قره عين الأخيار لتكملة رد المحتار علي «الدر المختار شرح تنوير الأبصار»

بَاب دَعْوَى النّسَب
حَقه التَّقْدِيم بِالنّظرِ إِلَى أَنه دَعْوَى الانفس، إِلَّا أَن دَعْوَى المَال لما كَانَت كَثِيرَة الْوُقُوع والانواع قدمهَا اهتماما.
والدعوة إِلَى الطَّعَام بِالْفَتْح، وَفِي النّسَب بِالْكَسْرِ، وَقد يعكس، وَأما بِالْحَرْبِ فبالضم: نِهَايَة.

قَوْله: (الدعْوَة نَوْعَانِ) زَاد أَبُو السُّعُود ثَالِثَة، وَهِي دَعْوَى شُبْهَة، وَهِي دَعْوَة الاب ولد أمة ابْنه فَيثبت مِنْهُ النّسَب وَإِن لم يصدقهُ ابْنه بِشَرْط أَن تكون الامة فِي ملك ابْنه من حِين الْعلُوق إِلَى حِين الدعْوَة.

قَوْله: (وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِ الْمُدَّعِي) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، كَمَا إذَا وطئ جَارِيَة ابْنه فَولدت فَادَّعَاهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مِلْكُهُ فِيهَا وَيَثْبُتُ عِتْقُ الْوَلَدِ وَيضمن قيمتهَا لوَلَده كَمَا تقدم، وَحِينَئِذٍ فَيكون النَّوْع الثَّانِي على قسمَيْنِ: دَعْوَة الْملك، ودعوة شُبْهَة الْملك، فَتبقى الدعْوَة نَوْعَيْنِ لَا ثَلَاثَة، لَكِن الاتقاني جعلهَا ثَلَاثَة كَمَا قدمْنَاهُ عَن أبي السُّعُود.

قَوْله: (وَهُوَ بِخِلَافِهِ) بِأَن لَا يكون الْعلُوق فِي ملك الْمُدَّعِي.

قَوْله: (واستنادها لوقت الْعلُوق) عَطْفُ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ.
قَالَ فِي الدُّرَرِ:
والاولى أولى لانها أسبق لاستنادها.
حَلَبِيّ وَأَنت بِاعْتِبَار الْمَعْنى.

قَوْله: (مبيعة) وَلَو بيعا بِخِيَار للْبَائِع أَو المُشْتَرِي أَو لَهما إِلَى وَقت الْولادَة.
حموي.
وَالظَّاهِر أَنه على قَوْلهمَا، وَإِلَّا فمدة الْخِيَار عِنْده ثَلَاثَة أَيَّام ط.

قَوْله: (ولدت لاقل مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) أَفَادَ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْمدَّة، وَإِلَّا فَفِي التاترخانية عَنْ الْكَافِي: قَالَ الْبَائِعُ بِعْتهَا مِنْكَ مُنْذُ شَهْرٍ وَالْوَلَدُ مِنِّي وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتَهَا مِنِّي لاكثر من سِتَّة أشهر وَالْوَلَدُ لَيْسَ مِنْك فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلْبَائِعِ، وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ.

قَوْله: (وَلَو تنَازعا الخ) وَقُيِّدَ بِدَعْوَى الْبَائِعِ، إذْ لَوْ ادَّعَاهُ ابْنُهُ وَكذبه المُشْتَرِي صدقه البَائِع أَو لَا فدعوته بَاطِلَة وَتَمَامه فِيهَا.

قَوْله: (فَادَّعَاهُ البَائِع) أَي وَلَو أَكثر من وَاحِد.
قُهُسْتَانِيّ.
والاداء بِالْفَاءِ يُفِيد أَنَّ دَعْوَتَهُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ مَوْقُوفَةٌ، فَإِنْ وَلَدَتْ حَيًّا ثَبَتَ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ كَانَتْ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَشَرَاهَا أَحَدُهُمْ فَوَلَدَتْ فَادَّعَوْهُ جَمِيعًا ثَبَتَ مِنْهُمْ عِنْدَهُ وَخَصَّاهُ بِاثْنَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي النَّظْمِ، وَبِالْإِطْلَاقِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَدِّقْ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ وَقَالَ لَمْ يَكُنْ الْعُلُوقُ عِنْدَكَ كَانَ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ، فَإِنْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا فَبَيِّنَتُهُ، وَإِنْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الثَّانِي وَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ عِنْدَ الثَّالِثِ كَمَا فِي الْمنية شرح الملتقي.

قَوْلُهُ: (ثَبَتَ نَسَبُهُ) صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا كَمَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ، وَأَطْلَقَ فِي الْبَائِعِ فَشَمِلَ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ وَالْحَرَّ وَالْمُكَاتَبَ، كَذَا رَأَيْتُهُ معزوا للاختيار، وَشرط أَبُو السُّعُود أَن لَا يسْبقهُ المُشْتَرِي فِي الدَّعْوَى.

قَوْلُهُ: (اسْتِحْسَانًا) أَيْ لَا قِيَاسًا، لِأَنَّ بَيْعَهُ إِقْرَار مِنْهُ بِأَنَّهَا أمة فَيصير مناقضا.
وَالْقِيَاس أَن لَا يثبت، وَبِه قَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ لَان بَيْعه إِقْرَار كَمَا علمت.

(8/188)


وَجه الِاسْتِحْسَان أَنه تنَاقض فِي مَحل الخفاء فيغتفر لَان النّسَب يبتني على الْعلُوق، وَفِيه من الخفاء مَا لَا يخفى.
وَنَظِيره المختلعة تَدعِي الطَّلَاق وتريد الرُّجُوع بِالْبَدَلِ مدعية أَنه طَلقهَا قبل الْخلْع تسمع دَعْوَاهَا وَإِن كَانَت متناقضة كَمَا قدمْنَاهُ، لَان إقدامها على الْخلْع كالاقرار بِقِيَام الْعِصْمَة، لَكِن لما كَانَ التَّنَاقُض فِي مَحل الخفاء جعل عفوا لَان الزَّوْج يسْتَقلّ بِالطَّلَاق فَلَعَلَّهُ طلق وَلم تعلم، فَإِذا أَقَامَت الْبَيِّنَة على
الطَّلَاق قبلت.

قَوْله: (لعلوقها الخ) قَالَ فِي الْمنح وَلنَا أَن مَبْنِيّ النّسَب فِيهِ على الخفاء فيعفى فِيهِ التَّنَاقُض فَتقبل دَعوته إِذا تَيَقّن بالعلوق فِي ملكه بِالْولادَةِ للاول فَإِنَّهُ كالبينة العادلة فِي إِثْبَات النّسَب مِنْهُ، إِذْ الظَّاهِر عدم الزِّنَا مِنْهَا وَأمر النّسَب على الخفاء، فقد يظنّ الْمَرْء أَن الْعلُوق لَيْسَ مِنْهُ ثمَّ يظْهر أَنه مِنْهُ فَكَانَ عذرا فِي أسقاط اعْتِبَار التَّنَاقُض اهـ.

قَوْله: (وَإِذا صحت) أَي الدَّعْوَى.

قَوْله: (فَيفْسخ البيع) لعدم جَوَاز بيع أم الْوَلَد.

قَوْله: (وَيرد الثّمن) لَان سَلامَة الثّمن مَبْنِيَّة على سَلامَة الْمَبِيع.

قَوْله: (وَلَكِن إِذا ادَّعَاهُ المُشْتَرِي الخ) قَالَ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود فِي حَاشِيَته على مِسْكين: وَالْحَاصِل أَن البَائِع إِذا ادّعى ولد الْمَبِيعَة فَلَا يَخْلُو، إِمَّا أَن تجئ بِهِ لاقل من سِتَّة أشهر أم لَا.
وَالثَّانِي لَا يَخْلُو إِمَّا أَن تجئ بِهِ لاقل من سنتَيْن أم لَا، ثمَّ ذَلِك لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يصدقهُ المُشْتَرِي فِي الدَّعْوَى أم لَا، وكل ذَلِك لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يسْبقهُ المُشْتَرِي فِي الدَّعْوَى أم لَا، بِأَن ادَّعَاهُ مَعَ البَائِع أَو بعده أَو لم يدع أصلا، وكل ذَلِك لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الْوَلَد الْمُدَّعِي نسبه حَيا أَو مَيتا، والاول لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُوقع المُشْتَرِي بِهِ مَا لَا يُمكن نقضه كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِير، أَو مَا يُمكن كَالْبيع وَالْكِتَابَة وَالرَّهْن والاجارة وَالْهِبَة أم لَا، وَكَذَلِكَ الام على هَذَا التَّقْسِيم إِمَّا أَن تكون وَقت الدعْوَة حَيَّة أَو ميتَة، فَإِن كَانَت حَيَّة فإمَّا أَن يكون المُشْتَرِي أوقع بهَا مَا لَا يُمكن نقضه وَهُوَ الْعتْق وَالتَّدْبِير، أَو يُمكن وَهُوَ البيع وَالْكِتَابَة وَالرَّهْن والاجارة وَالْهِبَة وَالتَّزْوِيج.
إِذا عرف هَذَا فَنَقُول: إِذا ادّعى البَائِع ولد الْمَبِيعَة ينظر إِذا جَاءَت لاقل من سِتَّة أشهر وَهُوَ حَيّ لم يَتَّصِف بِالْعِتْقِ أَو التَّدْبِير وَلم يسْبقهُ المُشْتَرِي فِي الدعْوَة ثَبت النّسَب من البَائِع مُطلقًا صدقه المُشْتَرِي أم لَا، فالتقييد بِالْحَيَاةِ للِاحْتِرَاز عَن الْوَفَاة حَيْثُ لَا يثبت نسبه، لَان الْحُقُوق لَا تثبت للْمَيت ابْتِدَاء وَلَا عَلَيْهِ، وَالتَّقْيِيد بِعَدَمِ اتصافه بِالْعِتْقِ أَو التَّدْبِير للِاحْتِرَاز عَمَّا إِذا كَانَ الْوَلَد عِنْد الدعْوَة عتيقا أَو مُدبرا، بِأَن أعْتقهُ المُشْتَرِي أَو دبره حَيْثُ لَا يثبت نسبه أَيْضا، لَان ثُبُوت نسبه يسْتَلْزم نقص عتقه أَو تَدْبيره، وكل مِنْهُمَا بعد وُقُوعه لَا ينْتَقض، بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى نسبه بعد أَن بَاعه المُشْتَرِي أَو كَاتبه أَو رَهنه أَو وهبه أَو آجره حَيْثُ يثبت نسبه وتنقض هَذِه التَّصَرُّفَات، وَالتَّقْيِيد بِعَدَمِ سبق المُشْتَرِي البَائِع فِي الدعْوَة للِاحْتِرَاز عَمَّا إِذا ادَّعَاهُ قبله فَإِن النّسَب مِنْهُ يثبت وَلَا يتَصَوَّر بعده ثُبُوت النّسَب من البَائِع، بِخِلَاف مَا إِذا ادَّعَاهُ مَعَه أَو قبله حَيْثُ لَا تعْتَبر دَعْوَة المُشْتَرِي مَعَ دَعْوَة البَائِع لَان دَعْوَة البَائِع أقوى لاستنادها
إِلَى وَقت الْعلُوق، بِخِلَاف دَعْوَة المُشْتَرِي فَإِنَّهَا تقتصر وَلَا تستند لعدم كَون الْعلُوق فِي ملكه، فَيُفَرق بَين مَا إِذا ادَّعَاهُ بعد مَوته أَو عتقه أَو تَدْبيره، وَبَين مَا إِذا ادَّعَاهُ بعد كِتَابَته أَو رَهنه أَو نَحْو ذَلِك، فَفِي الثَّانِي يثبت النّسَب لَا فِي الاول، بِخِلَاف مَا إِذا ادَّعَاهُ بعد موت أمه أَو عتقهَا أَو تدبيرها حَيْثُ لَا يفْتَرق الْحَال فِي ثُبُوت النّسَب بَين مَوتهَا وعتقها وتدبيرها وَبَين كتَابَتهَا وإجارتها وتزويجها وَنَحْو ذَلِك مِمَّا سبق الْكَلَام عَلَيْهِ، بل يثبت نسب وَلَدهَا بالدعوة مُطلقًا وَلَا يمْنَع مِنْهُ ثُبُوت هَذِه الاوصاف لامه،

(8/189)


غير أَنه فِي الْوَجْه الاول: أَعنِي الْمَوْت وأخويه لَا يثبت لَهَا أمومية الْوَلَد، أما فِي الْمَوْت فَلَمَّا سبق من أَن الْمَيِّت لَا يثبت لَهُ الْحُقُوق ابْتِدَاء وَلَا عَلَيْهِ، وَأما فِي الْعتْق وَنَحْوه فلَان ثُبُوت أمومية ولد لَهَا يسْتَلْزم نقض الْعتْق وَهُوَ بعد وُقُوعه لَا ينْتَقض فِي الْوَجْه الثَّانِي: أَعنِي الْكِتَابَة وَأَخَوَاتهَا يثبت لَهَا أمومية الْوَلَد بالتبعية لثُبُوت نسب الْوَلَد لعدم الْمَانِع، لَان الْكِتَابَة وَنَحْوهَا تنْتَقض ضمن ثُبُوت الِاسْتِيلَاد لَهَا.
هَذَا كُله إِذا ادّعى نسبه وَالْحَال أَنَّهَا قد جَاءَت بِهِ لاقل من سِتَّة أشهر، فَإِن جَاءَت بِهِ لاكثر ردَّتْ دَعوته إِلَّا أَن يصدقهُ المُشْتَرِي، فَإِن صدقه ثَبت مِنْهُ النّسَب سَوَاء جَاءَت بِهِ لاقل من سنتَيْن أَو لاكثر مِنْهُمَا، وَهل يثبت لامه الِاسْتِيلَاد فينتقض البيع وَيرد الثّمن أم لَا؟ إِن جَاءَت بِهِ لاقل من سنتَيْن انْتقض البيع وَثَبت لَهَا الِاسْتِيلَاد فَتَصِير أم ولد البَائِع وَيرد الثّمن، وَإِلَّا فَلَا.

قَوْله: (قبله) أَي قبل ادِّعَاء البَائِع.

قَوْله: (لوُجُود ملكه) وَهُوَ المجوز للدعوى، أَلا ترى أَنه يجوز إِعْتَاقه وإعتاق أمه.

قَوْله: (وأميتها) بِالرَّفْع عَطْفٌ عَلَى فَاعِلِ ثَبَتَ.
ح: وَهَذَا لَوْ جُهِلَ الْحَالُ لِمَا سَبَقَ فِي الِاسْتِيلَادِ أَنَّهُ لَوْ زَنَى بِأَمَةٍ فَوَلَدَتْ فَمَلَكَهَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ، وَإِنْ مَلَكَ الْوَلَدَ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَمَرَّ فِيهِ مَتْنًا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ظَنَنْتُ حِلَّهَا لِي فَلَا نَسَبَ، وَإِنْ مَلَكَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّارِحُ ثَمَّةَ: وَإِنْ مَلَكَ أُمَّهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ لِعَدَمِ ثُبُوت نسبه.

قَوْلُهُ: (بِإِقْرَارِهِ) ثُمَّ لَا تَصِحُّ دَعْوَى الْبَائِعِ بعده لاستغناء الْوَلَد بِثُبُوت نسبه من المُشْتَرِي ولانه لَا يحْتَمل الابطال زَيْلَعِيّ.

قَوْله: (وَقيل يحمل الخ) أَي حملا لحاله على الصّلاح فَإِنَّهُ حَيْثُ لم يكن تَحْتَهُ حرَّة فنكاحه صَحِيح، وَإِلَّا ففاسد، وَكِلَاهُمَا يثبت بِهِ النّسَب، وَمَعَ كل فدعوة البَائِع مُقَدّمَة، لَان ملكه وَقت الْعلُوق مُحَقّق وَملك
المُشْتَرِي مَفْرُوض فَلَا يُعَارضهُ.
تَأمل.
وَلم يذكر فِي الْمنح وَلَا فِي غَيرهَا لَفظه قيل.

قَوْله: (لَان دَعوته تَحْرِير) على أَنه لما ثَبت نسبه من البَائِع بَطل البيع فَلم يدْخل فِي ملك المُشْتَرِي فَهُوَ كأجنبي كَمَا فِي الْمَقْدِسِي.
قَالَ ط: فِيهِ أَنَّهَا دَعْوَة استيلاد أَيْضا، إِلَّا أَن يُقَال إِنَّهَا دَعْوَة تَحْرِير بعد دَعْوَة البَائِع
قَوْله: (وَكَذَا يَثْبُتُ مِنْ الْبَائِعِ لَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ موت الام) أَي وَقد ولدت لاقل من سِتَّة أشهر وَذَلِكَ لَان الْوَلَد هُوَ الاصل فِي النّسَب وَلذَلِك تُضَاف إِلَيْهِ وَيُقَال أم الْوَلَد، والاضافة إِلَى الشئ أَمارَة أَصَالَة الْمُضَاف إِلَيْهِ ولانها تستنفيد مِنْهُ الْحُرِّيَّة، أَلا ترى إِلَى قَوْله (ص) : أعْتقهَا وَلَدهَا قَالَه حِين قيل بِهِ وَقد ولدت مَارِيَة الْقبْطِيَّة إِبْرَاهِيم من رَسُول الله (ص) أَلا تعتقها؟ فالثابت لَهَا حق الْحُرِّيَّة وَله حَقِيقَة الْحُرِّيَّة، والحقيقة أولى من الْحق فيستتبع الادنى وَلَا يضرّهُ فَوَات التبع.

قَوْله: (بِخِلَاف موت الْوَلَد) أَي دون الام لفَوَات الاصل وَهُوَ الْوَلَد: أَي وَقد ولدت لِدُونِ الْأَقَلِّ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأُمِّ لفَوَات الاصل لانه اسْتَغْنَى بِالْمَوْتِ عَنْ النَّسَبِ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ التَّعْلِيل بالاستغناء كَمَا لَا يخفى، فَتدبر.
وعللوا لمَوْت الْوَلَد بتعذر ثُبُوت النّسَب فِيهِ لَان الْحُقُوق لَا تثبت للْمَيت وَلَا عَلَيْهِ كَمَا سبق، وَإِذا

(8/190)


لم يثبت النّسَب لم يثبت الِاسْتِيلَاد لانه فرع النّسَب وَكَانَت الام بِحَالِهَا.
إتقاني.

قَوْله: (وَيسْتَرد المُشْتَرِي كُلَّ الثَّمَنِ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ وَمَالِيَّتُهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُ فِي الْعَقْدِ وَالْغَصْبِ فَلَا يَضْمَنُهَا الْمُشْتَرِي، وَعِنْدَهُمَا مُتَقَوِّمَةٌ فَيَضْمَنُهَا هِدَايَة.

قَوْله: (وَقَالا حِصَّته) أَي الْوَلَد فَقَط، وَلَا يرد حِصَّة الام لانها مُتَقَومَة عِنْدهمَا فتضمن بِالْغَصْبِ وَالْعقد فيضمنها المُشْتَرِي، فَإِذا رد الْوَلَد دونهَا يجب على البَائِع رد حِصَّة مَا سلم لَهُ وَهُوَ الْوَلَد كي لَا يجْتَمع الْبَدَل والمبدل فِي ملكه، وَلَا يجب رد حِصَّة الام.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: هَكَذَا ذكرُوا الحكم على قَوْلهمَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يرد البَائِع جمع الثّمن عِنْدهمَا أَيْضا ثمَّ يرجع بِقِيمَة الام، لانه لما ثَبت نسب الْوَلَد مِنْهُ تبين أَنه بَاعَ أم وَلَده وَبيع أم الْوَلَد غير صَحِيح بالاجماع فَلَا يجب فِيهِ الثّمن، وَلَا يكون لاجراء الْمَبِيع مِنْهُ حِصَّة، بل يجب على كل وَاحِد من الْمُتَعَاقدين رد مَا قَبضه إِن كَانَ بَاقِيا وَإِلَّا فبدله اهـ.
قَالَ الْمَقْدِسِي: لَعَلَّ مُرَادهم مَا ذكره بِنَاء على أَن الْغَالِب تَسَاوِي الثّمن وَالْقيمَة اهـ.

قَوْله: (وإعتاقهما أَي إِعْتَاق المُشْتَرِي الام وَالْولد) الْوَاو بِمَعْنى أَو المجوزة للْجمع.

قَوْلُهُ: (كَمَوْتِهِمَا) حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ الْأُمَّ لَا الْوَلَد فَادّعى البَائِع أَنه ابْنه صحت دَعوته وَثَبت نَسَبُهُ مِنْهُ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْوَلَدَ لَا الْأُمَّ لَمْ تَصِحَّ دَعَوْته لَا فِي حَقِّ الْوَلَدِ وَلَا فِي حَقِّ الْأُمِّ كَمَا فِي الْمَوْتِ، أما الاول فلانها إِن صحت بَطل إِعْتَاقه وللعتق بعد وُقُوعه لَا يحْتَمل الْبطلَان.
وَأما الثَّانِي فلانها تبع لَهُ، فَإِذا لم تصح فِي حق الاصل لم تصح فِي حق التبع ضَرُورَة اهـ.
منح.
فَقَوله أما الاول أَي عدم صِحَّته فِي حق الْوَلَد، وَقَوله وَأما الثَّانِي: أَي عدم صِحَّته فِي حق الام.
وَيشكل على قَوْله وَالْعِتْق بعد وُقُوعه إِلَى آخِره مَا سَيَأْتِي متْنا فِي قَوْله بَاعَ أحد التوأمين إِلَى أَن قَالَ وَبَطل عتق المُشْتَرِي.
قَالَ فِي الْمنح: لَان الَّذِي عِنْده ظهر أَنه حر الاصل، وَقَالَ الشَّارِح بِأَمْر فَوْقه وَهُوَ حريَّة الاصل فَكَذَا يُقَال هُنَا فَيَنْبَغِي أَن تصح دَعوته بعد الاعتاق لانه ظهر أَنه أعتق حر الاصل فَلم يَصح أعتاقه.
تَأمل.
وَأجَاب عَنهُ الْعَيْنِيّ تبعا للزيلعي بِأَنَّهُ لَو بَطل فِيهِ بَطل مَقْصُود الاجل دَعْوَة البَائِع وَأَنه لَا يجوز.
وَفِي مَسْأَلَة التوأمين تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ فِي الَّذِي لَمْ يُبَعْ ثُمَّ يتَعَدَّى إِلَى آخر ضمنا وتبعا، إِذْ يَسْتَحِيل أَن يلحقا من مَاء وَاحِد وَأَحَدهمَا حر وَالْآخر رَقِيق، وَكم من شئ يثبت ضمنا وَإِن لم يثبت مَقْصُودا اهـ.
فَإِن قلت: تَحْرِير المُشْتَرِي تبين أَنه وَقع فِي غير ملكه لانه أعتق حر الاصل فَلم يَصح عتقه يُجَاب بِأَنَّهُ أعتق ملكه فِي وَقت لَا ينازعه فِيهِ أحد فنفذ عتقه وَثَبت وَلَاؤُه، وكل من الْوَلَاء والاعتاق لَا يحْتَمل النَّقْض، وبثبوت ذَلِك صَار البَائِع مُكَذبا شرعا فِي ادعائه فَلم تصح دَعوته وَتبين صِحَة عتق المُشْتَرِي.

قَوْله: (لانه أَيْضا لَا يحْتَمل الابطال) لثُبُوت بعض آثَار الْحُرِّيَّة كامتناع التَّمْلِيك للْغَيْر.
منح وَيرد عَلَيْهِ مَا ورد على مَا قبله، وَعلم جَوَابه مِمَّا مر عَن الْعَيْنِيّ.
والاولى أَن يَقُول وإعتاقهما وتدبيرهما كموتهما، إِذا لَا يظْهر فَائِدَة فِي تَشْبِيه الاعتاق بِالْمَوْتِ ثمَّ تَشْبِيه التَّدْبِير بالاعتاق.
تَأمل.

قَوْله: (وَيرد حِصَّته اتِّفَاقًا) أَي فِيمَا إِذا أعتق المُشْتَرِي الام أَو دبرهَا فَقَط دون الْوَلَد فَيقسم الثّمن على قيمَة الام

(8/191)


وَقِيمَة الْوَلَد، فَمَا أصَاب الْوَلَد يردهُ وَمَا أصَاب الام لَا يردهُ، وَتعْتَبر قيمَة الام يَوْم الْقَبْض وَقِيمَة الْوَلَد يَوْم الْولادَة لانها دخلت فِي ضَمَانه بِالْقَبْضِ وَصَارَ لَهُ قيمَة وبالولادة فَتعْتَبر الْقيمَة بذلك كَمَا فِي صدر الشَّرِيعَة والشرنبلالية.

قَوْله: (وَكَذَا حصَّتهَا أَيْضًا) أَيْ فِي التَّدْبِيرِ وَالْإِعْتَاقِ.
وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَيَرُدُّ حِصَّتَهَا أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةِ رَحمَه الله تَعَالَى قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الدُّرَرِ.
قَالَ: وَفِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ أَوْ دَبَّرَهَا يَرُدُّ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا.
وَعِنْدَهُ: يَرُدُّ كُلَّ الثَّمَنِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمَوْتِ.
كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ح.
فَصَارَ الْحَاصِل من هَذَا أَنَّ الْبَائِعَ يَرُدُّ كُلَّ الثَّمَنِ وَهُوَ حِصَّةُ الْأُمِّ وَحِصَّةُ الْوَلَدِ فِي الْمَوْتِ وَالْعِتْقِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَيَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ فَقَطْ فِيهِمَا عِنْدَهُمَا.
وَعَلَى مَا فِي الْكَافِي يَرُدُّ حِصَّتَهُ فَقَطْ فِي الْإِعْتَاقِ عِنْدَ الْإِمَامِ كَقَوْلِهِمَا.

قَوْلُهُ: (على الصَّحِيح من مَذْهَب الامام) لَان أم الْوَلَد لَا قيمَة لَهَا عِنْده وَلَا تضمن بِالْعقدِ فيؤاخذ بِزَعْمِهِ.

قَوْله: (وَنَقله فِي الدُّرَر والمنح عَن الْهِدَايَة) قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ: يَرُدُّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ لَا حِصَّتَهَا بِالِاتِّفَاقِ، وَفَرَّقَ عَلَى هَذَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْعِتْقِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ كَذَّبَ الْبَائِعَ فِيمَا زَعَمَ حَيْثُ جَعَلَهَا مُعْتَقَةً مِنْ الْمُشْتَرِي فَبَطَلَ زَعْمُهُ وَلَمْ يُوجَدْ التَّكْذِيبُ فِي فَصْلِ الْمَوْتِ فَيُؤَاخَذُ بِزَعْمِهِ فَيَسْتَرِدُّ حِصَّتَهَا.
كَذَا فِي الْكَافِي.
اهـ.
لَكِنْ رَجَّحَ فِي الزَّيْلَعِيِّ كَلَامَ الْمَبْسُوطِ وَجَعَلَهُ هُوَ الرِّوَايَةَ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِ التَّصْحِيحِ عَنْ الْهِدَايَة.
وَهُوَ يُخَالف الرِّوَايَةِ، وَكَيْفَ يُقَالُ يَسْتَرِدُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَالْبَيْعُ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْجَارِيَةِ حَيْثُ لَمْ يَبْطُلْ إِعْتَاقه، بل برد حِصَّةَ الْوَلَدِ فَقَطْ بِأَنْ يَقْسِمَ الثَّمَنَ عَلَى قيمتهمَا يعْتَبر قِيمَةُ الْأُمِّ يَوْمَ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ صَار لَهُ الْقيمَة بِالْولادَةِ فَتعْتَبر قِيمَته عِنْد ذَلِك اهـ.
وقدمناه قَرِيبا فَلَا تغفل عَنهُ.

قَوْله: (عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْكَافِي عَنْ الْمَبْسُوطِ) من أَنه لَا يرد حصَّتهَا عِنْده أَيْضا وَقد تقدم ذَلِك.

قَوْله: (وَقِيلَ لَا يَرُدُّ حِصَّتَهَا فِي الْإِعْتَاقِ بِالِاتِّفَاقِ) هُوَ الْمُعْتَمد كَمَا تقدم، وَهَذَا من تَتِمَّة عبارَة الْمَوَاهِب فَلَا يعْتَرض بِأَنَّهُ مُكَرر لانه عين مَا فِي الْمَبْسُوط
قَوْله: (لاكثر من حَوْلَيْنِ) مثله تَمام الْحَوْلَيْنِ إِذْ لَمْ يُوجَدْ اتِّصَالُ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ يَقِينًا وَهُوَ الشَّاهِد وَالْحجّة.
شرنبلالية.

قَوْله: (ثَبت النّسَب بتصديقه) إِذْ عدم ثُبُوته لرعاية حَقه.
وَإِن صدقه زَالَ ذَلِك الْمَانِع وَلم يبطل بَيْعه بِالْجَزْمِ بِأَن الْعلُوق لَيْسَ فِي ملكه فَلَا تثبت حَقِيقَة الْعتْق وَلَا حَقه لانها دَعْوَة تَحْرِير، وَغير الْمَالِك لَيْسَ من أَهله.
قَالَ فِي التاترخانية: وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ صَحَّ وَكَانَتْ دَعْوَةَ استيلاد، وَإِن ادعياه مَعًا أَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا صَحَّتْ دَعْوَةُ الْمُشْتَرِي لَا البَائِع.

قَوْله: (على الْمَعْنى اللّغَوِيّ) أَي إِنَّهَا كَانَت زَوجته وَأَتَتْ مِنْهُ بِولد وَلَيْسَت أم ولد لَهُ بِالْمَعْنَى الاصطلاحي، وَهِي من اسْتَوْلدهَا فِي ملكه لما تقدم من تَيَقّن أَنَّهَا فِي غير ملكه.
وَالْحَاصِل: أَن الِاسْتِيلَاد لَا يَصح فِي غير الْملك، بل لَو ملكهَا بعد ذَلِك لَصَارَتْ بعد ذَلِك أم وَلَده شرعا أَيْضا.

قَوْله: (نِكَاحا) أَي يحمل على أَنه زوجه إِيَّاهَا المُشْتَرِي وَإِلَّا كَانَ زنا، وَيُعْطى الْوَلَد

(8/192)


حكم ولد أمة الْغَيْر الْمَنْكُوحَة فَيكون للْمُشْتَرِي وَالنّسب ثَابت من البَائِع.
وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: وَيبقى الْوَلَد عبدا، فَهُوَ كالاجنبي إِذا ادَّعَاهُ لانه بتصادقهما أَن الْوَلَد من البَائِع لَا يثبت كَون الْعلُوق فِي ملكه لَان البَائِع لَا يَدعِي ذَلِك، وَكَيف يَدعِي وَالْولد لَا يبْقى فِي الْبَطن أَكثر من سنتَيْن فَكَانَ حَادِثا بعد زَوَال ملك البَائِع، وَإِذا لم يثبت الْعلُوق فِي ملك البَائِع لَا يثبت حَقِيقَة الْعتْق للْوَلَد وَلَا حق الْعتْق للامة وَلَا يظْهر بطلَان البيع، وَدَعوى البَائِع هُنَا دَعْوَة تَحْرِير، وَغير الْمَالِك لَيْسَ بِأَهْل لَهَا اهـ.

قَوْله: (حملا لامره على الصّلاح) عِلّة.
ل
قَوْله: (نِكَاحا) أَي فَهُوَ ولد نِكَاح لَا زنا حملا الخ.
وَالْحَاصِل: أَنه لَو ولدت لاكثر من سنتَيْن من وَقت البيع ردَّتْ دَعْوَة البَائِع إِلَّا إِذا صدقه المُشْتَرِي فَيثبت النّسَب مِنْهُ، وَيحمل أَن البَائِع اسْتَوْلدهَا بِحكم النِّكَاح حملا لامره على الصّلاح وَيبقى الْوَلَد عبدا للْمُشْتَرِي وَلَا تصير الامة أم ولد للْبَائِع، كَمَا لَو ادَّعَاهُ أَجْنَبِي آخر لَان بتصادقهما أَن الْوَلَد من البَائِع لَا يثبت كَون الْعلُوق فِي ملكه لَان البَائِع لَا يَدعِي ذَلِك، وَكَيف يَدعِي وَالْولد لَا يَبْقَى فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سنتَيْن فَكَانَ حَادِثا بعد زَوَال ملك البَائِع، وَإِذا لم يثبت الْعلُوق فِي ملك البَائِع لَا يثبت حَقِيقَة الْعتْق للْوَلَد وَلَا حق الْعتْق للامة، وَلَا يظْهر بطلَان البيع، ودعوة البَائِع هُنَا دَعْوَة تَحْرِير غير الْمَالِك لَيْسَ بِأَهْلِهَا، فَلِذَا حول الشَّارِح رَحمَه الله تَعَالَى الْعبارَة وَحملهَا على الْمَعْنى اللّغَوِيّ، لَكِن إِنَّمَا يتم هَذَا الْحمل إِذا لم يكن تَحْتَهُ حرَّة أما لَو كَانَ فَإِن نِكَاحه لَا يَصح وَمَعَ ذَلِك يثبت بِهِ النّسَب كَمَا مر.

قَوْله: (فِيمَا بَين الاقل والاكثر) المُرَاد بالاقل آخر الاقل من سِتَّة أشهر ليشْمل مَا إِذا ادَّعَاهُ فِي سِتَّة أشهر، كَمَا أَفَادَهُ
الْقُهسْتَانِيّ.

قَوْله: (فَحكمه كالاول) يَعْنِي نسبه وأميتها فَيكون الْوَلَد حرا وَيفْسخ البيع وَيرد الثّمن لاحْتِمَال أَن يكون الْعلُوق فِي ملك البَائِع.
دُرَر.
قَالَ أَبُو السُّعُود: وَالْحَاصِل أَن رد الدَّعْوَى فِيمَا إِذا جَاءَت بِهِ لاكثر من سِتَّة أشهر لَوْلَا التَّصْدِيق، لَا فرق فِيهِ بَين مَا إِذا جَاءَت بِهِ لاقل من سنتَيْن أَو لاكثر إِلَّا من جِهَة ثُبُوت الِاسْتِيلَاد للام بعد التَّصْدِيق وَنقض البيع فِيهَا ورد الثّمن: أَي فِي الاقل مِنْهُمَا دون الاكثر اهـ بِتَصَرُّف ط.

قَوْله: (لاحْتِمَال الْعلُوق قبل بَيْعه) قَالَ فِي التاترخانية: هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا عَلِمَتْ الْمُدَّةَ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَكْثَرَ إلَى سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ، فَإِنْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي يَصح، وَإِن ادَّعَاهُ مَعًا لَا تصح دَعْوَة وَاحِد مِنْهُمَا، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا: فَلَوْ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَلَوْ الْبَائِعُ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

قَوْله: (وَإِلَّا لَا) أَي لَا يصدقهُ بِأَن كذبه وَلم يَدعه أَو ادَّعَاهُ أَو سكت فَإِنَّهُ لَا يَجْزِي حكم الاول فِيهِ فَهُوَ أَعم من قَوْله وَلَو تنَازعا.
وَالْحَاصِل: أَنه يثبت نسبه وَتصير أم وَلَده شرعا لَا على الْمَعْنى اللّغَوِيّ كَمَا فِي الصُّورَة الَّتِي قبلهَا، وَيرد الثّمن وَيجْرِي فِيهِ مَا تقدم من التفاريع كلهَا.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَنَازَعَا) أَيْ فِي كَوْنِهِ لِأَقَلَّ من سِتَّة أشهر أَو لاكثر بِأَن قَالَ البَائِع بعتها لَك مُنْذُ شهر وَالْولد مني وَقَالَ المُشْتَرِي لاكثر من سِتَّة أشهر وَالْولد لَيْسَ مِنْك فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي لانه مدعي الصِّحَّة فَالظَّاهِر شَاهد لَهُ، وَكَذَا لَو ادّعى الْوَلَد صحت دَعوته لوُقُوع الْعلُوق فِي ملكه دون البَائِع تحكما للْحَال، وَأما إِذا سكت فقد تقدم حكم سكُوت الْمُدَّعِي عَلَيْهِ

(8/193)


بعد الدَّعْوَى فَإِنَّهُ يَجْعَل إنكارا، فَقَوله وَلَو تنَازعا يَشْمَل الصُّور الثَّلَاث.

قَوْله: (فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا) لانه يُنكر دَعْوَى البَائِع نقض البيع ولانه وَاضع الْيَد فَهُوَ مُنكر وَالْآخر خَارج فَهُوَ مُدع وَالْبَيِّنَة للْمُشْتَرِي.

قَوْله: (وَكَذَا الْبَيِّنَة لَهُ عِنْد الثَّانِي) لانه أثبت زِيَادَة مُدَّة للشراء، وَهَذَا أَمر حَادث وَهُوَ صِحَة ملكه.

قَوْله: (خلافًا للثَّالِث) فَقَالَ الْبَيِّنَة بَيِّنَة البَائِع لانه يثبت نسب الْوَلَد واستيلاد الامة وَنقض البيع.
حموي عَن الْكَافِي: أَي وَهُوَ إِثْبَات خلاف الظَّاهِر كَمَا هُوَ شَأْن الْبَينَات، لَان الظَّاهِر وُقُوع العقد
صَحِيحا، وَبَيِّنَة البَائِع أَثْبَتَت فَسَاده فَكَانَت أولى بِالْقبُولِ، ولان البَائِع يَدعِي فَسَاد العقد وَالْمُشْتَرِي يُنكره وَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الْمُدَّعِي، وَالَّذِي يظْهر أوجهية قَول مُحَمَّد، فَلْيتَأَمَّل.

قَوْلُهُ: (وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ) أَيْ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أشهر.

قَوْله: (ثَبت نسبهما) أَي التوأمين من البَائِع لانهما خلقا من مَاء وَاحِد.
وَإِذا صحت الدَّعْوَى فيهمَا كَانَت فِي حكم أول مَسْأَلَة من الْفَصْل فَيفْسخ البيع وَيرد الثّمن فَتَأمل.
وَفِي الاتقاني عَن الْمغرب: يُقَال هما توأمان كَمَا يُقَال هما زوجان، وَقَوْلهمْ هما توأم وهما زوج خطأ اهـ.

قَوْله: (لكَون الْعلُوق فِي ملكه) أَي فَهُوَ كالبينة الشاهدة لَهُ على مدعاه، وَهَذَا يُفِيد تَقْيِيد المُصَنّف، فَقَوله بَاعَ من ولد عِنْده أَي وعلق عِنْده، أما إِذا كَانَ الْعلُوق عِنْد غَيره والوضع عِنْده فَهِيَ دَعْوَة تَحْرِير ط.

قَوْله: (ورد بَيْعه) لانه تبين أَنه بَاعَ حر الاصل، وَكَذَا يُقَال فِيمَا بعده من كِتَابَة الْوَلَد وَرَهنه، أما فِي إِجَارَته فَالَّذِي يرد نفاذها، أما لَو رأى الاب إجازتها فَيَنْبَغِي أَن يجوز لَان للاب إِجَارَته فَكَذَا يملك إجَازَة لَهُ.

قَوْله: (لَان البيع يحْتَمل النَّقْض) أَي وَمَاله من حق الدَّعْوَى لَا يحْتَملهُ فينتقض البيع لاجله.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَاتَبَ) أَيْ الْمُشْتَرِي الْوَلَد أَو رَهنه مِنْهُ، كَذَا فِي نُسْخَة، وَلَا وجود للفظ مِنْهُ فِيمَا شرح عَلَيْهِ المُصَنّف وَلَا فِي أَصله الَّذِي نقل عَنهُ وَهُوَ الدُّرَر، وَالضَّمِير فِي الافعال رَاجع إِلَى المُشْتَرِي.
وَاعْلَم أَن عبارَة الْهِدَايَة هَكَذَا: وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ فَهُوَ ابْنُهُ وَبَطَلَ الْبَيْعُ، لِأَنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَمَالُهُ مِنْ حَقِّ الدِّعْوَةِ لَا يَحْتَمِلُهُ فَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ لِأَجْلِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَاتَبَ الْوَلَدَ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ آجَرَهُ أَوْ كَاتَبَ الْأُمَّ أَوْ رَهَنَهَا أَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ كَانَتْ الدِّعْوَةُ، لِأَنَّ هَذِه الْعَوَارِض تحْتَمل النَّقْض فينقض ذَلِكَ كُلُّهُ وَتَصِحُّ الدِّعْوَةُ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ عَلَى مَا مَرَّ.
قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: ضَمِيرُ كَاتَبَ إنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى الْمُشْتَرِي وَكَذَا فِي قَوْلِهِ أَوْ كَاتَبَ الْأُمَّ يَصِيرُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ وَكَاتَبَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ بَيْعُ الْوَلَدِ لَا بَيْعُ الْأُمِّ، فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ وَكَاتَبَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ؟ وَإِنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى مَنْ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا، فَالْمَسْأَلَةُ أَنَّ رَجُلًا كَاتَبَ مَنْ وُلِدَ عِنْدَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ آجَرَهُ ثُمَّ كَانَتْ الدِّعْوَةُ فَحِينَئِذٍ لَا يَحْسُنُ قَوْلُهُ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْإِعْتَاقِ الَّتِي مَرَّتْ مَا إذَا أعتق المُشْتَرِي الْوَلَد، لَان الْفرق الصَّحِيح أَن
يَكُونُ بَيْنَ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي وَكِتَابَتِهِ لَا بَيْنَ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي وَكِتَابَةِ الْبَائِعِ، إذَا عَرَفْتَ هَذَا فَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِي كَاتَبَ الْوَلَدَ هُوَ الْمُشْتَرِي، وَفِي كَاتَبَ الْأُمَّ مَنْ فِي قَوْلِهِ: مَنْ بَاعَ اهـ.

(8/194)


أَقُولُ: الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِمَا الْمُشْتَرِي، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ بَيْعُ الْوَلَدِ لَا بَيْعُ الْأُمِّ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ بَيْعُهُ مَعَ أُمِّهِ بِقَرِينَة الْوِقَايَة سَوْقِ الْكَلَامِ، وَدَلِيلِ كَرَاهَةِ التَّفْرِيقِ بِحَدِيثِ سَيِّدِ الْأَنَامِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَعَمْ كَانَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ أَنْ يُقَالَ بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ بَعْدَ بَيْعِ مُشْتَرِيه، وَكَذَا بَعْدَ كِتَابَةِ الْوَلَد وَرَهنه الخ، لكنه سَهْو.
إِنِّي عَلَى الدُّرَرِ
قَوْلُهُ: (أَوْ كَاتَبَ الْأُمَّ) أَيْ لَوْ كَانَتْ بِيعَتْ مَعَ الْوَلَدِ فَالضَّمِيرُ فِي الْكل للْمُشْتَرِي وَبِه سقط مَا فِي صدر الشَّرِيعَة.

قَوْله: (وَترد هَذِه التَّصَرُّفَات) لانه بَاعَ حر الاصل فتصرف المُشْتَرِي فِي غير مَحَله فينقض، وَهَذَا ظَاهر فِي غير الاجارة، أما فِيهَا فَالَّذِي يرد نفاذها إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا.

قَوْله: (بِخِلَاف الاعتاق) أَي إِعْتَاق المُشْتَرِي، وَمثل الاعتاق التَّدْبِير كَمَا فِي عزمي زَاده.
قَالَ: وَكَذَلِكَ إِذا ادَّعَاهُ المُشْتَرِي أَولا ثمَّ ادَّعَاهُ البَائِع حَيْثُ لَا يثبت النّسَب من البَائِع كَمَا مر.

قَوْله: (بَاعَ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ الْمَوْلُودَيْنِ يَعْنِي عَلَقًا وَوَلَدًا) لما كَانَ لفظ المُصَنّف وَهُوَ قَوْله المولودين عِنْده مُحْتملا لشيئين، كَون الْعلُوق عِنْده أَو عِنْد غَيره، بِأَن اشْتَرَاهَا بعد الْولادَة أَو اشْترى أمهما وَهِي حُبْلَى بهما وَكَانَ الحكم مُخْتَلفا فسره بقوله: يَعْنِي الَّتِي يُؤْتى بهَا إِذا كَانَ التَّفْسِير بِغَيْر الظَّاهِر من اللَّفْظ.
قَالَ فِي الرَّمْز تبعا للتبيين: هَذَا إِذا كَانَ الْعلُوق فِي ملكه بِأَن اشتراهما بعد الْولادَة أَو اشْترى أمهما وَهِي حُبْلَى بهما أَو بَاعهَا فَجَاءَت بهما لاكثر من سنتَيْن يثبت نسبهما أَيْضا لانهما لَا يفترقان فِيهِ، لَكِن لَا يعْتق الَّذِي لَيْسَ فِي ملكه، وَإِن كَانَ المُشْتَرِي قد أعْتقهُ لَا يبطل عتقه، لَان هَذِه الدَّعْوَى دَعْوَة تَحْرِير لعدم الْعلُوق فِي الْملك، بخلا ف الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْعُلُوقُ فِي ملكه حَيْثُ يعتقان جَمِيعًا لانها دَعْوَة استيلاد فتستند وَمن ضَرُورَته عتقهما بِدَلِيل أَنَّهُمَا حُرَّا الْأَصْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ حُرًّا.
اهـ.
فَقَوله أَو بَاعهَا فَجَاءَت بهما الخ: أَي ثمَّ ملك وَاحِد مِنْهُمَا فَادَّعَاهُ، وَقَوله: علقا مُحْتَرزه قَوْله حَتَّى لَو اشْتَرَاهَا حُبْلَى الخ.

قَوْله: (ثَبت نسبهما) أَي التوأمين من البَائِع، لِأَنَّ دَعْوَةَ الْبَائِعِ صَحَّتْ فِي الَّذِي لَمْ يَبِعْهُ لِمُصَادِفَةِ الْعُلُوقِ وَالدَّعْوَى مِلْكُهُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ ثُبُوتُ الْآخَرِ
لِأَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ وَاحِدًا.
وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ.

قَوْله: (وَهُوَ حريَّة الاصل) أَي الثَّابِتَة بِأَصْل الْخلقَة، وَأما حريَّة الاعتاق فعارضة وحرية الاصل هُنَا فِي الَّذِي أعْتقهُ، لَان الَّذِي عِنْد البَائِع ظهر أَنه حر الاصل فَاقْتضى كَون الآخر أَيْضا كَذَلِك إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ.

قَوْله: (لانهما علقا فِي ملكه) أَي وَقد خلقا من مَاء وَاحِد، وَهَذَا كُله يصلح جَوَابا لما يرد من أَن نقض الاعتاق مُخَالفا، لما سبق من أَن الْعتْق بعد وُقُوعه لَا يحْتَمل الانتقاض والبطلان.
وَحَاصِله: أَن الْمَمْنُوع هُوَ انْتِقَاض الْعتْق إِلَى الرّقية وَهِي دونه لَا إِلَى شئ فَوْقه وَهِي الْحُرِّيَّة: أَي لانها ثَابِتَة بِأَصْل الْخلقَة كَمَا أَفَادَهُ عزمي، وَهَذَا لَا يتم وَلَا يطرد، فَإِن فِي السَّابِقَة وَهِي دَعْوَة من ولد عِنْد المُشْتَرِي لاقل من سِتَّة أشهر فَأعْتقهُ لَا يقبل مَعَ أَنه انْتقض الْعتْق بِأَمْر فَوْقه، وَهَذَا الامر لَا يتم فِي هَذَا الْمقَام، فَإِن حريَّة أحد التوأمين يظْهر حريَّة الآخر وينعدم تَأْثِير الاعتاق.
وَعبارَة الْعَيْنِيّ: فَإِذا ثَبت نسبهما بَطل عتق المُشْتَرِي إِيَّاه، لَان دَعْوَة البَائِع بعده صحت فِي الَّذِي لم يبع، وَمن ضَرُورَة ذَلِك ثُبُوت نسب الآخر لانهما من وَاحِد فَيلْزم مِنْهُ بطلَان عتق المُشْتَرِي لِكَوْنِهِمَا حري الاصل، إِذا يَسْتَحِيل

(8/195)


أَن يكون أَحدهمَا حر الاصل وَالْآخر رَقِيقا وهما من مَاء وَاحِد، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ وَاحِدًا حَيْثُ لَا يَبْطُلُ فِيهِ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ لَوْ بَطل فِيهِ بَطل مَقْصُودا لاجل حق الدَّعْوَى لِلْبَائِعِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُنَا تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ فِي الَّذِي لَمْ يُبَعْ ثُمَّ تَتَعَدَّى إلَى الآخر ضمنا وتبعا، وَكم من شئ يثبت ضمنا وَإِن لم يثبت مَقْصُودا اهـ.
فالشارح رَحمَه الله تَعَالَى ذكر آخر عبارَة الدُّرَر وَترك صدرها، فَكَانَ الاولى فِي التَّعْلِيل لانهما علقا فِي ملكه من مَاء وَاحِد، فَإِذا ثبتَتْ حريَّة أَحدهمَا ثبتَتْ حريَّة الآخر تبعا والشئ قد يثبت تبعا وَإِن لم يثبت قصدا.

قَوْله: (حَتَّى لَو اشْتَرَاهَا) أَي البَائِع حُبْلَى وَجَاءَتْ بِهِمَا لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ.
عَيْنِيٌّ.

قَوْله: (لم يبطل عتقه) قَالَ الْأَكْمَلُ: وَنُوقِضَ بِمَا إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ أَحَدَ تَوْأَمَيْنِ وَاشْتَرَى أَبُوهُ الْآخَرَ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الَّذِي فِي يَدِهِ بِأَنَّهُ ابْنُهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا مِنْهُ ويعتقان جَمِيعًا وَلَمْ تَقْتَصِرْ الدَّعْوَى.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِمُوجِبٍ آخر، وَهُوَ أَن الْمُدَّعِي إِن كَانَ هُوَ الْأَبَ فَالِابْنُ قَدْ مَلَكَ أَخَاهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الِابْنَ فَالْأَبُ قَدْ مَلَكَ حَافِدَهُ فَيَعْتِقُ، وَلَوْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ ادَّعَى أَبُو الْبَائِعِ الْوَلَدَيْنِ
وَكَذَّبَاهُ: أَيْ ابْنَهُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ بِالْقِيمَةِ وَثَبَتَ نَسَبُهُمَا وَعَتَقَ الَّذِي فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَلَا يَعْتِقُ الْمَبِيعُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ مِلْكِهِ الظَّاهِرِ، بِخِلَافِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ إذَا كَانَ هُوَ الْمُدَّعِيَ أَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ فِي دَعْوَى الْبَائِعِ بِعُلُوقٍ فِي ملكه، وَهنا حجَّة الاب شُبْهَةَ أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ تَظْهَرُ فِي مَالِ ابْنه البَائِع فَقَط.
وَفِي التاترخانية: فَإِن بَاعَ الامة مَعَ أحد الْوَالِدين ثمَّ ادّعى أَبُو البَائِع نسب الْوَلَدَيْنِ جَمِيعًا وَكذبه المُشْتَرِي وَالْبَائِع: فَفِي قَول مُحَمَّد: دَعْوَى الاب بَاطِلَة، وَعند أبي يُوسُف: وَدَعوى الاب لَا تصح فِي حق الامة وَلَا تصير أم ولد لَهُ، وَتَصِح دَعوته فِي حق الْوَلَدَيْنِ نسبا، وَلَا يحكم بحريّة الْمَبِيع، وَالْولد الثَّانِي حر بِالْقيمَةِ.
وَإِن صدق المُشْتَرِي وَكذب البَائِع فالامة تصير أم وَلَده اتِّفَاقًا وَعَلِيهِ قيمتهَا للِابْن، وَيثبت نسب الْوَلَدَيْنِ مِنْهُ، وَالْمَبِيع حر بِالْقيمَةِ على الاب عِنْد أبي يُوسُف، وَعند مُحَمَّد: حر بِغَيْر الْقيمَة، وَإِن صدقه البَائِع وَكذبه المُشْتَرِي ثَبت نسب الْوَلَدَيْنِ من أبي البَائِع، فَمن الْمَشَايِخ من ظن أَن ثُبُوت نسبهما من أبي البَائِع قَول أبي يُوسُف، وَقَول مُحَمَّد: يَنْبَغِي أَن لَا يثبت نسبهما مِنْهُ وَالصَّحِيح أَن مَا ذكره مُحَمَّد قَول الْكل، وَلم يذكر مُحَمَّد حكم الام.
وَقَالَ أَبُو حَازِم وَالْقَاضِي أَبُو الهشيم على قِيَاس أبي يُوسُف وَمُحَمّد: يضمن البَائِع قيمتهَا للاب لَا على قَول أبي حنيفَة.
وَقَالَ أَكثر مَشَايِخنَا: لَا يضمن شَيْئا لصَاحبه بالِاتِّفَاقِ، كَذَا فِي الْمَقْدِسِي.
وَفِيه: رجل حملت أمته عِنْده وَولدت فَكبر عِنْده فَزَوجهُ أمة لَهُ فَولدت لَهُ ابْنا فَبَاعَ الْمولى هَذَا الابْن وَأعْتقهُ المُشْتَرِي فَادّعى البَائِع نسب الاكبر ثَبت وَبَطل الْعتْق، وَإِن ادّعى نسب الثَّانِي لَا تسمع، وَلَو بَاعَ الام مَعَ أَحدهمَا ثمَّ ادّعى الاب صحت عِنْد أبي يُوسُف وَثَبت نسبهما، وَالْولد الْمَبِيع مَعَ أمه بقيا على ملك المُشْتَرِي، وَعند مُحَمَّد: لَا تصح.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ) لِعَدَمِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ.

قَوْلُهُ: (فَتَقْتَصِرُ) بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ حَيْثُ يَعْتِقَانِ جَمِيعًا لِمَا ذُكِرَ أَنَّهَا دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ فَتَسْتَنِدُ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ عِتْقُهُمَا بِطَرِيقِ أَنَّهُمَا حُرَّا الْأَصْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ حُرًّا.
عَيْنِيٌّ.

قَوْلُهُ: (فَلَا تصح دَعْوَاهُ أبدا) أَي وَإِن جحد العَبْد، وَهَذَا عِنْد الامام، وَعِنْدَهُمَا: تصح دَعْوَاهُ إِن جحد العَبْد.

(8/196)


وَوجه قَول الامام أَن الاقرار ابالنسب من الْغَيْر إِقْرَار بِمَا لَا يحْتَمل النَّقْض فَلَا تصح دَعْوَة الْمقر بعد ذَلِك، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّه لَا يحْتَمل النَّقْض لَان فِي زعم الْمقر أَنه ثَابت النّسَب من الْغَيْر وَالنّسب إِذا ثَبت لَا ينْتَقض بالجحود والتكذيب، وَلِهَذَا لَو عَاد الْمقر لَهُ إِلَى تَصْدِيقه جَازَ وَثَبت النّسَب مِنْهُ وَصَارَ كَالَّذي لم يصدقهُ وَلم يكذبهُ ط.

قَوْله: (وَقد أَفَادَهُ) أَي أَفَادَ نَظِيره لَا عينه.

قَوْله: (مَعَه أَو مَعَ غَيره) أَشَارَ إِلَى أَن مَا وَقع من التَّقْيِيد بِكَوْنِهِ مَعَه لَيْسَ احترازيا.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: لَا يشْتَرط لهَذَا الحكم أَن يكون الصَّبِي فِي يَده، واشتراطه فِي الْكتاب وَقع اتفاقيا اهـ شرنبلالية.

قَوْله: (الْغَائِب) إتقاني أَيْضا.

قَوْله: (خلافًا لَهما) فَقَالَا تصح دَعْوَة الْمقر بعد جحود الْمقر لَهُ أَن يكون ابْنه، لَان إِقْرَاره لَهُ بَطل بجحود الْمقر لَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ لم يقر وَقد تقدم تَوْجِيه قَول الامام، وَذكره الْمُؤلف.
وَعبارَة الدُّرَر: هُمَا قَالَا: إذَا جَحَدَ زَيْدٌ بُنُوَّتَهُ فَهُوَ ابْن للْمقر، إِذا صَدَّقَهُ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَدْرِ تَصْدِيقَهُ وَلَا تَكْذِيبه لم تصح دَعْوَة الْمقر عِنْدهم.
لَهما أَن الاقرار ارْتَدَّ برد زيد فَصَارَ كَأَن لم يكن، والاقرار بِالنّسَبِ يرْتَد بِالرَّدِّ، وَلِهَذَا إِذا أكره على الاقرار بِالنّسَبِ فَأقر بِهِ لَا يثبت، وَكَذَا لَو هزل بِهِ وَإِن لم يحْتَمل النّسَب نَفسه، النَّقْض، وَله أَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، والاقرار بِمثلِهِ لَا يرْتَد بِالرَّدِّ: أَي بِمثل مَا لَا يحْتَمل النَّقْض إِذْ تعلق بِهِ حق الْمقر لَهُ، حَتَّى لَو صَدَّقَهُ بَعْدَ التَّكْذِيبِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ.
وَأَيْضًا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمقر لَهُ اهـ.
قَالَ قاضيخان: وَمن جملَة النّسَب لَا يرْتَد بِالرَّدِّ فِي حق الْمقر لَان فِي زَعمه أَنه ثَابت النّسَب من الْغَيْر فيصلح حجَّة فِي حق نَفسه وَإِن لم يصلح على الْغَيْر، كمن أقرّ بحريّة عبد إِنْسَان وَكذبه الْمولي لَا يبطل إِقْرَاره فِي حق نَفسه، حَتَّى لَو ملكه بعد ذَلِك يعْتق عَلَيْهِ اهـ.
وَلَا يرْتَد بِالرَّدِّ فِي حق الْمقر، وَمن ذَلِك لَو صدقه الخ، وَلَا فِي حق الْوَلَد لاحتياجه إِلَى النّسَب.

قَوْله: (بعد ثُبُوته) وَهنا أثبت مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ لِلْمُقَرِّ لَهُ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ) أَيْ صَدَّقَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ، وَفِي التَّفْرِيع خَفَاء لانه لَيْسَ هَذَا متفرعا على مَا زَعمه، بل على أَن الاقرار بِمَا لَا يحْتَمل النَّقْض لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْر، كمن أقرّ بحريّة عبد غَيره فكذبه مَوْلَاهُ فَيبقى فِي حق الْمقر حرا وَلَا يرْتَد بِالرَّدِّ، حَتَّى لَو ملكه عتق
عَلَيْهِ، وَكَمن شهد على رجل بنس ب صَغِير فَردَّتْ شَهَادَته لتهمة فَادَّعَاهُ الشَّاهِد لَا تقبل.
وَلَا يرد مَا لَو أقرّ المُشْتَرِي على البَائِع بِإِعْتَاق الْمَبِيع قبل البيع وَكذبه البَائِع ثمَّ قَالَ المُشْتَرِي أَنا أعْتقهُ يتَحَوَّل الْوَلَاء إِلَيْهِ لانها من مَحل الْخلاف، وَلَو سلم فالنسب ألزم من الْوَلَاء لقبوله التَّحَوُّل من موَالِي الام إِلَى موَالِي الاب أَو إِلَى مولى آخر فِيمَا لَو ارْتَدَّت الْمُعتقَة ثمَّ سبيت بَعْدَمَا لحقت فاشتراها آخر وأعتقها.
وَلَا يرد أَيْضا مَا لَو أقرّ أَن عَبده ابْن الْغَيْر ثمَّ ادَّعَاهُ حَيْثُ يعْتق، لَان الْعتْق لَيْسَ لثُبُوت نسبه مِنْهُ، بل لَان إِقْرَاره يسري على نَفسه كَقَوْلِه لعبد الثَّابِت نسبه من غَيره هُوَ ابْني.
وَعبارَة الدُّرَر كَمَا سَمعتهَا فِي المقولة السَّابِقَة.
فَظَهَرَ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى تَعَلُّقِ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ بِهِ.
تَأمل.

قَوْله: (فَلَا حَاجَة إِلَى

(8/197)


الاقرار بِهِ ثَانِيًا) بِأَن يَقُول هُوَ ابْني.

قَوْله: (وَلَا سَهْو فِي عبارَة الْعِمَادِيّ) عِبَارَته هَكَذَا: هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنِّي صَحَّ، إذْ بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ مِنْهُ ثَبَتَ نسبه فَلَا يَصح نَفْيه.
قَالَ فِي الدُّرَر: هَذَا سَهْو لَان التَّعْلِيل يَقْتَضِي أَن هُنَاكَ ثَلَاث عِبَارَات: إِثْبَات وَنفي وعود إِلَى الاثبات.
قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ: وَالَّذِي يظْهر لي أَن عوده إِلَى التَّصْدِيق لَيْسَ لَهُ فَائِدَة فِي ثُبُوت النّسَب لانه بعد الاقرار لَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ.
وَأَقُول: هَذَا يُقرر مدعي الدُّرَر، وَلَيْسَ بِجَوَاب عَن الْعِمَادِيّ.
وَفِي الزَّيْلَعِيّ: نفي النّسَب عَن نَفسه لَا يمْنَع الاقرار بِهِ بعده، بِأَن قَالَ لَيْسَ هَذَا بِابْني ثمَّ قَالَ هُوَ ابْني اهـ.
وَأَقُول: لَيْسَ فِي عبارَة الْعِمَادِيّ سبق الاقرار على النَّفْي، وَانْظُر تَحْقِيقه فِيمَا يَأْتِيك فِي المقولة الْآتِيَة.

قَوْله: (كَمَا زَعمه منلا خسرو) رَاجع إِلَى الْمَنْفِيّ الَّذِي هُوَ السَّهْو، وَنَصه قَالَ: هَذَا الْوَلَد مني ثمَّ قَالَ هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هُوَ مني صَحَّ، إِذْ بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ مِنْهُ تعلق حق الْمقر لَهُ إِذا ثَبت نسبه من رجل معِين حَتَّى يَنْتَفِي كَونه مخلوقا من مَاء الزِّنَا، فَإِذا قَالَ لَيْسَ مني هَذَا الْوَلَد لَا يملك إبِْطَال حق الْوَلَد، فَإِذا عَاد إِلَى التَّصْدِيق صَحَّ.
أَقُول: قد وَقعت الْعبارَة فِي الاستروشنية كالعمادية: هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هُوَ مني صَحَّ، إِذْ بِإِقْرَارِهِ أَنه مِنْهُ الخ الظَّاهِر أَنه سَهْو من النَّاسِخ الاول، يدل عَلَيْهِ التَّعْلِيل الَّذِي ذكره لانه يَقْتَضِي أَن يكون هُنَا ثَلَاث عِبَارَات: تفِيد الاولى: إِثْبَات الْبُنُوَّة، وَالثَّانيَِة: نَفيهَا، وَالثَّالِثَة: الْعود إِلَى الاثبات، وَالْمَذْكُور فيهمَا العبارتان فَقَط.
قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ: وَالَّذِي يظْهر لي أَن اللَّفْظ الثَّالِث وَهُوَ قَوْله ثمَّ قَالَ هُوَ مني لَيْسَ لَهُ فَائِدَة لثُبُوت النّسَب لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ لَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ وَلَا يحْتَاج إِلَى الاقرار بِهِ بعده، فَلْيتَأَمَّل اهـ.
وَلذَلِك قَالَ فِي الْخُلَاصَة.
وَلَو قَالَ هَذَا الْوَلَد لَيْسَ مني ثمَّ قَالَ مني صَحَّ، وَلَو قَالَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنِّي لَا يَصِحُّ النَّفْي اهـ.
فاقتصر هُنَا على العبارتين كالعمادية والاستروشنية، لَكِن كَلَام الشُّرُنْبُلَالِيّ لَا يدْفع كَلَام صَاحب الدُّرَر، لَان مناقشته إِنَّمَا هِيَ فِي إِسْقَاط الاولى، أما الثَّالِثَة فَهِيَ مَوْجُودَة فِي عبارَة الْعمادِيَّة والاستروشنية، فَصَاحب الدُّرَر ناقش: فِي إِسْقَاط الاولى والشرنبلالي فِي إِسْقَاط الثَّالِثَة.
تَأمل.
وَالْحَاصِل: أَن الِاعْتِبَار إِنَّمَا هُوَ إِلَى وجدان الاقرار سَوَاء تقدم عَلَيْهِ النَّفْي أَو تَأَخّر عَنهُ كَمَا علم من صَرِيح الْخُلَاصَة، وَمِمَّا ذكرنَا، فهر أَنه الْخلَل فِي سبك تَعْلِيل الاستروشني وَتَبعهُ الْعِمَادِيّ، وَأَن منلا خسرو لم يتفطنه وَظن أَنه مُحْتَاج إِلَى عبارَة أُخْرَى، وَلَيْسَ كَذَلِك، إِذْ الاقرار الْوَاحِد يَكْفِي سَوَاء وجد مقدما على النَّفْي أَو مُتَأَخِّرًا عَنهُ كَمَا لَا يخفى، فَتدبر.

قَوْله: (كَمَا أَفَادَهُ الشُّرُنْبُلَالِيّ) رَاجع إِلَى النَّفْي الَّذِي هُوَ عدم السَّهْو.
ط عَن الْحلَبِي.
وَتقدم نَص عبارَة الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَمُقْتَضى مَا يظْهر لي أَنه رَاجع إِلَى قَوْله فَلَا حَاجَة إِلَى الاقرار بِهِ ثَانِيًا.

قَوْله: (وَهَذَا) أَي ثُبُوت النّسَب إِذا صدقه الابْن، أما بِدُونِهِ فَلَا لانه إِقْرَار على الْغَيْر بِأَنَّهُ جزؤه فَلَا يتم إِلَّا بِتَصْدِيق ذَلِك الْغَيْر، وَهَذَا التَّفْصِيل إِنَّمَا يَأْتِي فِي الاقرار بصبي يعبر عَن نَفسه، أما لَو كَانَ صَغِيرا لَا يعبر عَن نَفسه يصدق الْمقر اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْخُلَاصَة.

(8/198)


قَوْله: (أما بِدُونِهِ فَلَا) أَي فَلَا يتم إِلَّا بِتَصْدِيق ذَلِك الْغَيْر.

قَوْله: (لبَقَاء إِقْرَار الاب) لَان إِقْرَار الاب لم يبطل لعدم تَصْدِيق الابْن فَيثبت النّسَب كَمَا فِي الدُّرَر.

قَوْله: (قبل) لانه إِقْرَار على نَفسه بِأَنَّهُ جزؤه.
دُرَر.

قَوْله: (فَلَا يقبل) أَي على الْغَيْر.

قَوْله: (وَبَين جِهَة الارث صَحَّ) قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: إِذا
إِثْبَات الوراثة لَا يَصح مَا لم يعين جِهَة الارث.

قَوْله: (وَلَو ادّعى بنوة الْعم) عبارَة الدُّرَر: ادّعى الاخوة وَلم يذكر راسم الْجد صَحَّ، بِخِلَاف دَعْوَى كَونه ابْن عَمه حَيْثُ يشْتَرط فِيهَا ذكر اسْم الْجد كَمَا فِي الْعمادِيَّة ح.
وَفِي الْخَيْرِيَّة: وَمِمَّا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ دَعْوَى بُنُوَّةِ الْعَمِّ تحْتَاج إِلَى ذكر نِسْبَة الْعم والام إِلَى الْجد ليصير مَعْلُوما لانه لَا يحصل الْعلم للْقَاضِي بِدُونِ ذكر الْجد، وَتحقّق العمومة بأنواع مِنْهَا الْعم لَام ذكره فِي كتاب الْوَقْف.
وَفِي التَّنْقِيح أَن الشُّهُود إِذا شهدُوا بِنسَب فَإِن القَاضِي لَا يقبلهم وَلَا يحكم بِهِ إِلَّا بعد دَعْوَى مَال، إِلَّا فِي الاب وَالِابْن، وَأَن ينْسب الشُّهُود الْمَيِّت وَالْمُدَّعِي لبنوة العمومة حَتَّى يلتقيا إِلَى أَب وَاحِد، وَأَن يَقُول هُوَ وَارثه لَا وَارِث لَهُ غَيره كَمَا صرح قاضيخان، وَلَا بُد أَن يكون الاب الْوَاحِد الملتقي إِلَيْهِ مَعْرُوفا للْقَاضِي بِالِاسْمِ وَالنّسب بالاب وَالْجد إِذْ الْخِصَام فِيهِ، والتعريف بذلك عِنْد الامام الاعظم رَحمَه الله تَعَالَى، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.
فَإِذا لم يُوجد شَرط من هَذِه الشُّرُوط لَا تقبل وَلَا يَصح الْقَضَاء بهَا، وَيَنْبَغِي الِاحْتِيَاط بِالشَّهَادَةِ بِالنّسَبِ سِيمَا فِي هَذَا الزَّمن.
قَالَ الحامدي: قلت: هَذَا مُنَاقض لما ذكره فِي الظَّهِيرِيَّة والعمادية وَغَيرهمَا من أَنه يشْتَرط ذكر الْجد الَّذِي التقيا إِلَيْهِ، وَقد مثل لَهُ فِي الظَّهِيرِيَّة مِثَالا وَلم يذكر اسْم أَب الْجد وَلَا اسْم جده، لَكِن أفتى الامام أَبُو السُّعُود بِاشْتِرَاط ذكر الاب كَمَا ذكره اليشمقجي فِي فَتَاوِيهِ، وأظن أَن الرحيمية اشْترط ذَلِك بِنَاء على قَوْلهم كصاحب التَّنْوِير وَغَيره: إِذا كَانَت الدَّعْوَى على غَائِب يشْتَرط ذكر أَبِيه وجده، وَإِن حكم بِدُونِ ذكر الْجد نفذ وَأَنه ظن أَن الدَّعْوَى على الْجد الَّذِي التقيا إِلَيْهِ، وَالْحَال أَن الدَّعْوَى على الْمَيِّت الَّذِي يطْلبُونَ إِرْثه، فَتنبه اهـ.
قَالَ فِي الدُّرَر: قَالَ أحد الْوَرَثَة لَا دَعْوَى لي فِي التَّرِكَة لَا تبطل دَعْوَاهُ، لَان مَا ثَبت شرعا من حق لَازم لَا يسْقط بالاسقاط، كَمَا لَو قَالَ لست ابْنا لابي قَالَ ذُو الْيَد لَيْسَ هَذَا لي وَنَحْوه.
أَي لَيْسَ ملكي وَلَا حق لي فِيهِ وَنَحْو ذَلِك وَلَا مُنَازع ثمَّة ثمَّ ادَّعَاهُ فَقَالَ: أَي ذُو الْيَد هُوَ لي صَحَّ وَالْقَوْل قَوْله، لَان هَذَا الْكَلَام لم يثبت حَقًا لَاحَدَّ، لَان الاقرار للْمَجْهُول بَاطِل، والتناقض إِنَّمَا يبطل إِذا تضمن إبِْطَال حق
على أحد، وَلَو كَانَ ثمَّة مُنَازع كَانَ إِقْرَارا لَهُ فِي رِوَايَة وَهِي رِوَايَة الْجَامِع الصَّغِير، وَفِي أُخْرَى لَا، وَهِي

(8/199)


رِوَايَة دَعْوَى الاصل، لَكِن قَالُوا: القَاضِي يسْأَل ذَا الْيَد أهوَ ملك الْمُدَّعِي؟ فَإِن أقرّ بِهِ أمره بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ، وَإِن أنكر أَمر الْمُدَّعِي بِإِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ، وَلَو قَالَه: أَي قَالَ لَيْسَ هَذَا لي وَنَحْوه الْخَارِج لَا يَدعِي ذَلِك الشئ بعده للتناقض وَإِنَّمَا لم يمْنَع ذُو الْيَد على مَا مر لقِيَام الْيَد.
كَمَا فِي الْعمادِيَّة.
أَقُول: لَكِن قَيده فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ بِمَا إِذا قَالَ ذَلِك مَعَ وجود النزاع، أما لَو قَالَه قبل النزاع فعلى الْخلاف على عكس ذِي الْيَد، وَقَوله لقِيَام الْيَد وَهُوَ دَلِيل الْملك فنفي الْملك عَن نَفسه من غير إِثْبَات للْغَيْر لَغْو.
وَفِي الدُّرَر أَيْضا: ادّعى الْعُصُوبَة وَبَين النّسَب وَبرهن الْخصم أَن النّسَب بِخِلَافِهِ، إِن قضى بالاول لم يقْض بِهِ، وَإِلَّا تساقطا للتعارض وَعدم الاولولية.

قَوْله: (مَا لم يذكر اسْمَ الْجَدِّ) بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِلَا ذِكْرِ الْجَدِّ كَمَا فِي الدُّرَرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ دَعْوَى الْأُخُوَّةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ لَا يَصح مَا لَمْ يَدَّعِ قَبْلَهُ مَالًا.
قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخُوهُ لِأَبَوَيْهِ فَجَحَدَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُهُ أَلَكَ قِبَلَهُ مِيرَاثٌ تَدَّعِيهِ أَوْ نَفَقَةٌ أَوْ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي لَا يُقْدَرُ عَلَى أَخْذِهَا إلَّا بِإِثْبَاتِ النَّسَبِ؟ فَإِن كَانَ كَذَلِك يقبل القَاضِي بِبَيِّنَتِهِ عَلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ، وَإِلَّا فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَدَّعِ مَالًا لَمْ يَدَّعِ حَقًّا، لِأَنَّ الْأُخُوَّةَ الْمُجَاوَرَةُ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ فِي الصُّلْبِ أَوْ الرَّحِمِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَبُوهُ وَأَنْكَرَ فَأَثْبَتَهُ يُقْبَلُ، وَكَذَا عَكْسُهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ قِبَلَهُ حَقًّا، لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ صَحَّ فينتصب خصما، هَذَا لِأَنَّهُ يَدَّعِي حَقًّا، فَإِنَّ الِابْنَ يَدَّعِي حَقَّ الِانْتِسَابِ إلَيْهِ وَالْأَبُ يَدَّعِي وُجُوبَ الِانْتِسَابِ إلَى نَفْسِهِ شَرْعًا.
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ انْتَسَبَ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
اهـ مُلَخصا.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: ادّعى على آخر أَنه أَخُوهُ لابويه: إِن ادّعى إِرْثا أَو نَفَقَة وَبرهن تقبل وَيكون قَضَاء على الْغَائِب أَيْضا، حَتَّى وَلَو حضر الاب وَأنكر لَا يقبل وَلَا يحْتَاج إِلَى إِعَادَة الْبَيِّنَة لانه لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِإِثْبَات الْحق على الْغَائِب.
وَإِن لم يدع مَالا بل ادّعى الاخوة الْمُجَرَّدَة لَا يقبل، لَان هَذَا فِي
الْحَقِيقَة إِثْبَات الْبُنُوَّة على أَب الْمُدعى عَلَيْهِ والخصم فِيهِ هُوَ الاب لَا الاخ.
وَكَذَا لَو ادّعى أَنه ابْن ابْنه أَو أَبُو أَبِيه وَالِابْن والاب غَائِب أَو ميت لَا يَصح مَا لم يدع مَالا، فَإِن ادّعى مَالا فَالْحكم على الْغَائِب والحاضر جَمِيعًا كَمَا مر، بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى رجل أَنه أَبوهُ أَو ابْنه، وَتَمَامه فِيهَا.

قَوْله: (وَلَو برهن الخ) مُكَرر مَعَ مَا قدمه قَرِيبا.

قَوْله: (تقبل لثُبُوت النّسَب بِإِقْرَارِهِ) أَي ويزاحم الْوَارِث الْمَعْرُوف، وَيظْهر أَن الابوة مثل ذَلِك كَمَا علمت مِمَّا مر.
بَقِي: فِيمَا لم يثبت بِإِقْرَارِهِ فَيشْتَرط أَن يَدعِي حَقًا آخر كإرث أَو نَفَقَة، فَلَو برهنت أَنه عَمها مريدة النَّفَقَة مِنْهُ فبرهن على زيد أَنه أَخُوهَا برِئ الْعم، بِخِلَاف دَعْوَى الابوة كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة.
وَقَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: أقرّ ذُو ابْن بِأَن فلَانا وَارثه ثمَّ مَاتَ الابْن ثمَّ الْمقر يَأْخُذ الْمقر لَهُ المَال: يَعْنِي بِحكم الْوَصِيَّة لَان هَذَا وَصِيَّة.
حَتَّى لَو قَالَ هُوَ قريبي وَمَات الْمقر عَن زَوْجَة أخذت الرّبع وَالْبَاقِي للْمقر لَهُ اهـ.
وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنه لَا يلْزم معرفَة جِهَة الْقَرَابَة، وَإِلَّا فَإِنَّهُ لَو ادّعى الارث بالاخوة يلْزم، وَالله تَعَالَى أعلم.

قَوْلُهُ: (وَلَا تُسْمَعُ) أَيْ بَيِّنَةُ الْإِرْثِ كَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ، لَكِن فِي الاشباه تقبل الشَّهَادَة حسبَة فِي النّسَب.

(8/200)


وَيُمكن أَن يوفق بَينهَا وَبَين مَا هُنَا فِيمَا إِذا لم يكن خصم، كَمَا لَو ترك صَغِيرا وَارِثا فَإِن الشَّهَادَة حسبَة تقبل وَلَا تكون التَّرِكَة فِي بَيت المَال، بِخِلَاف مَا إِذا حصل خصام من الورقة مَعَ الْمُدَّعِي فَلَا بُد مِمَّا ذكر هُنَا.

قَوْله: (وَهُوَ وَارِث) وَكَذَا على الْوَصِيّ.
نور الْعين
قَوْله: (أَو دائن) أَي على مَا ذكره الْخصاف وَخَالفهُ بعض الْمَشَايِخ، وَانْظُر مَا صورته، وَلَعَلَّ صورته أَنه يَدَّعِيَ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَيَنْصِبَ لَهُ الْقَاضِي مَنْ يُثْبِتُ فِي وَجْهِهِ دَيْنَهُ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ خَصْمًا لِمُدَّعِي الْإِرْثِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الْمُوصى لَهُ تَأمل.
وَيُمكن التَّصْوِير لَهما: أَي الْوَارِث والدائن بِأَن يكون دفع القَاضِي التَّرِكَة للدائن بِدِينِهِ ثمَّ حضر مدعي الارث وَنَازع الدَّائِن بِأَنَّهُ يُرِيد استلام التَّرِكَة وَدفع جَمِيع الدّين إِلَيْهِ فَأنْكر الدَّائِن أَن يكون الْمُدَّعِي وَارِث الْمَيِّت يكون خصما فِي إِثْبَات النّسَب.

قَوْله: (فَلَو أقرّ) أَي الْمُدعى عَلَيْهِ.

قَوْله: (بِهِ) أَي
بالبنوة بالموروث.

قَوْله: (والدافع على الابْن) عَليّ بِمَعْنى من أَو مُتَعَلق بِمَحْذُوف: أَي وَيرجع الدَّافِع على الابْن.

قَوْله: (وَلَو أنكر) أَي الْمُدَّعِي عَلَيْهِ دَعْوَة النُّبُوَّة.

قَوْله: (وَالصَّحِيح تَحْلِيفه) أَي تَحْلِيف الْمُنكر على الْعلم: أَي على أَنه لَا يعلم أَنَّك ابْن فلَان، فَإِذا أَرَادَ الْوَلَد أَخذ المَال كلف إِقَامَة الْبَيِّنَة على مدعاه.

قَوْلُهُ: (عَلَى الْعِلْمِ) أَيْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ.

قَوْلُهُ: (بِأَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ تَحْلِيفَهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِابْنِ فُلَانٍ إنَّمَا هُوَ إذَا أَثْبَتَ الْمُدَّعِي الْمَوْتَ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي تَحْلِيفِهِ إلَّا عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمَوْتِ.
تَأمل.

قَوْله: (ثمَّ يُكَلف الابْن الخ) أَي إِن حلف، وَإِن نكل يكون مقرا، فَإِن كَانَ مُنْكرا لِلْمَالِ يحلف عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ) حَيْثُ قَالَ: وَلَو نكل يصير مقرا بِنسَب وَمَوْت، وَصَارَ كَمَا لَو أقرّ بهما صَرِيحًا وَأنكر المَال، وَلَو كَانَ كَذَلِك لَا يَجْعَل القَاضِي الابْن خصما فِي إِقَامَة الْبَيِّنَة على إِثْبَات المَال، وَلَكِن يَجعله خصما فِي حق التَّحْلِيف على المَال وَأَخذه مِنْهُ فيحلفه بتا.

قَوْله: (من الْفَصْل السَّابِع وَالْعِشْرين) صَوَابه: الثَّامِن وَالْعِشْرين.

قَوْله: (هُوَ عَبدِي) قيد بِهِ لانه لَو قَالَ هُوَ ابْني يقدم الْمُسلم.

قَوْلُهُ: (وَالْإِسْلَامَ مَآلًا) لِظُهُورِ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ لِكُلِّ عَاقِلٍ، وَفِي الْعَكْسِ يَثْبُتُ الْإِسْلَامُ تَبَعًا، وَلَا يَحْصُلُ لَهُ الْحُرِّيَّةُ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ تَحْصِيلِهَا دُرَر.
وَاسْتَشْكَلَهُ الاكمل بمخالفته لقَوْله تَعَالَى: * ((2) ولعَبْد مُؤمن خير من مُشْرك) * (الْبَقَرَة: 112) وَدَلَائِل التَّوْحِيد وَإِن كَانَت ظَاهِرَة لَكِن الالفة مَعَ الْكفَّار مَانع قوي، أَلا ترى أَن آباءه كفرُوا مَعَ ظُهُور أَدِلَّة التَّوْحِيد، وَيُؤَيِّدهُ أَن الذِّمِّيَّة الْمُطلقَة أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ أَو يخف أَن يألف الْكفْر للنَّظَر قبل ذَلِك وَاحْتِمَال الضَّرَر بعده.
وَأجَاب بِأَن قَوْله تَعَالَى: * ((33) ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ) * (الاحزاب: 5) يُوجب دَعْوَة الاولاد

(8/201)


لِآبَائِهِمْ، ومدعي النّسَب أَب لَان دَعوته لَا تحْتَمل النَّقْض فتعارضت الْآيَتَانِ، وَكفر الْآبَاء جحود والاصل عَدمه، أَلا ترى إِلَى انتشار الاسلام بعد الْكفْر فِي الْآفَاق.
وَأما الْحَضَانَة فَتَركهَا لَا يلْزم مِنْهُ رق اهـ.
بِخِلَاف ترك النّسَب هُنَا فَإِن الْمصير بعده إِلَى الرّقّ وَهُوَ ضَرَر عَظِيم لَا محَالة اهـ.
أَقُول: لَكِن بعد اسْتِدْرَاك الشَّارِح الْآتِي عَن ابْن كَمَال بِأَنَّهُ يكون مُسلما فَلَا إِشْكَال، وَإِن اعْترض عَلَيْهِ فَإنَّك ستسمع الِاعْتِرَاض وَالْجَوَاب.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: وَهَذَا إذَا ادَّعَيَاهُ مَعًا، فَلَوْ سَبَقَ
دَعْوَى الْمُسْلِمِ كَانَ عَبْدًا لَهُ، وَلَوْ ادَّعَيَا الْبُنُوَّةَ كَانَ ابْنًا لِلْمُسْلِمِ إذْ الْقَضَاءُ بِنَسَبِهِ مِنْ الْمُسْلِمِ قَضَاءٌ بِإِسْلَامِهِ.

قَوْله: (لَكِنْ جَزَمَ ابْنُ الْكَمَالِ بِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا) أَي تبعا للدَّار وابنا للْكَافِرِ بالدعوة كَمَا صرح بِهِ فِيهِ، لَان حكمه حكم دَار الاسلام، وَفِيه أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلدَّارِ مَعَ وُجُودِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ ح.
قُلْت: يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرُوا فِي اللَّقِيطِ لَوْ ادَّعَاهُ ذِمِّيٌّ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَهُوَ مُسلم تبعا للدَّار، وَتقدم فِي كِتَابه عَن الْوَلوالجِيَّة: وَلَا يُقَال إِن تَبَعِيَّة الدَّار إِنَّمَا تكون عِنْد فقد الابوين لَان تبعيته قبل ثُبُوت أَن الذِّمِّيّ أَب لَهُ حَيْثُ كَانَ فِي يَد الْمُسلم وَالْكَافِر يتنازعان فِيهِ، وَهُوَ قَول فِي غَايَة الْحسن وَإِن كَانَ مُخَالفا الظَّاهِر.
تَعْلِيل الْهِدَايَة وَغَيرهَا فليتبصر.

قَوْله: (قَالَ زوج امْرَأَة لصبي مَعَهُمَا) أَيْ فِي يَدِهِمَا اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا.
قَالَ فِي التاترخانية: وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِ الزَّوْجِ أَوْ يَدِ الْمَرْأَةِ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ فِيهِمَا، وَقُيِّدَ بِإِسْنَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَدَ إلَى غَيْرِ صَاحِبِهِ، لِمَا فِيهَا أَيْضًا عَنْ الْمُنْتَقَى: صَبِيٌّ فِي يَدِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ قَالَتْ الْمَرْأَةُ هَذَا ابْنِي مِنْ هَذَا الرجل وَقَالَ ابْنِي مِنْ غَيْرِهَا يَكُونُ ابْنَ الرَّجُلِ وَلَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ، فَإِنْ جَاءَتْ بِامْرَأَةٍ شَهِدَتْ عَلَى وِلَادَتِهَا إيَّاهُ كَانَ ابْنَهَا مِنْهُ وَكَانَتْ زَوْجَتَهُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ وَادَّعَاهُ وَادَّعَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْهُ وَشَهِدَتْ امْرَأَة عَلَى الْوِلَادَةِ لَا يَكُونُ ابْنَهَا مِنْهُ بَلْ ابْنُهُ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ، وَاحْتُرِزَ عَمَّا فِيهَا أَيْضًا: صَبِيٌّ فِي يَدِ رَجُلٍ لَا يَدَّعِيهِ أَقَامَتْ امْرَأَةٌ أَنَّهُ ابْنُهَا وَلَدَتْهُ وَلَمْ تُسَمِّ أَبَاهُ وَأَقَامَ رَجُلٌ أَنَّهُ وُلِدَ فِي فِرَاشِهِ وَلَمْ يُسَمِّ أُمَّهُ يُجْعَلُ ابْنَهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ التَّرْجِيحُ بِالْيَدِ، كَمَا لَوْ ادعها رَجُلَانِ وَهُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يُقْضَى لذِي الْيَد.

قَوْله: (فَهُوَ ابنهما) لَان كل وَاحِد مِنْهُمَا أقرّ للْوَلَد بِالنّسَبِ وَادّعى مَا يبطل حق صَاحبه وَلَا رُجْحَان لاحدهما على الآخر لِاسْتِوَاء أَيْدِيهِمَا فِيهِ فَيكون ابنهما، هَذَا إِذا كَانَ لَا يعبر عَن نَفسه وَإِلَّا فَهُوَ لمن صدقه.
عَيْني.

قَوْله: (إِن ادّعَيَا) هَذَا إِذا كَانَ النِّكَاح بَينهمَا ظَاهرا، وَإِن لم يكن ظَاهرا بَينهمَا يقْضِي بِالنِّكَاحِ بَينهمَا.
هندية عَن شرح الطَّحَاوِيّ.

قَوْله: (وَإِلَّا فَفِيهِ تَفْصِيل ابْن كَمَال) حَيْثُ قَالَ: وَإِلَّا فعلى التَّفْصِيل الَّذِي فِي شرح الطَّحَاوِيّ وَلم يبين ذَلِك التَّفْصِيل، وَظَاهر إِطْلَاق الْمُتُون والشروح أَنه لَا فرق بَين أَن يدعيا مَعًا أَو متعاقبا وَهِي الْمَوْضُوعَة لنقل الْمَذْهَب فَلْيَكُن الْعَمَل عَلَيْهَا، ولان مَا يَدعِيهِ أَحدهمَا غير مَا يَدعِيهِ الآخر إِذْ هُوَ يَدعِي أبوته وَهِي تَدعِي الامومة، وَلَا يُنَافِي
إِحْدَى الدعوتين الاخرى، غير أَن كلا يكذب صَاحبه فِي حق لَا يَدعِيهِ لنَفسِهِ فَيلْغُو قَوْله وَلَا يعْتَبر السَّبق فِيهِ، وَالله تَعَالَى أعلم.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَلَو ادّعى الزَّوْج أَولا أَنه ابْنه من غَيرهَا وَهُوَ فِي يَدَيْهِ يثبت النّسَب من غَيرهَا،

(8/202)


فَبعد ذَلِك إِذا ادَّعَت الْمَرْأَة لَا يثبت النّسَب مِنْهَا، وَإِن ادَّعَت الْمَرْأَة أَولا أَنه من غَيره وَهُوَ فِي يَدهَا فَادّعى الرجل أَنه ابْنه من غَيرهَا بعد ذَلِك: فَإِن كَانَ بَينهمَا نِكَاح ظَاهر لَا يقبل فَهُوَ ابنهما، وَإِن لم يكن بَينهمَا نِكَاح ظَاهر فَالْقَوْل قَوْلهَا، وَيثبت نسبه مِنْهَا إِذا صدقهَا ذَلِك الرجل، هَذَا إِذا كَانَ الْغُلَام لَا يعبر عَن نَفسه.
أما إِذا كَانَ يعبر عَن نَفسه وَلَيْسَ هُنَاكَ رق ظَاهر فَالْقَوْل قَول الْغُلَام أَيهمَا صدقه يثبت نسبه مِنْهُ بتصديقه.
كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج.
وأوضحه فِي الْعِنَايَة أيضاحا حسنا حَيْثُ قَالَ: إِذا ادَّعَت امْرَأَة صَبيا أَنه ابْنهَا، فإمَّا أَن تكون ذَات زوج أَو مُعْتَدَّة، أَو لَا مَنْكُوحَة وَلَا مُعْتَدَّة، فَإِن كَانَت ذَات زوج وصدقها فِيمَا زعمت أَنه ابْنهَا مِنْهُ ثَبت النّسَب مِنْهُمَا بالتزامه فَلَا حَاجَة إِلَى حجَّة، وَإِن كذبهَا لم تجز دعوتها حَتَّى تشهد بِالْولادَةِ امْرَأَة لانها تَدعِي تحميل النّسَب على الْغَيْر فَلَا تصدق إِلَّا بِالْحجَّةِ وَشَهَادَة الْقَابِلَة كَافِيَة لَان التَّعْيِين يحصل بهَا وَهُوَ الْمُحْتَاج إِلَيْهِ، إِذْ النّسَب يثبت بالفراش الْقَائِم، وَقد صَحَّ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قبل شَهَادَة الْقَابِلَة على الْولادَة وَإِن كَانَت مُعْتَدَّة احْتَاجَت إِلَى حجَّة كَامِلَة عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: أَي وَهِي شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ، إِلَّا إِذا كَانَ هُنَاكَ حَبل ظَاهر أَو اعْترف من قبل الزَّوْج.
وَقَالا: يَكْفِي فِي الْجَمِيع شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة، وَقد مر فِي الطَّلَاق: وَإِن لم تكن ذَات زوج وَلَا مُعْتَدَّة قَالُوا يثبت النّسَب بقولِهَا لَان فِيهِ إلزاما على نَفسهَا دون غَيرهَا.
وَفِي هَذَا لَا فرق بَين الرجل وَالْمَرْأَة، وَمِنْهُم من قَالَ: لَا يقبل قَوْلهَا سَوَاء كَانَت ذَات زوج أَو لَا.
وَالْفرق هُوَ أَن أصل أَن كل من ادّعى أمرا لَا يُمكنهُ إثْبَاته بِالْبَيِّنَةِ كَانَ القَوْل فِيهِ قَوْله من غير بَيِّنَة، وكل من ادّعى أمرا يُمكن إثْبَاته بِالْبَيِّنَةِ لَا يقبل قَوْله فِيهِ إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَالْمَرْأَة يُمكنهَا إِثْبَات النّسَب بِالْبَيِّنَةِ لَان انْفِصَال الْوَلَد مِنْهَا مِمَّا يُشَاهد فَلَا بُد لَهَا من بَيِّنَة، وَالرجل لَا يُمكنهُ إِقَامَة الْبَيِّنَة على الاعلاق لخفاء فِيهِ فَلَا يحْتَاج إِلَيْهَا، والاول هُوَ الْمُخْتَار لعدم التحميل على أحد فيهمَا اهـ.

قَوْله: (وَهَذَا لَو غير
معبر) أَي إِذا كَانَ الْغُلَام لَا يعبر عَن نَفسه.

قَوْله: (فَهُوَ لمن صدقه) أَي فَالْقَوْل قَول الْغُلَام أَيهمَا صدقه يثبت نسبه مِنْهُ بتصديقه، فَلَو لم يصدقهما جَمِيعًا فَالظَّاهِر أَن الْعبْرَة لقَوْله ط.

قَوْله: (لَان الخ) عِلّة لقَوْله فَهُوَ ابنهما، فَكَانَ الاولى تَقْدِيمه على قَوْله وَإِلَّا، وَأما كَونه لمن كَانَ صدقه إِذا كَانَ معبرا فعلته أَنه فِي يَد نَفسه.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَلَدَتْ أَمَةٌ) أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِي وَادّعى الْوَلَد.
حموي.

قَوْله: (غرم الاب قيمَة الْوَلَد) وَلَا يغرم الْوَلَد حَتَّى لَو كَانَ الاب مَيتا تُؤْخَذ من تركته، وَوَلَاؤُهُ للْمُسْتَحقّ عَلَيْهِ لانه علق حر الاصل، وَإِنَّمَا قدر الرّقّ ضَرُورَة الْقَضَاء بِالْقيمَةِ فَلَا تعدو محلهَا.

قَوْله: (يَوْم الْخُصُومَة) لَا يَوْم الْقَضَاء وَلَا يَوْم الْولادَة.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: يغرم قيمَة الْوَلَد يَوْم الْقَضَاء، وَإِلَيْهِ يُشِير.

قَوْله: (لانه يَوْم الْمَنْع) أَي منع الْوَلَد من الْمُسْتَحق، لَكِن فِي حَاشِيَة الشَّيْخ حسن الشُّرُنْبُلَالِيّ مَا يُخَالِفهُ، حَيْثُ فسر يَوْم التخاصم بِيَوْم الْقَضَاء، وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ بِعِبَارَة الزَّيْلَعِيّ وَشرح الطَّحَاوِيّ، وَلَا شكّ أَن الْمُغَايرَة بَينهمَا أظهر لاحْتِمَال تَأَخّر الْقَضَاء عَن التخاصم بِأَن لم يقم الْمُسْتَحق الْبَيِّنَة فِي يَوْم دَعْوَى الِاسْتِحْقَاق بل فِي يَوْم آخر وَكَانَ بَين الْيَوْمَيْنِ تفَاوت بِالْقيمَةِ، يُؤَيّدهُ أَن قَول الطَّحَاوِيّ صَرِيح فِي الْمُغَايرَة بَين يومي التخاصم وَالْقَضَاء، إِلَّا أَن يُقَال: الْجمع بَينهمَا مُمكن.
تَأمل.

قَوْله: (وَهُوَ حر) أطلقهُ، وَلَكِن هَذَا إِذا

(8/203)


كَانَ حرا، أما إِذا كَانَ مكَاتبا أَو عبدا مَأْذُونا لَهُ فِي التَّزَوُّج يكون وَلَده عبدا: أَي قِنَا للْمُسْتَحقّ عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف خلافًا لمُحَمد، وَهُوَ حر بِالْقيمَةِ عِنْده، وَبَاقِي التَّفْصِيل مَذْكُور فِي بَابه.

قَوْله: (لانه مغرور) أَي والامة ملك للْمُسْتَحقّ وَالْولد جزؤها فاستوجب الْمُسْتَحق النّظر إِلَيْهِ والمغرور مَعْذُور، وَقد بنى الامر على سَبَب صَحِيح فَوَجَبَ الْجمع بَين النظرين مهما أمكن، وَذَلِكَ بِجعْل الْوَلَد حر الاصل فِي حق الاب ورقيقا فِي حق الْمُسْتَحق، لَان اسْتِحْقَاق الاصل سَبَب اسْتِحْقَاق الْجُزْء فَيضمن الاب قِيمَته يَوْم الْخُصُومَة.
وَاعْلَم أَن ولد الْمَغْرُور حر الاصل من غير خلاف، وَلَا خلاف أَنه مَضْمُون على الاب إِلَّا أَن السّلف اخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة الضَّمَان، فَقَالَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: يفك الْغُلَام بالغلام وَالْجَارِيَة بالجارية: يَعْنِي إِذا كَانَ الْوَلَد غُلَاما فعلى الاب غُلَام مثله، وَإِن كَانَ جَارِيَة فَعَلَيهِ جَارِيَة
مثلهَا.
وَقَالَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنهُ: قِيمَته، وَإِلَيْهِ ذهب أَصْحَابنَا، فَإِنَّهُ قد ثَبت بِالنَّصِّ أَن الْحَيَوَان لَا يضمن بِالْمثلِ، وَتَأْويل الحَدِيث الْغُلَام بِقِيمَة الْغُلَام وَالْجَارِيَة بِقِيمَة الْجَارِيَة، ولان النّظر من الْجَانِبَيْنِ وَاجِب دفعا للضَّرَر عَنْهُمَا فَيجْعَل الْوَلَد حر الاصل فِي حق أَبِيه رَقِيقا فِي حق مدعيه نظرا لَهما.
عناية.

قَوْله: (فَلِذَا قَالَ) أَي لكَون الْمَغْرُور من اعْتمد فِي وَطئه على ملك يَمِين الخ: أَي وَلم يُقيد بِالشِّرَاءِ، فَعلم أَن قَول المُصَنّف أَولا اشْتَرَاهَا اتفاقي.

قَوْله: (وَكَذَا الحكم لَو ملكهَا بِسَبَب آخر) كَمَا لَو ملكهَا أُجْرَة عين لَهُ آجرها أَو اتهبها أَو تصدق بهَا عَلَيْهِ أَو أوصى لَهُ بهَا، إِلَّا أَن رُجُوع الْمَغْرُور بِمَا ضمن لَا يعم هَذِه الصُّور، بل يقْتَصر على الْمُشْتَرَاة والمجعولة أُجْرَة والمنكوحة بِشَرْط الْحُرِّيَّة لَا الْمَوْهُوبَة.
والمتصدق بهَا وَالْمُوصى بهَا.
أَفَادَهُ أَبُو السُّعُود.

قَوْله: (عَيْني) حَيْثُ قَالَ: النّظر من الْجَانِبَيْنِ وَاجِب فَيجْعَل الْوَلَد حر الاصل فِي حق الاب رَقِيقا فِي حق الْمُسْتَحق فَيضمن قِيمَته يَوْم الْخُصُومَة لانه يَوْم الْمَنْع، وَيجب على الاب دون الْوَلَد، حَتَّى لَو كَانَ الاب مَيتا تُؤْخَذ من تركته، وَلَا وَلَاء للْمُسْتَحقّ عَلَيْهِ لانه علق حر الاصل، وَكَذَا إِذا ملكهَا بِسَبَب آخر غير الشِّرَاء، وَكَذَا إِذا تزَوجهَا على أَنَّهَا حرَّة فَولدت ثمَّ اسْتحقَّت، روى ذَلِك عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي النِّكَاح.
وَعَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الشِّرَاء بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ من غير نَكِير فَكَانَ إِجْمَاعًا اهـ.

قَوْله: (كَمَا لَو تزَوجهَا على أَنَّهَا حرَّة) أَي بِأَن كَانَ المزوج وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا عَنْهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذا أَخْبَرَهُ رَجُلٌ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ فَلَا رُجُوعَ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْمُخْبِرِ إِلَّا فِي ثَلَاث مسَائِل: مِنْهَا إذَا كَانَ الْغُرُورُ بِالشَّرْطِ كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُخْبِرِ بِمَا غَرِمَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ قيمَة الْوَلَد.
وَتَمَامه فِي بَاب الْمُرَابَحَة التَّوْلِيَة وَفِي بَاب الِاسْتِحْقَاق.

قَوْله: (غرم قيمَة وَلَده) أَي وَيرجع ذَلِك عَلَى الْمُخْبِرِ كَمَا مَرَّ فِي آخِرِ بَابِ الْمُرَابَحَة.

قَوْله: (وإرثه لَهُ) أَي لَو مَاتَ الْوَلَد وَترك مَالا فَهُوَ لابيه، وَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا لِأَنَّ الْإِرْثَ لَيْسَ بِعِوَضٍ عَن الْوَلَد فَلَا يقوم مقَامه فَلم يَجْعَل سَلامَة الارث كسلامته.

قَوْله: (لانه حر الاصل) فَإِن قلت: إِنَّه ظهر مِنْهُ أَنه رَقِيق فِي حق الْمُسْتَحق فَوَجَبَ أَن تكون التَّرِكَة بَينهمَا، قلت: بل هُوَ حر فِي حق الْمُسْتَحق أَيْضا، حَتَّى لَو لم

(8/204)


يكن لَهُ وَلَاء فِيهِ، وَإِنَّمَا جعل رَقِيقا ضَرُورَة الْقَضَاء بِالْقيمَةِ، وَمَا ثَبت بِالضَّرُورَةِ يتَقَدَّر بِقَدرِهَا كَمَا فِي الشُّرُوح، فَظهر أَن معنى قَوْله لانه حر الاصل فِي حَقه أَنه حر فِي جَمِيع الاحكام من كل وَجه فِي حق غير الْمُسْتَحق، وَفِي حق الْمُسْتَحق إِنَّمَا هُوَ رَقِيق فِي حق الضَّمَان.

قَوْله: (فَإِن قَتله أَبوهُ) إِنَّمَا غرم لَان الْمَنْع تحقق بقتْله.

قَوْله: (غرم الاب قِيمَته للْمُسْتَحقّ) لوُجُود الْمَنْع مِنْهُ فِيمَا إِذا كَانَ هُوَ الْقَاتِل ولقبضه بدله فِيمَا إِذا كَانَ الْقَاتِل غَيره، فَلِذَا لَا يُؤْخَذ مِنْهُ فَوق مَا قبض كَمَا سَيَأْتِي، بِخِلَاف مِيرَاث الْوَلَد فَإِنَّهُ لَيْسَ بَدَلا عَنهُ، بل آل إِلَيْهِ خلَافَة عَنهُ كَمَا هُوَ طَريقَة الارث وَهُوَ حر الاصل فِي حَقه، والغرامة فِي مَاله لَو كَانَ الْوَلَد حَيا لَا فِي مَال الْوَلَد وَهُوَ لم يمنعهُ وَلَا بدله فَلَا شئ عَلَيْهِ.

قَوْله: (لَا شئ عَلَيْهِ) لَان الْمَنْع لَا يتَحَقَّق فِيمَا لم يصل إِلَيْهِ.

قَوْله: (لزمَه بِقَدرِهِ) اعْتِبَارا للْبَعْض بِالْكُلِّ.

قَوْله: (فِي الصُّورَتَيْنِ) أَي صُورَتي الْملك والتزوج، أما فِي صُورَة الْملك فلَان البَائِع صَار كَفِيلا بِمَا شَرطه من الْبَدَل لوُجُوب سَلامَة الْبَدَلَيْنِ فِي البيع وَلما سلم الثّمن للْبَائِع وَجب سَلامَة الْمَبِيع للْمُشْتَرِي، وَذَلِكَ بِجعْل البَائِع كَفِيلا لتملكه الْبَدَل، لانه ضمن سلامتها من عيب والاستحقاق عيب.
وَأما فِي صُورَة النِّكَاح فلَان الِاسْتِيلَاد مَبْنِيّ على التَّزَوُّج وَشرط الْحُرِّيَّة كوصف لَازم للتزوج فَنزل: أَي المزوج قَائِلا: أَنا كَفِيل بِمَا لزم فِي هَذَا العقد، بِخِلَاف مَا إِذا أخبرهُ رجل أَنَّهَا حرَّة أَو أخبر بِهِ هِيَ وَتَزَوجهَا من غير شَرط الْحُرِّيَّة حَيْثُ يكون الْوَلَد رَقِيقا، وَلَا يرجع على الْمخبر بشئ لَان الاخبار سَبَب مَحْض، لَان العقد حصل بِاخْتِيَار الرجل وَالْمَرْأَة، وَإِنَّمَا يُؤْخَذ حكم الْعلَّة بالغرور وَذَلِكَ بِأحد أَمريْن: بِالشّرطِ أَو بالمعاوضة كَمَا فِي الْمَقْدِسِي، وَهَذَا ظَاهر فِيمَا إِذا أرجعنا الصُّورَتَيْنِ إِلَى مَا ذكرنَا، أما إِذا أرجعنا الصُّورَتَيْنِ إِلَى قَوْله فَإِن قَتله أَبوهُ أَو غَيره كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيّ فَلَا يظْهر فِيمَا إِذا قَتله الاب لانه ضَمَان إِتْلَاف فَكيف يرجع بِمَا غرم؟ وَقَدْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِذَلِكَ: أَيْ بِالرُّجُوعِ فِيمَا إِذا قَتله غَيره وبعدمه بقتْله، والاولى إرجاع الصُّورَتَيْنِ إِلَى مَا إِذا اسْتَوْلدهَا وَمَا إِذا قَتله غير الاب، فَتَأمل.

قَوْله: (وَلَو هالكة) يَعْنِي إِذا هَلَكت عِنْد المُشْتَرِي فضمنه: أَي الْمُسْتَحق قيمتهَا وَقِيمَة الْوَلَد فَإِنَّهُ يرجع على البَائِع بِثمنِهَا وبقيمة الْوَلَد لَا بِمَا ضمن من قيمتهَا، لانه لما أَخذ الْمُسْتَحق قيمتهَا صَار كَأَنَّهُ أَخذ عينهَا، وَفِي أَخذ الْعين لَا يرجع إِلَّا بِالثّمن فَكَذَا فِي أَخذ الْقيمَة.
وَالْحَاصِل: أَن الْمُسْتَحق يَأْخُذهَا لَو قَائِمَة وَقيمتهَا لَو كَانَت هالكة، وَيرجع بذلك على بَائِعه لانه بِعقد البيع ضمن لَهُ السَّلامَة، بِخِلَاف الْوَاهِب أَو الْمُعير لَو هَلَكت فِي يَده فضمنه الْمُسْتَحق قيمتهَا لانهما محسنان وَمَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل فَلَا يرجع عَلَيْهِمَا كَمَا ذكرنَا.

قَوْله: (وَكَذَا لَو اسْتَوْلدهَا المُشْتَرِي الثَّانِي) فَإِن المُشْتَرِي الثَّانِي يرجع على المُشْتَرِي الاول بِالثّمن وبقيمة الْوَلَد.

قَوْله: (لَكِنْ إنَّمَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَى الْبَائِعِ الاول بِالثّمن فَقَط) وَلَا يرجع بِقِيمَة الْوَلَد عِنْد الامام.
وَقَالا: يرجع عَلَيْهِ

(8/205)


بِقِيمَة الْوَلَد أَيْضا، لَان البَائِع الاول ضمن للثَّانِي سَلامَة الْوَلَد فِي ضمن البيع وَلم يسلم لَهُ حَيْثُ أَخذ مِنْهُ قيمَة الْوَلَد فَيرجع بِهِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الثّمن وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ.
ولابي حنيفَة أَن البَائِع الاول ضمن للْمُشْتَرِي سَلامَة أَوْلَاده دون أَوْلَاد المُشْتَرِي مِنْهُ، لَان ضَمَان السَّلامَة إِنَّمَا بثبت بِالْبيعِ، وَالْبيع الثَّانِي لَا يُضَاف إِلَيْهِ وَإِنَّمَا يُضَاف إِلَى البَائِع الثَّانِي لمباشرته بِاخْتِيَارِهِ فَيَنْقَطِع بِهِ سَبَب الاول، بِخِلَاف الثّمن لَان البَائِع الاول ضمن للْبَائِع الثَّانِي سَلامَة الْمَبِيع وَلم يسلم لَهُ فَلَا يسلم للْبَائِع الثّمن، وَبِخِلَاف الرَّد بِالْعَيْبِ لَان المُشْتَرِي الاول اسْتَحَقَّه سليما وَلم يُوجد اهـ.
منح.

قَوْله: (كَمَا فِي الْمَوَاهِب) وعبارتها: وَلَو اسْتحقَّت أمة بَعْدَمَا اسْتَوْلدهَا المُشْتَرِي الثَّانِي غرم الْعقر وَقِيمَة الْوَلَد وَقت الْخُصُومَة، وَيرجع بِالثّمن وَقِيمَته على البَائِع وَهُوَ يرجع بِالثّمن فَقَط انْتهى.

قَوْله: (لَا بعقرها) أَي لَا يرجع بالعقر الَّذِي أَخذه مِنْهُ الْمُسْتَحق لانه لزمَه بِاسْتِيفَاء مَنَافِعهَا: أَي مَنَافِع بضعهَا وَهُوَ الوطئ وَهِي لَيست من أَجزَاء الْمَبِيع فَلم يكن البَائِع ضَامِنا لسلامته.
صدر الشَّرِيعَة.
قَوْله بِاسْتِيفَاء مَنَافِعهَا على حذف مُضَاف: أَي مَنَافِع بضعهَا، دلّ على ذَلِك قَول الزَّيْلَعِيّ: الْعقر عوض عَمَّا استوفى من مَنَافِع الْبضْع، فَلَو رَجَعَ بِهِ سلم لَهُ المستوفي مجَّانا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يرجع بالعقر أَيْضا على البَائِع.

قَوْله: (التَّنَاقُض فِي مَوضِع الخفاء عَفْوٌ) فِي الْأَشْبَاهِ: يُعْذَرُ الْوَارِثُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُتَوَلِّي للْجَهْل اهـ.
لَعَلَّهُ لِجَهْلِهِ بِمَا فَعَلَهُ الْمُوَرِّثُ وَالْمُوصِي وَالْمَوْلَى.
وَفِي دَعْوَى الْأَنْقِرْوِيِّ فِي التَّنَاقُضِ الْمَدْيُونُ بَعْدَ قَضَاء الدّين أَو المختلعة بَعْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْخُلْعِ: لَوْ بَرْهَنَتْ عَلَى طَلَاقِ الزَّوْجِ قَبْلَ الْخُلْعِ وَبَرْهَنَ عَلَى إبْرَاءِ الدّين يقبل، ثمَّ نُقِلَ أَنَّهُ إذَا اُسْتُمْهِلَ فِي قَضَاءِ
الدَّيْنِ ثمَّ ادّعى الابراء لَا يسمع.
سائحاني.
وَقدمنَا نَظِيره وَمِنْه الاقرار بِالرّضَاعِ، فَلَو قَالَ هَذِه رضيعتي ثمَّ اعْترف بالْخَطَأ يصدق فِي دَعْوَاهُ الْخَطَأ، وَله أَن يَتَزَوَّجهَا بعد ذَلِك، وَهَذَا مَشْرُوط بِمَا إِذا لم يثبت على إِقْرَاره بِأَن قَالَ هُوَ حَقٌّ أَوْ صِدْقٌ أَوْ كَمَا قُلْت أَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شُهُودًا أَوْ مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ الثَّبَاتِ اللَّفْظِيِّ الدَّالِّ على الثَّبَات النَّفْسِيّ، واتفقت فِي ذَلِك مبَاحث طَوِيلَة الذيول لَا يحْتَمل هَذِه الاوراق إيرادها، والعذر للْمقر فِي رُجُوعه عَن ذَلِك لانه مِمَّا يخفى عَلَيْهِ، فقد يظْهر بعد إِقْرَاره خطأ النَّاقِل.
وَمِنْهَا: تَصْدِيق الْوَرَثَة الزَّوْجَة على الزَّوْجِيَّة وَدفع الْمِيرَاث لَهَا ثمَّ دَعوَاهُم استرجاع الْمِيرَاث بِحكم الطَّلَاق الْمَانِع مِنْهُ حَيْثُ تسمع دَعوَاهُم لقِيَام الْعذر فِي ذَلِك لَهُم حَيْثُ استصحبوا الْحَال فِي الزَّوْجِيَّة وخفيت عَلَيْهِم الْبَيْنُونَة.
وَمِنْهَا: مَا إِذا أدّى الْمكَاتب بدل الْكِتَابَة ثمَّ ادّعى الْعتْق قبل الْكِتَابَة قيل لانه يخفى عَلَيْهِ الْعتْق.
وَمِنْهَا: مَا إِذا اسْتَأْجر دَارا ثمَّ ادّعى ملكهَا على الْمُؤَجّر وَأَنَّهَا صَارَت إِلَى الْمُسْتَأْجر مِيرَاثا عَن أَبِيه إِذْ هُوَ مِمَّا يخفى.
وَمِنْهَا: مَا إِذا اسْتَأْجر ثوبا مطويا فِي جراب أَو منديل أَو غير ذَلِك، فَلَمَّا نشره قَالَ هَذَا متاعي

(8/206)


تسمع دَعْوَاهُ وَتقبل بَينته، فالدعوى مسموعة مَعَ التَّنَاقُض فِي جَمِيع هَذِه الصُّور مُطلقًا لمُطلق الْعذر على الرَّاجِح الْمُفْتى بِهِ.
وَمن الْمَشَايِخ من اعْتبر الناقض فِي جَمِيع هَذِه الصُّور فَمنع سَماع الدَّعْوَى إِذا تقدم مَا ينافيها إِلَّا فِي مَسْأَلَة الرَّضَاع وَمَسْأَلَة إكذاب القَاضِي الْمُدَّعِي فِي التَّنَاقُض السَّابِق، وَهِي مَا إِذا أَمر إنْسَانا بِقَضَاء دينه فَزعم الْمَأْمُور أَنه قَضَاء عَن أمره وَصدقه الْآمِر وَكَانَ الاذن بِالْقضَاءِ مَشْرُوطًا بِالرُّجُوعِ فَرجع الْمَأْمُور على الْآمِر بِالْمَالِ الَّذِي صدقه على أَدَائِهِ للدائن فجَاء رب الدّين بعد ذَلِك وَادّعى على الْآمِر الْمَدْيُون بِدِينِهِ وَأَن الْمَأْمُور لم يُعْطه شَيْئا وَحلف على ذَلِك يقْضِي لَهُ القَاضِي على الْآمِر بأَدَاء الدّين، فَإِذا أَدَّاهُ ثمَّ ادّعى الْآمِر على الْمَأْمُور بِمَا كَانَ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ بِحكم تَصْدِيقه، فَهَل الدَّعْوَى مسموعة مَعَ التَّنَاقُض لَان القَاضِي أكذب الْمُدَّعِي الَّذِي هُوَ الْآمِر فِيمَا سبق مِنْهُ من تَصْدِيق الْمَأْمُور حَيْثُ قضى عَلَيْهِ
بِدفع الدّين إِلَى الدَّائِن وَالْحَال مَا ذكر مَانِعا من الرُّجُوع عَلَيْهِ بِالْمَالِ؟ ثمَّ قَالَ: وَهل يشْتَرط فِي صِحَة سَماع الدَّعْوَى إبداء الْمُدَّعِي عذره عِنْد القَاضِي والتوفيق بَين الدَّعْوَى وَبَين مَا سبق، أَو لَا يشْتَرط ذَلِك ويكتفي القَاضِي بِإِمْكَان الْعذر والتوفيق، وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوْفِي، فَرَاجعه.
وَمِمَّا يتَّصل بِهَذَا الْفَرْع: أَعنِي قَوْله التَّنَاقُض فِي مَوضِع الخفاء عَفْو مَا ذكره فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: قدم بَلْدَة واستأجر دَارا فَقيل لَهُ هَذِه دَار أَبِيك مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا فادعاها الْمُسْتَأْجر وَقَالَ مَا كنت أعلم بهَا لَا تسمع للتناقض.
أَقُول: يَنْبَغِي أَن تسمع فِيهِ وَفِي أَمْثَاله، إِذْ التَّنَاقُض إِنَّمَا يمْنَع مَا لم يوفق أَو لم يُمكن توفيقه.
وَأما إِذا وفْق فَيَنْبَغِي أَن تسمع إِذْ لَا تنَاقض حِينَئِذٍ حَقِيقَة، أما لَو أمكن توفيقه وَلَكِن لم يوفق فَفِيهِ اخْتِلَاف، وَنَصّ فِي هَذَا وَغَيره على أَن الامكان يَكْفِي اهـ.
وَقدمنَا أَنه فِي مَحل الخفاء لَا يَكْفِي الامكان، وَإِلَّا فَلَا بُد مِنْهُ.
قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: وَالظَّاهِر أَن صَاحب الْفُصُولَيْنِ لم يطلع على نَص صَرِيح يُفِيد سماعهَا، وَقد ظَفرت بِهِ فِي الْبَحْر الرَّائِق فِي بَاب الِاسْتِحْقَاق، وَفِي شرح قَوْله لَا الْحُرِّيَّة وَالنّسب وَالطَّلَاق، حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْعُيُون: قدم بَلْدَة وَاشْترى أَو اسْتَأْجر دَارا ثمَّ ادَّعَاهَا قَائِلا بِأَنَّهَا دَار أَبِيه مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا وَكَانَ لم يعرفهُ وَقت الاستيام لَا يقبل وَالْقَبُول أصح.
اهـ.
ذكره الْغَزِّي.
أَقُول: قَول أَقُول الخ لَا يدل على عدم اطِّلَاعه، بل هُوَ اخْتِيَار مِنْهُ لما هُوَ الاصح وتعليل لَهُ.
وَأَقُول: قَوْله وَاشْترى يدل على أَنه لَو قَاسم فَهُوَ كَذَلِك، وَهِي وَاقعَة الْفَتْوَى.
قَاسم عَمْرو كرما ثمَّ اطلع على أَن الْجَمِيع لوالده غرسه بِيَدِهِ ثمَّ مَاتَ وَتَركه لَهُ مِيرَاثا وَلم يعلم بذلك وَقت الْقِسْمَة، وَسَيَأْتِي مَا هُوَ أدل، فَلْيتَأَمَّل.
وَالظَّاهِر أَن قَوْله قدم بَلْدَة لَيْسَ بِقَيْد بل لانه غَالِبا مَحل الخفاء، وَإِذا كَانَ مُقيما لَا يخفى غَالِبا، يُؤَيّدهُ مَا قدمه من قَوْله شراه أبي فِي صغري، فَتَأمل اهـ.
وَفِي الْفُصُولَيْنِ فِي الْفَصْل الثَّامِن وَالْعِشْرين: دفع الْوَصِيّ جَمِيع تَرِكَة الْمَيِّت إِلَى وَارثه وَأشْهد على نَفسه أَنه قبض مِنْهُ جَمِيع تَرِكَة وَالِده وَلَمْ يَبْقَ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ قَلِيلٌ وَلَا كثير إِلَّا اسْتَوْفَاهُ ثمَّ ادّعى دَارا فِي يَد الْوَصِيّ أَنَّهَا من تَرِكَة وَالِدي وَلم أقبضها، قَالَ: أقبل بِبَيِّنَتِهِ وأقضي بهَا لَهُ، أَرَأَيْت إِن قَالَ
قد استوفيت جَمِيع مَا تَركه وَالِدي من دين على النَّاس وقبضت كُله ثمَّ ادّعى دينا على رجل لابيه أَلا أقبل بِبَيِّنَتِهِ وأقضي لَهُ بِالدّينِ اهـ.

(8/207)


وَفِي الْبَزَّازِيَّة: لَوْ أَبْرَأَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْبَاقِيَ ثُمَّ ادَّعَى التَّرِكَة وَأنكر وَإِلَّا تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ أَقَرُّوا بِالتَّرِكَةِ أُمِرُوا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ.
وفيهَا: وَلَو قَالَ تركت حَقي من الْمِيرَاث أَو بَرِئت مِنْهَا وَمن حصتي لَا يَصح وَهُوَ على حَقه، لَان الارث جبري لَا يَصح تَركه اهـ.
وَفِي الْخَانِية: وَفِي الْوَصَايَا من تَصَرُّفَات الْوَصِيّ: أشهد الْيَتِيم على نَفسه بعد الْبلُوغ أَنه قبض من الْوَصِيّ جَمِيع تَرِكَة وَالِده وَلم يبْق لَهُ من تَرِكَة وَالِده عِنْده من قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إلَّا قَدْ اسْتَوْفَاهُ ثُمَّ ادّعى فِي يَد الْوَصِيّ شَيْئا وَقَالَ هُوَ من تَرِكَة وَالِدي وَأقَام الْبَيِّنَة قبلت بَينته، وَكَذَا لَو أقرّ الْوَارِث أَنه قد استوفى جَمِيع مَا ترك وَالِده من الدّين على النَّاس ثمَّ ادّعى لابيه دينا على رجل تسمع دَعْوَاهُ اهـ.
وَقَول قاضيخان أشهد الْيَتِيم على نَفسه أَنه قبض تَرِكَة وَالِده.
أَقُول: ذكر الطرسوسي فِي شرح فَوَائده الْمَنْظُومَة قلت: انْتقض قَوْلهم إِن النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تعم، لَان قَوْله لم يبْق حق نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي، فعلى مُقْتَضى الْقَاعِدَة لَا تصح دَعْوَاهُ بعد ذَلِك لتناقضه والمتناقض لَا تسمع دَعْوَاهُ وَلَا بَينته اهـ.
أَقُول: إِنَّمَا اغتفر مثله لانه مَحل الخفاء بِكَوْنِهِ لَا يُحِيط علمه بِمَا ترك وَالِده بل قد يخفى عَلَيْهِ ذَلِك فيعفى التَّنَاقُض تَأمل.
وَأَقُول: قد حرر سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى الْمَسْأَلَة برسالة سَمَّاهَا (إِعْلَام الاعلام بِأَحْكَام الابراء الْعَام) وفْق فِيهَا بَين عِبَارَات متعارضة وَرفع مَا فِيهَا من المناقضة.
وَحَاصِل مَا فِيهَا الْفرق بَين إِقْرَار الابْن للْوَصِيّ وَبَين إِقْرَار الْوَرَثَة للْبَعْض، لما فِي الْبَزَّازِيَّة عَن الْمُحِيط لَو أَبْرَأ أحد الْوَرَثَة الْبَاقِي إِلَى آخر عبارتها الْمُتَقَدّمَة.
وَوجه الْفرق بَينهمَا أَن الْوَصِيّ هُوَ الَّذِي يتَصَرَّف فِي مَال الْيَتِيم بِلَا اطِّلَاعه، فيعذر إِذا بلغ وَأقر
بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ لجهله، بِخِلَاف بَقِيَّة الْوَرَثَة فَإِنَّهُم لَا تصرف لَهُم فِي مَاله، وَلَا فِي شئ من التَّرِكَة إِلَّا باطلاع وَصِيَّة الْقَائِم مقَامه فَلَا يعْذر بالتناقض، وَمن أَرَادَ مزِيد الْبَيَان وَرفع الْجَهَالَة فَعَلَيهِ بِتِلْكَ الرسَالَة فَفِيهَا الْكِفَايَة لِذَوي الدِّرَايَة.

قَوْله: (لَا تسمع الدَّعْوَى) أَي من أَي مُدع كَانَ كغريم دائن ومودع هَذَا.
وَقد تقدم أَن دَعْوَى أَنه وَارِث تسمع على الدَّائِن والمديون.

قَوْله: (على غَرِيم ميت) بالاضافة، وَالْمرَاد بِهِ دائن الْمَيِّت كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر من البيري وَاسْتظْهر الْحَمَوِيّ أَنه مديون الْمَيِّت.
وَالْحَاصِل: أَنه إِذا ادّعى قوم على الْمَيِّت ديونا وَأَرَادُوا أَن يثبتوا ذَلِك فَلَيْسَ لَهُم أَن يثبتوا على غَرِيم للْمَيت عَلَيْهِ دين وَلَا على موصي لَهُ بل لَا بُد من حُضُور وَارِث أَو وَصِيّ.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَإِثْبَات الدّين على من فِي يَده مَال الْمَيِّت هَل يَصح؟ اخْتلف الْمَشَايِخ.
وَصورته: الْمَرِيض مرض الْمَوْت وهب كل مَاله فِي مَرضه أَو أوصى بِجَمِيعِ مَاله ثمَّ ادّعى رجل دينا على الْمَيِّت؟ قَالَ السَّعْدِيّ: نصب القَاضِي وَصِيّا وَسمع الْخُصُومَة عَلَيْهِ.
وَقَالَ شمس الائمة: يسمع على من فِي يَده المَال.
اهـ.
وَمن هُنَا تعلم أَن قَوْله الْآتِي زَائِدا صَوَابه ذَا يَد كَمَا هُوَ فِي أصل عبارَة الاشباه.
وَفِي الْبَحْر: وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي إِثْبَات الدّين على من فِي يَده مَال الْمَيِّت وَلَيْسَ بوارث وَلَا وَصِيّ، وَلَا تسمع دَعْوَى دين على ميت على غَرِيم الْمَيِّت مديونا أَو دائنا.
اه.

(8/208)


وَفِي حَاشِيَة الاشباه للحموي: واستثناء الْمَوْهُوب لَهُ من غَرِيم الْمَيِّت مُنْقَطع، إِذْ لَيْسَ هُوَ من الْغُرَمَاء حَتَّى يكون مُتَّصِلا.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: تقبل بَيِّنَة إِثْبَات الدّين على الْمَيِّت على الْمُوصى لَهُ أَو مديون الْمَيِّت أَو الْوَارِث أَو الَّذِي لَهُ على الْمَيِّت دين وَمثله فِي العطائية.
وَفِي قاضيخان من الْوَصَايَا: رجل مَاتَ وَعَلِيهِ دين مُحِيط بِمَالِه.
قَالَ أَبُو بكر: الْوَارِث لَا يصير خصما للْغُرَمَاء لانه لَا يَرث.
وَقَالَ عَليّ بن مُحَمَّد: الْوَارِث يصير خصما وَيقوم مقَام الْمَيِّت فِي الْخُصُومَة وَبِه نَأْخُذ.
ثمَّ قَالَ: وَالصَّحِيح أَن يكون الْوَارِث خصما لمن يَدعِي الدّين على الْمَيِّت وَإِن لم يملك شَيْئا.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة أَيْضا: والخصم فِي إِثْبَات كَونه وَصِيّ الْوَارِث أَو الْمُوصى لَهُ أَو مديون الْمَيِّت أَو دائنه، وَقيل الدَّائِن لَيْسَ بخصم.
قَالَ فِي نور الْعين من الْخَامِس: لَا تقبل دَعْوَى من يَدعِي على ميت بِحَضْرَة رجل يَدعِي أَنه وَصِيّ الْمَيِّت وَأقر الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بالوصاية.
اهـ.
فَتبين من هَذَا أَن الدَّعْوَى إِنَّمَا تسمع على وَصِيّ مُحَقّق.
وَفِيه من السَّادِس فِي دَعْوَى دين على الْمَيِّت: يَكْفِي حُضُور وَصِيّه أَو وراثه، وَلَا حَاجَة إِلَى ذكر كل الْوَرَثَة.
اهـ.
وَعبارَة الاشباه: لَا تسمع الدَّعْوَى بدين على ميت لَا على وَارِث أَو وَصِيّ موصى لَهُ، وَلَا تسمع على غَرِيم لَهُ كَمَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، إلَّا إذَا وَهَبَ جَمِيعَ مَالِهِ لِأَجْنَبِيٍّ وَسَلَّمَهُ لَهُ فَإِنَّهَا تسمع عَلَيْهِ لكَونه ذَا يَد كَمَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ انْتهى، فعلى هَذَا.
قَوْله: غَرِيم ميت تركيب إضافي بِمَعْنى اللَّام.
فرع: قَالَ فِي خزانَة الاكمل: لَو مَاتَ رجل فِي بلد بعيد وَترك مَالا وَادّعى رجل عَلَيْهِ دينا وورثته فِي بلد مُنْقَطع عَنهُ فَإِن القَاضِي ينصب لَهُ وَصِيّا وَيسمع بِبَيِّنَتِهِ وَيَقْضِي لَهُ بِالدّينِ، وَلَو لم يكن مُنْقَطِعًا لَا تسمع بَينته على غير الْوَارِث انْتهى
قَوْله: (إِلَّا إِذا وهب الخ) صورته: رجل وهب جَمِيع مَاله لانسان وَسلمهُ إِيَّاه ثمَّ مَاتَ فَادّعى عَلَيْهِ آخر أَن هَذِه الْعين لَهُ أَو أَنه لَهُ على الْمَيِّت كَذَا من الدّين فَإِنَّهَا تسمع دَعْوَاهُ عَلَيْهِ، لَان فِي الاولى الْعين الَّتِي يدعيها فِي يَد الْمَوْهُوب لَهُ، وَفِي الثَّانِيَة الدّين مُتَعَلق بِالتَّرِكَةِ وَهِي فِي يَده، لَكِن فِي الثَّانِيَة يشْتَرط أَن تكون الْهِبَة فِي مرض الْمَوْت لَان الدّين إِنَّمَا يتَعَلَّق بهَا فِيهِ، فَعلم أَن الِاسْتِثْنَاء هُنَا مُنْقَطع لَان الْمَوْهُوب لَهُ لَيْسَ بغريم.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة أَن الْمُوصى لَهُ بِجَمِيعِ المَال أَو بِمَا زَاد على الثُّلُث خصم لعدم الْوَارِث لَان اسْتِحْقَاق الزَّائِد على الثُّلُث من خَصَائِص الْوَارِث فَيلْحق بالوارث.
حموي.

قَوْله: (لكَونه زَائِدا) أَي عَليّ الثُّلُث كَمَا تقدم، وَفِي نُسْخَة ذَا يَد أَي صَاحب يَد، وَقد علمت تَوْجِيهه وَإِن كَانَ الاول صَوَابا أَيْضا كَمَا ذكر فِي الْبَزَّازِيَّة.

قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: يَلْحَقُ بِهَذَا مُدَّعِي الِاسْتِحْقَاقِ لِلْمَبِيعِ فَإِنَّهُ يُنْكِرُ الْحَقَّ حَتَّى يَثْبُتَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ لَا يَقْدِرُ.
وَأَيْضًا ادِّعَاءُ الْوَكَالَةِ أَوْ الْوِصَايَةِ وَثُبُوتُهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْخَصْمِ الْجَاحِدِ كَمَا ذكره
قاضيخان، فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيَكُونَ ثُبُوتُ الْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ شَرْعًا صَحِيحًا يَجُوزُ فَيَلْحَقُ هَذَا أَيْضًا بِهِمَا، وَيَلْحَقُ بِالْوَصِيِّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ الدّين فَإِنَّهُ لَو أقرّ بِالْحَقِّ يلْزمه الْكُلُّ مِنْ حِصَّتِهِ، وَإِذَا

(8/209)


أَنْكَرَ فَأُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ يَلْزَمُ مِنْ حِصَّتِهِ وحصتهم.
حموي.

قَوْله: (ليبرهن فيتمكن من الرَّد) لانه إِن قبله بِغَيْر قَضَاء لم يكن لَهُ الرَّد، وَالظَّاهِر أَن هَذَا فِيمَا إِذا كَانَ بَائِعه تملكه بِالشِّرَاءِ من آخر، أما إِذا كَانَ موروثا أَو موهوبا أَو موصى بِهِ أَو نتاجا فَلَا يُنكر الْبَتَّةَ.
وَصورته: أَن لَا يكون عَالما بِالْعَيْبِ قبل البيع، وَإِلَّا كَانَ رَاضِيا بِهِ فَلَا يتَمَكَّن من الرَّد.

قَوْله: (إِذا علم بِالدّينِ) فَإِنَّهُ لَو أقرّ يلْزمه وَلَا يرجع، بِخِلَاف مَا إِذا أنكر وأقيمت الْبَيِّنَة.
زَاد أَبُو السُّعُود: أَو إِذا علم الْوَصِيّ بِالنّسَبِ كَمَا فهمه من عبارَة الحانوتي فِي فَتَاوَاهُ.

قَوْله: (لَا تَحْلِيف مَعَ الْبُرْهَان) قيل عَلَيْهِ: لَو قَالَ مَعَ الْبَيِّنَة لَكَانَ صَوَابا، إِذْ لَا تَحْلِيف مَعَ الاقرار بِعَين وَهُوَ برهَان اهـ.
وَالْجَوَاب أَن الْمُطلق مَحْمُول على الْفَرد الْكَامِل وَهُوَ الْبَيِّنَة.
اهـ.

قَوْله: (دَعْوَى دين على ميت) فِي أَوَائِل دَعْوَى التَّنْقِيح: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ يَحْلِفُ بِلَا طَلَبِ وَصِيٍّ وَوَارِثٍ: بِاَللَّهِ مَا اسْتَوْفَيْتَ دَيْنَكَ مِنْهُ وَلَا مِنْ أَحَدٍ أَدَّاهُ عَنْهُ وَمَا قَبَضَهُ قَابِضٌ وَلَا أَبْرَأْتَهُ وَلَا شَيْئا مِنْهُ، وَلَا أحلّت بِهِ وَلَا بشئ مِنْهُ على أحد وَلَا عنْدك وَلَا بشئ مِنْهُ رهن، فَإِذا حلف أَمر بِالدفع إِلَيْهِ وَإِن نكل لم يُؤمر بِالدفع إِلَيْهِ.
خُلَاصَةٌ.
فَلَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِالدَّفْعِ قَبْلَ الِاسْتِحْلَافِ لم ينفذ حكمه، وَتَمَامه فِيهَا.
وفيهَا عَن الْبَحْر: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ لِلْمَيِّتِ دَيْنَهُ وَبَرْهَنَ هَلْ يَحْلِفُ وَيَنْبَغِي أَنْ يحلف احْتِيَاطًا، لَكِن رده الرَّمْلِيّ بِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَة دفع الدّين شهدُوا على حَقِيقَة الدّفع فانتقى احْتِمَال أَنهم شهدُوا باستصحاب الْحَال، وَقد استوفى فِي بَاطِن الامر كَمَا فِي مدعي الدّين، وارتضاه الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى بقوله: وَكَلَام الرَّمْلِيّ هُوَ الاوجه كَمَا لَا يخفى على من تنبه، وقدمناه بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ.

قَوْله: (وَاسْتِحْقَاق مَبِيع) يَعْنِي إِذا اسْتحق الْمَبِيع بِالْبَيِّنَةِ من المُشْتَرِي فللمستحق عَلَيْهِ تَحْلِيف الْمُسْتَحق بِاللَّه مَا بِعته وَلَا وهبته وَلَا تَصَدَّقت بِهِ وَلَا خرجت الْعين عَن ملكك بِوَجْه من الْوُجُوه.

قَوْله: (وَدَعوى آبق) أَي دَعْوَى تملك آبق.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: لَعَلَّ صُورَتَهَا فِيمَا إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ عَبْدِي أَبَقَ مِنِّي وَأَقَامَ بَيِّنَة على أَنه عَبده فليحلف أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ بَاعَهُ.
تَأَمَّلْ.
ثُمَّ رَأَيْتُ فِي شَرْحِ هَذَا الشَّرْحِ نُقِلَ عَنْ الْفَتْحِ هَكَذَا.
وَعِبَارَتُهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: يَحْلِفُ مُدَّعِي الْآبِق مَعَ الْبَين بِاللَّه أَنه بَاقٍ عَلَى مِلْكِك إلَى الْآنِ لَمْ يَخْرُجْ بِبَيْعٍ وَلَا هبة وَلَا نَحْوهَا.
اهـ.
وَصُورَة ط: بِمَا إِذا حبس القَاضِي الْآبِق فجَاء رجل وادعاه وَأقَام بَيِّنَة أَنه عَبده يسْتَحْلف بِاللَّه أَنه بَاقٍ فِي ملكه وَلم يخرج بِبيع وَلَا هبة فَإِذا حلف دَفعه إِلَيْهِ، وَذَلِكَ صِيَانة لقضائه عَن الْبطلَان ونظرا لمن هُوَ عَاجز عَن النّظر لنَفسِهِ من مُشْتَر وموهوب لَهُ، وَيلْحق بِهَذِهِ الْمسَائِل مَا إِذا قَامَت الْبَيِّنَة للْغَرِيم الْمَجْهُول حَاله بِأَنَّهُ معدم فَلَا بُد من يَمِينه أَنه لَيْسَ لَهُ مَال ظَاهر وَلَا بَاطِن وَإِن وجد مَالا يُؤَدِّي حَقه عَاجلا، لَان الْبَيِّنَة إِنَّمَا قَامَت على الظَّاهِر وَلَعَلَّه غيب مَاله، وَمَا لَو شهد الشُّهُود أَن لَهُ عَلَيْهِ دَرَاهِم سَوَاء قَالُوا لَا نَعْرِف عَددهَا، أم لَا تجْعَل ثَلَاثَة وَيحلف على نفي مَا زَاد عَنْهَا إِذا كَانَ الْمُدَّعِي يَدعِي الزِّيَادَة.
اهـ.

قَوْلُهُ: (الْإِقْرَارُ لَا يُجَامِعُ الْبَيِّنَةَ) لِأَنَّهَا لَا تُقَام إِلَّا على مُنكر، وَذكر هَذَا الْأَصْلَ فِي الْأَشْبَاهِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ أَرْبَعَ مَسَائِلَ: وَهِيَ مَا سِوَى دَعْوَى الْآبِقِ، وَكَذَا ذَكَرَهَا قَبْلَهُ

(8/210)


فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَامِسَةَ بل زَاد غَيرهَا وأوصلها إِلَى سبع وَتَأْتِي هُنَا مفصلة مَعَ زِيَادَة ثَلَاثَة أخر، وَعَلِيهِ فَتكون عشرَة.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَهَذَا يدل على جَوَاز إِقَامَتهَا مَعَ الاقرار فِي كل مَوضِع يتَوَقَّع الضَّرَر من الْمقر لولاها فَيكون هَذَا أصلا.

قَوْله: (إِلَّا فِي أَربع) الَّذِي ذكره هُنَا خَمْسَة وَلكنهَا سَبْعَة كَمَا فِي الْحَمَوِيّ.
ملخصها: أَنه لَا تسمع الْبَيِّنَة على مقرّ إِلَّا على وَارِثٍ مُقِرٍّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَتُقَامُ الْبَيِّنَةُ لِلتَّعَدِّي، وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوِصَايَةِ فَبَرْهَنَ الْوَصِيُّ، وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ فَيُثْبِتُهَا الْوَكِيلُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِهِ مَعَ إقْرَارِ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِهِ، وَفِيمَا لَوْ خُوصِمَ الْأَبُ بِحَقٍّ عَنْ الصَّبِيِّ فَأَقَرَّ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْخُصُومَةِ، وَلَكِنْ تُقَامُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مَعَ إقْرَارِهِ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ
وَأَمِينُ الْقَاضِي إذَا أَقَرَّ خَرَجَ عَنْ الْخُصُومَةِ، وَفِيمَا لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ لِلْمُوصَى لَهُ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مَعَ إقْرَارِهِ.
وَفِيمَا لَوْ أَجَّرَ دَابَّةً بِعَيْنِهَا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مِنْ آخَرَ فَأَقَامَ الْأَوَّلُ الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ كَانَ الْأَجْرُ حَاضِرًا تُقْبَلُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ كَانَ يقر بِمَا يَدعِي.

قَوْله: (وكَالَة) يَعْنِي لَو أقرّ بوكالة رجل بِقَبض دين عَلَيْهِ لمُوكلِه فَإِن الْوَكِيل يُقيم بَينته، إِذْ لَو دَفعه بِلَا بَيِّنَة يتَضَرَّر إِذْ لَا تَبرأ ذمَّته إِذا أنكر الْمُوكل وكَالَته اهـ.
ط.
زَاد الْفَاضِل الْحَمَوِيّ ثامنة وتاسعة نقلهما عَن الْبَدَائِع من كتاب الْقِسْمَة.
الثَّامِن: الْوَرَثَة إِذا كَانُوا مقرين بالعقار لَا بُد من إِقَامَة الْبَيِّنَة على بَعضهم على قَول أبي حنيفَة.
التَّاسِع: الاب أَو الْوَصِيّ إِذا أقرّ على الصَّغِير لَا بُد من بَيِّنَة مقَام عَلَيْهِ مَعَ كَونه مقرا اهـ.
وَزَاد بعض الْفُضَلَاء عاشرا: وَهُوَ ادّعى على آخر عقارا أَنه فِي يَده وَهُوَ مُسْتَحقّ فَأقر بِالْيَدِ تسمع بَينته أَنه ذُو الْيَد مَعَ إِقْرَاره اهـ.

قَوْله: (ووصاية) يَعْنِي إِذا أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ بالوصاية.
وَصورته: رجل قَالَ للْقَاضِي إِن فلَان بن فلَان الْفُلَانِيّ أقامني وَصِيّا وَمَات وَله على هَذَا كَذَا أَو فِي يَد هَذَا كَذَا فَصدقهُ الْمُدعى عَلَيْهِ فَالْقَاضِي لَا يثبت وصايته بِإِقْرَارِهِ حَتَّى يُقيم الْبَيِّنَة عَلَيْهَا، لانه إِذا دفع إِلَيْهِ المَال اعْتِمَادًا على الاقرار فَقَط لَا تَبرأ ذمَّته من الدّين إِذا أنكر الْوَارِث، أما لَو دفع بعد الْبُرْهَان تَبرأ ذمَّته.
أَفَادَهُ صَاحب تنوير الاذهان.

قَوْله: (وَإِثْبَات دين على ميت) صورته: ادّعى على بعض الْوَرَثَة دين على الْمَيِّت فَأقر الْوَارِث بِالدّينِ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي من نصِيبه قدر مَا يَخُصُّهُ من الدّين، وللطالب أَن يُقيم بَيِّنَة على حَقه ليَكُون حَقه فِي كل التَّرِكَة، وَكَذَا إِذا أقرّ جَمِيع الْوَرَثَة تقبل بَينته لَان الْمُدَّعِي يحْتَاج إِلَى إِثْبَات الدّين فِي حَقهم وَحقّ دائن آخر.
وَفِي البيري: اخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ بعد إِقَامَة الْبَيِّنَة هَل يقْضِي عَلَيْهِ بالاقرار أَو بِالْبَيِّنَةِ.
قيل يقْضِي بِالْبَيِّنَةِ لانه بالانكار وَإِقَامَة الْبَيِّنَة اسْتحق عَلَيْهِ الحكم فَلَا يبطل الْحق السَّابِق بالاقرار اللَّاحِق، ولان زِيَادَة التَّعَدِّي الثَّابِتَة بالبرهان حَقه فَلَا يُؤثر الاقرار اللَّاحِق فِي بُطْلَانه.
اهـ.
موضحا ط.
وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ.

قَوْله: (وَاسْتِحْقَاق عين من مُشْتَر) فَإِن المُشْتَرِي إِذا أقرّ بِالِاسْتِحْقَاقِ للْمُسْتَحقّ لَا يتَمَكَّن من الرُّجُوع بِالثّمن على بَائِعه، فَإِذا أُقِيمَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة أمكنه ذَلِك، وَقد تقدم أَنه يسوغ لَهُ الانكار مَعَ الْعلم لاجل هَذَا التَّمَكُّن ط.
لَكِن قد يُقَال مَعَ الاقرار كَيفَ يكون لَهُ الرُّجُوع.
تَأمل.

قَوْله: (وَدَعوى الْآبِق) يَعْنِي إِذا ادّعى على شخص أَن العَبْد الَّذِي عِنْده أبق مِنْهُ، وَأقر وَاضع الْيَد بذلك

(8/211)


فَلهُ أَن يطْلب الْبَيِّنَة على ذَلِك لاحْتِمَال أَن الْغَيْر تملكه مِنْهُ.

قَوْله: (لَا تَحْلِيف على حق مَجْهُول) أَي ادّعى بِهِ مُدع، كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى شَرِيكِهِ خِيَانَةً مُبْهَمَةً لم يحلف كَمَا فِي الْخَانِية.
لَكِن أفتى قَارِئ الْهِدَايَة بِخِلَافِهِ.
وَعبارَته: سُئِلَ إِذا ادّعى أحد الشَّرِيكَيْنِ على آخر خِيَانَة وَطلب من الْحَاكِم يَمِينه هَل يلْزم أَو لَا؟ أجَاب: إِذا ادّعى عَلَيْهِ خِيَانَة فِي قدر مَعْلُوم وَأنكر فَحلف عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مِقْدَارًا فَكَذَا الْحُكْمُ، لَكِنْ إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ أَنْ يبين مِقْدَار مَا كَانَ فِيهِ، وَالْقَوْل فِي مِقْدَاره إِلَى الْمقر مَعَ يَمِينه لَان نُكُوله كالاقرار بشئ مَجْهُولٍ، وَالْبَيَانُ فِي مِقْدَارِهِ إلَى الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ خَصْمُهُ بَيِّنَةً عَلَى الاكثر، وَمثله الْمضَارب مَعَ رب المَال.

قَوْله: (إذَا اتَّهَمَ الْقَاضِي وَصِيَّ يَتِيمٍ وَمُتَوَلِّيَ وَقْفٍ) وَلم يدع عَلَيْهِ شَيْئا مَعْلُوما فَإِنَّهُ يحلف نظرا لليتم.
وَالْوَقْف.
حموي.

قَوْله: (وَفِي رهن مَجْهُول) أَي لَو ادّعى الرَّاهِن رهنا مَجْهُولا: أَي كَثوب مثلا فَأنْكر الْمُرْتَهن فَإِنَّهُ يحلف، وَقَيده بعض الْفُضَلَاء عازيا إِلَى الْقنية بِمَا إِذا ذكر الْمُدَّعِي قدر الدّين الَّذِي وَقع بِهِ الرَّهْن ط.

قَوْله: (وَدَعوى سَرقَة) أَقُول: فِيهِ نظر لما نقل قاضيخان من أَنه يشْتَرط ذكر الْقيمَة فِي الدَّعْوَى إِذا كَانَت سَرقَة ليعلم أَنَّهَا نِصَاب أَو لَا، فَأَما فِيمَا سوى ذَلِك فَلَا حَاجَة إِلَى بَيَانهَا.
أَبُو السُّعُود.
وَلَعَلَّ ذَلِك فِي حق الْقطع لَا الضَّمَان كَمَا يفِيدهُ كَلَامه ط.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: ادَّعَى أَعْيَانَا مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَذَكَرَ قيمَة الْكل جملَة وَلم يذكر كلا على حِدة، اخْتلف فِيهِ الْمَشَايِخ: قيل لَا بُد من التَّفْصِيل، وَقيل يَكْتَفِي بالاجمال وَهُوَ الصَّحِيح، إِذْ الْمُدَّعِي لَو ادّعى غصب هَذِه الاعيان لَا يشْتَرط لصِحَّة دَعْوَاهُ بَيَان الْقيمَة، فَلَو ادّعى أَن الاعيان قَائِمَة فَيُؤْمَر بإحضارها فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِحَضْرَتِهَا، وَلَوْ قَالَ إنَّهَا هَالِكَةٌ وَبَين قيمَة الْكل تسمع دَعْوَاهُ.
وَفِي ج: وَلَو ادّعى أَنه غصب أمته وَلم يذكر قيمتهَا تسمع دَعْوَاهُ وَيُؤمر برد الامة، وَلَو هالكة
فَالْقَوْل فِي قدر الْقيمَة للْغَاصِب فَلَمَّا صَحَّ دَعْوَى الْغَصْب بِلَا بَيَان الْقيمَة فَلَأَنْ يَصِحَّ إذَا بَيَّنَ قِيمَةَ الْكُلِّ جُمْلَةً أولى، وَقيل إِنَّمَا يشْتَرط ذكر الْقيمَة لَو كَانَت الدَّعْوَى سَرقَة ليعلم أَن السّرقَة كَانَت نِصَابا وَفِي غَيرهَا لَا يشْتَرط ذكره الْحَمَوِيّ، فَظهر أَن إيرادها فِي هَذَا الْمحل فِي حق الضَّمَان لَا الْقطع كَمَا قدمْنَاهُ عَن ط.

قَوْله: (وغصب) قَالَ فِي الدُّرَر وَالْغرر: وَلَو قَالَ غصب مني عين كَذَا وَلَا أَدْرِي أَنه هَالِكٌ أَوْ قَائِمٌ وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَته، وَذكر فِي عَامَّة الْكتب أَنَّهَا تسمع الدَّعْوَى لَان الانسان رُبمَا لَا يعرف قِيمَةَ مَالِهِ، فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ.
وَفَائِدَة صِحَّةِ الدَّعْوَى مَعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا أَنْكَرَ وَالْجَبْرِ عَلَى الْبَيَان إِذا أقرّ وَنكل عَن الْيَمين.
اهـ.
وقدمناه فِي الدَّعْوَى مَعَ مَا عَلَيْهِ من الْكَلَام، فَرَاجعه.

قَوْله: (وخيانة مُودع) فَإِنَّهُ يحلف مَا خَان فِيمَا ائْتمن، فَإِن حلف برِئ، وَإِن نكل يجْبر على بَيَان قدر مَا نكل عَنهُ، وَقيل لَا يسْتَحْلف حَتَّى يقدر شَيْئا يسْتَحْلف عَلَيْهِ.
وَذكر بعض الْفُضَلَاء: أَن سَماع الدَّعْوَى فِي مثل هَذِه الْمسَائِل مَعَ الْجَهَالَة مُتَّفق عَلَيْهِ إِلَّا فِي دَعْوَى الْوَدِيعَة وَدَعوى الْغَصْب حَيْثُ يشْتَرط لسماعها فيهمَا بَيَان الْقيمَة عِنْد بعض الْمَشَايِخ اهـ.
وَيَنْبَغِي زِيَادَة دَعْوَى السّرقَة كَمَا يعلم من الْحَمَوِيّ.

(8/212)


قَالَ شمس الائمة الْحلْوانِي: الْجَهَالَة كَمَا تمنع قَول الْبَيِّنَة تمنع الِاسْتِحْلَاف.
إِلَّا إِذا اتهمَ القَاضِي وَصِيّ الْيَتِيم الخ.
وَحِينَئِذٍ فدعوى الْمَجْهُول لَا يسْتَحْلف عَلَيْهَا، فَلَو ادّعى على رجل أَنه اسْتهْلك مَاله وَطلب التَّحْلِيف من القَاضِي لَا يحلفهُ، وَكَذَا لَو قَالَ بَلغنِي أَن فلَان بن فلَان أوصى لي وَلَا أَدْرِي قدره وَأَرَادَ أَن يحلف الْوَارِث لَا يجِيبه القَاضِي، وَكَذَا الْمَدْيُون إِذا قَالَ قضيت بعض ديني وَلَا أَدْرِي كم قضيت أَو قَالَ نسيت قدره وَأَرَادَ تَحْلِيف الطَّالِب لَا يلْتَفت إِلَيْهِ كَمَا فِي الْخَانِية.

قَوْله: (إِلَّا فِي مَسْأَلَة فِي دَعْوَى الْبَحْر الخ) أَي قبل قَوْلِهِ وَلَا تُرَدُّ يَمِينٌ عَلَى مُدَّعٍ.

قَوْلُهُ: (وَهِي غَرِيبَة يجب حفظهَا) سَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ، وَكَتَبَ الْمُحَشِّي هُنَاكَ عَلَى قَوْلِهِ فَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ فَقَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّ فِي النُّسْخَةِ خَلَلًا، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَمَا تِلْكَ الزِّيَادَةُ الَّتِي يَحْلِفُ عَلَيْهَا: أَيْ عَلَى نَفْيِهَا، وَفِي ظَنِّي أَنَّ أَصْلَ النُّسْخَةِ فَإِنْ بَيَّنَ: يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مِمَّا بَيَّنَهُ وَأَقَلُّ مِمَّا يَدَّعِيهِ الْمَالِك هَذَا.
وَيَنْبَغِي أَن يُقَارب فِي الْبَيَانَ، حَتَّى لَوْ بَيَّنَ قِيمَةَ فَرَسٍ بِدِرْهَمٍ لَا يقبل مِنْهُ كَمَا تقدم نَظِيره.
اهـ.
وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ هُنَاكَ وَلَوْ حَلَفَ الْمَالِكُ أَيْضًا عَلَى الزِّيَادَةِ أَخَذَهَا لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُهُ، فَليُرَاجع اهـ.

قَوْله: (وألزم ببيانه) لانه أقرّ بِقِيمَة مَجْهُولَة، فَإِن أخبر بشئ يحلف على مَا يَدعِيهِ الْمَغْصُوب مِنْهُ من الزِّيَادَة، فَإِن حلف لَا يثبت مَا ادَّعَاهُ الْمَغْصُوب مِنْهُ، وَإِن نكل لَا يثبت أَيْضا مَا لم يحلف الْمُدَّعِي أَن قِيمَته مائَة فَإِن حلف أَخذ من الْغَصْب مائَة، وَقَوله يحلف على مَا يَدعِيهِ الْمَغْصُوب مِنْهُ فِيهِ أَنه حلف أَولا على ذَلِك، فَلَو كَانَت هَذِه الْيَمين على مَا ذكره من الْقيمَة بِأَن يحلف أَن قِيمَته مَا ذكره.
وَحَاصِله: أَن يَمِين الْمُدعى عَلَيْهِ أَنَّهَا لم تكن قِيمَته مائَة وَيَمِين الْمُدَّعِي أَن قِيمَته الْمِائَة.

قَوْلُهُ: (يَحْلِفُ عَلَى الزِّيَادَةِ) أَيْ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْمَالِك، فَإِن حلف ف لَا يثبت مَا ادَّعَاهُ الْمَغْصُوب مِنْهُ، وَإِن نكل لَا يثبت أَيْضا مَا لم يحلف الْمُدَّعِي أَن قِيمَته مائَة، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بقوله: ثمَّ يحلف الْمَغْصُوب مِنْهُ الخ وَالظَّاهِر أَن ثَمَرَة هَذَا الْيَمين ثُبُوت الْخِيَار لَهُ إِذا ظهر.

قَوْله: (ثُمَّ يَحْلِفُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ قِيمَتَهُ مائَة) فَإِن حلف أَخذ من الْغَاصِب مائَة، لَكِن قد يُقَال: إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَمَا تِلْكَ الزِّيَادَةُ الَّتِي يحلف عَلَيْهَا، وَعَلِيهِ فالاولى أَن يَقُول فَإِن بَيَّنَ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مِمَّا بَيَّنَهُ وَأَقَلُّ مِمَّا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ.
تَأمل.

قَوْله: (وَلَو ظهر) أَي الثَّوْب.

قَوْله: (بَين أَخذه) أَي الثَّوْب بِمَا دَفعه من الدَّرَاهِم لَا بِقِيمَة الثَّوْب فِي ذَاته وَإِن كَانَت أنقص أَو أَزِيد لَان الْمَالِك لم يرض إِلَّا بِدَفْعِهِ بِالْمِائَةِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ قِيمَتِهِ) عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ: أَي أَو أَخذ قِيمَته بِأَن يردهُ وَيَأْخُذ الْقيمَة الَّتِي دَفعهَا.
وَفِي متفرقات إِقْرَار التاترخانية: وَيُجْبَرُ الْغَاصِبُ عَلَى الْبَيَانِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقِيمَةٍ مَجْهُولَةٍ وَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ يَحْلِفُ عَلَى مَا يَدَّعِي الْمَالِكُ مِنْ الزِّيَادَةِ، فَإِنْ حَلَفَ وَلَمْ يُثْبِتْ مَا ادَّعَاهُ الْمَالِكُ يَحْلِفُ أَنَّ قِيمَتَهُ مِائَةٌ، وَيَأْخُذُ مِنْ الْغَاصِبِ مِائَةً فَإِذَا أَخَذَ ثُمَّ ظَهَرَ الثَّوْبُ خُيِّرَ الْغَاصِبُ بَيْنَ أَخْذِهِ أَو رده وَأخذ الْقيمَة.
وَحُكِيَ عَنْ الْحَاكِمِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْعَيْنِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا ذُكِرَ مِنْ تَحْلِيفِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَأخذ الْمِائَة بِثمنِهِ مِنْ الْغَاصِبِ هَذَا بِالْإِنْكَارِ يَصِحُّ، وَكَانَ يَقُولُ: الصَّحِيحُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُجْبَرَ الْغَاصِبُ عَلَى الْبَيَانِ، فَإِنْ أَبَى

(8/213)


يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي أَكَانَ قِيمَتُهُ مِائَةً؟ فَإِنْ قَالَ لَا، يَقُولُ أَكَانَ خَمْسِينَ؟ فَإِنْ قَالَ لَا، يَقُول خَمْسَةً
وَعِشْرِينَ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى مَا لَا تَنْقُصُ عَنْهُ قِيمَتُهُ عُرْفًا وَعَادَةً فَيَلْزَمُهُ ذَلِك.
اهـ.
لَكِن قَالَ بعض الْفُضَلَاء: الْحصْر مَمْنُوع لانهما إِذا اخْتلفَا فِي قدر الثّمن أَو الْمَبِيع وَلَا بَيِّنَة تحَالفا، وَلَو اشْترى أمة بِأَلف وَقَبضهَا ثمَّ تَقَايلا وَقيل قبضهَا اخْتلفَا فِي قدر الثّمن تحَالفا، وَلَو اخْتلفَا فِي الاجرة أَو الْمَنْفَعَة أَو فيهمَا قبل التَّمَكُّن فِي الدمرة تحَالفا.
حموي.
وَفِيه أَن كلا مِنْهُمَا فِي هَذِه الْمسَائِل مُدع ومدعى عَلَيْهِ.
ط عَن الطوري.
وَمثله فِي حَاشِيَة الْحَمَوِيّ.
تذنيب برهن أَنه ابْن عَمه لابيه وَأمه وَبرهن الدَّافِع أَنه ابْن عَمه لامه فَقَط أَو على إِقْرَار الْمَيِّت بِهِ: أَي بِأَنَّهُ ابْن عَمه لامه فَقَط كَانَ دفعا قبل الْقَضَاء بالاول لَا بعده لتأكده بِالْقضَاءِ.
ادّعى مِيرَاثا بالعصوبة فَدفعهُ أَن يَدعِي خَصمه قبل الحكم بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ من ذَوي الارحام إِذْ يكون حِينَئِذٍ متناقضا.
ادّعى قيمَة جَارِيَة مستهلكة فبرهن الْخصم أَنَّهَا حَيَّة رأيناها فِي بلد كَذَا لَا يقبل إِلَّا أَن يجِئ بهَا حَيَّة.
الْكَفِيل ينصب خصما عَن الاصل بِلَا عكس، لَان الْقَضَاء على الْكَفِيل قَضَاء على الاصيل وَلَا عكس.
إِذا اشْترك الدّين بَين شَرِيكَيْنِ لَا بِجِهَة الارث فأحدهما لَا ينْتَصب خصما عَن الآخر الْكل من الدُّرَر.
رجل غَابَ عَن امْرَأَته وَهِي بكر أَو ثيب فَتزوّجت بِزَوْج آخر وَولدت كل سنة ولدا: قَالَ أَبُو حنيفَة: الاولاد للاول.
وَعنهُ أَنه رَجَعَ عَن هَذَا وَقَالَ: لَا يكون الاولاد للاول وَإِنَّمَا هم للثَّانِي.
وَعَلِيهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِية.
وَلَو ادّعى عَلَيْهِ مهر امْرَأَة فَقَالَ مَا تزَوجهَا ثمَّ ادّعى الابراء عَن الْمهْر فَهُوَ دفع مسموع إِن وفْق كَمَا فِي الْقنية.
وفيهَا: ادّعى عَلَيْهِ شَيْئا فَأمره القَاضِي بالمصالحة فَقَالَ لَا أرْضى بِهَذِهِ الْمُصَالحَة وَتركته أصلا فَهُوَ إِسْقَاط لما يَدعِيهِ عَنْك.
إِذا قَالَ تركته أصلا فَهُوَ إِبْرَاء وَعنهُ: لَو قَالَ تَرَكْت دَعْوَايَ عَلَى فُلَانٍ وَفَوَّضْت أَمْرِي إِلَى الْآخِرَة لَا تسمع دَعْوَاهُ بعده.
أَقُول: قيد القَاضِي اتفاقي كَمَا لَا يخفى.
وَفِي الفتاوي النجدية: رجل مَاتَ فَقَالَت امْرَأَة لِابْنِ الْمَيِّت كنت امْرَأَة أَبِيك مُحَمَّد إِلَى يَوْم مَوته وَطلبت الْمهْر وَالْمِيرَاث فَأنْكر الابْن وَقَالَ اسْم أبي لم يكن مُحَمَّدًا وَإِنَّمَا كَانَ عمر، ثمَّ جَاءَت فادعت أَنَّهَا امْرَأَة أَبِيه عمر إِلَى يَوْم مَوته وطلبتهما تسمع دَعْوَاهَا وَلَيْسَ بتناقض لجَوَاز أَن يكون لَهُ اسمان شَذَّ تسمع إِذا وفْق الْمُدَّعِي.
أَقُول: وَجه التَّوْفِيق بِأَن تَقول كنت أعلم أَن لابيه اسْمَيْنِ فادعيت بِأَحَدِهِمَا فَلَمَّا أنكر ادعيت بِالْآخرِ، وَفهم من هَذِه الْمَسْأَلَة أَن تسمع الدَّعْوَى على الْمَيِّت بِدُونِ اسْم أَبِيه وَنسبه.
تدبر.

(8/214)


قَالَ فِي التاترخانية فِي الْخَامِس عشر من الدَّعْوَى: غلط الِاسْم لَا يضر لجَوَاز أَن يكون لَهُ اسمان، وَمثله فِي صور الْمسَائِل عَن الْفَتَاوَى الرشيدية.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة فِي السَّادِس عشر من الِاسْتِحْقَاق، وَكَذَا فِي الْخَيْرِيَّة من الْعشْر وَالْخَرَاج وقدمناه عَن التَّنْقِيح.
ولنختم هَذَا الْبَاب بِمَسْأَلَة ختم بهَا كتاب الدَّعْوَى فِي الْجَامِع الصَّغِير، نسْأَل الله حسن الخاتمة.
وَهِي أَنه إِذا قَالَت الْمَرْأَة أَنَّهَا أم ولد هَذَا الرجل وأرادت استحلافه لَيْسَ لَهَا ذَلِك فِي قَول أبي حنيفَة، خَاصَّة لَان أمومية الْوَلَد تَابع للنسب وَهُوَ لَا يرى الْيَمين فِي النّسَب اهـ.
وَالله تَعَالَى أعلم، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم.

(8/215)