قره عين الأخيار لتكملة رد المحتار علي «الدر المختار شرح تنوير الأبصار»

بَاب الِاسْتِثْنَاء
لما ذكر الاقرار بِلَا تَغْيِير شرع فِي بَيَان مُوجبه مَعَ التَّغْيِير بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالشّرط وَنَحْوه، وَهُوَ استفعال من الثني، وَهُوَ لُغَة: الصّرْف وَالرَّدّ، فالاستثناء صرف الْقَائِل: أَي رده عَن الْمُسْتَثْنى فَيكون حَقِيقَة فِي الْمُتَّصِل والمنفصل، لَان إِلَّا هِيَ الَّتِي عدت الْفِعْل إِلَى الِاسْم حَتَّى نصبته فَكَانَت بِمَنْزِلَة الْهمزَة فِي التَّعْدِيَة، والهمزة تعدِي الْفِعْل إِلَى الْجِنْس وَغير الْجِنْس حَقِيقَة وفَاقا، فَكَذَا مَا هُوَ بمنزلتها.
حموي.
وَاصْطِلَاحا: مَا ذكره الشَّارِح وَهُوَ مُتَّصِل وَهُوَ الاخراج، والتكلم بِالْبَاقِي ومنفصل وَهُوَ مَا لَا يَصح إِخْرَاجه كَمَا فِي الْعِنَايَة.

قَوْله: (وَمَا فِي مَعْنَاهُ) أَي مثل التَّعْلِيق بِمَشِيئَة الله، وَكَقَوْلِه لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم وَدِيعَة كَمَا هُوَ مُقَرر فِي كَلَامهم.
فتال.

قَوْله: (كالشرط نَحوه) أَي فِي كَونه مغيرا كالشرط وَهُوَ

(8/266)


الصّفة وَالْحَال، وَاعْترض قَاضِي زَاده على من قَالَ: وَهُوَ الشَّرْط بِأَنَّهُ يَقْتَضِي حصر مَا فِي مَعْنَاهُ فِي
الشَّرْط فَلَا يدْخل أَكثر مَا فِي هَذَا الْبَاب، فالاولى مَا فِي شرح تَاج الشَّرِيعَة والكفاية من قَوْله: كالشرط وَغَيره كَمَا عبر الشَّارِح، فَلَا غُبَار على عبارَة الشَّارِح حَيْثُ قَالَ وَنَحْوه، لانها بَيَان لما فِي قَول المُصَنّف وَمَا فِي مَعْنَاهُ، فَإِنَّهُ قد صرح بهَا بِمَا علم التزاما من كَاف التَّمْثِيل الْمشعر عَن الْكَثْرَة كَمَا هُوَ الْمَشْهُور بَين الْجُمْهُور، وَهَذَا الْجمع بَينهمَا قد وَقع من صَاحب الْمِفْتَاح فِي مَوَاضِع وَالْمرَاد بِنَحْوِ الشَّرْط مَا ذكرنَا، وَمَا سيجئ من إِقْرَاره بدين ثمن عبد غير عين وإنكاره قَبضه وَإِقْرَاره بِثمن مَتَاع وَبَيَانه بِأَنَّهُ زيوف وَنَحْوهمَا فَظهر أَن من فسر قَوْله وَمَا بِمَعْنَاهُ بقوله وَهُوَ الشَّرْط لم يصب لانه يُوهم الْحصْر كَمَا لَا يخفى.

قَوْله: (هُوَ عندنَا تكلم بِالْبَاقِي) أَي معنى لَا صُورَة.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ الثُّنْيَا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ وَفِي آخِرِهِ ألف مَقْصُورَة اسْم من الِاسْتِثْنَاء، وَكَذَلِكَ الثنوي بِالْفَتْح مَعَ الْوَاو وَفِي الحَدِيث من اسْتثْنى فَلهُ ثنياه.
أَي مَا اسْتَثْنَاهُ وَالْمرَاد بعد الثنيا: أَي بعد الْمُسْتَثْنى، فَيكون الِاسْتِثْنَاء عندنَا لبَيَان أَن الصَّدْر لم يتَنَاوَل الْمُسْتَثْنى، وَعند الشَّافِعِي إِخْرَاج بطرِيق الْمُعَارضَة.
قَالَ فِي شرح الْمنَار لِابْنِ ملك: فَصَارَ تَقْدِير قَول الرجل لفُلَان عَليّ ألف إِلَّا مائَة عندنَا لفُلَان عَليّ تِسْعمائَة، وَإنَّهُ لم يتَكَلَّم بالالف فِي حق لُزُوم الْمِائَة، وَعند الشَّافِعِي إِلَّا مائَة فَإِنَّهَا لَيست عَليّ فَإِن صدر الْكَلَام يُوجِبهُ وَالِاسْتِثْنَاء يَنْفِيه فتعارضا فتساقطا بِقدر الْمُسْتَثْنى اهـ.
وَاسْتشْكل الزَّيْلَعِيّ مَذْهَب الشَّافِعِي بِوُقُوعِهِ فِي الطَّلَاق وَالْعتاق، فَلَو كَانَ إخراجا بطرِيق الْمُعَارضَة لما صَحَّ، لَان الطَّلَاق وَالْعتاق لَا يحتملان، وَالرَّفْع بعد الْوُقُوع.
قَالَ: وَتظهر ثَمَرَة الْخلاف فِيمَا إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم إِلَّا مائَة أَو خمسين فعندنا يلْزمه تِسْعمائَة، لانه لما كَانَ تكلما بِالْبَاقِي وَكَانَ مَانِعا من الدُّخُول شككنا فِي الْمُتَكَلّم بِهِ، والاصل بَرَاءَة الذمم فَلَا يلْزمه الزَّائِد بِالشَّكِّ، فَصَارَ نَظِير مَا لَو قَالَ عَليّ تِسْعمائَة أَو تِسْعمائَة وَخَمْسُونَ فَإِنَّهُ يلْزمه الاقل، وَعِنْده: لما دخل الالف كُله صَار فِي الْمخْرج شكّ، فَيخرج الاقل وَهُوَ خَمْسُونَ وَالْبَاقِي على حَاله انْتهى.
لَكِن قَول الزَّيْلَعِيّ: فعندما يلْزمه تِسْعمائَة خلاف الاصح.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَإِذَا اسْتَثْنَى عَدَدَيْنِ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الشَّكِّ كَانَ الاقل مخرجا بحوله على ألف دِرْهَم إِلَّا مائَة أَو خمسين لزمَه تِسْعمائَة وَخَمْسُونَ على الاصح انْتهى.
كَذَا فِي حَاشِيَة أبي السُّعُود على مِسْكين.
أَقُول: لَكِن نقل الْمَقْدِسِي عَن متفرقات وَصَايَا الْكَافِي: أَن الْقَائِل بِأَن الْمُسْتَثْنى خَمْسُونَ الْعَامَّة، وَقَالَ مُحَمَّد: إِنَّه مائَة.
وَذكر فِي الظَّهِيرِيَّة والولوالجية أَن قَول مُحَمَّد رِوَايَة أبي حَفْص، وَتلك رِوَايَة سُلَيْمَان، وَفِي الدِّرَايَة صححها، وَصحح قاضيخان فِي شرح الزِّيَادَات رِوَايَة أبي حَفْص وَقَالَ: وَهُوَ الْمُوَافق لقواعد الْمَذْهَب، وَسَيَأْتِي للفرع تَتِمَّة.

قَوْله: (بِاعْتِبَار الْحَاصِل من مَجْمُوع التَّرْكِيب) هَذَا كالتأكيد لما قبله، فَإِن التَّكَلُّم بِالْبَاقِي بعد الثنيا لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِالنّظرِ لما بعد إِلَّا وَمَا قبلهَا، فالمتحصل من مَجْمُوع لَهُ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة لَهُ عَليّ سَبْعَة.
قَالَ فِي الْبَحْر: لَا حكم فِيمَا بعد إِلَّا بل مسكوت عَنهُ عِنْد عدم الْقَصْد كَمَسْأَلَة الاقرار فِي قَول لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة لفهم أَن الْغَرَض الاثبات فَقَط، فنفي الثَّلَاثَة إِشَارَة لَا عبارَة، وَإِثْبَات السَّبْعَة عَكسه، وَعند الْقَصْد يثبت لما بعْدهَا نقيض مَا قبلهَا ككلمة التَّوْحِيد نفي وَإِثْبَات قصدا فالاستثناء تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ مِنْ مَجْمُوع التَّرْكِيب، وَنفي وَإِثْبَات بِاعْتِبَار الاجزاء اهـ.
فالباقي

(8/267)


والثنيا هما عين النَّفْي والاثبات، فَلَو صدر بِالنَّفْيِ لم يكن مقرا بشئ كَمَا لَو قَالَ لَيْسَ لَهُ عَليّ سَبْعَة كَمَا فِي التَّنْقِيح.
قَالَ: فَأصل هَذَا يُفِيد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله لَا يُفِيد التَّوْحِيد مَعَ أَنهم أَجمعُوا على الافادة.
الْجَواب، أَن إلهنا مُتَّفق على وُجُوبه ثمَّ قُلْنَا بِنَفْي غَيره، وَقد أَفَادَهُ هَذَا التَّرْكِيب وَبِهَذَا الِاعْتِبَار أَفَادَ التَّوْحِيد.

قَوْله: (باعبتار الاجزاء) أَي اللفظية فصدر الْجُمْلَة الاستثنائية نفي وعجزها إِثْبَات أَو بِالْعَكْسِ ط.

قَوْله: (فالقائل لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة) أَي فالمقر بسبعة.

قَوْله: (لَهُ عبارتان)
قَوْله: (وَهَذَا) الظَّاهِر أَنه رَاجع إِلَى قَول المُصَنّف هُوَ تكلم بِالْبَاقِي الخ وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ حِينَئِذٍ: أَي إِلَى.
قَوْله بِاعْتِبَار الْحَاصِل من مَجْمُوع التَّرْكِيب ط.
أَقُول: هَذَا إِشَارَة إِلَى مَا ذكره الاصوليون فِي الِاسْتِثْنَاء.
قَالَ فِي التَّنْقِيح وَشَرحه: وَاخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة عمل بَيَان التَّغْيِير، فَفِي قَوْله: لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة لَا يَخْلُو، أما إِن أطلق الْعشْرَة على السَّبْعَة فَحِينَئِذٍ قَوْله إِلَّا ثَلَاثَة يكون بَيَانا لهَذَا، فَهُوَ كَأَن قَالَ لَيْسَ عَليّ ثَلَاثَة مِنْهَا، فَيكون كالتخصيص بالمستقل، أَو أطلق الْعشْرَة على عشرَة أَفْرَاد ثمَّ أخرج لَهُ ثَلَاثَة بِحكم، وَهَذَا تنَاقض وَإِن كَانَ بعد الاقرار وَلَا أَظُنهُ مَذْهَب أحد أَو قبله، ثمَّ حكم على الْبَاقِي أَو أطلق
عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة على السَّبْعَة فَكَأَنَّهُ قَالَ عَليّ سَبْعَة، فَحصل ثَلَاثَة مَذَاهِب، فعلى هذَيْن: أَي المذهبين الآخرين يكون الِاسْتِثْنَاء تكلما بِالْبَاقِي فِي صدر الْكَلَام بعد الثنيا: أَي الْمُسْتَثْنى، فَفِي قَوْله لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة صدر الْكَلَام عشرَة والثنيا ثَلَاثَة، وَالْبَاقِي فِي صدر الْكَلَام بعد الْمُسْتَثْنى سَبْعَة فَكَأَنَّهُ تكلم بالسبعة وَقَالَ لَهُ عَليّ سَبْعَة، وَإِنَّمَا قُلْنَا على الآخرين تكلم بِالْبَاقِي بعد الثنيا، أما على الْمَذْهَب الآخير فلَان عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة مَوْضُوعَة للسبعة فَيكون تكلما بالسبعة، وَأما على الْمَذْهَب الثَّانِي فُلَانُهُ أخرج الثَّلَاثَة قبل الحكم من إِفْرَاد الْعشْرَة ثمَّ حكم على السَّبْعَة، فالتكلم فِي حق الحكم يكون بالسبعة: أَي يكون الحكم على السَّبْعَة فَقَط لَا على الثَّلَاثَة لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بالاثبات اهـ.
فرع: لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا سَبْعَة إِلَّا خَمْسَة إِلَّا ثَلَاثَة إِلَّا درهما، فطريقه أَن يخرج الاخير وَهُوَ الدِّرْهَم مِمَّا يَلِيهِ يبْقى دِرْهَمَانِ، ثمَّ تخرجهما مِمَّا بَينهمَا وَهُوَ الْخَمْسَة يبْقى ثَلَاثَة فأخرجها من السَّبْعَة يبْقى أَرْبَعَة فأخرجها من الْعشْرَة يبْقى سِتَّة.
سائحاني.

قَوْله: (وَشرط فِيهِ) أَي فِي اعْتِبَاره شرعا.

قَوْله: (الِاتِّصَال بالمستثنى مِنْهُ) لَان تَمام الْكَلَام بِآخِرهِ، وَإِذا انْقَطع فقد تمّ.
عَيْني.
وَنقل عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا جَوَاز التَّأْخِير.
دُرَر.
قَالَ أَبُو السُّعُود فِي حَاشِيَته عَليّ مِسْكين عِنْد قَوْله وَكَذَا إِن كَانَ مَفْصُولًا: بَطل الِاسْتِثْنَاء خلافًا لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا اسْتدلَّ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: وَالله لاغزون قُريْشًا، ثمَّ قَالَ بعد سنة: إِن شَاءَ الله قُلْنَا: هُوَ مغير والمغير لَا يَصح إِلَّا مُتَّصِلا كالشرط، واستثناء النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ لامتثال أمره تَعَالَى بِقدر الامكان فَلَا يمْنَع الِانْعِقَاد.
زَيْلَعِيّ.
وَقَوله لامتثال أمره تَعَالَى يَعْنِي قَوْله تَعَالَى: * () * (الْكَهْف: 32 - 42) .

قَوْله: (لانه للتّنْبِيه) أَي تَنْبِيه الْمُنَادِي لما يلقى إِلَيْهِ من الْكَلَام.

قَوْله: (والتأكيد) بِتَعْيِين الْمقر لَهُ فَصَارَ من الاقرار، لِأَنَّ الْمُنَادَى هُوَ الْمُخَاطَبُ، وَمُفَادُهُ لَوْ كَانَ

(8/268)


الْمُنَادِي غير الْمقر لَهُ يضر.
نَقله الْحَمَوِيّ عَنْ الْجَوْهَرَةِ.
وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا.
لَكِنْ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَا فُلَانُ إلَّا عَشَرَةً كَانَ جَائِزًا، لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْإِخْبَارِ لِشَخْصٍ خَاصٍّ، وَهَذَا صيغته فَلَا يعد فاصلا اهـ.
تَأمل.
قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: لِأَنَّ النِّدَاءَ لِتَنْبِيهِ الْمُخَاطَبِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِتَأْكِيدِ الْخِطَابِ وَالْإِقْرَارِ، فَصَارَ مِنْ
الْإِقْرَارِ اهـ.
ثمَّ اعْلَم أَن الملائم للاقرار لَا يمْنَع الاتصاف وَغير الملائم يمنعهُ، فَمن قبيل الاول التنفس والسعال وَأخذ الْفَم وَنَحْوهَا فَإِنَّهَا لَا تفصل الِاسْتِثْنَاء، وَكَذَا النداء سَوَاء كَانَ مُفردا نَحْو يَا فلَان أَو مُضَافا نَحْو يَا ابْن فلَان، سَوَاء كَانَ المنادى مقرا لَهُ أَو غَيره نَحْو لَك عَليّ مائَة دِرْهَم يَا فلَان أَو يَا ابْن فلَان إِلَّا عشرَة، وَنَحْو قَوْلك لزيد عَليّ مائَة دِرْهَم يَا عَمْرو إِلَّا عشرَة من قبيل الثَّانِي مَا لَو هلل أَو سبح أَو كبر أَو قَالَ فَاشْهَدُوا، فَإِن كلا مِنْهَا جعل فاصلا كَمَا فِي الْغَايَة والظهيرية، وَبَاقِي التَّفْصِيل فِي تنوير تَلْخِيص الْجَامِع الْكَبِير فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء يكون على الْجمع.

قَوْله: (وَلَو الاكثر عِنْد الاكثر) أَي وَلَو أَكثر من النّصْف عِنْد أَكثر النُّحَاة.
قَالَ الْفراء: اسْتثِْنَاء الاكثر لَا يجوز لَان الْعَرَب لم تَتَكَلَّم بِهِ، وَالدَّلِيل على جَوَازه قَوْله تَعَالَى: * () * (المزمل: 2 - 3 - 4) وَقَوله تَعَالَى: * ((15) إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك من الغاوين) * (الْحجر: 24) فاستثنى المخلصين تَارَة والغاوين أُخْرَى، فَأَيّهمَا كَانَ أَكثر لزمَه وَلَا تمنع صِحَّته وَإِن لم تَتَكَلَّم بِهِ الْعَرَب إِذا كَانَ مُوَافقا لطريقهم كاستثناء الكسور لم تَتَكَلَّم بِهِ الْعَرَب، وَهُوَ صَحِيح لَكِن يدل على تكلم الْعَرَب بِهِ وردوه فِي الْقُرْآن كَمَا سَمِعت النَّص الْكَرِيم.
وَقَالَ الشَّاعِر: أَدّوا الَّتِي نقصت تسعين من مائَة ثمَّ ابْعَثُوا حكما بِالْعَدْلِ حكام اسْتثْنى تسعين من مائَة وَإِن لم يكن بأداته لانه فِي مَعْنَاهُ.
وَقَالَ صَاحب النِّهَايَة: وَلَا فرق بَين اسْتثِْنَاء الاقل والاكثر وَإِن لم تَتَكَلَّم بِهِ الْعَرَب، وَلَا يمْنَع صِحَّته إِذا كَانَ مُوَافقا لطريقهم.
وَعَن أبي يُوسُف وَهُوَ قَول مَالك وَالْفراء: لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء إِلَّا إِذا كَانَ الْبَاقِي أَكثر كَمَا فِي مِسْكين.

قَوْله: (وَالِاسْتِثْنَاء الْمُسْتَغْرق بَاطِل وَلَو فِيمَا يقبل الرُّجُوع) قَالَ فِي الْمنح: لما تقرر من أَنه تكلم بالحاصل بعد الثنيا، وَلَا حَاصِل بعد الْكل فَيكون رُجُوعا.
وَالرُّجُوع عَن الاقرار بَاطِل مَوْصُولا كَانَ أَو مَفْصُولًا.
كَذَا فِي الْعِنَايَة وَغَيرهَا، لَكِن مُقْتَضى هَذَا الْكَلَام صِحَة اسْتثِْنَاء الْكل من الْكل فِيمَا يقبل الرُّجُوع، وَلَيْسَ كَذَلِك وَمن ثمَّ قلت: وَلَو فِيمَا يقبل الرُّجُوع كوصية.
قَالَ فِي الْجَوْهَرَة: وَاخْتلفُوا فِي اسْتثِْنَاء الْكل، فَقَالَ بَعضهم: هُوَ رُجُوع لانه يبطل كل الْكَلَام، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ اسْتثِْنَاء فَاسد وَلَيْسَ بِرُجُوع

(8/269)


وَهُوَ الصَّحِيح، لانهم قَالُوا فِي الْمُوصي: إِذا اسْتثْنى جَمِيع الْمُوصى بِهِ بَطل الِاسْتِثْنَاء وَالْوَصِيَّة صَحِيحَة، وَلَو كَانَ رُجُوعا لبطلت الْوَصِيَّة لَان الرُّجُوع فِيهَا جَائِز اهـ.

قَوْله: (هُوَ الصَّحِيح) على خلاف مَا فِي الدُّرَر حَيْثُ قَالَ: لانك قد عرفت أَنه تكلم بِالْبَاقِي بعد الثنيا، وَلَا بَاقِي بعد الْكل فَيكون رُجُوعا وَالرُّجُوع بعد الاقرار بَاطِل مَوْصُولا كَانَ أَو مَفْصُولًا.

قَوْله: (بِعَين لفظ الصَّدْر) كنسائي طَوَالِق إِلَّا نسَائِي وكعبيدي أَحْرَار إِلَّا عَبِيدِي.

قَوْله: (أَو مساويه) نَحْو نسَائِي طَوَالِق إِلَّا زوجاتي أَو عَبِيدِي أَحْرَار إِلَّا مماليكي.
قَالَ فِي الْمنح نقلا عَن الْعِنَايَة معزيا إِلَى الزِّيَادَات: اسْتثِْنَاء الْكل من الْكل إِنَّمَا لَا يَصح إِذا كَانَ الِاسْتِثْنَاء بِعَين ذَلِك اللَّفْظ، أما إِذا كَانَ بِغَيْر ذَلِك فَيصح كَمَا إِذا قَالَ نسَائِي طَوَالِق إِلَّا نسَائِي لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء، وَلَو قَالَ إِلَّا عمْرَة وَزَيْنَب وسعاد حَتَّى أَتَى على الْكل صَحَّ.
قيل وَتَحْقِيق ذَلِك إِن الِاسْتِثْنَاء إِذا وَقع بِغَيْر اللَّفْظ الاول أمكن جعله تكلما بالحاصل بعد الثنيا، لانه إِنَّمَا صَار كلا ضَرُورَة عدم ملكه فِيمَا سواهُ لَا لامر يرجع إِلَى اللَّفْظ الاول، فبالنظر إِلَى ذَات اللَّفْظ أمكن أَن يَجْعَل الْمُسْتَثْنى بعض مَا تنَاوله الصَّدْر والامتناع من خَارج، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ بِعَين ذَلِك اللَّفْظ، فَإِنَّهُ لم يُمكن جعله تكلما بالحاصل بعد الثنيا، فَإِن قيل: هَذَا مرجع جَانب اللَّفْظ على الْمَعْنى وإهمال الْمَعْنى رَأْسا فَمَا وَجه ذَلِك؟ أُجِيب بِأَن الِاسْتِثْنَاء تصرف لَفْظِي: أَلا ترى أَنه إِذا قَالَ أَنْت طَالِق سِتّ تَطْلِيقَات إِلَّا أَرْبعا صَحَّ الِاسْتِثْنَاء وَوَقع تَطْلِيقَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ السِّتُّ لَا صِحَّةَ لَهَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاث وَمَعَ هَذَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَرْبعا فَكَانَ اعْتِبَاره أولى انْتهى.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ بِغَيْرِهِمَا) بِأَنْ يَكُونَ أَخَصَّ مِنْهُ فِي الْمَفْهُوم، لَكِن فِي الْوُجُود يُسَاوِيه.

قَوْله: (إِذْ الشَّرْط إِيهَام الْبَقَاءِ) أَيْ بِحَسَبِ صُورَةِ اللَّفْظِ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تصرف لَفْظِي فَلَا يضر إهمال الْمَعْنى، أَفَادَهُ المُصَنّف.

قَوْله: (وَوَقع ثِنْتَانِ) وَإِن كَانَ السِّتَّة لَا صِحَّةَ لَهَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ، وَمَعَ هَذَا لَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا أَرْبعا، فَكَانَ اعْتِبَار اللَّفْظ أولى كَمَا فِي الْعِنَايَة وَهَذَا مَبْنِيّ على أَن الِاسْتِثْنَاء من جملَة الْكَلَام السَّابِق، لَا من جملَة الْكَلَام الَّذِي يحكم بِصِحَّتِهِ، فَإِن الْكَلَام السَّابِق سِتّ
والاربع بعضه فَلم يكن مُسْتَغْرقا، وَلَو جَعَلْنَاهُ اسْتثِْنَاء من الْكَلَام الَّذِي يحكم بِصِحَّتِهِ لَكَانَ مُسْتَغْرقا فَيبْطل الْكَلَام الَّذِي يحكم بِصِحَّتِهِ لَو طَلقهَا سِتا فَثَلَاث لانه غَايَة الطَّلَاق والاربع تزيد عَلَيْهَا.
وَالشَّارِح جعله غَايَة لكَونه شَرط الِاسْتِثْنَاء أَن يكون بِلَفْظ الصَّدْر أَو مساويه، والاربعة لَيست بِلَفْظ السِّت وَلَا مُسَاوِيَة لَهَا بل بَعْضهَا فصح اسْتِثْنَاؤُهُ، لَان الثِّنْتَيْنِ لَهَا عبارتان كَمَا ذكره الشَّارِح، والست إِلَّا أَربع هِيَ الْعبارَة المطولة، فاشتراط كَون الِاسْتِثْنَاء من جملَة الْكَلَام السَّابِق مَبْنِيّ على هَذَا.

قَوْله: (كَمَا صَحَّ اسْتثِْنَاء الكيلي) فَصله عَمَّا قبله الان بَيَانٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ، فَإِنْ مُقَدَّرًا مِنْ مُقَدَّرٍ صَحَّ عِنْدَهُمَا اسْتِحْسَانًا وَتُطْرَحُ قِيمَةُ الْمُسْتَثْنَى مِمَّا أَقَرَّ بِهِ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، وَإِنْ غَيْرَ مُقَدَّرٍ مِنْ مُقَدَّرٍ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا قِيَاسًا واستحسانا، خلافًا للشَّافِعِيّ نَحْو مائَة دِرْهَم إِلَّا ثوبا، لَكِن حَيْثُ

(8/270)


لَمْ يَصِحَّ هُنَا الِاسْتِثْنَاءُ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ، وَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، وَلَكِنَّ جَهَالَةَ الْمُسْتَثْنَى تَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ.
ذكره فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَن قَاضِي زَاده.
قَالَ الْعَيْنِيّ: وَخرج بِمَا ذكر القيمي كَمَا إِذا قَالَ لَهُ عَليّ مائَة دِرْهَم إِلَّا ثوبا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يَصح من حَيْثُ إنَّهُمَا متحدا الْمَالِيَّة، وَبِه قَالَ ملك.

قَوْله: (وَيكون الْمُسْتَثْنى الْقيمَة) مِثَاله أَن يَقُول: لَهُ عَليّ عشرَة قروش إِلَّا أردب قَمح يَصح ذَلِك، وَيكون بِالْقيمَةِ وَإِن استغرقت الْقيمَة الْمُسْتَثْنى مِنْهُ يَصح كَمَا فِي الْبَحْر.

قَوْله: (اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاس أَن لَا يَصح هَذَا الِاسْتِثْنَاء كَمَا تقدم، لَان الِاسْتِثْنَاء إِخْرَاج بعض مَا يتَنَاوَلهُ صدر الْكَلَام على معنى أَنه لَوْلَا الِاسْتِثْنَاء لَكَانَ دَاخِلا تَحت الصَّدْر، وَهَذَا لَا يتَصَوَّر فِي خلاف الْجِنْس، لَكِن أَبَا حنيفَة وَأَبا يُوسُف صَحَّحَاهُ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الدُّرَر.

قَوْله: (لثبوتها) أَي هَذِه الْمَذْكُورَات فِي الذِّمَّة، لانها مقدرات وَهِي جنس وَاحِد معنى وَإِن كَانَت أجناسا صُورَة، لانها تثبت فِي الذِّمَّة ثمنا، أما الدِّينَار وَالدِّرْهَم إِذا استثنيا فَظَاهر، وَكَذَا غَيرهمَا من المكيلات والموزونات، لَان الكيلي والوزني مَبِيع بأعيانهما ثمن بأوصافهما، حَتَّى لَو عينا تعلق العقد بأعيانهما، وَلَو وَصفا وَلم يعينا صَار حكمهمَا كَحكم التَّمْيِيز، فَكَانَت فِي حكم الثُّبُوت فِي الذِّمَّة كجنس وَاحِد معنى، فالاستثناء فِيهَا تكلم بِالْبَاقِي معنى لَا صُورَة، كَأَنَّهُ قَالَ ثَبت لَك فِي ذِمَّتِي كَذَا إِلَّا كَذَا: إِي إِلَّا قيمَة كَذَا، وَلَو اسْتثْنى
غير المقدرات من المقدرات لَا يَصح قِيَاسا واستحسانا كَمَا قدمْنَاهُ، لَان مَالِيَّته غير مَعْلُومَة لكَونه متفاوتا فِي نَفسه، فَيكون اسْتثِْنَاء للْمَجْهُول من الْمَعْلُوم فَيفْسد فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي، ولان الثَّوْب لَا يجانس الدَّرَاهِم لَا صُورَة وَلَا وجوبا فِي الذِّمَّة.
وَتَمَامه فِي الاتقاني.

قَوْله: (وَكَانَت كالثمنين) لانها بأوصافها أَثمَان حَتَّى لَو عينهَا تعلق العقد بِعَينهَا، وَلَو وصفت وَلم تعين صَار حكمهَا كَحكم الدِّينَار.
كِفَايَة.

قَوْله: (لاستغراقه بِغَيْر الْمسَاوِي) أَي وَهُوَ يُوهم الْبَقَاء وإبهام الْبَقَاء كَاف.

قَوْلُهُ: (لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ) وَمِثْلُهُ فِي الْيَنَابِيعِ، وَنَقله قَاضِي زَاده عَن الذَّخِيرَةِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَفِيهَا قَالَ الشَّيْخُ عَليّ الْمَقْدِسِي رَحمَه الله تَعَالَى: لَو اسْتثْنى دَنَانِير من دَرَاهِم أَو مَكِيلًا أَو مَوْزُونا على وَجه يستوعب الْمُسْتَثْنى كَقَوْلِه لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا دِينَارًا وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ وَإِلَّا كُرَّ بُرٍّ كَذَلِكَ إنْ مَشَيْنَا عَلَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ بِغَيْرِ لَفْظِهِ صَحِيحٌ، يَنْبَغِي أَنْ يبطل الاقرار.
لَكِن فِي ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ.
قَالَ عَلَيَّ دِينَارٌ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، لِأَنَّهُ أَكْثَرُ.
مِنْ الصَّدْرِ: مَا فِي هَذَا الْكِيسِ مِنْ الدَّرَاهِمِ لِفُلَانٍ إلَّا أَلْفًا: يُنْظَرُ إنْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ فَالزِّيَادَةُ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَالْأَلْفُ لِلْمُقِرِّ، وَإِنْ أَلْفٌ أَوْ أَقَلُّ فَكُلُّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ.
قلت: وَوَجهه ظَاهر بِالتَّأَمُّلِ اهـ.
قُلْت: فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى مَا فِي الْجَوْهَرَةِ حَيْثُ قَالَ فِيمَا قَبْلَهُ، وَإِن استغرقت.
تَأمل.
قَالَ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود قلت: وَلَا شكّ أَن مَا فِي الْجَوْهَرَة أوجه لما سبق من أَن بطلَان الِاسْتِثْنَاء الْمُسْتَغْرق مُقَيّد بِمَا إِذا كَانَ بِلَفْظِهِ أَو بمرادفه.

(8/271)


وَاعْلَم أَن المُصَنّف تبع قاصيخان فِي تفريعه على هَذِه الْمَسْأَلَة: أَعنِي صِحَة اسْتثِْنَاء الكيلي والوزني وَنَحْوهمَا من المقدرات، الَّتِي تثبت فِي الذِّمَّة من الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَقَالَ: لَو قَالَ لَهُ دِينَار إِلَّا درهما أَو إِلَّا قَفِيزا أَو إِلَّا مائَة جوزة صَحَّ، ويطرح من الْمُقدم قدر قيمَة الْمُسْتَثْنى، فَإِن كَانَت قِيمَته تَأتي على جَمِيع مَا أقرّ بِهِ لَا يلْزمه شئ، وَإِن لم يكن الْمُسْتَثْنى من جنس مَا أقرّ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ جنس من مثله كَقَوْلِه دِينَار
إِلَّا ثوبا أَو شَاة لم يَصح الِاسْتِثْنَاء، وَإِن كَانَ من جنسه صَحَّ الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْلهم إِلَّا أَن يسْتَثْنى جَمِيع مَا تكلم بِهِ فَلَا يَصح الِاسْتِثْنَاء اهـ.
وَآخره يُخَالف أَوله.
كَذَا بِخَط السَّيِّد الْحَمَوِيّ عَن الرَّمْز.
وَأَقُول: يُمكن الْجَواب بِحمْل مَا ذكره قاضيخان آخرا على مَا إِذا كَانَ الِاسْتِثْنَاء بمرادفه كَقَوْلِه لَهُ عَليّ ألف دِينَار إِلَّا خَمْسمِائَة وخمسائة فَلَا يُخَالف مَا ذكره أَولا، لَان الِاسْتِغْرَاق فِيهِ من حَيْثُ الْقيمَة، فَتدبر.

قَوْلُهُ: (فَيُحَرَّرُ) الظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ مَبْنِيَّتَيْنِ عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَو جِنْسَانِ ح.
وتوضيحه: أَنهم جعلُوا الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير نوعا وَاحِدًا فِي بعض الْمسَائِل نظرا لَان الْمَقْصُود مِنْهَا الثمنية، وَفِي بعض الْمسَائِل جعلوها نَوْعَيْنِ بِاعْتِبَار الصُّورَة كَمَا بَينه الشَّارِح فِي غير هَذَا الْمحل، فَصَاحب الْبَحْر جعلهَا فِي مَسْأَلَة الِاسْتِثْنَاء مِمَّا هِيَ مُعْتَبرَة فِيهِ نوعا وَاحِدًا، فَكَانَ اسْتثِْنَاء الْمِائَة دِرْهَم من الدِّينَار اسْتثِْنَاء بالمساوي لانها تبلغ قيمَة الدِّينَار أَو تزيد عَلَيْهِ، وَصَاحب الْجَوْهَرَة نظر إِلَى أَنَّهُمَا نَوْعَانِ فِي نفس الامر كَمَا اعتبروها كَذَلِك فِي بعض الْمسَائِل، فَلذَلِك كَانَ اسْتثِْنَاء الْعشْرَة الدَّنَانِير من الْمِائَة الدِّرْهَم وَهِي تبلغها قيمَة أَو تزيد اسْتثِْنَاء صَحِيحا، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظ الاول وَلَا مُسَاوِيَة لانهما نَوْعَانِ، إِذْ الشَّرْط إِيهَام الْبَقَاء لَا حَقِيقَة كَمَا ذكره الشَّارِح، والايهام مَوْجُود هُنَا، وَيُؤَيِّدهُ مَسْأَلَة اسْتثِْنَاء الْمكيل وَالْمَوْزُون والمعدود.
وَالْحَاصِل: أَن الِاسْتِثْنَاء الْمُسْتَغْرق إِن كَانَ بِلَفْظ الصَّدْر فَبَاطِل، وَإِن لم يكن بِلَفْظ الصَّدْر وَلَا مُسَاوِيا لَهُ كاستثناء كرّ بر من الدَّرَاهِم صَحِيح لما تقدم أَن الشَّرْط إِيهَام الْبَقَاء لَا حَقِيقَته، وَإِن كَانَ بِغَيْر لفظ الصَّدْر لَكِن بمساويه كاستثناء الدَّرَاهِم من الدَّنَانِير أَو الْعَكْس فَوَقع فِيهِ اخْتِلَاف إِذا كَانَ مُسْتَغْرقا فِي الْبَحْر عَن الْبَزَّازِيَّة يَقْتَضِي بُطْلَانه، وَمَا فِي الْجَوْهَرَة والينابيع والذخيرة يُخَالِفهُ.

قَوْله: (على الاصح) لَان الالف متيقنة الثُّبُوت وَالْخَمْسُونَ متحققة الْخُرُوج وَتَمام الْمِائَة مَشْكُوك فِي خُرُوجهَا والمتيقن ثُبُوته لَا يبطل فِي الْمَشْكُوك بِخُرُوجِهِ وَهُوَ تَمام الْمِائَة، بل بالمتيقن خُرُوجه وَهُوَ خَمْسُونَ، لَكِن فِيهِ مُخَالفَة لما مهده أَولا من أَن الِاسْتِثْنَاء تكلم بِالْبَاقِي عندنَا، وَإِنَّمَا يُنَاسب مَا نلقناه عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى أَنه إِخْرَاج بعد الدُّخُول بطرِيق الْمُعَارضَة، وَقدمنَا أَن ثَمَرَة الْخلاف إِنَّمَا تَظْهَرُ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ، فَعِنْدَنَا يَلْزَمُهُ
تِسْعمائَة وَخَمْسُونَ على هَذِه الرِّوَايَة، وَهِي رِوَايَة أبي سُلَيْمَان، وَفِي رِوَايَة تِسْعمائَة، وَهِي رِوَايَة أبي حَفْص، وَهِي الْمُوَافقَة لقواعد الْمَذْهَب، لانه لما كَانَ تكلما بِالْبَاقِي وَكَانَ مَانِعا من الدُّخُول شككنا فِي الْمُتَكَلّم بِهِ، والاصل فرَاغ الذِّمَّة فَلَا يلْزمه الزَّائِد بِالشَّكِّ، وَعَلِيهِ فَكَانَ الاولى التَّفْرِيع على قَاعِدَة الْمَذْهَب، ثمَّ يذكر هَذَا على أَنه قَول آخر.
تَأمل.

قَوْله: (ثَبت الاكثر) أَي أَكثر الْمقر بِهِ.

قَوْله: (إِلَّا شَيْئا) لَان

(8/272)


اسْتثِْنَاء الشئ اسْتثِْنَاء الاقل عرفا فأوجبنا النّصْف وزياة دِرْهَم بِنَقْد اسْتثْنى الاقل اه.
شلبي
قَوْله: (فَيحكم بِخُرُوجِ الْأَقَلِّ) وَهُوَ مَا دُونَ النِّصْفِ لِأَنَّ اسْتثِْنَاء الشئ اسْتِثْنَاءُ الْأَقَلِّ عُرْفًا فَأَوْجَبْنَا النِّصْفَ وَزِيَادَةَ دِرْهَمٍ، لِأَنَّ أَدْنَى مَا تَتَحَقَّقُ بِهِ الْقِلَّةُ النَّقْصُ عَن النّصْف بدرهم.

قَوْله: (وَلَو وصل إِقْرَاره بإن شَاءَ الله) وَلَو من غير قصد كَمَا فِي غَايَة الْبَيَان نقلا عَن الْوَاقِعَات الحسامية، وَقيد بالوصل لانه لَو كَانَ مَفْصُولًا لَا يُؤثر، خلافًا لِابْنِ عَبَّاس كَمَا سبق، إِلَّا إِذا كَانَ عدم الْوَصْل لعذر من الاعذار الَّتِي تقدّمت.
قَالَ الْعَيْنِيّ: وَلَو قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق فَجرى عَلَى لِسَانِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَكَانَ قَصْدُهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ، لَان الِاسْتِثْنَاء مَوْجُود حَقِيقَة، وَالْكَلَام مَعَ الِاسْتِثْنَاء لَا يكون إيقاعا، وَمثل تَعْلِيقه بِمَشِيئَة الله تَعْلِيق إِقْرَاره بِمَشِيئَة من لَا تعلم مَشِيئَته كالجن وَالْمَلَائِكَة.
حموي عَن الْمُخْتَار.
وَإِنَّمَا بَطل الاقرار فِي هَذِه لَان التَّعْلِيق بِمَشِيئَة الله تَعَالَى إبِْطَال عِنْد مُحَمَّد فَبَطل قبل انْعِقَاده للْحكم وَتَعْلِيق بِشَرْط لَا يُوقف عَلَيْهِ عِنْد أبي يُوسُف.
دُرَر وَثَمَرَة الْخلاف فِيمَا إذَا قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ فَقَالَ إنْ شَاءَ الله أَنْت طَالِق، فَعِنْدَ من قَالَ إِنَّه إبِْطَال لَا يَقع الطَّلَاق، وَعند من قَالَ إِنَّه تَعْلِيق يَقع لانه إِذا قدم الشَّرْط وَلم يذكر حرف الْجَزَاءَ لَمْ يَتَعَلَّقْ، وَبَقِيَ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ شَرط فَيَقَع.
كِفَايَة.
وَاخْتَارَ قَول مُحَمَّد صَاحب الْكِفَايَة وَغَايَة الْبَيَان وَصَاحب الْعِنَايَة، وَكَذَا تظهر أَيْضا ثَمَرَة الْخلاف فِيمَا إِذا قَالَ لامْرَأَته إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله تَعَالَى يَحْنَث عِنْد أبي يُوسُف لانه يَمِين عِنْده، وَعند مُحَمَّد لَا يكون يَمِينا فَلَا يَحْنَث عَيْني.
تَنْبِيه: مَا سبق من أَن التَّعْلِيق بِمَشِيئَة الله إبِْطَال عِنْد مُحَمَّد وَتَعْلِيق بِشَرْط لَا يُوقف عَلَيْهِ عِنْد أبي يُوسُف يشكل بِمَا نَقَلْنَاهُ مِمَّا يَقْتَضِي كَون الْخلاف بَين الصاحبين على عكس مَا ذكر فِي الدُّرَر.
وَجَوَابه
أَن النَّقْل عَنْهُمَا قد اخْتلف: فَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة بعد أَن ذكر مَا نَقَلْنَاهُ من الْخلاف قَالَ: وَقيل الْخلاف على الْعَكْس، وَاخْتَارَهُ بعض شرَّاح الْهِدَايَة، وَأَيْضًا فَإِن مَا ذكرنَا من أَنه عِنْد أبي يُوسُف تَعْلِيق بِشَرْط لَا يُوقف عَلَيْهِ أحد وَجْهَيْن، وَالْوَجْه الثَّانِي هُوَ أَن الاقرار لَا يحْتَمل التَّعْلِيق بِالشّرطِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَن قَاضِي زَاده.

قَوْله: (أَو فلَان) فَيبْطل وَلَو قَالَ فلَان شِئْت لانه علق وَمَا نجز واللزوم حكم التَّنْجِيز لَا التَّعْلِيق، ولان مَشِيئَة فلَان لَا توجب الْملك شلبي.
أَقُول: وَينظر مَعَ مَا قدمنَا فِي تَعْلِيق الطَّلَاق بِمَشِيئَة العَبْد فشاء فِي مَجْلِسه صَحَّ وَوَقع الطَّلَاق شرنبلالية.
وَجَوَابه أَن الاقرار إِخْبَار فَلَا يَصح تَعْلِيقه.
وَالطَّلَاق إنْشَاء لَا إِسْقَاط فصح تَعْلِيقه، واقتصرت مَشِيئَته على الْمجْلس نظرا لِمَعْنى التَّمْلِيك.
أَبُو السُّعُود.

قَوْله: (أَو علقه بِشَرْط على خطر) كَقَوْلِه لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم إِن شَاءَ فلَان، وَكَذَا كل إِقْرَار علق بِالشّرطِ نَحْو قَوْله إِن دخلت الدَّار وَإِن أمْطرت السَّمَاء أَو هبت الرّيح أَو إِن قضى الله تَعَالَى أَو أَرَادَهُ أَو رضيه أَو أحبه أَو قدره أَو دبره كَمَا فِي الْعَيْنِيّ.
وَمِنْه: إِن حَلَفت فلك مَا ادعيت، فَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ دَفَعَ بِنَاءً على أَنه يلْزمه فَلهُ أَن يسْتَردّ الْمَدْفُوع كَمَا فِي الْبَحْرِ فِي فَصْلِ صُلْحِ الْوَرَثَةِ بقوله: وَلَو قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِن حَلَفت أَنَّهَا لَك دفعتها فَحلف الْمُدَّعِي وَدفع الْمُدعى عَلَيْهِ الدَّرَاهِم، إِن كَانَ دفع لَهُ بِحكم الشَّرْط فَهُوَ بَاطِل وللدافع أَن يسْتَردّ اهـ.
وَقَيَّدَ فِي الْبَحْرِ التَّعْلِيقَ عَلَى خَطَرٍ بِأَنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ دَعْوَى الْأَجْلِ.
قَالَ: وَإِنْ تَضَمَّنَ مثل إِذا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا لَزِمَهُ للْحَال ويستحلف الْمقر لَهُ فِي الاجل اهـ.
تَأَمَّلْ.
وَفِي الْبَحْرِ

(8/273)


أَيْضًا: وَمِنْ التَّعْلِيقِ الْمُبْطِلِ لَهُ أَلْفٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ أَرَى غَيْرَهُ أَوْ فِيمَا أَعْلَمُ، وَكَذَا اشْهَدُوا أَنَّ لَهُ عَليّ كَذَا فِيمَا أعلم انْتهى.
أَو قَالَ عَليّ ألف فِي شَهَادَة فلَان أَو علمه، لانه فِي معنى الشَّرْط، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ ذَلِك بِالْبَاء لانها للالصاق، وَلَو قَالَ وجد ت فِي كتابي: أَي دفتري أَنه عَليّ كَذَا فَهُوَ بَاطِل.
وَقَالَ جمَاعَة من أَئِمَّة بَلخ: أَنه يلْزمه لانه لَا يكْتب فِي دفتره إِلَّا مَا عَلَيْهِ النَّاس صِيَانة عَن النسْيَان وللبناء على الْعَادة الظَّاهِرَة، فعلى هَذَا لَو قَالَ الْبَيَّاعُ وَجَدْتُ فِي يَادَكَارِي بِخَطِّي أَوْ كَتَبْتُ فِي يَادَكَارِي بِيَدِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ ألف دِرْهَم كَانَ إِقْرَارا ملزما.
وَفِي الْوَلوالجِيَّة: وَلَو قَالَ فِي ذكرى أَو
بكتابي لزمَه اهـ.
حموي.
وَقد تقدم ذَلِك مَبْسُوطا، وَأَن مَوضِع الْكَلَام فِيمَا عَلَيْهِ لَا فِيمَا لَهُ، وتصوير الاقرار بِمَا عَلَيْهِ فِي كِتَابه هُوَ مَا ذكرهَا قَالَ الْحَمَوِيّ: وَلَا يفرق بَين قَوْله فِي كتابي أَو فِي كتاب فلَان.
نَقله عَن الْوَلوالجِيَّة.
قَالَ الْعَلامَة المقسي فِي الرَّمْز: وَأَنت خَبِير بِأَن كتاب فلَان غير مَأْمُون عَلَيْهِ من التَّغْيِير، بِخِلَاف كتاب الْمقر.
اهـ.
قَالَ ط: وَهَذَا يُفِيد أَنه لَا يعْمل بِإِقْرَارِهِ بِمَا عَلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَ بكتابته، وَأَنه لَا يعْمل بكتابته مَاله على النَّاس لانه إِثْبَات حق على غَيره بِمُجَرَّد كتاب الْمُدَّعِي، وَلَا نَظِير لَهُ فِي الشَّرِيعَة، فالافتاء بلزومه بِمُجَرَّد ذَلِك ضلال مُبين.

قَوْله: (كَإِن مت فَإِنَّهُ ينجز) الْمُعَلق بِكَائِنٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَعْلِيقًا حَقِيقَةً بَلْ مُرَادُهُ بِهِ أَن يُشْهِدَهُمْ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إنْ جَحَدَ الْوَرَثَة فَهُوَ عَلَيْهِ مَاتَ أَو عَاشَ، فمرجعه إِلَى تَأْكِيد الاقرار كَمَا فِي الْحَمَوِيّ والزيلعي وَغَيرهمَا، وَالشَّارِح تبع فِيهِ المُصَنّف وَهُوَ تبع صَاحب الْبَحْر.
قَالَ ط: وَمِنْه يعلم أَن قَوْله فِي الْبَحْر: وَإِن بِشَرْط كَائِن فتنجيز كعلي ألف دِرْهَم إِن مت لزمَه قبل الْمَوْت مَنْظُور فِيهِ، وَلقَائِل أَن يَقُول: إِن قَوْله إِن مت فِي عبارَة الشَّرْح يحْتَمل رُجُوعه إِلَى الاقرار لَا إِلَى الشَّهَادَة.
وَأجِيب بِأَن تصرف الْعَاقِل يصان عَن الالغاء مَا أمكن، وَذَلِكَ بجعله شرطا للشَّهَادَة، فَلَو قَالَ الْمقر أردْت تَعْلِيق الاقرار وَرَضي بالغاء كَلَامه.
قُلْنَا: تعلق حق الْمقر لَهُ يمْنَع ذَلِك كَمَا فِي الرَّمْز.
اهـ.
مُخْتَصرا.
قَالَ ط: بَقِي لَو كَانَ الْكَلَام من أول الامر بِصُورَة صَاحب الْبَحْر وَالظَّاهِر اللُّزُوم حَالا كَمَا قَالَ لتَعلق حق الْمقر، وَلَا يَجْعَل وَصِيَّة، وَقد اسْتُفِيدَ هَذَا من قَوْله فَلَو قَالَ الْمقر أردْت الخ.
اهـ.
لَكِنْ قُدِّمَ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْبَيْعِ أَنَّهُ يَكُونُ وَصِيَّة.
وَالْحَاصِل أَن التَّعْلِيق على ثَلَاثَة أَقسَام: إِمَّا أَن يصل إِقْرَاره بإن شَاءَ الله، فَإِنَّهُ بَاطِل عِنْد مُحَمَّد، وَتَعْلِيق عِنْد أبي يُوسُف.
وَإِمَّا أَن يصله بإن شَاءَ فلَان وَنَحْوه مِمَّا هُوَ تَعْلِيق على خطر فَهُوَ تَعْلِيق اتِّفَاقًا والاقرار لَا يَصح تَعْلِيقه بِالشّرطِ وَإِمَّا أَن يعلقه بكائن لَا محَالة فَهُوَ تَنْجِيز فَلَا يبطل الاقرار وَكَذَا إِذا قَالَ إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر أَو أفطر النا س أَو إِلَى الْفطر أَو إِلَى الضُّحَى، لَان هَذَا لَيْسَ بتعليق وَإِنَّمَا هُوَ دَعْوَى الْأَجَلِ إلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ فَيُقْبَلُ إِقْرَاره، ودعواه الاجل لَا تقبل إِلَّا بَيِّنَة أَو إِقْرَار الطَّالِب.

قَوْله: (بَقِي لَوْ ادَّعَى الْمَشِيئَةَ) أَيْ ادَّعَى أَنَّهُ قَالَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله (قَالَ
المُصَنّف) وَعبارَته: وَيقبل قَوْله إِن ادَّعَاهُ، وَأنْكرهُ فِي ظَاهِرِ الْمَرْوِيِّ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ.
وَقِيلَ لَا يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة على الِاعْتِمَاد لغَلَبَة الْفساد خاينة.
وَقيل إِن عرف بالصلاح فَالْقَوْل لَهُ.
قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِيهِ: أَقُولُ: الْفِقْهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ إقْرَارُهُ بِالْبَيِّنَةِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، أَمَّا إذَا قَالَ ابْتِدَاءً أَقْرَرْتُ لَهُ بِكَذَا مُسْتَثْنِيًا فِي إقْرَارِي يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ، كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ عِنْدِي كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ

(8/274)


لانه يُرِيد إِبْطَاله بعد تقرره.
تَأمل اهـ.

قَوْله: (وَصَحَّ اسْتثِْنَاء الْبَيْت من الدَّار) لانه جُزْء من أَجْزَائِهَا فَيصح اسْتثِْنَاء الْجُزْء من الْكل كالثلث أَو الرّبع.
بَدَائِع.
وَلَو قَالَ هَذِه النّخل بأصولها لفُلَان وَالثَّمَر لي كَانَ الْكل للْمقر لَهُ، وَلَا يصدق الْمقر إِلَّا بِحجَّة كَمَا فِي الْخَانِية.

قَوْله: (مِنْهُمَا) أَي من الدَّار وَالْبَيْت.

قَوْله: (لدُخُوله تبعا) أَي لدُخُول الْبناء معنى وتبعا لَا لفظا، وَالِاسْتِثْنَاء تصرف فِي الملفوظ، وَذَلِكَ لَان الدَّار اسْم لما أدير عَلَيْهِ الْبناء من الْبقْعَة، وَبحث منلا خسروا بِأَنَّهُ لَا يُنكر أَن الْبناء جُزْء من الدَّار لَا يرد الْمَنْصُوص، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْبِنَاءَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْض لَا يسْقط شئ من الثّمن بمقابلته، بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي.
بِخِلَافِ الْبَيْتِ تَسْقُطُ حِصَّتُهُ من الثّمن أَو حَاصله.

قَوْله: (واستثناء الْوَصْف لَا يجوز) كَقَوْلِه لَهُ هَذَا العَبْد إِلَّا سوَاده.

قَوْله: (وَإِنْ قَالَ بِنَاؤُهَا لِي وَعَرْصَتُهَا لَك فَكَمَا قَالَ) وَكَذَا لَوْ قَالَ بَيَاضُ هَذِهِ الْأَرْضِ لِفُلَانٍ وَبِنَاؤُهَا لِي.

قَوْلُهُ: (هِيَ الْبُقْعَةُ) فَقَصْرُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا يَمْنَعُ دُخُولَ الْوَصْفِ تَبَعًا.

قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ قَالَ وَأَرْضُهَا لَك كَانَ لَهُ الْبناء أَيْضا) .
أَقُول: هَذَا مُخَالف للْعُرْف الْآن، فَإِن الْعرف أَن الارض بِمَعْنى الْعَرَصَة، وَعَلِيهِ فَيَنْبَغِي أَن لَا يكون الْبناء تَابعا للارض تَأمل.

قَوْله: (إلَّا إذَا قَالَ بِنَاؤُهَا لِزَيْدٍ وَالْأَرْضُ لِعَمْرٍو فَكَمَا قَالَ) لانه لما أقرّ بِالْبِنَاءِ لزيد صَار ملكه، فَلَا يخرج عَن ملكه بِإِقْرَارِهِ لعَمْرو بالارض، إِذْ لَا يصدق قَوْله فِي حق غَيره، بِخِلَاف الْمَسْأَلَة الاولى، لَان الْبناء مَمْلُوك لَهُ، فَإِذا أقرّ بالارض لغيره يتبعهَا الْبناء، لَان إِقْرَاره مَقْبُول فِي حق نَفسه.
وَحَاصِله فِي الدَّار والارض اسْم لما وضع عَلَيْهِ الْبناء لَا اسْم للارض وَالْبناء، لَكِن الْبناء يدْخل تبعا فِي بَيْعه والاقرار بِهِ، والعرصة اسْم للارض خَالِيَة عَن الْبناء، فَلَا يدْخل فِيهَا الْبناء لَا أصلا وَلَا تبعا.
والاصل: أَن الدَّعْوَى لنَفسِهِ لَا تمنع الاقرار لغيره، والاقرار لغيره يمْنَع الاقرار لشخص آخر،
إِذا علم هَذَا فَإِذا أقرّ بِالدَّار لشخص فقد أقرّ بالارض الَّتِي أدير عَلَيْهَا الْبناء، وَلَفظ الدَّار لَا يَشْمَل الْبناء، لكنه يدْخل تبعا فَكَانَ بِمَنْزِلَة الْوَصْف.
وَالِاسْتِثْنَاء أَمر لَفْظِي لَا يعْمل إِلَّا فِيمَا يتَنَاوَلهُ اللَّفْظ، فَلَا يَصح اسْتِثْنَاؤُهُ للْبِنَاء لانه لم يتَنَاوَلهُ لفظ الدَّار، بل إِنَّمَا دخل تبعا، وَهَذَا معنى.
قَوْله واستثناء الْوَصْف لَا يجوز بِخِلَاف الْبَيْت فَإِنَّهُ اسْم لجزء من الدَّار مُشْتَمل على أَرض وَبِنَاء فصح اسْتِثْنَاؤُهُ بِاعْتِبَار مَا فِيهِ من الاصل، وَهُوَ الارض، فَكَانَ متناوله لفظ الدَّار وَالِاسْتِثْنَاء: إِخْرَاج لما تنَاوله لفظ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ، وَلَا يضر كَون الْبناء جُزْءا من مُسَمّى الْبَيْت مَعَ أَنه وصف من الدَّار، لانه لم يسْتَثْن الْوَصْف مُنْفَردا بل قَائِما بالاصل الَّذِي هُوَ الارض.
وَتَخْرِيج جنس هَذِه الْمسَائِل على أصلين أَحدهمَا: أَنَّ الدَّعْوَى قَبْلَ الْإِقْرَارِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الاقرار، وَالدَّعْوَى بعد الاقرار لبَعض مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ لَا تَصِحُّ.
وَالثَّانِي: أَن إِقْرَار الانسان على نَفسه جَائِز وعَلى غَيره لَا يجوز.
إِذا عرفنَا هَذَا فَنَقُول: إِذا قَالَ بِنَاء هَذِه الدَّار لي وأرضها لفُلَان كَانَ الْبناء

(8/275)


والارض للْمقر لَهُ، لانه لما قَالَ بِنَاء هَذِه الدَّار لي فقد ادّعى لنَفسِهِ، فَلَمَّا قَالَ وأرضها لفُلَان فقد جعل مقرا بِالْبِنَاءِ للْمقر لَهُ تبعا للاقرار بالارض لَان الْبناء تبع للارض، إِلَّا أَنَّ الدَّعْوَى قَبْلَ الْإِقْرَارِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الاقرار: وَإِن قَالَ أرْضهَا لي وبناؤها لفُلَان كَانَت الارض لَهُ وبناؤها لفُلَان، لانه لما قَالَ أَولا أرْضهَا لي فقد ادّعى الارض لنَفسِهِ، وَادّعى الْبناء أَيْضا لنَفسِهِ تبعا للارض، فَإِذا قَالَ بعد ذَلِك وبناؤها لفُلَان فقد أقرّ لفُلَان بِالْبِنَاءِ بَعْدَمَا ادَّعَاهُ لنَفسِهِ، والاقرار بعد الدَّعْوَى صَحِيح فَيكون لفُلَان الْبناء دون الارض، لَان الارض لَيْسَ بتابع للْبِنَاء، وَإِن قَالَ أرْضهَا لفُلَان وبناؤها لي كَانَت الارض وَالْبناء للْمقر لَهُ بالارض، لانه لما قَالَ أَولا أرْضهَا لفُلَان فقد جعل مقرا لفُلَان وبناؤها لي كَانَ الارض للْمقر لَهُ بالارض، لانه لما قَالَ أَولا أرْضهَا لفُلَان فقد جعل مقرا بِالْبِنَاءِ، فَلَمَّا قَالَ بناؤها لي فقد ادّعى لنَفسِهِ بَعْدَمَا أقرّ لغيره، وَالدَّعْوَى بعد الاقرار لبَعض مَا تنَاوله الاقرار لَا يَصح.
وَإِن قَالَ أرْضهَا لفُلَان وبناؤها لفُلَان آخر كَانَ الارض وَالْبناء للْمقر لَهُ الاول لانه جعل مقرا للْمقر لَهُ الاول بِالْبِنَاءِ، فَإِذا قَالَ بناؤها لفُلَان جعل مقرا على الاول لَا على نَفسه، وَقد ذكرنَا أَن
إِقْرَار الْمقر على نَفسه جَائِز وعَلى غَيره لَا يجوز.
وَإِن قَالَ بناؤها لفُلَان وأرضها لفُلَان آخر كَانَ كَمَا قَالَ، لانه لما أقرّ بِالْبِنَاءِ أَولا صَحَّ إِقْرَاره للْمقر لَهُ لانه إِقْرَار على نَفسه، فَإِذا أقرّ بعد ذَلِك بالارض لغيره فقد أقرّ بِالْبِنَاءِ لذَلِك الْغَيْر تبعا للاقرار بالارض، فَيكون مقرا على غَيره وَهُوَ الْمقر لَهُ الاول، وَإِذا أقرّ الانسان على غَيره لَا يَصح لما علمت من الاصل الثَّانِي من أَن إِقْرَار الانسان على غَيره لَا يجوز.
أَقُول: لَكِن نقض بِمَا لَو أقرّ مُسْتَأْجر بدين فيسري على الْمُسْتَأْجر، وَيفْسخ بِهِ عِنْد الامام، وَلَو أقرَّت زَوجته بدين تحبس بِهِ وَيمْنَع مِنْهَا كَمَا فِي الْمَقْدِسِي.

قَوْله: (واستثناء فص الْخَاتم) بِأَن قَالَ هَذَا الْخَاتم لفُلَان إِلَّا فصه.
وَفِي الذَّخِيرَة عَن الْمُنْتَقى: إِذا قَالَ هَذَا الْخَاتم لي إِلَّا فصه فَإِنَّهُ لَك، أَو قَالَ هَذِه المنطقة لي إِلَّا حليتها فَإِنَّهَا لَك، أَو قَالَ هَذَا السَّيْف لي إِلَّا حليته أَو قَالَ إِلَّا حمائله فَإِنَّهَا لَك، أَو قَالَ هَذِه الْجُبَّة لي إِلَّا بطانتها فَإِنَّهَا لَك، وَالْمقر لَهُ يَقُول هَذِه الْجُبَّة لي فَالْقَوْل قَول الْمقر، فَبعد ذَلِك ينظر إِن لم يكن فِي نزع الْمقر بِهِ ضَرَر للْمقر يُؤمر الْمقر بالنزع وَالدَّفْع للْمقر لَهُ، وَإِن كَانَ فِي النزع ضَرَر وَأحب الْمقر أَن يُعْطِيهِ قيمَة مَا أقرّ بِهِ فَلهُ ذَلِك، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد رَحِمهم الله تَعَالَى اهـ.
وَلَو قَالَ الْحلقَة لَهُ والفص لي، يَصح ذكره، صدر الشَّرِيعَة.

قَوْله: (ونخلة الْبُسْتَان) وَمثله نَخْلَة الارض إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهَا بِأُصُولِهَا، لِأَنَّ أُصُولَهَا دَخَلَتْ فِي الْإِقْرَارِ قَصْدًا لَا تَبَعًا.
وَفِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْفَصِّ وَالنَّخْلَةِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ قَالَ: لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ.
لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ أَقَرَّ بِأَرْضٍ أَوْ دَارٍ لِرَجُلٍ دَخَلَ الْبِنَاءُ وَالْأَشْجَارُ، حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُقِرُّ بَيِّنَةً بَعْدَ

(8/276)


ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْأَشْجَارَ لَهُ لَمْ تقبل بَينته اهـ.
إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى كَوْنِهِ مَفْصُولًا لَا مَوْصُولًا كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ فِي الْخَانِيَّةِ سَائِحَانِيٌّ.
وَفِي الْخَانِية: لَو قَالَ هَذَا الْبُسْتَان لفُلَان إِلَّا النَّخْلَة بِغَيْر أُصُولهَا فَإِنَّهَا لي لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء، بِخِلَاف إِلَّا نخلها بأصولها، وَكَذَلِكَ هَذِه الْجُبَّة لفُلَان إِلَّا بطانتها لَان البطانة تدخل فِي البيع تبعا فَكَانَت كالبناء، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ مَحْمُول على جُبَّة بطانتها فِي النفاسة دون الظهارة.
قَالَ فِي الرَّمْز: وَمَا
نقل عَن السّير الْكَبِير أَن الامام لَو قَالَ من أصَاب جُبَّة خَز فَهِيَ لَهُ فَلهُ الظهارة دون البطانة، حمل على جُبَّة بطانتها كظهارتها نفاسة، فَلَا تتبعها فَهِيَ كجبتين، وَمَا هُنَا على دون البطانة حَتَّى لَو اسْتَويَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاء اهـ.
أَقُول: وَمثل نَخْلَة الْبُسْتَان نَخْلَة الارض، لَان الشّجر يدْخل فِي الْبُسْتَان والارض تبعا فَلَا يَصح استثناءه، بِخِلَاف نَخْلَة عَرصَة الْبُسْتَان، لَان الْعَرَصَة لَا تتَنَاوَل الشَّجَرَة كَمَا لَا تتَنَاوَل الْبناء لَا أصلا وَلَا تبعا إِلَّا أَن يستثنيها بأصولها كَمَا ذكرنَا.

قَوْله: (وطوق الْجَارِيَة) اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُمْ نَصُّوا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَعَهَا تبعا إِلَّا الْمُعْتَاد للمهنة لَا غير كَالطَّوْقِ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ لَا قيمَة لَهُ كَثِيرَة كطوق حَدِيد أَو نُحَاس، وَفِيه نظر.
ط عَن الْحَمَوِيّ.
أَقُول: ذَلِك فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهَا وَمَا عَلَيْهَا لِلْبَائِعِ، أَمَّا هُنَا فَإِنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهَا ظَهَرَ أَنَّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّ مَا عَلَيْهَا لِمَالِكِهَا فَيَتْبَعُهَا وَلَوْ جَلِيلًا.
تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (فِيمَا مَرَّ) أَيْ من أَنه لَا يَصح.

قَوْله: (قَالَ مُكَلَّفٌ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عبد مَا قَبضته) قيد قَوْله عَليّ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً اشْتَرَيْت مِنْهُ مَبِيعًا إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْهُ قُبِلَ قَوْلُهُ، كَمَا قُبِلَ قَوْلُ الْبَائِعِ بِعْتُهُ هَذَا وَلَمْ أَقْبِضْ الثَّمَنَ وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ، لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ قَبْضَ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ، بِخِلَافِ مَا هُنَا، لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا قَبَضْتُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ كَذَا رُجُوعٌ، فَلَا يَصِحُّ.
أَفَادَهُ الرَّمْلِيّ.

قَوْله: (حَال مِنْهَا) أَي حَال كَون قَوْله مَا قَبضته مَوْصُولا بالْكلَام الاول، فَلَو لم يصله لم يصدق أَفَادَهُ المُصَنّف.
وَالَّذِي يظْهر أَنه حَال من الضَّمِير فِي قَالَ: أَي قَالَ حَال كَونه واصلا.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَلَّمَهُ) لَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِالتَّسْلِيمِ هُنَا الْإِحْضَارَ، أَوْ يُخَصُّ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ يَلْزَمُ المُشْتَرِي تَسْلِيم الثّمن أَو لَا، لانه لَيْسَ بِبيع صَرِيح.
مقدسي مُلَخصا
قَوْله: (عملا بِالصّفةِ) قَالَ فِي الْمنح: وَإِن لم يُوجد مَا ذكر من الْقَيْد وَهُوَ التَّسْلِيم لَا يلْزمه لانه أقرّ لَهُ بالالف على صفة فَيلْزمهُ الصّفة الَّتِي أقرّ بهَا، وَإِذا لم تُوجد لَا يلْزمه اهـ.
وصل أَو فصل، هَذَا مَذْهَب الامام، وَقَالا: إِن وصل صدق فَلَا يلْزمه، وَإِن فصل لَا يصدق.

قَوْله: (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْعَبْدَ لَزِمَهُ الْأَلْفُ مُطْلَقًا وصل أم فصل) كَأَنَّهُ بَيَان لوجه الاطلاق، وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ بالاطلاق سَوَاء كذبه الْمقر لَهُ أَو صدقه بِدَلِيل مَا يَأْتِي حَيْثُ قيدها بقوله وَإِن كذبه الْمقر لَهُ، وَهُوَ أولى لانه حِينَئِذٍ يتَّجه فصلها لكنه يبعد أَن يلْزمه ذَلِك مَعَ اعْتِرَاف كل مِنْهُمَا أَنه
حرَام أَو رَبًّا تَأمل.

قَوْله: (لانه رُجُوع) أَي عَمَّا أقرّ بِهِ، وَذَلِكَ لَان الصَّدْر مُوجب وإنكار قبض مَبِيع غير معِين يُنَافِيهِ، ولانه لَو ادّعى تَأْخِير الثّمن شهرا لم يقبل، فَكيف دهرا، إِذْ مَا من عبد يَأْتِي بِهِ البَائِع إِلَّا يَأْتِي للْمُشْتَرِي منع كَونه الْمَبِيع، بِخِلَاف الْمعِين.
وَمَا ذكره المُصَنّف أحد وُجُوه أَرْبَعَة فِي الْمَسْأَلَة.

(8/277)


وَالثَّانِي: أَن يَقُول الْمقر لَهُ العَبْد عَبدك مَا بعتكه وَإِنَّمَا بِعْتُك عبدا آخر وسلمته إِلَيْك، وَالْحكم فِيهِ كالاول لانهما اتفقَا على مَا أقرّ بِهِ من أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يسْتَحق مَا أقرّ بِهِ، غير أَنَّهُمَا اخْتلفَا فِي سَبَب الِاسْتِحْقَاق، وَلَا يُبَالِي باختلافهما، وَلَا باخْتلَاف السَّبَب عِنْد حُصُول الْمَقْصُود واتحاد الحكم، فَصَارَ كَمَا إِذا أقرّ لَهُ بِغَصب ألف دِرْهَم فَقَالَ الْمقر لَهُ هِيَ قرض فَإِنَّهُ يُؤمر بِالدفع إِلَيْهِ لاتِّفَاقهمَا على الِاسْتِحْقَاق.
وَالثَّالِث: أَن يَقُول العَبْد عبددي مَا بعتكه، وَحكمه أَن لَا يلْزم الْمقر شئ لما ذكر أَنه أقرّ لَهُ على صفة وَهِي سَلامَة العَبْد، فَلَا يلْزمه بِدُونِهَا.
وَالرَّابِع: أَن يَقُول الْمقر لَهُ لم أبعك هَذَا العَبْد وَإِنَّمَا بِعْتُك عبدا آخر، فَحكمه أَن يتحالفا لانهما اخْتلفَا فِي الْمَبِيع إِذْ كل مِنْهُمَا مُدع ومنكر، فَإِذا حلفا انْتَفَى دَعْوَى كل عَن صَاحبه، فَلَا يقْضِي عَلَيْهِ بشئ وَالْعَبْد سَالم فِي يَده اهـ.
وَتَمَامه فِي الزَّيْلَعِيّ والدرر موضحا.

قَوْله: (كَقَوْلِه من ثمن خمر الخ) تَشْبِيه للمسألة السَّابِقَة حكما وَخِلَافًا.

قَوْله: (أَو مَال قمار) الانسب تَأْخِيره عَمَّا بعده ليسلط لفظ الثّمن على الْحر وَالْميتَة وَالدَّم، وَهُوَ مَعْطُوف على ثمن.

قَوْله: (فَيلْزمهُ مُطلقًا) عِنْده، وَعِنْدَهُمَا: إِن وصل صدق، وَإِن فصل لَا كَمَا فِي الْمَسْأَلَة الاولى،
قَوْله: (إِلَّا إِذا صدقه) أَي الْمقر لَهُ.

قَوْله: (أَو أَقَامَ عَلَيْهِ) أَي الْمقر، وَاعْتمد المُصَنّف فِي تعْيين مرجع الضميرين الْمقَام والظهور.

قَوْله: (لاحْتِمَال حلّه عِنْد غَيره) أَي فِي مَذْهَب غَيره كَمَا إِذا بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ قبل قَبضه من بَائِعه بِثمن أقل مِمَّا اشْترى بِهِ فَالزِّيَادَة هَذِه عندنَا حرَام أَو رَبًّا، وَعند الشَّافِعِي: يجوز هَذَا البيع، وَلَيْسَ زِيَادَة أحد الثمنين حَرَامًا وَلَا رَبًّا، وَظَاهر هَذَا التَّعْلِيل أَنَّهُمَا إِذا اتفقَا على ذَلِك لَا يلْزم الْمقر شئ ط.

قَوْله: (وَلَو قَالَ على زورا أَو بَاطِلا) أَي هُوَ على حَال كَون زورا أَو بَاطِلا، أَو من جِهَة ذَلِك فهما منصوبان على الْحَال أَو التَّمْيِيز.
قَوْله:
(لزمَه إِن كذبه) أَي فِي كَونه زورا أَو بَاطِلا.

قَوْله: (هِيَ أَن يلجئك الخ) قَالَ الشَّارِح فِي التذنيب آخر الصّرْف: هُوَ أَنْ يُظْهِرَا عَقْدًا وَهُمَا لَا يُرِيدَانِهِ يُلْجَأُ إلَيْهِ لِخَوْفِ عَدُوٍّ، وَهُوَ لَيْسَ بِبَيْعٍ فِي الْحَقِيقَة بل كالهزل انْتهى.

قَوْله: (إِن كذبه) أَي المُشْتَرِي البَائِع.

قَوْله: (وَإِلَّا لَا) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ التَّلْجِئَةِ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ بِالتَّلْجِئَةِ بِأَنْ يَقُولَ لِآخَرَ إنِّي أُقِرُّ لَك فِي الْعَلَانِيَةِ بِمَالٍ وَتَوَاضَعَا عَلَى فَسَادِ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، حَتَّى لَا يملكهُ الْمقر لَهُ.

قَوْله: (زيوف) جمع زيف وصف بِالْمَصْدَرِ ثمَّ جمع على معنى الاسمية.
يُقَال: زافت الدَّرَاهِم تزيف زيفا ردأت وَالْمرَاد بِهِ مَا يردهُ بَيت المَال ويقبله التُّجَّار والنبهرجة دون الزُّيُوف، فَإِنَّهُمَا مِمَّا يردهَا التُّجَّار والستوقة أردأ من النبهرجة، وَتقدم آخر الْبيُوع، وقدمناه فِي شَتَّى الْقَضَاء.

قَوْله: (وَلم يذكر السَّبَب) كَثمن مَبِيع أَو غصب أَو وَدِيعَة.

قَوْله: (على الاصح) أَي إِجْمَاعًا، وَقيل على الْخلاف الْآتِي.

قَوْله: (وَهِي زيوف مثلا) أَو نبهرجة.

قَوْله: (لم

(8/278)


يصدق مُطلقًا) أَي عِنْده، وَقَالا: يصدق إِن وصل: أَي فِي قَوْله زيوف أَو نبهرجة بل يلْزمه الْجِيَاد لَان العقد يقتضيها.
فدعوى الزيف رُجُوع عَمَّا أقرّ بِهِ، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ إِلَّا أَنَّهَا وزن خَمْسَة وَنقد الْبَلَد وزن سَبْعَة حَيْثُ يَصح مَوْصُولا لَا مَفْصُولًا، لانه اسْتثْنى الْقدر فَصَارَ مغيرا فَيصح بِشَرْط الْوَصْل وَلَو قَالَ عَليّ كرّ حِنْطَة من ثمن دَار اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ إِلَّا أَنَّهَا رَدِيئَة يقبل مَوْصُولا ومفصولا، لَان الرداءة نوع لَا عيب فمطلق العقد لَا يَقْتَضِي السَّلامَة عَنْهَا، بِخِلَاف الْجَوْدَة.
زَيْلَعِيّ.
وَقَوله: مُطلقًا: أَي وصل أم فصل.
وَقَالَ زفر: يبطل إِقْرَاره إِذا قَالَ الْمقر لَهُ هِيَ جِيَاد.

قَوْلُهُ: (صُدِّقَ مُطْلَقًا) لِأَنَّ الْغَاصِبَ يَغْصِبُ مَا يُصَادِفُ وَالْمُودِعَ يُودِعُ مَا عِنْدَهُ فَلَا يَقْتَضِي السَّلامَة.

قَوْله: (وصل أم فصل) إِذْ لَا اخْتِصَاص للغصب والوديعة بالجياد دون الزُّيُوف إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ، فَلم يكن زُيُوفًا تَفْسِيرا لاول كَلَامه بل هِيَ بَيَان للنوع فصح مَوْصُولا ومفصولا دُرَر.
وَحَاصِل الْفرق بَينهمَا وَبَين مَا تقدم أَن فِيمَا تقدم أقرّ بِعقد البيع أَو الْقَرْض وَالْعقد يَقْتَضِي سَلامَة الْعِوَضَيْنِ عَن الْعَيْب كَمَا تقدم، وَهنا أقرّ بِالْغَصْبِ والوديعة وهما لَا يقتضيان السَّلامَة، وَهُوَ قَابض وَالْقَوْل للقابض أَمينا كَانَ أَو ضمنيا.

قَوْله: (لانها دَرَاهِم مجَازًا) فَكَانَ
هَذَا من بَاب التَّغْيِير فَلَا يَصح مَفْصُولًا.

قَوْله: (وَصدق بِيَمِينِهِ فِي غصبته أَو أودعني) لَان الْغَصْب والوديعة لَا يقتضيان وصف السَّلامَة كَمَا تقدم.

قَوْله: (مثلا) أَي أَو قرضا.

قَوْله: (إِلَّا أَنه ينقص كَذَا) أَي الدَّرَاهِم، وَمثله فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، لَكِنْ فِي الْعَيْنِيِّ قَوْلُهُ إلَّا أَن ينق ص كَذَا: أَي مائَة دِرْهَم وَهُوَ ظَاهر.

قَوْله: (أَي الدَّرَاهِم الخ) أَي أَن كل عشرَة من دَرَاهِم هَذَا الالف وزن خَمْسَة مَثَاقِيل لَا وزن سَبْعَة مِنْهَا.

قَوْله: (مُتَّصِلا) أَي قَالَ ذَلِك مُتَّصِلا.

قَوْله: (وَإِن فصل بِلَا ضَرُورَة لَا يصدق) .
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَلَو كَانَ الِانْقِطَاع بِسَبَب انْقِطَاع النَّفس أَو بِسَبَب دفع السعال، فَعَن أبي يُوسُف أَنه يَصح إِذا وَصله بِهِ، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى لَان الانسان يحْتَاج إِلَى أَن يتَكَلَّم بِجَمِيعِ ذَلِك بِكَلَام كثير وَيذكر الِاسْتِثْنَاء فِي آخِره، وَلَا يُمكنهُ أَن يتَكَلَّم بِجَمِيعِ ذَلِك بِنَفس وَاحِد، فَلَو لم يَجْعَل عذرا يكون عَلَيْهِم حرج، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.
اهـ.

قَوْله: (لَا الْوَصْف كالزيافة) فَلِذَا لم يَصح لَهُ عَليّ ألف من ثمن مَتَاع إِلَّا أَنَّهَا زيوف فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ: وَهِي زيوف.
وَحَاصِل الْفرق بَين هَذَا وَبَين مَا إِذا قَالَ هِيَ زيوف حَيْثُ لَا يصدق هُنَاكَ، لَان الزيافة وصف فَلَا يَصح استثناؤها وَهَذَا قدر.

قَوْله: (ضمن الْمقر) مَا أقرّ بِأَخْذِهِ لَهُ لانه أقرّ بِسَبَب الضَّمَان وَهُوَ الاخذ، ثمَّ إِنَّه ادّعى مَا يُوجب الْبَرَاءَة وَهُوَ الاذن بالاخذ وَالْآخر يُنكر، فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ لَهُ الْمقر لَهُ بل أَخَذتهَا قرضا، حَيْثُ يكون القَوْل للْمقر كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا لَو قَالَ

(8/279)


أَخَذته عَارِية فَقَالَ بل بيعا فَالْقَوْل للآخذ لانكاره البيع، وَهَذَا إِذا لم يلْبسهُ بَزَّازِيَّة وَالْعلَّة فِي عدم الضَّمَان هُوَ اتِّفَاقهمَا أَن الاخذ كَمَا بالاذن سائحاني.
وَلَعَلَّ الْعَارِية محرفة عَن الْوَدِيعَة، لَان اللّبْس فِي الْعَارِية مُبَاح دون الْوَدِيعَة، وَمَعْلُوم أَن الْعَارِية تبيح التَّصَرُّف كَالْبيع، فَلَا يصلح اللّبْس هُنَا فارقا، لَكِن فِي الْبَدَائِع قَالَ: أعرتني ثَوْبك فَهَلَك وَقَالَ الْمقر لَهُ لَا بل غصبته، فَإِن الْهَلَاك بعد اللّبْس يضمن، لَان لبس ثوب الْغَيْر سَبَب لوُجُوب الضَّمَان فِي الاصل، فدعوى الاذن فدعوى بَرَاءَة عَن الضَّمَان فَلَا يثبت إِلَّا بِحجَّة اهـ.

قَوْله: (وَهُوَ سَبَب الضَّمَان) قَالَ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى ترده أَي ثمَّ بعد إِقْرَاره بالاخذ ادّعى
مَا يُوجب بَرَاءَته، وَهُوَ الاذن بالاخذ وَالْآخر يُنكر، فَكَانَ القَوْل لَهُ بِيَمِينِهِ، فَإِن نكل عَنهُ لَا يلْزم، أما لَو قَالَ لَهُ بعد قَوْله أَخَذتهَا وَدِيعَة بل أَخَذتهَا قرضا يكون القَوْل للْمقر، لانهما تَصَادقا على أَن الاخذ حصل بالاذن، وَهُوَ لَا يُوجب الضَّمَان، ثمَّ إِن الْمَالِك يَدعِي عقد الْقَرْض وَالْمقر يُنكره فَالْقَوْل لَهُ، وَمثله لَو قَالَ أَخَذتهَا بيعا بعد قَوْله مَا تقدم.
أَفَادَهُ المُصَنّف وَمثله فِي الْعَيْنِيّ.

قَوْله: (أعطيتنيه) قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: وَمثله دفعتها لي وَدِيعَة وَنَحْوه مِمَّا يكون من فعل الْمقر لَهُ.
تَأمل.

قَوْله: (لانكاره الضَّمَان) قَالَ المُصَنّف: لانه لم يقر بِسَبَب الضَّمَان بل أقرّ بالاعطاء وَهُوَ فعل الْمقر لَهُ، فَلَا يكون مقرا على نَفسه بِسَبَب الضَّمَان وَالْمقر لَهُ يَدعِي عَلَيْهِ سَبَب الضَّمَان، وَهُوَ يُنكر وَالْقَوْل قَول الْمُنكر.
قَالَ فِي الْهِدَايَة: وَالْفرق أَن فِي الْفَصْل الاول أقرّ بِسَبَب الضَّمَان وَهُوَ الاخذ ثمَّ ادّعى مَا يُبرئهُ وَهُوَ الاذن وَالْآخر يُنكره، فَيكون القَوْل لَهُ مَعَ الْيَمين، وَفِي الثَّانِي أضَاف الْفِعْل إِلَى غَيره وَذَلِكَ يَدعِي بِسَبَب الضَّمَان وَهُوَ الْغَصْب وَهُوَ يُنكر فَيكون القَوْل للْمُنكر مَعَ الْيَمين.
وَمِمَّا يكثر وُقُوعه مَا فِي التاترخانية أَعَرْتَنِي هَذِهِ الدَّابَّةَ فَقَالَ لَا وَلَكِنَّك غَصَبْتَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَعِيرُ رَكِبَهَا فَلَا ضَمَانَ وَإِلَّا ضمن، وَكَذَا دفعتها لي عَارِيَّةً أَوْ أَعْطَيْتَنِيهَا عَارِيَّةً.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ قَالَ أَخَذْتُهَا مِنْك عَارِيَّةً وَجَحَدَ الْآخَرُ ضَمِنَ، وَإِذَا قَالَ أَخَذْتُ هَذَا الثَّوْبَ مِنْك عَارِيَّةً فَقَالَ أَخَذْتَهُ مِنِّي بَيْعًا فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ مَا لم يلْبسهُ لانه مُنكر الثّمن، فَإِنْ لَبِسَ ضَمِنَ أَعَرْتنِي هَذَا فَقَالَ لَا بَلْ آجَرْتُك لَمْ يَضْمَنْ إنْ هَلَكَ بِخِلَافِ قَوْله غصبته حَيْثُ يضمن إِن كَانَ اسْتَعْملهُ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ) فِيهِ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْإِشَارَةِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ الْمُقِرُّ.
تَأَمَّلْ.

قَوْله: (لاقراره بِالْيَدِ ثمَّ بالاخذ مِنْهُ) أَي ثمَّ ادّعى الِاسْتِحْقَاق بعد فَلَا يصدق بِلَا برهَان.

قَوْله: (وَصُدِّقَ مَنْ قَالَ آجَرْتُ فُلَانًا فَرْسَى هَذِهِ الخ) أَقُول صُورَة الْمَسْأَلَة: فِي يَد إِنْسَان فرس أَو ثوب فَقَالَ مُخَاطبا لزيد إِنَّك كنت أجرت أَو أعرت فرسي هَذِه أَو ثوبي هَذَا لعَمْرو فَرده عَمْرو عَليّ وَكذبه عَمْرو: أَي قَالَ لم أستأجره وَلم أستعره فَالْقَوْل للْمقر الَّذِي هُوَ ذُو الْيَد، وَلَا يكون قَوْله لزيد أجرته أَو أعرته إِقْرَارا لزيد بِالْملكِ لقَوْله فرسي أَو ثوبي.
تَأمل.
ذكره فِي الْحَوَاشِي الْخَيْرِيَّة.
قَوْله:

(8/280)


(فَالْقَوْل للْمقر اسْتِحْسَانًا) وَهُوَ قَول الامام وَقَالا القَوْل قَول الْمَأْخُوذ مِنْهُ، وَكَذَا الاعارة والاسكان لانه أقرّ لَهُ بِالْيَدِ، ثمَّ ادّعى الِاسْتِحْقَاق وَله أَن الْيَد فِيمَا ذكر لضَرُورَة اسْتِيفَاء الْمَعْقُود عَلَيْهِ، فَلَا يكون إِقْرَارا بِالْيَدِ قصدا فَبَقيت فِيمَا وَرَاء الضَّرُورَة فِي حكم يَد الْمَالِك، بِخِلَاف الْوَدِيعَة وَالْقَرْض وَنَحْوهمَا، ولان فِي الاجارة وَنَحْوهَا أقرّ بيد من جِهَته فَالْقَوْل لَهُ فِي كيفيتها، وَلم يقر بذا فِي الْوَدِيعَة فَيحْتَمل أَنَّهَا وَدِيعَة بإلقاء الرّيح فِي بَيته حَتَّى لَو قَالَ أودعتها فَهُوَ على الْخلاف، وَلَيْسَ مدَار الْفرق على ذكر الاخذ الْوَدِيعَة وَنَحْوهَا كَمَا توهمه الزَّيْلَعِيّ، لانه ذكر الاخذ فِي لطرف الآخر فِي إِقْرَار.
كَذَا فِي التَّبْيِين.
وَأَنت خَبِير بِأَنَّهُ لم يذكر فِي الْقَرْض مَا ذكر فِي الْوَدِيعَة فَكَانَ قاصرا، وَمَا ذكره فِيهَا نَادِر لَا يبتنى عَلَيْهِ حكم إِلَّا أَن يُقَال: اكْتفي بِمَا سَيذكرُهُ بعد فِي تَوْجِيه حكم قَوْله قبضت مِنْهُ ألفا كَانَت لي عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَشْمَل الْقَرْض كَمَا لَا يخفى.
وَنقل الزَّيْلَعِيّ عَن النِّهَايَة: أَن الْخلاف إِذا لم يكن الْمقر بِهِ مَعْرُوفا للْمقر، وَإِلَّا فَالْقَوْل لَهُ إِجْمَاعًا وَعَزاهُ إِلَى الاسرار، وَفِيه بِأَنَّهُ إِذا كَانَ مَعْرُوفا بِهِ فَالْقَاضِي لَا يعرف ذَلِك إِلَّا بِشَهَادَة العارفين عِنْده لَا بِمُجَرَّد قَوْله، فَلْيتَأَمَّل.
وَإِن قُلْتُمْ: القَاضِي يعلم ذَلِك.
قُلْنَا: لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ الْآن.
وَلَو قَالَ قبضت مِنْهُ ألفا كَانَت لي عَلَيْهِ وَأنكر عَلَيْهِ أَخذهَا لانه أقرّ لَهُ بِالْملكِ وَأَنه أَخذ بِحقِّهِ وَهُوَ مَضْمُون عَلَيْهِ، إِذْ الدّين يقْضِي بِمثلِهِ وَادّعى مَا يُبرئهُ وَالْآخر يُنكر، بِخِلَاف الاجارة وَنَحْوهمَا لما بَينا، ولانا لَو آخذنا النَّاس بإقرارهم فِيهَا لامتنعوا عَنْهَا وَالْحَاجة ماسة إِلَيْهَا، فَلَا يُؤَاخذ بِهِ اسْتِحْسَانًا دفعا للْحَرج.
وَفِي الْوَلوالجِيَّة: وعَلى هَذَا الْخلاف لَو قَالَ أودعت فلَانا هَذِه الالف ثمَّ أَخَذتهَا مِنْهُ هما يَقُولَانِ أقرّ بِسَبَب يُوجب ضَمَان الرَّد وَادّعى مَا يُبرئهُ فَلَا يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة، كَمَا لَو قَالَ أخذت مِنْك ألفا كَانَت وَدِيعَة لي عنْدك وَقَالَ الْمَأْخُوذ مِنْهُ بل ملكي، وَأَبُو حنيفَة يَقُول: الاقرار بالاجارة والاعارة والايداع أَولا صَحَّ، لانه أقرّ بِمَا فِي يَده وَلَيْسَ بِحقِّهِ دَعْوَى الْبَرَاءَة عَن الضَّمَان فَصَارَ الثَّابِت بالاقرار كثابت عيَانًا، وَلَو عاينا أَنه أعَار أَو آجر أَو أودع ثمَّ أَخذ لَا يلْزمه الرَّد، كَذَا هَاهُنَا، فَأَما إِذا قَالَ أخذت مِنْهُ وَهُوَ كَانَ عِنْده عَارِية أَو إِجَارَة أَو وَدِيعَة، فالاقرار بِهَذِهِ الاشياء لَا يَصح، فَصَارَ كَمَا لَو سكت عَن دَعْوَى الثَّلَاثَة، وَلَو قَالَ فلَان سَاكن فِي هَذِه الدَّار فَالْقَوْل للساكن أَنَّهَا لَهُ، وَلَو قَالَ
زرع هَذِه الارض أَو بنى هَذِه الدَّار أَو غرس الْكَرم وَهُوَ بيد الْمقر أَو خاط الْقَمِيص وَلم يقل قَبضته مِنْهُ فَقَالَ بل ملكي فَالْقَوْل للْمقر والاقرار بِالسُّكْنَى إِقْرَار بِالْيَدِ، وَلَو قَالَ ذَا اللَّبن أَو الْجُبْن من بقرته أَو الصُّوف من غنمه أَو التَّمْر من نخله أَو الْعَسَل من نحله وَطَلَبه أَمر بِالدفع إِلَيْهِ.
وَفِي الْخَانِية: ولدت أمة فِي يَده وَقَالَ الامة لفُلَان وَالْولد لي فَكَمَا قَالَ، لَان الاقرار بالجارية لَا يكون إِقْرَار بِالْوَلَدِ، بِخِلَاف الْبناء وَنَحْوه، وَكَذَا سَائِر الْحَيَوَان وَالثِّمَار المحرزة فِي الاشجار بِمَنْزِلَة ولد الْجَارِيَة، وَلَو قَالَ لصندوق فِيهِ مَتَاع فِي يَده الصندوق لفُلَان وَالْمَتَاع لي أَو هَذِه الدَّار لفُلَان وَمَا فِيهَا من الْمَتَاع لي فَالْقَوْل لَهُ.
مقدسي.

قَوْله: (بِخِلَاف الْوَدِيعَة) وَمثلهَا الْقَرْض، لَان الْيَد فيهمَا مَقْصُورَة فَيكون الاقرار بهما إِقْرَارا بِالْيَدِ كَمَا فِي الْمنح.

قَوْله: (وعَلى الْمقر ألف مثله للثَّانِي) لَان الاقرار صَحَّ

(8/281)


للاول، قَوْله لَا بل وَدِيعَة فلَان إضراب عَنهُ وَرُجُوع، فَلَا يقبل قَوْله فِي حق الاول، وَيجب عَلَيْهِ ضَمَان مثلهَا للثَّانِي لانه أقرّ لَهُ بهَا وَقد أتلفهَا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بهَا للاول فَيضمن لَهُ.
منح.
وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ الصُّلْحِ مَا لَوْ قَالَ أَوْصَى أَبِي بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ بَلْ لِفُلَانٍ.

قَوْلُهُ: (بِخِلَاف هِيَ لفُلَان الخ) فَلَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ، بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهُ حَيْثُ أقرّ بِأَنَّهُ وَدِيعَة لفُلَان الآخر يَكُونُ ضَامِنًا حَيْثُ أَقَرَّ بِهَا لِلْأَوَّلِ لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِهَا لِلْأَوَّلِ فَكَانَتْ مِلْكَ الْأَوَّلِ وَلَا يُمكن تَسْلِيمُهَا لِلثَّانِي، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْوَدِيعَةَ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا لِلْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ ضَامِنًا بِمُجَرَّدِ البيع حَيْثُ يُمكنهُ دَفعهَا لَهُ بهَا هَذَا مَا ظهر.
فَتَأمل.
وَأَيْضًا لانه أقرّ بهَا للاول ثمَّ رَجَعَ وَشهد بهَا للثَّانِي فرجوعه لَا يَصح وشهادته لَا تقبل.
منح.
فَرْعٌ: أَقَرَّ بِمَالَيْنِ وَاسْتَثْنَى كُلَّهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا: فَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْمَالَيْنِ وَاحِدًا يُصْرَفُ إلَى الْمَالِ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ قِيَاسًا وَإِلَى الْأَوَّلِ اسْتِحْسَانًا لَوْ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ رَجُلَيْنِ يُصْرَفُ إلَى الثَّانِي مُطْلَقًا، مِثْلُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِفُلَانٍ آخَرَ عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا هَذَا كُلُّهُ قَوْلُهُمَا، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَا لِرَجُلٍ يُصْرَفُ إلَى جِنْسِهِ، وَإِنْ لِرَجُلَيْنِ لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء أصلا.
تاترخانية عَن الْمُحِيط.

قَوْله: (لزمَه أَيْضا) الثَّانِي ألف لانه أقرّ لَهُ بشئ تقبله الذِّمَّة بِأَن كَانَ دينا أَو قرضا وَهِي تقبل حقوقا شَتَّى كَالدّين وَالْقَرْض وَنَحْوهمَا:
قَوْله: (وَعَلِيهِ للثَّانِي مثلهَا) لما
تقدم فِي الْوَدِيعَة.

قَوْله: (وَلَو كَانَ الْمقر لَهُ وَاحِدًا) وَقد زَاد فِي أحد الاقرارين قدرا أَو وَصفا.

قَوْله: (يلْزمه أكثرهما قدرا وأفضلهما وَصفا) أَي سَوَاء كَانَ مَا بعد بل هُوَ الافضل أَو مَا قبلهَا، وَسَوَاء كَانَ الْفضل فِي الذَّات أَو فِي الصّفة لانه حَيْثُ أقرّ بِالْقدرِ الزَّائِد أَو الْوَصْف الْفَاضِل لَا يَصح الرُّجُوع عَنهُ أَو أَخذه، لانه إِن لم يقر بِهِ أَولا فقد أقرّ بِهِ ثَانِيًا وَهَذَا إِذا كَانَ جِنْسا وَاحِدًا، فَلَو كَانَ جِنْسَيْنِ كألف دِرْهَم لَا بل دِينَار لزمَه الالفان.

قَوْله: (أَو عَكسه) رَاجع إِلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَالْقِيَاس أَن يلْزمه المالان وَبِه قَالَ زفر، كَمَا إِذا اخْتلف جنس الْمَالَيْنِ بِأَن قَالَ لفُلَان ألف دِرْهَم بل ألف دِينَار، فَإِنَّهُ يلْزمه المالان بالاجماع كَمَا قدمنَا.
وَالْحَاصِل: أَن هَذِه الْمَسْأَلَة على وَجْهَيْن أَحدهمَا: أَن يكون المَال متحدا.
وَالثَّانِي: أَن يكون مُخْتَلفا.
فَإِن كَانَ متحدا فَإِنَّهُ يلْزمه أفضل الْمَالَيْنِ، سَوَاء كَانَ مَا بعد بل هُوَ الافضل أَو مَا قبلهَا، وَسَوَاء كَانَ الْفضل فِي الذَّات أَو فِي الصّفة كَمَا قدمنَا، فَلِذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوط: إِذا أقرّ لفُلَان بِأَلف دِرْهَم ثمَّ قَالَ بل بِخَمْسِمِائَة فَعَلَيهِ ألف، وَكَذَا لَو قَالَ خَمْسمِائَة بل ألف، وَلَو قَالَ عشرَة دَرَاهِم بيض لَا بل سود أَو قَالَ سود لَا بل بيض أَو قَالَ جيد لَا بل ردئ أَو ردئ بل جيد فَعَلَيهِ أفضلهما، وَإِن كَانَ مُخْتَلفا فَعَلَيهِ المالان لَان الْغَلَط لَا يَقع فِي الْجِنْس الْمُخْتَلف عَادَة فرجوعه عَن الاول بَاطِل والتزامه الثَّانِي صَحِيح، فَلَو قَالَ لَهُ عَليّ دِرْهَم بل دِينَار لزمَه ودينار، وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ كرّ حِنْطَة لَا بل كرّ شعير

(8/282)


لزمَه الكران.
اهـ.
كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِابْنِ نُجَيْمٍ.

قَوْلُهُ: (فَهُوَ إِقْرَار لَهُ) أَي للْمقر لَهُ، قَالَ فِي شرح الملتقي: وَإِن تعدّدت الدُّيُون والودائع، وَلَا يصدق الْمقر لَهُ قَالَ عنيت بَعْضهَا اهـ.

قَوْله: (وَحقّ الْقَبْض للْمقر) فَيَأْخُذ مَا ذكر ويدفعه للْمقر لَهُ.
قَالَ فِي شرح الْمُلْتَقى: وَلَو جحد الْمُودع ضمن للْمقر لَهُ إِذا تلف.

قَوْله: (برِئ) أَي إِذا أقرّ الْمقر أَنه أذن لَهُ.
كَذَا فِي شرح الْمُلْتَقى.

قَوْله: (لكنه مُخَالف الخ) هَذَا الاستدارك وجيه ومؤيد لَا يقبل التَّغْيِير، وَرُبمَا كلمة لي فِي الْخُلَاصَة من زِيَادَة النَّاسِخ، وَلذَا لم تُوجد فِي الْوَدِيعَة بعده، لَكِن كَلَام الْحَاوِي يُؤَيّد الزِّيَادَة، وَزِيَادَة الْحَاوِي وجيهة على مَا ظهر لي حَيْثُ إِن الْعبْرَة لآخر الْكَلَام.

قَوْله: (لما مر الخ) أَي أَوَائِل كتاب الاقرار عِنْد قَول المُصَنّف جَمِيع مَالِي أَو مَا
أملكهُ هبة لَا إِقْرَار وَقدمنَا الْجَواب عَن ذَلِك والتوفيق بِمَا يشفي الغليل، فَرَاجعه إِن شِئْت.

قَوْله: (إِن أضَاف إِلَى نَفسه كَانَ هبة) أَي فيراعي شُرُوطهَا وَلَا يكون إِقْرَارا لانه إِخْبَار، وَقَضِيَّة الاضافة إِلَى نَفسه مُنَافِيَة لَهُ فَيكون هبة.

قَوْله: (فَيلْزم التَّسْلِيم) لَان هبة الدّين لَا تصح مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إلَّا إذَا سلط على قَبضه.

قَوْله: (وَلذَا قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدسِي) عِبَارَته كَمَا فِي الْمنح قَالَ: الدّين الَّذِي لي على زيد فَهُوَ لعَمْرو وَلم يُسَلِّطهُ على الْقَبْض لَكِن قَالَ وَاسْمِي فِي كِتَابِ الدَّيْنِ عَارِيَّةٌ صَحَّ، وَلَو لم يقل هَذَا لم يَصح اهـ.
فَهُوَ من غير ذكر لفظ لَو، واستفيد من هَذَا أَنه لَو سلطه على قَبضه أَو قَالَ هَذِه الْجُمْلَة صَحَّ على أَنه إِقْرَار وَإِلَّا يَصح إِقْرَارا بل هبة.

قَوْله: (قَالَ المُصَنّف وَهُوَ) أَيْ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ لَمْ يَصِحَّ هُوَ الْمَذْكُور فِي عَامَّة الْمُعْتَبرَات، خلافًا للخلاصة.
حَاصله: أَنه إنْ سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ أَوْ لَمْ يُسَلِّطْهُ وَلَكِنْ قَالَ اسْمِي فِيهِ عَارِيَّةٌ يَصِحُّ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ هِبَةً وَعَلَى الثَّانِي إقْرَارًا، وَتَكُونُ إضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ إضَافَةَ نِسْبَةٍ لَا مِلْكٍ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِيمَا مَرَّ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ.
قَوْلَهُ: وَاسْمِي عَارِيَّةٌ لِيَكُونَ قَرِينَةً عَلَى إرَادَةِ إضَافَةِ النِّسْبَةِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمَتْنِ وَيَكُونُ إطْلَاقًا فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ، فَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ فِي جَعْلِهِ إقْرَارًا وَلَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ الْمَارَّ لِلْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ.
وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: امْرَأَةٌ قَالَتْ الصَّدَاقُ الَّذِي لِي عَلَى زَوْجِي مِلْكُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ لَا حَقَّ لِي فِيهِ وَصَدَّقَهَا الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا قِيلَ يَبْرَأُ، وَقِيلَ لَا.
وَالْبَرَاءَةُ أَظْهَرُ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمَرْغِينَانِيُّ مِنْ عَدَمِ صِحَة الاقرار، فَيكون الابراء ملاقيا لمحله اهـ.
أَي فَإِنَّ هُنَا الْإِضَافَةَ لِلْمِلْكِ ظَاهِرَةٌ، لِأَنَّ صَدَاقَهَا لَا يَكُونُ لِغَيْرِهَا فَكَانَ إقْرَارُهَا لَهُ هِبَةً بِلَا تسليط على الْقَبْض.
وَأعَاد الشَّارِحُ الْمَسْأَلَةَ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْهِبَةِ وَاسْتَشْكَلَهَا، وَقَدْ عَلِمْتَ زَوَالَ الْإِشْكَالِ بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ فَاغْتَنِمْهُ.

قَوْله: (فَتَأمل عِنْد الْفَتْوَى) الْعبْرَة لما فِي عَامَّة كتب الْمَذْهَب، وَفِي شرح الْعَلامَة عبد الْبر، وَقَالُوا: إِذا أضَاف المَال إِلَى نَفسه بِأَن قَالَ عَبدِي هَذَا لفُلَان يكون هبة على كل حَال، وَإِن لم يضف إِلَى نَفسه بِأَن قَالَ هَذَا المَال لفُلَان يكون إِقْرَارا اهـ.
وَهَذِه الْمَسْأَلَة ذكرهَا ابْن وهبان حَيْثُ قَالَ:

(8/283)


وَمن قَالَ ديني ذَا لذا صَحَّ دَفعه إِلَى ذَا وَذَا حَيْثُ التصادق يذكر قَالَ شارحها عبد الْبر: مَسْأَلَة الْبَيْت من التَّتِمَّة وَغَيرهَا قَالَ الْمقر لَهُ بِالدّينِ إِذا أقرّ أَن الدّين لفُلَان وَصدقه فلَان صَحَّ، وَحقّ الْقَبْض للاول دون الثَّانِي، لَكِن مَعَ هَذَا لَو أدّى إِلَى الثَّانِي برِئ، وَجعل الاول كوكيل، وَالثَّانِي كموكل.
اهـ.
وَظَاهره أَنه يكون لفُلَان بِمُجَرَّد التصادق وَإِن لم يقل اسْمِي عَارِية، وَلم يُسَلط الْمقر لَهُ على قَبضه، فَكَانَ هَذَا التصادق مُفِيدا لملك الْمقر لَهُ، وَكَانَ الْمقر كَالْوَكِيلِ عَن الْمقر لَهُ، وَإِن حمل مَا فِي الْحَاوِي على أَن الْمقر لَهُ كَانَ ساكتا، وَمَسْأَلَة الْبَيْت فِيمَا إِذا وجد مِنْهُ تَصْدِيق حصل التوافق وَزَالَ التَّنَافِي وَالِاضْطِرَاب، وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم.