قره عين الأخيار لتكملة رد المحتار علي «الدر المختار شرح تنوير الأبصار»

كتاب الاقرار
ثَبت بِالْكتاب وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: * (وليملل الَّذِي عَلَيْهِ الْحق) * (الْبَقَرَة: 282) أمره بالاملال، فَلَو لم يقبل إِقْرَاره لما كَانَ للاملال معنى، وَقَوله: * (كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله وَلَو على أَنفسكُم) * (النِّسَاء: 531) وَالْمرَاد بِهِ إِقْرَار.
زَيْلَعِيّ.
وَالسّنة، فقد قبل (ص) إِقْرَار مَاعِز والغامدية والاجماع.
فقد أَجمعت الامة على أَن الاقرار حجَّة فِي حق نَفسه حَتَّى أوجبوا الْحَد وَالْقصاص بِإِقْرَارِهِ وَإِن لم يكن حجَّة فِي حق غَيره
لعدم ولَايَته عَلَيْهِ فَأولى المَال والمعقول، فَإِن الْعَاقِل لَا يقر على نَفسه كَاذِبًا فِيمَا فِيهِ ضَرَر على نَفسه أَو مَاله فترجحت جِهَة الصدْق فِي حق نَفسه لعدم التُّهْمَة وَكَمَال الْولَايَة اهـ.
بِخِلَاف إِقْرَاره فِي حق غَيره.
حَتَّى لَو أقرّ مَجْهُول النّسَب بِالرّقِّ جَازَ ذَلِك على نَفسه وَمَاله وَلَا يصدق على أَوْلَاده وأمهاتهم ومدبريه ومكاتبيه، بِخِلَاف مَا إِذا ثَبت بِالْبَيِّنَةِ لَان الْبَيِّنَة إِنَّمَا تصير حجَّة بِالْقضَاءِ وَالْقَضَاء ولَايَة عَامَّة فَينفذ فِي حق الْكل.
أما الاقرار فحجة بِنَفسِهِ وَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْقَضَاء فَينفذ عَلَيْهِ وَحده الخ، وَقَوله وَلَا يصدق على أَوْلَاده الخ لانه ثَبت لَهُم حق الْحُرِّيَّة أَو اسْتِحْقَاقهَا فَلَا يصدق عَلَيْهِم كَمَا فِي الدُّرَر.

قَوْله: (مناسبته) أَي للدعوى.
وَوجه تَأْخِيره عَنْهَا أَن الدَّعْوَى تَنْقَطِع بِهِ فَلَا يحْتَاج بعده إِلَى شئ آخر، حَتَّى إِذا لم يُوجد يحْتَاج إِلَى الشَّهَادَة، وركنه لفظ أَو مَا فِي حكمه دَال عَلَيْهِ كَقَوْلِه لفُلَان عَليّ كَذَا أَو مَا يُشبههُ، لانه يقوم بِهِ ظُهُور الْحق وانكشافه حَتَّى لَا يَصح شَرط الْخِيَار فِيهِ بِأَن أقرّ بدين أَو بِعَين على أَنه بِالْخِيَارِ إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فَالْخِيَار بَاطِل، وءن صدقه الْمقر لَهُ وَالْمَال لَازم كَمَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ: وَله شُرُوط ستذكر فِي أثْنَاء الْكَلَام، وَهِي: الْعقل وَالْبُلُوغ بِلَا خلاف وَالْحريَّة فِي بعض الاحكام دون الْبَعْض، حَتَّى لَو أقرّ العَبْد الْمَحْجُور بِالْمَالِ لَا ينفذ فِي حق الْمولى، وَلَو أقرّ بِالْقصاصِ يَصح.
كَذَا فِي الْمُحِيط ويتأخر إِقْرَاره بِالْمَالِ إِلَى مَا بعد الْعتْق، وَكَذَا الْمَأْذُون لَهُ يتَأَخَّر إِقْرَاره بِمَا لَيْسَ من بَاب التِّجَارَة كإقراره بِالْمهْرِ بوطئ امْرَأَة تزَوجهَا بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ، وَكَذَا إِذا أقرّ بِجِنَايَة مُوجبَة لِلْمَالِ لَا يلْزمه، بِخِلَاف مَا إِذا أقرّ بالحدود وَالْقصاص كَمَا فِي التَّبْيِين، وَكَون المقربة مِمَّا يجب تَسْلِيمه إِلَى الْمقر لَهُ، حَتَّى لَو أقرّ أَنه غصب كفا من تُرَاب أَو حَبَّة حِنْطَة لَا يَصح، لَان الْمقر بِهِ لَا يلْزمه تَسْلِيمه إِلَى الْمقر لَهُ، وَمِنْهَا الطواعية وَالِاخْتِيَار، حَتَّى لَا يَصح إِقْرَار الْمُكْره فِي النِّهَايَة، وَإِقْرَارُ السَّكْرَانِ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ صَحِيحٌ إلَّا فِي حَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ مِمَّا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ وَإِن كَانَ بطرِيق مُبَاح لَا كَمَا فِي الْبَحْر، وَحكمه ظُهُور الْمقر بِهِ: أَي لُزُومه على الْمقر بِلَا تَصْدِيق وَقبُول من الْمقر لَهُ فَإِنَّهُ يلْزم على الْمقر مَا أقرّ بِهِ لوُقُوعه دَالا على الْمخبر بِهِ لَا ثُبُوته ابْتِدَاء كَمَا فِي الْكَافِي، لانه لَيْسَ بناقل لملك الْمقر إِلَى الْمقر لَهُ فَلِذَا فرع عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي من صِحَة الاقرار بِالْخمرِ للْمُسلمِ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا مُبْتَدأ لما صَحَّ، وَكَذَلِكَ لَا يَصح الاقرار
بِالطَّلَاق وَالْعتاق مَعَ الاكراه والانشاء يَصح مَعَ الاكراه كَمَا فِي الْمُحِيط.
وَحَاصِله: أَن قَول الْمقر إِن هَذَا الشئ لفُلَان مَعْنَاهُ أَن الْملك فِيهِ ثَابت لفُلَان وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنه ملك للْمقر وَجعله للْمقر لَهُ فَهُوَ إِخْبَار دَال على الْمخبر بِهِ فَيلْزمهُ الصدْق، وَيحْتَمل الْكَذِب فَيجوز تخلف مَدْلُوله عَنهُ كَمَا فِي الاقرار بِالطَّلَاق مكْرها كَمَا قُلْنَا، وَسَيَأْتِي لقِيَام دَلِيل الْكَذِب وَهُوَ الاكراه، وَلَو كَانَ مَعْنَاهُ الثُّبُوت ابْتِدَاء لصَحَّ لكَونه إنْشَاء والانشاء لَا يتَخَلَّف مَدْلُوله عَنهُ كَمَا سَيَأْتِي تَمَامه قَرِيبا.
وَلَو أقرّ

(8/216)


لغيره بِمَال وَالْمقر لَهُ يعلم أَنه كَاذِب فِي إِقْرَاره لَا يحل لَهُ ديانَة إِلَّا أَن يُسلمهُ بِطيب من نَفسه فَيكون هبة مِنْهُ ابْتِدَاء كَمَا فِي الْقنية، وَإِنَّمَا يعْتَبر الاقرار إِظْهَارًا فِي حق ملكية الْمقر بِهِ حَتَّى يحكم بملكيته للْمقر لَهُ بِنَفس الاقرار وَلَا يتَوَقَّف على تَصْدِيق الْمقر لَهُ، أما فِي حق الرَّد فَيعْتَبر تَمْلِيكًا مُبْتَدأ كَالْهِبَةِ حَتَّى يبطل برد الْمقر لَهُ وَبَعْدَمَا وجد التَّصْدِيق من الْمقر لَهُ لَا يعْمل رده لَو رد الاقرار بعد ذَلِك، ثمَّ الاقرار إِنَّمَا يبطل برد الْمقر لَهُ إِذا كَانَ الْمقر لَهُ يبطل بِالرَّدِّ حق نَفسه خَاصَّة، أما إِذا كَانَ يبطل حق غَيره فَلَا يعْمل رده، كَمَا إِذا أقرّ لرجل أَنِّي بِعْت هَذَا العَبْد من فلَان بِكَذَا فَرد الْمقر لَهُ إِقْرَاره وَقَالَ: مَا اشْتريت مِنْك شَيْئا ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك: اشْتريت فَقَالَ البَائِع مَا بعتكه لزم البَائِع البيع بِمَا سمي لانه جحد البيع بعد تَمَامه، وجحود أحد الْمُتَعَاقدين لَا يضر، حَتَّى أَن المُشْتَرِي مَتى قَالَ مَا اشْتريت وَصدقه البَائِع وَقَالَ نعم مَا اشْتريت ثمَّ قَالَ لَا بل اشْتريت لَا يثبت الشِّرَاء وَإِن أَقَامَ الْبَيِّنَة على ذَلِك، لَان الْفَسْخ تمّ بجحودهما، ثمَّ فِي كل مَوضِع بَطل الاقرار برد الْمقر لَهُ، لَو أعَاد الْمقر ذَلِك الاقرار فَصدقهُ الْمقر لَهُ كَانَ للْمقر لَهُ أَن يَأْخُذهُ بِإِقْرَارِهِ، وَهَذَا اسْتِحْسَان.
هَكَذَا فِي الْمُحِيط.
ثمَّ اعْلَم أَن السُّكُوت نزلوه منزلَة الاقرار فِي مسَائِل سيذكرها الشَّارِح، وَنَذْكُر تَمامهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى كَذَلِك الايماء بِالرَّأْسِ وسيذكره المُصَنّف.

قَوْله: (إِمَّا مُنكر أَو مقرّ) واللائق بِحَال الْمُسلم الاقرار بِالْحَقِّ كي لَا يحْتَاج الْمُدَّعِي إِلَى تدارك الشُّهُود والملازمة فِي بَاب القَاضِي للاحضار، وَلَا سِيمَا وَمَا يلْزم عَلَيْهِ فِي هَذَا الزَّمَان للتسبب بالوصول إِلَى سحت الْمَحْصُول، كَمَا أَن اللَّائِق بالمدعي أَن تكون دَعْوَاهُ حَقًا لِئَلَّا يلْزم الْمُدعى عَلَيْهِ الدّفع لسحت الْمَنْع وَقدمه: أَي الاقرار على مَا بعده وَهُوَ الصُّلْح لترتبه على
الانكار غَالِبا، ثمَّ إِذا حصل بِالصُّلْحِ شئ: إِمَّا إِن يستربح فِيهِ بِنَفسِهِ وَتقدم طَرِيقه فِي البيع أَو بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُضَاربَة وَإِن لم يستربح فإمَّا أَن يحفظه بِنَفسِهِ وَلَا يحْتَاج إِلَى بَيَان حكمه أَو بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْوَدِيعَة.

قَوْله: (وَهُوَ) أَي الاقرار أقرب، أَي لحَال الْمُسلم.

قَوْله: (لغَلَبَة الصدْق) أَي من الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ وَمن الْمقر فِيمَا أقرّ لَهُ، لَان الْعَاقِل لَا يقر على نَفسه كَاذِبًا فِيمَا ضَرَر على نَفسه أَو مَاله، فترجحت جِهَة الصدْق فِي حق نَفسه لعدم التُّهْمَة وَكَمَال الْولَايَة، بِخِلَاف إِقْرَار فِي حق غَيره.

قَوْله: (هُوَ لُغَة) فَإِذا كَانَ حسيا يُقَال أقره، وَإِذا كَانَ قوليا يُقَال أقرّ بِهِ، فالاقرار إِثْبَات لما كَانَ متزلزلا بَين الْجُحُود والثبوت.
أَبُو السُّعُود.
وَهُوَ مُشْتَقّ من الْقَرار.
دُرَر.
قَالَ فِي الْمنح: وَهُوَ فِي اللُّغَة إفعال من قر الشئ إِذا ثَبت، وَأقرهُ غَيره إِذا أثْبته،
قَوْله: (وَشرعا إِخْبَار) أَي فِي الاصح وَلَيْسَ بإنشاء لصِحَّته فِي ملك غَيره، وَلَو أقرّ مَرِيض بِمَالِه لاجنبي صَحَّ من غير توقف على إجَازَة وَارِث.
قَالَ فِي الْحَوَاشِي السعدية: وَلَعَلَّه ينْتَقض بالاقرار بِأَن لَا حق لَهُ على فلَان، وبالابراء وَإِسْقَاط الدّين وَنَحْوه كإسقاط حق الشُّفْعَة اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ: فِيهِ إخْبَارٌ بِحَقٍّ عَلَيْهِ وَهُوَ عدم وجوب الْمُطَالبَة.
تَأمل.
وللقول بِأَنَّهُ إنْشَاء فروع تشهد لَهُ: مِنْهَا لَو رد إِقْرَاره ثمَّ قبل لَا يَصح، وَكَذَا الْملك الثَّابِت بِالْإِقْرَارِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الزَّوَائِدِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فَلَا يملكهَا الْمقر لَهُ حموي.
أَقُول:
قَوْله: (لَا يظْهر فِي حق الزَّوَائِدُ الْمُسْتَهْلَكَةُ يُفِيدُ بِظَاهِرِهِ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي حق الزَّوَائِد الْغَيْر

(8/217)


المستهلكة) .
وَهُوَ مُخَالف لما فِي الْخَانِية: رَجُلٌ فِي يَدِهِ جَارِيَةٌ وَوَلَدُهَا أَقَرَّ أَنَّ الْجَارِيَةَ لِفُلَانٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَلَدُ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى جَارِيَةٍ أَنَّهَا لَهُ يَسْتَحِقُّ أَوْلَادهَا اهـ.
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالْبَيِّنَةِ يَسْتَحِقُّهَا مِنْ الْأَصْلِ، وَلِذَا قُلْنَا: إنَّ الْبَاعَةَ يَتَرَاجَعُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، بِخِلَافِ الاقرار حَيْثُ لَا يتراجعون.
بَقِي أَن يُقَال فِي قَول السَّيِّد الْحَمَوِيّ هُوَ إِخْبَار فِي الاصح وَلَيْسَ بإنشاء مُخَالفَة لما صرح بِهِ فِي الْبَحْر وَجرى عَلَيْهِ المُصَنّف من أَنه إِخْبَار من وَجه إنْشَاء من وَجه فللاول يَصح إِقْرَاره بمملوك الْغَيْر وَيلْزمهُ تَسْلِيمه إِذا ملكه، وَلَو أقرّ بِالطَّلَاق وَالْعتاق مكْرها لَا يَصح، وَللثَّانِي لَو رد إِقْرَاره ثمَّ قبل لَا
يَصح، وَكَذَا الْملك الثَّابِت بِالْإِقْرَارِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الزَّوَائِدِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فَلَا يملكهَا الْمقر لَهُ.
اهـ.
من غير ذكر خلاف، وَمِنْه تعلم أَن مَا ذكره السَّيِّد الْحَمَوِيّ مِمَّا يدل على ثُبُوت الْخلاف فِيهِ حَيْثُ صحّح كَونه إِخْبَار الانشاء لَا يَصح عزوه لصَاحب الْبَحْر كَمَا وَقع فِي كَلَام بَعضهم، فَتنبه.

قَوْله: (بِحَق عَلَيْهِ للْغَيْر) قَيده بِأَن يكون عَلَيْهِ، لانه لَو كَانَ على غَيره لغيره يكون شَهَادَة ولنفسه يكون دَعْوَى زَيْلَعِيّ، وَأطلق الْحق فِي قَوْله هُوَ إِخْبَار بِحَق عَلَيْهِ ليشْمل مَا لَو كَانَ الْحق الْمقر بِهِ من قبيل الاسقاطات كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق، إِذا الطَّلَاق رفع الْقَيْد الثَّابِت شرعا بِالنِّكَاحِ، فَإِذا أقرّ بِالطَّلَاق يثبت للْمَرْأَة من الْحق مَا لم يكن لَهَا من قبل، وَكَذَا العَبْد يثبت لَهُ على سَيّده حق الْحُرِّيَّة إِذا أقرّ سَيّده بِعِتْقِهِ، فَمَا قيل من أَنه يرد على التَّعْرِيف الاقرار بالاسقاطات كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق لعدم الاخبار فِيهَا عَن ثُبُوت حق للْغَيْر غير سديد.

قَوْلُهُ: (إنْشَاءً مِنْ وَجْهٍ) هُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ: إنْشَاءً وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي غَايَة الْبَيَان عَن الاستروشنية.
قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّ الْإِقْرَارَ سَبَب للْملك أَو لَا؟ قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ: لَا، وَاسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَتَيْنِ.
إحْدَاهُمَا الْمَرِيضُ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ إذَا أَقَرَّ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِأَجْنَبِيٍّ يَصِحُّ بِلَا إجَازَةِ الْوَارِثِ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَا يَنْفُذُ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ.
وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ إذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا يَكُونُ تَبَرُّعًا مِنْهُ فَلَا يَصِحُّ.
وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيُّ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَاسْتَدَلَّ بمسائل: مِنْهَا إِن أقرّ لوَارِثه بدين فِي الْمَرَض لَا يَصح، وَلَو كَانَ إِخْبَارًا لصَحَّ اهـ.
مُلَخَّصًا فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ جَمْعٌ بَيْنَ الطَّرِيقَتَيْنِ وَكَأَنَّ وَجْهَهُ ثُبُوتُ مَا اسْتدلَّ بِهِ الْفَرِيقَانِ.
تَأمل أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
لَكِن لَو كَانَ إِخْبَارًا من وَجه وإنشاء من وَجه كَمَا ذكره المُصَنّف لعرف بِحَدّ يشملها وَلَا قَائِل بِهِ، ولانهم قَالُوا: لَو أقرّ بِمَال للْغَيْر لزمَه تَسْلِيمه للْمقر لَهُ إِذا ملكه، وَلَو أقرّ بِالطَّلَاق وَالْعتاق الخ فأمثال هَذِه الْمسَائِل دلّت على أَن الاقرار إِخْبَار لَا إنْشَاء.
إِذْ لَو كَانَ إنْشَاء لم تكن كَذَلِك، وَمَا اسْتدلَّ بِهِ على كَونه إنْشَاء مُطلقًا أَو من وَجه أَنه لَو أقرّ لرجل فَرد إِقْرَاره ثمَّ قبل لم يَصح وَلَو كَانَ إِخْبَارًا لصَحَّ، وَأَنه لَو ثَبت الْملك بِسَبَب الاقرار لم يظْهر فِي حق الزَّوَائِد الْمُتَقَدّم ذكرهَا، وَلَو كَانَ إِخْبَارًا لَصَارَتْ مَضْمُونَة عَلَيْهِ.
أَقُول: أما الْجَواب عَن الاول فَهُوَ أَن ارتداده بِالرَّدِّ نَاشِئ من أَن حكمه الظُّهُور لَا الثُّبُوت ابْتِدَاء وَذَلِكَ نَاشِئ من كَونه حجَّة قَاصِرَة، فَلَمَّا صَار مُرْتَدا بِالرَّدِّ جعل كَأَنَّهُ لم يكن فَلذَلِك لم يَصح قبُوله بعده.
على أَن هَذَا الدَّلِيل مُشْتَرك الالزام حَيْثُ إِنَّه دَلِيل على أَنه لَيْسَ بإنشاء، إِذْ الانشاء مِمَّا لَا يرْتَد بِالرَّدِّ فِيمَا يكون من قبيل الاسقاطات، كَمَا لَو قَالَ هَذَا الْوَلَد مني يرْتَد برد الْوَلَد فَهَذَا دَلِيل على أَن الاقرار إِخْبَار ثمَّ عَاد الْوَلَد إِلَى التَّصْدِيق يثبت النّسَب نظرا إِلَى احْتِيَاج الْمحل، وَقد سبق.

(8/218)


وَأما الْجَواب عَن الثَّانِي: أَن الاقرار لما كَانَ حجَّة قَاصِرَة اقْتصر ثُبُوت الْملك وظهوره على الْمقر بِهِ فَلم يَتَعَدَّ إِلَى الزَّوَائِد المستهلكة كَمَا مر وَيَأْتِي، فَتبين أَنه لَيْسَ بإنشاء أصلا.
تدبر.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِنَفْسِهِ) أَيْ عَلَى الْغَيْر، وَلَو للْغَيْر على الْغَيْر يكون شَهَادَة كَمَا قدمْنَاهُ.

قَوْله: (لَا إِقْرَارا) وَلَا ينْتَقض إِقْرَار الْوَكِيلِ وَالْوَلِيِّ وَنَحْوِهِمَا لِنِيَابَتِهِمْ مَنَابَ الْمُنَوِّبَاتِ شَرْعًا.
شرح الْمُلْتَقى.

قَوْله: (ثمَّ فرع على كل من الشبهين) صَوَابه من الْوَجْهَيْنِ لانه لم يقل الاقرار يشبه الاخبار ويشبهه الانشاء، بل قَالَ من وَجه وَمن وَجه: أَي إِخْبَار من وَجه بِالنّظرِ لترتب بعض أَحْكَام الاخبارات عَلَيْهِ، وإنشاء من وَجه من حَيْثُ ترَتّب بعض أَحْكَام الانشاءات عَلَيْهِ، وَقد تبع الشَّارِح المُصَنّف فَالْمَعْنى أَنه يعْطى حكم الاخبار فِي بعض الجزئيات وَحكم الانشاء فِي بعض آخر، وَأما بِالنّظرِ للفظه فَهُوَ إِخْبَار عَن ثُبُوت حق عَلَيْهِ لغيره لَا غير.

قَوْله: (فللوجه الخ) عِلّة مُقَدّمَة على الْمَعْلُول.

قَوْله: (صَحَّ إِقْرَاره) لَان الاخبار فِي ملك الْغَيْر صَحِيح لكم بِالنّظرِ للْمقر، وَأفَاد أَنه لَا يحْتَاج إِلَى الْقبُول كَمَا قدمْنَاهُ.
وَفِي الْمنح عَن تَتِمَّة الفتاوي: الاقرار يَصح من غير قبُول، لَكِن الْبطلَان يقف على الابطال وَالْملك للْمقر لَهُ يثبت من غير تَصْدِيق وَقبُول لَكِن يبطل برده، وَالْمقر لَهُ إِذا صدق الْمقر فِي الاقرار ثمَّ رده لَا يَصح الرَّد، وَأفَاد أَيْضا صِحَة الاقرار للْغَائِب.
وَأَيْضًا يُسْتَفَاد هَذَا مِمَّا سَيَأْتِي من قَوْله هِيَ: أَي الالف الْمعينَة لفُلَان لَا بل لفُلَان لَا يجب عَلَيْهِ للثَّانِي شئ: أَي لانه أقرّ بهَا للاول ثمَّ رَجَعَ وَشهد بهَا للثَّانِي فرجوعه لَا يَصح وشهادته لَا تقبل، وَبِهَذَا تبين ضعف مَا فِي الْخَانِية من قَوْله لَو أقرّ لغَائِب ثمَّ أقرّ لآخر قبل حُضُور الْغَائِب صَحَّ إِقْرَاره للثَّانِي، لَان الاقرار للْغَائِب لَا يلْزم بل يتَوَقَّف على التَّصْدِيق
انْتهى.
وَيُمكن أَن يُقَال: معنى صِحَّته للثَّانِي لَيست لاحتياجه للتصديق وَإِنَّمَا لاجل أَن يرْتَد بِالرَّدِّ، فَأفَاد فِي الْخَانِية أَنه يَأْخُذهُ الثَّانِي، فَإِذا جَاءَ الاول وصادق قبل رده الاقرار يَأْخُذهُ، وَإِن قَالَ لَيْسَ لي يكون ملكا للثَّانِي، وَلَكِن أَفَادَ فِي الْبَدَائِع أَنه إِن دفع للاول بِلَا قَضَاء يضمن للثَّانِي لَان إِقْرَاره بهَا صَحِيح فِي حق الثَّانِي إِذا لم يَصح للاول اهـ.
وَأَنت خَبِير بِأَن هَذَا التَّعْلِيل رُبمَا يرد عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فتعليل الْمنح ظَاهر وَهُوَ الْمُوَافق لظواهر الْكتب الْمُعْتَمدَة.
وَفِي الْمنح فِي مسَائِل شَتَّى فسر الرَّد بِأَن يَقُول مَا كَانَ لي عَلَيْك شئ أَو يَقُول بل هُوَ لَك أَو لفُلَان.
قَالَ الْعَلامَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ: قَوْلهم الاقرار صَحِيح بِدُونِ التَّصْدِيق لَا يُعَارض قَول الْعِمَادِيّ: إِن إِقْرَاره للْغَائِب توقف عمله على تَصْدِيق الْغَائِب، إِذْ لَا مَانع من توقف الْعَمَل مَعَ الصِّحَّة كَبيع الْفُضُولِيّ يَصح ويتوقف، وَكَذَا لَا يُعَارض مَا فِي الْخَانِية من قَوْله: وَأما الاقرار للْغَائِب لَا يلْزم بل يتَوَقَّف على التَّصْدِيق، إِذْ مَعْنَاهُ يتَوَقَّف لُزُومه لَا صِحَّته، وَقَوله: فَإِن كَانَ صَحِيحا يمْتَنع الاقرار بِهِ للْغَيْر غير مُسلم لعدم الْمُلَازمَة، أَلا ترى أَن للفضولي قبل إجَازَة الْمَالِك أَن يَبِيع الْمَبِيع الَّذِي بَاعه الآخر ويتوقف فَلم يلْزم من صِحَّته عدم صِحَة بَيْعه للْآخر، بل الاقرار بِمَال الْغَيْر يَصح وَيلْزم تَسْلِيمه إِذا ملكه، وَهَذَا يدل على أَن الاقرار لَيْسَ بِسَبَب للْملك كَمَا سَيَأْتِي فَكيف يلْزم من صِحَة إِقْرَاره لغَائِب لَا يلْزمه ذَلِك حَتَّى كَانَ لَهُ الرَّد عدم صِحَة الاقرار بِهِ للْغَيْر.

(8/219)


وَالْحَاصِل: أَن الاقرار يَصح مُطلقًا بِلَا قبُول وَلَا يلْزم لَو كَانَ الْمقر لَهُ غَائِبا وَلعدم لُزُومه جَازَ أَن يقر بِهِ لغيره قبل حُضُوره فاجتمعت كلمتهم على أَنَّ الْقَبُولَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ، وَأما لُزُومه فشئ آخر، وَالْمُصَنّف لم يفرق بَين الصِّحَّة واللزوم فاستشكل فِي منحه على الصِّحَّة المجتمعة عَلَيْهَا كلمتهم باللزوم.
وَأما مَا أجَاب بِهِ الْمُجيب الْمَذْكُور فَفِيهِ نظر، إِذْ لَو كَانَ كَمَا فهمه لما افترق الاقرار للحاضر وَالْغَائِب مَعَ أَن بَينهمَا فرقا فِي الحكم، أَلا ترى إِلَى قَوْله فِي الْخَانِية: وَلَو أقرّ لوَلَده الْكَبِير
الْغَائِب أَو أَجْنَبِي بعد قَوْله وَأما الاقرار للْغَائِب لَا يلْزم، فَالَّذِي يظْهر أَن الاقرار للْغَائِب لَا يلْزم من جَانب الْمقر حَتَّى صَحَّ إقْرَارُهُ لِغَيْرِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ من جَانب الْمقر لَهُ حَتَّى رَدُّهُ.
وَأَمَّا الْإِقْرَارُ لِلْحَاضِرِ فَيَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ الْمقر حَتَّى لَا يَصح إِقْرَاره بِهِ لغيره قَبْلَ رَدِّهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ الْمُقَرِّ لَهُ فَيَصِحُّ رَدُّهُ، وَأَمَّا الصِّحَّةُ فَلَا شُبْهَةَ فِيهَا فِي الْجَانِبَيْنِ بِدُونِ الْقبُول كَمَا يفهم من كَلَامهم انْتهى.
وَفِيه: وَيشكل على مَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة من قَوْله: وَإِن ادّعى الرجل عينا فِي يَد رجل وَأَرَادَ استحلافه فَقَالَ صَاحب الْيَد هَذِه الْعين لفُلَان الْغَائِب لَا ينْدَفع الْيَمين عَنهُ مَا لم يقم الْبَيِّنَة على ذَلِك، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ هَذَا لِابْني الصَّغِير.
وَالْفرق أَن إِقْرَاره للْغَائِب توقف عمله على تَصْدِيق الْغَائِب فَلَا يكون الْعين مَمْلُوكا لَهُ بِمُجَرَّد إِقْرَار ذِي الْيَد فَلَا ينْدَفع الْيَمين.
وَأما إِقْرَاره للصَّبِيّ فَلَا يتَوَقَّف على تَصْدِيق الصَّبِي فَيصير الْعين ملكا للصَّبِيّ بِمُجَرَّد إِقْرَاره فَلَا يَصح إِقْرَاره بعد ذَلِك لغيره فَلَا يُفِيد التَّحْلِيف لَان فَائِدَته النّكُول الَّذِي هُوَ كالاقرار.
أَقُول: لَا يشكل ذَلِك، فَإِن قَوْله توقف عمله صَرِيح فِي صِحَّته وَلَكِن لما توقف عمل وَهُوَ اللُّزُوم على تَصْدِيقه لم تنْدَفع الْيَمين بِمُجَرَّدِهِ مَا لم يقم الْبَيِّنَة عَلَيْهِ.
تَأمل.

قَوْله: (إِذا ملكه بُرْهَة من الزَّمَان) أَي قَلِيلا من الزَّمَان، حَتَّى لَو تصرف فِيهِ لغير الْمقر لَهُ بعد ملكه لَا ينفذ تصرفه وينقض لتصرفه فِي ملك غَيره كَمَا يُؤْخَذ من الْقَوَاعِد.
وَيُؤْخَذ من هَذَا الْفَرْع كَمَا قَالَ أَبُو السُّعُود: أَنه لَو ادّعى شخص عينا فِي يَد غَيره فَشهد لَهُ بهَا شخص فَردَّتْ شَهَادَته لتهمة وَنَحْوهَا كتفرد الشَّاهِد ثمَّ ملكهَا الشَّاهِد يُؤمر بتسليمها إِلَى الْمُدَّعِي انْتهى.

قَوْله: (لما صَحَّ) أَي إِقْرَاره للْغَيْر: أَي وَلَو ملكه بعد.

قَوْله: (لما صَحَّ) (وَلَا يرجع بِالثّمن) على البَائِع: أَي لاقتصار إِقْرَاره عَلَيْهِ فَلَا يتَعَدَّى لغيره.

قَوْله: (صَارَت وَقفا) بِخِلَاف مَا إِذا غصب دَارا من رجل فوقفها ثمَّ اشْتَرَاهَا حَيْثُ لَا يجوز وَقفه.
وَالْفرق أَن فعل الْغَاصِب إنْشَاء فِي غير ملكه فَلَا يَصح، لَان شَرط صِحَّته ملكه لَهُ، بِخِلَاف الاقرار لكَونه إِخْبَارًا لَا إنْشَاء.

قَوْله: (مكْرها) حَال من الضَّمِير الْمُضَاف إِلَيْهِ الاقرار، وَإِنَّمَا لم يَصح إِقْرَاره بهَا مُكْرَهًا لِقِيَامِ دَلِيلِ الْكَذِبِ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَيَجُوزُ تَخَلُّفُ مَدْلُولِهِ الوضعي عَنهُ.
منح.

قَوْله: (وَلَو كَانَ إنْشَاء لصَحَّ لعدم
التَّخَلُّف) أَي تخلف مَدْلُول الانشاء عَنهُ: أَي لانه يمْتَنع فِي الانشاء تخلف مَدْلُول لَفظه الوضعي عَنهُ:

(8/220)


أَي مَتى وجد اللَّفْظ الدَّال على إنْشَاء الطَّلَاق أَو الْعتاق سَوَاء وجد مَدْلُوله فِي حَال الطواعية أَو الاكراه وَهَذَا مَخْصُوص فِيمَا يَصح مَعَ الاكراه، بِخِلَاف مَا لَا يَصح مَعَه كَالْبيع فَإِنَّهُ يتَخَلَّف مَدْلُوله عَنهُ مَعَ الاكراه: أَي وَهُوَ إِثْبَات الْملك غير مُسْتَحقّ الْفَسْخ.

قَوْله: (وَصَحَّ إِقْرَار العَبْد الْمَأْذُون بِعَين فِي يَده) وَلَو كَانَ إنْشَاء لَا يَصح، لانه يصير تَبَرعا مِنْهُ وَهُوَ لَيْسَ أَهلا لَهُ.

قَوْلُهُ: (وَالْمُسْلِمُ بِخَمْرٍ) حَتَّى يُؤْمَرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَلَو كَانَ تَمْلِيكًا مُبْتَدأ لما صَحَّ كَمَا فِي الدُّرَرِ.
وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخَمْرَ قَائِمَةٌ لَا مُسْتَهْلَكَةٌ إذْ لَا يَجِبُ بَدَلُهَا لِلْمُسْلِمِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ.

قَوْله: (وبنصف دَاره مشَاعا) أَي الدَّار الْقَابِلَة للْقِسْمَة فَإِنَّهُ يَصح الاقرار بهَا لكَونه إِخْبَارًا، وَلَو كَانَ إنْشَاء لَكَانَ هبة، وَهبة الْمشَاع الْقَابِل للْقِسْمَة لَا تتمّ، وَلَو قبض بِخِلَاف مَالا يقسم كبيت وحمام صغيرين فَإِنَّهَا تصح فِيهِ وتتم بِالْقَبْضِ.

قَوْله: (وَالْمَرْأَة بِالزَّوْجِيَّةِ من غير شُهُود) لانه إِخْبَار عَن عقد سَابق، وَلَو كَانَ إنْشَاء لما صَحَّ إِقْرَارهَا بِالزَّوْجِيَّةِ من غير شُهُود، لَان إنْشَاء عقد النِّكَاح يشْتَرط لصِحَّته حضورهم كَمَا مر فِي بَابه.

قَوْله: (وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بشئ معِين بِنَاء على الاقرار لَهُ بذلك) يَعْنِي إِذا ادّعى عَلَيْهِ شَيْئا لما أَنه أَقَرَّ لَهُ بِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ لَا سَبَبٌ لِلُزُومِ الْمُقَرِّ بِهِ عَلَى الْمُقِرِّ، وَقَدْ عَلَّلَ وُجُوبَ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى الْمُقِرِّ بِالْإِقْرَارِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ أُطَالِبُهُ بِمَا لَا سَبَبَ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ أَوْ لُزُومِهِ بِإِقْرَارِهِ وَهَذَا كَلَامٌ بَاطِلٌ.
مِنَحٌ.
وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الدَّعْوَى بالشئ الْمُعَيَّنِ بِنَاءً عَلَى الْإِقْرَارِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْمَتْن لَا بالاقرار بِنَاء على الاقرار، قَوْله بِأَنَّهُ أقرّ لَهُ لَا مَحل لَهُ، وَفِي إقحامه ركاكة.
تَأمل.

قَوْله: (بِهِ يُفْتِي) مُقَابِله أَنَّهَا تسمع كَمَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ.
وَحَاصِله: أَن الاقرار هَل هُوَ بَاقٍ فِي الشَّرْع أَو هُوَ إنْشَاء فِي الْمَعْنى فَيكون سَببا لذَلِك، فَمن جعله إنْشَاء سوغ هَذِه الدَّعْوَى، وَمن جعله بَاقِيا على مَعْنَاهُ الاصلي لم يجوز سماعهَا، وَعَلِيهِ الْجُمْهُور وَجَمِيع الْمُتَأَخِّرين، وَهُوَ الصَّحِيح الْمعول عَلَيْهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَة.

قَوْله: (لانه إِخْبَار) أَي لَا سَبَبٌ لِلُزُومِ الْمُقَرِّ بِهِ عَلَى الْمُقِرِّ، وَهُوَ قد جعل سَبَب وجوب الْمُدعى بِهِ على الْمقر الاقرار فَكَأَنَّهُ قَالَ أطالبه بِلَا سَبَبَ
لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ أَوْ لُزُومِهِ بِإِقْرَارِهِ، وَهَذَا بَاطِل لما علم من كَلَام مَشَايِخنَا.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَحِلَّ لَهُ) أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ: أَي لَا يجوز لَهُ أَخذه جبرا ديانَة كإقراره لامْرَأَته بِجَمِيعِ مَا فِي منزله وَلَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ اهـ.
بَحر: أَي وَلَو كَانَ إنْشَاء يحل أَخذه كَمَا فِي الدُّرَر، وَمَا نَقله فِي الْقنية عَن بعض الْمَشَايِخ من أَن الاقرار كَاذِبًا يكون نَاقِلا للْملك فخلاف الْمُعْتَمد الصَّحِيح من الْمَذْهَب الَّذِي إِلَيْهِ يذهب.

قَوْله: (نَعَمْ لَوْ سَلَّمَهُ بِرِضَاهُ كَانَ ابْتِدَاءَ هِبَةٍ وَهُوَ الاوجه) هَذَا ظَاهر إِذا تعمد الْكَذِب، أما إِذا كَانَ يظنّ أَنه وَاجِب عَلَيْهِ يتَعَيَّن الافتاء بِعَدَمِ الْحل.
فرع: الابراء والاقرار لَا يحتاجان إِلَى الْقبُول.
أَفَادَهُ السائحاني.

قَوْله: (أَوْ يَقُولَ لِي عَلَيْهِ كَذَا وَهَكَذَا أَقَرَّ بِهِ) أَي إِنَّه لي عَلَيْهِ.
وَفِي شرح تحفة الاقران وَأَجْمعُوا أَنه لَو قَالَ هَذَا الْعين ملكي وَهَكَذَا أقرّ بِهِ الْمُدعى عَلَيْهِ يقبل.

(8/221)


قَوْله: (ثمَّ لَو أنكر الاقرار) أَي وَقد ادّعى مَا أقرّ بِهِ لكَونه ملكه وَلم يبن على مُجَرّد إِقْرَاره لما تقدم.

قَوْله: (الْفَتْوَى أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ عَلَى الْإِقْرَارِ بَلْ على المَال) قَالَ ابْن الْغَرْس: ثمَّ لَا يجوز أَن يحلف أَنه مَا أقرّ بِهِ قولا وَاحِدًا، لَان الصَّحِيح أَن الاقرار لَيْسَ بِسَبَب للْملك، وَقد علمت الحكم فِي الاسباب الشَّرْعِيَّة الْمُتَّفق على سببيتها وَأَن الصَّحِيح أَنه لَا يحلف عَلَيْهَا فَكيف الْحَال فِيمَا سببيته قَول مَرْجُوح اهـ.
وَقيل يحلف بِنَاء على أَنه إنْشَاء ملك.

قَوْله: (وَأما دَعْوَى الاقرار فِي الدّفع) بِأَن أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ أَنه لَا حق لَهُ قبل الْمُدعى عَلَيْهِ، أَو أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ أَن هَذِه الْعين ملك الْمُدعى عَلَيْهِ فَتسمع، وَأَمَّا دَعْوَى الْإِقْرَارِ بِالِاسْتِيفَاءِ فَقِيلَ لَا تُسْمَعُ لانه دَعْوَى الاقرار فِي طرف الِاسْتِحْقَاقِ، إذْ الدَّيْنُ يُقْضَى بِمِثْلِهِ.
فَفِي الْحَاصِلِ: هَذَا دَعْوَى الدَّيْنِ لِنَفْسِهِ فَكَانَ دَعْوَى الْإِقْرَارِ فِي طرف الِاسْتِحْقَاق، فَلَا تسمع، جَامع الْفُصُولَيْنِ معزيا للمحيط والذخيرة.
وَمثله فِي الْبَزَّازِيَّة لَكِن زَاد فِيهَا: وَقِيلَ: يُسْمَعُ لِأَنَّهُ فِي الْحَاصِلِ يَدْفَعُ أَدَاءَ الدَّيْنِ عَنْ نَفْسِهِ، فَكَانَ فِي طَرَفٍ الدّفع.
ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ.
وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بَرْهَنَ الْمَطْلُوبُ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُدَّعَى، أَوْ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكٍ لَهُ أَو مَا كَانَت ملكا لَهُ
ينْدَفع الدَّعْوَى إنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ لِإِنْسَانٍ مَعْرُوفٍ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَاهُ بِالْإِرْثِ، فَبَرْهَنَ الْمَطْلُوبُ عَلَى إِقْرَار الْمُورث بِمَا ذكرنَا، وَتَمَامه فِيهَا.

قَوْله: (فَتسمع عِنْد الْعَامَّة) كَمَا فِي الدُّرَر وَشرح أدب القَاضِي وَالْخَانِيَّة، وَهَذَا مُقَابل قَول المُصَنّف وَلَا تسمع دَعْوَاهُ عَلَيْهِ.

قَوْله: (لَا يَصح) هَذَا فِي الاقرار بِمَا يرْتَد، أما فِيمَا لَا يرْتَد بِالرَّدِّ كالرق وَالنّسب، فَإِنَّهُ لَو أقرّ بِهِ ثمَّ ادَّعَاهُ الْمقر لَهُ بعد رده يقبل مَبْسُوط والعقود اللَّازِمَة مثل النِّكَاح مِمَّا لَا يرْتَد بِالرَّدِّ، فَلَو قَالَ لَهَا تَزَوَّجتك أمس فَقَالَت لَا ثمَّ قَالَت بلَى وَقَالَ هُوَ لَا لزمَه النِّكَاح، لَان إِقْرَاره لم يبطل، إِذْ النِّكَاح عقد لَازم لَا يبطل بِمُجَرَّد جحود أحد الزَّوْجَيْنِ، فَيصح بتصديقها بعد التَّكْذِيب فَيثبت، وَلَا يعْتَبر إِنْكَاره بعد اه.
سري الدّين مُلَخصا ط.
قَالَ السَّيِّد الْحَمَوِيّ قَوْله لَا يَصِحُّ مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَقُّ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِثْلُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ لَهُمَا مِثْلُ الشِّرَاءِ وَالنِّكَاحِ فَلَا، وَهُوَ إطْلَاقٌ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ، وَيَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ أَيْضا بِمَا إِذا لم يكن الْمقر مقصرا عَلَى إقْرَارِهِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا شئ لَهُ إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَى تَصْدِيقِهِ وَهُوَ مصر اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ لِآخَرَ كُنْتُ بِعْتُكَ الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَقَالَ الْآخَرُ لَمْ أَشْتَرِهِ مِنْك فَسَكَتَ الْبَائِعُ حَتَّى قَالَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بعده بلَى اشْتَرَيْته مِنْك بِأَلف فَهُوَ جَائِز، وَكَذَا النِّكَاح، وكل شئ يكون لَهما جَمِيعًا فِيهِ حق، وكل شئ يكون الْحق فِيهِ لِوَاحِدٍ مِثْلُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ لَا يَنْفَعُهُ إقْرَارُهُ بعد ذَلِك.

قَوْله: (وَأما بعد الْقبُول فَلَا يرْتَد بِالرَّدِّ) يَعْنِي لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكَهُ وَنَفْيُ الْمَالِكِ مِلْكَهُ عَنْ نَفْسِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُنَازِعِ لَا يَصِحُّ.
نَعَمْ لَوْ تَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ صَحَّ لِمَا تقدم فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ طَلَبَ رِبْحُ مَالٍ ادَّعَاهُ عَلَى آخَرَ فَصَدَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ فَأَوْفَاهُ إيَّاهُ ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُهُ بِتَصَادُقِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يكن عَلَيْهِ شئ، فَانْظُر

(8/222)


كَيْفَ التَّصَادُقُ اللَّاحِقُ نَقَضَ السَّابِقَ مَعَ أَنَّ ربحه طيب حَلَال.

قَوْله: (لانه إِقْرَار آخر) أَي وَقد صدقه فِيهِ فَيلْزمهُ.
قَالَه الْعَلامَة عبد الْبر.
وَفِي التاترخانية: وَفِي كل مَوضِع بَطل الاقرار برد الْمقر لَهُ لَو عَاد الْمقر إِلَى ذَلِك الاقرار وَصدقه الْمقر لَهُ أَن يَأْخُذهُ بِإِقْرَارِهِ، وَهَذَا اسْتِحْسَان وَالْقِيَاس أَن لَا يكون لَهُ ذَلِك اهـ.
وَوجه الْقيَاس: أَن الاقرار الثَّانِي عين الْمقر بِهِ، فالتكذيب فِي الاول تَكْذِيب فِي الثَّانِي.
وَوجه الِاسْتِحْسَان: أَنه يحْتَمل أَنه كذبه بِغَيْر حق لغَرَض من الاغراض الْفَاسِدَة فَانْقَطع عَنهُ ذَلِك الْغَرَض فَرجع إِلَى تَصْدِيقه، فقد جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل.
حموي
قَوْله: (ثمَّ لَو أنكر إِقْرَاره الثَّانِي) أَي وادعاه الْمقر لَهُ لكَونه ملكه وَأقَام بَيِّنَة عَلَيْهِ لَا تسمع، وَلَو أَرَادَ تَحْلِيفه لَا يلْتَفت إِلَيْهِ للتناقض بَين هَذِه الدَّعْوَى وَبَين تَكْذِيبه الاقرار الاول.

قَوْله: (قَالَ البديع) هُوَ أستاذ صَاحب الْقنية، فَإِنَّهُ عبر فِيهَا بقال أستاذنا.
قَالَ عبد الْبر: يَعْنِي للْقَاضِي البديع.
وَفِي بعض النّسخ قَالَ فِي الْبَدَائِع: وَلَيْسَ بصواب ط.

قَوْله: (والاشبه) أَي بِالصَّوَابِ وَالْقَوَاعِد.

قَوْله: (وَاعْتَمدهُ ابْن الشّحْنَة وَأقرهُ الشُّرُنْبُلَالِيّ) وَعبارَته: وَلَو أنكر الْمقر الاقرار الثَّانِيَ لَا يَحْلِفُ، وَلَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ للتناقض من الْكَذِب للاقرار الاول.
وَقَالَ القَاضِي البديع: يَنْبَغِي أَن تقبل بَيِّنَة الْمقر لَهُ على إِقْرَاره ثَانِيًا وَهُوَ الاشبه بِالصَّوَابِ.
وَقَالَ الشَّارِح.
أَي عبد الْبر ناظما لَهُ: الطَّوِيل وَقد صوب القَاضِي البديع قبُولهَا وَعِنْدِي لَهُ الْوَجْه الصَّحِيح الْمنور وَمن أَرَادَ الْمَزِيد فَعَلَيهِ بشرحه.

قَوْله: (لَا يظْهر فِي حق الزَّوَائِدُ الْمُسْتَهْلَكَةُ) يُفِيدُ بِظَاهِرِهِ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي حق الزَّوَائِد بِغَيْر المستهلكة، وَهُوَ مُخَالف لما فِي الْخَانِية كَمَا قدمْنَاهُ عَنْهَا وَقيد بهَا فِي الاستروشنية وَنَقله عَنْهَا فِي غَايَة الْبَيَان، وَتقدم فِي الِاسْتِحْقَاق نَظِير مَا قدمْنَاهُ عَن الْخَانِية، وَأَنه فرق فِي الِاسْتِحْقَاق لولد الْمُسْتَحقَّة بَين الاقرار، فَلَا يتبعهَا وَلَدهَا وَبَين الاثبات فيتبعها وَلَدهَا وَكَذَا سَائِر الزَّوَائِد، وَهُوَ عَام يَشْمَل المستهلكة وَغَيرهَا، وَهنا قد قيدها بالمستهلكة فَافْهَم أَن الْقَائِمَة يظْهر بهَا لاقرار، فَليُحرر.
وَلَعَلَّه أَرَادَ الِاحْتِرَاز بالمستهلكة عَن الهالكة بِنَفسِهَا لانها غير مَضْمُونَة مُطلقًا لانها كزوائد الْمَغْصُوب.
تَأمل
قَوْله: (فَلَا يَمْلِكُهَا الْمُقَرُّ لَهُ وَلَوْ إخْبَارًا لَمَلَكَهَا) قَالَ فِي نور الْعين: شرى أمة فَولدت عِنْده لَا بِاسْتِيلَادِهِ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بِبَيِّنَةٍ يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا، وَلَوْ أَقَرَّ بِهَا لِرَجُلٍ لَا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالْبَيِّنَةِ يَسْتَحِقُّهَا مِنْ الْأَصْلِ، وَلِذَا قُلْنَا: إنَّ الْبَاعَةَ يتراجعون فِيمَا بَينهم، بِخِلَاف الاقرار حَيْثُ لَا يَتَرَاجَعُونَ ف.
ثُمَّ الْحُكْمُ بِأَمَةٍ حُكْمٌ بِوَلَدِهَا وَكَذَا الْحَيَوَانُ، إذْ الْحُكْمُ حُجَّةٌ كَامِلَةٌ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْوَلَدَ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ نَاقِصَة، وَهَذَا الْوَلَدُ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَوْ فِي مِلْكٍ آخَرَ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ.
اهـ.
فَفِيهِ مُخَالفَة لمَفْهُوم كَلَام المُصَنّف، وَيُشبه أَن تكون هَذِه التفريعات كلهَا جَامعا بَين قَول من قَالَ إِن الاقرار إِخْبَار بِحَق لآخر لَا إِثْبَات، وَهُوَ قَول مُحَمَّد بن الْفضل وَالْقَاضِي أبي حَازِم وَقَول من قَالَ: إِنَّه تمْلِيك فِي الْحَال وَهُوَ أَبُو عبد الله الْجِرْجَانِيّ.
قَالَه فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة.
وَذكر استشهاد كل على مَا قَالَ بمسائل ذكرت فِي الْفَصْل التَّاسِع من الاستروشنية.

(8/223)


وَالْحَاصِل أَن الاقرار هَل هُوَ إِخْبَار بِحَق لآخر أم تمْلِيك فِي الْحَال على مَا قدمْنَاهُ من الْخلاف؟ وَقد علمت أَن الاكثر على الاول الَّذِي عَلَيْهِ الْمعول، وَقد ذكرُوا لكل مسَائِل تدل على مَا قَالَ، وَالله تَعَالَى أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.

قَوْله: (أقرّ حر مُكَلّف) أَي بَالغ عَاقل.
دُرَر.
قيد بِالْحرِّ، لَان العَبْد الْمَحْجُور عَلَيْهِ يتَأَخَّر إِقْرَاره بِالْمَالِ إِلَى مَا بعد الْعتْق، وَكَذَا الْمَأْذُون لَهُ يتَأَخَّر إِقْرَاره بِمَا لَيْسَ من بَاب التِّجَارَة كَمَا قدمْنَاهُ.
وَكَذَا إِذا أقرّ بِجِنَايَة مُوجبَة لِلْمَالِ لَا يلْزمه لَان الاذن لم يتَنَاوَل إِلَّا التِّجَارَة، بِخِلَاف مَا إِذا أقرّ بالحدود وَالْقصاص، لَان العَبْد مبقى على أصل الْحُرِّيَّة فِي حَقّهمَا.
زَيْلَعِيّ
قَوْله: (مُكَلّف) شَرط التَّكْلِيف لَان إِقْرَار الصَّبِي وَالْمَعْتُوه وَالْمَجْنُون لَا يَصح لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّة الِالْتِزَام، إِلَّا إِذا كَانَ الصَّبِي مَأْذُونا لَهُ فَيصح إِقْرَاره بِالْمَالِ لكَونه من ضرورات التِّجَارَة، لانه لَو لم يَصح إِقْرَاره لَا يعامله أحد، فَدخل فِي الاذن كل مَا كَانَ طَرِيقه التِّجَارَة كالديون والودائع والعواري والمضاربات والغصوب فَيصح إِقْرَاره بهَا لالتحاقه فِي حَقّهَا بالبالغ الْعَاقِل، لَان الاذن يدل على عقله، بِخِلَاف مَا لَيْسَ من بَاب التِّجَارَة كالمهر وَالْجِنَايَة وَالْكَفَالَة حَيْثُ لَا يَصح إِقْرَاره بهَا، لَان التِّجَارَة مُبَادلَة المَال بِالْمَالِ وَالْمهْر مُبَادلَة مَال بِغَيْر مَال، وَالْجِنَايَة لَيست بمبادلة، وَالْكَفَالَة تبرع ابْتِدَاء فَلَا تدخل تَحت الاذن والنائم والمغمى عَلَيْهِ كالجنون لعدم التَّمْيِيز، وَإِقْرَار السَّكْرَان جَائِز إِذا سكر بمحظور، لانه لَا يُنَافِي الْخطاب إِلَّا إِذا أقرّ بِمَا يقبل الرُّجُوع كالحدود الْخَالِصَة، وَإِن سكر بمباح كالشرب مكْرها لَا يلْزمه شئ.
زَيْلَعِيّ.
وَالرِّدَّة كالحدود الْخَالِصَة.
حموي.

قَوْله: (يقظان) أخرج بِهِ النَّائِم فَلَا يُؤَاخذ بِمَا أقرّ بِهِ فِي النّوم لارْتِفَاع الاحكام عَنهُ.

قَوْله: (طَائِعا) أخرج بِهِ الْمُكْره فَلَا يَصح إِقْرَاره، وَلَو بِطَلَاق وعتاق كَمَا تقدم، أما طَلَاقه وعتاقه فيقعان.

قَوْله: (إِن أقرُّوا بِتِجَارَة) أَي بِمَال فَيصح، وَجَوَابه قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي صَحَّ أَيْ صَحَّ لِلْحَالِ.
قَوْله:
(كإقرار مَحْجُور) أَي عبد لانه مبقى على أصل الْحُرِّيَّة فِي الْحُدُود وَالْقصاص ولانه غير مُتَّهم بِهَذَا الاقرار لَان مَا يدْخل عَلَيْهِ بِهَذَا الاقرار من الْمضرَّة أعظم مِمَّا يدْخل على مَوْلَاهُ، وَلَيْسَ هُوَ عَائِدًا إِلَى الصَّبِي وَالْمَعْتُوه فَإِنَّهُ لَا حد عَلَيْهِمَا، وَلَا قَود لَان عمد الصَّبِي خطأ وَالْمَعْتُوه كَالصَّبِيِّ، وَيدل على تَخْصِيصه بِالْعَبدِ قَول الشَّارِح وَإِلَّا فَبعد عتقه أَي إِلَّا يكن إِقْرَار العَبْد الْمَحْجُور بِحَدّ أَو قَود بل بِمَال، فَإِنَّهُ لَا ينفذ عَلَيْهِ فِي الْحَال لانه وَمَا فِي يَده لمَوْلَاهُ والاقرار حجَّة قَاصِرَة لَا تتعدى لغير الْمقر، فَلَا ينفذ على مَوْلَاهُ فَإِن عتق سقط حق الْمولى عَنهُ فنفذ إِقْرَاره على نَفسه والاولى أَن يعبر بدل الْمَحْجُور بِالْعَبدِ وَأَن يُؤَخِّرهُ بعد قَوْله الْآتِي صَحَّ.

قَوْله: (بِحَدّ وقود) أَي مِمَّا لَا تُهْمَة فِيهِ كَمَا ذكرنَا فَيَصِحُّ لِلْحَالِ.

قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ كَانَ مِمَّا فِيهِ تُهْمَة.

قَوْله: (فَبعد عتقه) أَي فتتأخر الْمُؤَاخَذَة بِهِ إِلَى عتقه، وَكَذَا الْمَأْذُون رِعَايَة لحق الْمولى.
عَيْني
قَوْله: (ونائم) قصد بِهَذَا كَالَّذي قبله وَبعده بَيَان المحترزات.

قَوْله: (أَو مَجْهُول) إِنَّمَا صَحَّ الاقرار بِهِ لَان الْحق قد يلْزمه مَجْهُولا بِأَن أتلف مَالا لَا يدْرِي قِيمَته أَو جرح جِرَاحَة لَا يعلم أَرْشهَا، وَالضَّمِير فِي صَحَّ يرجع للاقرار الْمَعْلُوم من أقرّ.

قَوْله: (لَان جَهَالَة الْمقر بِهِ لَا تضر) كَمَا إِذا أقرّ أَنه غصب من رجل مَالا مَجْهُولا فِي كيس أَو أودعهُ مَالا فِي كيس صَحَّ الْغَصْب والوديعة، وَثَبت حكمهمَا لَان الْحق قد يلْزمه مَجْهُولا الخ.

قَوْله: (إلَّا إذَا بَيَّنَ سَبَبًا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ كَبَيْعٍ) أَي لَو قَالَ لَهُ

(8/224)


سهم من دَاري غير معِين وَلَا مَعْلُوم مِقْدَاره، لاني قد كنت بِعته ذَلِك لَا يَصح لَان البيع الْمَجْهُول فَاسد، وَكَذَا لَو كَانَ الاقرار بِإِجَارَة كَذَلِك.
وَاعْلَم أَن الْمقر بِالْمَجْهُولِ تَارَة يُطلق، وَتارَة يبين سَببا لَا تضره الْجَهَالَة كالغصب وَالْجِنَايَة، وَتارَة يبين سَببا تضره الْجَهَالَة، فالاول يَصح وَيحمل على أَن الْمقر بِهِ لزمَه بِسَبَب لَا تضره الْجَهَالَة، وَالثَّانِي ظَاهر، وَالثَّالِث لَا يَصح الاقرار بِهِ كَالْبيع والاجارة، فَإِن مَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا أَو آجر مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى مِنْ فُلَانٍ كَذَا بشئ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَلَا يُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى تَسْلِيم شئ.
أَفَادَهُ فِي الدُّرَر والشرنبلالية.

قَوْله: (كَقَوْلِه لَك على أَحَدنَا ألف) ظَاهره أَن الْقَائِل وَاحِد من جمَاعَة وَلَو يُحصونَ، وصدوره من أحدهم لَا يعين أَنه هُوَ المطالب، وَأَنه لَا يجْبر الْمُتَكَلّم على الْبَيَان
قَوْله: (إِلَّا إِذا جمع بَين
نَفسه وَعَبده فَيصح) هَذَا فِي حُكْمِ الْمَعْلُومِ، لِأَنَّ مَا عَلَى عَبْدِهِ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ إنَّمَا يَظْهَرُ هَذَا فِيمَا يَلْزَمُهُ فِي الْحَالِ، أَمَّا مَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِيهِ، فَإِذَا جَمَعَهُ مَعَ نَفْسِهِ كَانَ كَقَوْلِهِ لَك عَليّ أَو على زيد وَهُوَ مَجْهُول لَا يَصح.
حموي.
قَالَ فِي الاشباه: إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ، فَلَا يَصح: الاولى أَن يكون العَبْد مديونا، الثَّانِيَة أَن يكون مكَاتبا، فَافْهَم.

قَوْله: (وَكَذَا تضر جَهَالَة الْمقر لَهُ) أَي فَتبْطل فَائِدَة الاقرار لعدم اعْتِبَاره.

قَوْله: (وَإِلَّا لَا) أَي لَا تضر الْجَهَالَة إِن لم تتفاحش على مَا ذكر شيخ الاسلام فِي مبسوطه والناطفي فِي واقعاته، وَسوى شمس الائمة بَين المتفاحشة وَغَيرهَا فِي عدم الِاعْتِبَار، لَان الْمَجْهُول لَا يصلح مُسْتَحقّا إِذْ لَا يُمكنهُ جبره على الْبَيَان من غير تعْيين الْمُدَّعِي فَلَا يُفِيد فَائِدَته كَمَا فِي الْمنح.
قَالَ الْحَمَوِيّ: أَقُول مثل شرَّاح الْهِدَايَة وَغَيرهَا للفاحشة بِأَن قَالَ لوَاحِد من النَّاس ولغير الْفَاحِشَة بِأَن قَالَ لاحدكما وَوَقع تردد بدرس شيخ مَشَايِخنَا بَين أهل الدَّرْس: لَو قَالَ لاحدكم وهم ثَلَاثَة أَو أَكثر محصورون هَل هُوَ من الثَّانِي أَو الاول؟ فَمَال بَعضهم إِلَى أَنه من قبيل غير الْفَاحِشَة، وانتصر لَهُ بِمَا فِي الْخَانِية لَو قَالَ من بَايَعَك من هَؤُلَاءِ وَأَشَارَ إِلَى قوم مُعينين معدودين فَأَنا قبيل بِثمنِهِ جَازَ اهـ.
قَالَ السائحاني: وَيظْهر لي أَن المتفاحش مائَة.
أَقُول: لَكِن الَّذِي يظْهر لي أَن الْفَاحِش مَا زَاد على الْمِائَة أخذا من قَوْلهم فِي كتاب الشَّهَادَات من الْبَاب الرَّابِع فِيمَن تقبل شَهَادَته من الْهِنْدِيَّة عَن الْخُلَاصَة: شَهَادَة الْجند للامير لَا تقبل إِن كَانُوا يُحصونَ، وَإِن كَانُوا لَا يُحصونَ تقبل.
نَص فِي الصيرفية فِي حد الاحصاء مائَة وَمَا دونه، وَمَا زَاد عَلَيْهِ فَهَؤُلَاءِ لَا يُحصونَ.
كَذَا فِي جَوَاهِر الاخلاطي، وقدمناه فِي الشَّهَادَات.

قَوْله: (فَيصح) لَان صَاحب الْحق لَا يعدو من ذكره وَفِي مثله يُؤمر بالتذكر، لَان الْمقر قد ينسى صَاحب الْحق.
منح.
وَهَذَا قَول الناطفي.
وَقَالَ السَّرخسِيّ إِنَّهَا تضر أَيْضا
قَوْله: (وَلَا يجْبر على الْبَيَان) أَي إِن فحشت أَو لَا زَادَ الزَّيْلَعِيُّ: وَيُؤْمَرُ بِالتَّذَكُّرِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ قَدْ ينسى صَاحِبَ الْحَقِّ، وَزَادَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا ادَّعَى.
وَفِي التاترخانية: وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَسْتَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينًا عَلَى حِدَةٍ، بَعْضُهُمْ قَالُوا نَعَمْ، وَيَبْدَأُ الْقَاضِي بِيَمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ أَوْ يُقْرِعُ، وَإِذَا حَلَفَ لِكُلٍّ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ حَلَفَ
لِأَحَدِهِمَا فَقَطْ يُقْضَى بِالْعَبْدِ لِلْآخَرِ فَقَطْ، وَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا يُقْضَى بِهِ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ سَوَاءٌ

(8/225)


نَكَلَ لَهُمَا جُمْلَةً بِأَنْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي لَهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ بِأَنْ حَلَّفَهُ لِكُلٍّ عَلَى حِدَةٍ، وَإِنْ حَلَفَ فَقَدْ بَرِئَ عَن دَعْوَة كل، فَإِن أَرَادَ أَن يصطلحا وأخذا الْعَبْدَ مِنْهُ لَهُمَا ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَمَا قَبْلَ الْحَلِفِ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ: لَا يَجُوزُ اصْطِلَاحُهُمَا بَعْدَ الْحَلِفِ، قَالُوا: وَلَا رِوَايَةَ عَن أبي حنيفَة اهـ.
أَقُول: وَالْحَاصِل: أَن قَول الشَّارِح وَلَا يجْبر على الْبَيَان مُوَافق لما فِي الْبَحْر والزيلعي والعيني وَشرح السَّيِّد حموي، وَيُخَالِفهُ مَا فِي الدُّرَر عَن الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَإِن لم يفحش بِأَن أقرّ أَنه غصب هَذَا العَبْد من هَذَا أَو من هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَصح عِنْد شمس الائمة السَّرخسِيّ، لانه إِقْرَار للْمَجْهُول.
وَقيل يَصح وَهُوَ الاصح لانه يُفِيد وُصُول الْحق إِلَى الْمُسْتَحق، لانهما إِذا اتفقَا على أَخذه فَلَهُمَا حق الاخذ وَيُقَال لَهُ: بَين الْمَجْهُول، لَان الاجمال من جِهَته كَمَا لَو أعتق أحد عبديه وَإِن لم يبين أجْبرهُ القَاضِي على الْبَيَان إيصالا للحق إِلَى الْمُسْتَحق اهـ.
وَكَلَام الشُّرُنْبُلَالِيَّة يُفِيد مُوَافقَة مَا فِي الدُّرَر من أَنه يجْبر على الْبَيَان حَيْثُ قَالَ: قَوْله كَمَا لَو أعتق أحد عبديه: يَعْنِي من غير تعْيين، أما لَو أعتق أَحدهمَا بِعَيْنِه، ثمَّ نَسيَه لَا يجْبر على الْبَيَان كَمَا فِي الْمُحِيط اهـ.
وَأَقُول: قَوْله لَان الاجمال الخ هَكَذَا فِي الْهِدَايَة وَعَامة الشُّرَّاح قاطبة ربطوا هَذَا الْكَلَام على صِحَة الاقرار للْمَجْهُول، وَصَاحب الدُّرَر ظن أَنه مُرْتَبِط بالاقرار بِالْمَجْهُولِ، وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا يظْهر لمن نظر نظر التدبر فِي كَلَام صَاحب الْكَافِي أَيْضا، وَقد سبق أَنه لَا جبر على الْمقر لبَيَان الْمقر لَهُ عِنْد كَونه مَجْهُولا غير متفاحش، فاللائق عَلَيْهِ أَن يَأْتِي بِهَذَا الْكَلَام فِي شرح قَوْله وَلَزِمَه بَيَان مَا جهل.
أَقُول: وَإِنَّمَا يجْبرهُ القَاضِي على الْبَيَان فِيمَا إِذا أعتق أحد عبديه من غير تعْيين، لَان الظَّاهِر من حَال الْمقر هُوَ الْعلم بِالْحَقِّ الَّذِي أقرّ بِهِ، فَيجب عَلَيْهِ الْبَيَان.
لَا يُقَال: إِنَّه تقدم عِنْد.

قَوْله: (أَو مَجْهُول) أَن الْمقر قد يتْلف مَالا لَا يدْرِي قِيمَته أَو يجرح جِرَاحَة لَا يعلم أَرْشهَا.
لانا نقُول: إِن ذَلِك احْتِمَال اعْتبر هُنَاكَ بتصحيح الاقرار بِالْمَجْهُولِ، وَلَا يلْزم من ذَلِك أَن يسمع قَوْله لَا أَدْرِي فِي جَمِيع مَا
أقرّ بِهِ، بل على القَاضِي أَن يعْتَمد على ظَاهر الْحَال وَلَا يصدقهُ فِيمَا هُوَ مُحْتَمل.

قَوْله: (لجَهَالَة الْمُدَّعِي) أَي فيهمَا، ولانه قد يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال الْحق على الْمُسْتَحق، وَالْقَاضِي إِنَّمَا نصب لايصال الْحق إِلَى مُسْتَحقّه لَا لابطاله اهـ.
منح.

قَوْله: (بَحر) تَتِمَّة عِبَارَته: وَلكُل مِنْهُمَا أَن يحلفهُ.

قَوْله: (وَنَقله فِي الدُّرَر لَكِن بِاخْتِصَار مخل كَمَا بَينه عزمي زَاده) لَيْسَ فِي كَلَامه اخْتِصَار مخل بل زِيَادَة مضرَّة ذكرهَا فِي غير موضعهَا، وَقد سَمِعت عِبَارَته وصدرها، وَلم يَصح الاقرار للْمَجْهُول إِذا فحشت جهالته بِأَن يَقُول هَذَا العَبْد لوَاحِد من النَّاس، لَان الْمَجْهُول لَا يكون مُسْتَحقّا، وَإِن لم تفحش إِلَى آخر مَا قدمنَا عَنْهَا، وَاعْتَرضهُ عزمي زَاده بِأَن قَوْله: وَيُقَال لَهُ بَين الْمَجْهُول مُرْتَبِط بِصِحَّة الاقرار مَعَ جَهَالَة الْمقر بِهِ لَا بِعَدَمِ الصِّحَّة فِي جَهَالَة الْمقر لَهُ، وَلَا مساغ لحمله على ذَلِك لانه علل الْمَسْأَلَة بِأَنَّهُ إِقْرَار للْمَجْهُول، وَلَا يُفِيد لَان فَائِدَته الْجَبْر على الْبَيَان، وَصَاحب الْحق مَجْهُول، وَكَانَ الْوَاجِب ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة فِي أثْنَاء شرح قَوْله أقرّ بِمَجْهُول صَحَّ ليُوَافق كَلَامه كَلَامهم ومرامه مرامهم اهـ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ مِنْ الْجَبْرِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا جَهِلَ الْمُقَرَّ بِهِ لَا الْمُقَرَّ لَهُ لِقَوْلِ الْكَافِي لِأَنَّهُ إِقْرَار للْمَجْهُول، وَأَنه لَا يُفِيد لَان فَائِدَته الْجَبْر على الْبَيَان، وَلَا يجْبر على الْبَيَان لانه إِنَّمَا يكون ذَلِك لصَاحب الْحق وَهُوَ مَجْهُول.

(8/226)


فَرْعٌ: لَمْ يَذْكُرْ الْإِقْرَارَ الْعَامَّ وَذَكَرَهُ فِي الْبَحْر، وَفِي الْمِنَحِ، وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْعَامِّ كَمَا فِي يَدِي مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مَتَاعٍ أَوْ جَمِيعِ مَا يُعْرَفُ بِي أَوْ جَمِيع مَا ينْسب إِلَيّ لفُلَان وَإِن اخْتَلَفَا فِي عَيْنٍ أَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً وَقْتَ الْإِقْرَارِ أَوْ لَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُقَرُّ لَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي يَدِهِ وَقْتَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَبُولَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ، لَكِنَّهُ يَرْتَدُّ برد الْمقر لَهُ.
صرح فِي الْخُلَاصَة، وَكثير من الْكتب الْمُعْتَمدَة وَاسْتَشْكَلَ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً عَلَى هَذَا قَوْلَ الْعِمَادِيِّ وقاضيخان: الْإِقْرَارُ لِلْغَائِبِ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّصْدِيقِ.
ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ وَبَحَثَ فِي الْجَوَابِ الرَّمْلِيُّ ثُمَّ أَجَابَ عَنْ الْإِشْكَالِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ اللُّزُومَ غَيْرُ الصِّحَّةِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ تَوَقُّفِ الْعَمَلِ مَعَ صِحَّتِهِ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ، فَالْمُتَوَقِّفُ لُزُومُهُ لَا
صِحَّتُهُ، فالاقرار للْغَائِب لَا يلْزم حَتَّى صَحَّ إقْرَارُهُ لِغَيْرِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى صَحَّ رَدُّهُ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ لِلْحَاضِرِ فَيَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ الْمُقِرِّ حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُهُ لِغَيْرِهِ بِهِ قَبْلَ رَدِّهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ الْمُقَرِّ لَهُ فَيَصِحُّ رَدُّهُ، وَأَمَّا الصِّحَّةُ فَلَا شُبْهَةَ فِيهَا من الْجَانِبَيْنِ بِدُونِ الْقبُول وَقدمنَا شَيْئا من ذَلِك فَارْجِع إِلَيْهِ.

قَوْله: (وَلَزِمَه بَيَان مَا جهل) أَي يجْبر عَلَيْهِ إِذا امْتنع كَمَا فِي الشمني، لانه لزمَه الْخُرُوج عَمَّا وَجب عَلَيْهِ بالاقرار، لَان كثيرا من الاسباب تتَحَقَّق مَعَ الْجَهَالَة كالغصب والوديعة، لَان الانسان يغصب مَا يُصَادف ويودع مَا عِنْده من غير تَحْرِير فِي قدره وجنسه وَوَصفه فَيحمل عَلَيْهِ حَتَّى لَو فسره بِالْبيعِ أَو الاجارة لَا يَصح إِقْرَاره، لَان هَذِه الْعُقُود لَا تصح مَعَ الْجَهَالَة فَلَا يجْبر على الْبَيَان.
زَيْلَعِيّ.
قَالَ الْعَلامَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ: أَقُول بِهِ استخرجت جَوَاب حَادِثَة الْفَتْوَى: كرم وقف اسْتهْلك الْعَامِل عَلَيْهِ حِصَّة الْوَقْف مُدَّة سِنِين أَو مَاتَ الْعَامِل وَأقر ورثته باستهلاك ثَمَرَته فِي السنين الْمعينَة إِقْرَارا مَجْهُولا فِي الْغلَّة.
فأجبت: بِأَنَّهُم يجبرون على الْبَيَان وَالْقَوْل لَهُم مَعَ الْحلف إِلَّا أَن يُقيم الْمُتَوَلِي بَيِّنَة بِأَكْثَرَ، فَتَأمل اهـ.
وَقَالَ أَيْضا: ذكر صَاحب الْبَحْر فِي البيع فِي شرح قَوْله: وَإِن اخْتلفت النُّقُود فسد البيع، لَو أقرّ بِعشْرَة دَنَانِير حمر وَفِي الْبَلَد نقود مُخْتَلفَة حمر لَا يَصح بِلَا بَيَان، بِخِلَاف البيع فَإِنَّهُ يتَصَرَّف إِلَى الاروج.
اهـ.
وَلَا ريب أَن معنى قَوْله: لَا يَصح بِلَا بَيَان: أَي لَا يثبت بِهِ شئ بِلَا بَيَان، بِخِلَاف البيع فَإِنَّهُ يثبت الاروج بِدُونِ بَيَان، إِذْ صِحَة الاقرار بِالْمَجْهُولِ مقررة وَعَلِيهِ الْبَيَان.
تَأمل.
وَفِي الْمَقْدِسِي: وَلَو بَين الْغَصْب فِي عقار أَو خمر مُسلم صَحَّ لانه مَال، فَإِن قيل الْغَصْب أَخذ مَال مُتَقَوّم مُحْتَرم بِغَيْر إِذن الْمَالِك على وَجه يزِيل يَده، وَهُوَ لَا يصدق على الْعقار وخمر الْمُسلم.
وَأجِيب: بِأَن ذَلِك حَقِيقَة وَقد تتْرك بِدلَالَة الْعَادة وَفِي خير مَطْلُوب سَوَاء عين فِي هَذِه الْبَلدة أَو غَيرهَا، وَلَو قَالَ: الدَّار الَّتِي فِي يَد فلَان صَحَّ بَيَانه، وَلَا تُؤْخَذ من يَده وَلَا يضمن الْمقر شَيْئا لانه أقرّ بغصبها وَهِي لَا تضمن بِالْغَصْبِ اهـ.
أَقُول: وَإِنَّمَا يلْزمه بَيَان مَا جهل، هَذَا إِذا لم يكن الحكم عَلَيْهِ من لخارج، أما إِذا أمكن فَلَا وَيحكم عَلَيْهِ بالمتيقن، أَلا يرى أَنه لَو قَالَ: لَا أَدْرِي لَهُ عَليّ سدس أَو ريع فَإِنَّهُ يلْزم الاقل.
وَسَيَأْتِي مَا
يُوضح مَا ظهر لي.
وَفِي الْمَقْدِسِي: لَهُ عَليّ عبد أَو قَالَ لَهُ شرك فِيهِ: أوجب أَبُو يُوسُف قيمَة وسط فِي الاول والشطر فِي الثَّانِي، وَمُحَمّد الْبَيَان فيهمَا، وَلَو قَالَ لَهُ عشرَة دَرَاهِم ودانق أَو قِيرَاط فهما من

(8/227)


الدَّرَاهِم وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ أَوْ عَبْدٌ صَحَّ وَيُقْضَى بِقِيمَةٍ وَسَطٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّد: القَوْل لَهُ فِي الْقيمَة.
وَفِي الاشباه: الاقرار بِالْمَجْهُولِ صَحِيح، وَاعْتَرضهُ الْحَمَوِيّ بِمَا فِي الْمُلْتَقط: إِذا قَالَ عَليّ دَار أَو شَاة: قَالَ أَبُو يُوسُف: يلْزمه الضَّمَان بِقِيمَة الْمقر بِهِ وَالْقَوْل قَوْله.
وَقَالَ بشر: تجب الشَّاة.
اهـ.
وَيُمكن الْجَواب بمشي الاشباه على قَول الامام وَالْخَانِيَّة والملتقط على قَول غَيره، وَلَعَلَّ المُرَاد بالوسط أَو الْقيمَة من أقل الْمقر بِهِ لانه مقرّ بِأَحَدِهِمَا الْمُبْهم إِلَّا بالاثنين، وَحِينَئِذٍ فَحلف بشر لَفْظِي.
كَذَا بِخَط الْعَلامَة السائحاني.

قَوْله: (كشئ وَحقّ) بِأَن قَالَ عَليّ لفُلَان شئ أَو حق، لَان الْحق قد يلْزم مَجْهُولا بِأَن يتْلف مَالا أَو يجرح جِرَاحَة أَو تبقى عَلَيْهِ بَاقِيَة حِسَاب لَا يعرف قيمتهَا وَلَا أَرْشهَا وَلَا قدرهَا كَمَا فِي الْعَيْنِيّ، وَلَو قَالَ فِي قَوْله: عَليّ حق أردْت بِهِ حق الاسلام لم يصدق مُطلقًا، سَوَاء قَالَه مَوْصُولا أَو مَفْصُولًا، وَهُوَ ظَاهر كَلَام الزَّيْلَعِيّ والعيني والكفاية لانه خلاف الْعرف، فَإِذا بَين بِغَيْر ذَلِك كَانَ رُجُوعا فَلَا يَصح وَعَلِيهِ الْمعول كَمَا فِي التَّبْيِين.
وَفِي تَكْمِلَة قَاضِي زَاده: أَنه إِذا وَصله صدق وَإِن فَصله لَا يصدق، وَعَلِيهِ مَشى فِي التاترخانية، وَنَقله الْحَمَوِيّ، وَكَذَا نَقله صَاحب الْكِفَايَة عَن الْمُحِيط والمستزاد كَمَا فِي الشلبي.
قَالَ السَّيِّد الْحَمَوِيّ: بَقِي لَو مَاتَ قبل الْبَيَان توقف فِيهِ الشَّيْخ الحانوتي، قَالَ الْعَلامَة الشُّرُنْبُلَالِيّ: وَيَنْبَغِي أَن يرجع فِيهِ للْوَرَثَة.
اهـ.
وَفِيه أَن الْوَارِث إِذا كَانَ لَا يعلم كَيفَ يرجع إِلَيْهِ فَليُحرر بِالنَّقْلِ.
وَفِيه أَن الْوَارِث قد يعلم فالرجوع إِلَيْهِ لاستكشاف مَا عِنْده، فَإِنَّهُ علمه وَافق علم بِهِ.
قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: يَنْبَغِي أَن يصدق فِي حق الشُّفْعَة أَو التطرق وَنَحْوه.
اهـ.

قَوْله: (وَالْقَوْل للْمقر مَعَ حلفه لانه الْمُنكر) ولانه لما كذبه فِيمَا بَين وَادّعى شَيْئا آخر بَطل إِقْرَاره بتكذيبه وَكَانَ القَوْل للْمقر فِيمَا ادّعى عَلَيْهِ اهـ.

قَوْله: (وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ فِي عَليّ مَال) لَان مَا دونه من الكسور لَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم المَال عَادَة وَهُوَ الْمُعْتَبر زَيْلَعِيّ، وَمثله فِي الْهِنْدِيَّة.
وَهَذَا اسْتِحْسَان، وَفِي الْقيَاس يصدق فِي الْقَلِيل
وَالْكثير كَمَا قَالَ الْقَدُورِيّ.
قَالَ ط: وَظَاهر الْبَحْر أَنه يلْزمه دِرْهَم، وَلَا يجْبر على الْبَيَان، وَعبارَته: وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ دَار أَو عبد لَا يلْزمه شئ، أَو مَال قَلِيل أَو دِرْهَم عَظِيم أَو دريهم لزمَه دِرْهَم.

قَوْلُهُ: (وَمِنْ النِّصَابِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مِنْ دِرْهَم وَكَذَا المعطوفات بعده.

قَوْله: (أَي نِصَاب الزَّكَاة) لانه عَظِيم فِي الشَّرْع حَتَّى اعْتبر صَاحبه غَنِيا وَأوجب عَلَيْهِ مواساة الْفُقَرَاء، وَفِي الْعرف حَتَّى يعد من الاغنياء عَادَة.
منح.

قَوْله: (وَقيل إِن الْمقر فَقِيرا الخ) قَالَ فِي الْمنح: والاصح أَنه على قَوْله مَبْنِيّ عَلَى حَالِ الْمُقِرِّ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، فَإِنَّ الْقَلِيلَ عِنْدَ الْفَقِيرِ عَظِيمٌ، وَأَضْعَافُ ذَلِكَ عِنْدَ الْغَنِيّ لَيْسَ بعظيم وَهُوَ فِي الشَّرْع مُتَعَارِضٌ، فَإِنَّ الْمِائَتَيْنِ فِي الزَّكَاةِ عَظِيمٌ وَفِي السّرقَة وَالْمهْر الْعشْرَة عَظِيم، فَيرجع إِلَى حَاله.
كَذَا فِي النِّهَايَة.

قَوْله: (فِي مَال عَظِيم) مَعْطُوف على قَوْله فِي عَليّ مَال الْمَعْمُول ليصدق فَفِيهِ الْعَطف على معمولين لعاملين مُخْتَلفين، وَهُوَ لَا يجوز، والاولى أَن يَقُول: وَلزِمَ فِي عَليّ مَال دِرْهَم، وَفِي عَليّ مَال عَظِيم نِصَاب، وَحِينَئِذٍ فَفِيهِ الْعَطف على معمولين لعامل وَاحِد.
تَأمل.

(8/228)


وَاعْلَم أَن المَال الْقَلِيل دِرْهَم، فَإِذا قَالَ فِي لَهُ عَليّ مَال عَظِيم وَسُئِلَ الْبَيَان فَقَالَ لَا قَلِيل وَلَا كثير لزمَه مِائَتَان، لانه لما قَالَ لَا قَلِيل لزمَه الْكثير.
كَذَا عَن مُحَمَّد.
وَيظْهر لي أَن يلْزمه عِنْد الامام عشرَة إِذْ هِيَ الْكثير عِنْده، وَلَو قَالَ عَليّ شئ من الدَّرَاهِم أَو من دَرَاهِم فَعَلَيهِ ثَلَاثَة.
قلت: وعَلى تَقْدِير من تبعيضية لَا يظْهر مقدسي
قَوْله: (قَوْله لَو بَينه الخ) بِأَنْ قَالَ مَالٌ عَظِيمٌ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ قَالَ من الْفضة لزمَه النّصاب من الْمقر بِهِ وَمن الابل أَخذ نصابها أَيْضا، فَإِن قَالَ من ثِيَاب أَو كتب اعْتبر النّصاب بِالْقيمَةِ.

قَوْله: (وَمن خمس وَعشْرين من الابل) أَيْ وَلَا يَصْدُقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ لَوْ قَالَ: مَالٌ عَظِيمٌ مِنْ الْإِبِلِ.

قَوْله: (لانها أدنى نِصَاب يُؤْخَذ من جنسه) جَوَاب سُؤال حَاصله: أَن أدنى نِصَاب الابل خمس فَإِنَّهُ يُؤْخَذ فِيهَا شَاة.
وَحَاصِل الْجَواب: أَن مَا دون الْخمس وَالْعِشْرين من الابل لَا يجب فِيهِ الزَّكَاة من جنسه، وَإِن وَجَبت فِيهِ الزَّكَاة، وَتَقْرِير ذَلِك أَن الْخمس س من الابل وَإِن كَانَت مَالا عَظِيما فَعَظمهُ لمَالِكه نسبي، فَصَارَ
لَهُ جهتان: جِهَة الْغَنِيّ بتملكها فأوجبنا الشَّاة فِيهَا، وجهة عدم الْعظم الْحَقِيقِيّ، فَقُلْنَا بِعَدَمِ جَوَاز صَدَقَة فِيهَا مِنْهَا.
أَفَادَهُ الْحَمَوِيّ.
وَالظَّاهِر أَنه يعْتَبر فِي الْبَقر وَالْغنم نصابهما إِذا بَين بهما كَمَا يُسْتَفَاد من الْمنح ط.

قَوْله: (وَمن ثَلَاثَة نصب فِي أَمْوَال عِظَام) لَان أقل الْجَمِيع ثَلَاثَة فَلَا يصدق فِي أقل مِنْهُ للتيقن بِهِ، وَيَنْبَغِي على قِيَاس قَول الامام أَن يعْتَبر فِيهِ حَال الْمقر.
منح.
وَفِي الذَّخِيرَة: وَلَو قَالَ مَال نَفِيس أَو كريم أَو خطير أَو جليل: قَالَ الناطفي: لم أَجِدهُ مَنْصُوصا، وَكَانَ الْجِرْجَانِيّ يَقُول: يلْزمه مِائَتَان.
وروى ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف أَنه إِذا قَالَ عَليّ دَرَاهِم مضاعفة فَعَلَيهِ سِتَّة دَرَاهِم، لَان أدنى الْجمع ثَلَاثَة وضعفها سِتَّة، وَلَو قَالَ دَرَاهِم أَضْعَاف مضاعفة يلْزمه ثَمَانِيَة عشر درهما، لَان أضعافا لفظ الْجمع وَأقله ثَلَاثَة فَتَصِير تِسْعَة ومضاعفة التِّسْعَة ثَمَانِيَة عشر.
ذكره الشمني.

قَوْله: (ثَلَاثَة) لانها أدنى الْجمع.

قَوْله: (عشرَة) عِنْد الامام وَقَالا نِصَاب، والاصل أَن رِعَايَة الْكَثْرَة وَاجِبَة، لكنه اعْتبر الْعرف لُغَة وهما اعتبراه شرعا.

قَوْله: (لانها نِهَايَة اسْم الْجمع) الاضافة للْبَيَان: أَي نِهَايَة اسْم هُوَ الْجمع وَهُوَ دَرَاهِم إِذْ هُوَ جمع دِرْهَم وَلَيْسَ المُرَاد اسْم الْجمع المصطلح عَلَيْهِ كَمَا لَا يخفى: يَعْنِي أَن الْعشْرَة أقْصَى مَا يذكر بِلَفْظ الْجمع فَكَانَ هُوَ الاكثر من حَيْثُ اللَّفْظ فَيَنْصَرِف إِلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَا: لَا يصدق فِي أقل من نِصَاب: والاصل فِيهِ مَا قدمنَا من أَن رِعَايَة الْكَثْرَة وَاجِبَة الخ، وَهُوَ أول مَا يصدق عَلَيْهِ جمع الْكَثْرَة.
أما تَعْلِيل الشَّارِح فيوهم أَن الْعبْرَة لاقل مَا يصدق اللَّفْظ لَا لنهايته، إِذْ هِيَ مشكوكة وَالْمَال لَا يثبت بِالشَّكِّ فَتعين مَا قُلْنَا.
تَأمل
قَوْله: (وَكَذَا درهما دِرْهَم) أَي لَا يصدق فِي أقل من دِرْهَم فِي قَوْله لَهُ عَليّ كَذَا درهما لانه تَفْسِير للمبهم.
كَذَا فِي الْهِدَايَة وَفِيه مَا سبق من مُخَالفَة الْعَطف.
قَالَ الاتقاني: وَيَنْبَغِي أَن يلْزمه فِي هَذَا أحد عشرَة لانه أول الْعدَد الَّذِي يَقع مميزه مَنْصُوبًا، هَكَذَا نقل عَن أهل اللُّغَة فَلَا يصدق فِي بَيَانه

(8/229)


بدرهم، وَالْقِيَاس فِيهِ مَا قَالَه فِي مُخْتَصر الاسرار إِذا قَالَ لَهُ كَذَا دِرْهَم أَنه يلْزمه عشرُون، لانه ذكر جملَة وفسرها بدرهم مَنْصُوب.
وَذَلِكَ يكون من عشْرين إِلَى تسعين فَيجب الاقل وَهُوَ عشرُون لانه مُتَيَقن اهـ.
وَمثله فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة.
وَفِي السراج: وَإِن قَالَ كَذَا درهما لزمَه عشرُون، وَإِن قَالَ كَذَا دِرْهَم بالخفض لزمَه مائَة، وَإِن قَالَ كَذَا دِرْهَم بِالرَّفْع أَو بِالسُّكُونِ لزمَه دِرْهَم وَاحِد لانه تَفْسِير للمبهم.

قَوْلُهُ: (عَلَى الْمُعْتَمَدِ) لِأَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى.
شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَفِي التَّتِمَّةِ وَالذَّخِيرَةِ دِرْهَمَانِ، لِأَنَّ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْعَدَدِ وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ، إذْ الْوَاحِد لَا يعد حَتَّى يكون مَعَه شئ.
وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ قِيلَ: يَلْزَمُهُ عِشْرُونَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ أَقَلَّ عَدَدٍ غَيْرِ مُرَكَّبٍ يُذْكَرُ بعده الدِّرْهَم بِالنّصب عشرُون.
منح.

قَوْله: (وَلَو خفضه لزمَه دِرْهَم) كَذَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد، وَإِن قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَم بالخفض لزمَه ثَلَاثمِائَة، والتوجيه فِي غَايَة الْبَيَان.

قَوْله: (وَفِي دريهم الخ) أَي بِالتَّصْغِيرِ، وَكَذَا لَو صغر الدِّينَار يلْزمه تَاما، لَان التصغير يكون لصِغَر الحجم وللاستحقار ولخفة الْوَزْن فَلَا ينقص الْوَزْن بِالشَّكِّ ط.

قَوْله: (أَو دِرْهَم عَظِيم) إِنَّمَا لزمَه دِرْهَم لَان الدِّرْهَم مَعْلُوم الْقدر فَلَا يزْدَاد قدره بقوله عَظِيم لانه وصف اهـ.
تَبْيِين.
قَالَ الْمَقْدِسِي: يَنْبَغِي إِذا كَانَت الدَّرَاهِم مُخْتَلفَة أَن يجب من أعظمها عملا بِالْوَصْفِ الْمَذْكُور حموي.

قَوْله: (وَالْمُعْتَبر الْوَزْن الْمُعْتَاد إِلَّا بِحجَّة) قَالَ صَاحب الْهِدَايَة: وينصرف إِلَى الْوَزْن الْمُعْتَاد: أَي بَين النَّاس، وَذَلِكَ لَان الْمُطلق من الالفاظ ينْصَرف إِلَى الْمُتَعَارف وَهُوَ غَالب نقد الْبَلَد.
وَلَا يصدق فِي أقل من ذَلِك لانه يُرِيد الرُّجُوع عَمَّا اقْتَضَاهُ كَلَامه.
قَالَ فِي تحفة الْفُقَهَاء: وَلَو قَالَ عَليّ ألف دِرْهَم فَهُوَ على مَا يتعارفه أهل الْبَلَد من الاوزان أَو الْعدَد، وَإِن لم يكن شَيْئا متعارفا يحمل على وزن سَبْعَة فَإِنَّهُ الْوَزْن الْمُعْتَبر فِي الشَّرْع، وَكَذَلِكَ فِي الدِّينَار يعْتَبر المثاقيل إِلَّا فِي مَوضِع مُتَعَارَف فِيهِ بِخِلَافِهِ اهـ.
شلبي.
وَفِي الْكَافِي: وَإِن كَانَ نقد الْبَلَد مُخْتَلفا فَهُوَ على الاقل من ذَلِك اهـ.
وَلَا يصدق إِن ادّعى وزنا دون ذَلِك اهـ.
بِتَصَرُّف فَقَوله إِلَّا بِحجَّة إِن أُرِيد بهَا الْبَيَان فالامر ظَاهر، وَإِن لم يكن بَيَانا فالحجة عرف الْبَلَد، فَتدبر.
ط.

قَوْله: (وَكَذَا كَذَا درهما) بِالنّصب.

قَوْله: (أحد عشر) لانه ذكر عددين مبهمين بِدُونِ حرف الْعَطف أقل ذَلِك من الْعدَد الْمُفَسّر أحد عشر وَأَكْثَره تِسْعَة عشر، والاقل يلْزمه من غير بَيَان وَالزِّيَادَة تقف على بَيَانه.
منح.
وبالخفض ثَلَاثمِائَة وَفِي كَذَا وَكَذَا درهما، وَكَذَا وَكَذَا دِينَارًا عَلَيْهِ مِنْ كُلٍّ أَحَدَ عَشَرَ، وَفِي كَذَا كَذَا دِينَارًا وَدِرْهَمًا أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَيُقْسَمُ سِتَّةٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ
وَخَمْسَةٌ مِنْ الدَّنَانِيرِ احْتِيَاطًا، وَلَا يُعْكَسُ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ أَقَلُّ مَالِيَّةً وَالْقِيَاسُ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ مِنْ كُلٍّ، لَكِنْ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَسْرِ.
غَايَة الْبَيَان مُلَخصا.
أَقُول: لَكِن مُقْتَضى الِاحْتِيَاط أَن يلْزمه دِينَار وَاحِد وَعشرَة دَرَاهِم لانه أقل مَا يصدق عَلَيْهِ القَوْل الْمَذْكُور.
تَأمل.

قَوْله: (لَان نَظِيره الخ) لَو قَالَ: لَان أقل نَظِير لَهُ وَاحِد وَعِشْرُونَ لَكَانَ أولى.
قَالَ فِي الْمنح: لَان فصل بَينهمَا بِحرف الْعَطف، وَأَقل ذَلِك من الْعدَد الْمُفَسّر أحد وَعِشْرُونَ،

(8/230)


وَأَكْثَره تِسْعَة وَتسْعُونَ، والاقل يلْزمه من غير بَيَان وَالزِّيَادَة تقف على بَيَانه اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ ثَلَّثَ) بِأَنْ قَالَ كَذَا كَذَا كَذَا دِرْهَمًا.

قَوْلُهُ: (إذْ لَا نَظِيرَ لَهُ) وَمَا قِيلَ نَظِيرُهُ مِائَةُ أَلْفِ أَلْفٍ فَسَهْوٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نَصْبِ الدِّرْهَمِ وَتَمْيِيزُ هَذَا الْعَدَدِ مَجْرُورٌ، وَلْيُنْظَرْ هَلْ إذَا جَرَّهُ يلْزمه ذَلِك؟ وَظَاهر كَلَامهم لَا.

قَوْله: (فَحمل على التّكْرَار) أَي تكْرَار لفظ كَذَا الاخير.

قَوْله: (زيد ألف) فَيجب ألف وَمِائَة وَأحد وَعِشْرُونَ لانه أقل مَا يعبر عَنهُ بأَرْبعَة أعداد مَعَ الْوَاو.
ط عَن أبي السُّعُود.

قَوْله: (وَلَو خمس زيد عَشَرَةُ آلَافٍ) هَذَا حَكَاهُ الْعَيْنِيُّ بِلَفْظِ يَنْبَغِي لَكِنَّهُ غَلَطٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْعَشَرَةَ آلَافٍ تَتَرَكَّبُ مَعَ الْأَلْفِ بِلَا وَاوٍ فَيُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ ألفا، فتهدر الْوَاو الَّتِي تعْتَبر مهما أَمْكَنَ وَهُنَا مُمْكِنٌ فَيُقَالُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَمِائَةٌ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا.
نَعَمْ
قَوْلُهُ: (وَلَوْ سدس الخ) مُسْتَقِيم.
سائحاني.
أَي بِأَن قَالَ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَكَذَا لَوْ سَبَّعَ زِيدَ قَبْلَهُ أَلْفٌ أَلْفٌ، وَمَا ذَكَرَهُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ زِيدَ عَشَرَةُ آلَافٍ فِيهِ أَنَّهُ يُضَمُّ الالف إل الْعَشَرَةِ آلَافٍ فَيُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ، وَالْقِيَاسُ لُزُومُ مائَة ألف وَعشرَة آلَاف الخ.
اهـ.
لِأَنَّ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا أَقَلُّ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ، وَقَدْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْأَقَلِّ فَلَا يَجِبُ الْأَكْثَرُ، وَيَلْزَمُ أَيْضًا اخْتِلَالُ الْمَسَائِلِ الَّتِي بَعْدَهُ كُلِّهَا فَيُقَالُ لَوْ خَمَّسَ زِيدَ مِائَةُ أَلْفٍ، وَلَوْ سَدَّسَ زِيدَ أَلْفُ أَلْفٍ، وَهَكَذَا بِخِلَافِهِ على مَا مر، فَتدبر.

قَوْله: (وَهَكَذَا يعْتَبر نَظِيره أبدا) أَي كلما زَاد مَعْطُوفًا بِالْوَاو زيد عَلَيْهِ مَا جرت بِهِ الْعَادة إِلَى مَا لَا يتناهى كَمَا فِي الْبَحْر، وَفِيه: وَالْمُعْتَبر الْوَزْن الْمُعْتَاد فِي كل زمَان أَو مَكَان، والنيف مَجْهُول يرجع إِلَيْهِ فِيهِ والبضعة للثَّلَاثَة.
اهـ.
فَلَو قَالَ عشرَة ونيف فالبيان فِي النيف إِلَيْهِ، فَإِن فسره بِأَقَلّ من دِرْهَم جَازَ، لَان النيف مُطلق الزِّيَادَة، وَلَو قَالَ بضع
وَعِشْرُونَ فَفِي الْبَدَائِع: الْبضْع فِي عرف اللُّغَة من الثَّلَاثَة إِلَى التِّسْعَة فَيحمل على الاقل للتيقن.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: اليضعة النّصْف.

قَوْله: (لَان على للايجاب) قَالَ الاتقاني: أما قَوْله عَليّ فَإِنَّمَا كَانَ إِقْرَارا بِالدّينِ بسبيل الِاقْتِضَاء، وَإِن لم يذكر الدّين صَرِيحًا لَان كلمة عَليّ تسْتَعْمل فِي الايجاب، وَمحل الايجاب الذِّمَّة، وَالثَّابِت فِي الذِّمَّة الدّين لَا الْعين فَصَارَ إِقْرَاره بِالدّينِ مُقْتَضى قَوْله عَليّ، وَالثَّابِت اقْتِضَاء كَالثَّابِتِ نصا وَلَو نَص فَقَالَ لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم دين كَانَ مقرا بِالدّينِ لَا بِالْعينِ، فَكَذَلِك هُنَا اهـ.

قَوْله: (وقبلي للضَّمَان غَالِبا) قَالَ الاتقاني: لَان.

قَوْله: (قبلي) وَإِن كَانَ يسْتَعْمل فِي الايجابات والامانات يُقَال لفُلَان قبلي وَدِيعَة وقبلي أَمَانَة غلب اسْتِعْمَاله فِي الايجابات، وَالْمُطلق من الْكَلَام ينْصَرف إِلَى مَا هُوَ الْغَالِب فِي الِاسْتِعْمَال.
اهـ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: كل من تقبل بشئ مقاطعة وَكتب عَلَيْهِ بذلك كتابا فالكتاب الَّذِي يكْتب هُوَ القبالة بِالْفَتْح، وَالْعَمَل قبالة بِالْكَسْرِ لانه صناعَة اهـ.
وَفِي بعض النّسخ: وَقبل عوض وقبلي.

قَوْله: (وَصدق إِن وصل بِهِ هُوَ وَدِيعَة) أَي بِأَن يَقُول لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم وَدِيعَة فَلَا تكون على للالزام، وَكَذَا لَو قَالَ أردْت بِهِ الْوَدِيعَة مُتَّصِلا عَيْني.
قَوْله:

(8/231)


(لانه يحْتَملهُ مجَازًا) وَذَلِكَ لَان لفظ عَليّ وقبلي ينشأن عَن الْوُجُوب، وَهُوَ مُتَحَقق فِي الْوَدِيعَة إِذْ حفظهَا وَاجِب، فَقَوله لَهُ عَليّ كَذَا: أَي يجب لَهُ عَليّ حفظ كَذَا، فَأطلق مَحل وجوب الْحِفْظ وَهُوَ المَال وَأَرَادَ الْحَال فِيهِ وَهُوَ وجوب حفظه، وَأما قبلي فقد تقدم أَنَّهَا تسْتَعْمل فِي الامانة ط.

قَوْله: (لتقرره بِالسُّكُوتِ) فَلَا يجوز تَغْيِيره بعد ذَلِك كَسَائِر الْمُغيرَات من الِاسْتِثْنَاء وَالشّرط.
ط
قَوْله: (عِنْدِي) أَي لَهُ عِنْدِي، وَكَذَا يُقَال فِي الْجَمِيع.

قَوْله: (عملا بِالْعرْفِ) لَان الْكل إِقْرَار بِكَوْن الشئ فِي يَده وَذَا يكون أَمَانَة، لانه قد يكون مَضْمُونا وَقد يكون أَمَانَة وَهَذِه أقلهما.
وَفِي كَفَالَة الْخَيْرِيَّة عَن التاترخانية لَفْظَة عِنْدِي للوديعة، لكنه بِقَرِينَة الدّين تكون كَفَالَة.
وَفِي الزَّيْلَعِيّ: مُطلقَة يحْتَمل الْعرف، وَفِي الْعرف إِذا قرن بِالدّينِ يكون ضمانا، وَقد صرح بِضَمَان بِأَن عِنْد إِذا اسْتعْملت فِي الدّين يُرَاد بِهِ الْوُجُوب اهـ.
أَقُول: وَكَأَنَّهُ فِي عرفهم إِقْرَار بالامانة، أما الْعرف الْيَوْم فِي عِنْدِي وَمَعِي الدّين، لَكِنْ ذَكَرُوا
عِلَّةً أُخْرَى تُفِيدُ عَدَمَ اعْتِبَارِ عرفنَا اهـ.
قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ مَحَلُّ الْعَيْنِ لَا الدَّيْنِ، إذْ مَحَلُّهُ الذِّمَّةُ، وَالْعَيْنُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً وَأَمَانَةً وَالْأَمَانَةُ أَدْنَى فَحُمِلَ عَلَيْهَا، وَالْعرْف يشْهد لَهُ أَيْضا.
فَإِن قيل: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِيعَةُ دَيْنٍ أَوْ دَيْنُ وَدِيعَةٍ لَا تَثْبُتُ الْأَمَانَةُ مَعَ أَنَّهَا أَقَلُّهُمَا.
أُجِيبَ: بِأَنَّ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ إذَا كَانَ لِلْأَمَانَةِ وَالْآخَرُ لِلدَّيْنِ فَإِذَا اجْتَمَعَا فِي الْإِقْرَارِ يَتَرَجَّحُ الدَّيْنُ اهـ.
أَي بِخِلَاف اللَّفْظ الْوَاحِد الْمُحْتَمل لمعنيين كَمَا هُنَا.
تَأمل.
قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: وَالظَّاهِر فِي كلمة عِنْدِي أَنَّهَا عِنْد الاطلاق للامانة، وَلذَا قَالَ فِي التاترخانية: إِنَّهَا بِقَرِينَة الدّين للكفالة، وَيُسْتَفَاد من هَذَا أَنَّهَا بِقَرِينَة الْغَصْب تكون لَهُ كَمَا لَو قَالَ غصبت مني كَذَا فَقَالَ عِنْدِي، فَتَأمل.
وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَيْضا أَنه لَو سَأَلَ القَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ جَوَابِ الدَّعْوَى فَقَالَ عِنْدِي يكون إِقْرَارا بالمدعي، وَقد نَص عَلَيْهِ السُّبْكِيّ من أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة وَلَا تأباه قواعدنا، فَتَأمل اهـ.

قَوْله: (فَهُوَ هبة لَا إِقْرَار) أَي لَان مَاله أَو مَا ملكه يمْتَنع أَن يكون لآخر فِي ذَلِك الْحَال فَلَا يَصح الاقرار، وَاللَّفْظ يحْتَمل الانشاء فَيحمل عَلَيْهِ وَيكون هبة.

قَوْله: (كَانَ إِقْرَار بِالشّركَةِ) قَالَ الْحَمَوِيّ: لَو قَالَ لَهُ فِي مَالِي ألف دِرْهَم أَو فِي دراهمي هَذِه فَهُوَ إِقْرَار، ثمَّ إِن كَانَ مُمَيّزا فوديعة وَإِلَّا فشركة.
اهـ.
فَكَانَ عَلَيْهِ أَن يَقُول: أَو بالوديعة.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ) فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ إقْرَارًا لَا يحْتَاج إِلَى التَّسْلِيم، والاوضح أَن يَقُول: بِخِلَاف مَا لَو كَانَ إِقْرَارا كَمَا أَن الاوضح فَلَا بُد فِيهَا من التَّسْلِيم.

قَوْله: (والاصل أَنه مَتى أضَاف المقربة الخ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ فِي كَمَا يعلم مِمَّا قبله.

قَوْله: (كَانَ هبة) لَان إِضَافَته إِلَى نَفسه تُنَافِي حَمْلَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ الَّذِي هُوَ إخْبَارٌ لَا إنْشَاءٌ فَيُجْعَلُ إنْشَاءً، فَيَكُونُ هِبَةً فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْهِبَةِ مِنَحٌ.
إذَا قَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ وَأَوْصَيْت أَنَّ لِفُلَانِ فِي مَالِي أَلْفًا، فَالْأُولَى وَصِيَّةٌ وَالْأُخْرَى إقْرَارٌ، وَفِي الْأَصْلِ: إذَا قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ سُدُسُ دَارِي لِفُلَانٍ فَهُوَ وَصِيَّةٌ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ سُدُسٌ فِي دَارِي فَإِقْرَارٌ، لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ جَعَلَ لَهُ سُدُسَ دَارٍ جَمِيعهَا

(8/232)


مُضَافٌ إلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِقَصْدِ التَّمْلِيكِ، وَفِي الثَّانِي جَعَلَ دَارَ نَفْسِهِ ظَرْفًا للسدس الَّذِي سَمَّاهُ كَانَ لفُلَان، وَإِنَّمَا يكون دَارُهُ ظَرْفًا لِذَلِكَ السُّدُسِ إذَا كَانَ السُّدُسُ مَمْلُوكًا لِفُلَانٍ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَكُونُ
إقْرَارًا، أَمَّا لَوْ كَانَ إنْشَاءً لَا يَكُونُ ظَرْفًا، لِأَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا لَهُ فَلَا يَكُونُ الْبَعْضُ ظَرْفًا لِلْبَعْضِ.
وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي فَهُوَ وَصِيَّةٌ اسْتِحْسَانًا إذَا كَانَ فِي ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ قَالَ فِي مَالِي فَهُوَ إِقْرَار اهـ.
من النِّهَايَة.
فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَهُوَ هِبَةٌ أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ، وَفِي هَذَا الْأَصْلِ خِلَافٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمِنَحِ، وَسَيَأْتِي فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْهِبَةِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا: الدَّيْنُ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ لِفُلَانٍ أَنَّهُ إقْرَارٌ، وَاسْتَشْكَلَهُ الشَّارِح هُنَاكَ وأوضحه سَيِّدي الْوَالِد ثَمَّةَ، فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَرِدُ) أَيْ عَلَى مَنْطُوق الاصل الْمَذْكُور، فَإِن الاضافة مَوْجُودَة وَمَعَ ذَلِك جعل إِقْرَارا، لَكِن الاضافة فِي الظّرْف لَا المظروف وَهُوَ الْمقر بِهِ.

قَوْله: (مَا فِي بَيْتِي) أَي فَإِنَّهُ إِقْرَار، وَكَذَا مَا فِي مَنْزِلِي، وَيَدْخُلُ فِيهِ الدَّوَابُّ الَّتِي يبعثها فِي النَّهَار وتأوي إلَيْهِ بِاللَّيْلِ، وَكَذَا الْعَبِيدُ كَذَلِكَ كَمَا فِي التاترخانية.

قَوْله: (لانها إِضَافَة نِسْبَة) أَيْ فَإِنَّهُ أَضَافَ الظَّرْفَ لَا الْمَظْرُوفَ الْمُقَرَّ بِهِ كَمَا علمت: يَعْنِي أَن الاضافة هُنَا كلا إِضَافَة، لاحْتِمَال أَن الْبَيْت أَو الصندوق أَو الْكيس ملك غَيره، وَمر فِي الايمان أَن المُرَاد بِالْبَيْتِ مَا ينْسب إِلَيْهِ بِالسُّكْنَى سَوَاء كَانَ بِملك أَو إِجَارَة أَو إِعَارَة أَو غير ذَلِك، وَالْمقر بِهِ هُنَا مَا فِي الْبَيْت وَهُوَ غير مُضَاف أصلا، فَيكون قَوْله مَا فِي بَيْتِي إِقْرَارا لَا تَمْلِيكًا لعدم وجود إِضَافَة الْمقر بِهِ إِلَى ملكه، بل جعله مظروفا فِيمَا أضيف إِلَيْهِ نِسْبَة.

قَوْله: (وَلَا الارض) عطف على مَا قبله.
أَي وَلَا يرد على عكس الْقَاعِدَة قَوْله.

قَوْله: (الارض) وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُضِفْهُ كَانَ إقْرَارًا، وَإِنَّمَا لَا وُرُود لَهَا على الاصل الْمُتَقَدّم إِذْ إِضَافَة فِيهَا إلَى مِلْكِهِ.
نَعَمْ نَقَلَهَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ عَلَى أَنَّهَا تَمْلِيكٌ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمُنْتَقَى نَظِيرَتُهَا عَلَى أَنَّهَا إقْرَارٌ، وَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْقُنْيَةِ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: إقْرَارُ الْأَبِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ تَمْلِيكٌ إنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ فِي الْإِقْرَار وَإِن أطلق فإقرار، كَمَا فِي سدس دَارِي وَسُدُسُ هَذِهِ الدَّارِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْهَا مَا يُخَالِفُهُ ثُمَّ قَالَ: قُلْت بَعْضُ هَذِهِ الْفُرُوعِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَعَدَمِهَا، فَيُفِيدُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا، وَمَسْأَلَةُ الِابْنِ الصَّغِيرِ يَصِحُّ فِيهَا الْهِبَةُ بِدُونِ الْقَبْضِ، لِأَنَّ كَوْنَهُ فِي يَدِهِ قَبْضٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالتَّمْلِيكِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ.
وَلَوْ كَانَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّغِير شئ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالتَّمْلِيكِ فِي حَقِّهِ أَيْضًا لِافْتِقَارِهِ إلَى الْقَبْضِ مفرزا اهـ.
ثُمَّ قَالَ: وَهُنَا مَسْأَلَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ: وَهِيَ مَا إِذا أقرّ لآخر إِلَى آخر مَا ذكر الشَّارِحُ مُخْتَصَرًا.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ اخْتَلَفَ النَّقْلُ فِي قَوْله الارض الَّتِي حددوها كَذَا لِطِفْلِي هَلْ هُوَ إقْرَارٌ أَوْ هِبَةٌ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا إذَا كَانَ فِيهَا شئ مِمَّا يحْتَمل الْقِسْمَة، فتظهر حِينَئِذٍ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِ الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ، وَكَانَ مُرَادُ الشَّارِحِ الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ آخِرًا يُفِيدُ التَّوْفِيقَ بِأَنْ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهَا تَمْلِيكٌ عَلَى مَا إذَا كَانَت مَعْلُومَة بَين النَّاس أَنَّهَا ملكه فَيكون فِيهَا الْإِضَافَةُ تَقْدِيرًا، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهَا إقْرَارٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ.
قَوْله وَلَا الْأَرْضُ أَيْ وَلَا تَرِدُ مَسْأَلَةُ الْأَرْضِ

(8/233)


الَّتِي إلَخْ عَلَى الْأَصْلِ السَّابِقِ فَإِنَّهَا هِبَةٌ: أَيْ لَوْ كَانَتْ مَعْلُومَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ لِلْإِضَافَةِ تَقْدِيرًا، لَكِنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ كَمَا اقْتَضَاهُ الْأَصْلُ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ دفع الْوُرُود.
تَأمل
قَوْله: (وَإِن لم يقبضهُ) قَالَ فِي الْمنح وَمَسْأَلَةُ الِابْنِ الصَّغِيرِ يَصِحُّ فِيهَا الْهِبَةُ بِدُونِ الْقَبْض، لَان كَونه فِي يَده قبض لَهُ فَلَا فرق بَين الاظهار: أَي الاقرار وَالتَّمْلِيك، بِخِلَاف الاجنبي، فَإِنَّهُ يشْتَرط فِي التَّمْلِيك الْقَبْض دون الاقرار.
اهـ.
وَإِنَّمَا يتم فِي حق الصَّغِير بِدُونِ قبض، لَان هبة الاب لطفله تتمّ بقوله: وهبت لطفلي فلَان كَذَا، وَيقوم مقَام الايجاب وَالْقَبُول وَيَكْفِي فِي قبضهَا بَقَاؤُهَا فِي يَده، لَان الاب هُوَ ولي طِفْله فَيقوم إِيجَابه مقَام إِيجَابه عَن نَفسه، وقبوله لطفله لانه هُوَ الَّذِي يقبل لَهُ وبقاؤها فِي يَده قبض لطفله، إِلَّا إِذا كَانَ مَا وهبه مشَاعا يحْتَمل الْقِسْمَة فَلَا بُد من إفرازه وَقَبضه بعد الْقِسْمَة لعدم صِحَة هبة الْمشَاع.

قَوْله: (إِلَّا أَن يكون مِمَّا يحْتَمل الْقِسْمَة) أَي وَقد ملكه بعضه.

قَوْله: (مفرزا) فِي بعض النّسخ بعد هَذَا اللَّفْظ لفظ اهـ.
وَفِي بَعْضهَا بَيَاض.

قَوْله: (للاضافة تَقْديرا) عِلّة.

قَوْله: (وَلَا الارض) أَي إِنَّمَا كَانَت تَمْلِيكًا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَإِن لم يُوجد فِيهَا إِضَافَة صَرِيحًا لَان فِيهَا إِضَافَة تقديرية كَأَنَّهُ قَالَ: أرضي الخ وَالدَّلِيل عَلَيْهَا أَن ملكه إِيَّاهَا مَعْلُوم للنَّاس.
فَالْحَاصِل: أَن الاضافة إِلَى نَفسه الَّتِي تَقْتَضِي التَّمْلِيك، إِمَّا أَن تكون صَرِيحَة أَو تقديرية تعلم بالقرائن، كَأَن كَانَ مَشْهُورا بَين النَّاس أَنَّهَا ملكه، وَبِهَذَا يظْهر الْجَواب عَن مسَائِل جعلوها تَمْلِيكًا وَلَا إِضَافَة فِيهَا، فَلَا حَاجَة إِلَى مَا ادَّعَاهُ المُصَنّف من ثُبُوت الْخلاف فِي الْمَسْأَلَة حَيْثُ قَالَ بعض هَذِه الْفُرُوع
تَقْتَضِي التَّسْوِيَة: أَي فِي التَّمْلِيك بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَعَدَمِهَا، فَيُفِيدُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خلافًا اهـ.
فَلْيتَأَمَّل ط.
وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ من إِفَادَة التَّوْفِيق.

قَوْله: (فَهَل يكون إِقْرَارا أَو تَمْلِيكًا) أَقُولُ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْمُقَرَّ بِهِ أَوْ الْمَوْهُوبَ إلَى نَفْسِهِ كَانَ هِبَةً، وَإِلَّا يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْهِبَةَ فَيُعْمَلُ بِالْقَرَائِنِ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى الْأَوَّلِ مَا عَنْ نَجْمِ الْأَئِمَّةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ إقْرَارٌ فِي الْحَالَتَيْنِ، وَرُبَّمَا يُوَفَّقُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ بِأَنَّ الْمِلْكَ إذَا كَانَ ظَاهِرًا لِلْمِلْكِ فَهُوَ تَمْلِيكٌ، وَإِلَّا فَهُوَ إقْرَارٌ إِن وجدت قرينَة، وتمليك أَو وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ، فَتَأَمَّلْ فَإِنَّا نَجِدُ فِي الْحَوَادِثِ مَا يَقْتَضِيهِ رَمْلِيٌّ.
وَقَالَ السَّائِحَانِيُّ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ أَقْوَالَ الْمَذْهَبِ كَثِيرَةٌ، وَالْمَشْهُورُ هُوَ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَالْأَصْلِ إلَخْ وَفِي الْمِنَحِ عَنْ السَّعْدِيِّ: أَنَّ إقْرَارَ الْأَبِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِعَيْنِ مَالِهِ تَمْلِيكٌ إنْ أَضَافَ ذَلِكَ إلَى نَفْسِهِ فَانْظُرْ لِقَوْلِهِ بِعَيْنِ مَالِهِ، وَلِقَوْلِهِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، فَهُوَ يُشِيرُ إلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ مَا يُعْهَدُ بَلْ الْعِبْرَةُ لِلَّفْظِ اهـ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ مَا فِي بَيْتِي وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ جَمِيعُ مَا يعرف بِي أَو جَمِيع مَا ينْسب إِلَيّ لفُلَان، قَالَ الاسكاف إِقْرَار.
اهـ.
فَإِنَّ مَا فِي بَيْتِهِ وَمَا يُعْرَفُ بِهِ وَيُنْسَبُ إلَيْهِ يَكُونُ مَعْلُومًا لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُ مِلْكُهُ، فَإِنَّ الْيَدَ وَالتَّصَرُّفَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إقْرَارٌ، وَأَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ، وَبِهِ تَأَيَّدَ بَحْثُ السَّائِحَانِيِّ.
وَلَعَلَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْضِ بِالْهِبَةِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ فِيهَا بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْإِقْرَارِ إذَا كَانَ ذَلِكَ لِطِفْلِهِ، وَلِذَا ذَكَرَهَا فِي الْمُنْتَقَى فِي جَانِبِ غَيْرِ الطِّفْلِ مُضَافَةً لِلْمُقِرِّ حَيْثُ قَالَ: إذَا قَالَ

(8/234)


أَرْضِي هَذِهِ وَذَكَرَ حُدُودَهَا لِفُلَانٍ أَوْ قَالَ الْأَرْضُ الَّتِي حُدُودُهَا كَذَا لِوَلَدِي فُلَانٍ وَهُوَ صَغِيرٌ كَانَ جَائِزًا وَيَكُونُ تَمْلِيكًا، فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم.
أَقُول: لَعَلَّه إِنَّمَا كَمَا كَذَلِك: أَي تَمْلِيكًا من حَيْثُ إِن الارض مَشْهُورَة إِنَّهَا ملك وَالِده، واستفادة الْملك إِنَّمَا تكون من جِهَته وَذَلِكَ بالتمليك مِنْهُ، بِخِلَاف الاقرار للاجنبي ولولده الْكَبِير حَيْثُ يُمكن أَن تكون ملكهمَا من غير جِهَة الْمقر.
تَأمل.

قَوْله: (فَقَالَ اتزنه) أَصله أَو تزنه قلبت الْوَاو تَاء وأدغمت فِي التَّاء، وَهُوَ أَمر مَعْنَاهُ: خُذ بِالْوَزْنِ الْوَاجِب لَك عَليّ.

قَوْله: (وَنَحْو ذَلِك) كأحل بهَا غرماءك أَو
من شِئْت مِنْهُم أَو أضمنها لَهُ أَو يحتال بهَا عَليّ أَو قضي فلَان عني.
حموي.
أَو خُذْهَا أَو تنَاولهَا أَو استوفها.
منح أَو سأعطيكها أَو غَدا أعطيكها أَو سَوف أعطيكها، أَو قَالَ: لَيست الْيَوْم عِنْدِي أَو أجلني فِيهَا كَذَا أَو أَخّرهَا عني أَو نفسني فِيهَا أَو تبرأتني بهَا أَو أبرأتني فِيهَا، أَو قَالَ: وَالله لَا أقضيكها أَو لَا أزنها لَك الْيَوْم أَو لَا تأخذها مني الْيَوْم، أَو قَالَ: حَتَّى يدْخل عَليّ مَالِي أَو حَتَّى يقدم عَليّ غلامي أَو لم يحل بعد، أَو قَالَ: غَدا أَو لَيست بمهيأة أَو ميسرَة الْيَوْم، أَو قَالَ: مَا أَكثر مِمَّا تتقاضى بهَا.
هندية عَن مُحِيط السَّرخسِيّ.

قَوْلُهُ: (فَهُوَ إقْرَارٌ لَهُ بِهَا) وَكَذَا لَا أقضيكها أَو وَالله لَا أعطيكها فإقرار.
مقدسي.
وَكَذَا غممتني بهَا، ولزمتني بهَا وأذيتني فِيهَا.
ذكره الْعَيْنِيّ.
وَفِي الْمَقْدِسِي أَيْضا قَالَ: أَعْطِنِي الْأَلْفَ الَّتِي لِي عَلَيْك فَقَالَ: اصبر أَو سَوف تأخذها لَا يكون إِقْرَارا، وَقَوْلُهُ أَتَزِنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ إقْرَارٌ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَوْلُهُ عِنْدَ دَعْوَى الْمَالِ مَا قَبَضْتُ مِنْكَ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَكُونُ إقْرَارًا، وَلَوْ قَالَ: بِأَيّ سَبَب دَفعه إِلَيّ قَالُوا يكون إِقْرَارا، وَفِيه نظر اهـ.
قَدَّمَهُ إلَى الْحَاكِمِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَطَالَبَهُ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَا لَهُ عَلَيَّ الْيَوْم شئ وَهَذَا الْحَلِفُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا.
وَقَالَ الْفَقِيهُ: لَا يلْتَفت إِلَى قَول من جعله إِقْرَارا سائحاني.
وَفِي الْهِنْدِيَّة: رجل قَالَ اقضني الالف الَّتِي لي عَلَيْك فَقَالَ نعم فقد أقرّ بهَا وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ فَاقْعُدْ فاتزنها فانتقدها فاقبضها.
وَفِي نوار هِشَام قَالَ: سَمِعت مُحَمَّدًا رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول فِي رجل قَالَ لآخر أَعْطِنِي ألف دِرْهَم فَقَالَ اتزنها قَالَ لَا يلْزمه شئ، لانه لم يقل أَعْطِنِي ألفي كَذَا فِي الْمُحِيط اهـ.

قَوْله: (لرجوع الضَّمِير إِلَيْهَا فِي كل ذَلِك) فَكَانَ إِعَادَة فَكَأَنَّهُ قَالَ أَتَزِنُ الْأَلْفَ الَّتِي لَك عَلَيَّ وَنَحْوه.

قَوْله: (فَكَانَ جَوَابا) لَا ردا وَلَا ابْتِدَاء فَيكون إِثْبَاتًا للاول.

قَوْله: (وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ) ويستدل عَلَيْهِ بالقرائن.

قَوْله: (أما لَو ادّعى الِاسْتِهْزَاء لم يصدق) أَفَادَ كَلَامه أَن مُجَرّد دَعْوَاهُ الِاسْتِهْزَاء لَا تعْتَبر، بل لَا بُد من الشَّهَادَة عَلَيْهِ، وَلَا تعْتَبر الْقَرِينَة كهز الرَّأْس مثلا، وَيدل لَهُ مَا سَيَأْتِي من أَنه إِذا ادّعى الْكَذِب بعد الاقرار لَا يقبل، وَيحلف الْمقر لَهُ عِنْد أبي يُوسُف.
وَفِي الفتاوي الْخَيْرِيَّة: سُئِلَ عَن دَعْوَى النسْيَان بعد الاقرار، لَا تسمع دَعْوَاهُ النسْيَان كَمَا هُوَ ظَاهر الرِّوَايَة، وعَلى الرِّوَايَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ: أَنَّ دَعْوَى الْهَزْلِ فِي الْإِقْرَارِ تَصِحُّ وَيَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى أَن الْمقر مَا كَانَ كَاذِبًا فِي إِقْرَاره اهـ.
فَلَعَلَّ قَول الشَّارِح أما لَو ادّعى الِاسْتِهْزَاء لم يصدق جرى
على ظَاهر الرِّوَايَة.
نعم يرد عَلَيْهِ مَسْأَلَة الصُّلْح الْآتِيَة حَيْثُ قَالُوا: تسمع دَعْوَاهُ بِعَين بعد الابراء الْعَام، وَقَوله لَا حق لي عِنْده: أَي مِمَّا قَبضته فقد اكتفوا بِالْقَرِينَةِ، وَسَيَأْتِي فِي عبارَة الاشباه مَا يُفِيد اعْتِبَار

(8/235)


الْقَرِينَة، لَكِن فِيهَا عَن الْقنية فِي قَاعِدَة السُّؤَال معاد فِي الْجَواب، قَالَ لآخر لي عَلَيْك ألف فادفعه إِلَيّ فَقَالَ استهزاء نعم أَحْسَنت، فَهُوَ إِقْرَار عَلَيْهِ وَيُؤْخَذ بِهِ اهـ.
وَقَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَلَو قَالَ أَعْطِنِي الالف الَّتِي عَلَيْك فَقَالَ اصبر أَو قَالَ سَوف تأخذها لم يكن إِقْرَارا، لَان هَذَا قد يكون استهزاء واستخفافا بِهِ اهـ.
معزيا للمحيط.
وفيهَا عَن النَّوَازِل: إِذا قَالَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ كيسه بِدُونِ قبضي كن: أَي خيط الْكيس واقبض لَا يكون إِقْرَارا، وَكَذَا قَوْله بكير: أَي أمسك لَا يكون إِقْرَارا، لَان هَذِه الالفاظ تصلح للابتداء، وَكَذَا إِذا قَالَ كنش كيسه بِدُونِ شئ لَا يكون إِقْرَارا، لَان هَذِه الالفاظ تذكر للاستهزاء.
ثمَّ ذكر مسَائِل بِالْفَارِسِيَّةِ أَيْضا وَقَالَ: قد اخْتلف الْمَشَايِخ والاصح أَنه إِقْرَار، لَان هَذِه الالفاظ لَا تذكر على سَبِيل الِاسْتِهْزَاء وَلَا تصح للابتداء فتجعل للْبِنَاء مربوطا.
كَذَا فِي الْمُحِيط.
اهـ.
فَلْيتَأَمَّل.
قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: وَلَو اخْتَلَفْنَا فِي كَونه صدر على وَجه الِاسْتِهْزَاء أم لَا فَالْقَوْل لمنكر الِاسْتِهْزَاء بِيَمِينِهِ، وَالظَّاهِر أَنه على نفي الْعلم لَا على فعل الْغَيْر كَمَا سَيَأْتِي ذَلِك مفصلا فِي مسَائِل شَتَّى قبيل الصُّلْح إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْله: (لعدم انْصِرَافه) الاولى فِي التَّعْلِيل أَن يُقَال: لانه يحْتَمل أَنه أَرَادَ مَا استقرضت من أحد سواك فضلا عَن استقراضي مِنْك، وَكَذَلِكَ فِيمَا بعْدهَا وَهُوَ الظَّاهِر فِي مثل هَذَا الْكَلَام، وَيحْتَمل مَا استقرضت من أحد سواك بل مِنْك فَلَا يكن إِقْرَارا مَعَ الشَّك.

قَوْلُهُ: (إلَى الْمَذْكُورِ) أَيْ انْصِرَافًا مُتَعَيِّنًا، وَإِلَّا فَهُوَ مُحْتَمل.

قَوْله: (والاصل أَن إلَخْ) كَالْأَلْفَاظِ الْمَارَّةِ، وَعِبَارَةُ الْكَافِي بَعْدَ هَذَا كَمَا فِي الْمنح: فَإِن ذكر ضمير صلح جَوَابا لابتداء وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا أَوْ يَصْلُحُ جَوَابًا وَابْتِدَاءً فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالشَّكِّ.

قَوْله: (كل مَا يصلح جَوَابا) كَمَا لَو تقاضاه بِمِائَة دِرْهَم فَقَالَ أبرأتني فَإِنَّهُ يصلح جَوَابا، لَان الضَّمِير يعود إِلَى كَلَام الْمُدَّعِي، وَلَو كَانَ ابْتِدَاء بَقِي بِلَا مرجع.

قَوْله: (وَمَا يصلح للابتداء) كتصدقت عَليّ ووهبت لي وَمَا استقرضت من أحد سواك وَنَحْوه.

قَوْلُهُ: (لَا لِلْبِنَاءِ)
أَيْ عَلَى كَلَامٍ سَابِقٍ بِأَن يكون جَوَابا عَنهُ.

قَوْله: (أَو يصلح لَهما) كاتزن.

قَوْله: (لِئَلَّا يلْزمه المَال بِالشَّكِّ) تَعْلِيل لما يصلح لَهما وَذَلِكَ كَقَوْلِه مَا استقرضت من أحد الخ كَمَا تقدم.
وَالْحَاصِل: أَنه إِن ذكر الضَّمِير صلح جَوَابا للابتداء، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا أَوْ يَصْلُحُ جَوَابًا وَابْتِدَاءً فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالشَّكِّ لعدم التيقن بِكَوْن جَوَابا، وبالشك لَا يجب المَال.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ التَّفْصِيلُ بَيْنَ ذِكْرِ الضَّمِيرِ وَعَدَمِهِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِمَّا نَقَلْنَاهُ قَبْلُ.

قَوْلُهُ: (إِذا كَانَ الْجَواب مُسْتقِلّا) أَي بالمفهومية بِأَن يفهم معنى يحسن السُّكُوت عَلَيْهِ فيتأتى فِيهِ التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم.

قَوْله: (فَلَو غير مُسْتَقل) بِأَن لَا يَتَأَتَّى فهمه إِلَّا بِالنّظرِ إِلَى مَا بني عَلَيْهِ.

قَوْله: (كَانَ إِقْرَار مُطلقًا) ذكره بضمير بِأَن يَقُول نعم هُوَ عَليّ بعد قَوْله لي عَلَيْك ألف أَو لَا كَمَا مثل، وَحِينَئِذٍ فَلَا يظْهر مَا قَالَه، لَان نعم لَا تستقل بالفهومية فَإِنَّهَا حرف جَوَاب يقدر مَعهَا جملَة السُّؤَال فَتكون إِقْرَارا، وَلذَلِك لَا يَتَأَتَّى الاطلاق لَان فِيهِ التَّفْصِيل،

(8/236)


إِذْ لَا يُمكن أَن تكون ابْتِدَاء لَا بِنَاء وَلَا يصلح لَهما لانها وضعت للجواب.
فَفِي لفظ الاطلاق هُنَا تسَامح، وَفِي الْحَمَوِيّ عَن الْمَقْدِسِي: لقَائِل أَن يَقُول: نعم جَوَاب فِي الْخَبَر لَا فِي الانشاء، وَهَذِه الامور إنْشَاء مَعَ أَنه قد يَقُوله ليستعيد الْكَلَام، فَكَأَنَّهُ يَقُول مَاذَا تَقول، وَيُمكن أَن يُقَال الْكَلَام الْمَذْكُور وَإِن كَانَ إنْشَاء لكنه مُتَضَمّن للْخَبَر، فَنعم جَوَاب لَهُ اهـ.

قَوْله: (بِالْعَبدِ) أَي وَالثَّوْب.
حموي.

قَوْله: (وَالدَّابَّة) أَي والسرج كَمَا يفِيدهُ الْحَمَوِيّ.

قَوْله: (فَهُوَ إِقْرَار لَهُ بهَا) لَان بلَى تقع جَوَابا لاستفهام دَاخل على نفي فتفيد إِبْطَاله.
قَول: (وَإِن قَالَ نعم) لَان نعم تَصْدِيق للمستخبر بِنَفْي أَو إِيجَاب، فَقَوله بلَى بعد أَلَيْسَ لي عَلَيْك ألف إبِْطَال للنَّفْي، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَك عَليّ ألف فَكَانَ إِقْرَارا، بِخِلَاف نعم بعد النَّفْي كَأَنَّهُ قَالَ: نعم لَيْسَ لَك عَليّ ألف فَيكون جحُودًا
قَوْله: (وَقيل نعم) أَي نعم يكون مقرا بقوله نعم بعد.

قَوْله: (أَلَيْسَ الخ) .

قَوْله: (لَان الاقرار يحمل على الْعرف) لَان الْمُتَكَلّم يتَكَلَّم بِمَا هُوَ الْمُتَعَارف عِنْده، والعوام لَا يدركون الْفرق بَين بلَى وَنعم، وَالْعُلَمَاء لَا يلاحظون ذَلِك فِي محاوراتهم فِيمَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ بَين النَّاس، وَإِنَّمَا يلاحظونه فِي مسَائِل الْعلم، وَلذَلِك كَانَ مسَائِل الاقرار وَالْوكَالَة والايمان مَبْنِيَّة على الْعرف.

قَوْله: (وَالْفرق) الاوضح تَقْدِيمه على قَوْله وَقيل: نعم وَهَذَا على القَوْل
بِالْفرقِ بَين بلَى وَنعم، وَهُوَ مَا مَشى عَلَيْهِ المُصَنّف، وَأما مَا نَقله الشَّارِح عَن الْجَوْهَرَة فَلَا فرق.

قَوْله: (أَن بلَى الخ) ذكر فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ مُوجِبَ نَعَمْ تَصْدِيقُ مَا قَبْلَهَا مِنْ كَلَامٍ مَنْفِيٍّ أَوْ مُثْبَتٍ اسْتِفْهَامًا كَانَ أَوْ خَبَرًا، كَمَا إذَا قِيلَ لَك: قَامَ زَيْدٌ أَوْ أَقَامَ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ فَقُلْت نَعَمْ كَانَ تَصْدِيقًا لِمَا قَبْلَهُ وَتَحْقِيقًا لِمَا بَعْدَ الْهَمْزَةِ، وَمُوجِبُ بَلَى إيجَابُ مَا بَعْدَ النَّفْيِ اسْتِفْهَامًا كَانَ أَوْ خَبَرًا، فَإِذَا قِيلَ لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ فَقُلْت بَلَى كَانَ مَعْنَاهُ قَدْ قَامَ، إلَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ الْعُرْفُ حَتَّى يُقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا مقَام الآخر.
ذكره فِي شرح الْمنَار لِابْنِ نجيم.

قَوْله: (من النَّاطِق) احْتَرز بِهِ عَن الاخرس، فَإِن إِشَارَته قَائِمَة مقَام عِبَارَته فِي كل شئ من بيع وَإِجَارَة وَهبة وَرهن وَنِكَاح وَطَلَاق وعتاق وإبراء وَإِقْرَار وقصاص على الْمُعْتَمد فِيهِ إِلَّا الْحُدُود، وَلَو حد قذف وَالشَّهَادَة، وتعمل إِشَارَته وَلَو قَادِرًا على الْكِتَابَة على الْمُعْتَمد، وَلَا تعْمل إِشَارَته إِلَّا إِذا كَانَت معهودة، وَأما معتقل اللِّسَان فالفتوى على أَنه إِن دَامَت العقلة إِلَى وَقت الْمَوْت يجوز إِقْرَاره بالاشارة والاشهاد عَلَيْهِ، وَقد اقْتصر فِي الاشباه وَغَيرهَا على اسْتثِْنَاء الْحُدُود.
وَزَاد فِي التَّهْذِيب: وَلَا تقبل شَهَادَته أَيْضا، وَأما يَمِينه فِي الدَّعَاوَى فقدمناه، وَظَاهر اقْتِصَار الْمَشَايِخ على اسْتثِْنَاء الْحُدُود فَقَط صِحَة إِسْلَامه بالاشارة، وَلم أره الْآن نقلا صَرِيحًا وَكِتَابَة الاخرس كإشارته.
وَاخْتلفُوا فِي أَن عدم الْقُدْرَة على الْكِتَابَة شَرط للْعَمَل بالاشارة أَو لَا، وَالْمُعْتَمد لَا.
قَالَ ابْن الْهمام: لَا يخفى أَن المُرَاد بالاشارة الَّتِي يَقع بهَا طَلَاقه الاشارة المقرونة بتصويت مِنْهُ، إِذْ الْعَادة مِنْهُ ذَلِك فَكَانَت بَيَانا لما أجمله الاخرس اهـ.
وَلَو أَشَارَ الاخرس بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ جنب يَنْبَغِي أَن يحرم أخذا من قَوْلهم يجب على الاخرس تَحْرِيك لِسَانه، فَجعلُوا التحريك قِرَاءَة، وَلَو علق رجل الطَّلَاق بِمَشِيئَة أخرس فَأَشَارَ بِالْمَشِيئَةِ يَنْبَغِي الْوُقُوع لوُجُود الشَّرْط، وَلَو علق بِمَشِيئَة رجل نَاطِق فخرس فَأَشَارَ بِالْمَشِيئَةِ

(8/237)


يَنْبَغِي الْوُقُوع أَيْضا.
نور الْعين عَن الاشباه.
وَفِيه عَن الْهِدَايَة: أخرس قرئَ عَلَيْهِ كتاب وَصِيَّة فَقيل لَهُ نشْهد عَلَيْك بِمَا فِي هَذَا الْكتاب، فَأَوْمأ بِرَأْسِهِ.
أَي نعم أَو كتب، فَإِذا جَاءَ من ذَلِك مَا يعرف أَنه إِقْرَار فَهُوَ جَائِز، وَلَا يجوز ذَلِك فِي معتقل اللِّسَان، وَالْفرق أَن الاشارة إِنَّمَا تعْتَبر إِذا صَارَت مَعْلُومَة، وَذَلِكَ فِي الاخرس لَا فِي معتقل للسان، حَتَّى لَو امْتَدَّ الاعتقال وَصَارَت لَهُ إِشَارَة مَعْلُومَة قَالُوا هَذَا
بِمَنْزِلَة الاخرس، وَلَو كَانَ الاخرس يكْتب كتابا أَو يومي إِيمَاء يعرف بِهِ جَازَ نِكَاحه وطلاقه وَبيعه وشراؤه ويقتص مِنْهُ وَلَا يحد، وَلَا يحد لَهُ، وَالْفرق أَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ بِبَيَانٍ فِيهِ شُبْهَةٌ.
وَأما الْقصاص فَفِيهِ مَعْنَى الْعِوَضِيَّةِ لِأَنَّهُ شُرِعَ جَابِرًا فَجَازَ أَنْ يثبت مَعَ الشُّبْهَة كالمعاوضات اهـ.

قَوْله: (بِخِلَاف إِفْتَاء) أَي لَو سَأَلَ مفتيا عَن حكم فَقَالَ: أهكذا الحكم؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ: أَي نعم كَمَا نَقله فِي الْقنية عَن عَلَاء الدّين الزَّاهدِيّ، وَنقل عَن ظهير الدّين المرغيناني: أَنه لَا يعْتَبر، قَالَ: لَان الاشارة من النَّاطِق لَا تعْتَبر.
وَفِي مجمع الفتاوي: تعْتَبر، وَمثله فِي تَنْقِيح المحبوبي وَنور الْعين وَغَيرهمَا، لَان جَوَاب الْمُفْتى بِهِ لَيْسَ بِحكم مُتَعَلق بِاللَّفْظِ، إِنَّمَا اللَّفْظ طَرِيق معرفَة الْجَواب عِنْد المستفتي، وَإِذا حصل هُنَا الْمَقْصُود استفتى المستفتي عَن اللَّفْظ كَمَا لَو حصل الْجَواب بِالْكِتَابَةِ، بِخِلَاف الشَّهَادَة وَالْوَصِيَّة فَإِنَّهُمَا يتعلقان بِاللَّفْظِ، والاشارة إِنَّمَا تقوم مقَام اللَّفْظ عِنْد الْعَجز.
وَفِي شرح الشافية: أَن جَارِيَة أُرِيد إعْتَاقهَا فِي كَفَّارَة فجِئ بهَا إِلَى رَسُول الله (ص) فَسَأَلَهَا: أَيْن الله تَعَالَى؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاء، فَقَالَ: أعْتقهَا فَإِنَّهَا مسلمة كَمَا فِي الْحَوَاشِي الحموية وَغَيرهَا.

قَوْله: (وَنسب) بِأَن قيل لَهُ أَهَذا ابْنك؟ فَأَشَارَ بنعم ط.
قَالَ أَبُو السُّعُود
قَوْله: (وَنسب) أَي الاشارة من سيد الامة تنزل منزلَة صَرِيح الدَّعْوَى.

قَوْله: (وَكفر) بِأَن قَالَ لَهُ قَائِل: أتعتقد هَذَا الْمُكَفّر؟ فَأَشَارَ بنعم.

قَوْله: (وَإِشَارَة محرم لصيد) فَإِذا أَشَارَ لشخص يدله على طير فَقتله يجب جَزَاء على المشير.

قَوْله: (وَالشَّيْخ بِرَأْسِهِ فِي رِوَايَة الحَدِيث) أَي لَو قيل لَهُ: أجزني بِرِوَايَة كَذَا عَنْك فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ كفى، أما لَو قَرَأَ عَلَيْهِ وَهُوَ سَاكِت فَإِنَّهُ يرويهِ عَنهُ، وَلَا يحْتَاج إِلَى إِشَارَة، وَمَسْأَلَة الشَّيْخ مُلْحقَة بِمَسْأَلَة الافتاء.

قَوْله: (وَالطَّلَاق) أَي وَإِشَارَة عدد الطَّلَاق المتلفظ بِهِ.

قَوْله: (هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاث) فالاشارة مبينَة لهَذَا الْمُبْهم، فَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَأَشَارَ بِثَلَاث لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة.
أشباه.
قَالَ فِيهَا: وَلم أر الْآن حكم أَنْت هَكَذَا مُشِيرا بِأُصْبُعِهِ وَلم يقل طَالِق اهـ.
وَالظَّاهِر عدم الْوُقُوع لانه لَيْسَ من صَرِيح الطَّلَاق وَلَا كنايته لانه لَيْسَ لفظ يحْتَملهُ وَغَيره ط.
أَقُول: الْمَفْهُوم من عبارَة الشَّارِح المنقولة عَن الاشباه فِي قَوْله: وَالطَّلَاق فِي أَنْت طَالِق أَي وَبِخِلَاف الطَّلَاق الْكَائِن فِي أَنْت طَالِق هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاث، فَإِن الاشارة بِالرَّأْسِ فِيهِ كالنطق.
لَكِن
تقدم فِي كتاب الطَّلَاق أَنه لَو قَالَ هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاث يَقع ثَلَاث وَلَو لم يشر بِالرَّأْسِ، فَالظَّاهِر أَنه فِي هَذِه الصُّورَة لَا فَائِدَة فِي إِشَارَة الرَّأْس.
وَقَالَ فِي الاشباه: وَيُزَاد أخذا من مَسْأَلَة الافتاء بِالرَّأْسِ وَإِشَارَة الشَّيْخ فِي رِوَايَة الحَدِيث.
وأمان الْكَافِر أخذا من النّسَب لانه محتاط فِيهِ لحقن الدَّم، وَلذَا يثبت بِكِتَاب الامام كَمَا تقدم، أَو أخذا من الْكتاب وَالطَّلَاق إِذا كَانَ تَفْسِيرا لمبهم كَمَا لَو قَالَ: أَنْت طَالِق هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاث وَقعت، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ: أَنْت وَأَشَارَ بِثَلَاث لم يَقع أَلا وَاحِدَة كَمَا علم فِي

(8/238)


الطَّلَاق اهـ.
من أَحْكَام الاشارة.
نعم لَو قيل: مُخَالفَة هَذِه الْمَسْأَلَة لما قبلهَا فِي كَونهَا تعْتَبر فِيهَا الاشارة مُطلقًا كَانَ الْكَلَام منتظما كَمَا قَالَ أَبُو الطّيب.
أَقُول: وَعبارَة الْمنح فِي كتاب الطَّلَاق هَكَذَا: وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَأَشَارَ بأصابعه وَلم يقل هَكَذَا فَهِيَ وَاحِدَة لفقد التَّشْبِيه، لَان الْهَاء للتّنْبِيه وَالْكَاف للتشبيه اهـ.
وَفِي الْبَحْر عَن الْمُحِيط: لَو قَالَت لزَوجهَا: طَلقنِي فَأَشَارَ إِلَيْهَا بِثَلَاث أَصَابِع وَأَرَادَ بِهِ ثَلَاث تَطْلِيقَات لَا يَقع مَا لم يقل هَكَذَا، لانه لَو وَقع وَقع بالضمير وَالطَّلَاق لَا يَقع بالضمير اهـ.
وَأَنت خَبِير بِأَن اعْتِرَاض الْمحشِي لَيْسَ فِي مَحَله، لانه إِذا أَتَى بقوله هَكَذَا اعْتبرت الاشارة، فَإِذا قيل لَهُ: أطلقت أمرأتك هَكَذَا؟ وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِثَلَاث أَصَابِع فَأَوْمأ بِرَأْسِهِ: أَي نعم فَإِنَّهُ يَقع الثَّلَاث كَمَا هُوَ ظَاهر.
تَأمل.

قَوْله: (إِشَارَة الاشباه) أَي كَذَا فِي أَحْكَام الاشارة من الاشباه فِي الْفَنّ الثَّالِث.

قَوْله: (وَيُزَاد الْيَمين الخ) ظَاهره أَن جَمِيع الايمان يَحْنَث فِيهَا بالاشارة لَان الْمَذْكُور أَمْثِلَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِنَّهُ إِذا حلف ليضربن فَأَشَارَ بِالضَّرْبِ لَا يبرأ، أَو حلف لَا يضْرب فَأَشَارَ بِالضَّرْبِ لَا يَحْنَث إِذا كَانَ مثله مِمَّن يباشره.
وَالَّذِي فِي الْمنح عَن إِيمَان الْبَزَّازِيَّة: إِذا حلف لَا يظْهر سر فلَان أَو لَا يفشى أَو لَا يعلم فلَانا بسر فلَان أَو حلف ليكتمن سره أَو ليخفينه أَو ليسترنه أَو حلف لَا يدل على فلَان فَأخْبر بِهِ بِالْكِتَابَةِ أَو برسالة أَو كَلَام أَو سَأَلَهُ أحد أَكَانَ سر فلَان كَذَا أَو أَكَانَ فلَان بمَكَان كَذَا فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ: أَي نعم حنث فِي جَمِيع هَذِه الْوُجُوه، وَكَذَا إِذا حلف لَا يستخدم فلَانا فَأَشَارَ إِلَيْهِ بشئ من الْخدمَة حنث فِي يَمِينه
خدمه فلَان أَو لَا يَخْدمه اهـ ط.
أَقُول: وَإِنَّمَا حنث للْعُرْف إِذْ الايمان مبناها عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الْعرف يكون بذلك مظْهرا سره ومفشيه ومعلما بِهِ كَمَا هُوَ مُقَرر فِي مَحَله، وَهَذَا هُوَ السَّبَب فِي خُرُوجهَا عَن الضَّابِط الْمَذْكُور، فَافْهَم.

قَوْله: (وَأَشَارَ حنث) قَالَ فِي الاشباه: حلفه السراق أَن لَا يخبر بِأَسْمَائِهِمْ، فَالْحِيلَةُ أَن يعد عَلَيْهِ الاسماء فَمن لَيْسَ بسارق يَقُول لَا وَالسَّارِق يسكت عَن اسْمه فَيعلم الْوَالِي السَّارِق وَلَا يَحْنَث الْحَالِف اهـ.
وَفِي مَسْأَلَتنَا: الْحِيلَة أَن يُقَال لَهُ: أَنا تذكر أمكنة وَأَشْيَاء من السِّرّ فَمَا لَيْسَ بمَكَان فلَان وَلَا سره فَقل: لَا، فَإِذا تكلمنا بسره أَو مَكَانَهُ فاسكت أَنْت، فَفعله وَاسْتَدَلُّوا بِهِ على سره ومكانه لَا يَحْنَث.

قَوْله: (إِلَّا فِي تسع) وَيدخل تَحت الْيَمين مِنْهَا ثَلَاث صور.
يَنْبَغِي أَن يُزَاد على التسع تَعْدِيلُ الشَّاهِدِ مِنْ الْعَالِمِ بِالْإِشَارَةِ فَإِنَّهَا تَكْفِي كَمَا قدمْنَاهُ فِي الشَّهَادَات.
فَقَالَ: اعْلَم أَن من الْقَوَاعِد الْفِقْهِيَّة أَنه لَا ينْسب إِلَى سَاكِت قَول كَمَا فِي مسَائِل: مِنْهَا: رأى أَجْنَبِيّا يَبِيع مَاله وَلم يَنْهَهُ لَا يكون وَكيلا لسكون الْمَالِك.
وَمِنْهَا: لَو رَأَى الْقَاضِي الصَّبِيَّ أَوْ الْمَعْتُوهَ أَوْ عَبْدَهُمَا يَبِيع وَيَشْتَرِي فَسكت لَا يكون إِذْنا فِي التِّجَارَة.
وَمِنْهَا: لَو رأى الْمُرْتَهن راهنه يَبِيع الرَّهْن فَسكت لَا يبطل الرَّهْن وَلَا يكون مَأْذُونا بِالْبيعِ وَزَاد فِي الاشباه.

قَوْله: (فِي رِوَايَة) .

(8/239)


وَمِنْهَا: لَوْ رَأَى غَيْرَهُ يُتْلِفُ مَالَهُ فَسَكَتَ لَا يكون إِذْنا بإتلافه.
وَمِنْهَا: لَو رأى عَبْدَهُ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ الْمَالِكِ فَسَكَتَ لَا يكون إِذْنا.
وَمِنْهَا: لَو سكت على وطئ أمته لم يسْقط الْمهْر، وَكَذَا عَن قطع عضوه آخِذا من سُكُوته عِنْد إِتْلَاف مَاله.
وَمِنْهَا: لَو رأى قنه أَو أمته يتَزَوَّج فَسكت وَلم يَنْهَهُ لَا يصير لَهُ آذنا فِي النِّكَاح.
وَمِنْهَا: لَو زوجت غير كُفْء فَسكت الْوَلِيّ عَن مُطَالبَة التَّفْرِيق لَيْسَ بِرِضا وَإِن طَال ذَلِك، لَان
فِي الْمَوَانِع كَثْرَة: إِي مَا لم تَلد مِنْهُ.
وَمِنْهَا: سكُوت امْرَأَة الْعنين لَيْسَ بِرِضا وَإِن أَقَامَت مَعَه سِنِين.
وَمِنْهَا: الاعارة لَا تثبت بسكوت.
وَمِنْهَا: حلف لَا يسلم شُفْعَة فَلم يُسَلِّمهَا وَلَكِن سكت عَن خُصُومَة فِيهَا حَتَّى بطلت شفعته لَا يَحْنَث.
وَمِنْهَا: حلف لَا يُؤَخر عَن فلَان حَقًا لَهُ عَلَيْهِ شهرا فَلم يُؤَخِّرهُ شهرا وَسكت عَن تقاضيه حَتَّى مضى الشَّهْر لَا يَحْنَث.
وَمِنْهَا: لَو وهبت شَيْئا والموهوب لَهُ سَاكِت لَا يَصح مَا لم يقل قبلت، بِخِلَاف الصَّدَقَة كَمَا يَأْتِي.
وَمِنْهَا: لَو أجر قنه أَو عرضه للْبيع أَو ساومه أَو زوجه فَسكت الْقِنّ لَا يكون إِقْرَارا برقه، بِخِلَاف مَا لَو بَاعه أَو رَهنه أَو دَفعه بِجِنَايَة فَسكت كَمَا سَيَأْتِي أَيْضا.
وَمِنْهَا: أحد شَرِيكي عنان قَالَ لصَاحبه: إِنِّي اشْتريت هَذِه الامة لنَفْسي خَاصَّة فَسكت صَاحبه فشراها لَا تكون لَهُ مَا لم يقل صَاحبه نعم.
كَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ مُوَافقا للخلاصة وَغَيرهَا.
وَزيد فِي مختارات النَّوَازِل: فَإِذا قَالَ نعم فَهِيَ لَهُ بِغَيْر شئ عِنْد أبي حنيفَة، إِذْ الاذن يتَضَمَّن هبة نصِيبه مِنْهُ، إِذْ الوطئ لَا يحل إِلَّا بِالْملكِ بِخِلَاف طَعَام وَكِسْوَة.
يَقُول الحقير: وَفِي الاشباه: فَسكت صَاحبه لَا تكون لَهما، وَذكر هَذِه الْمَسْأَلَة فِيمَا يكون السُّكُوت فِيهِ كالنطق، كل ذَلِك سَهْو وَاضح لمُخَالفَته لما مر آنِفا من الْمُعْتَبرَات، وَاحْتِمَال كَون الْمَسْأَلَة خلافية فِيهَا رِوَايَتَانِ بعيد، إِذْ لَو كَانَت كَذَلِك لتعرض لَهُ أحد من أَصْحَاب الْمُعْتَبرَات الْمَنْقُول عَنْهَا.
ثمَّ اعْلَم أَنه خرج عَن الْقَاعِدَة السَّابِقَة مسَائِل كَثِيرَة صَار السُّكُوت فِيهَا كالنطق: أَي يكون رضَا.
فَمِنْهَا: سكُوت الْبكر عِنْد استئمار وَليهَا عَنْهَا قبل التَّزْوِيج وَبعده هَذَا لَو زَوجهَا الْوَلِيّ، فَلَو زوج الْجد مَعَ قيام الاب لَا يكون سكُوتهَا رضَا.
وَمِنْهَا سكُوتهَا عِنْد قبض مهرهَا الْمهْر أَبوهَا أَو من زَوجهَا فَسَكَتَتْ يكون إِذْنا بِقَبْضِهِ، إِلَّا أَن تَقول لَا تقبضه فَحِينَئِذٍ لم يجز الْقَبْض عَلَيْهَا وَلَا يبرأ الزَّوْج.
وَمِنْهَا: سكُوت الصبية إِذا بلغت بكرا يكون رضَا وَيبْطل خِيَار بُلُوغهَا لَا لَو بلغت ثَيِّبًا.
وَمِنْهَا: بكر حَلَفت أَن لَا تزوج نَفسهَا فَزَوجهَا أَبوهَا فَسَكَتَتْ حنثت فِي يَمِينهَا كرضاها بِكَلَام، وَلَو حَلَفت بكر أَن لَا تَأذن فِي تَزْوِيجهَا فَزَوجهَا أَبوهَا فَسَكَتَتْ لَا تَحنث إِذْ لم تَأذن وَلزِمَ النِّكَاح بِالسُّكُوتِ.

(8/240)


وَمِنْهَا: تصدق على إِنْسَان فَسكت الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ يثبت وَلَا يحْتَاج إِلَى قبُوله قولا، بِخِلَاف الْهِبَة وَمِنْهَا: قبض هبة وَصدقَة بِحَضْرَة الْمَالِك وَهُوَ سَاكِت كَانَ إِذْنا بِقَبْضِهِ.
وَمِنْهَا: لَو أَبْرَأ مديونه فَسكت الْمَدْيُون يبرأ وَلَو رد يرْتَد برده.
وَمِنْهَا: الاقرار يَصح وَلَو سكت الْمقر لَهُ ويرتد برده.
وَمِنْهَا: لَو وَكله بشئ فَسكت الْوَكِيل وباشره صَحَّ ويرتد برده فَلَو وَكله بِبيع قنه فَلم يقبل وَلم يرد فَبَاعَهُ جَازَ وَيكون قبولا.
وَمِنْهَا: لَو أوصى إِلَى رجل فَسَكَتَ فِي حَيَاتِهِ فَلَمَّا مَاتَ بَاعَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ أَوْ تَقَاضَى دَيْنَهُ فَهُوَ قَبُولٌ للوصاية.
وَمِنْهَا: الامر بِالْيَدِ إِذا سكت الْمُفَوض إِلَيْهِ صَحَّ يرْتَد برده.
وَمِنْهَا: الْوَقْف على رجل معِين صَحَّ وَلَو سكت الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَلَو رده، قيل يبطل، وَقيل لَا.
وَمِنْهَا: تواضعا على تلجئة ثمَّ قَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: قَدْ بَدَا لِي أَنْ أَجْعَلَهُ بَيْعًا صَحِيحًا، فَسكت الآخر ثمَّ تبَايعا صَحَّ البيع وَلَيْسَ للساكت إِبْطَاله بعد مَا سمع قَول صَاحبه.
وَمِنْهَا: سُكُوتُ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ حِينَ قُسِمَ مَالُهُ بَيْنَ الْغَانِمين رضَا، كَمَا لَو أسر قن لمُسلم فَوَقع فِي الْغَنِيمَة وَقسم ومولاه الاول حَاضر فَسكت بَطل حَقه فِي دَعْوَى قنه.
وَمِنْهَا: لَو كَانَ المُشْتَرِي مُخَيّرا فِي قن شراه فَرَأى الْقِنّ يَبِيع وَيَشْتَرِي فَسكت بَطل خِيَاره، وَلَو كَانَ الْخِيَار للْبَائِع لَا يبطل خِيَاره.
وَمِنْهَا: للْبَائِع حبس الْمَبِيع لثمنه، فَلَو قَبضه المُشْتَرِي وَرَآهُ البَائِع وَسكت كَانَ إِذْنا فِي قَبضه، الصَّحِيح وَالْفَاسِد فِيهِ سَوَاء فِي رِوَايَة، وَهُوَ رضَا بِقَبض فِي الْفَاسِد لَا فِي الصَّحِيح فِي رِوَايَة.
وَمِنْهَا: علم الشَّفِيع بِالْبيعِ وَسكت يبطل شفعته.
وَمِنْهَا: رأى غير القَاضِي قنه يَبِيع وَيَشْتَرِي وَسكت كَانَ مَأْذُونا فِي التِّجَارَة لَا فِي بيع ذَلِك الْعين.
وَمِنْهَا: لَو حلف الْمولى لَا يَأْذَن لقنه فَرَآهُ يَبِيع وَيَشْتَرِي فَسكت يَحْنَث فِي ظَاهر الرِّوَايَة، لَا فِي رِوَايَة عَن أبي يُوسُف.
وَمِنْهَا: بَاعَ قن شَيْئا بِحَضْرَة مَوْلَاهُ ثمَّ ادَّعَاهُ الْمولى أَنه لَهُ فَلَو كَانَ مَأْذُونا يَصح دَعْوَى الْمولي وَلَو مَحْجُورا صَحَّ.
قَالَ الاستروشني: فَإِن قيل ألم يصر مَأْذُونا بسكوت مَوْلَاهُ؟ قُلْنَا نعم، وَلَكِن أثر الاذن يظْهر فِي الْمُسْتَقْبل.
وَمِنْهَا: بَاعَ قِنَا والق حَاضر علم بِهِ وَسكت، وَفِي بعض الرِّوَايَات فانقاد للْبيع وَالتَّسْلِيم ثمَّ قَالَ أَنا حر لَا يقبل قَوْله.
كَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ مُوَافقا لما فِي فتاوي قاضيخان.
وَفِي فَوَائِد العتابي: وَلَو سكت الْقِنّ وَهُوَ يعقل فَهُوَ إِقْرَار برقه، وَكَذَا لَو رَهنه أَو دَفعه بِجِنَايَة والقن سَاكِت، بِخِلَاف مَا لَو آجره أَو عرضه للْبيع أَو ساومه أَو زوجه فسكوته هُنَا لَيْسَ بِإِقْرَار برقه.
يَقُول الحقير: قَوْله وَفِي بعض الرِّوَايَات الخ ظَاهره يشْعر بِضعْف اشْتِرَاط الانقياد أَو تَسَاوِي

(8/241)


الِاحْتِمَالَيْنِ، لَكِن الاظهر أَن الانقياد شَرط لما ذكر فِي مَحل آخر من فتاوي قاضيخان: رجل شرى أمة وَقَبضهَا فَبَاعَهَا من آخر وَالثَّانِي من ثَالِث فادعت حريتها فَردهَا الثَّالِث على الثَّانِي فقبلها ثمَّ أَرَادَ ردهَا على الاول فَلم يقبل لَهُ ذَلِك لَو ادَّعَت عتقا، إِذْ الْعتْق لَا يثبت بقولِهَا، وَلَو ادَّعَت حريَّة الاصل: فَلَو كَانَت حِين بِيعَتْ وسلمت انقادت لبيع وَتَسْلِيم فَكَذَلِك إِذْ الانقياد إِقْرَار بِالرّقِّ، وَإِن لم تنقد فَلَيْسَ للاول أَن لَا يقبل اهـ.
وَمِنْهَا: حلف لَا ينزل فلَانا دَاره وَفُلَان نَازل فِيهَا فَسكت الْحَالِف حنث، لَا لَو قَالَ لَهُ: اخْرُج
فَأبى أَن يخرج فَسكت.
وَمِنْهَا: ولدت ولدا فهنأ النَّاس زَوجهَا فَسكت الزَّوْج لزمَه الْوَلَد وَلَيْسَ لَهُ نَفْيه كإقراره.
وَمِنْهَا: أم ولد ولدت فَسكت مَوْلَاهَا حَتَّى مضى يَوْمَانِ لهَذَا الْوَلَد لَا يملك نَفْيه بعده.
وَمِنْهَا: السّكُون قبل البيع عِنْد الاخبار بِالْعَيْبِ رضَا بِهِ، حَتَّى لَو قَالَ رجل: هَذَا الشئ معيب فَسَمعهُ وأقدم مَعَ ذَلِك على شِرَائِهِ فَهُوَ رضَا لَو الْمخبر عدلا لَا لَو فَاسِقًا عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا هُوَ رضَا وَلَو فَاسِقًا.
وَمِنْهَا: سكُوت بكر عِنْد إخبارها بتزويج الْوَلِيّ على خلاف مَا مر آنِفا.
وَمِنْهَا: بَاعَ عقارا وَامْرَأَته أَو وَلَده أَو بعض أَقَاربه حَاضر فَسكت ثمَّ ادَّعَاهُ على المُشْتَرِي من كَانَ حَاضرا عِنْد البيع أفتى مَشَايِخ سَمَرْقَنْد أَنه لَا يسمع، وَجعل سُكُوته فِي هَذِه الْحَالة كإقرار دلَالَة قطعا للاطماع الْفَاسِدَة، وَأفْتى مَشَايِخ بُخَارى أَنه يَنْبَغِي أَن يسمع فَينْظر الْمُفْتِي فِي ذَلِك، فَلَو رأى أَنه لَا يسمع لاشتهار الْمُدَّعِي بحيلة وتلبيس وَأفْتى بِهِ كَانَ حسنا سدا لباب التزوير.
وَمِنْهَا: الْحَاضِر عِنْد البيع لَو بعث البَائِع إِلَى المُشْتَرِي وتقاضاه الثّمن لَا يسمع دَعْوَاهُ الْملك لنَفسِهِ بعده لانه يصير مجيزا للْبيع بتقاضيه.
وَمِنْهَا: رَآهُ يَبِيعُ عَرَضًا أَوْ دَارًا فَتَصَرَّفَ فِيهِ المُشْتَرِي زَمَانا وَهُوَ سَاكِت سقط دَعْوَاهُ.
يَقُول الحقير: وَفِي الْفَتَاوَى الْوَلوالجِيَّة: رجل تصرف أَيْضا زَمَانا وَرَجُلٌ آخَرُ رَأَى الْأَرْضَ وَالتَّصَرُّفَ، وَلَمْ يَدَّعِ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ لَا يسمع بعد ذَلِك دَعْوَى وَلَده فَيتْرك على يَد الْمُتَصَرف، لَان الْحَال شَاهد.
وَمِنْهَا: لَو قَالَ الْوَكِيل بشرَاء شئ بِعَيْنِه لمُوكلِه إِنِّي أُرِيد شِرَاءَهُ لنَفْسي فَسكت مُوكله ثمَّ شراه يكون للْوَكِيل.
يَقُول الحقير: وَجه الْفرق بَين هَذِه الْمَسْأَلَة وَبَين مَا مر نَحْو ورقة من مَسْأَلَة شَرِيكي الْعَنَان، وَهُوَ مَا ذكره صَاحب الْخُلَاصَة بعد ذكر هَاتين الْمَسْأَلَتَيْنِ بقوله: وَالْفرق أَن الْوَكِيل يملك عزل نَفسه إِذا علم الْمُوكل رَضِي أَو سخط، بِخِلَاف أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذْ لَا يملك فسخ الشّركَة إِلَّا بِرِضا صَاحبه.
وَمِنْهَا: لي صبي عَاقل رأى الصَّبِي يَبِيع وَيَشْتَرِي فَسكت يكون إِذْنا.
وَمِنْهَا: سكُوت رجل رأى غَيره شقّ زقه حَتَّى سَالَ مَا فِيهِ يكون رضَا.
وَمِنْهَا: سكُوت الْحَالِف بِأَن لَا يستخدم فلَانا: أَي مَمْلُوكه ثمَّ خدمه فلَان بِلَا أمره وَلم يَنْهَهُ حنث.

(8/242)


وَمِنْهَا: امْرَأَة دَفَعَتْ فِي تَجْهِيزِهَا لِبِنْتِهَا أَشْيَاءَ مِنْ أَمْتِعَةِ الاب والاب سَاكِت فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَاد.
وَمِنْهَا: أنفقت الام فِي تجهيز بنتهَا مَا هُوَ مُعْتَاد فَسكت الاب لَا تضمن الام.
وَمِنْهَا: بَاعَ أمه وَعَلَيْهَا حلي وقرطان وَلم يشْتَرط ذَلِك لَكِن تسلم المُشْتَرِي الامة وَذهب بهَا وبالبائع سَاكِت كَانَ سُكُوته بِمَنْزِلَة التَّسْلِيم فَكَانَ الْحلِيّ لَهَا.
وَمِنْهَا: الْقِرَاءَة على الشَّيْخ وَهُوَ سَاكِت تنزل منزلَة نطقه فِي الاصح.
وَمِنْهَا: مَا ذكر فِي قَضَاء الْخُلَاصَة: ادّعى على الآخر مَالا فَسكت وَلم يجب أصلا: يُؤْخَذ مِنْهُ كَفِيل ثمَّ يسْأَل جِيرَانه عَسى بِهِ آفَة فِي لِسَانه أَو سَمعه، فَلَو أخبروا أَنه لَا آفَة بِهِ يحضر مجْلِس الحكم، فَإِن سكت وَلم يجب ينزل منزلَة الْمُنكر عِنْد أبي حنيفَة، وَعند أبي يُوسُف: يحبس حَتَّى يُجيب، فَإِن فهم أَنه أخرس يُجيب بالاشارة انْتهى.
وَمِنْهَا: سكُوت الْمُزَكي عِنْد سُؤَاله عَن حَال الشَّاهِد تَعْدِيل.
وَمِنْهَا: سُكُوتُ الرَّاهِنِ عِنْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ.
يَقُول الحقير: فَصَارَت الْمسَائِل الَّتِي يكون السُّكُوت فِيهَا رضَا أَرْبَعِينَ مَسْأَلَة: ثَلَاثُونَ مِنْهَا ذكرت فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، وَعشرَة مِنْهَا زِيَادَة صَاحب الاشباه والنظائر نقلهَا عَن الْكتب الْمُعْتَبرَة انْتهى.
الْكل من نور الْعين.
وَقد ذكرنَا بعض هَذِه فِيمَا قدمنَا محررا فَرَاجعه إِن شِئْت، وَتَقَدَّمت فِي كَلَام الشَّارِح قبيل الدَّعْوَى آخر الْوَقْف وَزَاد على مَا هُنَا مسَائِل كَثِيرَة، وَكتب عَلَيْهَا سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى وَزَاد عَلَيْهَا، فَرَاجعهَا ثمَّة.

قَوْله: (لزمَه الدّين حَالا) قَالَ فِي الدُّرَر: لانه أقرّ بِحَق على نَفسه وَادّعى لنَفسِهِ حَقًا فِيهِ فَيصدق فِي الاقرار بِلَا حجَّة دون الدَّعْوَى اهـ.
قَالَ فِي الْوَاقِعَات: هَذَا إِذا لم يصل الاجل
بِكَلَامِهِ، أما إِذا وصل صدق اهـ.

قَوْله: (لانه دَعْوَى بِلَا حجَّة) قَالَ الْحَمَوِيّ: لانه أقرّ بِحَق على نَفسه وَادّعى حَقًا على الْمقر لَهُ فَإِقْرَاره حجَّة عَلَيْهِ وَلَا تقبل دَعْوَاهُ بِلَا حجَّة اهـ.

قَوْله: (لثُبُوته بِالشّرطِ) الاوضح أَن يَقُول: يثبت بِالشّرطِ وَيكون بَيَانا.
ل
قَوْله: (عَارض) وَعبارَة الْحَمَوِيّ: والاجل عَارض وَلَا يثبت بِنَفس العقد بل بِالشّرطِ وَالْقَوْل للْمُنكر فِي الْعَارِض.
اهـ.

قَوْله: (وَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ فِي النَّوْعِ وَلِلْمُنْكِرِ فِي الْعَوَارِضِ) أَي فَكَانَت من قبيل الاقرار بالنوع لَا بالعارض، لَان حَقِيقَة النَّوْع أَن يكون الشئ من أَصله مَوْصُوفا بِتِلْكَ الصّفة، وَكَذَلِكَ الدّين الْمُؤَجل الْمَكْفُول بِهِ فَإِنَّهُ مُؤَجل بِلَا شَرط، بل من حِين كفله كَانَ مُؤَجّلا فَإِذا أقرّ بِهِ لم يكن مقرا بِالْحَال، كَمَا أَن الدَّرَاهِم السود من أَصْلهَا سود، وَلَيْسَ السوَاد عارضا بِالشّرطِ فَكَانَ إِقْرَارا بالنوع، بِخِلَاف الدّين فَإِن الاصل فِيهِ الْحُلُول، وَلَا يصير مُؤَجّلا إِلَّا بِالشّرطِ، فَكَانَ الاقرار بِالدّينِ الْمُؤَجل إِقْرَارا بِالدّينِ، وادعاء لحُصُول الْعَارِض وَالْمقر لَهُ يُنكر الْعَارِض وَالْقَوْل للْمُنكر، وَمثله إِجَارَة العَبْد كَمَا أَفَادَهُ بعض الافاضل.

(8/243)


وَالْحَاصِل: أَن الاجل عَارض لَا يثبت بِنَفس العقد بل بِالشّرطِ وَالْقَوْل للْمُنكر فِي الْعَارِض.

قَوْله: (لثُبُوته فِي كَفَالَة الْمُؤَجل بِلَا شَرْطٍ) فَالْأَجَلُ فِيهَا نَوْعٌ فَكَانَتْ الْكَفَالَةُ الْمُؤَجَّلَةُ أَحَدَ نَوْعَيْ الْكَفَالَةِ فَيُصَدَّقُ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ لَا يُجْعَلُ إقْرَارًا بِالنَّوْعِ الْآخَرِ، لَان حَقِيقَة النَّوْع أَن يكون للشئ من أَصله مَوْصُوفا بِتِلْكَ الصّفة، وَكَذَلِكَ الدّين الْمُؤَجل الْمَكْفُول بِهِ فَإِنَّهُ مُؤَجل بِلَا شَرط، بل من حِين كفله كَانَ مُؤَجّلا، فَإِذا أقرّ بِهِ لم يكن مقرا بِالْحَال كَمَا أَن الدَّرَاهِم السود من أَصْلهَا سود كَمَا قدمْنَاهُ قَرِيبا وَقد مرت الْمَسْأَلَة فِي كتاب الْكَفَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ لَك مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَى شهر فراجع.

قَوْله: (وشراؤه أمة متنقبة) فَإِذا لم تكن متنقبة فَأولى بالحكم الْمَذْكُور.

قَوْله: (كَثوب فِي جراب) أَي كَشِرَاء ثوب فِي جراب.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: عَلَّلَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَالضَّابِطُ أَنَّ الشئ إنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ وَقْتَ الْمُسَاوَمَةِ كَالْجَارِيَةِ الْقَائِمَةِ الْمُتَنَقِّبَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا يُقْبَلُ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ إيَّاهَا فَيُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ كَثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ، أَوْ جَارِيَةٍ قَاعِدَةٍ عَلَى رَأسهَا غطاء لَا يرى مِنْهَا شئ يقبل، وَلِهَذَا اخْتلفت أقاويل الْعلمَاء فِي ذَلِك اهـ.
وَبِه ظهر أَنَّ الثَّوْبَ فِي الْجِرَابِ كَهُوَ فِي الْمِنْدِيلِ، وَيدل عَلَيْهِ مَا فِي
الْفَوَاكِه البدرية لِابْنِ الْغَرْس حَيْثُ عد مَسْأَلَة الثَّوْب فِي الجراب، مِمَّا يغْتَفر فِيهِ التناقد فَقَالَ: وَإِذا اشْترى ثوبا مطويا فِي جراب أَو منديل فَلَمَّا نشره قَالَ هَذَا متاعي نسْمع دَعْوَاهُ، فالدعوى مسموعة مَعَ التناقد فِي جَمِيع هَذِه الْمسَائِل: أَي الَّتِي مِنْهَا هَذِه على الرَّاجِح الْمُفْتى بِهِ، وَمن الْمَشَايِخ من اعْتَبرهُ التَّنَاقُض مُطلقًا فَمنع سَماع الدَّعْوَى إِذا تقدم مَا يناقضها، وَقدمنَا ذَلِك فِي الدَّعْوَى، فَرَاجعه.

قَوْله: (وَكَذَا الاستيام والاستيداع) أَي طلب إيداعه عِنْده، وَمثله يُقَال فِي الاستيهاب والاستئجار.
قَالَ فِي تنوير البصائر: وَمِمَّا يجب حفظه هُنَا أَن المساومة بِالْملكِ للْبَائِع أَو بِعَدَمِ كَونه ملكا لَهُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا، وَلَيْسَ كَالْإِقْرَارِ صَرِيحًا بِأَنَّهُ ملك البَائِع، والتفاوت إِنَّمَا يظْهر فِيمَا إِذا وصل الْعين إِلَى يَده، وَيُؤمر بِالرَّدِّ إلَى الْبَائِعِ فِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ الصَّرِيحِ، وَلَا يُؤْمَرُ فِي فَصْلِ الْمُسَاوَمَةِ.
وَبَيَانُهُ: اشْتَرَى مَتَاعًا مِنْ إنْسَانٍ وَقَبَضَهُ ثُمَّ إنَّ أَبَا الْمُشْتَرِي اسْتَحَقَّهُ بِالْبُرْهَانِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَهُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَوَرِثَهُ الِابْنُ الْمُشْتَرِي لَا يُؤْمَرُ بِرَدِّهِ إلَى الْبَائِعِ، وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَيَكُونُ الْمَتَاعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، هَذَا بِالْإِرْثِ.
وَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْبَيْعِ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ أَبُوهُ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ مَاتَ الاب وَورثه الابْن المُشْتَرِي هَذَا لَا يرجع إِلَى الْبَائِعِ، لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ بِحكم الشِّرَاء الاول لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْقَضَاءَ لِلْمُسْتَحِقِّ لَا يُوجِبُ فسخ البيع قبل الرُّجُوع بِالثّمن.
اهـ.
كَذَا فِي جَامع البزازي.

قَوْلُهُ: (وَالْإِعَارَةُ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الِاسْتِعَارَةُ كَمَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من الْفَصْل الْعَاشِر: أَي لَو قبل إِعَارَة الثَّوْب وَالْجَارِيَة الْمَذْكُورين كَانَ قبُوله إِقْرَارا بِالْملكِ، فَإِن الْقبُول هُوَ الَّذِي يَتَأَتَّى مِنْهُ والاعارة فعل ذِي الْيَد فَكيف تكون إِقْرَارا بِالْملكِ؟ وَالَّذِي سهل ذَلِك وُقُوعهَا بَين الاستيداع والاستيهاب.
وَالْحَاصِل: أَن الِاسْتِعَارَة هِيَ الَّتِي تكون إِقْرَارا بِالْملكِ للْغَيْر، أما الاعارة فَهِيَ فعل الْمُعير.
تَأمل
قَوْله: (والاستيهاب والاستئجار) قَالَ فِي الاشباه الِاسْتِئْجَار إِقْرَار بِعَدَمِ الْملك لَهُ على أحد الْقَوْلَيْنِ.
وَفِي الْحَمَوِيّ: إِن مِمَّا يغْتَفر التَّنَاقُض اسْتِئْجَار دَار ثمَّ ادِّعَاء ملكهَا لانه مَوضِع خَفَاء.
وَقيل يجب تَقْيِيده بِمَا إِذا لم يكن ملكه فِيهِ ظَاهرا، فَإِنَّهُم صَرَّحُوا بِأَن الرَّاهِن أَو البَائِع وَفَاء إِذا اسْتَأْجر الرَّهْن أَو الْمَبِيع لَا

(8/244)


يَصح، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي عدم كَون الِاسْتِئْجَار إِقْرَارا بِعَدَمِ الْملك لَهُ اهـ.
وَمثله فِي الْحَوَاشِي الرملية.
قَالَ الْعَلامَة الْحَمَوِيّ: قيل عَلَيْهِ الِاسْتِئْجَار إِقْرَار بِعَدَمِ الْملك لَهُ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي كَونه إِقْرَارا لذِي الْيَد بِالْملكِ فقد اشْتبهَ على صَاحب الاشباه الاول بِالثَّانِي فَأجرى الْخلاف بالاول كَمَا فِي الثَّانِي، وَهُوَ سَهْو عَظِيم، ورد بِأَن الضَّمِير فِي لَهُ رَاجع للمؤخر، والقرينة عَلَيْهِ قَوْله: على أحد الْقَوْلَيْنِ اهـ.
وَهُوَ بيعد جدا.
وَقد صحّح الْعِمَادِيّ كلا الْقَوْلَيْنِ فِي فصوله فِي الْفَصْل السَّادِس.
وَفِي الاشباه: إِلَّا إِذا اسْتَأْجر الْمولى عَبده من نَفسه لم يكن إِقْرَارا بحريَّته كَمَا فِي الْقنية.

قَوْله: (وَلَو من وَكيل) أَي وَكيل وَاضع الْيَد والاستنكاح فِي الامة يمْنَع دَعْوَى الْملك فِيهَا ودعواه فِي الْحرَّة يمْنَع دَعْوَى نِكَاحهَا.
كَذَا فِي الدُّرَر.

قَوْله: (فَيمْنَع دَعْوَاهُ لنَفسِهِ وَلغيره الخ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: كَوْنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إقْرَارًا بِعَدَمِ الْمِلْكِ لِلْمُبَاشِرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا كَوْنُهَا إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ يُفِيدُ الْمِلْكَ لِذِي الْيَدِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الصُّغْرَى.
قَالَ فِي عدَّة الفتاوي: الِاسْتِعَارَة والاستيداع والاستيهاب من الْمُدعى عَلَيْهِ أَو من غَيره، وَكَذَا الشِّرَاء والمساومة وَمَا أشبهه من الاجارة وَغَيرهَا تمنع صَاحبهَا من دَعْوَى الْملك لنَفسِهِ وَلغيره.
قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ أَقُول: كَوْنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إقْرَارًا بِعَدَمِ الْمِلْكِ لِلْمُبَاشِرِ ظَاهر، وَأَمَّا كَوْنُهَا إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا.
قَالَ: وَالظَّاهِر عِنْدِي أَن مُجَرّد ذَلِك لَيْسَ بِإِقْرَار لذِي الْيَد، إِذْ قد بِفعل مَعَ وَكيل الْمَالِك فَلَا يكون إِقْرَارا بِالْملكِ لذِي الْيَد، فَلَا بُد أَن يُمَيّز بالقرائن فَيجْعَل إِقْرَارا فِي مَوضِع دون مَوضِع بِحَسب الْقَرَائِن، فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن تصح دَعْوَاهُ لغيره فِي بعض الْمَوَاضِع لَا فِي بَعْضهَا، فَإِن برهن الْمُدَّعِي عَلَيْهِ على وَكيل الْخُصُومَة أَنه سبقت مِنْهُ مساومة أَو اسْتِعَارَة أَو نَحْوهمَا عزل من الْوكَالَة، لانه لَو فعله عِنْد القَاضِي عَزله وَالْمُوكل على حَقه لَو شَرط أَن إِقْرَاره عَلَيْهِ لَا يجوز.
قَالَ صَاحب نور الْعين: قَوْله لَو شَرط الخ مُسْتَدْرك، إِذْ لَو صدر ذَلِك من الْوَكِيل فِي غير مجْلِس القَاضِي لَا يعْتَبر، فَلَا حَاجَة إِلَى الشَّرْط الْمَذْكُور، هَذَا إِذا كَانَ قَوْله وَالْمُوكل على حَقه مَعْطُوفًا على قَوْله عزل من الْوكَالَة، أما إِذا كَانَ مَعْطُوفًا على قَوْله فعله عِنْد القَاضِي عَزله فَلَا اسْتِدْرَاك حِينَئِذٍ، لَكِن مَسْأَلَة الاولى نَاقِصَة، حَيْثُ لم يتَعَرَّض فِيهَا إِلَى كَون الْمُوكل على حَقه أَو لَا فِي صُورَة مساومة
وَكيله فِي غير مجْلِس القَاضِي، وَهَذَا قُصُور وإبهام فِي مقَام بَيَان وإعلام كَمَا لَا يخفى على ذَوي الاعلام.
اهـ.
وَفِيه الاستيام هَل هُوَ إِقْرَار؟ وَفِيه رِوَايَتَانِ، على رِوَايَة الزِّيَادَات: يكون إِقْرَارا بِكَوْنِهِ ملك البَائِع.
وَفِي رِوَايَة: لَا يكون إِقْرَارا والاول أصح.
وعَلى الرِّوَايَتَيْنِ لَا تسمع دَعْوَاهُ بعد الاستيام، والاستيام من غير البَائِع كالاستيام من البَائِع والاستيداع والاستعارة والاستيهاب والاستئجار وَإِقْرَار بِأَنَّهُ لذِي الْيَد سَوَاء ادَّعَاهُ لنَفسِهِ أَو لغيره.
وَلَو أُقِيمَت الْبَيِّنَة على أَن الْوَكِيل ساومه فِي مجْلِس الْقَضَاء خرج من الْخُصُومَة هُوَ وموكله أَيْضا، وَلَو كَانَت المساومة فِي غير مجْلِس الْقَضَاء خرج هُوَ من الْخُصُومَة دون مُوكله.
اهـ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ صَحَّحَ رِوَايَةَ إفَادَتِهِ الْمِلْكَ، فَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ لِلرِّوَايَتَيْنِ، وَيُبْتَنَى عَلَى عَدَمِ إفَادَتِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَوَازُ دَعْوَى الْمُقِرِّ بِهَا لِغَيْرِهِ اهـ.
وَنَقَلَ السَّائِحَانِيُّ عَنْ الْأَنْقِرْوِيِّ أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى تَصْحِيحِ مَا فِي الزِّيَادَاتِ وَأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ.

(8/245)


قلت: فيفتى بِهِ لترجحه بِكَوْن ظَاهر الرِّوَايَة وَإِن اخْتلف التَّصْحِيح كَمَا تقدم.
أَقُول: وَمثل مَا تقدم من الِاسْتِعَارَة والاستيداع وَأَخَوَاتهَا الاقتسام.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ رامزا لفتاوى رشيد الدّين: قسم تَرِكَة بَين وَرَثَة أَو قبل تَوْلِيَة لوقف أَو وصاية فِي تَرِكَة بعد الْعلم، وَالْيَقِين بِأَن هَذَا تَرِكَة أَو وقف ثمَّ ادَّعَاهُ لنَفسِهِ لَا تسمع اهـ.
وَتَمَامه فِيهِ.

قَوْله: (فَيمْنَع دَعْوَاهُ لنَفسِهِ) هَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ، وَأما كَونه إِقْرَارا بِالْملكِ لذِي الْيَد فَفِيهِ رِوَايَتَانِ مصححتان كَمَا علمت.

قَوْله: (وَلغيره) قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: الْحَاصِل من جملَة مَا مر: أَن الْمُدَّعِي لَو صدر عَنهُ مَا يدل على أَن الْمُدَّعِي ملك الْمُدعى عَلَيْهِ تبطل دَعْوَاهُ لنَفسِهِ، وَلغيره للتناقض، وَلَو صدر عَنهُ مَا يدل على عدم ملكه وَلَا يدل على عدم ملك الْمُدعى عَلَيْهِ بَطل دَعْوَاهُ لنَفسِهِ لَا لغيره لانه إِقْرَار بِعَدَمِ ملكه لَا بِملك الْمُدعى عَلَيْهِ.
وَلَو صدر عَنهُ مَا يحْتَمل الاقرار وَعَدَمه فالترجيح بالقرائن.
وَإِلَّا فَلَا يكون إِقْرَارا للشَّكّ.
اهـ.

قَوْله: (بوكالة أَو وصاية) يَعْنِي إِذا أقرّ الرجل بِمَال أَنه لفُلَان، ثمَّ ادَّعَاهُ لنَفسِهِ لم يَصح، وَكَذَا إِذا ادَّعَاهُ بوكالة أَو وصاية لوَرَثَة موصيه لَان فِيهِ تناقضا، لَان المَال الْوَاحِد لَا يكون لشخصين فِي حَالَة وَاحِدَة كَمَا فِي الدُّرَر.

قَوْله: (للتناقض) مَحَله مَا إِذا كَانَ لَا يخفى سَببه كَمَا تقدم.

قَوْله: (بِخِلَاف إبرائه) أَي لَو أَبرَأَهُ
من جَمِيع الدَّعَاوَى ثمَّ ادّعى عَلَيْهِ وكَالَة للْغَيْر أَو ليتيم هُوَ وَصِيّه صَحَّ لعدم التَّنَاقُض، لانه إِنَّمَا أَبرَأَهُ عَن حق نَفسه لَا عَن حق غَيره.

قَوْله: (بهما) أَي بِالْوكَالَةِ والوصاية.

قَوْله: (لعدم التَّنَاقُض) لَان إِبْرَاء الرجل عَن جَمِيع الدَّعَاوَى الْمُتَعَلّقَة بِمَالِه لَا يَقْتَضِي عدم صِحَة دَعْوَى مَال لغيره على ذَلِك الرجل.
دُرَر.

قَوْلُهُ: (ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمَذْكُورِ مَتْنًا مِنْ قَوْلِهِ: وَكَذَا إلَخْ سِوَى الاعادة وَإِلَى الْمَذْكُورِ شَرْحًا، فَجَمِيعُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِيهَا، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْجَامِعِ إلَخْ رَاجِعٌ إلَى مَا فِي الْمَتْنِ فَقَطْ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِكَوْنِهِ إقْرَارًا مُنْلَا خُسْرو.
وَفِي النَّظْمِ الْوَهْبَانِيِّ لعبد الْبر ذكر خلافًا.
ثُمَّ قَالَ وَالْحَاصِلُ: أَنَّ رِوَايَةَ الْجَامِعِ أَنَّ الِاسْتِيَامَ وَالِاسْتِئْجَارَ وَالِاسْتِعَارَةَ وَنَحْوَهَا إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لِلْمُسَاوَمِ مِنْهُ وَالْمُسْتَأْجَرِ مِنْهُ، وَرِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إقْرَارًا بِالْمِلْكِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ.
وَحَكَى فِيهَا اتِّفَاقَ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمُسَاوِمِ وَنَحْوِهِ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا الْخلاف يبتنى صِحَّةُ دَعْوَاهُ مِلْكًا لِمَا سَاوَمَ فِيهِ لِنَفْسِهِ أَو لغيره اهـ.
وَإِنَّمَا جَزَمْنَا هُنَا بِكَوْنِهِ إقْرَارًا أَخْذًا بِرِوَايَةِ الْجَامِع الصَّغِير، وَالله تَعَالَى أعلم اهـ.
قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ إنْ أَبْدَى عُذْرًا يُفْتَى بِمَا فِي الزِّيَادَاتِ مِنْ أَنَّ الِاسْتِيَامَ وَنَحْوَهُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا، وَفِي الْعِمَادِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيح.
وَفِي السِّرَاجِيَّة أَنه الاصح.
وَقدمنَا عَن الانقروي أَنه قَالَ: وَالْأَكْثَرُ عَلَى تَصْحِيحِ مَا فِي الزِّيَادَاتِ وَأَنَّهُ ظَاهر الرِّوَايَة اهـ.
أَقُول: لَكِن فِي الاستيام لنَفسِهِ على كل من الرِّوَايَتَيْنِ يكون إِقْرَارا بِأَنَّهُ لَا ملك لَهُ فِيهِ فَكيف يَدعِيهِ لنَفسِهِ؟ نعم لَهُ أَن يَدعِيهِ لغيره لعدم التَّنَاقُض بِنَاء على رِوَايَة الزِّيَادَات، وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك مَا نذكرهُ قَرِيبا فِي المقولة الْآتِيَة فِي التَّتِمَّة حَتَّى لَو برهن يكون دفعا.
تَأمل.

قَوْله: (وَصَححهُ فِي الْجَامِع) أَي صحّح مَا مر من أَن الاستيام والاستعارة والاستئجار وَنَحْوهَا إِقْرَار بِالْملكِ للمساوم مِنْهُ والمستعار مِنْهُ، وَالْمُسْتَأْجر مِنْهُ، وَالْمرَاد بالجامع جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ.

(8/246)


تَتِمَّة: الاستشراء مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي كَوْنِهِ إقْرَارًا بِأَنَّهُ لَا ملك للْمُدَّعِي كالاستشراء مِنْ الْمُدَّعَى
عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ بَرْهَنَ يَكُونُ دَفْعًا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الصُّغْرَى: أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِاسْتِيدَاعُ وَكَذَا الاستيهاب وَنَحْوه كالاستشراء.

قَوْله: (خلافًا لتصحيح الْوَهْبَانِيَّة) أَي فِي مَسْأَلَة الاستيام، لَان الْمَبِيع يحْتَمل أَن يكون فِي يَد البَائِع عَارِية أَو غصبا أَو يكون وَكيلا أَو فضوليا، فَلم يقتض ثُبُوت الْملك للْبَائِع، كَذَا ذكره ابْن وهبان، وَهَذَا مَا فِي الزِّيَادَات.

قَوْله: (ووفق شارحها الشُّرُنْبُلَالِيّ) أَي بَين مَا فِي الْجَامِع والزيادات.

قَوْله: (بِأَنَّهُ إِن قَالَ بِعني هَذَا) أَي مثلا أَو هبني أَو أجرني وَنَحْوه.

قَوْله: (كَانَ إِقْرَارا) أَي اعترافا لَهُ بِالْملكِ لانه جازم بِأَنَّهُ ملكه، وَقد طلب شِرَاءَهُ مِنْهُ أَو هِبته أَو إِجَارَته.

قَوْله: (وَإِن قَالَ أتبيع هَذَا) أَو هَل أَنْت بَائِع هَذَا لَا يكون إِقْرَارا بل استفهاما، لانه يحْتَمل أَن يقْصد بذلك استظهار حَاله، هَل يَدعِي الملكية وَجَوَاز البيع لَهُ أَو لَا؟ أَو يكون مُرَاده طلب إشْهَادٍ عَلَى إقْرَارِهِ بِإِرَادَةِ بَيْعِ مِلْكِ الْقَائِلِ؟ فَيلْزمهُ بِهِ بعد ذَلِك: أَي بِإِقْرَارِهِ الضمني بِنَاء على رِوَايَة الْجَامِع، ونفتي بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة بِرِوَايَة الزِّيَادَات، لَكِن قد يُقَال: إِن مَا ذكره لَا يصلح أَن يكون تَوْفِيقًا بَين الْقَوْلَيْنِ بل هُوَ تَفْصِيل فِي كَون الْمَذْكُورَات قد يكون بَعْضهَا إِقْرَارا بِعَدَمِ ملك الْمقر، وَقد يكون ملك الْمقر، فَتَأمل.
وَالْحَاصِل: أَنه إِذا قَالَ بِعني إِيَّاه إِنَّمَا يَصح ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَ مَمْلُوكا للمخاطب، فَإِن الانسان لَا يطْلب من غَيره أَن يَبِيعهُ مَال نَفسه، فَيكون ذَلِك اعترافا مِنْهُ لَهُ بِالْملكِ فَلَا يَدعِيهِ بعد ذَلِك لنَفسِهِ، وَلَا لغيره.
وَإِن قَالَ أتبيع فَلَعَلَّهُ يُرِيد أَن يَبِيعهُ لَو وكَالَة عَنهُ أَو فضولا فَلَا يكون إِقْرَارا لَهُ بِالْملكِ.

قَوْله: (صك البيع) أَي وَثِيقَة الْمُبَايعَة.

قَوْله: (فَإِنَّهُ) أَي مَا ذكر من كِتَابَة الِاسْم والختم.

قَوْله: (لَيْسَ بِإِقْرَار بِعَدَمِ ملكه) أَي فَمَا هُنَا أولى أَو مسَاوٍ: أَي فَلهُ أَن يَدعِيهِ بعد ذَلِك لنَفسِهِ وَلغيره: أَي فَقَوله أتبيع هَذَا أولى بِأَن لَا يكون إِقْرَارا بِعَدَمِ ملكه، وَصُورَة مَسْأَلَة كِتَابَته وختمه على صك البيع: هِيَ أَنه لَو كتب شَهَادَته وَختم عَلَيْهَا على صك فِيهِ بَاعَ فلَان لَا يكون اعترافا مِنْهُ بِالْبيعِ، فَإِن الانسان قد يَبِيع مَال غَيره فضولا، بِخِلَاف مَا لَو كَانَ الصَّك مَكْتُوبًا فِيهِ بيعا صَحِيحا أَو نَافِذا، فَإِن كِتَابَة الشَّهَادَة عَلَيْهِ حِينَئِذٍ تكون اعترفا لَهُ بِالْملكِ، فَلَا يَصح بعد ذَلِك أَن يَدعِيهِ لنَفسِهِ، وَكَذَلِكَ هُنَا إِذا قَالَ بعنيه إِنَّمَا يَصح ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَ مَمْلُوكا للمخاطب، فَإِن الانسان لَا يطْلب من غَيره أَن يَبِيعهُ مَال نَفسه إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ، وَيجب تَقْيِيده أَيْضا بِغَيْر أحد الزَّوْجَيْنِ وَالرحم الْمحرم وَبِمَا إِذا لم يُصَرح فِي صك البيع.
مهمة: فِي الْبَزَّازِيَّة عَن الزِّيَادَات: ساوم ثوبا ثمَّ ادّعى أَنه كَانَ لَهُ قبل المساومة أَو كَانَ لابيه يَوْم مَاتَ قبل ذَلِك وَتَركه مِيرَاثا لَا يسمع.
أما لَو قَالَ كَانَ لابي وَكَذَلِكَ بِالْبيعِ فساومته وَلم يتَّفق البيع يسمع، وَلَو ادَّعَاهُ أَبوهُ يسمع أَيْضا، وَكَذَا لَو قَالَ قضى لابي وَمَات قبل الْقَبْض وَتَركه مِيرَاثا لي يسمع أَيْضا وَإِن لم يقْض للاب حَتَّى مَاتَ وَتَركه مِيرَاثا لَا يقْضى، لَان دوَام الْخُصُومَة شَرط وَلَا يُمكن، لانه لَا يصلح خصما بعد المساومة.
وعَلى هَذَا لَو الادعى رجل شِرَاء ثوب وشهدا لَهُ بِالشِّرَاءِ من الْمُدعى عَلَيْهِ وَقضى أَولا ثمَّ زعم أحد الشَّاهِدين أَن الثَّوْب لَهُ أَو لابيه وَورثه هُوَ عَنهُ لَا يسمع دَعْوَاهُ لما قُلْنَا.
وَلَو قَالَ عِنْد الشَّهَادَة هَذَا الثَّوْب بَاعه مِنْهُ هَذَا لكنه لي أَو لابي ورثته عَنهُ يقْضى بِالْبيعِ وَيسمع دَعْوَى الشَّاهِد، فَإِذا برهن على مدعاه قضى لَهُ لِانْعِدَامِ التَّنَاقُض، وَلَو قَالَ قولا وَلم يؤديا الشَّهَادَة ثمَّ ادَّعَاهُ

(8/247)


لنَفسِهِ أَو أَنه لابيه وَكله بِالطَّلَبِ يقبل، وَكَذَا إِذا شهد بِهِ الِاسْتِئْجَار أَو الاستيداع أَو الاستيهاب أَو الِاسْتِعَارَة من الْمُدَّعِي بَطل دَعْوَاهُ لنَفسِهِ أَو لغيره وَسَوَاء طلب تَحْقِيق هَذِه الْعُقُود الْمُدَّعِي من الْمُدعى عَلَيْهِ أَو غَيره، لَو ساوم ثمَّ ادَّعَاهُ مَعَ الآخر يقبل فِي نصيب الآخر، وَلَا يقبل فِي نصيب المساوم، ومساومة الابْن لَا تمنع دَعْوَى الاب، لَكِن بعد موت الاب لَا يملك الدَّعْوَى، وَإِن كَانَ الاب ادَّعَاهُ وَقضى لَهُ بِهِ أَخذه الابْن، وَقبل الْقَضَاء لَا لما مر آنِفا وَلَو برهن.
وَفِي الاقضية: ساوم ولد جَارِيَة أَو زرع أَرض أَو ثَمَرَة نخل ثمَّ برهن على أَن الاصل ملكه تقبل، وَإِن ادّعى الْفَرْع مَعَ الاصل يقبل فِي حق الاصل لَا الْفَرْع، فعلى هَذَا لَوْ ادَّعَى شَجَرًا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَاوِمْنِي ثمره أَو اشْترى مني لَا يكون دفعا لجَوَاز أَن يكون الشّجر لَهُ وَالثَّمَر لغيره.
وَفِي الخزانة: ادّعى عَلَيْهِ شَيْئا فَقَالَ اشْتَرَيْته من فلَان وأجزت البيع لَا يكون دفعا، لَان الانسان قد يُجِيز بيع الْغَيْر ملك الْغَيْر.
وَفِي الْمُحِيط: برهن على أَن هَذَا الْكَرم لَهُ فبرهن الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه كَانَ آجر مِنْهُ نَفسه فِي عمل هَذَا الْكَرم ينْدَفع.
وَفِي الْمُنْتَقى: اسْتَأْجر ثوبا ثمَّ برهن أَنه لِابْنِهِ الصَّغِير تقبل.
قَالَ القَاضِي هَذِه على الرِّوَايَة الَّتِي
جعل الِاسْتِئْجَار وَنَحْوه إِقْرَارا بِعَدَمِ الْملك لَهُ، فَعدم كَونه ملكا يمْنَع كَونه ملكا لغيره، فَجَاز أَن يَنُوب عَن الْغَيْر.
فَأَما على الرِّوَايَة الَّتِي تكون إِقْرَارا بِأَنَّهُ ملك للمطلوب لَا تسمع الدَّعْوَى لغيره كَمَا لَا تسمع لنَفسِهِ اهـ.

قَوْله: (مائَة وَدِرْهَم) وَكَذَا لَو قَالَ مائَة ودرهمان أَو مائَة وَثَلَاثَة دَرَاهِم كَمَا فِي الْخَانِية: وَعَلِيهِ التَّعْلِيل الْآتِي، وَأَرَادَ بدرهم مَال مُقَدّر فَشَمَلَ الدِّينَار وَسَائِر الموزونات والمكيل.
وَالْحَاصِل: أَنه إِذا ذكر بعد عقد من الاعداد شئ من المقدرات أَو عدد مُضَاف نَحْو مائَة وَثَلَاثَة أَثوَاب أَو أَفْرَاس يكون بَيَانا، وَإِلَّا فَلَا يكون بَيَانا كَمَا فِي المنبع.

قَوْله: (كلهَا دَرَاهِم) أَي فَيلْزمهُ مائَة دِرْهَم وَدِرْهَم فِي قَوْله لَهُ عَليّ مائَة وَدِرْهَم.
قَالَ فِي الْمُخْتَار: وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ مائَة وَدِرْهَم فَالْكل دَرَاهِم وَكَذَا كل مَا يُكَال ويوزن.
وَاعْلَم أَن صَاحب الدُّرَر ذكر مُمَيّز الْمِائَة بِصِيغَة الْجمع، وَلَفظه إِذا قَالَ لَهُ عَليّ مائَة وَدِرْهَم لزمَه مائَة دَرَاهِم وَدِرْهَم، وَتعقبه عزمي بِأَن الصَّوَاب مائَة دِرْهَم بالافراد، وَاسْتدلَّ بِمَا فِي الْمُقدمَة الحاجبية حَيْثُ قَالَ: ومميز مائَة وَألف مخفوض مُفْرد اهـ.
وَاعْتَرضهُ أَيْضا عبد الْحَلِيم بِأَن الالف فِي دَرَاهِم من طغيان الْقَلَم، لَان مُمَيّز مائَة مُفْرد لَا غير، وَأجَاب شيخ الْمولى أَبُو السُّعُود بِأَن دَعْوَى التصويب سَاقِطَة، وَمَا ذكره ابْن الْحَاجِب فِي الْمُقدمَة هُوَ الْكثير، وَمَا وَقع لصَاحب الدُّرَر حَيْثُ أضَاف الْمِائَة إِلَى الْجمع قَلِيل، وَلَيْسَ بخطأ، وَمِنْه قِرَاءَة حَمْزَة وَالْكسَائِيّ: * ((18) وَلَبِثُوا فِي كهفهم ثَلَاث مائَة سِنِين) * (الْكَهْف: 52) بِإِضَافَة مائَة إِلَى سِنِين.
وَالْحَاصِل أَن الْعدَد الْمُضَاف على قسمَيْنِ: أحدهم مَا لَا يُضَاف إِلَّا إِلَى جمع وَهُوَ ثَلَاثَة إِلَى عشرَة.
وَالثَّانِي: مَا لَا يُضَاف كثيرا إِلَّا إِلَى مُفْرد وَهُوَ مائَة وَألف وتثنيتهما نَحْو مِائَتَا دِرْهَم وَألف دِرْهَم الخ.

قَوْله: (وَكَذَا الْمكيل وَالْمَوْزُون) كمائة وقفيز حِنْطَة أَوْ رِطْلٌ كَذَا، وَلَوْ قَالَ لَهُ نِصْفُ دِرْهَم ودينار وثوب فَعَلَيهِ نصف كل مِنْهَا، وَكَذَا نِصْفُ هَذَا الْعَبْدِ وَهَذِهِ الْجَارِيَةُ، لِأَنَّ الْكَلَام كُله وَقع على شئ

(8/248)


بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ فَيَنْصَرِفُ النِّصْفُ إلَى الْكُلِّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بَعْضُهُ غَيْرَ معِين كَنِصْف هَذَا الدِّينَار وَدِرْهَم يجب عَلَيْهِ نصف الدِّينَار وَالدِّرْهَم كُله.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ.
وَأَصله: أَن الْكَلَام إِذا كَانَ كُله على شئ بِعَيْنِه أَو كَانَ كُله على شئ بِغَيْر عينه فَهُوَ كُله على الانصاف، وَإِن كَانَ أَحدهمَا بِعَيْنِه وَالْآخر بِغَيْر عينه فالنصف على الاول مِنْهُمَا.
شرنبلالية.
لَكِن قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي بعد أَن عزا وجوب كل الدِّرْهَم للتبيين: فِيهِ أَن هَذَا على تَقْدِير خفض الدِّرْهَم مُشكل، وَأما فِي الرّفْع والسكون فَمُسلم اهـ.
وَأَقُول: لَا إِشْكَال على لُغَة الْجَوَاز، على أَن الْغَالِب على الطّلبَة عدم اعْتِبَار الاعراب: أَيْ فَضْلًا عَنْ الْعَوَّامِ، وَلَكِنَّ الْأَحْوَطَ الِاسْتِفْسَارُ فَإِنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَعَلَّهُ قَصَدَ الْجَرَّ.
تَأمل.

قَوْله: (اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاس أَن يلْزمه الْمَعْطُوف وَيرجع فِي بَيَان الْمَعْطُوف عَلَيْهِ إِلَيْهِ، وبالقياس أَخذ الامام الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى.

قَوْله: (وَفِي مائَة ثوب) نَحْو مائَة وشَاة وَمِائَة وَعبد.

قَوْله: (لانها مُبْهمَة) قَالَ فِي التَّبْيِين: وَجه الِاسْتِحْسَان أَن عطف الْمَوْزُون والمكيل على عدد مُبْهَم يكون بَيَانا للمبهم عَادَة، لَان النَّاس استثقلوا تكْرَار التَّفْسِير وَهُوَ الدِّرْهَم عِنْد كَثْرَة الِاسْتِعْمَال، وَذَلِكَ فِيمَا يجْرِي فِيهِ التَّعَامُل وَهُوَ مَا يثبت فِي الذِّمَّة وَهُوَ الْمكيل وَالْمَوْزُون، لانها تثبت دينا فِي الذِّمَّة سلما وقرضا وَثمنا، واكتفوا بِذكرِهِ مرّة لِكَثْرَة أَسبَابه ودورانه فِي الْكَلَام، بِخِلَاف الثِّيَاب وَغَيرهَا مِمَّا لَيْسَ من المقدرات: أَي مِمَّا لَا يُكَال وَلَا يُوزن، لانها لَا يكثر التَّعَامُل بهَا لعدم ثُبُوتهَا فِي الذِّمَّة جَمِيع الْمُعَامَلَات وَالثيَاب، وَإِن ثبتَتْ فِي الذِّمَّة فِي السّلم وَالنِّكَاح إِلَّا أَنَّهُمَا لَا يكثرن كَثْرَة الْقَرْض وَالثمن، فَلم يستثقلوا ذكرهَا لعدم دورانها فِي الْكَلَام والاكتفاء بِالثَّانِي للكثرة وَلم تُوجد فَبَقيَ على الْقيَاس، بِخِلَاف قَوْله مائَة وَثَلَاثَة أَثوَاب حَيْثُ يكون الاثواب تَفْسِيرا للمائة أَيْضا، وَيَسْتَوِي فِيهِ المقدرات وَغَيرهَا، لانه ذكر عددين مبهمين وأعقبهما تَفْسِيرا فَيَنْصَرِف إِلَيْهِمَا فَيكون بَيَانا لَهما، وَهَذَا بالاجماع لَان عَادَتهم جرت بذلك، أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ أحد وَعِشْرُونَ وَثَلَاثَة وَخَمْسُونَ درهما فَيَنْصَرِف التَّفْسِير إِلَيْهِمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَاجة إِلَيْهِ اهـ.
قَالَ أَبُو السُّعُود: والمتقارب الَّذِي لَا تخْتَلف آحاده بِالْكبرِ والصغر كالمكيل وَالْمَوْزُون.

قَوْله: (وَفِي مائَة وَثَلَاثَة أَثوَاب) أَو دَرَاهِم أَو شِيَاه.

قَوْلُهُ: (كُلُّهَا ثِيَابٌ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وأردفها بالتفسير فصرف إِلَيْهِمَا لعدم العاطف، وَهَذَا بالاجماع.

قَوْله: (خلافًا للشَّافِعِيّ) ظَاهر كَلَامه أَن مُخَالفَته فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَط، وَلَيْسَ كَذَلِك قَالَ الْعَيْنِيّ: وَعند الشَّافِعِي وَمَالك تَفْسِير الْمِائَة إِلَيْهِ فِي الْكل، وَعند أَحْمد:
الْمُبْهم من جنس الْمُفَسّر فِي الْفَصْلَيْنِ اهـ.
وَنَحْوه فِي الدُّرَر.

قَوْله: (لم تذكر بِحَرْفِ الْعَطْفِ) بِأَنْ يَقُولَ مِائَةٌ وَأَثْوَابٌ ثَلَاثَةٌ كَمَا فِي مائَة وثوب.

قَوْله: (فَانْصَرف التَّفْسِير) أَي بالاثواب.

قَوْله: (إِلَيْهِمَا) يَعْنِي أَنَّهَا تكون تَفْسِيرا لَهما لِاسْتِوَاء الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ فِي الْحَاجة إِلَى التَّفْسِير.

قَوْله: (تلْزمهُ الدَّابَّة فَقَط) لَان غصب الْعقار لَا يتَحَقَّق عِنْدهمَا، وعَلى قِيَاس قَول مُحَمَّد يضمنهما.

قَوْله: (وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يَصْلُحُ ظَرْفًا إنْ أَمْكَنَ نَقله) كتمر فِي قوصرة لزماه، وَمثله طَعَام فِي جوالق أَو فِي سفينة.
قَوْله:

(8/249)


(لَزِمَاهُ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْغَصْبِ إخْبَارٌ عَنْ نَقْلِهِ، وَنَقْلُ الْمَظْرُوفِ حَالَ كَوْنِهِ مَظْرُوفًا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِنَقْلِ الظَّرْفِ فَصَارَ إقْرَارًا بِغَصْبِهِمَا ضَرُورَةً، وَيرجع فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ.
هَكَذَا قَرَّرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ، وَظَاهِرُهُ قَصْرُهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْغَصْبِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ أَوْ عَبْدٌ صَحَّ، وَيُقْضَى بِقِيمَةٍ وَسَطٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّد: القَوْل لَهُ فِي الْقيمَة اهـ.
وَفِي الْبَحْر والاشباه: لَا يلْزمه شئ اهـ.
وَلَعَلَّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا هُنَا قَاصِرٌ عَلَى الْغَصْبِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ الْقيمَة أَو لم يلْزمه شئ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ حَيْثُ قَالَ: إِن أضَاف مَا أقربه إلَى فِعْلٍ بِأَنْ قَالَ غَصَبْتُ مِنْهُ تَمْرًا فِي قوصرة لزمَه التَّمْر والقوصرة وَإِلَّا يضفه إِلَى فعل، بل ذكره ابْتِدَاء وَقَالَ لَهُ عَلَى تَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ فَعَلَيْهِ التَّمْرُ دُونَ القوصرة، لَان الاقرار قَول وَالْقَوْل يُمَيّز الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ، كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُ لَهُ زعفرانا فِي سلة.
اهـ.
وَللَّه تَعَالَى الْحَمد، وَمثله فِي حَاشِيَة أبي السُّعُود على منلا مِسْكين، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ التَّمْرُ: قِيمَتُهُ.
تَأَمَّلْ اهـ.
سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
أَقُول: وَلَعَلَّ عَلَيْهِ التَّمْر لَا قِيمَته لانه مثلي.
تَأمل.
قَوْله (وَإِلَّا لزم المظروف فَقَط) وَهَذَا عِنْدَهُمَا، لِأَنَّ الْغَصْبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ ينْقل لم يصدق لانه أقرّ بِغَصب تَامّ لانه مُطلق فَيحمل على الْكَمَال.

قَوْله: (خلافًا لمُحَمد) بِنَاء على غصب الْغَائِب الْعقار فعندهما غير مُتَصَوّر، فَيكون الاقرار بالمظروف فَقَط، وَعِنْده مُتَصَوّر فَيكون إِقْرَارا بالظرف والمظروف.

قَوْله: (وَإِن لم يصلح) أَي مَا جعل ظرفا صُورَة وَهُوَ قَوْله فِي دِرْهَم، وَالدِّرْهَم لَا يصلح أَن يكون
ظرفا للدرهم فَيكون قَوْله فِي دِرْهَم لَغوا وَيلْزمهُ دِرْهَم فَقَط.

قَوْلُهُ: (فِي خَيْمَةٍ) فِيهِ أَنَّ الْخَيْمَةَ لَا تسمى ظرفا حَقِيقَة، وَالْمُعْتَبر كَونه ظرفا حَقِيقَة كَمَا فِي الْمنح.

قَوْله: (فَليُحرر) هُوَ ظَاهر الحكم أخذا من الاصل، وَيدل عَلَيْهِ مَا يَأْتِي متْنا وَهُوَ قَوْله ثوب فِي منديل أَو ثوب، بل هُنَا أَوْلَى.
وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَوْ قَالَ غصبتك كَذَا فِي كَذَا وَالثَّانِي مِمَّا يَكُونُ وِعَاءً لِلْأَوَّلِ لَزِمَاهُ، وَفِيهَا: وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ الدِّرْهَمُ فَقَطْ وَإِنْ صَلُحَ الْقَفِيزُ ظَرْفًا، بَيَانُهُ مَا قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهُ: أَنَّهُ أَقَرَّ بِدِرْهَمٍ فِي الذِّمَّةِ وَمَا فِيهَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَظْرُوفًا فِي شئ آخر اهـ.
وَنَحْوه فِي الاسبيجابي.
وَاسْتظْهر سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى أَنَّ هَذَا فِي الْإِقْرَارِ ابْتِدَاءً، أَمَّا فِي الْغَصْبِ فَيَلْزَمُهُ الظَّرْفُ أَيْضًا كَمَا فِي غَصَبْتُهُ دِرْهَمًا فِي كِيسٍ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَيُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ دِرْهَمٌ فِي ثوب.
تَأمل.

قَوْله: (وبخاتم) بِأَن يَقُول هَذَا الْخَاتم لَك.

قَوْله: (تلْزمهُ حلقته) الْحلقَة بِسُكُون اللَّام فِي حَلقَة الْبَاب وَغَيره، وَالْجمع حلق بِفتْحَتَيْنِ على غير قِيَاس.
وَقَالَ الاصمعي بِكَسْر الاولى كقصعة وقصع وبدرة وَبدر، وَحكى يُونُس عَن ابْن الْعَلَاء أَن الْفَتْح لُغَة فِي السّكُون ط.

قَوْله: (وفصه) هُوَ مَا يركب فِي الْخَاتم من غَيره.
وَفِي الْقَامُوس: الفص للخاتم مُثَلّثَة، وَالْكَسْر غير لحن.

قَوْله: (جَمِيعًا) لَان اسْم الْخَاتم يشملهما، وَلِهَذَا يدْخل الفص فِي بيع الْخَاتم من غير تَسْمِيَة.
ط عَن الشلبي.

قَوْله: (جفْنه)

(8/250)


بِفَتْح الْجِيم غمده وقرابه.

قَوْله: (وحمائله) جمع حمالَة بِكَسْر الْحَاء علاقته ط.
وَهِي مَا يشد بِهِ السَّيْف على الخاصرة قِطْعَة جلد، وَنَحْوهَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا، وَإِنَّمَا وَاحِدهَا محمل.
عَيْني.

قَوْله: (ونصله) حديده لَان اسْم السَّيْف يُطلق على الْكل.

قَوْله: (بَيت مزين بستور وسرر) وَمُقْتَضى هَذَا التَّفْسِير أَن يلْزم الْبَيْت أَيْضا وَفِي الْحَمَوِيّ: وَقيل يتَّخذ من خشب وَثيَاب وَهُوَ ظَاهر، وَفِي الْعَيْنِيّ: هُوَ بَيت يزين بالثياب والاسرة والستور، وَيجمع على حجال.
قَالَ منلا مِسْكين: واسْمه بشخانه، وَقيل خرشمانه اهـ.
وَيُقَال لَهَا الْآن: الناموسية، وَالظَّاهِر لُزُومهَا لانها من مفهومها، وَصدق الِاسْم على الْكل كَمَا لَزِمته العلاقة لصدق السَّيْف عَلَيْهَا، وَيُمكن الْفرق بالاتصال وَعَدَمه.
تَأمل.

قَوْله: (العيدان) بِضَم النُّون جمع عود كدود جمعه ديدان والدود جمع دودة.
صِحَاح.

قَوْلُهُ: (فِي
قَوْصَرَّةٍ) بِالتَّشْدِيدِ وَقَدْ تُخَفَّفَ.
مُخْتَارٌ الصِّحَاح.
قَالَ صَاحب الجمهرة: أما القوصرة فأحسبها دخيلا، وَقد روى: أَفْلح من كَانَت لَهُ قوصره يَأْكُل مِنْهَا كل يَوْم مره ثمَّ قَالَ: وَلَا أَدْرِي مَا صِحَة هَذَا الْبَيْت اهـ.
وَهِي وعَاء التَّمْر منسوج من قصب، وَيُسمى بهَا مَا دَامَ التَّمْر فِيهَا، وَإِلَّا فَهِيَ تسمى بالزنبيل كَمَا فِي الْمغرب.
أَقُول: والزنبيل مَعْرُوف، وَيُسمى فِي عرف الشَّام قفة، فَإِذا كَسرته شددت فَقلت زنبيل، لانه لَيْسَ فِي الْكَلَام فعليل بِالْفَتْح.
كَذَا فِي الصِّحَاح.
بَقِي أَن يُقَال: مُقْتَضى قَوْله فَإِذا كَسرته الخ يُفِيد جَوَاز الْفَتْح، وَقَوله لانه لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب الخ يقْضى عدم جَوَازه، وَعبارَة الْقَامُوس تفِيد جَوَازه مَعَ الْقلَّة.

قَوْله: (جوالق) كصحائف جمع جولق بِكَسْرِ الْجِيمِ وَاللَّامِ وَبِضَمِّ الْجِيم وَفَتْحِ اللَّامِ وَكسرهَا وعَاء مَعْرُوف.
قَامُوس: أَي وَهُوَ الْعدْل.

قَوْله: (أَو ثوب فِي منديل) لانه ظرف لَهُ، وَهُوَ مُمكن حَقِيقَة فَيدْخل فِيهِ على مَا بَينا.
زَيْلَعِيّ والمنديل بِكَسْر الْمِيم.
قَالَ فِي الْمغرب: تمندل بمنديل خيش أَي شده بِرَأْسِهِ، وَيُقَال تمندلت بالمنديل وتمندلت: أَي تمسحت بِهِ حموي.

قَوْله: (يلْزمه الظّرْف كالمظروف لما قدمْنَاهُ) أَي من أَن الصَّالح للظرفية حَقِيقَة إنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ لَزِمَاهُ، وَإِلَّا لَزِمَ الْمَظْرُوفَ فَقَط عِنْدهمَا، وَكَذَا لَو أقرّ بِأَرْض أَو دَار يدْخل الْبناء والاشجار إِذا كَانَا فيهمَا حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُقِرُّ بَيِّنَةً بَعْدَ ذَلِكَ أَن الْبناء والاشجار والفص والجفن والعيدان لي لم يصدق وَلم تقبل بَينته كَمَا فِي المنبع وَغَيره، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ هَذِه الدَّار لفُلَان إِلَّا بناؤها فَإِنَّهُ لي، وَكَذَا فِي سائرها، وَإِن لم يَصح الِاسْتِثْنَاء، وَيكون الْكل للْمقر لَهُ، إِلَّا أَنه لَو أَقَامَ الْبَيِّنَة تقبل كَمَا فِي الْخَانِية.

قَوْله: (لَا تلْزمهُ القوصرة) لَان من للانتزاع فَكَانَ إِقْرَارا بالمنتزع.

قَوْله: (كَثوب فِي عشرَة وَطَعَام فِي بَيت) هُوَ على قَوْلهمَا، وَقِيَاس مُحَمَّد لزومهما.
قَوْله:

(8/251)


(فليلزمه المظروف فَقَط) عِنْدهمَا وألزمه مُحَمَّد الْكل لَان النفيس قد يلفت فِي عشرَة، ونوقض بِمَا لَو قَالَ كرباس فِي عشرَة حَرِيرًا.

قَوْله: (لَا تكون ظرفا لوَاحِد عَادَة) والممتنع عَادَة كالممتنع حَقِيقَة.
وَفِي قد تَأتي بِمَعْنى بَين أَي على معنى الْبَين وَالْوسط مجَازًا كَقَوْلِه تَعَالَى: * ((89) فادخلي فِي عبَادي) * (الْفجْر: 92)
فَوَقع الشَّك والاصل بَرَاءَة الذِّمَّة وَالْمَال لَا يجب مَعَ الِاحْتِمَال، وَفِي كَلَام الشَّرْح أَن فِي الْآيَة بِمَعْنى مَعَ.

قَوْله: (وعنى معنى على) لَان غصب الشئ من مَحل لَا يكون مقتضيا غصب الْمحل كَمَا فِي النِّهَايَة عَن الْمَبْسُوط.
زَيْلَعِيّ فِي تَعْلِيل قَوْله بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ غصبت إكافا على حمَار حَيْثُ يلْزمه الاكاف دون الْحمار، لَان الْحمار مَذْكُور لبَيَان مَحل الْمَغْصُوب حِين أَخذه فَيُقَال هُنَا إِذا قَالَ خَمْسَة فِي خَمْسَة، وعنى على فقد أقرّ باغتصاب خَمْسَة مُسْتَقِرَّة على خَمْسَة، فالمغصوب هُوَ الْخَمْسَة المستقرة والخمسة المستقر عَلَيْهَا مَذْكُور لبَيَان مَحل الْمَغْصُوب حِين أَخذه، وغصب الشئ من مَحل لَا يكون مقتضيا بِالْغَصْبِ الْمحل.
تَأمل.

قَوْله: (أَو الضَّرْب خَمْسَةٌ) لِأَنَّ أَثَرَ الضَّرْبِ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ لَا فِي تَكْثِير المَال دُرَر.
قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: إنْ عَنَى بِعَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ الضَّرْبَ فَقَط أَو الضَّرْب وتكثير الْأَجْزَاءِ فَعَشَرَةٌ، وَإِنْ نَوَى بِالضَّرْبِ تَكْثِيرَ الْعَيْنِ لزمَه مائَة.

قَوْله: (لما مر) أَي فِي الطَّلَاق من أَن الضَّرْب يكثر الاجزاء لَا المَال، فَإِذا قلت: خَمْسَة فِي خَمْسَة تُرِيدُ بِهِ أَن كل دِرْهَم من الْخَمْسَة مثلا خَمْسَة أَجزَاء.
وَفِي الْوَلوالجِيَّة: أَي فِيمَا إِذا قَالَ لَهُ على عشرَة فِي عشرَة إِن نوى الضَّرْب إِن قَالَ نَوَيْت تَكْثِير الاجزاء لَا يلْزمه إِلَّا عشرَة، وَإِن نوى تَكْثِير الْعين لزمَه مائَة، وَإِن نوى الضَّرْب وَلم ينْو شَيْئا آخر لزمَه عشرَة حملا على نِيَّة الاجزاء، وَهَذَا يَقْتَضِي ثُبُوت خلاف فِي هَذِه الصُّورَة وَنَحْوهَا، وَمَعْلُوم أَن ذَلِك عِنْد التجاحد، أما عِنْد الِاتِّفَاق فالامر ظَاهر.

قَوْله: (وألزمه زفر بِخَمْسَة وَعشْرين) وَهُوَ قَول الْحسن بن زِيَاد، وَفِي الشَّارِح.
وَقَالَ زفر: عَلَيْهِ عشرَة، فَلَعَلَّ عَن زفر رِوَايَتَيْنِ: وَفِي التَّقْرِيب ذكر أَن مَذْهَب زفر مثل قَول الْحسن كَمَا ذكره الْعَيْنِيّ مُخَالفا للزيلعي.
قَالَ فِي التَّبْيِين: وَقَالَ زفر عَلَيْهِ عشرَة وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد خَمْسَة وَعِشْرُونَ لعرف الْحساب، لانهم يُرِيدُونَ بِهِ ارْتِفَاع أحد العددين بِقدر الْعدَد الآخر، ولزفر أَن حرف فِي يسْتَعْمل بِمَعْنى مَعَ، وَإِن مَا يُرَاد بِهِ ارْتَفع أحد العددين بِقدر الآخر عِنْد الْخَواص من النَّاس فَتعين الْمجَاز الْمُتَعَارف بَين النَّاس، وَقُلْنَا: لما تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَة وَهِي الظَّرْفِيَّة لَغَا، وَلَا يُصَار إِلَى الْمجَاز لَان الْمجَاز متعارض لانها تسْتَعْمل بِمَعْنى الْوَاو وَبِمَعْنى مَعَ وَبِمَعْنى على، وَلَيْسَ حملهَا على الْبَعْض أولى من الْبَعْض فلغت اهـ مُلَخصا.

قَوْله: (وَعشرَة إِن عَنى مَعَ) لَان اللَّفْظ يحْتَمل الْمَعِيَّة فقد نوى مُحْتَمل كَلَامه فَيصدق، وَفِي البيانية على
دِرْهَم مَعَ دِرْهَمٍ أَوْ مَعَهُ دِرْهَمٌ لَزِمَاهُ، وَكَذَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَا دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ أَوْ وَدِرْهَمٌ، بِخِلَافِ دِرْهَمٍ عَلَى دِرْهَمٍ، أَوْ قَالَ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ، لِأَنَّ الثَّانِيَ تَأْكِيدٌ، وَلَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي قَفِيزِ بُرٍّ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ، وَبَطَلَ الْقَفِيزُ كَعَكْسِهِ، وَكَذَا لَهُ فَرْقُ زَيْتٍ فِي عَشَرَةِ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٌ وَدِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمَانِ لَزِمَهُ ثَلَاثَة وَدِرْهَم بدرهم وَاحِد لانه للبدلية اهـ مُلَخَّصًا.
وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَنَيِّفٌ لَزِمَهُ مِائَةٌ وَالْقَوْلُ لَهُ فِي النَّيِّفِ، وَفِي قَرِيبٍ مِنْ أَلْفٍ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسمِائَة وَالْقَوْل لَهُ فِي الزِّيَادَة.

قَوْله: (كَمَا مر فِي الطَّلَاق) من أَنه لَو قَالَ أَنْت طَالِق

(8/252)


وَاحِدَة فِي ثِنْتَيْنِ طلق وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى الضَّرْبَ، وَإِن نوى وَاحِدَة وثنتين فَثَلَاث، وَإِن نوى مَعَ الثِّنْتَيْنِ فَثَلَاث، وبثنتين فِي ثِنْتَيْنِ بنية الضَّرْب ثِنْتَانِ، وَإِن نوى الْوَاو أَو مَعَ كَمَا مر وَكَذَا يُقَال مثله فِي مَسْأَلَتنَا، فَلَو قَالَ لَهُ عَليّ عشرَة فِي عشرَة إِن نوى الضَّرْب بِأَن قَالَ نَوَيْت تَكْثِير الاجزاء لَا تلْزمهُ إِلَّا عشرَة، وَإِن نوى تَكْثِير الْعين لزمَه مائَة، وَإِن نوى الضَّرْب وَلم ينْو شَيْئا آخر لزمَه عشرَة حملا على نِيَّة الاجزاء كَمَا فِي الْوَلوالجِيَّة، وَهَذَا يَقْتَضِي ثُبُوت خلاف فِي هَذِه الصُّورَة وَنَحْوهَا، لَان ذَلِك عِنْد التجاحد، أما عِنْد الِاتِّفَاق فالامر ظَاهر كَمَا مر قَرِيبا تَأمل.

قَوْله: (تِسْعَة) أَي عِنْد الامام وَعِنْدَهُمَا عشرَة وَعند زُفَرُ ثَمَانِيَةٌ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدِّرْهَمَ الْأَوَّلَ وَالْآخَرَ حَدًّا وَالْحَدُّ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْغَايَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً إذْ الْمَعْدُومُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حدا للموجود ووجوده بِوُجُوبِهِ فَتَدْخُلُ الْغَايَتَانِ، وَلَهُ أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي المغيا لِأَنَّ الْحَدَّ يُغَايِرُ الْمَحْدُودَ، لَكِنْ هُنَا لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِ الْأُولَى لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الثَّانِيَ وَالثَّالِث لَا يتَحَقَّق بِدُونِ الاول، فَدخلت الْأُولَى ضَرُورَةً وَلَا ضَرُورَةَ فِي الثَّانِيَةِ.
دُرَرٌ.
وَفِي الْمنح: ولان الْعدَد يَقْتَضِي ابْتِدَاء، فَإِذا أخرجنَا الاول من أَن يكون ابْتِدَاء صَار الثَّانِي هُوَ الاول فَيخرج هُوَ أَيْضا من أَن يكون ابْتِدَاء كالاول، وَكَذَا الثَّالِث وَالرَّابِع الخ فَيُؤَدِّي إِلَى خُرُوج الْكل من أَن يكون وَاجِبا وَهُوَ بَاطِل اهـ.
وَالْمرَاد بالغاية الثَّانِيَة المتمم للمذكور، فالغاية فِي الْعشْرَة الْعَاشِر وَفِي الالف الآخر الاخير
وَهَكَذَا، فَمَا قَالَه أَبُو حنيفَة فِي الْغَايَة الاولى: اسْتِحْسَان، وَفِي الثَّانِيَة: قِيَاس، وَمَا قَالَاه فِي الغايتين اسْتِحْسَان، وَمَا قَالَه زفر فيهمَا قِيَاس كَمَا فِي قَاضِي زَاده.

قَوْله: (بِخِلَاف الثَّانِيَة) أَي مَا بعد إِلَى فَإِن للتسعة وجودا بِدُونِ الْعَاشِر فَلَا دَلِيل على دُخُوله فَلَا يدْخل بِالشَّكِّ.

قَوْله: (وَمَا بَين الحائطين) أَي بِخِلَاف مَا بَين الحائطين: أَي لَو قَالَ: لَهُ فِي دَاري من هَذَا الْحَائِط إِلَى هَذَا الْحَائِط فَإِنَّهُمَا لَا يدخلَانِ فِي الاقرار، لَان الْغَايَة لَا تدخل فِي المغيا فِي المحسوس وَلَا المبدأ، بِخِلَاف مَا تقدم، وَبِخِلَاف الْمَعْدُوم فَإِنَّهُ لَا يصلح حدا إِلَّا بِوُجُودِهِ ووجوده بِوُجُوبِهِ، وَمن ذَلِك لَو وضع بَين يَدَيْهِ عشرَة دَرَاهِم مرتبَة فَقَالَ مَا بَين هَذَا الدِّرْهَم إِلَى هَذَا الدِّرْهَم وَأَشَارَ إِلَيْهِمَا لفُلَان لم يدْخل الدرهمان تَحت الاقرار بالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي المنيع.

قَوْله: (فَلِذَا قَالَ) أَي لما كَانَ فِي الْمَعْدُود تدخل الْغَايَة الاولى دون الثَّانِيَة.
قَالَ: وَفِي لَهُ كرّ حِنْطَة الخ لَان الْكر مَعْدُود بالقفيز عَادَة، فَكَأَنَّهُ قَالَ من قفيز إِلَى تَمام القفزان من قفيزي حِنْطَة وشعير، فَتدخل الْغَايَة الاولى وَلَا يدْخل القفيز الاخير من كرّ الشّعير، لانه ذكر الشّعير بعد إِلَى فَيلْزمهُ كرّ حِنْطَة وكر شعير إِلَّا قَفِيزا.
قَالَ فِي الْمنح: لَان القفيز الاخير من الشّعير هُوَ الْغَايَة الثَّانِيَة، وَعِنْدَهُمَا: يلْزمه الكران.

قَوْله: (إِلَّا قَفِيزا) من شعير.
قَالَ الْقَدُورِيّ فِي التَّقْرِيب: قَالَ أَبُو حنيفَة: فَمن قَالَ لفُلَان عَليّ مَا بَين كرّ شعير إِلَى كرّ حِنْطَة لزمَه كرّ شعير وكر حِنْطَة إِلَّا قَفِيزا، وَلم يَجْعَل الْغَايَة جَمِيع الْكر لَان الْعَادة أَن الْغَايَة لَا تكون أَكثر الشئ وَلَا نصفه، وَالْكر عبارَة عَن جملَة من القفزان فَوَجَبَ أَن يصير الِانْتِهَاء

(8/253)


إِلَى وَاحِد مِنْهَا اهـ.
شلبي عَن الاتقاني.
وَمثل هَذَا يُقَال فِي مَسْأَلَة المُصَنّف.
وَنقل الشلبي أَيْضا عَن قاضيخان: لَو قَالَ لَهُ عَليّ بَين مائَة إِلَى مِائَتَيْنِ فِي قَول أبي حنيفَة: يلْزمه مائَة وَتِسْعَة وَتسْعُونَ فَتدخل فِيهِ الْغَايَة الاولى دون الثَّانِيَة.
وَلَو قَالَ من عشرَة دَرَاهِم إِلَى عشرَة دَنَانِير فَعنده تلْزمهُ الدَّرَاهِم وَتِسْعَة دَنَانِير، وَعِنْدَهُمَا الْكل.
ذكره الزَّيْلَعِيّ عَن النِّهَايَة وَانْظُر مَا وَجه لُزُوم الْكر من الشّعير إِلَّا قَفِيزا مَعَ أَنه جعل الْغَايَة نفس الْكر.

قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْغَايَةَ الثَّانِيَة لَا تدخل لعدم الضَّرُورَة، والغاية الاولى دَاخِلَة لضَرُورَة بِنَاء الْعدَد عَلَيْهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَايَةِ الثَّانِيَةِ الْمُتَمِّمُ لِلْمَذْكُورِ، فالغاية فِي إِلَى عشرَة الْعَاشِر، وَفِي إلَى أَلْفٍ الْفَرْدُ
الْأَخِيرُ، وَهَكَذَا عَلَى مَا يَظْهَرُ لِي.
قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: ذَكَرَ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى دِينَارٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الدِّينَارُ، وَفِي الْأَشْبَاهِ عَليّ من شَاة إِلَى بقرة لم يلْزمه شئ سَوَاء كَانَ بِعَيْنِه أَو لَا، وَرَأَيْت مَعْزِيًّا لِشَرْحِهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَهُمَا عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ مَا بَين دِرْهَم إِلَى دَرَاهِم فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَدِرْهَمَانِ عِنْدَ أبي يُوسُف، سائحاني.

قَوْله: (لَهُ مَا بَينهمَا فَقَط) أَي دون الحائطين لقيامهما بأنفسهما شرنبلالية عَن الْبُرْهَان، وَعلل الْمَسْأَلَة فِي الدُّرَر تبعا للزيلعي بقوله: لما ذكرنَا أَن الْغَايَة لَا تدخل فِي المغيا اهـ.
وَلَا يخفى مَا فِيهِ بِالنِّسْبَةِ للمبدأ لدُخُوله فِيمَا سبق، بِخِلَاف مَا هُنَا، وَلِهَذَا زَاد الْعَيْنِيّ على مَا اقْتصر عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيّ حَيْثُ قَالَ: لَان الْغَايَة لَا تدخل فِي المحسوس وَلَا المبدأ، بِخِلَاف مَا تقدم اهـ.
وقدمناه قَرِيبا
قَوْله: (لما مر) هُوَ لم يقدم لَهُ تعليلا، وَإِنَّمَا ذكر مُخَالفَته لقَوْله من دِرْهَم إِلَى عشرَة أَو بَين دِرْهَم إِلَى عشرَة، وَقد ذكره فِي الْمنح بقوله: بِخِلَاف مَا ذكر من المحسوس لانه مَوْجُود فيصلح حدا فَلَا يدخلَانِ اهـ.
والمحسوس هُوَ هَذِه الْمَسْأَلَة ط.

قَوْلُهُ: (وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْحَمْلِ) سَوَاءٌ كَانَ حَمْلَ أَمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا بِأَنْ يَقُولَ حَمْلُ أَمَتِي أَوْ حَمْلُ شَاتِي لِفُلَانٍ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ سَبَبًا، لِأَنَّ لِتَصْحِيحِهِ وَجْهًا وَهُوَ الْوَصِيَّةُ مِنْ غَيْرِهِ، كَأَنْ أَوْصَى رَجُلٌ بِحَمْلِ شَاةٍ مَثَلًا لِآخَرَ وَمَاتَ فَأَقَرَّ ابْنُهُ بِذَلِكَ فَحَمَلَ عَلَيْهِ.
حموي.
قَوْله (الْمُحْتَمل) اسْم فَاعل من احْتمل: أَي يَصح أَن يحمل عَلَيْهِ لفظ الْوُجُود فَيُقَال: هَذَا الْحمل مَوْجُود وَهُوَ أَعم من كَونه لانه مَاله أَولا، فَإِنَّهَا إِذا ولدت بعده لدوّنَ نصف حول كَانَ مَوْجُودا.
محققا ولدون حَوْلَيْنِ لَو مُعْتَدَّة غير مُحَقّق، لكنه مُمكن، وَيُمكن أَن يُقَال: إِنَّه مُحَقّق شرعا لثُبُوت نسبه.
كَذَا غير الْآدَمِيّ إِذا قدر بِأَدْنَى مُدَّة الْحمل المتصورة فِيهِ كَانَ محققا وجوده، فَلَو قَالَ الْمَعْلُوم وجوده أَو الْمُحْتَمل كَمَا فِي التَّبْيِين لَكَانَ أظهر، وَاسْتغْنى عَن التَّكَلُّف، وَاقْتصر على الْمَعْلُوم وجوده لما علم فِي مَسْأَلَة الْمُعْتَدَّة أَنه مَعْلُوم شرعا، وَلَعَلَّ أصل الْعبارَة كالتبيين فَسقط لفظ الْمَعْلُوم من قلم النَّاسِخ مَعَ أَنه يرد على قَوْله الْمُحْتَمل مَا لَو جَاءَت بِهِ الْمُزَوجَة لدوّنَ سنتَيْن، فَإِنَّهُ مُحْتَمل وجوده بِمَعْنى الامكان، مَعَ أَنه لَا يَصح الاقرار بِهِ حِينَئِذٍ فَتعين الِاقْتِصَار على قَوْلنَا لمعلوم وجوده، وَيدخل فِيهِ ولد الْمُعْتَدَّة لدوّنَ السنتين

(8/254)


كَمَا علمت.

قَوْله: (بِأَن تَلد) أَي الامة.

قَوْله: (لدوّنَ نصف حول لَو مُزَوّجَة) وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لما تقرر أَن أقل مُدَّة الْحمل سِتَّة أشهر، وأكثرها سنتَانِ، فَإِذا كَانَت مُزَوّجَة وَجَاءَت بِالْوَلَدِ لاقل من سِتَّة أشهر علم أَنه مَوْجُود وَقت الاقرار وَكَونه ابْن الزَّوْج لَا يمْنَع الاقرار بِهِ لغيره، لَان ولد الامة رَقِيق كَمَا فِي الدُّرَر.

قَوْله: (أَو لدوّنَ حَوْلَيْنِ لَو مُعْتَدَّة) أَي لَو كَانَت مُعْتَدَّة فَجَاءَت بِهِ لاقل من حَوْلَيْنِ يَصح الاقرار بِهِ للْعلم بِوُجُودِهِ وَقت الاقرار.

قَوْله: (لثُبُوت نسبه) أَي أَنه لما حكم الشَّارِع بِثُبُوت نسبه من الْمُطلق كَانَ حكما بِوُجُودِهِ وَقت الاقرار بِهِ.

قَوْله: (وَلَو الْحمل غير آدَمِيّ) كحمل الشَّاة مثلا بِأَن قَالَ حمل شاتي لفُلَان كَمَا مر بِشَرْط أَن يتَيَقَّن بِوُجُودِهِ وَقت الاقرار.

قَوْله: (ذَلِك) أَي الْحمل وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ، لَان الْموضع للاضمار.

قَوْلُهُ: (لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ) الِاسْتِدْرَاكُ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْكَلَامُ السَّابِقُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَة إِذْ لَا يلْزم فِيمَا ذكر.
مطلب: أقل مُدَّة الْحمل للآدمي وَغَيره
قَوْله: (أقل مُدَّة حمل الشَّاة الخ) سَيَأْتِي فِي كتاب الْوَصَايَا نقلا عَن الْقُهسْتَانِيّ أَن أقل مُدَّة الْحمل للآدمي سِتَّة أشهر، وللفيل أحد عشر، وللابل وللخيل وَالْحمير سَنَةٌ، وَلِلْبَقَرِ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ، وَلِلشَّاةِ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ، وَمثله الْمعز، وللسنور شَهْرَان، وللكلب أَرْبَعُونَ يَوْمًا وللطير إِحْدَى وَعِشْرُونَ يَوْمًا.

قَوْله: (وَصَحَّ لَهُ) أَي للْحَمْل الْمُحْتَمَلِ وُجُودُهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لدوّنَ نصف حول أَو لِسنتَيْنِ: أَي وَهِي زَوْجَة حَلَال وَأَبوهُ ميت، أما لَو جَاءَت بِهِ لِسنتَيْنِ وَأَبُو حَيّ ووطئ الام لَهُ حَلَال فالاقرار بَاطِل، لانه يُحَال بِالْعُلُوقِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، فَلَا يَثْبُتُ الْوُجُودُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا.
بَيَانِيَّةٌ وكفاية.

قَوْله: (إِن بَين سَببا صَالحا يتَصَوَّر للْحَمْل) أَي يتَصَوَّر ثُبُوته للْحَمْل: أَي بِأَن بَين سَببا صَالحا لثُبُوت الحكم لَهُ.

قَوْله: (كالارث وَالْوَصِيَّة) الْكَاف استقصائية لانحصار السَّبَب الصَّالح فيهمَا.

قَوْله: (فورثه) الْحمل واستهلكت من مَال الْمُورث ألفا مثلا.

قَوْله: (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يبين سَببا صَالحا بِأَن لم يبين سَببا أصلا، أَو بَين سَببا غير صَالح لَا يَصح الاقرار بل بلغو كَمَا يَأْتِي قَرِيبا.

قَوْله: (كَمَا يَأْتِي) أَي فِي قَوْله وَإِن فسره الخ.

قَوْله: (لاقل من نصف حول) أَي بِأَن كَانَت ذَات زوج أَو لاقل من سنتَيْن إِن كَانَت مُعْتَدَّة، فَإِن وَلدته لاكثر من سِتَّة أشهر لم يسْتَحق شَيْئا حموي.
وَمثله فِي ابْن الْكَمَال.

قَوْله: (وَإِن ولدت حيين) أَي ذكرين أَو انثيين.

قَوْله: (فَلَهُمَا) لَان مجموعهما هُوَ الْحمل وَهُوَ خبر لمبتدأ مَحْذُوف تَقْدِيره فالموروث أَو الْمُوصى بِهِ، وَقَوله نِصْفَيْنِ نصب على الْحَال من الضَّمِير فِي الْخَبَر: أَي فَهُوَ لَهما نِصْفَيْنِ.

قَوْله: (فَكَذَلِك) أَن نِصْفَانِ فِي الْوَصِيَّة، لَان المَال للْحَمْل وَهُوَ مجموعهما،، وَلَا أرجحية لاحدهما على الآخر فِيهِ.

قَوْله: (بِخِلَاف الْمِيرَاث) فَإِن فِيهِ للذّكر مثل

(8/255)


مثل حَظّ الانثيين.

قَوْله: (لوَرَثَة ذَلِك) لَا حَاجَة إِلَى اسْم الاشارة.

قَوْله: (الْمُوصي والمورث) عبارَة الْبَحْر: وَإِن ولدت مَيتا يرد إِلَى وَرَثَة الْمُوصي أَو وَرَثَة أَبِيه اهـ.
قَالَ الْعَلامَة الرَّمْلِيّ: أَقُول يَعْنِي إِذا قَالَ الْمقر أوصى لَهُ بِهِ فلَان ثمَّ ولد مَيتا فَإِنَّهُ يرد إِلَى وَرَثَة الْمُوصي الَّذِي قَالَ الْمقر: إِنَّه أوصى للْحَمْل، وَقَوله أَو وَرَثَة أَبِيه: يَعْنِي إِن قَالَ الْمقر مَاتَ أَبوهُ فورثه فَإِنَّهُ يرد إِلَى وَرَثَة أَبِيه إِن ولد مَيتا عملا بقول الْمقر فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.

قَوْله: (لعدم أَهْلِيَّة الْجَنِين) أَي لَان هَذَا الاقرار فِي الْحَقِيقَة لَهما: أَي للْمُوصي والمورث، وَإِنَّمَا ينْتَقل للجنين بعد وِلَادَته حَيا، وَلم ينْفَصل حَيا فَيكون لورثتهما كَمَا فِي الدُّرَر.
وَالْحَاصِل: أَن الْحمل لَا يكون أَهلا لَان يَرث وَيُورث، وَيسْتَحق الْوَصِيَّة إِلَّا إِذا خرج أَكْثَره حَيا.

قَوْله: (كَهِبَة) أَي للْحَمْل فَإِنَّهَا لَا تصح لَهُ لَان حكمهَا ثُبُوت الْملك للْمَوْهُوب لَهُ وَالْحمل لَا يملك
قَوْله: (أَو بيع أَو إقراض) بِأَن قَالَ الْحمل: بَاعَ مني أَو أَقْرضنِي دُرَر.
إِذْ لَا يتَصَوَّر شئ مِنْهُ من الْجَنِين لَا حَقِيقَة وَهُوَ ظَاهر، وَلَا حكما لانه لَا يُولى عَلَيْهِ.

قَوْله: (أَو أبهم الاقرار وَلم يبين سَببا) بِأَن قَالَ لحمل فُلَانَة كَذَا.

قَوْله: (لَغَا) أَي بَطل فَلَا يلْزمه شئ أَيْضا عِنْد أبي يُوسُف، لَان مُطلق الاقرار ينْصَرف إِلَى الاقرار بِسَبَب التِّجَارَة، وَلِهَذَا حمل إِقْرَار الْمَأْذُون وَأحد الْمُتَفَاوضين عَلَيْهِ فَيصير كَمَا إِذا صرح بِهِ وَلَا يَصح، فَكَذَا هَذَا.
دُرَر
قَوْله: (وَحمل مُحَمَّد الْمُبْهم على السَّبَب الصَّالح) لانه يحْتَمل الْجَوَاز وَالْفساد، ولان الاقرار إِذا صدر من أَهله مُضَافا إِلَى مَحَله كَانَ حجَّة يجب الْعَمَل بهَا، وَلَا نزاع فِي صدوره من أَهله لانه هُوَ الْمَفْرُوض وَأمكن إِضَافَته إِلَى مَحَله بِحمْلِهِ على السَّبَب الصَّالح حملا لكَلَام الْعَاقِل على الصِّحَّة، كَالْعَبْدِ الْمَأْذُون إِذا أقرّ بدين فَإِن إِقْرَاره وَإِن احْتمل الْفساد بِكَوْنِهِ صَدَاقا أَو دين
كَفَالَة وَالصِّحَّة بِكَوْنِهِ من التِّجَارَة كَانَ صَحِيحا تَصْحِيحا لكَلَام الْعَاقِل.
عناية وَأَبُو يُوسُف يُبطلهُ، لَان لجوازه وَجْهَيْن: الْوَصِيَّة، والارث، ولبطلانه وُجُوهًا وَلَيْسَ أَحدهمَا بِأولى من الآخر، فَحكم بِالْفَسَادِ، نَظِيره: لَو شرى عبدا بِأَلف ثمَّ قبل النَّقْد بَاعه وعبدا آخر من البَائِع بِأَلف وَخَمْسمِائة وقيمتهما سَوَاء فَإِنَّهُ يبطل، وَإِن أمكن جَوَازه بِأَن يَجْعَل الالف أَو أَكثر حِصَّة المُشْتَرِي، وَالْبَاقِي حِصَّة الآخر زَيْلَعِيّ.
وَفِيه نظر، إِذْ لَا نسلم أَن تعدد جِهَة الْجَوَاز توجب الْفساد لم لَا يَكْفِي فِي صِحَة الْحمل على الْجَوَاز صَلَاحِية فَرد من الْوَجْهَيْنِ، وَإِن لم يتَعَيَّن خُصُوصِيَّة، أَلا ترى أَن جَهَالَة نفس الْمقر بِهِ لَا تمنع صِحَة الاقرار اتِّفَاقًا فَكيف تمنعها جَهَالَة سَبَب الْمقر بِهِ.
حموي عَن قَاضِي زَاده، وَهَذَا تَرْجِيح مِنْهُ لقَوْل مُحَمَّد، وَيُقَوِّي بحث قَاضِي زَاده مَا ذكره فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة حَيْثُ قَالَ: وَلقَائِل أَن يَقُول قد تقدم من الزَّيْلَعِيّ فِي الاقرار بِالْمَجْهُولِ أَنه إِذا لم يبين السَّبَب يَصح، وَيحمل على أَنه وَجب عَلَيْهِ بِسَبَب تصح مَعَه الْجَهَالَة، فَمَا الْفرق بَينه وَبَين مَا ذكر هُنَا من عدم حمله على السَّبَب الْمُوجب للصِّحَّة، على قَول الْقَائِل بِهِ، وَفِي كل احْتِمَال الْفساد وَالصِّحَّة اهـ.
وَفِي التَّبْيِين: وَلَا يُقَال إِن ظَاهر إِقْرَار يَقْتَضِي الْوُجُوب، فَكيف يقدر على إِبْطَاله بِبَيَان سَبَب غير صَالح، والابطال رُجُوع عَن الاقرار، وَهُوَ يملك الرُّجُوع لانا نقُول لَيْسَ بِرُجُوع وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان

(8/256)


سَبَب يحْتَمل، لانه يحْتَمل أَن أحدا من أوليائه بَاعه مِنْهُ فَحسب أَن ذَلِك صَحِيح فَيقر بِهِ ويضيفه إِلَى الْجَنِين مجَازًا اهـ مُلَخصا.
ثمَّ على قَول مُحَمَّد: إِذا صَحَّ الاقرار مَعَ إِيهَام السَّبَب ثمَّ ولد الْحمل مَيتا أَو لم يُوجد حمل لمن يرد الْمقر بِهِ يُرَاجع.
وَأفَاد فِي الزَّيْلَعِيّ والعناية أَنه تحصل أَن للمسألة ثَلَاث صور: إِمَّا أَن يبهم الاقرار فَهُوَ على الْخلاف، وَإِمَّا أَن يبين سَببا صَالحا فَيجوز بالاجماع، وَإِمَّا أَن يبين سَببا غير صَالح فَلَا يجوز بالاجماع، فَإِن قيل: ظَاهر إِقْرَاره يَقْتَضِي الْوُجُوب، فَكيف يقدر على إِبْطَاله بِبَيَان سَبَب غير صَالح، والابطال رُجُوع وَهُوَ فِي الاقرار لَا يَصح؟ أُجِيب: بِأَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوع بل ظُهُور كذبه يبْقين كَمَا لَو قَالَ: قطعت يَد فلَان عمدا أَو خطأ وَيَد فلَان صَحِيحَة اهـ.
ثمَّ قَالَ المنلا عبد الْحَلِيم: وَقيل أَبُو حنيفَة مَعَ أبي يُوسُف، وَاخْتَارَ صَاحب الْهِدَايَة
قَول أبي يُوسُف على مَا هُوَ دأبه فِي تَرْتِيب الْمسَائِل، وَتَبعهُ صَاحب الْوِقَايَة حَيْثُ ترك قَول مُحَمَّد رَأْسا إِشَارَة إِلَى رُجْحَان قَول أبي يُوسُف، وَعَلِيهِ أَكثر الشُّرَّاح حَيْثُ قووا دَلِيله اهـ.
ثمَّ قَالَ: فَظهر أَن قَول أبي يُوسُف هُوَ الْمُخْتَار وَأقوى، وَإِن من قَالَ وَلم نظفر فِيمَا عِنْدِي من الْمُعْتَبرَات مَا يرجح قَول أَحدهمَا على قَول الآخر أظهر عدم تتبعه كَمَا لَا يخفى اهـ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ صَحِيحٌ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُقَرِّ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ، لَكِنَّ بُطْلَانَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِبْطَالِ كَمَا فِي الانقروي، وَأما الاقرار للصَّغِير فَلَا يتَوَقَّف على تَصْدِيقه، فَيصير الشئ الْمقر بِهِ لَهُ ملكا لَهُ بِمُجَرَّد الاقرار، وَلَا يَصح إِقْرَار الْمقر بعد ذَلِك للْغَيْر كَمَا قدمْنَاهُ عَن الْخَيْر الرَّمْلِيّ موضحا فَرَاجعه إِن شِئْت.

قَوْله: (لَان هَذَا الْمقر الخ) قَالَ الْعَلامَة الاتقاني: بِخِلَاف مَا لَو أقرّ لرضيع أَن عَلَيْهِ ألف دِرْهَم بِالْبيعِ أَو الاجارة، لَان الرَّضِيع من أهل أَن يسْتَحق الدّين بِهَذَا السَّبَب بِتِجَارَة وليه، لانه يتجر لَهُ إِن كَانَ لَا يتجر هُوَ بِنَفسِهِ، بِخِلَاف الْجَنِين اهـ.
أَي فَإِنَّهُ لَا يَلِي أحد عَلَيْهِ.
قَالَ بعض الْفُضَلَاء، الْفرق بَين الرَّضِيع وَالْحمل حَيْثُ جَازَ الاقرار للاول، وَإِن بَين أَنه قرض أَو ثمن مَبِيع، وَلم يجز للثَّانِي لانه لَا يتَصَوَّر البيع مَعَ الْجَنِين وَلَا يَلِي عَلَيْهِ أحد، بِخِلَاف الصَّغِير لثُبُوت الْولَايَة عَلَيْهِ فيضاف إِلَيْهِ عقد الْوَلِيّ مجَازًا، هَكَذَا فهمت من كَلَامهم اهـ.
أَقُول: وَجه فِي الْمُحِيط صِحَة الاقرار للصَّغِير وَإِن بَين سَببا غير صَالح بِأَنَّهُ أقرّ بِوُجُوب الدّين بِسَبَب، وَإِن لم يثبت لانه لَا يتَصَوَّر من الصَّبِي نفي الاقرار بِالدّينِ كَمَا لَو كذبه الْمقر لَهُ فِي السَّبَب بِأَن قَالَ لَك عَليّ ألف غصبا فَقَالَ الْمقر لَهُ بل دينا يلْزمه المَال وَإِن لم يثبت السَّبَب.
كَذَا هَذَا وَمثله فِي الْحَوَاشِي الحموية.

قَوْله: (فِي الْجُمْلَة أشباه) قَالَ محشيه الْحَمَوِيّ: يَعْنِي لَان البيع أَو الْقَرْض صدر من بعض أوليائه، فإضافته إِلَى الصَّغِير مجَاز انْتهى.

قَوْله: (أقرّ بشئ على أَنه بِالْخِيَارِ الخ) يَعْنِي بِأَن قَالَ لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم قَرْضٌ أَوْ غَصْبٌ أَوْ وَدِيعَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ قَائِمَة أَو مستهلكة على أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام منح.

قَوْله: (لزمَه بِلَا خِيَار) لوُجُود الصِّيغَة الملزمة.

قَوْله: (فَلَا يقبل الْخِيَار) لَان الْمَقْصُود من الْخِيَار هُوَ الْفَسْخ، وَلما لم يحْتَمل الاقرار وَالْفَسْخ لم يجز شَرط الْخِيَار لَهُ، وَلَزِمَه المَال، لانه إِن كَانَ صَادِقا فَهُوَ وَاجِب الْعَمَل بِهِ، وَإِن لم يخْتَر وَإِن كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ وَاجِب الرَّد فَلَا يتَغَيَّر بِاخْتِيَارِهِ وَعدم اخْتِيَاره، وَإِنَّمَا
تَأْثِير اشْتِرَاط الْخِيَار فِي الْعُقُود ليتخير من لَهُ الْخِيَار بَين فَسخه وإمضائه.
دُرَر وعناية.

(8/257)


فَإِن قيل: الاقرار يرْتَد بِالرَّدِّ وَهُوَ فسخ.
قُلْنَا: لَيْسَ بِفَسْخ للاقرار لانه رفع للشئ بعد ثُبُوته ورد الاقرار لَيْسَ رفعا لَهُ بعد ثُبُوته فِي حَقه، بل بَيَان أَنه غير ثَابت أصلا لانه يحْتَمل الصدْق وَالْكذب، فَإِذا كذبه الْمقر لَهُ ثَبت الْكَذِب فِي حَقه لانه إِقْرَار على نَفسه، وَإِذا صَحَّ التَّكْذِيب فِي حَقه ظهر أَن الاقرار لم يثبت من الاصل، بِخِلَاف البيع لانه تصرف يحْتَمل الْفَسْخ بعد وُقُوعه، لَان مَا هُوَ الْمَقْصُود مِنْهُ وَهُوَ الْملك مِمَّا يَنْفَسِخ بانفساخ البيع لانه ثَابت بِهِ، وَالْمَقْصُود من فسخ السَّبَب فسخ حكمه، فَإِذا كَانَ حكم السَّبَب مُحْتملا للْفَسْخ كَانَ السَّبَب كَذَلِك وَعَكسه.

قَوْله: (لم يعْتَبر تَصْدِيقه) الاولى حذفه، بل يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: فَإِنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ لِأَنَّ إِن وصلية فَلَا جَوَاب لَهَا ح: أَي بل جوابها مَفْهُوم من الْكَلَام السَّابِق، إِلَّا أَن يُقَال: هَذَا بَيَان لذَلِك الْمَفْهُوم فَلَا اعترا ض حِينَئِذٍ.

قَوْله: (إِلَّا إِذا أقرّ بِعقد) أَي بدين لزمَه بِسَبَب عقد الخ بِأَن يَقُول لَهُ عَليّ ألف ثمن مَبِيع بِخِيَار.

قَوْله: (وَقع بِالْخِيَارِ لَهُ) فَحِينَئِذٍ يثبت الْخِيَار لَهُ إِذا صدقه الْمقر لَهُ أَو أَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَة إِلَّا أَن يكذبهُ الْمقر لَهُ فَلَا يثبت الْخِيَار، وَكَانَ القَوْل قَول الْمقر لَهُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبا.
فَإِن قيل: إِن لم يقبل الاقرار الْفَسْخ فالسبب الَّذِي بِهِ وَجب المَال وَهُوَ التِّجَارَة تقبل.
فَيجب أَن يكون الْخِيَار مَشْرُوطًا فِي سَبَب الْوُجُود.
قُلْنَا: السَّبَب غير مَذْكُور، وَإِنَّمَا يعْتَبر مَذْكُورا ضَرُورَة صِحَة الاقرار، وَإِذا ثَبت مُقْتَضى صِحَّته اعْتبر مَذْكُورا فِي حَقه فَقَط دون صِحَة الْخِيَار، وَأما إِذا قَالَ عَليّ ألف ثمن مَبِيع بِخِيَار فَيصح إِن صدقه الْمقر لَهُ أَو برهن، لَان الْمقر بِهِ عقد يقبل الْخِيَار، وَهُوَ من الْعَوَارِض فَلَا بُد من التَّصْدِيق أَو الْبَيَان، وَإِن أقرّ بدين بِسَبَب كَفَالَة على أَنه بِالْخِيَارِ مُدَّة مَعْلُومَة، وَلَو طَوِيلَة جَازَ إِن صدقه، لَان الْكفَالَة تحْتَمل من الْجَهَالَة والخطر مَا لَا يحْتَملهُ البيع، فَإِذا جَازَ شَرطه فِيهِ فَفِيهَا أولى، ثمَّ لم يقدر فِيهَا لَان إِطْلَاق الْخِيَار فِي البيع يُنَافِي حِكْمَة الْملك الْمُطلق، وَحكم الْخِيَار منع السَّبَب من الْعَمَل وَحكم الْكفَالَة لُزُوم الدّين وَأَنه يَصح مُطلقًا ومقيدا.
مقدسي.

قَوْله: (لانه مُنكر) للخيار فِي العقد الَّذِي هُوَ من الْعَوَارِض وَالْقَوْل فِيهَا للْمُنكر.

قَوْلُهُ: (أَوْ قَصِيرَةً) الْأَوْلَى حَذْفُهَا كَمَا لَا يخفى.
حَلَبِيّ.
وَإِنَّمَا جَازَت الْكفَالَة مُطلقَة ومقيدة لَان حكمهَا هَاهُنَا
لُزُوم الدّين، وَهُوَ يَصح مُطلقًا ومقيدا فَلَا يكون اشْتِرَاط الْخِيَار كَذَلِك منافيا لَهَا، بِخِلَاف البيع فَلَا بُد من التَّوْقِيت فِيهِ بِثَلَاثَة، لَان إِطْلَاق الْخِيَار يُنَافِي حكم البيع، لَان حكمه الْملك الْمُطلق وَحكم الْخِيَار منع السَّبَب من الْعَمَل، وَبَينهمَا مُنَافَاة.
وَالْحَاصِل: أَنه كَمَا أَن البيع عقد يَصح فِيهِ شَرط الْخِيَار، وَلَا يُزَاد فِيهِ على ثَلَاثَة أَيَّام عِنْد الامام، وَالْكَفَالَة عقد أَيْضا يَصح فِيهِ شَرط الْخِيَار، وَيصِح اشْتِرَاطه مُدَّة طَوِيلَة أَو قَصِيرَة، لانها عقد تبرع يتوسع فِيهَا بعد أَن تكون الْمدَّة مَعْلُومَة، لَكِن قد صدر فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ والالف أَمر حَضْرَة السُّلْطَان نَصره الرَّحْمَن لسَائِر قُضَاته ونوابه فِي الممالك المحروسة بالحكم على قَول الصاحبين فِي امتداد خِيَار الشَّرْط أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام مُوَافقا لما فِي الْمَادَّة الثلاثمائة من الْجُزْء الاول من كتاب البيع من الاحكام العدلية حِين كنت فِي الآستانة الْعلية، ومتشرفا بتوظيفي بِتِلْكَ الجمعية العلمية بِأَمْر من حَضرته نَصره الله تَعَالَى بجمعها.

قَوْله: (إِذا صدقه) فَإِذا كذبه يلْزمه المَال من غير شَرط وَالْقَوْل لَهُ لانه

(8/258)


يَدعِي عَلَيْهِ التَّأْخِير وَهُوَ يُنكر.
إتقاني.

قَوْله: (لَان الْكفَالَة عقد أَيْضا) عِلّة للتشبيه الْمُسْتَفَاد من الْكَاف.

قَوْله: (بِخِلَاف مَا مر) أَي من قَوْله أقرّ بشئ كَمَا بَيناهُ.

قَوْله: (لانها أَفعَال) لَان الشئ الْمُقَرَّ بِهِ قَرْضٌ أَوْ غَصْبٌ أَوْ وَدِيعَةٌ عَارِية أَو قَائِمَة أَو مستهلكة، فالقرض وَمَا عطف عَلَيْهِ أَفعَال قد أخبر بوقوعها فَلَا يَصح فِيهَا شَرط الْخِيَار.

قَوْله: (الامر بِكِتَابَةِ الْإِقْرَارِ) بِخِلَافِ أَمْرِهِ بِكِتَابَةِ الْإِجَارَةِ وَأَشْهَدَ وَلم يجر عقد لَا تَنْعَقِد أشباه.

قَوْله: (إِقْرَار حكما) لَان الامر إنْشَاء والاقرار اختبار فَلَا يكونَانِ متحدين حَقِيقَة، بل المُرَاد أَن الامر بِكِتَابَة الاقرار إِذا حصل حصل الاقرار.
حَلَبِيّ عَن الدُّرَر.

قَوْلُهُ: (يَكُونُ بِالْبَنَانِ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالنُّونِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ: أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَتْنِ مِنْ قَبِيلِ الْإِقْرَارِ بِالْبَنَانِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ كَتَبَ أَمْ لَمْ يَكْتُبْ، وَبِدَلِيلِ مَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْبَنَانِ كَمَا يَكُونُ بِاللِّسَانِ رَجُلٌ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ ذِكْرَ حَقٍّ بِحَضْرَةِ قَوْمٍ أَوْ أَمْلَى عَلَى إنْسَانٍ لِيَكْتُبَ ثُمَّ قَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا لِفُلَانٍ كَانَ إقْرَارًا اهـ.
فَإِنَّ ظَاهِرَ التَّرْكِيبِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مِثَالٌ لِلْإِقْرَارِ بِالْبَنَانِ وَالثَّانِيَةَ لِلْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ، فَتَأَمَّلْ ح.
قَوْله: خطّ إقراري أَي الْخط الدَّال على إقراراي فالاضافة من
إِضَافَة الدَّال إِلَى الْمَدْلُول وَالدّلَالَة التزامية، وَفِي أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ مِنْ الْأَشْبَاهِ إذَا كَتَبَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَا تَحِلُّ الشَّهَادَةُ.
قَالَ الْقَاضِي النَّسَفِيُّ: إنْ كَتَبَ مُصَدَّرًا: يَعْنِي كَتَبَ فِي صَدْرِهِ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ لَهُ عَلَيَّ كَذَا أَوْ أَمَّا بَعْدُ فَلِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَشْهَدَ عَلَيَّ بِهِ، وَالْعَامَّةُ عَلَى خِلَافِهِ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ، وَلَوْ كَتَبَ وقرأه عِنْد الشُّهُود حلت، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُمْ، وَلَوْ كَتَبَ عِنْدَهُمْ وَقَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ، إنْ عَلِمُوا بِمَا فِيهِ كَانَ إقْرَارًا، وَإِلَّا فَلَا.
وَذَكَرَ الْقَاضِي ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا وَأَخْرَجَ خَطًّا وَقَالَ إنَّهُ خَطُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَذَا الْمَالِ فَأَنْكَرَ كَوْنَهُ خَطَّهُ فَاسْتَكْتَبَ وَكَانَ بَيْنَ الْخَطَّيْنِ مُشَابَهَةٌ ظَاهِرَة تدل على أَنهم خطّ كَاتب وَاحِد لَا يحكم عَلَيْهِ بِالْمَالِ فِي الصَّحِيحِ، لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ هَذَا خَطِّي وَأَنَا حَرَّرْتُهُ لَكِنْ لَيْسَ عَليّ هَذَا المَال، وثمة لَا يجب كَذَا هُنَا إلَّا فِي دَفْتَرِ السِّمْسَارِ وَالْبَيَّاعِ وَالصَّرَّافِ انْتهى.
وَمثله فِي الْبَزَّازِيَّة.
قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَفِي الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي أَنَّ لَهُ عَلَيَّ أَلْفًا أَوْ وَجَدْتُ فِي ذِكْرِي أَوْ فِي حِسَابِي أَو بخطي أَو قَالَ: كتبت بيَدي أَنه لَهُ عَلَيَّ كَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ قَالُوا فِي دَفْتَرِ الْبَيَّاعِ: إنَّ مَا وُجِدَ فِيهِ بِخَطِّ الْبَيَّاعِ فَهُوَ لَازِمٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَكْتُبُ إلَّا مَا عَلَى النَّاسِ لَهُ وَمَا لِلنَّاسِ عَلَيْهِ صِيَانَةً عَنْ النسْيَان، وَالْبناء على الْعَادة الظَّاهِرَة وَاجِب انْتهى.
فَقَدْ اسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ أَئِمَّتِنَا لَا يعلم بِالْخَطِّ يَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ، وَاسْتِثْنَاءُ دَفْتَرِ السِّمْسَارِ وَالْبَيَّاعِ لَا يَظْهَرُ، بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يُعْزَى إِلَى جمَاعَة من أَئِمَّة بَلخ وَأَن يُفِيد بِكَوْنِهِ فِيمَا عَلَيْهِ - وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ رد الطرطوسي الْعَمَل بِهِ مؤيد بِالْمذهبِ، فَلَيْسَ إِلَى غَيره نَذْهَب، وَانْظُر مَا تقدم فِي كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي وَمَا قدمْنَاهُ فِي الشَّهَادَات.
وَحَاصِل مَا تحرر فِي مَسْأَلَة الْخط: أَن عَامَّة عُلَمَائِنَا على عدم الْعَمَل بِهِ، إِلَّا مَا وجده القَاضِي فِي أَيدي الْقُضَاة الماضين وَله رسوم فِي دواوينهم: أَي السجلات، وَخط السمسار والبياع والصراف وَإِن لم

(8/259)


يكن معنونا ظَاهرا بَين النَّاس، وَكَذَلِكَ مَا يكْتب النَّاس فِيمَا بَينهم على أنفسهم فِي دفاترهم المحفوظة عِنْدهم بخطهم الْمَعْلُوم بَين التُّجَّار وَأهل الْبَلَد فَهُوَ حجَّة عَلَيْهِ وَلَو بعد مَوْتهمْ، وَكَذَلِكَ كتاب الامان
والبراءات السُّلْطَانِيَّة والدفتر الخاقاني كَمَا قدمنَا ذَلِك فِي الشَّهَادَات موضحا بأدلته فَرَاجعه.
وَمَشى فِي الْفَتَاوَى النعيمية فِي رَجُلٌ كَانَ يَسْتَدِينُ مِنْ زَيْدٍ وَيَدْفَعُ لَهُ ثمَّ تحاسبا على مبلغ دين تبقى لِزَيْدٍ بِذِمَّةِ الرَّجُلِ وَأَقَرَّ الرَّجُلُ بِأَنَّ ذَلِكَ آخِرُ كُلِّ قَبْضٍ وَحِسَابٍ ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ يُرِيدُ نَقْضَ ذَلِكَ وَإِعَادَةَ الْحِسَابِ فَهَلْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؟ الْجَوَابُ: نَعَمْ لِقَوْلِ الدُّرَرِ: لَا عذر لمن أقرّ اهـ.
وَفِيهَا فِي شَرِيكَيْ تِجَارَةٍ حَسَبَ لَهُمَا جَمَاعَةٌ الدَّفَاتِرَ فَتَرَاضَيَا وَانْفَصَلَ الْمَجْلِسُ وَقَدْ ظَنَّا صَوَابَ الْجَمَاعَةِ فِي الْحِسَابِ ثُمَّ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ فِي الْحساب لَدَى جمَاعَة أخر، فَهَل يرجع الصَّوَاب؟ الْجَوَابُ: نَعَمْ لِقَوْلِ الْأَشْبَاهِ: لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ فِي شَرِيكَيْ عِنَانٍ تَحَاسَبَا ثُمَّ افْتَرَقَا بِلَا إبْرَاءٍ أَوْ بَقِيَا عَلَى الشَّرِكَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ أَوْصَلَ لِشَرِيكِهِ أَشْيَاء من الشّركَة غير مَا تحسبا عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَلَا بَيِّنَةَ فَطَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمين على من أنكر؟ الْجَواب نعم اهـ.

قَوْله: (عدم اعْتِبَار مشابهة الخطين) هُوَ الصَّحِيح، فَإِذا ادّعى عَلَيْهِ حَقًا وَأظْهر خطّ يَده فاستكتب فَكتب فَإِذا الْخط يشبه الْخط لَا يقْضى عَلَيْهِ.
وَقَالَ بَعضهم: يقْضى عَلَيْهِ، وَمَشى عَلَيْهِ فِي الْمجلة فِي مَادَّة 7061 وَفِي 9061 وَفِي 0161 وَفِي 6381 وَفِي 7371 وَفِي 8371 وَفِي 9371، وَصدر الامر الشريف السلطاني بِالْعَمَلِ بِمُوجبِه إِذا كَانَ خَالِيا من الشُّبْهَة والتصنع والتزوير فَيعْمل بهَا، ككتاب الْقُضَاة والوقفية إِذا كَانَت مسجلة وسجلات الْقُضَاة والبراءات السُّلْطَانِيَّة والدفاتر الخاقانية ودفاتر التُّجَّار فِيمَا عَلَيْهِم والصكوك والقامبيالي والوصول، وَعلم الْخَبَر إِذا كَانَت بِخَط من عَلَيْهِ الدّين أَو إمضائه وختمه المعروفين، فَلَو لم تكن مَعْرُوفَة يسْتَكْتب عِنْد أهل الْخِبْرَة، فَإِذا وَافق الْخط الْخط وَكَانَا كخط وَاحِد يلْزم بِالْمَالِ، وَعَلِيهِ قَارِئ الْهِدَايَة وبموجبه صدر الامر السلطاني كَمَا علمت.

قَوْله: (وجحده الْبَاقُونَ) وَإِنْ صَدَّقُوا جَمِيعًا لَكِنْ عَلَى التَّفَاوُتِ كَرَجُلٍ مَاتَ عَن ثَلَاثَة بَنِينَ آلَافٍ فَاقْتَسَمُوهَا وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ أَلْفًا، فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى أَبِيهِمْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَصَدَّقَهُ الْأَكْبَرُ فِي الْكُلِّ وَالْأَوْسَطُ فِي الْأَلْفَيْنِ وَالْأَصْغَرُ فِي الْأَلْفِ أَخَذَ مِنْ الْأَكْبَرِ أَلْفًا وَمِنْ الْأَوْسَطِ خَمْسَة أَسْدَاس الالف وَمن الاصغر ثلث الالف عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: فِي الْأَصْغَرِ والاكبر كَذَلِك، وَفِي الاوسط يَأْخُذُ الْأَلْفَ، وَوَجْهُ كُلٍّ فِي الْكَافِي.
تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي كُلُّ مَا يُوجَدُ فِي تَذْكِرَةِ الْمُدَّعِي بِخَطِّهِ فَقَدْ التزمته لَيْسَ بِإِقْرَارِهِ، لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِشَرْطٍ لَا يُلَائِمُهُ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ من أَصْحَابنَا رَحِمهم الله تَعَالَى أَنَّ مَنْ قَالَ كُلُّ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَيَّ فُلَانٌ فَأَنَا مُقِرٌّ بِهِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا لِأَنَّهُ يُشْبِهُ وَعْدًا.
كَذَا فِي الْمُحِيطِ شرنبلالية.
فَرْعٌ: ادَّعَى الْمَدْيُونُ أَنَّ الدَّائِنَ كَتَبَ عَلَى قِرْطَاسٍ بِخَطِّهِ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَى فلَان ابْن فلَان أَبرَأته عَنهُ صَحَّ وَسَقَطَ الدَّيْنُ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ الْمَرْسُومَةَ الْمُعَنْوَنَةَ كَالنُّطْقِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْكِتَابَةُ بِطَلَبِ الدَّائِنِ أَوْ لَا بِطَلَبِهِ.
بَزَّازِيَّةٌ مِنْ آخر الرَّابِع عشر من

(8/260)


الدَّعْوَى.

قَوْله: (يلْزمه كل الدّين) أَي فِي قَول أَصْحَابنَا.
منح.

قَوْلُهُ: (وَقِيلَ حِصَّتُهُ) عَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلَ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ، وسيجئ أَيْضًا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَحَدُ الْوَرَثَةِ لَوْ أَقَرَّ بِالْوَصِيَّةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يَخُصُّهُ وِفَاقًا.
وَفِي مَجْمُوعَةِ مُنْلَا عَلِيٍّ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ: أَحَدُ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِالْوَصِيَّةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يَخُصُّهُ بالِاتِّفَاقِ، وَإِذا مَاتَ وَترك ثَلَاث بَنِينَ وَثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ كُلُّ ابْنٍ أَلْفًا فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِثلث مَاله وَصدقه أحد النين فَالْقِيَاسُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ مَا فِي يَدِهِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يُؤْخَذُ مِنْهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ، وَهُوَ قَول عُلَمَائِنَا رَحِمهم الله تَعَالَى لَنَا أَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِأَلْفٍ شَائِعٍ فِي الْكُلِّ ثُلُثُ ذَلِكَ فِي يَدِهِ وَثُلُثَاهُ فِي يَد شريكيه، فَمَا كَانَ إِقْرَارا فِيمَا يَده قبل وَمَا كَانَ إقْرَارًا فِي يَدِ غَيْرِهِ لَا يقبل، فَوَجَبَ أَن يسلم إلَى الْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ اهـ.

قَوْله: (دفعا للضَّرَر) أَي من الْمقر: أَي لانه إِنَّمَا أقرّ بِمَا تعلق بِكُل التَّرِكَة.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَهِدَ هَذَا الْمُقِرُّ مَعَ آخَرَ الخ) وَكَذَا لَوْ بَرْهَنَ الطَّالِبُ عَلَى هَذَا الْمُقِرِّ تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ، كَمَا فِي وَكِيلٍ قَبَضَ الْعين: لَوْ أَقَرَّ مَنْ عِنْدَهُ الْعَيْنُ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِقَبْضِهَا لَا يَكْفِي إقْرَارُهُ.
وَيُكَلَّفُ الْوَكِيلُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى إثْبَاتِ الْوَكَالَةِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ قبض ذَلِك، فَكَذَا هُنَا جَامع الْفُصُولَيْنِ وَفِيه خَ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ مَاتَ مورثك؟ فَإِن قَالَ نعم، فَحِينَئِذٍ يَسْأَلُهُ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ: فَلَوْ أَقَرَّ وَكَذَّبَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يُقْضَ بِإِقْرَارِهِ حَتَّى شَهِدَ هَذَا الْمُقِرُّ وَأَجْنَبِيٌّ مَعَهُ يُقْبَلُ، وَيُقْضَى عَلَى الْجَمِيعِ وَشَهَادَتُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَوْ نَكَلَ، فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
يُؤْخَذُ كُلُّ الدَّيْنِ مِنْ حِصَّةِ الْمُقِرِّ، لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِأَنَّ الدّين مقدم على إِرْثه.
وَقَالَ ث: وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدِي أَنْ يَلْزَمَهُ مَا يَخُصُّهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ تَابَعَهُمْ، وَهَذَا القَوْل أعدل وَأبْعد من الضَّرَر، وَلَوْ بَرْهَنَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَّا مَا يَخُصُّهُ وفَاقا انْتهى.
بَقِي مَا لَو برهن عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ بِدَيْنِهِ بَعْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ، فَهَل للدائن أَخذ كُلِّهِ مِنْ حِصَّةِ الْحَاضِرِ؟ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ: اخْتلفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ.
فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَأْخُذُ مِنْهُ إِلَّا مَا يَخُصُّهُ انْتهى مُلَخصا.

قَوْله: (وَبِهَذَا) أَي بِقبُول شَهَادَة الْمقر مَعَ آخر أَنه على الْمَيِّت.

قَوْله: (بِمُجَرَّد إِقْرَاره) إِذا لَو أقرّ وَلَزِمَه جَمِيع المَال ثمَّ شهد مَعَ آخر، وَقبلت شَهَادَته لزمَه بِقدر حِصَّته، فَيكون فِي شَهَادَته دفع مغرم عَن نَفسه، وَالشَّهَادَة كَذَلِك لَا تقبل فقبولها دَلِيل أَن إِقْرَاره الاول لَا يعْتَبر وَلَا يلْزمه بِهِ دين وَهُوَ مُشكل، فَإِن إِقْرَار الانسان حجَّة فِي حق نَفسه، وَالْقَضَاء فِيهِ مظهر لَا مُثبت، وَلَو جعل هَذَا الْفَرْع مخرجا على قَول الْفَقِيه لَكَانَ ظَاهرا لانه لم يدْفع بِهَذِهِ الشَّهَادَة مغرما عَن نَفسه ط.
قَالَ الباقاني: وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ فِي نَصِيبِهِ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ مَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ دفع المغرم عَنهُ.

قَوْله: (فلتحفظ هَذِه الزِّيَادَة) وَهِي كَون الاقرار غير مُلْزم إِلَّا بِالْقضَاءِ لما ذكرنَا، وَحَاصِل مَا يُقَال: إِنَّه إِذا ادّعى رجل دينا على ميت وَأقر بعض الْوَرَثَة بِهِ فَفِي قَول أَصْحَابنَا يُؤْخَذ من حِصَّة الْمقر جَمِيع الدّين.
قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث: هُوَ الْقيَاس، لَكِن الِاخْتِيَار عِنْدِي أَن يُؤْخَذ مِنْهُ مَا يَخُصُّهُ من الدّين، وَهَذَا القَوْل أبعد من الضَّرَر.
وَذكره شمس الائمة الْحلْوانِي أَيْضا.
وَقَالَ مَشَايِخنَا هُنَا: زِيَادَة شئ لم

(8/261)


تشْتَرط فِي الْكتب، وَهُوَ أَن يقْضِي القَاضِي عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ إِذْ بِمُجَرَّد الاقرار لَا يحل الدّين فِي نصِيبه، بل يحل بِقَضَاء القَاضِي، وَيظْهر ذَلِك بِمَسْأَلَة ذكرهَا فِي الزِّيَادَات، وَهِي أَن أحد الْوَرَثَة إِذا أقرّ بِالدّينِ ثمَّ شهد هُوَ وَرجل أَن الدّين كَانَ على الْمَيِّت فَإِنَّهَا تقبل وَتسمع شَهَادَة هَذَا الْمقر إِذا لم يقْض عَلَيْهِ القَاضِي بِإِقْرَارِهِ، فَلَو كَانَ الدّين يحل فِي نصِيبه بِمُجَرَّد إِقْرَاره لزم أَن لَا تقبل فِيهَا لما فِيهِ من الْغرم.
قَالَ صَاحب الزِّيَادَات: وَيَنْبَغِي أَن تحفظ هَذِه الزِّيَادَة فَإِن فِيهَا فَائِدَة عَظِيمَة.
كَذَا فِي الْعمادِيَّة.
لَكِن يشكل على هَذَا أَن إِقْرَار الانسان حجَّة فِي حق نَفسه وَالْقَضَاء فِيهِ مظهر لَا مُثبت كَمَا ذكرُوا، وَأَيْضًا فَإِن المَال يلْزمه بِمُجَرَّد الاقرار، وَالْقَضَاء إِنَّمَا يحْتَاج فِي الْبَيِّنَة، إِذْ لَا يتهم الْمَرْء فِيمَا أقرّ بِهِ على نَفسه، وَلِهَذَا لَو أقرّ بِمعين لانسان ثمَّ أقرّ بِهِ لآخر كَانَ للاول وَلَا شئ للثَّانِي، على أَنه يكون حِينَئِذٍ فِي عرضية أَن يقْضِي عَلَيْهِ فَلَزِمَ رد شَهَادَته، كَمَا ترد شَهَادَة أهل قَرْيَة وجد فِيهَا قَتِيل وَقد ادّعى وليه الْقَتْل على بَعضهم، فَلَو جعلُوا هَذَا الْفَرْع مخرجا على قَول الْفَقِيه لَكَانَ ظَاهرا لانه لم يدْفع بِهَذِهِ الشَّهَادَة مغرما عَن نَفسه، تَأمل.

قَوْلُهُ: (أَشْهَدَ عَلَى أَلْفٍ إلَخْ) نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ رِوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ لَيْسَ مَا فِي الْمَتْنِ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا.
إحْدَاهُمَا: أَنْ يَلْزَمَهُ الْمَالَانِ إنْ أَشْهَدَ فِي الْمَجْلِسِ.
الثَّانِي: عَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَإِنْ أَشْهَدَ غَيْرَهُمَا كَانَ المَال وَاحِدًا، وأخراهما أَنَّهُ إنْ أَشْهَدَ عَلَى كُلِّ إقْرَارٍ شَاهِدَيْنِ يَلْزَمُهُ الْمَالَانِ جَمِيعًا، سَوَاءٌ أَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ الثَّانِي الاولين أَو غَيرهمَا اهـ.
فلزوم الْمَالَيْنِ إِن أشهد فِي مجْلِس آخَرَيْنِ لَيْسَ وَاحِدًا مِمَّا ذُكِرَ، وَنُقِلَ فِي الدُّرَرِ عَنْ الْإِمَامِ الْأُولَى، وَأَبْدَلَ الثَّانِيَةَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَابَعَةً لَهُ، وَاعْتَرَضَهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ بِمَا ذَكَرْنَا، وَأَنَّهُ ابْتِدَاعُ قَوْلٍ ثَالِثٍ غَيْرِ مُسْنَدٍ إلَى أَحَدٍ وَلَا مَسْطُورٍ فِي الْكُتُبِ.
تَأمل.

قَوْلُهُ: (فِي مَجْلِسٍ آخَرَ) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَشْهَدَ أَوَّلًا وَاحِدًا وَثَانِيًا آخَرَ فِي مَوْطِنٍ أَوْ مَوْطِنَيْنِ فَالْمَالُ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ أَشْهَد عَلَى الْأَوَّلِ وَاحِدًا وَعَلَى الثَّانِي أَكْثَرَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَالْمَالُ وَاحِدٌ عِنْدَهُمَا، وَكَذَا عِنْده على الظَّاهِر.
منح.

قَوْله: (لزم المالان) اعْلَم أَنَّ تَكْرَارَ الْإِقْرَارِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِسَبَبٍ، أَوْ مُطْلَقًا، وَالْأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا بِسَبَبٍ مُتَّحِدٍ فَيَلْزَمُ مَالٌ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ، أَوْ بِسَبَبٍ مُخْتَلِفٍ فَمَالَانِ مُطلقًا، وَإِن كَانَ مُطلقًا إِمَّا بصك أَو لَا، وَالْأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا بِصَكٍّ وَاحِدٍ فَالْمَالُ وَاحِدٌ مُطْلَقًا، أَوْ بِصَكَّيْنِ فَمَالَانِ مُطْلَقًا وَأَمَّا الثَّانِي: فَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ يَلْزَمُ مَالَانِ عِنْدَهُ وَوَاحِدٌ عِنْدَهُمَا.
وَإِنْ كَانَ فِي مَوْطِنَيْنِ فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى الثَّانِي شُهُودَ الاول فمثال وَاحِدٌ عِنْدَهُ، إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمَطْلُوبُ هُمَا مَالَانِ، وَإِنْ أَشْهَدَ غَيْرَهُمَا فَمَالَانِ.
وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْهُ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ، وَهُوَ إنْ اتَّحد الشُّهُود فمالان عِنْده، وَإِلَّا فواجد عِنْدَهُمَا.
وَأَمَّا عِنْدَهُ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ مَالَانِ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ مَالٌ وَاحِدٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ السَّرَخْسِيُّ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيُّ: مَالَانِ، وَعَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيّ: وَاحِد، وَإِلَيْهِ ذهب شيخ الاسلام اهـ.
مُلَخصا من التاترخانية.
وَكُلُّ ذَلِكَ مَفْهُومٌ مِنْ الشَّرْحِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنا مَا فِي الْمَتْنِ رِوَايَةٌ مَنْقُولَةٌ، وَأَنَّ اعْتِرَاضَ الغرمية عَلَى الدُّرَرِ مَرْدُودٌ حَيْثُ جَعَلَهُ قَوْلًا مُبْتَدَعًا غَيْرَ مَسْطُورٍ فِي الْكُتُبِ مُسْتَنِدًا إلَى أَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ حَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ.

(8/262)


الْأُولَى: لُزُومُ مَالَيْنِ إنْ اتَّحَدَ الشُّهُودُ، وَإِلَّا فَمَال وَاحِد.
وَالثَّانيَِة: لُزُومُ مَالَيْنِ إنْ أَشْهَدَ عَلَى كُلِّ إقْرَارٍ شَاهِدين اتَّحد أَوْ لَا، وَقَدْ أَوْضَحَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فَرَاجعهَا، وَسَنذكر توضيحها قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فقد تحقق أَن كَلَام المُصَنّف هُنَا هُوَ مَا فِي الْخَانِية، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُخَالف مَا فِيهَا كَمَا لَا يخفى على من نظر فِيهَا.

قَوْله: (أَلفَانِ) بدل كل من قَوْله المالان.
قَالَ فِي الاشباه: وَإِذا تعدد الاقرار بموضعين لزمَه الشيئان، إِلَّا بالاقرار بِالْقَتْلِ بِأَن قَالَ قتلت ابْن فلَان ثمَّ قَالَ قتلت ابْن فلَان، وَكَذَا فِي العَبْد فَهُوَ إِقْرَار بِوَاحِد، إِلَّا أَن يكون سمى اسْمَيْنِ مُخْتَلفين، وَكَذَا التَّزْوِيج والاقرار بالجراحة فَهُوَ ثَلَاث، وَلَا يشبه الاقرار بِالْمَالِ فِي موضِعين اهـ.
قَالَ فِي الدُّرَر: هَذَا عِنْد أبي حنيفَة، لَكِن بِشَرْط مُغَايرَة الشَّاهِدين الآخرين للاولين فِي رِوَايَة وَشرط عدم مغايرتهما لَهما فِي أُخْرَى، وَهَذَا بِنَاء على أَن الثَّانِي غير الاول، وَعِنْدَهُمَا: لَا يلْزمه إِلَّا ألف وَاحِدَة لدلَالَة الْعرف على أَن تكْرَار الاقرار لتأكيد الْحق بِالزِّيَادَةِ فِي الشُّهُود اهـ.

قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ) وَلَوْ فِي مجْلِس وَاحِد.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: جَعَلَ الصِّفَةَ كَالسَّبَبِ حَيْثُ قَالَ: إنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ بِيضٍ ثُمَّ بِأَلْفٍ سُودٍ فَمَالَانِ، وَلَوْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ اخْتِلَافَ السَّبَبِ وَزَعَمَ الْمُقِرُّ اتِّحَادَهُ أَوْ الصَّكَّ أَوْ الْوَصْفَ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ، وَلَوْ اتَّحَدَ السَّبَبُ وَالْمَالُ الثَّانِي أَكْثَرُ يَجِبُ الْمَالَانِ، وَعِنْدَهُمَا يَلْزَم الْأَكْثَرُ.
سَائِحَانِيٌّ.

قَوْله: (بِخِلَاف مَا لَو اتَّحَدَ السَّبَبُ) بِأَنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ثَمَنُ هَذَا الْعَبْدِ، ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَهُ كَذَلِكَ فِي ذَلِك الْمجْلس أَو فِي غَيره.
منح.

قَوْله: (أَو الشُّهُود) هَذَا على مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ كَمَا عَلِمْتَهُ مِمَّا مر وَيَأْتِي، لَكِن قَالَ الطَّحَاوِيّ: هَذَا لم يُوَافق أحد الْقَوْلَيْنِ السَّابِقين، فَإِن القَوْل الاول حَاصله أَن اتِّحَاد الشُّهُود يُوجب
التَّعَدُّد وَاخْتِلَافهمْ لَا يُوجِبهُ، وَالثَّانِي اعْتبر اخْتِلَاف المواطن، فَتَأمل اهـ.
أَقُول: لَا يخفى عَلَيْك أَن مَا مر من التَّفْصِيل يُؤَيّد كَلَام الشَّارِح وَأَنه الِاسْتِحْسَان بِأَنَّهُ مَال وَاحِد، فَتَأمل.
وَيُؤَيِّدهُ مَا يَأْتِي قَرِيبا.
قَوْله: ثمَّ عِنْد القَاضِي) إِنَّمَا كَانَ وَاحِدًا لانه أَرَادَ بِإِقْرَارِهِ عِنْده تثبيته على نَفسه خوف مَوته أَو جحوده، وَكَذَا لَو كَانَ كل عِنْد القَاضِي فِي مجلسين ط أَقُول: وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ عَن الْمجلة صُدُور الامر الشريف السلطاني بِالْعَمَلِ بِمُوجبِه، وفيهَا أَيْضا فِي مَادَّة 1161، لَو كتب على نَفسه سندا وأمضاه أَو خَتمه على المرسوم الْمُتَعَارف كَمَا مر وَسلمهُ للدائن ثمَّ مَاتَ من عَلَيْهِ الدّين وَأنكر الْوَرَثَة الْخط وَالدّين: فَإِذا كَانَ خطه وختمه مشهورين ومعروفين بَين النَّاس يعْمل بِمُوجب السَّنَد، وَفِي مَادَّة 2161: لَو وجد عِنْد الْمَيِّت صرة نقود مَكْتُوب عَلَيْهَا بِخَط الْمَيِّت هَذِه أَمَانَة فلَان الْفُلَانِيّ ودراهمه من يَده تُؤْخَذ من التَّرِكَة وَلَا يحْتَاج لاثباتها إِذا كَانَ الْخط مَعْرُوفا بِأَنَّهُ خطه.

قَوْله: (أَو بعكسه) لانه يخبر عَمَّا لزمَه فِي مَجْلِسه.

قَوْله: (أَن الْمُعَرّف) كَمَا إِذا عين سَببا وَاحِدًا لِلْمَالِ فِي الاقرارين.

قَوْله: (أَو الْمُنكر) كَمَا إِذا أقرّ بِأَلف مُطلق عَن السَّبَب ثمَّ أقرّ بِأَلف ثمن هَذَا العَبْد.

قَوْله: (أَو مُنْكرا فَغَيره) كَمَا إِذا أقرّ بِأَلف ثمَّ بِأَلف أَو أقرّ بِأَلف ثمن عبد ثمَّ بِأَلف ثمن عبد، وَصُورَة إِعَادَة الْمُعَرّف مُنْكرا، مَا إِذا أقرّ بِأَلف ثمن هَذَا العَبْد ثمَّ أقرّ بِأَلف، وَالْمَسْأَلَة الاولى هِيَ

(8/263)


الخلافية، هَل يعْتَبر اتِّحَاد الشُّهُود أَو اتِّحَاد الموطن على الْقَوْلَيْنِ السَّابِقين، فكونه غيرا عِنْد التنكير على هَذَا التَّفْصِيل ط.

قَوْله: (وَلَو نسي الشُّهُود) أَي فِي صُورَة تعدد الاشهاد
قَوْله: (وَقيل وَاحِد) لَان المَال لَا يجب بِالشَّكِّ.

قَوْله: (وَتَمَامه فِي الْخَانِية) وَحَاصِله: أَن الصُّور أَربع: فِي اثْنَيْنِ يكون الثَّانِي عين الاول، وَفِي اثْنَيْنِ يكون غيرا، وَهَذَا كُله فِيمَا اتَّحد المالان أما إِذا اخْتلفَا قلَّة وَكَثْرَة فقد ذكره فِي الْمجمع والمنظومة.
وَعبارَة الْمجمع: وتعدد المشهد: أَي مَوضِع الاشهاد والشاهدين العدلين مُلْزم للمالين وَالزِّيَادَة بالاكثر إِن تَفَاوتا.
قَالَ شَارِحه: رجل أقرّ بِأَلف فِي مجْلِس وَأشْهد عَلَيْهِ شَاهِدين عَدْلَيْنِ، ثمَّ أقرّ فِي مجْلِس آخر
بِأَلف أَو أقل أَو أَكثر وَأشْهد عَدْلَيْنِ آخَرين.
قَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه المالان، وَقَالا: يلْزمه مَال وَاحِد إِن تَسَاويا، وَإِن تَفَاوتا لزمَه أكثرهما، لَان الاقرار إِخْبَار بِالْحَقِّ الثَّابِت والاخبار قد يُكَرر فَيكون الثَّانِي عين الاول، فَصَارَ كَمَا لَو أقرّ بهما فِي مجْلِس وَاحِد أَو أشهد عدلا وَاحِدًا فِي الاول أَو فاسقين، وَله أَنَّهُمَا إقراران مُخْتَلِفَانِ، وَالْمَال قد يجب وقتا بعد وَقت، وَالظَّاهِر أَن الثَّانِي غير الاول، على أَن النكرَة إِذا كررت لم يكن الثَّانِي عين الاول، إِلَّا إِذا أُعِيدَت معرفَة كَقَوْلِه تَعَالَى: * (كَمَا أرسلنَا إِلَى فِرْعَوْن رَسُولا) * (المزمل: 51 - 61) وَفِي الْكَافِي شرح الْمَنْظُومَة: من أقرّ على نَفسه لرجل بِمِائَة دِرْهَم مثلا فِي مَوضِع وَأشْهد شَاهِدين ثمَّ أقرّ وَأشْهد فِي مَوضِع آخر شَاهِدين على مائَة دِرْهَم أَو أقل أَو أَكثر فَعَلَيهِ المالان إِذا ادّعى الطَّالِب الْمَالَيْنِ، وَقَالا: عَلَيْهِ مَال وَاحِد، فَإِن تَفَاوتا فَعَلَيهِ أكثرهما، وَهَذَا إِذا لم يبين سَببا، فَإِن بَين السَّبَب متحدا بِأَن قَالَ فِي الْمَرَّتَيْنِ عَن هَذَا العَبْد يلْزمه مَال وَاحِد، وَإِن بَين سَببا مُخْتَلفا بِأَن قَالَ أَو لَا ثمن هَذَا العَبْد وَثَانِيا ثمن هَذِه الْجَارِيَة يلْزمه المالان، قيد: أَي صَاحب الْمجمع بِتَعَدُّد الاشهاد والمشهد، لانه إِذا اتَّحد أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا يلْزمه مَال وَاحِد اتِّفَاقًا، وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ ألف بل أَلفَانِ لزمَه أَلفَانِ.
وَقَالَ زفر: يلْزمه ثَلَاثَة اهـ.
وَالْحَاصِل: أَن هَذِه الْمَسْأَلَة على وُجُوه: لانه إِمَّا أَن يضيف إِقْرَاره إِلَى سَبَب أَو لَا.
والاول إِمَّا أَن يكون السَّبَب متحدا أَو مُخْتَلفا، فَإِن أضَاف إِلَى سَبَب وَاحِد بِأَن قَالَ لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم ثمن هَذَا العَبْد ثمَّ أقرّ بعد ذَلِك فِي ذَلِك الْمجْلس أَو مجْلِس آخر أَن لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم ثمن هَذَا العَبْد وَالْعَبْد وَاحِد لَا يلْزمه إِلَّا ألف وَاحِد على كل حَال فِي قَوْلهم جَمِيعًا، وَإِن كَانَ السَّبَب مُخْتَلفا بِأَن قَالَ لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم ثمن هَذِه الْجَارِيَة ثمَّ قَالَ لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم ثمن هَذَا العَبْد يلْزمه المالان فِي قَوْلهم أقرّ بذلك فِي موطن أَو موطنين.
وَالثَّانِي إِمَّا أَن يكْتب بِهِ صكا على نَفسه، فَإِن كَانَ الصَّك وَاحِدًا لزمَه مَال وَاحِد، وَإِن كَانَ كتب صكين وَأقر بِهَذَا ثمَّ بِهَذَا لزمَه المالان، وَنزل اخْتِلَافهمَا بِمَنْزِلَة اخْتِلَاف السَّبَب، وَإِن لم يكْتب صكا لكنه أقرّ مُطلقًا فَإِن تعدد الاقرار والاول عِنْد غير القَاضِي وَالثَّانِي عِنْده لزمَه مَال وَاحِد، وَكَذَا لَو كَانَ كل عِنْد القَاضِي لَكِن فِي مجلسين فَادّعى الطَّالِب مالين وَالْمَطْلُوب يَقُول إِنَّه وَاحِد فَالْقَوْل قَول الْمَطْلُوب، وَإِن تعدد الاقرار عِنْد غير القَاضِي: فَإِن أشهد على كل إِقْرَار فَردا فَالْمَال وَاحِد
عِنْد الْكل تعدد الْمجْلس أَو اخْتلف، وَإِن أشهد على الاول وَاحِدًا وَعلي الثَّانِي جمَاعَة فَالْمُعْتَمَد لُزُوم مَال

(8/264)


وَاحِد عِنْد الْجَمِيع، وَإِن أشهد على كل إِقْرَار شَاهِدين فَقَالَ الامام: يلْزمه مالان إِن لم يتَغَيَّر الشُّهُود، فَإِن تغيرُوا كَانَ المَال وَاحِدًا، فبعض الْمَشَايِخ قَالُوا: إِن كَانَ ذَلِك فِي موطنين وَأشْهد على إِقْرَاره شَاهِدين فَإِنَّهُ يلْزمه المالان جَمِيعًا، سَوَاء أشهد على قَالَ شمس الائمة الْحلْوانِي: كَذَا ذكره إِقْرَاره الثَّانِي الاولين أَو غَيرهمَا الْخصاف، وَالظَّاهِر أَن الْخلاف بَينهم فِيمَا إِذا كَانَ الاقراران فِي موطنين، أما إِذا كَانَ فِي موطن وَاحِد فَيكون المَال وَاحِدًا وَحَاصِله: أَن الصُّور الوفاقية والخلاقية ثَمَانِيَة: وَاحِدَة خلافية وَالْبَاقِي وفاقية، وَذَلِكَ لانه إِذا لم يبين السَّبَب وَاخْتلف الْمجْلس وَالشُّهُود لزم مالان عِنْده خلافًا لَهما، وَإِن اتَّحد الْمجْلس وَبِه صك فاللازم ألف وَاحِدَة اتِّفَاقًا، وَإِن كَانَ لَا صك فَفِي تَخْرِيج الْكَرْخِي أَلفَانِ، وَفِي تَخْرِيج الطَّحَاوِيّ ألف، وَإِن بَين السَّبَب: فَإِن كَانَ مُخْتَلفا فألفان، وَإِن متحدا فألف، وَكَذَا إِن اتَّحد الشُّهُود أَو اتَّحد الصَّك، وَإِن كَانَ صكان فَأشْهد عَلَيْهِمَا لزم مالان.
وَحَاصِل الصُّور الْعَقْلِيَّة اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ صُورَة، لانه لَا يَخْلُو: إِمَّا أَن لَا يبين السَّبَب، أَو يبين سَببا مُخْتَلفا أَو متحدا، فَهِيَ ثَلَاث، وَفِي كل: إِمَّا أَن يكون فِي مجْلِس أَو فِي مجلسين فَهِيَ سِتَّة، وَفِي كل: إِمَّا أَن تتحد الشُّهُود أَو تخْتَلف فَهِيَ اثْنَا عشر، وَفِي كل: إِمَّا أَن لَا يكون بِهِ صك أَو بِهِ صك وَاحِد أَو صكان فَهِيَ سِتَّة وَثَلَاثُونَ، وَفِي كل: إِمَّا أَن يتحدا المالان أَو يختلفا فَهِيَ اثْنَان وَسَبْعُونَ.
هَذِه خُلَاصَة مَا حَقَّقَهُ المحشون فِي هَذَا الْمحل فاغتنمه فَإِنَّهُ من فيض الْمُنعم الاجل.

قَوْلُهُ: (أَقَرَّ) أَيْ بِدَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا فِي شَتَّى الْفَرَائِض من الْكَنْز
قَوْله: (عِنْد الثَّانِي) وَعِنْدَهُمَا لَا يلْتَفت إِلَى قَوْله.

قَوْله: (وَبِه يُفْتى) وَهُوَ الْمُخْتَار.
بَزَّازِيَّة ظَاهره أَنَّ الْمُقِرَّ إذَا ادَّعَى الْإِقْرَارَ كَاذِبًا يَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْ وَارِثُهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ مُضْطَرًّا إلَى الْكَذِبِ فِي الْإِقْرَارِ أَوْ لَا.
قَالَ شَيخنَا: وَلَيْسَ كَذَلِك لما سَيَأْتِي من مَسَائِلَ شَتَّى قُبَيْلَ كِتَابِ الصُّلْحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَقَرَّ بِمَالٍ فِي صَكٍّ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ بِهِ ثمَّ ادّعى أَن بعض الْمَالِ الْمُقَرِّ بِهِ قَرْضٌ وَبَعْضَهُ رِبًا إلَخْ حَيْثُ نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ مَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُفْتَى بِقَوْلِ أبي يُوسُف، من أَنه يحلف الْمقر لَهُ أَنَّ الْمُقِرَّ مَا أَقَرَّ كَاذِبًا فِي كل صُورَةٍ يُوجَدُ فِيهَا اضْطِرَارُ الْمُقِرِّ إلَى الْكَذِبِ فِي الاقرار، أَبُو السُّعُود.
وَفِيه: أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَى هَذَا، لِأَنَّ الْعِبَارَةَ هُنَاكَ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ، فَقَوْلُهُ وَنَحْوِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ، كُلَّ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ مُطْلَقًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَبِهِ جزم المُصَنّف، فَرَاجعه اهـ.
أَقُول: وَقدمنَا شَيْئا مِنْهُ فِي شَتَّى الْقَضَاء وَسَيَأْتِي فِي شَتَّى الاقرار.

قَوْله: (دُرَر) نَصهَا: وَهُوَ اسْتِحْسَان، وَوَجهه أَن الْعَادة جرت بَين النَّاس أَنهم إِذا أَرَادوا الِاسْتِدَانَة يَكْتُبُونَ الصَّك قبل الاخذ ثمَّ يَأْخُذُونَ المَال، فَلَا يكون الاقرار دَلِيلا على اعْتِبَار هَذِه الْحَالة فَيحلف، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى لتغير أَحْوَال النَّاس، وَكَثْرَة الخداع والخيانات، وَهُوَ يتَضَرَّر وَالْمُدَّعِي لَا يضرّهُ الْيَمين إِن كَانَ صَادِقا فيصار إِلَيْهِ، وَعِنْدَهُمَا يُؤمر بِتَسْلِيم الْمقر بِهِ إِلَى الْمقر لَهُ، وَهُوَ الْقيَاس، لَان الاقرار حجَّة ملزمة شرعا كالبينة بل أولى لَان احْتِمَال الْكَذِب فِيهِ أبعد اهـ.
وَقَيده فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّة بِأَنَّهُ لم يصر مَحْكُومًا عَلَيْهِ بالاقرار.
فَإِن صَار مَحْكُومًا عَلَيْهِ بالاقرار لَا يحلف كَمَا هُوَ صَرِيح كَلَام الْبَزَّازِيَّة.

(8/265)


قَالَ فِي الْمنح: كَمَا فِي كثير من الْمُعْتَبرَات، وَعند أبي حنيفَة وَمُحَمّد: لَا يلْتَفت إِلَى قَوْله.
قَالَ فِي الْخَانِية بعد ذكر الْخلاف فِي كتاب الاقرار: فَإِذا كَانَ فِي الْمَسْأَلَة خلاف أبي يُوسُف وَالشَّافِعِيّ يُفَوض ذَلِك إِلَى رأى القَاضِي والمفتى.
ذكره فِي كتاب الدَّعْوَى فِي بَاب الْيَمين.

قَوْله: (فَيحلف) أَي الْمقر لَهُ أَنه لم يكن الْمُورث كَاذِبًا فِيمَا أقرّ وَبَعْضهمْ على إنَّهُ لَا يَحْلِفُ.
بَزَّازِيَّةٌ.
وَالْأَصَحُّ التَّحْلِيفُ.
حَامِدِيَّةٌ عَن صدر الشَّرِيعَة.

قَوْله: (وَإِن كَانَت الدَّعْوَى) أَي من الْمقر أَو من وَارثه.

قَوْله: (أَنا لَا نعلم) بدل مِمَّا قبله.

قَوْله: (إِنَّه كَانَ كَاذِبًا) إِذا لم يكن إِبْرَاء عَام، فَلَوْ كَانَ لَا تُسْمَعُ، لَكِنْ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ نجيم رِسَالَة أفتى فِيهَا بسماعها حاصلها: لَو أقرَّت امْرَأَة فِي صِحَّتهَا لبنتها بمبلغ معِين ثمَّ وَقع بَينهمَا إِبْرَاء عَامٌّ ثُمَّ مَاتَتْ فَادَّعَى الْوَصِيُّ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ تسمع دَعْوَاهُ، وَله تَحْلِيف الْبِنْت، وَلَا يَصح الْحُكْمِ قَبْلَ التَّحْلِيفِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِخِلَافِ الْمُفْتَى بِهِ، لَان الْإِبْرَاءَ هُنَا لَا يُمْنَعُ، لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَدَّعِي عدم لُزُوم شئ، بِخِلَافِ مَا إذَا
دَفَعَ الْمُقِرُّ الْمَالَ الْمُقَرَّ بِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي اسْتِرْجَاعَ الْمَالِ والبراءة مَانِعَة من ذَلِك.
أما الاولى: فَإِنَّهُ لم يدع استرجاع شئ وَإِنَّمَا يدْفع عَن نَفسه فَافْتَرقَا، وَالله تَعَالَى أعلم.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقَرَّ فَمَاتَ فَقَالَ وَرَثَتُهُ إنَّهُ أَقَرَّ كَاذِبًا فَلَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ وَالْمُقَرُّ لَهُ عَالِمٌ بِهِ لَيْسَ لَهُمْ تَحْلِيفُهُ، إذْ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُمْ بِمَالِ الْمُقِرِّ فَصَحَّ الْإِقْرَارُ، وَحَيْثُ تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ صَارَ حَقًّا لِلْمُقَرِّ لَهُ ص.
أَقَرَّ وَمَاتَ فَقَالَ وَرَثَتُهُ إِنَّه أقرّ تلجئة يحلف لَهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ أَقَرَّ لَك إقْرَارًا صَحِيحًا ط.
وَارِثٌ ادَّعَى أَنَّ مُوَرِّثَهُ أَقَرَّ تَلْجِئَةً: قَالَ بَعْضُهُمْ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ كَاذِبًا لَا يُقْبَلُ.
قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: يَقُولُ الْحَقِيرُ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَّحِدَ حُكْمُ الْمَسْأَلَتَيْنِ ظَاهِرًا إذْ الْإِقْرَارُ كَاذِبًا مَوْجُودٌ فِي التَّلْجِئَةِ أَيْضًا، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ التَّلْجِئَةَ أَنْ يُظْهِرَ أَحَدُ شَخْصَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا فِي الْعَلَنِ خِلَافَ مَا تَوَاضَعَا عَلَيْهِ فِي السِّرِّ، فَفِي دَعْوَى التَّلْجِئَةِ يَدَّعِي الْوَارِثُ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ فِعْلًا لَهُ، وَهُوَ تَوَاضُعُهُ مَعَ الْمُقِرِّ فِي السِّرِّ فَلِذَا يَحْلِفُ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِقْرَارِ كَاذِبًا كَمَا لَا يخفى على من أُوتِيَ فهما صافيا اهـ.
من أَوَاخِر الْفَصْل الْخَامِس عشر، وَالله تَعَالَى أعلم وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم.