنى الْمِيرَاث والتركة الَّتِي اجْتمعت فِيهَا الدُّيُون.
وَفِي مسَائِل الْقِسْمَة إِنَّمَا وَجَبت بِحَق ثَابت فِي الذِّمَّة، لَان حق كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي مُوجب الجباية، وَمُوجب الْجِنَايَة يكون فِي الذِّمَّة فَكَانَت الْقِسْمَة فِيهَا عولية، فعلى هَذَا تخرج الْمسَائِل.
هَذَا إِذا لم يكن لَهَا ولد من الْمولى، فَإِن كَانَ لَهَا ولد من الْمولى يَرِثهُ فَلَا قصاص عَلَيْهَا بِدَم الْمولى، لَان الْوَلَد لَا يسْتَوْجب الْقصاص على وَالِديهِ، وَلِهَذَا لَو قتلت الْمَرْأَة وَلَدهَا لَا يجب عَلَيْهَا الْقصاص لَان الوالدة سَبَب لوُجُوده فَلَا يسْتَحق قَتلهَا، وَلِهَذَا لَا يُبَاح لَهُ قتل وَاحِد من أَبَوَيْهِ وَإِن كَانَ حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا أَو زَانيا مُحصنا.
فَإِذا سقط حق وَلَدهَا سقط حق الْبَاقِي وانقلب الْكل مَالا، لَان الْقصاص تعذر اسْتِيفَاؤهُ لَا لِمَعْنى من جِهَة الْقَاتِل بل حكما من جِهَة الشَّرْع فَانْقَلَبَ الْكل مَالا، بِخِلَاف مَا تقدم، لَان ثمَّة الْعَافِي أسقط حق نَفسه فَلَا يَنْقَلِب نصِيبه مَالا.
فَإِن قيل: إِذا لم تكن هَذِه الْجِنَايَة مُوجبَة للْقصَاص عَلَيْهَا بِدَم الْمولى يَنْبَغِي أَن تكون هدرا كَمَا لَو قتلته خطأ.
قُلْنَا: الْجِنَايَة وَقعت مُوجبَة للْقصَاص، لانه يجب للمقتول وَالْمولى يسْتَوْجب الْقصاص على مَمْلُوكه، وَإِنَّمَا سقط الْقصاص ضَرُورَة الِانْتِقَال إِلَى الْوَارِث وَهِي حرَّة وَقت الِانْتِقَال فتنقلب مَالا
وتلزمها الْقيمَة دون الدِّيَة اعْتِبَارا بِحَالَة الْقَتْل.
هَذَا كمن قتل رجلا عمدا وَابْن الْقَاتِل وَارِث الْمَقْتُول كَانَ لِابْنِ الْمَقْتُول الدِّيَة على وَالِده الْقَاتِل كَذَلِك هُنَا، ولورثة الاجنبي الْقصاص كَمَا كَانَ، لَان حَقّهمَا يمتاز عَن حق وَرَثَة الْمولى فَكَانَ لَهما الْقصاص: وَإِن شاءا أخرا حَتَّى يُؤَدِّي الْقيمَة إِلَى وَرَثَة الْمولى، وَإِن شاءا عجلا الْقَتْل، لانهما لَو أخرا إِلَى أَن يُؤَدِّي السّعَايَة رُبمَا لَا يُؤَدِّي مَخَافَة الْقَتْل فَيبْطل حَقّهمَا فَكَانَ لَهما التَّعْجِيل، فَإِن عَفا أحد وليي الاجنبي وَجب للساكت مِنْهُمَا نصف الْقيمَة أَيْضا، وجنايات أم الْوَلَد وَإِن كثرت لَا توجب إِلَّا قيمَة وَاحِدَة فَصَارَت الْقيمَة مُشْتَركَة بَين وَرَثَة الْمولى ووارث الاجنبي.
ثمَّ عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ تقسم قيمتهَا بَينهمَا أَثلَاثًا، وَعِنْدَهُمَا أَربَاعًا لما ذكرنَا، فَإِن كَانَت سعت فِي قيمتهَا لوَرَثَة الْمولى ثمَّ عَفا أحد وليي الاجنبي: إِن دفعت الْقيمَة إِلَى وَرَثَة الْمولى بِقَضَاء القَاضِي لَا سَبِيل لوَارث الاجنبي عَلَيْهَا لَان الْوَاجِب عَلَيْهَا قيمَة وَاحِدَة وَقد أدَّت بِقَضَاء القَاضِي

(8/162)


فتفرغ ذمَّتهَا وَيتبع وَارِث الاجنبي وَرَثَة الْمولى ويشاركهم فِي تِلْكَ الْقيمَة لانهم أخذُوا قيمَة مُشْتَركَة، وَإِن دفعت بِغَيْر قَضَاء عِنْدهمَا كَذَلِك.
وَعند أبي حنيفَة.
وَارِث الاجنبي بِالْخِيَارِ: إِن شَاءَ يرجع على وَرَثَة الْمولى، وَإِن شَاءَ يرجع على أم الْوَلَد.
لَهما: أَنَّهُمَا فعلت عين مَا يَفْعَله القَاضِي لَو رفع الامر إِلَيْهِ فيستوي فِيهِ الْقَضَاء وَعَدَمه كالرجوع فِي الْهِبَة لما كَانَ فسخا بِقَضَاء لَو حصل بتراضيهما يكون فسخا.
ولابي حنيفَة أَن مُوجب الْجِنَايَة فِي الذِّمَّة، فَإِذا أدَّت فقد نقلت من الذِّمَّة إِلَى الْعين فَيظْهر أثر الِانْتِقَال فِي حق الْكل إِن كَانَ بِقَضَاء، وَلَا يظْهر إِذا كَانَ بِغَيْر قَضَاء فَكَانَ لَهُ الْخِيَار: إِن شَاءَ رَضِي بدفعها وَيتبع وَرَثَة الْمولى، وَإِن شَاءَ لم يرض وَيرجع عَلَيْهَا بِحقِّهِ، وَهُوَ ثلث الْقيمَة عِنْد أبي حنيفَة، وَترجع هِيَ على وَرَثَة الْمولى.
هَذَا إِذا دفعت الْقيمَة إِلَى وَرَثَة الْمولى ثمَّ عَفا ولي الاجنبي، فَإِن عَفا أحد وليي الاجنبي ثمَّ دفعت الْقيمَة قَالَ بَعضهم: إِن كَانَ الدّفع بِغَيْر قضاءء يتَخَيَّر ان وإرث الاجنبي عِنْدهم، وَإِن كَانَ بِقَضَاء عِنْد أبي حنيفَة يتَخَيَّر.
وَعِنْدَهُمَا لَا يتَخَيَّر.
وَالصَّحِيح أَن هُنَا يتَخَيَّر عِنْد الْكل سَوَاء كَانَ
الدّفع بِقَضَاء أَو بِغَيْر قَضَاء، لَان قَضَاء القَاضِي بِدفع الْكل إِلَى وَرَثَة الموى بعد تعلق حق الاجنبي وثبوته لَا يَصح، بِخِلَاف الْوَصِيّ إِذا قضى دين أحد الغريمين بِأَمْر القَاضِي حَيْثُ لَا يضمن لَان للْقَاضِي أَن يضع مَال الْمَيِّت حَيْثُ شَاءَ، أما هُنَا فبخلافه، وَإِذا لم يَصح قَضَاء القَاضِي فلَان لَا يَصح فعلهَا بِغَيْر قَضَاء أولى.

قَوْله: (والاصل عِنْده) أَي عِنْد أبي حنيفَة أَن الْقِسْمَة: أَي قسْمَة الْعين.

قَوْله: (فِي عين أَو ذمَّة) أَي بِحَق ثَابت فِي ذمَّة الاولى زِيَادَة فِي الْبَعْض، بِأَن يَقُول أَو لاحدهما فِي الْبَعْض شَائِعا: أَي أَو وَجَبت الْقِسْمَة لاحدهما الخ، أَو أَن يَقُول فِي ذمَّة أَو عين شَائِعا لانه لَا يعقل التَّبْعِيض فِي الذِّمَّة.
والاولى أَن يَقُول شَائِعا فِي الْبَعْض دون الْكل.
وَعبارَة الْبَحْر: والاصل لابي حنيفَة أَن قسْمَة الْعين مَتى كَانَت بِحَق ثَابت الخ كَمَا قدمناها قَرِيبا.

قَوْله: (شَائِعا) أَي على وَجه الشُّيُوع فِي بعض دون الْكل.

قَوْله: (فعولية) أَي كَانَت الْقِسْمَة عولية.

قَوْله: (أَو مُمَيّزا) أَي وَمَتى وَجب قسْمَة الْعين بِحَق ثَابت على وَجه التَّمْيِيز دون الشُّيُوع.

قَوْله: (أَو لاحدهما) أَي كَانَ حق لاحدهما فِي الْبَعْض شَائِعا.

قَوْله: (وَللْآخر فِي الْكل) أَي وَحقّ الآخر فِي الْكل.

قَوْله: (فمنازعة) أَي كَانَت الْقِسْمَة نزاعية، وَقدمنَا الْحَاصِل على قَول الامام فَلَا تنسه.

قَوْله: (وَإِلَّا) أَي بِأَن ثبتا فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلفين أَو على وَجه التَّمْيِيز فمنازعة، فحقوق الْكل فِي الْمِيرَاث ثبتَتْ على وَجه الشُّيُوع فِي وَقت وَاحِد وَهُوَ وَقت الْمَوْت فتقسم بطرِيق الْعَوْل، وَكَذَا التَّرِكَة إِذا اجْتمعت فِيهَا دُيُون مُتَفَاوِتَة فَإِن حَقهم يثبت فِي وَقت وَاحِد، وَهُوَ حَالَة الْمَوْت أَو الْمَرَض فَكَانَت فِي معنى الْمِيرَاث، وَكَذَلِكَ الْوَصَايَا، وَفِي العَبْد وَالْمُدبر إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ عَن الْبَحْر فَلَا تنسه.

قَوْله: (فَهِيَ للثَّانِي) وَهُوَ مدعي الْكل.

قَوْله: (نصف لَا بِالْقضَاءِ) لَان دَعْوَى مدعي النّصْف منصرفة إِلَى مَا بِيَدِهِ لتَكون يَده محقة فَسلم النّصْف لمُدعِي الْجَمِيع بِلَا مُنَازعَة، فَيبقى مَا فِي يَده لَا على وَجه الْقَضَاء إِذْ لَا قَضَاء بِدُونِ الدَّعْوَى، وَاجْتمعَ بَيِّنَة الْخَارِج وَذي الْيَد فِيمَا فِي يَد صَاحب النّصْف فَتقدم بَيِّنَة الْخَارِج، وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي المقولة الثَّانِيَة موضحا.

قَوْله: (وَنصف بِهِ) لانه خَارج: يَعْنِي دَعْوَى مدعي النّصْف منصرفة إِلَى مَا بِيَدِهِ، لتَكون يَده محقة لَا يَدعِي

(8/163)


شَيْئا مِمَّا فِي يَد صَاحبه فَسلم النّصْف لمُدعِي الْجَمِيع بِلَا مُنَازعَة، فَيبقى مَا فِي يَده لَا على وَجه الْقَضَاء إِذْ
لَا قَضَاء بِدُونِ الدَّعْوَى.
وَأما مدعي الْكل فَإِنَّهُ يَدعِي مَا فِي يَد نَفسه وَمَا فِي يَد الآخر وَلَا ينازعه أحد فِيمَا فِي يَده فَيتْرك مَا فِي يَده لَا على وَجه الْقَضَاء، وَقد اجْتمعت بَيِّنَة الْخَارِج وَذي الْيَد فِيمَا فِي يَد صَاحب النّصْف فَكَانَت بَينته أولى فَتقدم لانه خَارج فِيهِ فَيَقْضِي لَهُ فِي ذَلِك النّصْف، فَسلم لَهُ كل الدَّار نصفهَا بِالتّرْكِ لاعلى وَجه الْقَضَاء وَالنّصف الآخر بِالْقضَاءِ كَمَا فِي الْعَيْنِيّ.

قَوْله: (وَآخر ثلثهَا) الاولى ثلثيها كَمَا سيتضح فِي المقولة الْآتِيَة.

قَوْله: (وَبَيَانه فِي الْكَافِي) هَذِه الْمَسْأَلَة فِي الْمجمع وَشَرحه لِابْنِ ملك حَيْثُ قَالَ: وَلَو ادّعى أحد ثَلَاثَة فِي يدهم دَار كلهَا وَالْآخر ثلثيها وَالْآخر نصفهَا وَبرهن كل على مَا ادَّعَاهُ، فلنفرض اسْم مدعي الْكل كَامِلا ومدعي الثُّلثَيْنِ ليثا ومدعي النّصْف نصرا، فَهِيَ مقسومة بَينهم.
عِنْد أبي حنيفَة بالمنازعة من أَرْبَعَة وَعشْرين لكامل خَمْسَة عشر وَهِي خَمْسَة أَثمَان الدَّار وربعها لليث وَثمنهَا لنصر.
بَيَانه أَنا نجْعَل الدَّار سِتَّة لاحتياجنا إِلَى النّصْف والثلثين، وَأَقل مخرجهما سِتَّة فِي يَد كل مِنْهُم سَهْمَان، وَمَعْلُوم أَن بَيِّنَة كل مِنْهُم على مَا فِي يَده غير مَقْبُولَة لكَونه ذَا يَد وَإِن بَيِّنَة الْخَارِج أولى فِي الْملك الْمُطلق، فَاجْتمع كَامِل وَلَيْث على مَا فِي يَد نصر فكامل يَدعِي كُله وَلَيْث نصفه وَذَلِكَ لانه يَقُول حَقي فِي الثُّلثَيْنِ ثلث فِي يَدي وَبَقِي لي ثلث آخر نصفه فِي يَد كَامِل وَنصفه فِي يَد نصر فَسلم لكامل نصف مَا فِي يَده وَهُوَ سهم بِلَا نزاع وَالنّصف الآخر وَهُوَ سهم بَينهمَا نِصْفَانِ فَيضْرب مخرج النّصْف وَهُوَ اثْنَان فِي سِتَّة فَصَارَت اثْنَي عشر، ثمَّ كَامِل وَنصر اجْتمعَا على مَا فِي يَد لَيْث وَهُوَ أَرْبَعَة فكامل يَدعِي كُله وَنصر ربعه، لانه يَقُول حَقي فِي النّصْف سِتَّة وَقد أَخذ الثُّلُث أَرْبَعَة وَبَقِي لي سدس من الدَّار وَهُوَ سَهْمَان سهم فِي يَد اللَّيْث وَسَهْم فِي يَد كَامِل وَثَلَاثَة من الاربعة سلمت لكامل وتنازعا فِي سهم، فَيضْرب مخرج النّصْف فِي اثْنَي عشر فَصَارَت الدَّار أَرْبَعَة وَعشْرين فِي يَد كل مِنْهُم ثَمَانِيَة.
اجْتمع كَامِل وَلَيْث على الثَّمَانِية الَّتِي فِي يَد نصر فَأَرْبَعَة سلمت لكامل بِلَا نزاع لَان ليثا يَدعِي الثُّلثَيْنِ وَهُوَ سِتَّة عشر ثَمَانِيَة مِنْهَا فِي يَده وَأَرْبَعَة فِي يَد نصر وَأَرْبَعَة فِي يَد كَامِل والاربعة بَين كَامِل وَلَيْث نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمُنَازعَة فَحصل لكامل سِتَّة ولليث سَهْمَان، ثمَّ اجْتمع كَامِل وَنصر على مَا فِي يَد لَيْث فنصر يَدعِي ربع مَا فِي يَده وَهُوَ سَهْمَان فَسلمت سِتَّة لكامل واستوت منازعتهما فِي سَهْمَيْنِ
فَصَارَ لكل وَاحِد مِنْهُم سهم فَحصل لكامل سَبْعَة ولنصر سهم، ثمَّ اجْتمع لَيْث وَنصر على مَا فِي يَد كَامِل فليث يَدعِي نصف مَا فِي يَده أَرْبَعَة وَنصر يَدعِي ربع مَا فِي يَده سَهْمَيْنِ وَفِي المَال سَعَة فَيَأْخُذ لَيْث أَرْبَعَة وَنصر سَهْمَيْنِ فَيبقى مَا فِي يَد كَامِل سَهْمَان فَحصل لكامل مِمَّا فِي يَد نصر سِتَّة وَمِمَّا فِي يَد لَيْث سَبْعَة وَمِمَّا فِي يَده سَهْمَان فجميعه خَمْسَة عشر، وَللثَّانِي سِتَّة وَهِي ربع الدَّار، لانه حصل لَهُ مِمَّا فِي يَد نصر سَهْمَان وَمِمَّا فِي يَد كَامِل أَرْبَعَة فَذَاك سِتَّة، وللثالث وَهُوَ نصر ثَلَاثَة وَهِي ثمن الدَّار، لانه حصل لَهُ مِمَّا فِي يَد لَيْث سهم وَمِمَّا فِي يَد كَامِل سَهْمَان وَذَا ثَلَاثَة.
وبالاختصار، تكون الْمَسْأَلَة من ثَمَانِيَة: خَمْسَة أثمانها لكامل وربعها سَهْمَان لليث وَثمنهَا وَاحِد لنصر، وَهَذَا قَول الامام وَقَالا: بالعول تقسم.
وَبَيَانه أَن الدَّار بَينهم أَثلَاثًا الْكَامِل وَاللَّيْث اجْتمعَا على مَا فِي يَد نصر فكامل يَدعِي كُله وَلَيْث

(8/164)


نصفه فنأخذ أقل عدد لَهُ نصف وَهُوَ اثْنَان فَيضْرب الْكَامِل بكله سَهْمَيْنِ وَلَيْث بِنصفِهِ سَهْما فعالت إِلَى ثَلَاثَة، ثمَّ الْكَامِل والنصر اجْتمعَا على مَا فِي يَد لَيْث والكامل يَدعِي كُله وَنصر ربعه ومخرج الرّبع أَرْبَعَة فَيضْرب بربعه سهم وكامل بكله أَرْبَعَة فعالت إِلَى خَمْسَة، ثمَّ لَيْث وَنصر اجْتمعَا على مَا فِي يَد كَامِل فليث يَدعِي نصف مَا فِي يَده وَنصر يَدعِي ربعه وَالنّصف وَالرّبع يخرجَانِ من أَرْبَعَة فَنَجْعَل مَا فِي يَده أَرْبَعَة لَان فِي المَال سَعَة فنصفه سَهْمَان لليث وربعه سهم لنصر وَبَقِي ربع لكامل فَحصل هُنَا ثَلَاثَة وَخَمْسَة وَأَرْبَعَة وانكسر حِسَاب الدَّار على هَذَا وَهِي متباينة فضربنا الثَّلَاثَة فِي الاربعة فَصَارَت اثْنَي عشر ضربناها فِي خَمْسَة صَارَت سِتِّينَ ضربناها فِي أصل الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة بلغت مائَة وَثَمَانِينَ فِي يَد كل وَاحِد سِتُّونَ فلكامل مائَة وَثَلَاثَة، لَان ربع مَا فِي يَده وَهُوَ الْخَمْسَة عشر سلم لَهُ وَأخذ من نصر ثُلثي مَا فِي يَده وَهُوَ أَرْبَعُونَ وَمن لَيْث أَرْبَعَة أخماسه وَهِي ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ فَصَارَ الْمَجْمُوع مائَة وَثَلَاثَة ولليث خَمْسُونَ لَان ليثا أَخذ نصف مَا فِي يَد كَامِل وَهُوَ ثَلَاثُونَ وَثلث فِي يَد نضر وَهُوَ عشرُون وللثالث وَهُوَ نصر سَبْعَة وَعِشْرُونَ لانه أَخذ خمس مَا فِي يَد لَيْث، وَهُوَ اثْنَا عشر وَربع مَا فِي يَد كَامِل وَهُوَ خَمْسَة اهـ.
حَلَبِيّ بِتَصَرُّف.
وَهَذَا كُله اعْتِبَار وَتَقْدِير ط وَذكره فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ، فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَرْهَنَا
الخ) يُتَصَوَّرُ هَذَا بِأَنْ رَأَى الشَّاهِدَانِ أَنَّهُ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِ أُنْثَى كَانَتْ فِي مِلْكِهِ وَآخَرَانِ رَأَيَا أَنَّهُ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِ أُنْثَى فِي مِلْكٍ آخَرَ فَتَحِلُّ الشَّهَادَةُ لِلْفَرِيقَيْنِ.
بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَة.
وقدمناه وَقدمنَا عَنهُ أَيْضا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالتَّارِيخِ مَعَ النِّتَاجِ إلَّا مِنْ أَرَّخَ تَارِيخًا مُسْتَحِيلًا إلَخْ، فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (تَارِيخه) أَي تَارِيخ الْبَيِّنَة، وَإِنَّمَا ذكر الضَّمِير بِتَأْوِيل الْبُرْهَان.
حموي.

قَوْله: (بِشَهَادَة الظَّاهِر) لَان عَلامَة الصدْق ظَهرت فِيمَن وَافق تَارِيخه سنّهَا فترجحت بِبَيِّنَتِهِ بذلك، وَفِي الاخرى ظَهرت عَلامَة الْكَذِب فَيجب ردهَا منح.
وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين أَن تكون الدَّابَّة فِي أَيْدِيهِمَا أَو فِي يَد أَحدهمَا أَو فِي يَد ثَالِث، لَان الْمَعْنى لَا يخْتَلف.
بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت الدَّعْوَى فِي النِّتَاج من غير تَارِيخ حَيْثُ يحكم بهَا لذِي الْيَد كَمَا صرح بِهِ المُصَنّف إِن كَانَت بيد أَحدهمَا أَو لَهما إِن كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا أَو فِي يَد ثَالِث.
زَيْلَعِيّ.

قَوْله: (قضى بهَا لذِي الْيَد) لَان ذَا الْيَد مقدم على الْخَارِج فِي دَعْوَى النِّتَاج.
قَالَ فِي الاشباه هَكَذَا أطلق أَصْحَاب الْمُتُون.
قلت: إِلَّا مَسْأَلَتَيْنِ: الاولى لَو كَانَ النزاع فِي عبد فَقَالَ الْخَارِج إِنَّه ولد فِي ملكي وَأعْتقهُ وَبرهن وَقَالَ ذُو الْيَد ولد فِي ملكي فَقَط قدم على ذِي الْيَد أَي لَان بَينته أَكثر إِثْبَاتًا، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ الْخَارِج كاتبته أَو دَبرته فَإِنَّهُ لَا يقدم، لَكِن فِي الاشباه أَيْضا الشَّهَادَة بحريّة العَبْد بِدُونِ دَعْوَاهُ لَا تقبل عِنْد الامام إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ، إِلَى أَن قَالَ: وَالصَّحِيح عِنْده اشْتِرَاط دَعْوَاهُ فِي الْعَارِضَة والاصلية، وَلَا تسمع دعو الاعتاق من غير العَبْد إِلَّا فِي مَسْأَلَة الخ.
وَفِي فتاوي الحانوتي جَوَابا عَن سُؤال: حَيْثُ اعْترف العَبْد بالعبودية لسَيِّده بانقياده للْبيع يكون عبدا لَهُ وَسَوَاء كَانَ هُنَاكَ بَيِّنَة أم لَا، وَلَا عِبْرَة بقول المنازع إِنَّه حر الاصل مَعَ عدم دَعْوَى العَبْد لذَلِك، لَان حريَّة العَبْد لَا تثبت إِلَّا بعد دَعْوَاهُ، وَلَا تجوز فِيهَا دَعْوَى الْحِسْبَة، بِخِلَاف الامة لانها شَهَادَة بِحرْمَة الْفرج إِلَى آخر مَا قَالَ.
الثَّانِيَة: لَو قَالَ الْخَارِج ولد فِي ملكي من أمتِي هَذِه وَهُوَ ابْني قدم على ذِي الْيَد اهـ.
وَقدمنَا أَنه إِنَّمَا يقْضِي بالنتاج لذِي الْيَد فِيمَا إِذا ادّعى كل مِنْهُمَا النِّتَاج فَقَط، أما لَو ادّعى الْفِعْلَ عَلَى ذِي

(8/165)


الْيَدِ كَالْغَصْبِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِإِثْبَاتِهَا الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ كَمَا فِي
الْبَحْرِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، وَنَقَلَهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ الذَّخِيرَةِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَرْجَحُ، لِمَا فِي الْخُلَاصَة من كِتَابِ الْوَلَاءِ لِخُوَاهَرْ زَادَهُ أَنَّ ذَا الْيَدِ إذَا ادَّعَى النِّتَاجَ وَادَّعَى الْخَارِجُ أَنَّهُ مِلْكُهُ غَصَبَهُ مِنْهُ ذُو الْيَدِ أَوْ أَوْدَعَهُ لَهُ أَوْ أَعَارَهُ مِنْهُ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى، وَإِنَّمَا تَتَرَجَّحُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى النِّتَاجِ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْخَارِجُ فِعْلًا عَلَى ذِي الْيَدِ، أَمَّا لَوْ ادَّعَى فِعْلًا كَالشِّرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى، لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا لانها تثبت الْفِعْل عَلَيْهِ اهـ.
وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ عِنْد قَول الشَّارِح فِي رِوَايَة.
قَالَ ط: وَالظَّاهِر أَن حكم موافقتهما لسنها أَنه يحكم بهَا لذِي الْيَد.

قَوْله: (وَلَهُمَا أَن فِي أَيْدِيهِمَا) لَان أَحدهمَا لَيْسَ أولى من الآخر.

قَوْله: (وَإِن لم يوافقهما بِأَن خَالف أَو أشكل) أَي فَلَو خَالف السن تاريخهما كَانَ كَمَا لَو لم يؤرخا، وَكَذَا إِذا أشكل وَقد تقدم أَنه يحكم لذِي الْيَد.

قَوْله: (فَلَهُمَا إِن الخ) لعدم تَرْجِيح أَحدهمَا.

قَوْله: (قضى بهَا لَهُ) لانه لما أشكل أَي أَو خَالف سقط التاريخان فَصَارَ كَأَنَّهُمَا لم يؤرخا.

قَوْله: (هُوَ الاصح) مُقَابِله مَا فِي الْهِدَايَة، إِذا خَالف سنّهَا الْوَقْتَيْنِ بطلت الْبَيِّنَتَانِ لظُهُور كذب الْفَرِيقَيْنِ فَتتْرك فِي يَد من كَانَت فِي يَده.
ب
قَوْله: (وَهَذَا أولى مِمَّا وَقع فِي الْكَنْز) أَي مَا ذكر المُصَنّف.
ب
قَوْله: (وَإِن لم يوافقهما) لعمومه أولى مِمَّا فِي الْكَنْز وَمَا عطف عَلَيْهِ من تَعْبِيره ب
قَوْله: (وَإِن أشكل) .
أَقُول: قد ذكره المُصَنّف فِي شرح الْمنح تبعا للبحر حَيْثُ قَالَ: وَإِن لم يوافقهما يَشْمَل مَا إِذا أشكل سنّهَا بِأَن لم يعلم وَمَا إِذا خَالف سنّهَا تاريخهما فَإِنَّهَا تكون لَهما على الاصح.
قَالَ الرَّمْلِيّ: الاولى من هَذَا التَّعْبِير وَإِن خالفها أَو أشكل فَلَهُمَا.
على أَن لنا أَن لَا نسلم عدم شُمُول مَا فِي الْكَنْز وشمول مَا عبر بِهِ، إِذْ الاشكال الالتباس.
وَفِي الصُّورَتَيْنِ التباس الامر على الْحَاكِم وَعدم موافقتهما غير عدم الْعلم أصلا لانه للْعلم بالمخالفة كَمَا قَرَّرَهُ الشُّرَّاح فَكيف يدْخل فِيهِ عدم الْعلم بشئ لانه مَعَ عدم الْعلم يحْتَمل الْمُوَافقَة والمخالفة.
والصور ثَلَاثَة: إِمَّا عدم الْعلم الْمُوَافقَة لَهما وَهُوَ الْمُخَالفَة، بِأَن تحقق مُخَالفَته للتاريخين، وَإِمَّا الْمُوَافقَة لاحدهما فَقَط والمخالفة للْآخر، وَأما عدم معرفَة شئ وَهِي لَا تدخل فِي صور الْمُخَالفَة الَّتِي هِيَ عدم الْمُوَافقَة فَلم يشملها.

قَوْله: (وَإِن لم يوافقهما) على أَن الظَّاهِر أَن اختبار صَاحب الْكَنْز فِي صُورَة
الْمُخَالفَة بطلَان الْبَيِّنَتَيْنِ وَالتّرْك فِي يَد ذِي الْيَد كَمَا أفْصح عَنهُ فِي الْكَافِي، فَخص صُورَة الاشكال ليحترز بِهِ عَن صُورَة الْمُخَالفَة، فَتنبه لكَلَام هَذَا الْعَالم النحرير يظْهر لَك مِنْهُ حسن التَّعْبِير اهـ.
ثمَّ الظَّاهِر أَن مُرَاد صَاحب الْبَحْر والمنح من.

قَوْله: (وَإِن لم يوافقهما) أَي لم تظهر مُوَافقَة السن للتاريخين فَشَمَلَ الصُّورَتَيْنِ لكنه تَأْوِيل، فَلِذَا قَالَ الْعَلامَة الرَّمْلِيّ: الاولى من هَذَا التَّعْبِير وَلم يقل الصَّوَاب.
تَأمل.

قَوْله: (فِي الْكَنْز والدرر والملتقي) حَيْثُ ث قَالَ: وَإِنْ أَشْكَلَ فَلَهُمَا لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنْ لم يوافقهما أَعم من قَول الْكَنْز، كَذَا قَوْلُ الْكَنْزِ فَلَهُمَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يكن فِي يَدِ أَحَدِهِمَا.
وَعِبَارَةُ الْمُلْتَقَى وَالْغُرَرِ: وَإِنْ أَشْكَلَ فَلَهُمَا، وَإِنْ خَالَفَهُمَا بَطَلَ.
قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: فَيُقْضَى لِذِي الْيَدِ قَضَاءَ تَرْكٍ كَذَا اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي.

(8/166)


قُلْت: لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ كَالْمُشْكِلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْوِيرِ وَالدُّرَرِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهَا.
فَلْيُحْفَظْ اهـ.
قُلْت: نَقَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ لِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَيُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ.
وَقَالَ: وَمُحَصِّلُهُ اخْتِلَافُ التَّصْحِيح اهـ.
قَالَ الْمولى عبد الْحَلِيم، بل اللَّائِق على المُصَنّف أَن يَقُول هَكَذَا: وَإِن أشكل أَو خَالف الْوَقْتَيْنِ فَلَهُمَا إِن لم يكن فِي يَد أَحدهمَا فَقَط، وَإِلَّا فَلَا.
وَاعْلَم أَن سنّ الدَّابَّة لَو خَالف الْوَقْتَيْنِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَة يقْضِي لَهما، وَفِي رِوَايَة تبطل الْبَيِّنَتَانِ، صرح بِهِ الامام قاضيخان فِي فَتَاوَاهُ من غير تَرْجِيح إِحْدَاهمَا على الاخرى، وبطلانهما رِوَايَة أبي اللَّيْث الْخَوَارِزْمِيّ.
وَاخْتَارَهُ الْحَاكِم الشَّهِيد حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيح، وَتَبعهُ صَاحب الْهِدَايَة وَمن تَابعه، وَالْقَضَاء بَينهمَا ظَاهر الرِّوَايَة.
اخْتَارَهُ فِي الْمَبْسُوط حَيْثُ قَالَ وَهُوَ الاصح، وَتَبعهُ الزَّيْلَعِيّ وَمن تَابعه.
وَقد اخْتلف التَّصْحِيح والرجحان لظَاهِر الرِّوَايَة وَقد سبق غير مرّة.
هَذَا زبدة مَا فِي الشُّرُوح والفتاوي، فَظهر أَن المُصَنّف اخْتَار مَا هُوَ الارجح اهـ.

قَوْله: (برهن أحد الخارجين) على الْمُدَّعِي عَلَيْهِ وَهُوَ زيد.

قَوْلُهُ: (مِنْ زَيْدٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ، وَصَوَابُهُ عَلَى الْغَصْبِ مِنْ يَدِهِ أَيْ مِنْ يَدِ أَحَدِ الْخَارِجِينَ.
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْمِنَحُ: مَعْنَاهُ إذَا كَانَ عَيْنٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلَانِ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَحَدُهُمَا بِالْغَصْبِ مِنْهُ وَالْآخَرُ بالوديعة اسْتَوَتْ دَعْوَاهُمَا حَتَّى يُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ تَصِيرُ
غَصْبًا بِالْجُحُودِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ مَدَنِيٌّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ عَلَى الْغَصْبِ النَّاشِئِ مِنْ زَيْدٍ فَزَيْدٌ هُوَ الْغَاصِبُ، فَمِنْ لَيْسَتْ صِلَةَ الْغَصْبِ بَلْ ابْتِدَائِيَّةٌ.
تَأَمَّلْ.

قَوْله: (وَالْآخر) أَي برهن الآخر.

قَوْله: (على الْوَدِيعَة مِنْهُ) أَي قَالَ الآخر هُوَ مَالِي أودعته من زيد وَزيد يُنكر ذَلِك.

قَوْله: (اسْتَويَا) أَي الخارجان فِي الدَّعْوَى، لانه لَو كَانَ كَمَا يَدعِي الثَّانِي وَدِيعَة من زيد صَارَت غصبا حَيْثُ جَحدهَا الْمُودع، وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِح لانها أَي الْوَدِيعَة بالجحد تصير غصبا حَتَّى يجب عَلَيْهِ الضَّمَان، وَلَا يسْقط بِالرُّجُوعِ إِلَى الْوِفَاق بالاقرار حَتَّى يرد إِلَى صَاحبه، بِخِلَاف مَا إِذا خَالف بِالْفِعْلِ بِلَا جحود ثمَّ عَاد إِلَى الْوِفَاق كَمَا فِي الْحَمَوِيّ، فَمن فِي.

قَوْله: (من زيد) للابتداء وَفِي
قَوْله: (مِنْهُ) صلَة الْوَدِيعَة لانها تتعدى بِمن، وَإِنَّمَا احْتَاجَ إِلَيْهَا فِي الاول لَان الْغَصْب محلى بأل فِي عبارَة المُصَنّف فَلم يُمكنهُ إِضَافَته إِلَى زيد، وَحِينَئِذٍ فَمَا نَقله بعض الافاضل عَن عزمي زَاده من أَن هَذَا التَّصْوِير سَهْو، والاولى إِسْقَاطه فِيهِ مَا فِيهِ فَرَاجعه.

قَوْله: (النَّاس أَحْرَار) لَان الدَّار دَار الْحُرِّيَّة أَو لانهم أَوْلَاد آدم وحواء عَلَيْهِمَا السَّلَام وَقد كَانَا حُرَّيْنِ.

قَوْله: (الشَّهَادَة) أَي فَلَا يَكْتَفِي فِيهَا بِظَاهِر الْحُرِّيَّة بل يسْأَل عَنهُ إِذا طعن الْخصم بِالرّقِّ، أما إِذا لم يطعن فَلَا يسْأَل كَمَا فِي التَّبْيِين، لَان الْحُرِّيَّة تثبت بطرِيق الظُّهُور وَالظَّاهِر يصلح للدَّفْع لَا للاستحقاق، فَلَا يسْتَحق الْمُدَّعِي إِلْزَام الْمُدَّعِي عَلَيْهِ إِلَّا بِإِثْبَات حريَّة شُهُوده، وَكَذَا لَا يسْتَحق الشَّاهِد اسْتِحْقَاق الْولَايَة على الْمَشْهُود عَلَيْهِ ونفاذ شَهَادَته عَلَيْهِ إِلَّا بذلك، فَإِن قَالَ الشُّهُود نَحن أَحْرَار لم نملك قطّ لم يقبل قَوْلهمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى قبُول شَهَادَتهمَا حَتَّى يأتيا بِالْبَيِّنَةِ على ذَلِك وَإِلَّا فهما مصدقان فِي قَوْلهمَا إِنَّا أَحْرَار لم نملك قطّ بِحَسب الظَّاهِر.
وَفِي أبي السُّعُود على الاشباه تَفْسِيره فِي الشَّهَادَة: إِذا شهد شَاهِدَانِ لرجل بِحَق من الْحُقُوق فَقَالَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ هما عَبْدَانِ وَإِنِّي لَا أقبل شَهَادَتهمَا حَتَّى أعلم أَنَّهُمَا حران.

(8/167)


وَتَفْسِيره فِي الْحَد: إِذا قذف إنْسَانا ثمَّ زعم الْقَاذِف أَن الْمَقْذُوف عبد فَإِنَّهُ لَا يحد الْقَاذِف حَتَّى يثبت الْمَقْذُوف حُرِّيَّته بِالْحجَّةِ.
وَفِي الْقصاص: إِذا قطع يَد إِنْسَان وَزعم الْقَاطِع أَن الْمَقْطُوع يَده عبد فَإِنَّهُ لَا يقْضِي بِالْقصاصِ حَتَّى يثبت حُرِّيَّته.
وَفِي الدِّيَة: إِذا قتل إنْسَانا خطأ وَزَعَمت الْعَاقِلَة أَنه عبد
فَإِنَّهُ لَا يقْضِي عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ حَتَّى تقوم الْبَيِّنَة على حُرِّيَّته.
وَفِي البيري: لَو كَانَ الْمُدَّعِي بِهِ حدا أَو قصاصا سَأَلَ القَاضِي عَنْهُم طعن الْخصم أَولا بالاجماع اهـ.
لَان فِي الْقَذْف: أَي مثلا إِلْزَام الْحَد على الْقَاذِف، وَفِي الْقصاص إِيجَاب الْعقُوبَة على الْقَاطِع، وَفِي الْقَتْل خطأ إِيجَاب الدِّيَة على الْعَاقِلَة، وَذَلِكَ لَا يجوز إِلَّا بِاعْتِبَار حريَّة الشَّاهِد، فَمَا لم تثبت الْحُرِّيَّة بِالْحجَّةِ لَا يجوز الْقَضَاء بشئ من ذَلِك ط.
مطلب: الاصل فِي النَّاس الْفقر والرشد والامانة وَالْعَدَالَة وَإِنَّمَا على القَاضِي أَن يسْأَل عَن الشُّهُود سرا وعلنا قَالَ الْحَمَوِيّ: وَقد سُئِلَ شيخ مَشَايِخنَا الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ الْعَبَّادِيّ: هَل الاصل فِي النَّاس الرشد أَو السَّفه، وَهل الاصل فِي النَّاس الْفقر أَو الْغنى، وَهل الاصل فِي النَّاس الامانة أَو الْخِيَانَة، وَهل الاصل فِي النَّاس الْجرْح أَو التَّعْدِيل؟ فَأجَاب: الاصل الرشد والفقر والامانة وَالْعَدَالَة، وَإِنَّمَا على القَاضِي أَن يسْأَل عَن الشُّهُود سرا وعلنا لَان الْقَضَاء مَبْنِيّ على الْحجَّة وَهِي شَهَادَة الْعدْل فيتعرف عَن الْعَدَالَة، وَفِيه صون قَضَائِهِ عَن لبُطْلَان، وَالله تَعَالَى أعلم.
وَفِي قَوْله صون قَضَائِهِ عَن الْبطلَان نظر، فتدبره اهـ.
وَوَجهه أَنه إِذا قضى بِشَهَادَة الْفَاسِق يَصح قَضَاؤُهُ.
مطلب: منع السُّلْطَان عَن نصْرَة قُضَاته عَن الحكم بِشَهَادَة الشُّهُود إِلَّا بعد التَّزْكِيَة سرا وَعَلَانِيَة لَكِن فِي زَمَاننَا قد تكَرر أَمر السُّلْطَان نَصره الله تَعَالَى فِي منع قُضَاته فِي سَائِر مَمْلَكَته أَن يحكموا بعد الشَّهَادَة بِدُونِ تَزْكِيَة السِّرّ وَالْعَلَانِيَة، فَافْهَم.

قَوْله: (وَالْحُدُود) فَلَو أنكر الْقَاذِف حريَّة الْمَقْذُوف لَا يحد حَتَّى يثبت حُرِّيَّته لانه لَا يسْتَحق عَلَيْهِ الْحَد إِلَّا بِالْحُرِّيَّةِ، وَالظَّاهِر لَا يَكْفِي للاستحقاق، ولان الْحُدُود تدرأ بِالشُّبُهَاتِ فيحتاط فِي إِثْبَاتهَا، وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ عَن البيري.

قَوْله: (وَالْقصاص) أَي فِي الاطراف، فَلَو أنكر الْقَاطِع حريَّة الْمَقْطُوع لَا يقطع حَتَّى يثبت حُرِّيَّته، لانه لَا يسْتَحق عَلَيْهِ الْقطع إِلَّا بِالْحُرِّيَّةِ إِذْ لَا قصاص بَين طرفِي حر وَعبد، لَان الاطراف يسْلك بهَا مَسْلَك الاموال.

قَوْله: (وَالْقَتْل) أَي خطأ فَلَا تثبت الدِّيَة
على الْعَاقِلَة حَتَّى تثبت حريَّة الْقَاتِل لانه يُرِيد اسْتِحْقَاق الْعقل عَلَيْهِ فَلَا يثبت بِظَاهِر الْحُرِّيَّة، وَلذَا وَقع فِي نُسْخَة الْعقل: يَعْنِي لَا يثبت الْعقل إِلَّا بعد ثُبُوت الْحُرِّيَّة، وَهُوَ معنى عبارَة الاشباه من
قَوْله: (وَالدية) .

قَوْله: (وَفِي نُسْخَة الْعقل) هُوَ فِي معنى الاول: يَعْنِي لَا يثبت الْعقل إِلَّا بعد ثُبُوت الْحُرِّيَّة، وَلَو قَالَ فِي الْحُرِّيَّة وَعدمهَا لَكَانَ أوضح.

قَوْله: (وَعبارَة الاشباه وَالدِّيَةُ) الثَّلَاثُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي الْمَالِ.

قَوْلُهُ: (أحر أم لَا) .
بَيَان لوجه جَهَالَة حَاله.
وَلَو قَالَ فِي الْحُرِّيَّة وَعدمهَا لَكَانَ أوضح.

قَوْله: (لتمسكه بالاصل) أَي وَهُوَ دَافع، وَظَاهر الْحَال يَكْفِي للدَّفْع عَيْني.

قَوْله: (واللابس للثوب الخ) شُرُوع فِي مسَائِل يصدق فِيهَا

(8/168)


وَاضع الْيَد بِلَا برهَان، وَهل يصدق بِيَمِينِهِ، ينظر، وَيَأْتِي حكمه فِي التَّنْبِيه الْآتِي ط.
وَإِنَّمَا كَانَ اللابس أَحَق لَان تصرفه أظهر لاقْتِضَائه الْملك فَكَانَ صَاحب يَد والآخذ خَارِجا وَذُو الْيَد أولى، بِخِلَاف مَا إِذا أَقَامَ آخذ الْكمّ الْبَيِّنَة حَيْثُ يكون أولى وَالْعلَّة الْمَذْكُورَة تجْرِي فِيمَا بعد.
قَالَ الْعَلامَة قَاسِمٌ: فَيُقْضَى لَهُ قَضَاءَ تَرْكٍ لَا اسْتِحْقَاقٍ، حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْضَى لَهُ.
شُرُنْبُلَالِيَّةٌ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ فِي السَّرْجِ) أَي أولى من رديفه، لَان تمكنه فِي ذَلِك الْموضع دَلِيل على تقدم يَده.
قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ: نَقَلَ النَّاطِفِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ النَّوَادِرِ، وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة هِيَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا رَاكِبَيْنِ فِي السَّرْجِ فَإِنَّهَا بَينهمَا قولا وَاحِدًا كَمَا فِي الْعِنَايَة.
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اشْتِرَاكُهُمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُسَرَّجَةً اهـ.
أَقُولُ: لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى مِثْلُ مَا فِي الْمَتْن فَتنبه، وَمَا فِي الْهِدَايَة وَهُوَ على رِوَايَة النَّوَادِر، وَلَو كَانَ أَحدهمَا مُتَعَلقا بذنبها وَالْآخر ماسك بِلِجَامِهَا قَالُوا: يَنْبَغِي أَن يكون الماسك أولى.

قَوْله: (مِمَّن علق كوزه بهَا) احْتَرز بِذكر الْكوز عَمَّا لَو كَانَ لَهُ بعض حملهَا، فَلَو كَانَ لاحدهما من وَللْآخر مائَة من كَانَت بَينهمَا شرنبلالية عَن التَّبْيِين وَالْحمل: بِكَسْر الْحَاء مَا يحمل على ظهر أَو رَأس حموي.

قَوْله: (لانه أَكثر تَصرفا) عِلّة لجَمِيع الْمسَائِل.
أَقُول: لَكِن فِيهِ أَنه لَا يعْتَبر الاكثر تَصرفا كَمَسْأَلَة الْمَنّ وَالْمِائَة من، والاولى أَن يعلق بِأَنَّهُ لَا يعد متصرفا عرفا كَمَسْأَلَة الهرادي الْآتِيَة.
تَأمل.
قَول: (والجالس على الْبسَاط والمتعلق بِهِ سَوَاء) لَان الْجُلُوس لَيْسَ بِيَدِهِ عَلَيْهِ، لَان الْيَد تثبت بِكَوْنِهِ فِي بَيته أَو بنقله من مَوْضِعه، بِخِلَاف الرّكُوب واللبس
حَيْثُ يكون بهما غَاصبا لثُبُوت يَده وَلَا يصير غَاصبا بِالْجُلُوسِ على الْبسَاط كَمَا فِي الدُّرَر، لَكِن يَنْبَغِي أَن يكون الْقَاعِد أَحَق من الْمُتَعَلّق.
تَأمل.
وَعبارَة الدُّرَر: وينصف الْبسَاط بَين جالسه والمتعلق بِهِ بِحكم الاسْتوَاء بَينهمَا لَا بطرِيق الْقَضَاء الخ.
وَفِي النِّهَايَة يقْضِي بَينهمَا.
وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن بَين الْكَلَامَيْنِ تدافعا وَأجِيب بِأَن الْمَنْفِيّ قَضَاء الِاسْتِحْقَاق لَا قَضَاء التّرْك.
وَاعْترض على هَذَا الْجَواب بِأَن قَضَاء التّرْك يَقْتَضِي ثُبُوت الْيَد على مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَسْأَلَة التَّنَازُع فِي الْحَائِط.
وَأجِيب بِأَن قَضَاء التّرْك يتَحَقَّق فِي الْمَنْقُول من غير ثُبُوت الْيَد الْمُعْتَبرَة شرعا بِثُبُوت الْيَد ظَاهرا فَإِن القَاضِي علم حسا وعيانا أَن هَذَا الْبسَاط لَيْسَ فِي يَد غَيرهمَا فَقضى بَينهمَا لِانْعِدَامِ مُدع غَيرهمَا عيَانًا بِالْيَدِ أَو بِالْملكِ هَذَا.

قَوْله: (وراكبي سرج) أَي فينصف بَينهمَا أَي فِي الصُّورَتَيْنِ.

قَوْله: (وطرفه مَعَ آخر) فينتصف بَينهمَا لَان يَد كل مِنْهُمَا ثَابِتَة فِيهِ وَإِن كَانَ يَد أَحدهمَا فِي الاكثر فَلَا يرجح بِهِ، لما مر أَنه لَا تَرْجِيح بالاكثرية دُرَر: أَي كَمَا فِي مَسْأَلَة كَثْرَة شُهُود أحد المدعيين، هَذَا كُله إِذا لم يقم الْبَيِّنَة فَإِذا أَقَامَا الْبَيِّنَة فَبَيِّنَة الْخَارِج أولى من بَيِّنَة ذِي الْيَد كَمَا مر.

قَوْله: (لَا هدبته) وَيُقَال لَهُ بالتركي سجق وَيسْتَعْمل هَذَا اللَّفْظ الْآن فِي بِلَادنَا.

قَوْله: (الْغَيْر منسوجة) الاولى أَن يَقُول المنسوجة بالالف وَاللَّام لَان غير بِمَنْزِلَة اسْم الْفَاعِل لَا يُضَاف إِلَّا لما فِيهِ أل أَو مَا أضيف إِلَى مَا فِيهِ أل كالضارب رَأس الْجَانِي ط.

قَوْله: (لانها لَيست بِثَوْب) فَلم يكن فِي يَده شئ من الثَّوْب فَلَا يزاحم الآخر.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ جَالِسَيْ دَارٍ) كَذَا قَالَ فِي الْعِنَايَة.

(8/169)


وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ ادَّعَيَا دَارًا وَأَحَدُهُمَا سَاكِنٌ فِيهَا فَهِيَ لِلسَّاكِنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَحْدَثَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ بِنَاءٍ أَو حفر فَهِيَ لَهُ، وَلَو لم يكن شئ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَحَدَهُمَا دَاخِلٌ فِيهَا وَالْآخَرَ خَارِجٌ عَنْهَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا لَوْ كَانَا جَمِيعًا فِيهَا، لِأَنَّ الْيَدَ عَلَى الْعَقَارِ لَا تثبت بالكون فِيهَا وَإِنَّمَا تثبت بِالتَّصَرُّفِ اهـ.
أَقُول: لَكِن الَّذِي يفهم من التَّعْلِيل وَمِمَّا تقدم قَرِيبا أَنه لَا يقْضِي لَهما فِي مَسْأَلَة كَون أَحدهمَا
دَاخِلا فِيهَا وَالْآخر خَارِجا عَنْهَا تَأمل.
تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْبَدَائِعِ كُلُّ مَوْضِعٍ قُضِيَ بِالْمِلْكِ لِأَحَدِهِمَا لِكَوْنِ الْمُدَّعَى فِي يَدِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمين لصَاحبه إِذا طلب، فَإِن حلف برِئ، وَإِن نكل قضى عَلَيْهِ بِهِ اهـ.
شرنبلالية.

قَوْله: (حَيْثُ لَا يقْضِي لَهما) لَا بطرِيق التّرْك وَلَا بِغَيْرِهِ لَان الْجُلُوس لَا يدل على الْملك.
اهـ دُرَر.

قَوْله: (وَهنا) أَي فِي الْجُلُوس على الْبسَاط إِذا كَانَا جالسين عَلَيْهِ.
قَالَ فِي الزَّيْلَعِيُّ: وَكَذَا إذَا كَانَا جَالِسَيْنِ عَلَيْهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا جَالِسَيْنِ فِي دَارٍ وَتَنَازَعَا فِيهَا حَيْثُ لَا يُحْكَمُ لَهُمَا بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، وَهُنَا علم أَنه لَيْسَ فِي يَد غَيرهمَا اهـ.
مطلب: مسَائِل الْحِيطَان
قَوْله: (الْحَائِط لمن جذوعه عَلَيْهِ) جمع جذع بِالْجِيم والذال الْمُعْجَمَة للنخلة وَغَيرهَا، وَالْمرَاد الاخشاب الَّتِي ترص على الجدران لاجل تركيب السّقف عَلَيْهَا، وَذَلِكَ لانه فِي يَد صَاحب الْجُذُوع، لَان يَده يَد اسْتِعْمَال والحائط مَا بني إِلَّا لَهُ فَوَضعه عَلامَة ملكه: وَلَو كَانَ لكل مِنْهُمَا عَلَيْهِ ثَلَاثَة جُذُوع فَهُوَ بَينهمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي أصل الْعلَّة وَلَا يعْتَبر بِالْكَثْرَةِ والقلة بعد أَن تبلغ ثَلَاثًا، وَإِنَّمَا شرطت الثَّلَاثَة لَان الْحَائِط يَبْنِي للتسقيف وَذَلِكَ لَا يحصل بِمَا دون الثَّلَاث غَالِبا فَصَارَ الثَّلَاث كالنصاب لَهُ، وَلَو كَانَ عَلَيْهِ جُذُوع لاحدهما ثَلَاثَة وَللْآخر أقل فَهُوَ لصَاحب الثَّلَاثَة عِنْد أبي حنيفَة اسْتِحْسَانًا.
وَالْقِيَاس أَن يكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَهُوَ مَرْوِيّ عَنهُ، وَلَو كَانَ لاحدهما جذع وَاحِد وَلَا شئ للْآخر قيل هما سَوَاء، وَقيل صَاحب الْجذع أولى.
عَيْني.
وَفِي الفتاوي الْخَيْرِيَّة من فصل الْحِيطَان: فَلَو كَانَ لكل جذع مُشْتَرك، فَلَو اخْتلفَا وأقيمت الْبَيِّنَة عمل بهَا وَينظر فِي وضع الآخر، فَإِن كَانَ قَدِيما يتْرك على قَدَمَيْهِ إِذْ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ للظن بِأَنَّهُ مَا وضع إِلَّا بِوَجْه شَرْعِي.
مطلب: حد الْقَدِيم مَا لَا يحفظ الاقران وَرَاءه وحد الْقَدِيم أَن لَا يحفظ أقرانه وَرَاء هَذَا الْوَقْت كَيفَ كَانَ فَيجْعَل أقْصَى الْوَقْت الَّذِي يحفظه الاقران حد الْقَدِيم، وَإِن كَانَ حَادِثا يُؤمر بِرَفْعِهِ، وَإِن سقط لَيْسَ لَهُ إِعَادَته بِغَيْر رضَا مَالِكه، لانه إِن
كَانَ بِإِذْنِهِ فَهُوَ معير وللمعير أَن يرجع مَتى شَاءَ، وَإِن كَانَ بِغَيْر إِذْنه فَهُوَ غَاصِب.
وَإِذا اخْتلفَا فِي الْحُدُوث: فَإِن ثَبت بِالْبَيِّنَةِ أَمر بِرَفْعِهِ وإزالته عَن ملك الْغَيْر شرعا، وَإِن لم يثبت بِالْبَيِّنَةِ لَا يهدم، وَتَمَامه فِيهِ.
وَالْحَاصِل: أَن الْحَائِط تَارَة يثبت بِالْبَيِّنَةِ والبرهان وَتارَة بغَيْرهَا، فَإِن أَقَامَ أحد الْخَصْمَيْنِ الْبَيِّنَة قضى لَهُ وَلَو أَقَامَا الْبَيِّنَة قضى لَهما قَضَاء التّرْك، حَتَّى لَو أَقَامَ الآخر الْبَيِّنَة قضى لَهُ كَمَا فِي الْفَيْض.

(8/170)


وَأما مَا يثبت بغَيْرهَا فَقَالَ فِي الْمُنْتَقى: الايدي فِي الْحَائِط على ثَلَاث مَرَاتِب: اتِّصَال تربيع، واتصال ملازقة ومجاورة، وَوضع جُذُوع ومحاذاة، فأولاهم صَاحب التربيع، فَإِن لم يُوجد فَصَاحب الْجُذُوع، فَإِن لم يُوجد فَصَاحب اتِّصَال الملازقة.
بَيَانه: حَائِط بَين دارين يدعيانه: فَإِن كَانَ مُتَّصِلا بِبِنَاء أَحدهمَا دون الآخر فَصَاحب الِاتِّصَال أولى، وَإِن كَانَ مُتَّصِلا ببنائهما اتِّصَال تربيع أَو ملازقة فَهُوَ بَينهمَا، وَإِن كَانَ لاحدهما اتِّصَال تربيع وَللْآخر اتِّصَال ملازقة لصَاحب التربيع أَو للْآخر عَلَيْهِ جُذُوع، فالحائط لصَاحب الِاتِّصَال، وَلِصَاحِب الْجُذُوع مَوضِع جذوعه.
وروى الطَّحَاوِيّ أَن الْكل لصَاحب التربيع، وَإِن لاحدهما اتِّصَال ملازقة وَللْآخر جُذُوع فَصَاحب الْجُذُوع أولى، وَسَيَأْتِي قَرِيبا بأوضح من هَذَا.
أَقُول: ذكر الْحَنَابِلَة فِي كتبهمْ أَن الْمُعْتَبر فِي التربيع أساس الْحَائِط دون اللَّبن وَهُوَ حسن وَكَأَنَّهُ لما يحصل لَهُ من التَّغَيُّر، وَظَاهر نُصُوص أَئِمَّتنَا الاطلاق كَمَا ترى، وَكَأَنَّهُم لم يعتبروا هَذَا لانه عَارض وَيدْرك عروضه.
نعم لَو كَانَ التربيع فِي الاساس دون اللَّبن فَالظَّاهِر أَن الْعبْرَة للاساس لانه أقوى لما يعرض للبن من الاصلاح، وَهَذَا وَلَو كَانَ لاحدهما التربيع فِي الاساس وَللْآخر فِي اللَّبن فَالظَّاهِر أَنه لصَاحب تربيع الاساس وَلم أره.
ثمَّ قَالَ صَاحب الْمُنْتَقى: وَإِذا كَانَ الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ مُتَّصِلا من جَانب وَاحِد يَقع فِيهِ التَّرْجِيح وَهُوَ الصَّحِيح.
ذكره الطَّحَاوِيّ.
وَذكر الْكَرْخِي أَنه لَا يَقع بِهِ التَّرْجِيح مَا لم يكن مَوْصُولا طرفاه بالحائطين.
قلت: وَظَاهر الرِّوَايَة يشْتَرط من جوانبه الاربع كَمَا فِي الْفَيْض وَغَيره، لَكِن قَالُوا: الاظهر مَا قَالَه الطَّحَاوِيّ وَعَلِيهِ مَشى فِي الْخُلَاصَة وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهمَا من المعتمدات كالهندية وَالْمُحِيط وَالْخَانِيَّة وَغَيرهَا.
ثمَّ ذكر أَيْضا: حَائِط بَين دارين يَدعِيهِ صَاحب أَحدهمَا وَلم يكن مُتَّصِلا بِبِنَاء أَحدهمَا: فَإِن كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جُذُوع فَهُوَ أولى، وَإِن كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جذع وَاحِد وَلَا شئ للْآخر قيل هُوَ بَينهمَا، وَقيل لصَاحب الْجذع، وَإِن كَانَ لكل وَاحِد مِنْهُمَا ثَلَاثَة جُذُوع فَهُوَ بَينهمَا وَلَا عِبْرَة لِكَثْرَة الْجُذُوع لاحدهما: أَي بعد الثَّلَاثَة.
أَقُول: بَعْدَمَا كَانَ لَاحَدَّ الشَّرِيكَيْنِ ثَلَاثَة جُذُوع وَللْآخر أَكثر لَا يتَرَجَّح بهَا، وَلَكِن فِي الْعمادِيَّة مَا نَصه: وءن كَانَ جُذُوع أَحدهمَا أَسْفَل وجذوع الآخر أَعلَى وتنازعا فِي الْحَائِط فَإِن لِصَاحِبِ الْأَسْفَلِ لِسَبْقِ يَدِهِ وَلَا تُرْفَعُ جُذُوعُ الاعلى اهـ.
فَالَّذِي يظْهر من كَلَام الْعمادِيَّة أَن مَحل وجود الْخشب على الْحَائِط لكل مُوجب للاشتراك إِذا لم يكن خشب أَحدهمَا أَعلَى وخشب الآخر أَسْفَل، أما إِذا كَانَ كَذَلِك وتنازعا فِي الْحَائِط فَهُوَ لصَاحب الاسفل وَلَا ترفع جُذُوع الآخر، وَأَنت خَبِير بِأَن هَذَا مُقَيّد لكلامهم، وَلَكِن لَا تظهر ثَمَرَة ذَلِك إِلَّا فِي التَّصَرُّف فِي الْحَائِط وعمارته، فَافْهَم.

(8/171)


ثمَّ قَالَ صَاحب الْمُنْتَقى: وَإِن كَانَ لاحدهما ثَلَاثَة وَللْآخر وَاحِد فَهُوَ لصَاحب الثَّلَاثَة، إِلَّا مَوضِع الْجذع الْوَاحِد وَهُوَ الاصح، وَمَا بَين الْجُذُوع قيل يكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَقيل يكون على أحد عشر جُزْءا.
وَإِن كَانَ الْحَائِط طَويلا وكل وَاحِد مِنْهُمَا مُنْفَرد بِبَعْض الْحَائِط فِي الِاتِّصَال وَوضع الْجُذُوع قضى لكل وَاحِد بِمَا يوازي ساحته من الْحَائِط وَمَا بَينهمَا من الْقَضَاء يقْضِي بِكَوْنِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
لكل وَاحِد مِنْهُمَا بوار وَهُوَ الْقصب فَهُوَ بَينهمَا.
لاحدهما عَلَيْهِ جُذُوع وَللْآخر عَلَيْهِ بوار يقْضِي بِهِ لصَاحب الْجُذُوع وَلَكِن لَا يُؤمر بِرَفْع البواري.
لاحدهما عَلَيْهِ خشب وَللْآخر عَلَيْهِ حَائِط ستْرَة فالحائط الاسفل لصَاحب الْخشب وَلِصَاحِب
الستْرَة سترته، وَلَو تنَازعا فِي الْحَائِط والسترة جَمِيعًا فهما لصَاحب الْخشب اهـ مَا فِي الْمُنْتَقى.
وَقَالَ برهَان الدّين الكركي فِي الْفَيْض: حَائِط ادَّعَاهُ رجلَانِ وغلق الْبَاب إِلَى أَحدهمَا يقْضِي بِالْحَائِطِ وَالْبَاب بَينهمَا نِصْفَيْنِ عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا الْحَائِط بَينهمَا وَالْبَاب للَّذي الغلق إِلَيْهِ، وَأَجْمعُوا أَنه إِذا كَانَ للباب غلقان فِي كل جَانب وَاحِد فَهُوَ بَينهمَا.
وَذكر فِيهِ أَيْضا: رجلَانِ ادّعَيَا حَائِطا وَلَيْسَ الْحَائِط مُتَّصِلا بِبِنَاء أَحدهمَا وَلَيْسَ لاحدهما جُذُوع أَو غَيرهَا يقْضِي بِهِ بَينهمَا، وَإِن كَانَت لاحدهما هرادي أَو بوار فَكَذَلِك، وَإِن كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جذع وَاحِد وَلَا شئ للْآخر أَو لَهُ عَلَيْهِ هرادي لم يذكر فِي الْكتاب.
قَالَ بَعضهم: لَا يتَرَجَّح بجذع وَاحِد.
وَقد رُوِيَ عَن مُحَمَّد: يقْضِي لَهُ، وَلَو كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ خَشَبَة وَللْآخر عَلَيْهِ عشر خشبات يقْضِي بِهِ لصَاحب الْعشْرَة وَللْآخر مَوضِع جذعه.
وَالصَّحِيح أَن الْحَائِط لصَاحب الْجُذُوع وَلَا ينْزع جذع الآخر.
أَقُول: أَي لَان الْملك الثَّابِت بِكَثْرَة الْجُذُوع هَاهُنَا ثَابت بِنَوْع الِاسْتِظْهَار فَهُوَ صَالح للدَّفْع لَا لابطال حق صَاحب الْجذع، بِخِلَاف مَا لَو أَقَامَ صَاحب الْجُذُوع الْبَيِّنَة كَانَ الْحَائِط لَهُ الْبَتَّةَ فَإِنَّهُ يرفع جذع الآخر كَمَا بَينه صَاحب الذَّخِيرَة، وسيأتيك بأوضح من هَذَا.
وَعَن أبي يُوسُف أَن الْحَائِط بَينهمَا على أحد عشر سَهْما.
وَلَو كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جذعان وَللْآخر عشرَة اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ.
قَالَ بَعضهم: جذعان بِمَنْزِلَة جذع وَاحِد.
وَقَالَ بَعضهم: بِمَنْزِلَة الثَّلَاثَة، وَلَو كَانَ لاحدهما ثَلَاثَة وَللْآخر عشرَة فَهُوَ بَينهمَا، وَكَذَا لَو كَانَ لاحدهما خَمْسَة وَللْآخر عشرَة فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَقيل أَثلَاثًا.
تنَازعا فِي خص أَو حَائِط بَين داريهما وَلَا بَيِّنَة والقمط: أَي الْحَبل الَّذِي يشد بِهِ الخص وَالْوَجْه: أَي وَجه الْحَائِط أَو الطاقات أَو أَنْصَاف اللَّبن إِلَى أَحدهمَا.
قَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ بَينهمَا إِذْ الانسان كَمَا يَجْعَل الْمَذْكُور إِلَى جَانِبه فِي ملكه الْخَاص يَجعله إِلَى جَانِبه فِي الْمُشْتَرك أَيْضا إِذا تولى الْعَمَل فَلَا يصلح حجَّة.
وَقَالا: هُوَ لمن الْمَذْكُور إِلَى جَانِبه إِذْ الظَّاهِر يشْهد لَهُ، لَان الانسان يزين وَجه دَاره إِلَى نَفسه لَا إِلَى جَاره، وَكَذَا القمط لانه وَقت العقد يَقُول على سطحه فَيجْعَل القمط إِلَيْهِ.
زَاد فِي الْهِنْدِيَّة: هَذَا إِذا جعل وَجه الْبناء حِين بنى.
وَأما إِذا جعل الْوَجْه بعد الْبناء بالنقش
والتطيين فَلَا يسْتَحق بِهِ الْحَائِط فِي قَوْلهم جَمِيعًا.
كَذَا فِي غَايَة الْبَيَان شرح الْهِدَايَة
قَوْله: (أَو مُتَّصِل بِهِ) الاوضح أَن يَقُول: أَو هُوَ مُتَّصِل ببنائه اتِّصَال تربيع.

قَوْله: (بِأَن تتداخل أَنْصَاف لبنَاته) أَي مثلا فَدخل الْآجر وَالْحجر.
وَاخْتلف فِي صفة اتِّصَال التربيع، فَقَالَ الْكَرْخِي: صفته أَن يكون الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ مُتَّصِلا

(8/172)


بحائطين لاحدهما من الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا والحائطان متصلان بحائط لَهُ بِمُقَابلَة الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ حَتَّى يصير مربعًا يشبه الْقبَّة، فَحِينَئِذٍ يكون الْكل فِي حكم شئ وَاحِد.
والمروي عَن أبي يُوسُف أَن اتِّصَال جَانِبي الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ بحائطين لاحدهما يَكْفِي، وَلَا يشْتَرط اتِّصَال الحائطين بحائط لَهُ بِمُقَابلَة الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ.
وَعبارَة الْكَافِي: هُوَ أَن يكون أحد طرفِي الآخر فِي هَذَا الْحَائِط والطرف الآخر فِي الْحَائِط الآخر حَتَّى يصير فِي معنى حَائِط وَاحِد وَبِنَاء وَاحِد فَيكون ثُبُوت الْيَد على الْبَعْض ثبوتا على الْكل، وَهُوَ عين مَا رُوِيَ عَن أبي يُوسُف، وَمعنى التربيع فِيمَا قَالَ الْكَرْخِي أظهر.
وَفِي الْهِنْدِيَّة: وَذكر الطَّحَاوِيّ: إِن كَانَ مُتَّصِلا بحائط وَاحِد يَقع بِهِ التَّرْجِيح.
قَالُوا: وَالصَّحِيح رِوَايَة الطَّحَاوِيّ اهـ.
وَعَزاهُ إِلَى مُحِيط السَّرخسِيّ.

قَوْله: (وَلَو من خشب) عطف على مَحْذُوف تَقْدِيره: إِذا كَانَ الْحَائِط من لبن وَلَو من خشب الخ.

قَوْله: (لدلَالَة) هَذِه عِلّة لكَون صَاحب اتِّصَال التربيع أولى.

قَوْله: (على أَنَّهُمَا) أَي الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ والحائطين المتصلين بِهِ.

قَوْله: (وَلذَا سمي بذلك) أَي لِكَوْنِهِمَا بنيا مَعًا سمى باتصال التربيع قد علمت تَفْسِير اتِّصَال التربيع على قَول الْكَرْخِي وَهُوَ ظَاهر وتسميته بِهِ على قَول أبي يُوسُف بِاعْتِبَار التربيع فِي حائطيه باللبنات.

قَوْله: (يبْنى مربعًا) هَذَا إِنَّمَا يظْهر على قَول الْكَرْخِي.

قَوْله: (لَا لمن لَهُ اتِّصَال ملازقة) بِأَن يكون الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ ملازقا لحائط أَحدهمَا من غير إِدْخَال فِيهِ.

قَوْله: (أَو نقب وَإِدْخَال) وَهَذَا فِيمَا لَو كَانَ من خشب: أَي بِأَن نقب وأدخلت الْخَشَبَة فِيهِ، وَهَذَا مُحْتَرز.

قَوْله: (فِي حَائِط الْخشب) ، بِأَن تكون الْخَشَبَة مركبة فِي الاخرى.
قَالَ الْبَدْر الْعَيْنِيّ: وَإِذا كَانَ الْجِدَار من خشب فالتربيع أَن يكون سَاج أَحدهمَا مركبا على
الآخر.
وَأما إِذا نقب وَأدْخل فَلَا يكون مربعًا فَلَا عِبْرَة بِهِ وَلَا باتصال الملازقة من غير تربيع لعدم المداخلة فَلَا يدل على أَنَّهُمَا بنيا مَعًا اهـ.
وَمثله فِيمَا يظْهر النقب فِي جِدَار نَحْو اللَّبن.

قَوْله: (أَو هرادي) جَمْعُ هَرْدِيَّةٍ: قَصَبَاتٌ تُضَمُّ مَلْوِيَّةً بِطَاقَاتٍ مِنْ الْكَرم فترسل عَلَيْهَا قصبات الْكَرم، كَذَا فِي ديوَان الادب، وَصحح فِيهَا الْحَاء وَالْهَاء جَمِيعًا، وَأنكر الْهَاء صَاحب الصِّحَاح، وَالرِّوَايَة فِي الاصل وَالْكَافِي للشهيد بِالْحَاء.
وَفِي الْجَامِع الصَّغِير وَشرح الْكَافِي بِالْهَاءِ لَا غير.
شلبي فِي الْحَاشِيَة مُلَخصا.
وَفِي الْمنح: هِيَ خشبات تُوضَع على الْجُذُوع ويلقى عَلَيْهَا التُّرَاب.
وَفِي الواني: هِيَ جمع هردي بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الرَّاء وَفتح الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ وَقصر الالف.
وَفِي مُنْهَوَاتِ الْعَزْمِيَّةِ: الْهُرْدِيَّةُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ.
والهرادي بِفَتْح الْهَاء وَكسر الدَّال: نوع من النبت، وَقيل قصب يوضع فَوق الْحَائِط فَهِيَ كالزرب أَو المكعب.
وَمثل الهرادي البواري، وَهِي والبوري والبورية والبورياء والباري والبارياء والبارية: الْحَصِير المنسوج، وَإِلَى بَيْعه ينْسب الْحسن بن الرّبيع البواري شيخ البُخَارِيّ وَمُسلم كَمَا فِي الْقَامُوس.

قَوْله: (بل صَاحب الْجذع الْوَاحِد الخ) قَالَ فِي غَايَة الْبَيَان: وَالثَّلَاث هِيَ الْمُعْتَبرَة، حَتَّى لَو كَانَ لاحدهما ذَلِك وَللْآخر أَكثر لَا اعْتِبَار لَهُ، فالحائط

(8/173)


بَينهمَا، وَلَو كَانَ لاحدهما جذع أَو اثْنَان وَللْآخر ثَلَاثَة أَو أَكثر فَهُوَ لَهُ، وَأما لصَاحب مَا دون الثَّلَاثَة فموضع جذوعه: يَعْنِي مَا تَحْتَهُ فِي رِوَايَة، وَله حق الْوَضع فِي رِوَايَة اهـ.
وَفِي نور الْعين: وَلَو لاحدهما جذع وَاحِد وَللْآخر هرادي أَو لَا شئ لَهُ لم يذكرهُ مُحَمَّد فِي ظَاهر الرِّوَايَة، وَقد قيل لَا يقْضِي بِهِ لَهُ إِذْ الْحَائِط لَا يبْنى لوضع جذع وَاحِد.
وَعَن مُحَمَّد: إِنَّه لرب الْجذع، إِذا لَهُ مَعَ الْيَد نوع اسْتِعْمَال، إِذا وَضعه اسْتِعْمَال حَتَّى قضء لرب الْجذع فَيكون وَاحِدهَا اسْتِعْمَالا للحائط بِقَدرِهِ وَلَيْسَ للْآخر ذَلِك، وَقد يبْنى الْحَائِط لوضع جذع وَاحِد لَو كَانَ الْبَيْت صَغِيرا، وَهَذَا كُله لَو لم يتَّصل الْحَائِط ببنائهما، فَلَو اتَّصل اتِّصَال تربيع أَو ملازقة قيقضى بِهِ نِصْفَيْنِ بَينهمَا إِذا ستويا اهـ.
وَفِي الزَّيْلَعِيّ: وَإِذا كَانَ لاحدهما جذع وَاحِد وَلَا شئ للْآخر اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ: فَقيل: هما سَوَاء لَان الْوَاحِد لَا يعْتد بِهِ، وَقيل: صَاحب الْجذع أولى لَان الْحَائِط قد يبْنى لجذع وَاحِد، وَإِن كَانَ
غير غَالب.
قَالَ فِي شرح الْمُلْتَقى للداماد: والهرادي غير مُعْتَبرَة، وَكَذَا البواري لانه لم يكن اسْتِعْمَالا وضعا، إِذْ الْحَائِط لَا يبْنى لَهَا بل للتسقيف، وَهُوَ لَا يُمكن على الهرادي والبواري كَمَا فِي الدُّرَر انْتهى.
وَفِيه: وَلَا مُعْتَبر بِكَثْرَة الْجُذُوع وَقتهَا بعد أَن تبلغ ثَلَاثًا، لَان التَّرْجِيح بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكَثْرَةِ على مَا بَينا، وَاشْترط أَن يبلغ الثَّلَاث لَان الْحَائِط يبْنى للتسقيف وَذَلِكَ لَا يحصل بِمَا دون الثَّلَاث غلبا فَصَارَ الثَّلَاث كالنصاب لَهُ اهـ.
فَتَأمل.

قَوْله: (وَقيل لذِي الْجُذُوع) وَصَححهُ السَّرخسِيّ، وَصحح الاول الْجِرْجَانِيّ.
وَقَالَ فِي الْمُحِيط: الايدي على ثَلَاث مَرَاتِب: اتِّصَال تربيع واتصال ملازقة ومجاورة، وَوضع جُذُوع محاذاة بِنَاء.
وَلَا عَلامَة فِي الْحَائِط سوى هَذَا، فأولاهم صَاحب التربيع، فَإِن لم يُوجد فَصَاحب الْجُذُوع، فَإِن لم يُوجد فَصَاحب الْمُحَاذَاة اهـ.
قَالَ فِي الْخُلَاصَة: وَإِنْ كَانَ كِلَا الِاتِّصَالَيْنِ اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ أَوْ اتِّصَالَ مُجَاوَرَةٍ يُقْضَى بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا تَرْبِيعٌ وَلِلْآخَرِ مُلَازَقَةٌ يُقْضَى لِصَاحِبِ التَّرْبِيعِ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا تَرْبِيعٌ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ جُذُوعٌ فَصَاحِبُ الِاتِّصَالِ أَوْلَى، وَصَاحِبُ الْجُذُوعِ أَوْلَى مِنْ اتِّصَالِ الْمُلَازَقَةِ، ثُمَّ فِي اتِّصَالِ التَّرْبِيعِ هَلْ يَكْفِي مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ؟ فَعَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ يَكْفِي، وَهَذَا أَظْهَرُ، وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُشْتَرَطُ مِنْ جَوَانِبِهِ الْأَرْبَعِ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ لَهُمَا، وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ لَهُ اهـ.
وَقدمنَا نَحوه.

قَوْله: (وَتَمَامه فِي الْعَيْنِيّ وَغَيره) قَالَ الْعَلامَة الْعَيْنِيّ: وَلَو كَانَ لكل وَاحِد مِنْهُمَا ثَلَاثَة جُذُوع فَهُوَ بَينهمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي أصل الْعلَّة، وَلَا يعْتَبر بِالْكَثْرَةِ والقلة بعد أَن تبلغ ثَلَاثَة، وَإِنَّمَا شرطت الثَّلَاثَة، لَان الْحَائِط يبْنى للتسقيف وَذَلِكَ لَا يحصل بِدُونِ الثَّلَاثَة غَالِبا فَصَارَت الثَّلَاثَة كالنصاب لَهُ، وَلَو لاحدهما ثَلَاثَة وَللْآخر أقل فَهُوَ لصَاحب الثَّلَاثَة.
استحسنه الامام.
وَالْقِيَاس المناصفة وَقد رُوِيَ عَنهُ أَيْضا.
ثمَّ لصَاحب الْجذع الْوَاحِد أَو الِاثْنَيْنِ حق الْوَضع، لانا حكمنَا بِالْحَائِطِ لصَاحب الْجُذُوع: أَي الثَّلَاثَة فَأكْثر بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ يصلح حجَّة للدَّفْع لَا للاستحقاق، فَلَا يُؤمر بِالْقَلْعِ إِلَّا إِذا ثَبت بِالْبَيِّنَةِ أَن الْحَائِط لصَاحب الْجُذُوع فَحِينَئِذٍ يُؤمر بِالْقَلْعِ اهـ.
وَهل الحكم كَذَلِك إِذا أقرّ لَهُ بِهِ؟ الظَّاهِر نعم.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ برمز (جع) : جُذُوع أَحدهمَا فِي أحد النصفين وجذوع الآخر فِي
النّصْف فَلِكُل مِنْهُمَا مَا عَلَيْهِ جذوعه، وَمَا بَين النصفين والجذوع أولى من الستْرَة، فالحائط لرب الجدوع، وَكَذَا الستْرَة لَو تنَازعا فِيهَا، وَلَو توافقا أَن الستْرَة للْآخر لَا ترفع كمن لَهُ سفل وتنازعا فِي

(8/174)


سقفه وَمَا عَلَيْهِ فَالْكل لذِي السّفل، وَلَو توافقا أَن الْعُلُوّ للْآخر لَا يرفع إِلَّا إِذا برهن.
اهـ: أَي لانه هُوَ الْمُتَنَازع فِيهِ، فَإِذا برهن ذُو السّفل أَن السّقف لَهُ رفع مَا هُوَ مَوْضُوع عَلَيْهِ بِغَيْر حق، فَتَأمل.
وَإِنَّمَا لم يرفع أَولا قبل إِقَامَة الْبَيِّنَة، لَان الظَّاهِر أَن وَضعه بِحَق، وَلم يحكم لَهُ بالسفل لَان الظَّاهِر يصلح للدَّفْع لَا للاستحقاق وَهُوَ لصَاحب السّفل كَمَا هُوَ صَرِيح الْخَانِية.
فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين ثُبُوته بِالْبَيِّنَةِ حَيْثُ يرفع بهَا وَبَين ثُبُوته بِظَاهِر الْيَد وَلم يرفع؟ قلت: الْبَيِّنَة كاسمها بَيِّنَة، وَهِي حجَّة متعدية فَيلْزم بهَا الرّفْع، وَالْيَد حجَّة لصَاحب الْحَال فصلحت للدَّفْع لَا للرفع، فَتَأمل.
وَمِمَّا يتَّصل بمسائل الْحِيطَان مَا نَقله فِي الْهِنْدِيَّة: وَلَو كَانَ لَاحَدَّ المدعيين على الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ أَزجّ من لبن أَو آجر: أَي ضرب من الابنية فَهُوَ بِمَنْزِلَة الستْرَة.
كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان.
جُذُوع شاخصة إِلَى دَار رجل لَيْسَ لَهُ أَن يَجْعَل عَلَيْهَا كنيفا إِلَّا بِرِضا صَاحب الدَّار وَلَيْسَ لصَاحب الدَّار قطعهَا إِذا أمكنه الْبناء عَلَيْهَا، وَإِن لم يُمكن الْبناء عَلَيْهَا بِأَن كَانَت جذوعا صغَارًا أَو جذعا وَاحِدًا ينظر: إِن كَانَ قطعهَا يضر بِبَقِيَّة الْجُذُوع ويضعفها لَا يملك الْقطع، وَإِن لم يضر بهَا يُطَالِبهُ بِالْقطعِ، وَلَو أَرَادَ صَاحب الدَّار أَن يعلق على أَطْرَاف هَذِه الْجُذُوع شَيْئا لَيْسَ لَهُ ذَلِك.
كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ.
جِدَار بَين اثْنَيْنِ لَهما عَلَيْهِ حمولة غير أَن حمولة أَحدهمَا أثقل فالعمارة بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
وَلَو كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ حمولة وَلَيْسَ للْآخر عَلَيْهِ حمولة والجدار مُشْتَرك بَينهمَا: قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث رَحمَه الله تَعَالَى: للْآخر أَن يضع عَلَيْهِ بِمثل حمولة صَاحبه إِن كَانَ الْحَائِط يحْتَمل ذَلِك، أَلا ترى أَن أَصْحَابنَا رَحِمهم الله تَعَالَى قَالُوا فِي كتاب الصُّلْح: لَو كَانَ جُذُوع أَحدهمَا أَكثر فللآخر أَن يزِيد فِي جذوعه إِن كَانَ يحْتَمل ذَلِك، وَلم يذكرُوا أَنه قديم أَو حَدِيث.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة فِي كتاب الْحِيطَان.
وَإِن لم يكن
لَهما عَلَيْهِ خشب فَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يضع عَلَيْهِ خشبا لَهُ ذَلِك وَلَيْسَ للْآخر أَن يمنعهُ وَيُقَال لَهُ: ضع أَنْت مثل ذَلِك إِن شِئْت.
كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة.
لَو كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جُذُوع وَلَيْسَ للْآخر عَلَيْهِ جُذُوع فَأَرَادَ أَن يضع والجدار لَا يحْتَمل جُذُوع اثْنَيْنِ وهما مقران بِأَن الْحَائِط مُشْتَرك بَينهمَا، يُقَال لصَاحب الْجُذُوع إِن شِئْت فارفع ذَلِك عَن الْحَائِط لتستوي بصاحبك، وَإِن شِئْت فحط عَنهُ بِقدر مَا يُمكن لشريكك من الْحمل، كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
جِدَار بَين رجلَيْنِ لاحدهما عَلَيْهِ بِنَاء فَأَرَادَ أَن يحول جذوعه إِلَى مَوضِع آخر: قَالَ: إِن كَانَ يحول من الايمن إِلَى الايسر أَو من الايسر إِلَى الايمن لَيْسَ لَهُ ذَلِك، وَإِن أَرَادَ أَنى يسفل الْجُذُوع فَلَا بَأْس بِهِ، وَإِن أَرَادَ أَن يَجعله أرفع عَمَّا كَانَ لَا يكون لَهُ ذَلِك.
كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان.
حَائِط بَينهمَا وَكَانَ لكل وَاحِد جُذُوع فللذي هُوَ صَاحب السّفل أَن يرفعها بحذاء صَاحب الاعلى إِن لم يضر بِالْحَائِطِ، وَلَو أَرَادَ أَحدهمَا أَن ينْزع جذوعه من الْحَائِط لَهُ ذَلِك إِن لم يكن فِي نَزعه ضَرَر بِالْحَائِطِ، هَكَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة.
إِذا كَانَت جُذُوع أَحدهمَا مُرْتَفعَة وجذوع الآخر متسفلة فَأَرَادَ أَن ينقب الْحَائِط لينزل فِيهِ الْخشب هَل لَهُ ذَلِك؟ قيل لَيْسَ لَهُ ذَلِك.
وَكَانَ أَبُو عبد الله الْجِرْجَانِيّ يُفْتِي بِأَن لَهُ ذَلِك.
وَقيل: ينظر: إِن كَانَ

(8/175)


ذَلِك مِمَّا يُوجب فِيهِ وَهنا لم يكن لَهُ ذَلِك، وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يدْخل فِيهِ وَهنا فَلهُ ذَلِك.
كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ.
جِدَار بَين رجلَيْنِ أَرَادَ أَحدهمَا أَن يزِيد فِي الْبناء لَا يكون لَهُ ذَلِك إِلَّا بِإِذن الشَّرِيك، أضرّ الشَّرِيك ذَلِك أَو لم يضر.
كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان.
قَالَ أَبُو الْقَاسِم: حَائِط بَين رجلَيْنِ انْهَدم جَانب مِنْهُ فَظهر أَنه ذُو طاقين متلازقين فيريد أَحدهمَا أَن يرفع جِدَاره وَيَزْعُم أَن الْجِدَار الْبَاقِي يَكْفِيهِ للستر فِيمَا بَينهمَا قبل أَن يتَبَيَّن أَنَّهُمَا حائطان فكلا الحائطين بَينهمَا، وَلَيْسَ لاحدهما أَن يحدث فِي ذَلِك شَيْئا بِغَيْر إِذن شَرِيكه، وَإِن أقرا أَن كل حَائِط لصَاحبه فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يحدث فِيهِ مَا أحب.
كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي كتاب الْحِيطَان.
جِدَار بَين اثْنَيْنِ وهى وَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يصلحه وأبى الآخر يَنْبَغِي أَن يَقُول لَهُ: ارْفَعْ حمولتك بعمد لاني أرفعه فِي وَقت كَذَا وَيشْهد على ذَلِك، فَإِن فعل فبها، وَإِن لم يفعل فَلهُ أَن يرفع الْجِدَار، فَإِن سَقَطت حمولته لَا يضمن، كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
وَعَن الشَّيْخ الامام أبي الْقَاسِم: جِدَار بَين رجلَيْنِ لاحدهما عَلَيْهِ حمولة لَيْسَ للْآخر شئ فَمَال الْجِدَار إِلَى الَّذِي لَا حمولة فَأشْهد على صَاحب الحمولة فَلم يرفعهُ مَعَ إِمْكَان الرّفْع بعد الاشهاد حَتَّى انْهَدم وأفسد شَيْئا قَالَ: إِذا ثَبت الاشهاد وَكَانَ مخوفا وَقت الاشهاد يضمن الْمَشْهُود عَلَيْهِ نصف قيمَة مَا أفسد من سُقُوطه.
هَكَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان.
قَالَ أَبُو الْقَاسِم: حَائِط بَين رجلَيْنِ لاحدهما عَلَيْهِ غرفَة وَالْآخر عَلَيْهِ سقف بَيته فهدما الْحَائِط من أَسْفَله ورفعا أَعْلَاهُ بالاساطين ثمَّ اتفقَا جَمِيعًا حَتَّى بنيا فَلَمَّا بلغ الْبناء مَوضِع سقف هَذَا أَبى صَاحب السّقف أَن يبْنى بعد ذَلِك لَا يجْبر أَن ينْفق فِيمَا جَاوز ذَلِك.
كَذَا فِي الصُّغْرَى رجل لَهُ ساباط أحد طرفِي جُذُوع هَذَا الساباط على حَائِط دَار رجل فتنازعا فِي حق وضع الْجُذُوع فَقَالَ صَاحب الدَّار: جذوعك على حائطي بِغَيْر حق فارفع جذوعك عَنهُ وَقَالَ صَاحب الساباط: هَذِه الْجُذُوع على حائطك بِحَق وَاجِب، ذكر صَاحب كتاب الْحِيطَان الشَّيْخ الثَّقَفِيّ أَن القَاضِي يَأْمُرهُ بِرَفْع جذوعه.
وَقَالَ الصَّدْر الشَّهِيد رَحمَه الله تَعَالَى: وَبِه يُفْتى.
وَإِن تنَازعا فِي الْحَائِط يقْضى بِالْحَائِطِ لصَاحب الدَّار فِي ظَاهر مَذْهَب أَصْحَابنَا لَان الْحَائِط مُتَّصِل بِملك صَاحب الدَّار وبالاتصال تثبت الْيَد، وَلَكِن هَذَا إِذا كَانَ اتِّصَال اتِّصَال تربيع، إِمَّا إِذا كَانَ اتِّصَال ملازقة فَصَاحب الساباط أولى.
وَهَكَذَا فِي الْمُحِيط فِي كتاب الْحِيطَان.
الْكل الْهِنْدِيَّة.
أَقُول: ثمَّ التَّصَرُّف فِي الْحَائِط الْمُشْتَرك بعد ثُبُوته شرعا قِسْمَانِ: مُمْتَنع إِلَّا بِإِذن شَرِيكه وَهُوَ مُقْتَضى شركَة الْملك وَالْقِيَاس.
وَجَائِز لضَرُورَة مَنْفَعَة الِاشْتِرَاك لغير إِذن شَرِيكه.
أما الْمُمْتَنع فَهُوَ زِيَادَة خشب على خشب شَرِيكه أَو اتِّخَاذ ستر عَلَيْهِ أَو فتح كوَّة أَو بَاب، وَهُوَ مَحل إِطْلَاقهم الْوَاقِع فِي بعض عباراتهم من أَنه لَيْسَ لَهُ: أَي الشَّرِيك أَن يحدث فِي الْحَائِط الْمُشْتَرك حَدثا بِغَيْر إِذن شَرِيكه أَو يزِيد عَلَيْهِ.
وَأما الْجَائِز بِغَيْر إِذْنه فَلهُ صور: مِنْهَا: مَا هُوَ جَائِز بِاتِّفَاق، وَهُوَ مَا إِذا لم يكن عَلَيْهِ لوَاحِد مِنْهُمَا خشب فَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يضع عَلَيْهِ خشبا لَهُ ذَلِك، وَلَا يكون لصَاحبه مَنعه وَلَكِن يُقَال لَهُ: ضع أَنْت مثل ذَلِك إِن شِئْت.

(8/176)


وَمِنْهَا: مَا هُوَ جَائِز بالِاتِّفَاقِ أَيْضا، وَهُوَ مَا إِذا كَانَ لَهُ جُذُوع ولشريكه أَكثر مِنْهَا فَلهُ الْمُسَاوَاة بِاتِّفَاق كلماتهم، كَمَا ستطلع عَلَيْهِ قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى، كَذَا قَالُوا.
وَأَقُول: هَذِه الْمَسْأَلَة، وَهِي مَا إِذا كَانَت حمولته محدثة يَنْبَغِي أَن تكون عين الْمَسْأَلَة الاولى الْجَائِزَة بالانفاق، فَتَأمل.
وَمِنْهَا: مَا هُوَ مُقَيّد على قَول وَالرَّاجِح الاطلاق، وَهِي مَا إِذا كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ حمولة وَلَيْسَ للْآخر ذَلِك فَأَرَادَ أَن يحدث حمولة فالمرجح لَهُ أَن يحدث إِذا كَانَ الْحَائِط يحْتَمل ذَلِك.
وَقَالَ بَعضهم فِي هَذِه الصُّورَة: إِن كَانَت حمولة صَاحبه محدثة فَلهُ ذَلِك، وَإِن كَانَت قديمَة فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك.
ثمَّ فِي هَذِه الصُّورَة على الرَّاجِح قد صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إِن كَانَ الْحَائِط لَا يحْتَمل حمولتين يُؤمر الآخر بِرَفْع حمولته لتحصل التَّسْوِيَة مَعَ صَاحبه أَو بِرَفْع الْبَعْض لتمكن شَرِيكه من الْحمل فَهُوَ كالمهايأة.
وَمِنْهَا: مَا هُوَ مُقَيّد بِعَدَمِ الْمضرَّة، وَهُوَ مَا إِذا كَانَ لَهما عَلَيْهِ حمولة وحمولة أَحدهمَا أَسْفَل من حمولة الآخر فَأَرَادَ هُوَ أَن يرفع حمولته ويضعها بِإِزَاءِ حمولة صَاحبه فَلهُ ذَلِك وَلَيْسَ لصَاحبه مَنعه، وَكَذَا لَو كَانَت حمولة أَحدهمَا فِي وسط الْجِدَار وحمولة الآخر فِي أَعْلَاهُ فَأَرَادَ أَن يضع حمولته فِي أَعلَى الْجِدَار لَهُ ذَلِك إِذا لم يدْخل على الاعلى مضرَّة، وَكَذَا إِذا أَرَادَ أَن يسفل الْجُذُوع، وَقَيده بَعضهم بِمَا إِذا انْهَدم أَو هدماه، لانه إِذا يحصل ذَلِك يحصل مضرَّة وَلَا بُد، والمدار فِي أَجنَاس هَذَا على عدم الضَّرَر.
وَمِنْهَا: مَا هُوَ مُخْتَلف فِيهِ وَهُوَ التعلي، وَهُوَ أَن يزِيد فِي أَعلَى الْجِدَار فِي هَوَاء الْمُشْتَرك كَانَ للْآخر مَنعه لانه تصرف فِي شئ مُشْتَرك، وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن مُحَمَّد، وَقيل لَا يمْنَع.
أَقُول وَالْحَاصِل: أَن فِي مَسْأَلَة التعلي ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا: لَهُ التعلي مُطلقًا.
ثَانِيهَا: لَهُ بِمَا إِذا لم يكن خَارِجا عَن الرَّسْم الْمُعْتَاد، وَاعْتَمدهُ ابْن الشّحْنَة والشرنبلالي.
ثَالِثهَا: الْمَنْع مُطلقًا، وَاعْتَمدهُ
قاضيخان وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الْخَيْرِيَّة فَكَانَ عَلَيْهِ الِاعْتِمَاد، وبالعمل بِهِ صدر الامر السلطاني وَجرى عَلَيْهِ فِي الْمجلة فِي مَادَّة ألف وَمِائَتَيْنِ وَعشرَة.
قَالَ فِي الذَّخِيرَة: إِذا كَانَ الْحَائِط بَين رجلَيْنِ وَلَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا فَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يضع عَلَيْهِ خشبا لَهُ ذَلِك، وَلَا يكون لصَاحبه أَن يمنعهُ عَن ذَلِك وَلَكِن يُقَال أَنْت ضع مثل ذَلِك إِن شِئْت، هَكَذَا حكى الامام النَّيْسَابُورِي.
وَكَانَ بَين هَذَا وَبَين مَا إذَا كَانَ لَهُمَا عَلَيْهِ خَشَبٌ فَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يزِيد عَلَيْهِ خشبا على خشب صَاحبه وَأَرَادَ أَن يتَّخذ سترا أَو يفتح كوَّة أَو بَابا حَيْثُ لَا يكون لَهُ ذَلِك إِلَّا بِإِذن صَاحبه وَكَانَ لصَاحبه ولَايَة الْمَنْع.
وَالْفرق أَن الْقيَاس أَن لَا يكون لَهُ ولَايَة وضع الْخشب من غير إِذن شَرِيكه لانه تصرف فِي شئ مُشْتَرك، إِلَّا إِذا تركنَا الْقيَاس لضَرُورَة أَنا لَو منعناه عَن وضع الْخشب من غير إِذن شَرِيكه رُبمَا لَا يَأْذَن لَهُ شَرِيكه فِي ذَلِك، فتتعطل عَلَيْهِ مَنْفَعَة الْحَائِط.
وَهَذِه الصُّورَة مَعْدُومَة فِي زِيَادَة الْخشب وَفتح

(8/177)


الكوة فَيرد لي الْقيَاس اهـ.
وَمثله فِي الْبَزَّازِيَّة وَغَيرهَا من الْكتب الْمُعْتَبرَة، لكنه مُقَيّد فِي الْبَزَّازِيَّة بِمَا إِذا كَانَ الْحَائِط يحْتَمل ذَلِك، وَهَذَا الْقَيْد لَا بُد مِنْهُ فِي أَمْثَال هَذَا.
وَعبارَة الذَّخِيرَة أغفلته وقيدناه فِيمَا أسلفناه لَك، فَتنبه.
قَالَ السَّرخسِيّ فِي الْوَجِيز عَن النَّوَادِر حَائِط بَين رجلَيْنِ ولاحدهما عَلَيْهِ عشر خشبات وَللْآخر أَربع فَلصَاحِب الاربع أَن يتم عشر خشبات مثل صَاحبه وَلَيْسَ لَهُ الزِّيَادَة، وَإِن كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ خشب وَلَا شئ للْآخر عَلَيْهِ فَأَرَادَ أَن يحمل مثل خشب صَاحبه، قيل لَهُ ذَلِك، وَقيل لَيْسَ لَهُ ذَلِك اهـ.
فَانْظُر كَيفَ نقل الْخلاف فِي الصُّورَة الثَّانِيَة وَلم يحكه فِي الاولى، وَالْفرق بَينهمَا وَاضح كَمَا ستقف عَلَيْهِ.
قَالَ برهَان الدّين الكركي فِي الْفَيْض من كتاب الْحِيطَان: حَائِط بَين رجلَيْنِ وَكَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جُذُوع أَكثر من جُذُوع الآخر فَلصَاحِب الْقَلِيل أَن يزِيد فِي جذوعه حَتَّى تكون مثل جذوعه صَاحبه اهـ.
وَفِي الْعمادِيَّة: وَلَو كَانَ جُذُوع أَحدهمَا أَكثر فللآخر أَن يزِيد فِي جذوعه إِذا كَانَ الْحَائِط يحْتَمل ذَلِك وَلم يفصلوا بَين الْقَدِيم والْحَدِيث اهـ.
قَالَ فِي الْخَانِية: وَلَو كَانَ الْحَائِط بَين دَاري رجلَيْنِ كل وَاحِد مِنْهُمَا يَدعِيهِ وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا عَلَيْهِ جُذُوع يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ هُوَ الْمُخْتَار، فَإِن كَانَت جُذُوع أَحدهمَا أَكثر فللآخر أَن يزِيد فِي جذوعه حَتَّى تكون مثل جُذُوع الآخر، وَهَذَا إِذا كَانَ الْحَائِط يحْتَمل الزِّيَادَة، فَإِن كَانَ لَا يحْتَمل لَيْسَ لَهُ أَن يزِيد اهـ.
قلت: وَانْظُر إِلَى قَوْله وكل وَاحِد يَدعِيهِ إِلَى قَوْله يقْضِي نجده صَرِيحًا فِي أَنه لَا يلْزم فِي هَذِه الصُّورَة أَن يكون الْحَائِط ثَابتا بِالْبَيِّنَةِ بَينهمَا، خلافًا لمن وهم من أَنَّهَا لَا تثبت الْمُسَاوَاة فِي وضع الْجُذُوع إِلَّا إِذا ثَبت الْحَائِط لَهما بِالْبَيِّنَةِ، ومنشؤه أخذا من عبارَة الذَّخِيرَة وَذَلِكَ من عدم التَّأَمُّل بهَا.
وَحَاصِل عبارَة الذَّخِيرَة: أَن الْملك الثَّابِت بِنَوْع ظَاهر كالاتصال والتربيع لَا يصلح لابطال حق الآخر، لانا هَاهُنَا لم نبطل حق الآخر بل قصدنا الْمُسَاوَاة، نعم هَذَا يظْهر من يثبت لَهُ الْحَائِط بالتربيع وَكَانَ لصَاحبه جُذُوع فَلَيْسَ لَهُ أَن يرفع جُذُوع الآخر إِلَّا إِذا ثَبت الْحَائِط بِالْبَيِّنَةِ فَلهُ رفع جُذُوع لآخر كَمَا ستراه فِي عبارَة الذَّخِيرَة، هَذَا وَقد اتّفقت كلمتهم فِي كتاب الصُّلْح على أَنه لَو كَانَ جُذُوع أَحدهمَا أَكثر، فللآخر أَن يزِيد فِي جذوعه إِن كَانَ يحْتَمل.
وَلما كَانَت هَذِه الْمَسْأَلَة اتفاقية قَاس عَلَيْهَا الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة، وَهِي مَا إِذا كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جُذُوع وَأَرَادَ الآخر أَن يحدث جذوعا فَرجع هُوَ والحسام الشَّهِيد وهما من أهل التَّرْجِيح جَوَاز إِحْدَاث الْجُذُوع أَيْضا مُطلقًا قديمَة كَانَت الاولى أَو لَا، وَإِن كَانَ بَعضهم قد أبدى فرقا بَين الحديثة والقديمة كَمَا ستطلع عَلَيْهِ.
قَالَ الحسام الشَّهِيد فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: وَلَو كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ حمولة وَلَيْسَ للْآخر عَلَيْهِ حمولة وَيُرِيد الَّذِي لَا حمولة لَهُ أَن يضع على هَذَا الْجِدَار حمولة مثل حمولة شَرِيكه، إِن كَانَت حمولته عَلَيْهَا محدثة فللآخر أَن يضع عَلَيْهِ حمولة مثلهَا، وَإِن كَانَت الحمولة الَّتِي لَهُ قديمَة فَلَيْسَ للْآخر أَن يضع حمولة.
قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث: للْآخر أَن يضع عَلَيْهِ حمولة مثل حمولة صَاحبه إِن كَانَ الْحَائِط يحْتَمل مثل ذَلِك مُطلقًا:

(8/178)


أَي سَوَاء كَانَت حمولة صَاحبه محدثة أَو قديمَة، أَلا ترى أَن أَصْحَابنَا قَالُوا فِي كتاب الصُّلْح: لَو كَانَ جُذُوع أَحدهمَا أَكثر فللآخر أَن يزِيد فِي جذوعه إِن كَانَ يحْتَمل ذَلِك، وَلم يشترطوا لَا قَدِيما وَلَا حَدِيثا.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم: فِي حَائِط بَين رجلَيْنِ لاحدهما عَلَيْهِ جُذُوع فَأَرَادَ الآخر أَن ينصب عَلَيْهِ جذوعا فَمَنعه من ذَلِك صَاحبه والجدار لَا يحْتَمل ذَلِك: أَي الحملين يُقَال لصَاحب الْجُذُوع إِن شِئْت فحط حملك لتستوي مَعَ صَاحبك ك، وَإِن شِئْت فحط عَنهُ مَا يُمكن شريكك من الْحمل، لَان الْبناء الَّذِي عَلَيْهِ إِن كَانَ بِغَيْر رضَا صَاحبه فَهُوَ مُعْتَد ظَالِم، وَإِن كَانَ بِإِذن صَاحبه فَهُوَ عَارِية، أَلا يرى أَن دَارا بَين رجلَيْنِ وَأَحَدهمَا ساكنها، فَأَرَادَ الآخر أَن يسكن مَعَه وَالدَّار لَا تسع لسكنهما فَإِنَّهُمَا يتهايان بهَا، كَذَا هُنَا قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث: وروينا عَن أبي بكر خلاف هَذَا، وَبقول أبي الْقَاسِم نَأْخُذ.
وَوجه الْقَائِل بِالْمَنْعِ الْفرق، لجَوَاز أَن يكون هَذَا مُسْتَحقّا لاحدهما من أصل الْملك وَذَلِكَ حَال الْقِسْمَة بِأَن يَقع الْحَائِط بِنَصِيب أَحدهمَا وَيكون للْآخر عَلَيْهِ حق الْخشب، أما تِلْكَ الْمَسْأَلَة وَهِي مَا لَو كَانَ لكل وَاحِد مِنْهُمَا عَلَيْهِ خشبات فَفِيهَا دلّ على أَن التَّصَرُّف فِي الِابْتِدَاء ثَبت لَهما فَيثبت بعد ذَلِك لَهما.
كَذَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة لِابْنِ الشّحْنَة.
أَقُول: وَمُقْتَضى كَلَامه أَن الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة اتفاقية، فَافْهَم.
وَالْحَاصِل: أَن كلا الشَّرِيكَيْنِ إِذا لم يكن لَهما عَلَيْهِ حمولة صَاحبه كَانَ لكل وَاحِد مِنْهَا وضع حمولة بِلَا إِذن شَرِيكه اتِّفَاقًا، وَأَن أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذا كَانَ لَهُ حمولة أنقص من حمولة صَاحبه كَانَ لَهُ الْمُسَاوَاة اتِّفَاقًا أَيْضا، وَأَن أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذا كَانَ لَهُ حمولة وَالثَّانِي لَا حمولة لَهُ كَانَ لَهُ أَن يُسَاوِي مَعَ صَاحبه، على مَا رَجحه أَبُو اللَّيْث والحسام الشَّهِيد قِيَاسا على الْمَسْأَلَة الاتفاقية كَمَا تقدم، وَأَن أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذا أَرَادَ أَن يسفل الْجُذُوع أَو يعليها أَو يتوسط بهَا للمساواة عِنْد عدم الضَّرَر لَهُ ذَلِك، وَأَن أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذا أَرَادَ أَن يعلي بِأَن يزِيد فِي الْجِدَار فِي هَوَاء مُشْتَرك لم يكن للْآخر مَنعه، والمروي عَن مُحَمَّد لَهُ الْمَنْع، وَلذَا قدمه ابْن وهبان فِي الْمَنْظُومَة بقوله:
وَمَا لِشَرِيكٍ أَنْ يُعَلِّيَ حَيْطَهُ وَقِيلَ التَّعَلِّي جَائِز فيعمر وعَلى الْمَنْع مُطلقًا مَشى فِي الْخَانِية فَلْيَكُن هُوَ الْمعول.
وَفِي الْفُصُولَيْنِ: وَلَو أَرَادَ أَحدهمَا نزع جذوعه من الْحَائِط فَلهُ ذَلِك لَو لم يصر بِالْحَائِطِ.
وَفِيه: انْهَدم حَائِط بَينهمَا فَبنى أَحدهمَا فَإِنَّهُ وَجْهَيْن: إِمَّا عَلَيْهِ حمولة أَو لَا.
والاحكام ثَلَاثَة: أَحدهَا طلب أَحدهمَا قسْمَة عَرصَة الْحَائِط وأبى الآخر.
وَالثَّانِي أَرَادَ أَحدهمَا أَن يبْنى ابْتِدَاء بِلَا طلب الْقِسْمَة وأبى الآخر.
وَثَالِثهَا لَو بناه بِلَا إِذن شريكة هَل يرجع عَلَيْهِ بشئ.
أما الْوَجْه الاول وَهُوَ عدم الحمولة عَلَيْهِ، فَأَما الحكم الاول وَهُوَ طلب الْقِسْمَة وإباء الآخر فقد ذكر فِي بعض الْمَوَاضِع مُطلقًا أَنه لَا يجْبر، وَبِه نَأْخُذ ص.
أما لَو لم تكن عَرصَة الْحَائِط عريضة بِحَيْثُ لَو قسمت لَا يُصِيب كلا مِنْهُمَا شئ يُمكنهُ أَن يَبْنِي فِيهِ فَظَاهر لتعنته فِي طلب الْقِسْمَة، وَأما لَو عريضة بِحَيْثُ يُصِيب كلا مِنْهُمَا مَا يُمكن الْبناء فِيهِ فلَان القَاضِي لَو قسم يقرع بَينهمَا، وَرُبمَا يخرج فِي قرعَة كل مِنْهُمَا مَا يَلِي دَار شَرِيكه فَلَا ينْتَفع بِهِ فَلَا تقع الْقِسْمَة مفيدة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ م فِيمَا روى عَنهُ هِشَام: انْهَدم حَائِط بَينهمَا فَقَالَ أَحدهمَا أقسم وَالْآخر أَبى قَالَ لَا أقسم بَينهمَا إِذْ رُبمَا يُصِيب كلا

(8/179)


مِنْهُمَا مَا يَلِي دَار شَرِيكه.
وَبَعض الْمَشَايِخ قَالُوا: لَو كَانَ القَاضِي لَا يرى الْقِسْمَة إِلَّا بإقراع لَا يَسْتَقِيم لما مر.
وَأما لَو يَرَاهَا بِلَا إقراع فيقسمه لَو كَانَت الْعَرَصَة عريضة على وَجه مر وَيجْعَل نصيب كل مِنْهُمَا مِمَّا يَلِي دَاره تتميما للمنفعة عَلَيْهِمَا.
مطلب: لَو كَانَت عَرصَة الْحَائِط عريضة تقسم بَينهمَا وَيُعْطى كلا من جِهَة دَاره بِلَا قرعَة وَيجْبر الآبي بِهِ يُفْتى وَقَالَ ص: لَو عريضة فَالْقَاضِي يجْبر الآبي على كل حَال وَبِه يُفْتى، إِذْ الْعَرَصَة لَو عريضة على وَجه مر فطالب الْقِسْمَة طلب بهَا تتميم الْمَنْفَعَة عَلَيْهِ فَيجْبر شَرِيكه عَلَيْهِ كدار وَأَرْض.
س: يجْبر الآبي على قسْمَة حَائِط بَينهمَا وَذكر الْجَبْر بِلَا فصل بَين العريضة وَغَيرهَا اهـ.
أَقُول: يُؤْخَذ من هَذَا جَوَاب حَادِثَة الْفَتْوَى، وَهِي دَار لزيد وَدَار أُخْرَى مُشْتَركَة بَينه وَبَين عَمْرو
أَرَادَ زيد قسمتهَا وَأخذ حِصَّته مِنْهَا من جِهَة دَاره حَيْثُ لَا يُمكن الِاتِّصَال إِلَيْهَا إِلَّا من دَاره وَالدَّار قَابِلَة للْقِسْمَة والمعادلة مُمكنَة فللقاضي قسمتهَا على هَذَا الْوَجْه وَإِن لم يرض عَمْرو بذلك، وَلَا تلْزم الْقرعَة فِي هَذَا، على أَن الْقرعَة لَيست بواجبة على القَاضِي، غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنهم قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَن يقرع بَينهمَا تطييبا لقلوبهما، وَلَا نقُول إِن يَنْبَغِي هُنَا بِمَعْنى يجب لما أَنهم صَرَّحُوا فِي غير مَا كتاب أَنَّهَا مُسْتَحبَّة، لَا سِيمَا وَفِيه رفع الضَّرَر عَن أَحدهمَا وَعدم الضَّرَر بِالْآخرِ، فَتَأمل وراجع.
وَفِي الْفُصُولَيْنِ: الحكم الثَّانِي أَرَادَ أَحدهمَا أَن يبْنى ابْتِدَاء بِلَا طلب الْقِسْمَة وأبى الآخر، فَلَو عَرصَة الْحَائِط عريضة بِحَيْثُ لَو قسمت أصَاب كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا يُمكنهُ أَن يَبْنِي فِيهِ حَائِطا لنَفسِهِ لَا يجْبر على الْبناء فِي ملك شَرِيكه إِلَّا إِذا تضرر شَرِيكه بِتَرْكِهِ وَلَا ضَرَر هُنَا، وَلَو غير عريضة فَاخْتلف الْمَشَايِخ، قِيلَ لَا يُجْبَرُ، وَقِيلَ يُجْبَرُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ، إِذا بِتَرْكِهِ يتَضَرَّر شَرِيكه بتعطيل مَنَافِع الْحَائِط والباني لَا يتَضَرَّر إِذْ يحصل لَهُ بدل مَا أنْفق، وَمَال إِلَى الثَّانِي الشَّيْخ الامام الْجَلِيل أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْفضل وَالشَّيْخ الامام الاجل شمس الائمة.
الحكم الثَّالِث: لَو بنى أَحدهمَا بِلَا إِذن شَرِيكه هَل يرجع على شَرِيكه بشئ؟ اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ: قيل لَا يرجع مُطلقًا، وَهَكَذَا ذكر فِي كتاب الاقضية، وَهَكَذَا ذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث رَحمَه الله تَعَالَى فِي النَّوَازِل عَن أَصْحَابنَا.
وَقيل لَو عريضة على مَا بَينا لَا يرجع لانه غير مُضْطَر فِيهِ، وَإِن كَانَت غير عريضة يرجع.
قلت: لاحدهما أَن يمْتَنع من الْبناء إِذْ لَهُ أَن يقاسم أَرض الْحَائِط نِصْفَيْنِ، وَلَو بنى أَحدهمَا لَا يرجع على شَرِيكه إِذْ لَيْسَ لَهُ أَخذه بِالْبِنَاءِ.
الْوَجْه الثَّانِي: لَو كَانَ على الْحَائِط حمولة بِأَن كَانَ عَلَيْهِ جُذُوع فَهُوَ على وَجْهَيْن: أَحدهمَا وَهُوَ مَا لَو كَانَ لَهما عَلَيْهِ جُذُوع وَطلب أَحدهمَا قسْمَة عَرصَة الْحَائِط لَا يجْبر شَرِيكه عَلَيْهَا إِلَّا عَن ترَاض مِنْهُمَا وَلَو عريضة على مَا بَينا إِذْ تعلق حق كل مِنْهُمَا بِكُل الْعَرْصَةِ وَهُوَ وَضْعُ الْجُذُوعِ عَلَى جَمِيعِ الْحَائِطِ، فَلَو قسمت بِلَا رضَا أَحدهمَا يسْقط عَمَّا حصل لشَرِيكه بِلَا رِضَاهُ وَأَنه لم يجز، فَإِذا أَرَادَ أَحدهمَا الْبناء وأبى الآخر قَالَ ض: لَا يجْبر لَو عريضة.
وَذكر شيخ الاسلام أَنه لَا يجْبر بِلَا تَفْصِيل.
ذكر شح أَنه يجْبر من غير تَفْصِيل، وَبِه يُفْتى.
إِذا فِي عدم الْجَبْر تَعْطِيل حق شَرِيكه إِذْ لَهُ حق وَضْعُ الْجُذُوعِ عَلَى جَمِيعِ الْحَائِطِ.
وَلَوْ بَنَى أَحدهمَا بِدُونِ إِذن شَرِيكه، قيل لَو عريضة على مَا فسرنا لَا يرجع الْبَانِي وَيكون
مُتَطَوعا، وَكَذَا عَن مُحَمَّد وَهُوَ الصَّحِيح، إِذْ للثَّانِي حق وضع الْجُذُوع على جَمِيع الْحَائِط وَلَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِبِنَاء جَمِيع الْحَائِط فَكَانَ مُضْطَرّا فِي الْبناء فَلَا تبرع، كَمَا لَو غير عريضة فبناه أَحدهمَا اهـ.
وَفِي

(8/180)


الْهِنْدِيَّة: هَكَذَا ذكر الْخصاف فِي نفقاته.
وَبَعض مَشَايِخنَا قَالُوا: لَا يكون مُتَطَوعا، وَإِلَيْهِ إشار فِي كتاب الاقضية، وَهَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن سَمَّاعَة فِي نوادره رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ الاصح.
هَكَذَا فِي الْمُحِيط.
قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ أَقُول: مَرَّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ شَرِيكَهُ يُجْبَرُ على الْبناء وَلَا اضطرار فِيمَا يجْبر، وسيجئ تَحْقِيقه فَيَنْبَغِي أَن تكون الْفَتْوَى على أَنه مُتَبَرّع، وَالله تَعَالَى أعلم.
وَإِن كَانَ بناه بِإِذْنِهِ لَيْسَ لَهُ أَن يمنعهُ، لَكِن يرجع عَلَيْهِ بِنصْف مَا أنْفق.
كَذَا فِي فتاوي قاضيخان.
صل: انْهَدم حائطهما وَعَلِيهِ جُذُوع لاحدهما وَطلب رب الْجُذُوع الْبناء من شَرِيكه لَا يجْبر عَلَيْهِ وَيُقَال لَهما إِن شئتما اقْتَسمَا أَرض الْحَائِط، وَلَو شَاءَ رب الْجُذُوع الْبناء وَأَرَادَ الآخر الْقِسْمَة يقسم بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
الْوَجْه الثَّانِي من هَذَا الْوَجْه: لَو لاحدهما عَلَيْهِ حمولة وَطلب هُوَ الْقِسْمَة وَأبي الاخير يجْبر الآبي لَو عريضة كَمَا مر وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَبِهِ يُفْتَى وَلَوْ أَرَادَ ذُو الْحُمُولَةِ الْبِنَاءَ وَأَبَى الْآخَرُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُجْبَرُ لما مر فِيمَا لَهما عَلَيْهِ حمولة.
وَلَو بنى ذُو الحمولة فَحكمه حكم مَالهمَا عَلَيْهِ حمولة فَالصَّحِيح أَنه يرجع لما مر ثمَّة أَنه مُضْطَر.
وَلَو بناه الآخر وعرصة الْحَائِط عريضة كَمَا مر فَهُوَ مُتَبَرّع إِذا لم يضر فِي الْبناء إِذْ لَا يجْبر بِهِ حَقًا لنَفسِهِ، ثمَّ فِي كل مَحل لم يكن الْبَانِي مُتَبَرعا كَمَا لَهُ أَو لَهما عَلَيْهِ حمولة كَانَ للباني مَنْعُ صَاحِبِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ إلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مَا أَنْفَقَ أَوْ قِيمَةَ الْبِنَاءِ عَلَى مَا اخْتلفُوا فِيهِ على مَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فَلَو قَالَ صَاحبه أَنا لَا أتمتع بِالْبِنَاءِ هَل يرجع الْبَانِي؟ قيل لَا يرجع، وَقيل يرجع.
شجي: رب الْعُلُوّ يرجع على رب السّفل بِقِيمَة السّفل مَبْنِيا لَا بِمَا أنْفق.
فض يرجع بِمَا أنْفق فِي السّفل، وَأما فِي الْحَائِط الْمُشْتَرك فَيرجع بِنصْف مَا أنْفق.
وَاسْتحْسن بعض الْمُتَأَخِّرين فَقَالُوا: لَو بنى بِأَمْر القَاضِي يرجع بِمَا أنْفق، وَلَو بنى بِلَا أَمر
القَاضِي رَجَعَ بِقِيمَة الْبناء.
لاحدهما بِنَاء وأبى جَاره أَن يَبْنِي لَا يجْبر قَالَ ت: هُوَ الْقيَاس وَهُوَ قَول عُلَمَائِنَا وَقَالَ بَعضهم: لَا بُد من بِنَاء يكون سترا بَينهمَا وَبِه نَأْخُذ، وَإِنَّمَا قَالَ أَصْحَابنَا إِنَّه لَا يجْبر لانهم كَانُوا فِي زمن الصّلاح، أما فِي زَمَاننَا فَلَا بُد من حاجز بَينهمَا.
جص: جِدَار بَين كرمين لِرجلَيْنِ انْهَدم فاستعدى أَحدهمَا على السُّلْطَان لما أَبى شَرِيكه أَن يَبْنِي فَأمر السُّلْطَان بِنَاء بِرِضا المستعدي أَن يبنيه على أَن يَأْخُذ الاجر مِنْهُمَا فَلهُ أَخذه مِنْهُمَا.
وَقَالَ أَبُو بكر: انْهَدم جِدَار بَينهمَا وَأَحَدهمَا غَائِب فبناه الْحَاضِر فِي ملكه من خشب وَبَقِي مَوضِع الْحَائِط على حَاله ثمَّ قدم الْغَائِب فَأَرَادَ أَن يَبْنِي على طرف الْحَائِط مِمَّا يَلِي جَاره وَيجْعَل ساحة الْحَائِط إِلَى ملكه لَيْسَ لَهُ ذَلِك، وَلَو أَرَادَ أَن يَبْنِي حَائِطا غلظه كالاول أَو يَبْنِي أدق مِنْهُ فِي وسط الاس ويدع الْفضل من أسه مِمَّا يَلِي ملكه لَهُ ذَلِك.
كَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ وَمثله فِي نور الْعين.
لَكِن قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: جِدَار بَين رجلَيْنِ انْهَدم وَأحد الجارين غَائِب فَبنى الْحَاضِر فِي ملكه جدارا من خشب وَترك مَوضِع الْحَائِط على حَاله فَقدم الْغَائِب فَأَرَادَ أَن يَبْنِي الْحَائِط فِي الْموضع الْقَدِيم وَمنعه الآخر.
قَالَ الْفَقِيه أَبُو بكر: إِن أَرَادَ الَّذِي قدم أَن يَبْنِي على مَوضِع طرف الْحَائِط مِمَّا يَلِيهِ جَازَ، وَإِن جعل ساحة أس الْحَائِط إِلَى جَانب نَفسه لَيْسَ لَهُ ذَلِك، وَإِن أَرَادَ أَن يَبْنِي الْحَائِط كَمَا كَانَ

(8/181)


أَو أدق مِنْهُ وَيتْرك الْفضل من الْجَانِبَيْنِ سَوَاء لَهُ ذَلِك.
كَذَا فِي فتاوي قاضيخان فِي الْحِيطَان.
اهـ أَقُول: وَهَذَا أشبه بالقواعد، وَلم يظْهر لي مَا نَقله فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، وَتَبعهُ فِي نور الْعين.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَقَالَ فِي جِدَار بَينهمَا وَلكُل مِنْهُمَا عَلَيْهِ حُمُولَةٌ فَوَهَى الْحَائِطُ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا رَفْعَهُ لِيُصْلِحَهُ وَأَبَى الْآخَرُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مُرِيدُ الْإِصْلَاحِ لِلْآخَرِ ارْفَعْ حُمُولَتَكَ بِأُسْطُوَانَاتٍ وَعُمُدٍ وَيُعْلِمَهُ أَنَّهُ يُرِيد رَفعه فِي وَقت كَذَا وَيشْهد عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ فَعَلَهُ وَإِلَّا فَلَهُ رَفْعُ الْجِدَار، فَلَو سقط حمولته لم يضمن.
فض: حَائِطٌ بَيْنَهُمَا وَهَى وَخِيفَ سُقُوطُهُ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا نَقْضَهُ وَأَبَى الْآخَرُ يُجْبَرُ عَلَى نَقْضِهِ، وَلَوْ
هَدَمَا حَائِطًا بَيْنَهُمَا فَأَبَى أَحَدُهُمَا عَنْ بِنَائِهِ يُجْبَرُ، وَلَوْ انْهَدَمَ لَا يُجْبَرُ وَلَكِنَّهُ يَبْنِي الْآخَرُ فَيَمْنَعُهُ حَتَّى يَأْخُذَ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ لَوْ أَنْفَقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَنِصْفَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ لَو أنْفق بِلَا أَمر القَاضِي انْتهى.
أَقُول: قَوْله لَا يجْبر صَرِيح فِي أَنه لَيْسَ للْآخر مَنعه من الْبناء لَان لَهُ غَرضا فِي وُصُوله إِلَى حَقه، فَلَا يُقَال هُوَ تصرف فِي الْمُشْتَرك فَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يكون يجوز بِدُونِ رضَا الشَّرِيك.
وَأَقُول: قيد بقوله وهى لانه لَو لم يكن كَذَلِك لَا يملك هَدمه وبناءه لانه تصرف فِي الْمُشْتَرك، وَلَا بُد وَأَن يكون معنى قَوْله وَلكنه يبْنى: أَي بِغَيْر النَّقْض الْمُشْتَرك، أما بِهِ لَا لانه تصرف فِي الْمُشْتَرك.
تَأمل رملي.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ برمز ت: قَالَ أَبُو بكر فِي جِدَار بَينهمَا وَبَيت أَحدهمَا أَسْفَل وَبَيت الآخر أَعلَى قدر ذِرَاع أَو ذراعين فانهدم فَقَالَ ذُو الاعلى لذِي الاسفل ابْن لي حذاء أسي ثمَّ نَبْنِي جَمِيعًا لَيْسَ لَهُ ذَلِك، بل يبنيانه جَمِيعًا من أَسْفَله إِلَى أَعْلَاهُ.
قَالَت: وَلَو بَيت أَحدهمَا أَسْفَل بأَرْبعَة أَذْرع أَو نَحْوهَا قدر مَا يُمكن أَن يتَّخذ بَيْتا فإصلاحه على ذِي الاسفل حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى مَحل الْبَيْت الآخر لانه كحائطين سفل وعلو، وَقيل: يبنيان الْكل.
قَالَ أَبُو الْقَاسِم: فِي حَائِط بَينهمَا عَلَيْهِ لاحدهما غرفَة وَللْآخر سقف بَيت فهدما الْحَائِط من أَسْفَله ورفعا أَعْلَاهُ بأساطين ثمَّ اتفقَا حَتَّى يبنيا فَلَمَّا بلغ الْبناء مَوضِع سقف هَذَا أَبى رب السّقف أَن يَبْنِي بعمده لَا يجْبر أَن ينْفق فِيمَا جاوزه.
وَقَالَ: حَائِط بَينهمَا انْهَدم جَانب مِنْهُ فَظهر أَنه ذُو طاقين متلاصقين فَأَرَادَ أَحدهمَا رفع جِدَاره وَزعم أَن الْجِدَار الْبَاقِي يَكْفِي للْآخر ستْرَة بَينهمَا وَزعم الآخر أَن جِدَاره لَو بَقِي ذَا طاق يهي وينهدم، فَلَو سبق مِنْهُمَا إِقْرَار أَن الْحَائِط بَينهمَا قبل أَن يتَبَيَّن أَنه حائطان فكلاهما بَينهمَا، وَلَيْسَ لاحدهما أَن يحدث فِي ذَلِك شَيْئا إِلَّا بِإِذن الآخر، وَلَو أقرّ أَن كل حَائِط لصَاحبه فَلِكُل مِنْهُمَا أَن يحدث فِيهِ مَا أحب.
قاضيخان.
حَائِط بَين رجلَيْنِ انْهَدم فبناه أَحدهمَا عِنْد غيبَة شَرِيكه.
قَالَ أَبُو الْقَاسِم: إِن بناه ينْقض الْحَائِط الاول فَهُوَ مُتَبَرّع وَلَا يكون لَهُ أَن يمْنَع شَرِيكه من الْحمل عَلَيْهِ، وَإِن بناه بِلَبن أَو خشب من قبل نَفسه فَلَيْسَ للشَّرِيك أَن يحمل على الْحَائِط حَتَّى يُؤَدِّي نصف قيمَة الْحَائِط.
أَرَادَ أَحدهمَا نقض جِدَار مُشْتَرك وأبى الآخر فَقَالَ لَهُ صَاحبه أَنا أضمن لَك كل شئ ينهدم لَك من بَيْتك وَضمن ثمَّ نقض الْجِدَار بِإِذن شَرِيكه فانهدم من منزل الْمَضْمُون لَهُ شئ لَا يلْزمه ضَمَان ذَلِك، وَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا لَو قَالَ رجل لآخر ضمنت لَك مَا يهْلك من مَالك لَا يلْزمه شئ.
خُلَاصَة.

(8/182)


حَائِطٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ لَهُمَا عَلَيْهِ خَشَبٌ فَبَنَى أَحدهمَا للباني أَن يمْنَع الآخر من وضع الْخشب على الْحَائِط حَتَّى يُعْطِيهِ نصف الْبناء مَبْنِيا.
وَفِي الاقضية: حَائِط بَين اثْنَيْنِ أَرَادَ أَحدهمَا نقضه وأبى الآخر: لَو بِحَال لَا يخَاف سُقُوطه لَا يجْبر، وَلَو يخَاف فَعَن الفضلي أَنه يجْبر، فَإِن هدما وَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يَبْنِي وأبى الآخر لَو أس الْحَائِط عريضا يُمكنهُ بِنَاء حَائِطه فِي نصِيبه بعد الْقِسْمَة لَا يجْبر الشَّرِيك، وَلَو لم يُمكن يجْبر، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.
وَتَفْسِير الْجَبْر أَنه إِن لم يُوَافقهُ الشَّرِيك فَهُوَ ينْفق على الْعِمَارَة، وَيرجع على الشَّرِيك بِنصْف مَا أنْفق لَو أس الْحَائِط لَا يقبل الْقِسْمَة.
وَفِي فَتَاوَى الفضلي: وَلَو هدماه وأبى أَحدهمَا عَن الْبناء يجْبر، وَلَو انْهَدم لَا يجْبر، وَلَكِن يمْنَع من الِانْتِفَاع بِهِ مَا لم يسْتَوْف نصف مَا أنْفق فِيهِ مِنْهُ إِن فعل ذَلِك بِقَضَاء القَاضِي، وَلَو بِغَيْر قَضَاء فَنصف قيمَة الْبناء، وَإِن انْهَدم أَو خيف وُقُوعه فهدم أَحدهمَا لَا يجْبر الآخر على الْبناء.
وَلَو كَانَ الْحَائِط صَحِيحا فهدمه أَحدهمَا بِإِذن الآخر لَا شكّ أَنه يجْبر الهادم على الْبناء إِن أَرَادَ الآخر الْبناء كَمَا لَو هدماه.
وَعَن ابْن أبي سَلمَة: لَو لَهما عَلَيْهِ حمولة وانهدم وأبى الآخر الْعِمَارَة فَبنى أَحدهمَا يمْنَع الآخر من وضع الحمولة حَتَّى يُؤَدِّي نصف مَا أنْفق، وَإِن لم يكن عَلَيْهِ حمولة لَا يجْبر على الْعِمَارَة وَلَا يرجع بشئ لانه بِمَنْزِلَة الستارة، وَهَذَا كُله إِذا أنْفق فِي الْعِمَارَة بِغَيْر إِذن صَاحبه، فَلَو بِإِذْنِهِ أَو بِأَمْر الْحَاكِم يرجع عَلَيْهِ بِنصْف مَا أنْفق.
وَفِي الْبناء الْمُشْتَرك: لَو أَحدهمَا غَائِبا فهدم الآخر بِإِذن القَاضِي أَو بِلَا إِذْنه لَكِن بنى بِإِذن القَاضِي فَهُوَ كإذن شَرِيكه لَو حَاضرا فَيرجع عَلَيْهِ بِمَا أنْفق لَو حضر.
كَذَا فِي نور الْعين.
أَقُول: أما قَوْله وَإِن لم يكن عَلَيْهِ حمولة لَا يجْبر الخ هَذَا على جَوَاب الْمُتَقَدِّمين.
وَأما على مَا
اخْتَارَهُ الْمُتَأَخّرُونَ من أَنه إِذا كَانَ لَهُ حرم فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا لَو كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حمولة، فَتَأمل وراجع.

قَوْله: (فَلَا يسْقط بإبراء) أَي عَن رفع الْجُذُوع، لَان الابراء لَا يكون فِي الاعيان بل عَمَّا فِي الذِّمَّة.

قَوْله: (وَلَا صلح) بشئ عَن الْوَضع لجَهَالَة مُدَّة الْوَضع.

قَوْله: (وَبيع) أَي إِذا بَاعَ الْوَاضِع أَو الْمَوْضُوع على حَائِط دَاره فَلِلْمُشْتَرِي حق الْمُطَالبَة بِالرَّفْع.
وَذكر الْحَمَوِيّ أَن المُرَاد بِالْبيعِ بيع الْحَائِط الْمَوْضُوع عَلَيْهِ الْجُذُوع وإجارتها.

قَوْله: (وَإِجَارَة) أَي إِذا آجر دَاره مِنْهُ لَا تسْقط الْمُطَالبَة بِالرَّفْع بالاجارة.

قَوْلُهُ: (أَشْبَاهٍ مِنْ أَحْكَامِ السَّاقِطِ لَا يَعُودُ) صَوَابه: لَا يقبل الاسقاط من الْحُقُوق وَمَا لَا يقبله وَهُوَ قبله، وَلذَا قَالَ ط: وَلم أَقف عَلَيْهِ.
وَسَيَأْتِي للشَّارِح فِي الْعَارِية عَن الاشباه تَلْزَمُ الْعَارِيَّةُ فِيمَا إذَا اسْتَعَارَ جِدَارَ غَيْرِهِ لِوَضْعِ جُذُوعِهِ فَوَضَعَهَا ثُمَّ بَاعَ الْمُعِيرُ الْجِدَارَ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي رَفْعُهَا، وَقِيلَ نَعَمْ إلَّا إذَا شَرَطَهُ وَقْتَ الْبَيْعِ.
قُلْت: وَبِالْقِيلِ جَزَمَ فِي الْخُلَاصَة وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهمَا، وَكَذَا قاضيخان مِنْ بَابِ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا من الْفَصْل الاول، وَمثله فِي الاشباه من الْعَارِية، لَكِن فِيهِ أَن الشَّرْط إِذا كَانَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعقل لَا يلائمه وَفِيه نفع لَاحَدَّ الْمُتَعَاقدين أَو لآخر من أهل الِاسْتِحْقَاق وَلم يتعارف بَين النَّاس يفْسد البيع،

(8/183)


فَلَو كَانَ متعارفا كَبيع نعل على أَنه يحذوه البَائِع فَالْبيع صَحِيح للْعُرْف.
تَأمل.

قَوْله: (وَذُو بَيت) يَعْنِي إِذا كَانَ بَيت من دَار فِيهَا بيُوت كَثِيرَة فِي يَد رجل والبيوت الْبَاقِيَة فِي يَد آخر.

قَوْله: (فِي حق ساحتها) بِالْحَاء الْمُهْملَة هِيَ عَرصَة فِي الدَّار أَو بَين يَديهَا.
قَالَ فِي شرح الطَّحَاوِيّ: وَلَو كَانَ الْعُلُوّ فِي يَد أَحدهمَا والسفل فِي يَد آخر والساحة فِي أَيْدِيهِمَا وَلم يكن لَهما بَيِّنَة وحلفا وكل مِنْهُمَا يَدعِي الْجَمِيع يتْرك السّفل فِي يَد صَاحبه والعلو كَذَلِك والساحة لصَاحب السّفل، وَلِصَاحِب الْعُلُوّ حق الْمُرُور فِي رِوَايَة، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى الساحة بَينهمَا نِصْفَانِ.
اهـ.

قَوْله: (فَهِيَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ) لانهما اسْتَويَا فِي اسْتِعْمَال الساحة فِي الْمُرُور وَوضع الامتعة وَكسر الْحَطب وَنَحْو ذَلِك وَلم تكن فِي يَد أَحدهمَا دون الآخر وهما فِي ذَلِك سَوَاء فتنصف بَينهمَا كالطريق، لَان التَّرْجِيح بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكَثْرَةِ.
قَالَ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود: وَاعْلَم أَن الْقِسْمَة على الرؤوس: فِي السَّاحَةِ وَالشُّفْعَةِ وَأُجْرَةِ الْقَسَّامِ وَالنَّوَائِبِ: أَيْ الْهَوَائِيَّةَ الْمَأْخُوذَةَ ظُلْمًا وَالْعَاقِلَةِ وَمَا يُرْمَى مِنْ الْمركب خوف الْغَرق والحريق اهـ.

قَوْله: (كالطريق) فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِيهَا صَاحب الْبَيْت وَصَاحب الْمنزل وَصَاحب الدَّار.
اتَّقَانِي.
وَصَاحب بَيت وَصَاحب بيُوت.
قَالَ فِي الْقنية: الطَّرِيق يقسم على عدد الرؤوس، لَا بِقدر ساحة الْأَمْلَاكِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُ الْأَنْصِبَاءِ، وَفِي الشُّرْبِ مَتَى جَهِلَ قَدْرَ الْأَنْصِبَاءِ يُقْسَمُ عَلَى قدر الاملاك لَا الرؤوس اهـ.
وَاعْترض بِأَن الْبيُوت الْكَثِيرَة تجمع عَادَة جمعا كثيرا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَيْت الْوَاحِد فَيكون احتياجهم إِلَى نَحْو التوضي أَكثر وقوعا فَيَنْبَغِي أَن يرجح صَاحبهَا وَلَا أقل أَن يُسَاوِي.
أَقُول: الْمَسْأَلَة من مسَائِل الْجَامِع الصَّغِير، والمجتهد لَيْسَ بغافل عَن مثل هَذِه الملاحظة، فاللازم علينا أَن نلاحظ وَجه الاستنباط وَذَا هُنَا أَنه ثَبت فِي أصولهم أَن التَّرْجِيح لَا يَقع بِكَثْرَة الْعِلَل فتفرع عَلَيْهِ مسَائِل جمة: مِنْهَا هَذِه الْمَسْأَلَة، وَمِنْهَا مَسْأَلَة أَنه لَا يرجح صَاحب الْجِرَاحَات على صَاحب جِرَاحَة وَاحِدَة، فَإِنَّهُ إِذا مَاتَ الْمَجْرُوح يجب الْقصاص عَلَيْهِمَا فِي الْعمد وَالدية نِصْفَيْنِ فِي الْخَطَأ حَيْثُ لم يعتبروا عدد الْجِرَاحَات مَعَ إِمْكَان اعْتِبَار تَقْسِيم الدِّيَة عَلَيْهَا، فَكَذَا لم يعتبروا تعدد الْبيُوت فِي تَقْسِيم الساحة عَلَيْهَا فضلا أَن يرجح صَاحبهَا وَيحكم بِكُل الساحة لَهُ سوى حق الْمُرُور لصَاحب الْبَيْت.
تدبر.

قَوْله: (بِخِلَاف الشّرْب) لَان الشّرْب يحْتَاج إِلَيْهِ لاجل سقِِي الارض، فَعِنْدَ كَثْرَة الاراضي تكْثر الْحَاجة إِلَيْهِ فَيقدر بِقدر الاراضي منح.
وَفِي الثَّالِث عشر من الْبَزَّازِيَّة: دَارٌ فِيهَا عَشَرَةُ أَبْيَاتٍ لِرَجُلٍ وَبَيْتٌ وَاحِدٌ لِرَجُلٍ تَنَازَعَا فِي السَّاحَةِ أَوْ ثَوْبٌ فِي يَدِ رَجُلٍ وَطَرَفٌ مِنْهُ فِي يَدِ آخَرَ تَنَازَعَا فِيهِ فَذَلِكَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِفضل الْيَد، كَمَا لَا اعْتِبَار لفضل الشُّهُود لبُطْلَان التَّرْجِيح بِكَثْرَة الادلة.
اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ جُهِلَ أَصْلُ الْمِلْكِ، أَمَّا لَوْ عُلِمَ كَمَا لَوْ كَانَتْ الدَّارُ الْمَذْكُورَةُ كُلُّهَا لِرَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ عَنْ أَوْلَادٍ تَقَاسَمُوا الْبُيُوتَ مِنْهَا فَالسَّاحَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قدر الْبيُوت.

قَوْله: (يقدر بالارض بِقَدْرِ سَقْيِهَا) فَعِنْدَ كَثْرَةِ الْأَرَاضِي تَكْثُرُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْأَرَاضِي.
بِخِلَافِ الِانْتِفَاعِ بِالسَّاحَةِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْلَاكِ كَالْمُرُورِ

(8/184)


فِي الطَّرِيق.
زَيْلَعِيّ.

قَوْله: (برهنا أَي الخارجان الخ) أَي إِن لكل يَد فِيهَا، وَلَعَلَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا لانهما فِي حَالَة الدَّعْوَى خارجان، وَعبارَة الشَّارِح هُنَا تبع فِيهَا الدُّرَر والمنح.
وَعبارَة الزَّيْلَعِيّ كَغَيْرِهَا تفِيد أَنَّهُمَا ذُو أيد.
وَفِي الْفُصُولَيْنِ خَ: ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَهُ وَفِي يَدِهِ: ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا فَالْيَمِينُ، إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُقِرٌّ بِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ عَلَيْهِ لَمَّا ادَّعَى الْيَدَ لِنَفْسِهِ، فَلَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا حُكِمَ لَهُ بِالْيَدِ وَيَصِيرُ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَالْآخَرُ مُدَّعِيًا، وَلَوْ بَرْهَنَا يُجْعَلُ الْمُدَّعِي فِي يَدِهِمَا لِتَسَاوِيهِمَا فِي إثْبَاتِ الْيَدِ.
وَفِي دَعْوَى الْمِلْكِ فِي الْعَقَارِ لَا تُسْمَعُ إلَّا عَلَى ذِي الْيَدِ، وَدَعْوَى الْيَدِ تُقْبَلُ عَلَى غَيْر ذِي الْيَدِ لَوْ نَازَعَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ فِي الْيَدِ فَيُجْعَلُ مُدَّعِيًا لِلْيَدِ مَقْصُودا ومدعيا للْملك تبعا اهـ.
وَفِي الْكِفَايَةِ: وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ: فَإِنْ طَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينَ صَاحِبِهِ مَا هِيَ فِي يَدِهِ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا هِيَ فِي يَد صَاحبه على الْبَتَات فَإِن حلفا لَمْ يُقْضَ بِالْيَدِ لَهُمَا وَبَرِئَ كُلٌّ عَنْ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَتُوقَفُ الدَّارُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْحَال، فَإِنْ نَكَلَا قُضِيَ لِكُلٍّ بِالنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِكُلِّهَا لِلْحَالِفِ نِصْفُهَا الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ وَنِصْفُهَا الَّذِي كَانَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ بِنُكُولِهِ، وَإِن كَانَت الدَّارُ فِي يَدِ ثَالِثٍ لَمْ تُنْزَعْ مِنْ يَدِهِ لِأَنَّ نُكُولَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الثَّالِث اهـ.
فَعُلِمَ أَنَّ الْخَارِجَيْنِ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ.

قَوْله: (قضى بيدهما فتنصف) لَان الْيَد فِيهَا غير مُشَاهدَة لتعذر إحضارها وَالْبَيِّنَة تثبت مَا غَابَ عَن علم القَاضِي.
دُرَر.
وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن الْيَد لَا تثبت فِي الْعقار بالتصادق وَكَذَا بِالنّكُولِ عَن الْيَمين لاحْتِمَال أَنَّهَا فِي يَد غَيرهمَا.
وَإِن ادّعَيَا أَنَّهَا فِي يَد أَحدهمَا فَكَذَلِك لانهما يُمكن أَنَّهُمَا تواضعا على ذَلِك ط.
وَأَشَارَ إِلَى أَنه لَو طلبا الْقسم لم يقسم بَينهمَا مَا لم يبرهنا على الْملك.
قيل هَذَا بالِاتِّفَاقِ، وَقيل هَذَا عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى.
وَعِنْدَهُمَا: يقسم بَينهمَا كَمَا فِي الشُّرُوح.

قَوْله: (بِأَن لبن أَو بنى) وَلبن بتَشْديد الْبَاء: أَي ضرب فِيهَا الْبَنَّا وَهُوَ الطوب النئ، بِخِلَاف المشوي فَإِنَّهُ آجر.

قَوْله: (قضى بِيَدِهِ لوُجُود تصرفه) لَان التَّمَكُّن من هَذِه الاشياء دَلِيل على أَنَّهَا فِي يَده، وَمحل ذَلِك إِذا لم يقم الآخر برهانا كَمَا لَا يخفى زَيْلَعِيّ.

قَوْله: (لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي زَمَانٍ يُحْكَمُ
بِبَقَائِهِ) فشهادتهم تثبت الْملك فِي الْحَال والماضي.

قَوْله: (فَالْقَوْل لَهُ) فَلَا تقبل دَعْوَى أحد عَلَيْهِ أَنه عَبده عِنْد إِنْكَاره إِلَّا بِبَيِّنَة.
اهـ.
دُرَر وَهَذَا لَان الاصل أَن يكون لكل إِنْسَان يَد فِي نَفسه إبانة لِمَعْنى الْكَرَامَة، إِذْ كَونه فِي يَد غَيره دَلِيل الاهانة وَمَعَ قيام يَده على نَفسه لَا تثبت يَد الْغَيْر عَلَيْهِ للتنافي بَين الْيَدَيْنِ.
حموي.

قَوْله: (قضى بِهِ لذِي الْيَد) لَا يُقَالُ: الْإِقْرَارُ بِالرِّقِّ مِنْ الْمَضَارِّ فَلَا يُعْتَبَرُ مِنْ الصَّبِيِّ.
لِأَنَّا نَقُولُ: لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِهِ بَلْ بِدَعْوَى ذِي الْيَدِ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِنْ الْمَضَارِّ لِإِمْكَانِ التَّدَارُكِ بَعْدَهُ بِدَعْوَى الْحُرِّيَّةِ.
وَلَا يُقَالُ: الْأَصْلُ فِي الْآدَمِيِّ الْحُرِّيَّةُ فَلَا تُقْبَلُ الدَّعْوَى بِلَا بَيِّنَةٍ، وَكَوْنُهُ فِي يَدِهِ لَا يُوجِبُ قَبُولَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ كاللقيط لَا يقبل قَوْله الْمُلْتَقِطِ إنَّهُ عَبْدُهُ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ.
لِأَنَّا نَقُولُ: إذَا

(8/185)


اعْترض على الاصل دَلِيل خِلَافه بَطَلَ وَثُبُوتُ الْيَدِ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّقِيطَ إذَا عَبَّرَ عَنْ نَفْسِهِ وَأَقَرَّ بِالرِّقِّ يُخَالِفُهُ فِي الْحُكْمِ وَإِنْ لَمْ يُعَبِّرْ فَلَيْسَ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لانه أَمِين.
زَيْلَعِيّ مُلَخصا.
حموي.

قَوْله: (كمن لَا يعبر عَن نَفسه) مَفْهُوم من يعبر.

قَوْله: (لاقراره بِعَدَمِ يَده) حَيْثُ أقرّ على نَفسه بِالْملكِ وَثبتت رقيته بِدَعْوَى ذِي الْيَد الخالية عَن الْمعَارض لَا بِإِقْرَارِهِ فَكَانَ ملكا لمن فِي يَده كالقماش وَمن لَا يعبر بِمَنْزِلَة الْمَتَاع فَلَا يقبل قَوْله أَنا حر، لَكِن هُنَا بعد أَن صرح بِأَنَّهُ عبد فلَان فَيكون مقرا بِمَا للْغَيْر فَلَا يسري إِقْرَاره عَلَيْهِ: أَي على الْغَيْر، بِخِلَاف مَا إِذا لم يكن بيد أحد حَيْثُ يَصح إِقْرَاره لانه حِينَئِذٍ فِي يَد نَفسه.
تَأمل.

قَوْله: (لَا يمْنَع صِحَة الدَّعْوَى) لَا سِيمَا وَقد صدر الاقرار الاول حَال عدم التَّكْلِيف.
فروع رحى مَاء بَينهمَا فِي بَيت لَهما فخربت كلهَا حَتَّى صَارَت صحراء لم يجبرا على الْعِمَارَة وتقسم الارض بَينهمَا: أَي بطلبهما أَو بِطَلَب أَحدهمَا، وَلَو قَائِمَة ببنائها وأدواتها إِلَّا أَنه ذهب شئ مِنْهَا يجْبر الشَّرِيك على أَن يعمر مَعَ الآخر وَلَو مُعسرا قيل لشَرِيكه أنْفق أَنْت لَو شِئْت فَيكون نصفه دينا على شريكك وَكَذَا الْحمام لَو صَار صحراء تقسم الارض بَينهمَا، وَلَو تلف شئ مِنْهُ يجْبر الآبي على عِمَارَته.
ن عَن م: فِي حمام بَينهمَا انْهَدم بَيت مِنْهُ أَو احْتَاجَ إِلَى قدر وَمَرَمَّة وأبى أَحدهمَا لَا يجْبر وَيُقَال
للْآخر إِن شِئْت فابنه أَنْت وَخذ من غَلَّته نَفَقَتك ثمَّ تستويان.
ط عَن بعض الْمُتَأَخِّرين: لَو أَبى أَحدهمَا فَالْقَاضِي يخرج الْحمام من أَيْدِيهِمَا ويؤجره ثمَّ يعمره فَيَأْخُذ نَفَقَته من أجرته.
كَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ.
وَفِي الْخَانِية من بَاب الْحِيطَان: دَار بَين رجلَيْنِ انْهَدَمت أَو بَيت بَين رجلَيْنِ انْهَدم فبناه أَحدهمَا لَا يرجع هُوَ على شَرِيكه بشئ لَان الدَّار تحْتَمل الْقِسْمَة، فَإِذا أمكنه أَن يقسم يكون مُتَبَرعا فِي الْبناء وَالْبَيْت، كَذَلِك إِذا كَانَ كَبِيرا يحْتَمل الْقِسْمَة، وَكَذَلِكَ الْحمام إِذا خرب وَصَارَ ساحة، وَكَذَلِكَ الْبِئْر أَرَادَ بِهِ إِذا امتلات من الحمأة فَلهُ أَن يُطَالب شَرِيكه بِالْبِنَاءِ، فَإِذا لم يُطَالِبهُ وَأَصْلَحهَا وفرغها كَانَ مُتَبَرعا اهـ.
ومفاد هَذَا أَن الدَّار لَو كَانَت صَغِيرَة لَا تمكن قسمتهَا أَنه لَا يكون مُتَبَرعا لانه حِينَئِذٍ يكون مُضْطَرّا إِلَى الْبناء ليتوصل إِلَى الِانْتِفَاع بِملكه، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت كَبِيرَة لانه يُمكنهُ أَن يقسم حِصَّته مِنْهَا ثمَّ يَبْنِي فِي حِصَّته، فَإِذا بنى قبل الْقِسْمَة لم يكن مُضْطَرّا فَيكون مُتَبَرعا، وَلذَا قيد الْحمام بِمَا إِذا خرب وَصَارَ ساحة لانه حِينَئِذٍ تمكن قسمته فَإِذا لم يقسم يكون مُتَبَرعا، لَكِن فِي الْبِئْر يَنْبَغِي أَن لَا يكون مُتَبَرعا لكَونه مِمَّا لَا يقسم، لَكِن أَشَارَ صَاحب الْخَانِية إِلَى الْفرق بِأَن لَهُ أَن يُطَالب شَرِيكه بِالْبِنَاءِ: أَي فَيجْبر شَرِيكه عَلَيْهِ كَمَا صرح بِهِ غَيره.
مطلب: الاصل أَن مَا اضْطر إِلَى بنائِهِ مِمَّا لَا يقسم لَا يكون مُتَبَرعا وَإِذا أجبر لم يكن الآخر مُضْطَرّا فَصَارَ الاصل أَن مَا اضْطر إِلَى بنائِهِ بِأَن كَانَ مِمَّا لَا يقسم أَو مِمَّا لَا يجْبر الشَّرِيك على بنائِهِ فبناه أَحدهمَا لم يكن مُتَبَرعا، وَإِلَّا فَهُوَ مُتَبَرّع، لَكِن اسْتشْكل هَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ بِأَن من لَهُ حمولة على حَائِط لَو بنى الْحَائِط يرجع لانه مُضْطَر إِذْ لَا يتَوَصَّل إِلَى حَقه إِلَّا بِهِ مَعَ أَن الشَّرِيك يجْبر أَيْضا كالبئر فَيَنْبَغِي أَن يتحد حكمهمَا.

(8/186)


مطلب: التَّبَرُّع وَالرُّجُوع دائر على الْجَبْر وَعَدَمه ثمَّ قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الِاضْطِرَارَ يَثْبُتُ فِيمَا لَا يجْبر صَاحبه كَمَا سيجئ، فَيَنْبَغِي أَن يَدُور التَّبَرُّع وَالرُّجُوع على الْجَبْر وَعَدَمه، إِلَى أَن قَالَ: وَهَذَا يخلصك من التحير بِمَا وَقع فِي هَذَا الْبَاب من
الِاضْطِرَاب، ويرشدك إِلَى الصَّوَاب اهـ.
لَكِن عبارَة الْخُلَاصَة الَّتِي ذكرهَا الْمُؤلف تدل على أَن للْقَاضِي أَن يَأْمُرهُ بِبِنَاء الدَّار، فَإِن كَانَ كَذَلِك لم يكن مُضْطَرّا إِلَى الْبناء أَبى شَرِيكه لانه يُمكنهُ اسْتِئْذَان القَاضِي.
وَقد يُجَاب بِأَن للْقَاضِي ذَلِك إِذا كَانَ الشَّرِيك غَائِبا مثلا لانه حِينَئِذٍ لَا يُمكن طلب الْبناء مِنْهُ وَلَا الْقِسْمَة مَعَه.
فَالْحَاصِل: أَنه إِذا كَانَت الدَّار تحْتَمل الْقِسْمَة، فَإِن أذن لَهُ شَرِيكه بنى، وَإِلَّا قسمهَا جبرا عَلَيْهِ ثمَّ بنى فِي حِصَّته، فَإِن لم يكن اسْتِئْذَانه يبْنى بِإِذن القَاضِي، وَفِيمَا عدا ذَلِك فَهُوَ مُتَطَوّع.
وَذكر سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب الْقِسْمَة من تنقيحه أَن فِي غير مُحْتَمل الْقِسْمَة للطَّالِب أَن يَبْنِي ثمَّ يُؤجر ثمَّ يَأْخُذ نصف مَا أنْفق فِي الْبناء من الْغلَّة.
وَذكر هُنَاكَ عَن الاشباه أَنه يرجع بِمَا أنْفق لَو بنى بِأَمْر قَاض إِلَّا فبقيمة الْبناء وَقت الْبناء اهـ.
وَهَذَا هُوَ الْمُحَرر كَمَا قَالَ فِي الْوَهْبَانِيَّة، لَكِن هَذَا التَّفْصِيل إِنَّمَا ذَكرُوهُ فِي السّفل إِذا انْهَدم، وَعبارَة الاشباه مُطلقَة.
وَالَّذِي يظْهر الاطلاق إِذْ لَا فرق يظْهر، فَيجْرِي ذَلِك فِي كل مَا يضْطَر فِيهِ أَحدهمَا إِلَى الْبناء كالسفل والجدار والرحى وَالْحمام وَالْبَيْت وَالدَّار الصَّغِيرَة وَالله تَعَالَى أعلم.
وَفِي الْهِنْدِيَّة: لَو ادّعى على آخر حق الْمُرُور ورقبة الطَّرِيق فِي دَاره فَالْقَوْل قَول صَاحب الدَّار، وَلَو أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة أَنه كَانَ يمر فِي هَذِه الدَّار لم يسْتَحق بِهَذَا شَيْئا.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
وَلَو شهد الشُّهُود أَن لَهُ طَرِيقا فِي هَذِه الدَّار جَازَت شَهَادَتهم وَإِن لم يَجدوا الطَّرِيق وَهُوَ الصَّحِيح كَمَا فِي الْخَانِية وَالْمُحِيط، لَكِن فِي الْمُحِيط عبر بالاصح إِذا كَانَ لَهُ بَاب مَفْتُوح من دَاره على حَائِط فِي زقاق أنكر أهل الزقاق أَن يكون لَهُ حق الْمُرُور فِي زقاقهم فَلهم مَنعه، إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة على أَن لَهُ طَرِيقا ثَابتا فِيهَا.
كَذَا فِي الْمُحِيط.
إِذا كَانَ الْمِيزَاب مَنْصُوبًا إِلَى دَار رجل وَاخْتلفَا فِي حق إِجْرَاء المَاء وإسالته، فَإِن كَانَ فِي حَال عدم جَرَيَان المَاء لَا يسْتَحق إِجْرَاء المَاء وإسالته إِلَّا بِبَيِّنَة.
هَكَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ.
وَلَيْسَ لصَاحب الدَّار أَيْضا أَن يقطع الْمِيزَاب.
كَذَا فِي الْمُحِيط.
وَحكى الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث رَحمَه الله تَعَالَى أَنهم استحسنوا أَن الْمِيزَاب إِذا كَانَ قَدِيما وَكَانَ تصويب
السَّطْح إِلَى دَاره وَعلم أَن التصويب قديم وَلَيْسَ بمحدث أَن يَجْعَل لَهُ حق التسييل، وَإِن اخْتلفَا فِي حَال جَرَيَان المَاء، قيل القَوْل لصَاحب الْمِيزَاب وَيسْتَحق إِجْرَاء المَاء، وَقيل لَا يسْتَحق، فَإِن أَقَامَ الْبَيِّنَة على أَن لَهُ حق المسيل وبينوا أَنه لماء الْمَطَر من هَذَا الْمِيزَاب فَهُوَ لماء الْمَطَر، وَلَيْسَ لَهُ أَن يسيل مَاء الِاغْتِسَال وَالْوُضُوء فِيهِ، وَإِن بينوا أَنه لماء الِاغْتِسَال وَالْوُضُوء فَهُوَ كَذَلِك، وَلَيْسَ لَهُ أَن يسيل مَاء الْمَطَر فِيهِ، وَإِن قَالُوا لَهُ فِيهَا حق مسيل مَاء وَلم يبنوا أَنه لماء الْمَطَر أَو غَيره صَحَّ، وَالْقَوْل لرب الدَّار مَعَ يَمِينه أَنه لما الْمَطَر أَو لماء الْوضُوء والغسالة.
وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا: لَا تقبل هَذِه الشَّهَادَة فِي المسيل، وَفِي الطَّرِيق تقبل.
كَذَا فِي الْمُحِيط.
وَلَو لم تكن للْمُدَّعِي بَيِّنَة أصلا اسْتحْلف صَاحب الدَّار وَيَقْضِي فِيهِ بِالنّكُولِ.
كَذَا فِي الْحَاوِي.

(8/187)


رجل لَهُ قناة خَالِصَة عَلَيْهَا أَشجَار لقوم أَرَادَ صَاحب الْقَنَاة أَن يصرف قناته من هَذَا النَّهر ويحفر لَهُ موضعا آخر لَيْسَ لَهُ ذَلِك، وَلَو بَاعَ صَاحب الْقَنَاة الْقَنَاة كَانَ لصَاحب الشَّجَرَة شُفْعَة جوَار، كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة فِي الْفَصْل الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ اهـ.
وَالله تَعَالَى أعلم وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم.