قره عين الأخيار لتكملة رد المحتار علي «الدر المختار شرح تنوير الأبصار»

كتاب الصُّلْح
قَوْله: (مناسبته الخ) يَعْنِي أَن الصُّلْح يتسبب عَن الْخُصُومَة المترتبة على إِنْكَار الْمقر إِقْرَاره: أَي فتناسب الصُّلْح والاقرار بواسطتين وَلكنهَا مُنَاسبَة خُفْيَة.
والاظهر أَن يُقَال: إِن الصُّلْح يكون عَن الاقرار فِي بعض وجوهه كَمَا سيبينه، فَلِذَا ذكره بعده ثمَّ ذكر مَعَه قسميه تتميما للفائدة.

قَوْله: (الْمقر) الصَّوَاب: الْمُدعى عَلَيْهِ كَمَا فِي الدُّرَر
قَوْله: (اسْم من الْمُصَالحَة) وَهِي الْمَسْأَلَة، والاولى اسْم للمصالحة والتصالح خلاف الْمُخَاصمَة والتخاصم، وَأَصله من الصّلاح وَهُوَ استقامة الْحَال على مَا يَدْعُو إِلَيْهِ
الْعقل، وَمَعْنَاهُ دَال على حسنه الذاتي، وَكم من فَسَاد انْقَلب بِهِ إِلَى الصّلاح، وَلِهَذَا أَمر الله تَعَالَى بِهِ عِنْد حُصُول الْفساد والفتن بقوله: * ((49) وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا) * (الحجرات: 9) ، * ((4) وَالصُّلْح خير) * (النِّسَاء: 821) والصالح: الْمُسْتَقيم الْحَال فِي نَفسه.
ذكره الْقُهسْتَانِيّ.
وَفِي صَلَاة الْجَوْهَرَة: الصَّالح الْقَائِم بِحُقُوق الله تَعَالَى وَحُقُوق الْعباد، وَإِنَّمَا ذكر الضَّمِير بقوله هُوَ لكَونه مِمَّا يذكر وَيُؤَنث كَمَا فِي الصِّحَاح.

قَوْله: (وَيقطع الْخُصُومَة) عطف تفصير كَمَا يفِيدهُ الْحَمَوِيّ، فَإِنَّهُ فسر رفع النزاع بِقطع الْخُصُومَة.

قَوْله: (مُطلقًا) أَي فِيمَا يتَعَيَّن وَفِيمَا لَا يتَعَيَّن.

قَوْله: (فِيمَا يتَعَيَّن) إِنَّمَا اشْترط الْقبُول لانه لَيْسَ من الاسقاط حَتَّى يتم بالمسقط وَحده لعدم جَرَيَانه فِي الاعيان ط.

قَوْله: (فَيتم بِلَا قبُول) أَي من الْمَطْلُوب إِذا بَدَأَ هُوَ بِطَلَبِهِ، بِأَن ادّعى شخص على شخص دَرَاهِم وَنَحْوهَا فَطلب الْمُدعى عَلَيْهِ الصُّلْح على نصفهَا فَقَالَ الْمُدَّعِي صالحتك على ذَلِك، فَلَا يشْتَرط قبُول الْمُدعى عَلَيْهِ لَان ذَلِك إِسْقَاط من الْمُدَّعِي وَهُوَ يتم بالمسقط وَحده، وَهَذَا إِنَّمَا يظْهر فِي صُورَة الاقرار ط.
وَالْحَاصِل: أَن الْمُوجب هُوَ الْمُدَّعِي فَيشْتَرط قبُول الْمُدعى عَلَيْهِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ لَا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ.
وَأَمَّا إِذا كَانَ الْمُوجب هُوَ الْمُدعى عَلَيْهِ فَلَا بُد من الْقبُول من الْمُدَّعِي مُطلقًا سَوَاء فِيهِ مَا يتَعَيَّن وَمَا لَا يتَعَيَّن.

قَوْله: (وسيجئ) أَي قَرِيبا.

قَوْله: (الْعقل) لَا حَاجَة إِلَيْهِ لانه شَرط فِي جَمِيع الْعُقُود والتصرفات الشَّرْعِيَّة، فَلَا يَصح صلح مَجْنُون وَصبي لَا يعقل.
دُرَر.
وَكَذَا لَا يَصح صلح الْمَعْتُوه والنائم والمبرسم والمدهوش والمغمى عَلَيْهِ إِذْ لَيْسَ لَهُم قصد شَرْعِي، وَخص بذكرهما لِكَوْنِهِمَا مَنْصُوصا عَلَيْهِمَا بِعَدَمِ جَرَيَان الاحكام الفرعية عَلَيْهِمَا فَيدْخل حكم هَؤُلَاءِ فِي حكمهمَا بِالدّلَالَةِ أَو بِالْقِيَاسِ، لَان حَالهم كحالهما بل أَشد تَارَة.
صرح بِهِ فِي الْفُصُول.
وَأما السَّكْرَان فَلَا يدْخل فيهم لانه مُخَاطب زجرا لَهُ وتشديدا عَلَيْهِ لزوَال عقله بِمحرم، وَلذَلِك قَالَ فِي منية الْمُفْتِي: صلح السَّكْرَان جَائِز.
أَقُول: قد سبق فِي كتاب الطَّلَاق وَفِي شَتَّى الاقرار إِنَّمَا هُوَ عِنْد أَكثر أَئِمَّتنَا.
وَأما الْكَرْخِي والطَّحَاوِي وَمُحَمّد بن سَلام قَالُوا بِعَدَمِ وُقُوعه فَيجْرِي على الْخلاف الْمَذْكُور، لَكِن علمت أَن الاصح

(8/345)


الْوُقُوع، وَعَلِيهِ فَيَنْبَغِي صِحَة صلحه على الاصح.

قَوْله: (فصح من صبي مَأْذُون) وَيصِح عَنْهُ بِأَنْ صَالَحَ أَبُوهُ عَنْ دَارِهِ وَقَدْ ادَّعَاهَا مُدع وَأقَام الْبُرْهَان ط.

قَوْله: (إِن عري) بِكَسْر الرَّاء: أَي خلا، وَأما بِفَتْحِهَا فَمَعْنَاه حل وَنزل.

قَوْله: (عَن ضَرَر بَين) بِأَن كَانَ نفعا مَحْضا أَو لَا نفع فِيهِ وَلَا ضَرَر أَو فِيهِ ضَرَر غير بَين، فَإِذا ادّعى الصَّبِي الْمَأْذُون على إِنْسَان دينا وَصَالَحَهُ على بعض حَقه، فَإِن لم يكن لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة جَازَ الصُّلْح إِذْ عِنْد انعدامها لَا حق لَهُ إِلَّا الْخُصُومَة وَالْحلف وَالْمَال أَنْفَع مِنْهُمَا، وَإِن كَانَت الْبَيِّنَة لم يجز لَان الْحَط تبرع وَهُوَ لَا يملكهُ، وَمِثَال مَا لَا ضَرَر فِيهِ وَلَا نفع: صلحه عَن عين بِقدر قيمتهَا، وَمِثَال مَا لَا ضَرَر فِيهِ بَين: مَا إِذا أخر الدّين فَإِنَّهُ يجوز لانه من أَعمال التِّجَارَة ط.
أَقُول: وَهَذَا ظَاهر فِي الصَّبِي وَالْمكَاتب والمأذون الْمَدْيُون.
وَأما الْمَأْذُون الْغَيْر الْمَدْيُون فَيَنْبَغِي صِحَة صلحه كَيْفَمَا كَانَ حَيْثُ كَانَ بِإِذن سَيّده لانه وَمَا فِي يَده لمَوْلَاهُ فَيكون صلحه كصلح مَوْلَاهُ، وَلَا حق فِي مَاله لغريم كالمديون وَلَا تصرفه مَنُوط بِالْمَصْلَحَةِ كَالصَّبِيِّ وَالْمكَاتب، تَأمل.

قَوْله: (وَصَحَّ من عبد مَأْذُون) لَو لم يكن فِيهِ ضَرَر بَين، لكنه لَا يملك الصُّلْح على حط بعض الْحق إِذا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة وَيملك التَّأْجِيل مُطلقًا وَحط بعض الثّمن للعيب لما ذكر، وَلَو صَالحه البَائِع على حط بعض الثّمن جَازَ لما ذكر فِي الصَّبِي الْمَأْذُون كَمَا فِي الدُّرَر.

قَوْله: (ومكاتب) فَإِنَّهُ نَظِير العَبْد الْمَأْذُون فِي جَمِيع مَا ذكر لانه عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم، فَإِن عجز الْمكَاتب فَادّعى عَلَيْهِ رجل دينا فاصطلحا أَن يَأْخُذ بعضه وَيُؤَخر بعضه، فَإِن لم يكن لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة لم يجز لانه لما عجز صَار مَحْجُورا فَلَا يَصح صلحه.
دُرَر.
أَقُول: قَوْله فَادّعى عَلَيْهِ رجل دينا: أَي كَانَ فِي زمن كِتَابَته إِلَّا أَن الصُّلْح وَاقع بعد الْعَجز، هَذَا هُوَ المُرَاد، فَحِينَئِذٍ لَا يكون الشَّرْط الثَّانِي مُسْتَغْنى عَنهُ، وَقيد بِهِ لانه لَو كَانَ للْمُدَّعِي بَيِّنَة صلح الْمَحْجُور لَا من حَيْثُ إِنَّه مَحْجُور بل من حَيْثُ أَن دينه دين فِي زمن كِتَابَته.
تدبر.
وَأَقُول: وَمثل الْمكَاتب الْمَعْتُوه الْمَأْذُون فَإِنَّهُ نَظِير العَبْد الْمَأْذُون على مَا سبق.

قَوْله: (وَلَو فِيهِ نَفْعٌ) لَوْ قَالَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لَكَانَ أَوْلَى، لِيَشْمَلَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفْعٌ وَلَا ضَرَرٌ أَو كَانَ فِيهِ ضَرَر غير بَين كَمَا تقدم أَمْثِلَة ذَلِك قَرِيبا.

قَوْله: (مَعْلُوما) سَوَاء كَانَ مَالا أَو مَنْفَعَة، بِأَن صَالح على خدمَة عبد بِعَيْنِه سنة أَو ركُوب دَابَّة بِعَينهَا أَو زراعة أَرض أَو سُكْنى دَار وقتا مَعْلُوما فَإِنَّهُ يجوز وَيكون فِي
معنى الاجارة، وَخرج مَا لم يكن كَذَلِك، فَلَا يَصح الصُّلْح عَن الْخمر وَالْميتَة وَالدَّم وصيد الاحرام وَالْحرم وَنَحْو ذَلِك، لَان فِي الصُّلْح معنى الْمُعَاوضَة، فَمَا لَا يصلح للعوض وَالْبيع لَا يصلح عوضا فِي الصُّلْح ط.
قَالَ فِي الْمنح: أَن يكون مَعْلُوما بِذكر الْمِقْدَار فِي مثل الدَّرَاهِم فَيحمل على النَّقْد الْغَالِب فِي الْبَلَد، وبذكر الْمِقْدَار وَالصّفة فِي نَحْو بر، وبمكان التَّسْلِيم أَيْضا عِنْد أبي حنيفَة، وبالاجل أَيْضا فِي نَحْو ثوب، وبإشارة وَتَعْيِين فِي نَحْو حَيَوَان كَمَا فِي الْعمادِيَّة، لَان جَهَالَة الْبَدَل تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة فَيفْسد الصُّلْح انْتهى.
قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَازِيًا لِلْمَبْسُوطِ: الصُّلْحُ على خَمْسَة أوجه: الاول: صلح على دَارهم أَو دَنَانِير أَو فَلَو س، فَيحْتَاج إِلَى ذكر الْقدر.
الثَّانِي: على تبر أَوْ كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ مِمَّا لَا حَمْلَ لَهُ، وَلَا مُؤنَة، فَيحْتَاج إِلَى قَدْرٍ وَصِفَةٍ، إذْ يَكُونُ جَيِّدًا أَوْ وَسَطًا أَوْ رَدِيئًا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ.

(8/346)


الثَّالِثُ: عَلَى كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ مِمَّا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، فَيَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ قَدْرٍ وَصِفَةٍ وَمَكَانِ تَسْلِيمِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي السَّلَمِ.
الرَّابِعُ: صُلْحٌ عَلَى ثَوْبٍ، فَيَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ ذَرْعٍ وَصِفَةٍ وَأَجَلٍ إذْ الثَّوْبُ لَا يَكُونُ دَيْنًا إلَّا فِي السَّلَمِ وَهُوَ عُرِفَ مُؤَجَّلًا.
الْخَامِسُ: صُلْحٌ عَلَى حَيَوَانٍ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِعَيْنِهِ، إذْ الصُّلْحُ مِنْ التِّجَارَةِ وَالْحَيَوَانُ لَا يصلح دينا فِيمَا انْتهى؟
قَوْله: (إِن كَانَ يحْتَاج إِلَى قَبضه) فَإِن كَانَ لَا يحْتَاج إِلَى قَبضه لَا يشْتَرط معلوميته مثل أَن يذعي حَقًّا فِي دَارِ رَجُلٍ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا فِي أَرْضٍ بِيَدِ الْمُدَّعِي فَاصْطَلَحَا عَلَى ترك الدَّعْوَى جَازَ وَإِن لم يبين كل مِنْهُمَا مِقْدَار حَقه، لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَمَا فِي الدُّرَر.
قَالَ فِي الْعِنَايَة: ويفسده جَهَالَة الْمصَالح عَلَيْهِ لانها تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة دون جَهَالَة الْمصَالح عَنهُ لانه يسْقط، وَهَذَا لَيْسَ على إِطْلَاقه بل فِيهِ تَفْصِيل، وَهُوَ أَن الصُّلْح بِاعْتِبَار بدليه على أَرْبَعَة أوجه: إِمَّا أَن يكون عَن مَعْلُوم على مَعْلُوم وَهُوَ جَائِز لَا محَالة، وَإِمَّا أَن يكون عَن مَجْهُول على مَجْهُول، فَإِن لم يحْتَج
فِيهِ إِلَى التَّسْلِيم والتسلم، مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ حَقًّا فِي دَارِ رَجُلٍ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا فِي أَرْضٍ بِيَدِ الْمُدعى فاصطلحا على ترك الدَّعْوَى جَازَ وَإِن احْتِيجَ إِلَيْهِ، وَقد اصطلحا على أَن يدْفع أَحدهمَا مَالا وَلم يُبينهُ على أَن يتْرك الآخر دَعْوَاهُ أَو على أَن يسلم إِلَيْهِ مَا ادَّعَاهُ لم يجز، وَإِمَّا أَن يكون عَن مَجْهُول على مَعْلُوم وَقد احْتِيجَ إِلَيْهِ إِلَى التَّسْلِيم، كَمَا لَو ادّعى حَقًا فِي دَار يَد رجل وَلم يسمه فاصطلحا على أَن يُعْطِيهِ الْمُدعى مَالا مَعْلُوما ليسلم الْمُدعى عَلَيْهِ مَا ادَّعَاهُ وَهُوَ لَا يجوز، وَإِن لم يحْتَج فِيهِ إِلَى التَّسْلِيم كَمَا إِذا اصطلحا فِي هَذِه الصُّورَة على أَن يتْرك الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ جَازَ، وَإِمَّا أَن يكون عَن مَعْلُوم على مَجْهُول وَقد احْتِيجَ فِيهِ إِلَى التَّسْلِيم لَا يجوز، وَإِن لم يحْتَج إِلَيْهِ جَازَ.
والاصل فِي ذَلِك أَن الْجَهَالَة المفضية للمنازعة الْمَانِعَة عَن التَّسْلِيم والتسلم هِيَ الْمفْسدَة، فَمَا لَا يجب التسلم وَالتَّسْلِيم جَازَ، وَمَا وجبا فِيهِ لم يجز مَعَ الْجَهَالَة، لَان الْقُدْرَة على تَسْلِيم الْبَدَل شَرط لكَونه فِي معنى البيع انْتهى..
قَوْله: (وَكَون الْمصَالح عَنهُ حَقًا) أَي للْمصَالح ثَابتا فِي الْمحل لَا حَقًا لله تَعَالَى فَخرج بقولنَا: أَي للْمصَالح مَا إِذا ادَّعَت مُطلقَة على زَوجهَا أَن صَبيا فِي يَد أَحدهمَا ابْنهَا مِنْهُ فصالحها على شئ لتترك الدَّعْوَى فَإِنَّهُ يبطل، لَان النّسَب حق الصَّبِي لَا حَقّهمَا فَلَا تملك الِاعْتِيَاض عَن حق غَيرهَا.
وَخرج بقولنَا ثَابتا فِي الْمحل مصالحة الْكَفِيل بِالنَّفسِ على مَال على أَن يُبرئهُ من الْكفَالَة، لَان الثَّابِت للطَّالِب حق الْمُطَالبَة بِتَسْلِيم نفس الاصيل، وَهُوَ عبارَة عَن ولَايَة الْمُطَالبَة وَأَنَّهَا صفة الْوَالِي فَلَا يجوز الصُّلْح عَنهُ كَمَا يَأْتِي.
وَاخْتلفت الرِّوَايَة فِي بطلَان الْكفَالَة كَمَا فِي الْكَافِي، والاصح بُطْلَانهَا كَمَا فِي منية الْمُفْتِي، وَبِه يُفْتى كَمَا فِي الْعِنَايَة والبيانية: وَبَقِي من الشُّرُوط قَبْضُ بَدَلِهِ إنْ كَانَ دَيْنًا بِدَيْنٍ، وَإِلَّا لَا كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْله: (كَالْقصاصِ) فِي النَّفس، إِنَّمَا جَازَ الصُّلْح عَنهُ لَان الْمحل فِيهِ يصير مَمْلُوكا فِي حق الِاسْتِيفَاء فَكَانَ الْحق ثَابتا فِي الْمحل فَيملك الِاعْتِيَاض عَنهُ بِالصُّلْحِ ط.

قَوْله: (وَالتَّعْزِير) الَّذِي هُوَ حق العَبْد كَأَن صَالحه عَن سبه بِمَا دون قذف، أما التَّعْزِير الَّذِي هُوَ حق الله تَعَالَى كقبلة من أَجْنَبِيَّة فَالظَّاهِر عدم صِحَة الصُّلْح عَنهُ، لَان الصُّلْح لَا يكون إِلَّا من صَاحب الْحق كَمَا أَفَادَهُ الرحمتي.

قَوْله: (أَو مَجْهُولا) كَأَن

(8/347)


ادّعى عَلَيْهِ قدرا من المَال فصولح أَو ادّعى عَلَيْهِ الْقصاص وَلم يبين أَنه فِي نفس أَو طرف أَو شَتمه وَلم
يبين بِمَاذَا شَتمه، وَتقدم فِي بَاب الِاسْتِحْقَاق صِحَة الصُّلْح عَن مَجْهُول عَن مَعْلُومٍ، لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازعَة، ولان الْمُصَالَحَ عَنْهُ سَاقِطٌ فَهُوَ مِثْلُ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمَجْهُولِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا لِمَا ذُكِرَ، بِخِلَافِ عِوَضِ الصُّلْحِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَطْلُوبَ التَّسْلِيمِ اُشْتُرِطَ كَوْنُهُ مَعْلُومًا لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَانْظُر مَا تقدم عَن الْفَتْح أَوَاخِر الْعَيْب، وَكَونه مَجْهُولا: أَي بِشَرْط أَن يكوم مَالا يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ كَتَرْكِ الدَّعْوَى مَثَلًا، بِخِلَافِ مَا لَو كَانَ عَن التَّسْلِيم الْمُدعى بِهِ.
قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا مَعْلُومًا فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَ بَدَلَ الصُّلْحِ وَذَكَرَ فِي آخِرِ الصَّكِّ وَأَبْرَأَ الْمُدَّعِيَ عَنْ جَمِيعِ دَعْوَاهُ وَخُصُومَاتِهِ إبْرَاءً صَحِيحًا عَامًّا، فَقِيلَ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْح لانه لم يذكر قدر المَال الْمُدعى بِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِيُعْلَمَ أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ وَقَعَ مُعَاوَضَةً أَوْ إسْقَاطًا أَوْ وَقَعَ صَرْفًا شَرَطَ فِيهِ التَّقَابُضَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ لَا، وَقَدْ ذَكَرَ قَبْضَ بَدَلِ الصُّلْحِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَجْلِسِ الصُّلْحِ، فَمَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِصِحَّةِ الصُّلْحِ.
وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ فَقَدْ حَصَلَ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَّعِي بعده للابراء الْعَام لَا للصلح.
قَالَ فِي الْبَحْر: والجهالة فِيهِ إِن كَانَت تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة كوقوعها فِيمَا يحْتَاج إِلَى التَّسْلِيم منعت صِحَّته، وَإِلَّا لَا، فَبَطل إِن كَانَ الْمصَالح عَلَيْهِ، أَو عَنهُ مَجْهُولا لَا يحْتَاج إِلَى التَّسْلِيم كصلحه بعد دَعْوَاهُ مَجْهُولا على أَن يدْفع لَهُ مَالا وَلم يسمه اهـ.
أَقُول: لَكِن فِي قَوْله جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَلَا بُد من بَيَانه نظر، لَان المَال بالصورة مَعْلُوم بِدَلِيل قَوْله أول عِبَارَته: ادّعى عَلَيْهِ مَالا مَعْلُوما، وَالظَّاهِر أَن لفظ مَعْلُوما زَائِد حَتَّى يتم المُرَاد تَأمل.

قَوْله: (كحق شُفْعَة) يَعْنِي إِذا صَالح المُشْتَرِي الشَّفِيع عَن الشُّفْعَة الَّتِي وَجَبت لَهُ على شئ على أَن يسلم الدَّار للْمُشْتَرِي فَالصُّلْح بَاطِل، إِذْ لَا حق للشَّفِيع فِي الْمحل سوى حق التَّمْلِيك، وَهُوَ لَيْسَ بِأَمْر ثَابت فِي الْمحل، بل هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ وِلَايَةِ الطَّلَبِ، وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْمَالِ فِي مُقَابلَته كَمَا فِي الدُّرَر وَأطْلقهُ.
وَهُوَ على ثَلَاثَة أوجه: أَن يُصَالح على دَرَاهِم مَعْلُومَة على أَن يسلم الدَّار للْمُشْتَرِي، وَأَن يُصَالح على بَيت معِين مِنْهَا بِحِصَّتِهِ من الثّمن وَأَن يُصَالح على نصف الدَّار بِنصْف الثّمن، فَفِي الاولين يبطل الصُّلْح وَكَذَا الشُّفْعَة فِي الاول، وَيصِح الصُّلْح فِي الثَّالِث وَالشُّفْعَة لَا تبطل فِيهِ وَفِي
الثَّانِي كَمَا فِي الْمَبْسُوط وَغَيره فَظهر أَن المرد بقول الدُّرَر على شئ: دَرَاهِم مَعْلُومَة وَنَحْوهَا.

قَوْله: (وحد قذف) بِأَن قذف رجلا فَصَالحه على مَال على أَن يعْفُو عَنهُ، لانه وَإِن كَانَ للْعَبد فِيهِ حق فالغالب فِيهِ حق الله تَعَالَى والمغلوب مُلْحق بالمعدوم، وَكَذَلِكَ لَا يجوز الصُّلْح عَن حق الله تَعَالَى وَلَو ماليا كَالزَّكَاةِ، وَلَا حد الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر، بِأَن أَخذ زاينا أَو سَارِقا من غَيره أَو شَارِب خمر فَصَالحه على مَال على أَن لَا يرفعهُ إِلَى ولي الامر لانه حق الله تَعَالَى، وَلَا يجوز عَنهُ الصُّلْح لَان الْمصَالح بِالصُّلْحِ يتَصَرَّف إِمَّا بِاسْتِيفَاء كل حَقه أَو اسْتِيفَاء بعضه وَإِسْقَاط الْبَاقِي أَو بالمعاوضة، وكل ذَلِك لَا يجوز فِي غير حَقه كَمَا فِي الدُّرَر.
وَإِنَّمَا لَا يجوز الصُّلْح عَن حُقُوقه تَعَالَى لَان الاصل فِيهِ أَن الِاعْتِيَاض عَن حق الْغَيْر لَا يجوز، وَالْحُدُود الْمَشْرُوعَة لما كَانَت حَقًا لله تَعَالَى خَالِصا أَو غَالِبا، فَلَا يجوز لَاحَدَّ أَن يُصَالح على شئ فِي حق الله تَعَالَى، وَالْمرَاد من حق الله تَعَالَى مَا يتَعَلَّق بِهِ النَّفْع الْعَام لاهل الْعَالم فَلَا يخْتَص بِهِ أحد كَحُرْمَةِ الزِّنَا، فَإِن نَفعه عَائِد إِلَى جَمِيع أهل الْعَالم وَهُوَ سَلامَة أنسابهم وصيانة فرشهم وارتفاع

(8/348)


السَّيْف بَين العشائر بِسَبَب التَّنَازُع بَين الزناة، وَلذَلِك لَا يُبَاح الزِّنَا بِإِبَاحَة الْمَرْأَة أَو أَهلهَا، وَإِنَّمَا نسب إِلَى الله تَعَالَى مَعَ أَن النَّفْع عَائِد إِلَى الْعباد تَعْظِيمًا لانه متعال عَن أَن ينْتَفع بشئ، وَلَا يجوز أَن يكون حَقًا لَهُ بِجِهَة التخليق لَان الْكل سَوَاء فِي ذَلِك، كَذَا فِي شرح الْمنَار لجلال الدّين.

قَوْله: (وكفالة بِنَفس) الْوَجْه فِيهِ كالوجه فِي سابقه، وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهَا قَرِيبا، وَقيد الْكفَالَة بكفالة النَّفس، لانه لَو صَالحه عَن كَفَالَة المَال يكون إِسْقَاطًا لبَعض الدّين عَنهُ وَهُوَ صَحِيح.

قَوْله: (وَيبْطل بِهِ الاول) أَي حق الشُّفْعَة لرضا الشَّفِيع بِسُقُوط حَقه.

قَوْله: (وَكَذَا الثَّانِي) أَي حد الْقَذْف.

قَوْله: (لَو قبل الرّفْع للْحَاكِم) ظَاهره أَنه يبطل الصُّلْح أصلا وَهُوَ الَّذِي فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَن قاضيخان، فَإِنَّهُ قَالَ: بَطَلَ الصُّلْحُ وَسَقَطَ الْحَدُّ إنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ بعده لَا يبطل وَقَالَ فِي الْحَدُّ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ بِالْعَفْوِ لِعَدَمِ الطَّلَبِ، حَتَّى لَوْ عَادَ وَطَلَبَ حُدَّ الاشباه: لَا يَصح الصُّلْح عَن الْحَد وَلَا يسْقط بِهِ حد الْقَذْف إِن كَانَ قبل المرافعة كَمَا فِي
الْخَانِية.
قَالَ البيري: أَي فَإِن الْحَد يسْقط وَإِن كَانَ الصُّلْح لم يجز.
أما إِذا كَانَ بعد المرافعة فَلَا يسْقط.
أَقُول: هَذَا الَّذِي فِي الْخَانِية يُنَافِي مَا ذكره فِي الايضاح بِأَن لَهُ أَن يُطَالب بعد الْعَفو وَالصُّلْح عَن ذَلِك، فَرَاجعه فِي الاقرار.
وَعبارَة الاشباه فِي الاقرار: وَلَا يملك الْمَقْذُوف الْعَفو عَن الْقَاذِف، وَلَو قَالَ الْمَقْذُوف كنت مُبْطلًا فِي دعواي سقط الْحَد.
كَذَا فِي حيل التاترخانية من حيل المداينات.
قَالَ البيري: قَالَ فِي الايضاح: وَإِذا ثَبت الْحَد لم يجز الاسقاط وَلَا الْعَفو، وَلذَا إِذا عَفا قبل المرافعة أَو أَبْرَأ أَو صَالح على مَال فَذَلِك بَاطِل وَيرد مَال الصُّلْح، وَله أَن يُطَالِبهُ بِالْحَدِّ بعد ذَلِك اهـ.
وَقدم الشَّارِح فِي بَاب حد الْقَذْف: وَلَا رُجُوعَ بَعْدَ إقْرَارٍ وَلَا اعْتِيَاضَ: أَيْ أَخذ عِوَضٍ وَلَا صُلْحَ وَلَا عَفْوَ فِيهِ وَعَنْهُ.
نَعَمْ لَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ فَلَا حَدَّ لَا لصِحَّة الفعو بَلْ لِتَرْكِ الطَّلَبِ، حَتَّى لَوْ عَادَ وَطَلَبَ حد.
شمني.
وَلذَا لَا يتم إِلَّا بِحَضْرَتِهِ، فَأفَاد أَنه لَا صلح فَلَا يسْقط، وَظَاهره وَلَو قبل المرافعة، وَلَا يُقَام إِلَّا بِطَلَب الْمَقْذُوف فِي الْمَوْضِعَيْنِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى الْبطلَان لعدم الطّلب، وَكَذَا يُقَال فِي حد السّرقَة فَإِنَّهُ لَا يَصح عَنهُ الصَّالح كَمَا فِي مجمع الْفَتَاوَى، فَكَانَ على المُصَنّف وَالشَّارِح أَن يستثنيه أَيْضا.

قَوْله: (لَا حد زنا) أَي لَا يَصح الصُّلْح عَنهُ.
صورته: زنى رجل بِامْرَأَة رجل فَعلم الزَّوْج وَأَرَادَ أَحدهمَا الصُّلْح فتصالحا مَعًا أَو أَحدهمَا على مَعْلُوم على أَن يعْفُو كَانَ بَاطِلا وعفوه بَاطِل، سَوَاء كَانَ قبل الرّفْع أَو بعده.
وَالرجل إِذا قذف امْرَأَته المحصنة حَتَّى وَجب اللّعان كَانَ بَاطِلا، وعفوها بعد الرّفْع بَاطِل وَقبل الرّفْع جَائِز.
خَانِية.

قَوْله: (وَشرب مُطلقًا) أَي إِذا صَالح شَارِب الْخمر القَاضِي على أَن يَأْخُذ مِنْهُ مَالا وَيَعْفُو عَنهُ لَا يَصح الصُّلْح وَيرد المَال على شَارِب الْخمر سَوَاء كَانَ ذَلِك قبل الرّفْع أَو بعده كَمَا فِي الْخَانِية.
فَلْيحْفَظ، والآن مبتلون بذلك، وَلَا حول وَلَا قولة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم.
فَرْعٌ: قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَفِي نَظْمِ الْفِقْهِ: أَخذ سَارِقا فِي دَارِ غَيْرِهِ فَأَرَادَ رَفْعَهُ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ فَدَفَعَ لَهُ السَّارِقُ مَالًا عَلَى أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ يَبْطُلُ وَيَرُدُّ الْبَدَلَ إلَى السَّارِقِ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ

(8/349)


الصُّلْحُ مَعَ صَاحِبِ السَّرِقَةِ بَرِئَ مِنْ الْخُصُومَةِ بِأَخْذِ الْمَالِ، وَحَدُّ السَّرِقَةِ لَا يَثْبُتُ مِنْ غير خُصُومَة
وَيصِح الصُّلْح اهـ.
وَفِيهَا أَيْضًا: اُتُّهِمَ بِسَرِقَةٍ وَحَبْسٍ فَصَالَحَ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ الصُّلْحَ كَانَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ، إِن حَبْسِ الْوَالِي تَصِحَّ الدَّعْوَى لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ حبس ظلما، وَإِن كَانَ فِي حَبْسِ الْقَاضِي لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنه يحبس بِحَق اهـ.
أَقُول: وَهَذَا على مَا كَانَ فِي زمنهم من تصرف الْوَالِي بِرَأْيهِ وَأما فِي زَمَاننَا فَلَا فرق يظْهر بَينهمَا فَإِنَّهُمَا على السوَاء حَتَّى صَار حبسهما وَاحِدًا، إِذْ لَا يحبس الْوَاحِد إِلَّا بعد ثُبُوت حَبسه بِوَجْهِهِ.

قَوْله: (من الْمُدعى عَلَيْهِ) مُتَعَلق بِالْقبُولِ وَحذف نَظِيره من الاول، فَإِن الْمَعْنى: وَطلب الصُّلْح من الْمُدعى عَلَيْهِ.

قَوْله: (كالدراهم وَالدَّنَانِير) الْكَاف للاستقصاء إِذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ مَالا يتَعَيَّن غَيرهمَا.

قَوْله: (وَطلب الصُّلْح) لَا حَاجَة إِلَى هَذِه الْجُمْلَة بعد قَول الْمَتْن وَطلب الصُّلْح كَاف.

قَوْله: (على ذَلِك) كَذَا فِي بعض النّسخ، وَفِي بَعْضهَا عَن بدل على.

قَوْله: (لانه إِسْقَاط) سَيَأْتِي فِي الصُّلْح فِي الدّين أَنه أَخذ لبَعض حَقه وَإِسْقَاط للْبَاقِي، لَكِن لَيْسَ ذَلِك مَخْصُوصًا بِمَا لَا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ بل كل مَا يثبت فِي الذِّمَّة.

قَوْله: (وَهُوَ يتم بالمسقط) هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ كَمَا لَا يشْتَرط الْقبُول، وَإِن هَذَا فِي الاقرار كَمَا صرح بِهِ الشَّارِح نقلا عَن الْعِنَايَة، فَتَأمل.

قَوْله: (لانه كَالْبيع) أَيْ فَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ فَيُنْظَرُ، إنْ وَقَعَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ الْمُدَّعِي فَهُوَ بَيْعٌ قبض كَمَا يذكرهُ بعد، وَإِن وَقع على جنسه، فَإِن وَقع بِأَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعِي فَهُوَ حَطٌّ وَإِبْرَاءٌ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ فَهُوَ قَبْضٌ وَاسْتِيفَاءٌ، وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَهُوَ فضل وَربا.

قَوْله: (وَحكمه) أَي أَثَره الثَّابِت لَهُ.
منح.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحُكْمُهُ فِي جَانِبِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ وُقُوعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُدَّعِي سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا أَوْ مُنْكِرًا، وَفِي الْمُصَالَحِ عَنْهُ وُقُوعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ كَالْمَالِ وَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ كَالْقصاصِ وَوُقُوع الْبَرَاءَة كَمَا إِذا كَانَ مُنْكرا مُطلقًا اهـ.
وَظَاهره أَنه لَا يملك الْمصَالح عَنهُ مَعَ الانكار مَعَ أَنه مُعَاوضَة فِي حق الْمُدَّعِي، وَلذَا يُؤْخَذ مِنْهُ بِالشُّفْعَة إِن كَانَ عقارا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنه يملك.

قَوْله: (وُقُوع الْبَرَاءَة عَن الدَّعْوَى) لما مر أَنه عقد يرفع النزاع: أَي مَا لم يعرض مُبْطل كاستحقاق الْبَدَل، أطلقهُ فَشَمَلَ أَن حكمه ذَلِك فِي أَنْوَاعه الثَّلَاثَة، حَتَّى
لَو أنكر فَصَالح ثمَّ أقرّ لَا يلْزمه مَا أقرّ بِهِ، وَكَذَا لَو برهن بعد صلحه لَا يقبل، وَلَو برهن عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ من قبل الصُّلْح أَو قبل قبض الْبَدَل لَا يَصح الصُّلْح كصلح بعد الْحلف فَإِنَّهُ لَا يَصح عِنْد الشَّيْخَيْنِ، خلافًا لمُحَمد، وَصلح مُودع يَدعِي الِاسْتِهْلَاك مَعَ الْمُودع يَدعِي الضّيَاع فَإِنَّهُ لَا يَصح عِنْد الطَّرفَيْنِ، خلافًا لابي يُوسُف كَمَا فِي الْمَقْدِسِي.

قَوْله: (وَوُقُوع الْملك) أَي للْمُدَّعِي أَو للْمُدَّعى عَلَيْهِ.

قَوْله: (فِي مصَالح عَلَيْهِ) أَي مُطلقًا وَلَو مُنْكرا
قَوْله: (وَعنهُ لَو مقرا) قَالَ فِي الْمنح: وَفِي الْمُصَالَحِ عَنْهُ وُقُوعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِن كَانَ مِمَّا يحْتَمل التَّمَلُّك كَالْمَالِ وَكَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ مقرا

(8/350)


بِهِ إِلَى آخر مَا تقدم عَن الْبَحْر.
قَوْله لَو مقرا قيد فِي قَوْله وَعنهُ.
وَأما إِذا كَانَ مُنْكرا فَالْحكم الْبَرَاءَة عَن الدَّعْوَى سَوَاء كَانَت فِيمَا يحْتَمل التماليك أَو لَا.
أَفَادَهُ الْحَمَوِيّ.

قَوْله: (وَهُوَ صَحِيح) لقَوْله تَعَالَى: * ((4) وَالصُّلْح خير) * (النِّسَاء: 821) وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: كل صلح جَائِز فِيمَا بَين الْمُسلمين، إِلَّا صلحا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالا وَمعنى جَوَاز الصُّلْح اعْتِبَاره حق يملك الْمُدَّعِي بدل الصُّلْح وَلَا يسْتَردّهُ الْمُدعى عَلَيْهِ وَيبْطل حق الْمُدَّعِي فِي الدَّعْوَى، وَالْمرَاد بقوله: صلحا أحل حَرَامًا أَي لعَينه كَالْخمرِ، وَقَوله أَو حرم حَلَالا أَي لعَينه كالمصالحة على ترك وطئ الضرة.
وَأما دفع الرِّشْوَة لدفع الظُّلم فَجَائِز، وَلَيْسَ بصلح أحل حَرَامًا وَلَا بسحت إِلَّا على من أكله.
قَالَ مُحَمَّد فِي السّير الْكَبِير: بلغنَا عَن الشعْثَاء جَابر بن زيد أَنه قَالَ: مَا وجدنَا فِي زمن الْحجَّاج أَو زِيَاد بن زِيَاد شَيْئا خيرا لنا من الرشا اه.
قَالَ أَبُو السُّعُود: وَمعنى قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أحل حَرَامًا الخ كَمَا إِذا صَالح على أَن لَا يتَصَرَّف فِي بدل الصُّلْح أَو أَن يَجْعَل عوض الصُّلْح خمرًا أَو خنزيرا، وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعن الله الراشي والمرتشي وَالْمرَاد بِهِ إِذا كَانَ هُوَ الظَّالِم فيدفعها لبَعض الظلمَة يَسْتَعِين بهَا على الظُّلم.
وَأما لدفع الضَّرَر عَن نَفسه فَلَا شُبْهَة فِيهَا، حَتَّى رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه أجَاز ذَلِك للْوَصِيّ من مَال الْيَتِيم لدفع الضَّرَر عَن الْيَتِيم الخ.
رملي.

قَوْله: (مَعَ إِقْرَار الخ) قَالَ الاكمل: الْحصْر فِي هَذِه الانواع ضَرُورِيّ، لَان الْخصم وَقت الدَّعْوَى إِمَّا أَن يسكت أَو يتَكَلَّم مجيبا وَهُوَ لَا يَخْلُو عَن النَّفْي والاثبات.
لَا يُقَال: قد يتَكَلَّم بِمَا لَا يتَّصل بِمحل النزاع لانه سقط بقولنَا مجيببا اهـ منح.
وَقَوله مَعَ إِقْرَار أطلقهُ فَشَمَلَ مَا يكون حَقِيقَة وصريحا وَحكما كَطَلَب الصُّلْح والابراء عَن المَال أَو الْحق فَيرجع إِلَيْهِ بِالْبَيَانِ كَمَا فِي الْمُحِيط وَفِيه تَفْصِيل لطيف فَرَاجعه إِن شِئْت.

قَوْله: (فالاول حكمه كَبَيْعٍ) أَيْ فَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ فَيُنْظَرُ، إو وَقَعَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ الْمُدَّعِي فَهُوَ بَيْعٌ وَشِرَاءٌ كَمَا ذُكِرَ هُنَا، وَإِنْ وَقَعَ عَلَى جِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعِي فَهُوَ حط وإبراء، وَإِن كَانَ بِمثلِهِ فَهُوَ قَبْضٌ وَاسْتِيفَاءٌ، وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَهُوَ فضل وَربا، ذكره الزَّيْلَعِيّ، وقدمناه قَرِيبا.
قَالَ فِي الْبَحْر: فَإِن وَقع عَن مَال بِمَال بِإِقْرَار اُعْتُبِرَ بَيْعًا إنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْجِنْسِ، إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: الاولى: إِذا صَالح من الدّين على عبد وَصَاحبه مقرّ بِالدّينِ وَقبض العَبْد لَيْسَ لَهُ الْمُرَابَحَة من غير بَيَان.
الثَّانِيَة: إِذا تَصَادقا على أَن لَا دين بَطل الصُّلْح، كَمَا لَو استوفى عين حَقه ثمَّ تَصَادقا أَن لَا دين، فَلَو تَصَادقا على أَن لَا دين لَا يبطل الشِّرَاء اهـ.

قَوْله: (وَحِينَئِذٍ) زِيَادَة حِينَئِذٍ اقْتَضَت زِيَادَة الْفَاء فِي فتجري أَي التفريعية فِي المُصَنّف، وَقَوله فِيهِ أَي فِي هَذَا الصُّلْح.
منح.
فَيشْمَل الْمصَالح عَنهُ والمصالح عَلَيْهِ وَهُوَ بدل الصُّلْح، حَتَّى لَو صَالح عَن دَار بدار وَجب فيهمَا الشُّفْعَة.

قَوْله: (الشُّفْعَة) أَي وَيلْزم الشَّفِيع مثل بدل الآخر لَو مثلِيا وَقِيمَته لَو قيميا غير عقار، حَتَّى لَو كَانَ البدلان عقارا لَا شُفْعَة فِي وَاحِد مِنْهُمَا.
قُهُسْتَانِيّ.
ثمَّ قَالَ فِي فصل السُّكُوت والانكار: تجب الشُّفْعَة فِي

(8/351)


الدَّار الْمصَالح عَلَيْهَا عَن دَار أَو غَيرهَا فَإِنَّهُ مُعَاوضَة فِي زعم الْمُدَّعِي اهـ.
تأل.
هَذَا مَعَ مَا قبله ممعنا.
وَالَّذِي يظْهر لي أَنه إِذا كَانَ الصُّلْح عَن إِقْرَار على دَار بدار تجب الشُّفْعَة فيهمَا لَان كلا مِنْهُمَا عوض عَن الثَّانِيَة، وَإِن كَانَ عَن سكُوت أَو إِنْكَار فَتجب فِي الدَّار الْمصَالح عَلَيْهَا دون الدَّار الْمصَالح عَنْهَا، لَان الْمُعَاوضَة هُنَا فِي الدَّار الْمصَالح عَلَيْهَا فَقَط.
أما عبارَة الْقُهسْتَانِيّ الاولى فَلم أر مَا يدل عَلَيْهَا بل صَرِيح النقول يُخَالِفهَا.
قَالَ فِي الْمجلة من كتاب الصُّلْح فِي الْمَادَّة الْخمسين وَخَمْسمِائة بعد الالف مَا نَصه: عَن إِنْكَار ياخود عَن سكُوت صلح أَو لمق مدعي حقنده مُعَاوضَة ومدعى عَلَيْهِ حقنده يميندن خلاص إيله قطع منازعه در بِنَاء على ذَلِك مصَالح عَلَيْهِ، أَو لَان عقار ده شُفْعَة جَرَيَان أيدر إِمَّا مصَالح عَنهُ، أَو لَان عقار ده شُفْعَة جَرَيَان ايتمز.

قَوْله: (وَالرَّدّ بِعَيْب) نَحْو إِذا كَانَ بدل الصُّلْح عبدا مثلا فَوجدَ الْمُدَّعِي فِيهِ عَيْبا لَهُ أَن يردهُ، وَظَاهر إِطْلَاقه أَنه يردهُ بِيَسِير الْعَيْب وفاحشه، وَقد ذكره الطَّحَاوِيّ.
أَفَادَهُ الْحَمَوِيّ وَأطلق الرَّد بِالْعَيْبِ وَهُوَ المُرَاد فِي الاقرار، قَالَ الطَّحَاوِيّ بالاقرار يرد بِيَسِير وفاحش، وَفِي الانكار بالفاحش كخلع وَمهر وَبدل صلح عَن دم عمد.

قَوْله: (وَخيَار رُؤْيَة) فَيرد الْعِوَض إِذا رَآهُ وَكَانَ لم يره وَقت العقد، وَكَذَلِكَ يرد الْمصَالح عَنهُ إِن كَانَ لم يره.

قَوْله: (وَشرط) بِأَن تصالحا على شئ فَشرط أَحدهمَا الْخِيَار لنَفسِهِ مثلا.
قَالَ فِي المنبع: وَيبْطل الصُّلْح بِالرَّدِّ بِأحد هَذِه الخيارات الثَّلَاث.

قَوْله: (ويفسده جَهَالَة الْبَدَل الْمصَالح عَلَيْهِ) أَي إِن كَانَ يحْتَاج إِلَى تَسْلِيمه وَإِلَّا فَلَا يفْسد، كَمَا إِذا ادّعى عَلَيْهِ ثلث دَاره فَصَالحه على أَن يتْرك دَعْوَاهُ فِي حق مَجْهُول فِي أَرض الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْعِنَايَة لانه بيع فَصَارَ كجهالة الثّمن.
عَيْني.
وَكَذَا يفْسد بِجَهَالَة الاجل إِذا جعل الْبَدَل مُؤَجّلا زَيْلَعِيّ.
قَالَ الرَّمْلِيّ: إِن جَهَالَة الْمصَالح عَلَيْهِ تفْسد الصُّلْح، وَكَذَا جَهَالَة الْمصَالح عَنهُ إِن كَانَ يحْتَاج إِلَى التَّسْلِيم.
وَأَقُول: لَيْسَ جَهَالَة الْمصَالح عَلَيْهِ مفْسدَة للصلح مُطلقًا، بل مَحَله إِذا لم يكن مستغنيا عَن الْقَبْض وَالتَّسْلِيم فَإِن جهالته لَا تفْسد كَمَا فِي السراج الْوَهَّاج.
وَفِي الْقُهسْتَانِيّ: وَيَكْفِي أَن يكون بَيَان قدر الْمصَالح عَلَيْهِ فَحسب إِذا كَانَ دَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو فُلُوسًا لَان معاملات النَّاس تغني عَن بَيَان الصّفة فَيَقَع على الند الْغَالِب اهـ.
قَالَ السائحاني: ولطالما طلبت نَفسِي هَذَا النَّقْل لَان الْمَشْهُور أَنه لَا بُد فِي الْعُقُود من بَيَان الْوَصْف على أَن الْعرف بِخِلَافِهِ.

قَوْله: (لَا جَهَالَة الْمصَالح عَنهُ) أَي إِذا لم يحْتَج إِلَى تَسْلِيمه كَمَا مر أَيْضا أَشَارَ إِلَى ذَلِك بقوله لانه يسْقط فَإِنَّهُ تَعْلِيل لقَوْله: لَا جَهَالَة الْمصَالح عَنهُ أَي والساقط لَا تُفْضِي جهالته إِلَى الْمُنَازعَة، لَكِن قَالَ بعض الافاضل: لَا جَهَالَة الْمصَالح عَنهُ إِلَّا إِذا احْتِيجَ إِلَى تَسْلِيمه كَأَن يصالحه على أَن يدْفع لَهُ الْحق الْمَجْهُول
الَّذِي يَدعِيهِ أَو يدْفع الْمُدَّعِي الْبَدَل من عِنْده اهـ.
تَأمل.

قَوْله: (وتشترط الْقُدْرَة على تَسْلِيم الْبَدَل) اسْتِئْنَاف وَاقع موقع التَّعْلِيل لقَوْله ويفسده جَهَالَة الْبَدَل وَلَا يَصح عطفه على يسْقط وَحَيْثُ كَانَ كلَاما مستأنفا اسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنه لَا يَصح الصُّلْح على عَبده الْآبِق وطيره فِي الْهَوَاء وسمكه فِي المَاء وجذعه فِي السّقف وذراع من ثوب تضره الْقِسْمَة وَحمل الْجَارِيَة والبهيمة لانه لَا يقدر على تَسْلِيمه، وَمِنْه جَهَالَة

(8/352)


الْبَدَل فَإِنَّهُ لَا يقدر على تَسْلِيم الْمَجْهُول، فبذلك يصير الْكَلَام تعليلا.
لقَوْله ويفسده جَهَالَة الْبَدَل فَبين التَّعْلِيل والمعلل لف وَنشر مشوش، الاول للثَّانِي وَالثَّانِي للاول.

قَوْله: (وَمَا اسْتحق من الْمُدَّعِي الخ) هَذَا لَو الصُّلْح على ترك الْمُدَّعِي فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ.
أما لَو أَخذه وَيدْفَع لمن فِي يَده شَيْئا صلحا فَلَا يرجع لَو اسْتحق لانه أَخذه على أَنه ملكه زعما فيؤاخذ بِهِ فَلَا يرجع بالشئ الَّذِي دَفعه لرفع النزاع كَمَا فِي الْعِمَادِيّ.

قَوْله: (إِن كلا فكلا أَو بَعْضًا فبعضا) المُصَنّف صَرِيح فِي الْبَعْض.
لقَوْله: حِصَّته فَلَو قَالَ الْمُؤلف بعد الْمَتْن وَإِن اسْتحق الْكل رد الْكل لَكَانَ أوضح، وَأَشَارَ بِأَن إِلَى أَنَّهَا بَيَانِيَّة أَو تبعيضية وكل مُرَاد، فَتَأمل.

قَوْله: (بِحِصَّتِهِ من الْمُدَّعِي) أَي الْمصَالح عَنهُ، هَذَا إِذا كَانَ الْبَدَل مِمَّا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ، فَإِن كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْمُدَّعَى بِهِ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ بِمِثْلِ مَا اسْتَحَقَّ، وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ كَمَا إذَا ادَّعَى أَلْفًا فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةٍ وَقَبَضَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهَا سَوَاءٌ كَانَ الصُّلْحُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَوْ قَبْلَهُ، كَمَا لَوْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ نَبَهْرَجَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَالدَّنَانِيرِ هُنَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَإِنَّ الصُّلْحَ يَبْطُلُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ رَجَعَ بِمِثْلِهَا، وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ كَالْفُلُوسِ.
كَذَا فِي حَاشِيَة الْحَمَوِيّ نقلا عَن الْبَحْر.
وَفِي الْمنح: هَذَا إِذا كَانَ الْبَدَل مِمَّا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ، وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يتَعَيَّن كالدراهم وَالدَّنَانِير لَا يبطل بهلاكه لانهما لَا يتعينان فِي الْعُقُود والفسوخ فَلَا يتَعَلَّق العقد بهما عِنْد الاشارة إِلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا يتَعَلَّق بمثلهما فِي الذِّمَّة فَلَا يتَصَوَّر فِيهِ الْهَلَاك اهـ.
فَقَوْل الْمَتْن وَمَا اسْتحق من الْبَدَل مَحْمُول على مَا إِذا أمكن اسْتِحْقَاقه وَهُوَ مَا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ، وَأما مَا لَا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ فَلَا يُمكن اسْتِحْقَاقه لانه ينْعَقد الصُّلْح على جنسه وَقدره لَا على عينه، فَتَأمل.
وَفِي الْقُهسْتَانِيّ: وللمدعي أَن يرد الْبَاقِي وَيرجع بِكُل الْمُدَّعِي، كَمَا لَو اسْتحق كل الْعِوَض، وَهَذَا إِذا كَانَ الْمُسْتَحق لم يجز الصُّلْح، فَإِن أجَازه وَسلم الْعِوَض للْمُدَّعِي رَجَعَ الْمُسْتَحق على الْمُدعى عَلَيْهِ بِقِيمَتِه كَمَا فِي شرح الطَّحَاوِيّ.
قَول: (كَمَا ذَكَرْنَا) أَيْ إنْ كُلًّا فَكُلًّا أَوْ بَعْضًا فبعضا ح.
وَهَذَا إِذا كَانَ الْبَدَل يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ فِي المقولة السَّابِقَة.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ) مُقْتَضَى الْمُعَاوَضَةِ أَنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ الثَّمَنَ فَإِنْ مِثْلِيًّا رَجَعَ بِمِثْلِهِ أَوْ قيميا فبقيمته وَلَا يفْسد العقد فَالصُّلْح يجْرِي على هَذَا.
سَيِّدي الْوَالِد.
أَقُول: لَكِن هَذَا فِيمَا يتمحض للثمنية كالدراهم، وَأما مثل الْمَذْكُور فَهِيَ من المقايضة، وَحكمهَا أَن كلا من الْبَدَلَيْنِ يكون ثمنا وبيعا باعتبارين فَلِذَا فسد العقد: أَي بِاعْتِبَار أَنه مَبِيع، وَعَلِيهِ فَكَانَ على الشَّارِح أَن يَقُول: لانه مقايضة.
تَأمل.

قَوْله: (وَحكمه كإجارة الخ) صورته: ادّعى رجل على رجل شَيْئا فاعترف بِهِ ثمَّ صَالحه على سُكْنى دَاره سنة أَو على ركُوب دَابَّة مَعْلُومَة أَو على لبس ثَوْبه أَو على خدمَة عَبده أَو على زراعة أرضه مُدَّة مَعْلُومَة فَهَذَا الصُّلْح جَائِز فَيكون فِي معنى الاجارة، فَيجْرِي فِيهِ أَحْكَام الاجارة.
كَذَا صوره الْعَيْنِيّ.

قَوْله: (إِن وَقع الصُّلْح عَن مَال بِمَنْفَعَة الخ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي

(8/353)


الحموية: وَكَذَا إِذا وَقع عَن مَنْفَعَة بِمَال اعْتبر بالاجارة لَان الْعبْرَة فِي الْعُقُود للمعاني، فَيشْتَرط فِيهِ الْعلم بالمدة كخدمة العَبْد وسكنى الدَّار والمسافة كركوب الدَّابَّة، بِخِلَاف صبغ الثَّوْب وَحمل الطَّعَام فَالشَّرْط بَيَان تِلْكَ الْمَنْفَعَة، وَيبْطل الصُّلْح بِمَوْت أَحدهمَا فِي الْمدَّة إِن عقده لنَفسِهِ، وَكَذَا بِفَوَات الْمحل قبل الِاسْتِيفَاء، وَلَو كَانَ بعد اسْتِيفَاء الْبَعْض بَطل فِيمَا بَقِي وَيرجع الْمُدَّعِي بِقدر مَا لم يسْتَوْف من الْمَنْفَعَة، وَلَو كَانَ الصُّلْح على خدمَة عبد فَقتل وَإِن كَانَ الْقَاتِل الْمولى بَطل، وَإِلَّا ضمن قِيمَته وَاشْترى بهَا عبدا يَخْدمه إِن شَاءَ كالموصى بخدمته، بِخِلَاف الْمَرْهُون حَيْثُ يضمن الْمولى بالاتلاف وَالْعِتْق، وَالِاعْتِبَار بالاجارة قَول مُحَمَّد.
قَالَ فِي شرح الْمُخْتَلف: وَهُوَ الاظهر، وَاعْتَمدهُ المحبوبي والنسفي، وَكَذَا بطلَان الصُّلْح بِمَوْت أَحدهمَا فِي الْمدَّة قَول مُحَمَّد.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: إِن مَاتَ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يبطل الصُّلْح، وللمدعي أَن يَسْتَوْفِي جَمِيع الْمَنْفَعَة من الْعين بعد مَوته كَمَا لَو كَانَ حَيا، وَإِن مَاتَ الْمُدَّعِي لَا يبطل
الصُّلْح أَيْضا فِي خدمَة العَبْد وسكنى الدَّار وزراعة الارض، وَتقوم وَرَثَة الْمُدَّعِي مقَامه فِي اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة، وَيبْطل الصُّلْح فِي ركُوب الدَّابَّة وَلبس الثَّوْب لانه يتَعَيَّن فِيهِ الْعَاقِد، ثمَّ إِنَّمَا يعْتَبر إِجَارَة عِنْد مُحَمَّد إِذا وَقع على خلاف جنس الْمُدعى بِهِ، فَإِن ادّعى دَارا فَصَالحه على سكناهَا شهرا فَهُوَ اسْتِيفَاء بعض حَقه لَا إِجَارَة فَتَصِح إِجَارَته للْمُدَّعى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْر.
وَصُورَة الصُّلْح عَن مَنْفَعَة بِمَال: ادّعى السُّكْنَى لدار سنة وَصِيَّة من مَالِكهَا فَأقر بِهِ وَارثه فَصَالحه على مَال.
ذكره الْحَمَوِيّ.
قَالَ بعض الْفُضَلَاء: إِنَّمَا قيد بِكَوْن الْمصَالح عَنهُ مَالا لانه لَو صَالح عَن مَنْفَعَة بِمَال كَانَ الانكار كالاقرار، فَلَو ادّعى ممرا فِي دَار ومسيلا عَلَى سَطْحٍ أَوْ شُرْبًا فِي نَهْرٍ فَأَقَرَّ أَو أنكر ثمَّ صَالحه على شئ مَعْلُوم جَازَ.
وَالظَّاهِر أَن هَذَا حكمه غير حكم الاجارة لانها لَا تجْرِي فِي هَذِه الاشياء فَكَانَ حكم الصُّلْح فِي هَذِه الصِّحَّة، وَلَعَلَّ كَلَام الشَّارِح الْآتِي فِي مَنْفَعَة غير هَذِه.

قَوْله: (فَشرط التَّوْقِيت فِيهِ) أَي فِي الصُّلْح الْوَاقِع عَن مَال بِمَنْفَعَة.

قَوْله: (إِن احْتِيجَ إِلَيْهِ) كسكنى دَار: أَي إِن كَانَت الْمَنْفَعَة تعلم بِالْوَقْتِ كَالَّذي مثل بِهِ.
قَالَ الْعَلامَة مِسْكين: وَإِنَّمَا يشْتَرط التَّوْقِيت فِي الاجير الْخَاص، حَتَّى لَو تصالحا على خدمَة عَبده أَو سُكْنى دَاره يحْتَاج إِلَى التَّوْقِيت، وَفِي الْمُشْتَرك لَا يحْتَاج إِلَيْهِ كَمَا إِذا صَالحه على صبغ ثوب أَو ركُوب دَابَّة إِلَى مَوضِع كَذَا أَو حمل طَعَام إِلَيْهِ اهـ.

قَوْله: (وَإِلَّا لَا كصبغ ثوب) أَي مِمَّا تعلم الْمَنْفَعَة فِيهِ بِالتَّسْمِيَةِ، وَكَذَا مَا تعلم الْمَنْفَعَة فِيهِ بالاشارة كنقل هَذَا الطَّعَام إِلَى كَذَا فالمدار على الْعلم بِالْمَنْفَعَةِ كَمَا يَأْتِي بَيَانه فِي كتاب الاجارة.

قَوْله: (وَيبْطل بِمَوْت أَحدهمَا) أَي إِن عقده لنَفسِهِ.
بَحر وَهَذَا عِنْد مُحَمَّد أَيْضا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: إِن مَاتَ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يبطل الصُّلْح، وللمدعي أَن يَسْتَوْفِي جَمِيع الْمَنْفَعَة من الْعين بعد مَوته كَمَا قدمْنَاهُ.
فرع: إِذا أقرّ الْمُدَّعِي فِي ضمن الصُّلْح أَنه لَا حق لَهُ فِي هَذَا الشئ ثمَّ بَطل الصُّلْح يبطل إِقْرَاره الَّذِي فِي ضمنه، وَله أَن يَدعِيهِ بعد ذَلِك، وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ إِذا أقرّ عِنْد الصُّلْح بِأَن هَذَا الشئ للْمُدَّعِي ثمَّ بَطل الصُّلْح فَإِنَّهُ يرد ذَلِك الشئ إِلَى الْمُدَّعِي انْتهى.
وَقد أوضحه الْحَمَوِيّ فِي شَرحه.

قَوْله: (وبهلاك الْمحل) أَي قبل الِاسْتِيفَاء، فَلَو قبض بعضه بَطل فِيمَا بَقِي فَيرجع بِقَدرِهِ، وَمَا ذكر من الْبطلَان بِالْمَوْتِ والهلاك قَول مُحَمَّد، وَقَالَ أَبُو يُوسُف: إِن مَاتَ الْمَطْلُوب لَا يبطل الصُّلْح وَالْمُدَّعِي يَسْتَوْفِيه إِلَى
آخر مَا قدمْنَاهُ.

قَوْله: (فِي الْمدَّة) تنَازع فِيهِ موت وهلاك على أَن يكون صفة لكل مِنْهُمَا: أَي لَو هلك

(8/354)


أحد المتصالحين عَن مَال بِمَنْفَعَة فِي الْمدَّة أَو هلك الْمحل الَّذِي قَامَت بِهِ تِلْكَ الْمَنْفَعَة فِيهَا بَطل الصُّلْح لانه إِجَارَة، وَهِي تبطل بذلك إِن كَانَت فِي كل الْمدَّة، وَإِن كَانَت فِي بَعْضهَا فبقدره من حِين الْمَوْت والهلاك.

قَوْله: (وَكَذَا) يَصح لَو وَقع: أَي الصُّلْح عَن دَعْوَى مَنْفَعَة بِمَال وَأقر بهَا.
وَفِيه أَن الْمَنْفَعَة مَنْفَعَة ملك الْمُدعى عَلَيْهِ وَلَا يَصح اسْتِئْجَار مَنْفَعَة ملكه.

قَوْله: (أَو بِمَنْفَعَة عَن جنس آخر) كخدمة عبد فِي سُكْنى دَار، بِخِلَاف مَا إِذا اتَّحد الْجِنْس، كَمَا إِذا صَالح عَن سُكْنى دَار على سُكْنى دَار أَو الْخدمَة بِالْخدمَةِ وَالرُّكُوب بالركوب فَإِنَّهُ لَا يجوز بيع الْمَنْفَعَة بِالْمَنْفَعَةِ مَعَ اتِّحَاد الْجِنْس، كَمَا لَا يجوز اسْتِئْجَار الْمَنْفَعَة بجنسها من الْمَنَافِع فَكَذَا الصُّلْح لَكِن صور الْمَسْأَلَة الْقُهسْتَانِيّ بِمَا لَو أوصى بسكنى دَاره لرجل ثمَّ مَاتَ ثمَّ ادّعى الْمُوصى لَهُ السُّكْنَى فَصَالحه عَن هَذِه السُّكْنَى على سُكْنى دَار أُخْرَى أَو دَرَاهِم مُسَمَّاة، فَتبين مِنْهُ أَن المُرَاد من اخْتِلَاف جنس الْمَنْفَعَة اخْتِلَاف عينهَا.
تَأمل وراجع.
وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يذكر هَذِه الْمَسْأَلَة قبل.
قَوْله شَرط التَّوْقِيت فِيهِ.

قَوْله: (ابْن كَمَال) قَالَ فِي الايضاح: لَكِن إِنَّمَا يجوز بِمَنْفَعَة عَن مَنْفَعَة إِذا كَانَتَا مختلفتي الْجِنْس انْتهى، كَذَا إِذا صَالحه عَن سُكْنى دَار على خدمَة عبد، بِخِلَاف مَا إِذا اتَّحد الْجِنْس، كَمَا إِذا صَالح عَن سُكْنى دَار على سُكْنى دَار فَإِنَّهُ لَا يجوز كَمَا قدمْنَاهُ قَرِيبا.

قَوْله: (لانه) أَي انْفِسَاخ العقد بذلك هُوَ حكم الاجارة: يَعْنِي إِذا كَانَ الصُّلْح عَن المَال بِالْمَنْفَعَةِ.

قَوْله: (أَي الصُّلْح) يُشِير إِلَى تَقْدِير مُضَاف فِي المُصَنّف.
وَقَوله: (بسكوت وإنكار) الْبَاء بِمَعْنى فِي: أَي الصُّلْح الْوَاقِع فِي سكُوت وإنكار، والظرفية مجازية، وَلَا يصلح جعلهَا سَبَبِيَّة لَان سَبَب الصُّلْح الدَّعْوَى.

قَوْله: (وإنكار) الْوَاو بِمَعْنى أَو.

قَوْله: (مُعَاوضَة فِي حق الْمُدَّعِي) لانه يَأْخُذهُ عوضا عَن حَقه فِي زَعمه.
دُرَر فَبَطَلَ الصُّلْحُ عَلَى دَرَاهِمَ بَعْدَ دَعْوَى دَرَاهِمَ إِذا تفَرقا قبل الْقَبْض.
بَحر.

قَوْله: (وَفِدَاءُ يَمِينٍ وَقَطْعُ نِزَاعٍ فِي حَقِّ الْآخَرِ) إِذا لولاه لبقي النزاع وَلزِمَ الْيَمين.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَهَذَا فِي الانكار ظَاهر، لانه تبين بالانكار أَن مَا يُعْطِيهِ لقطع الْخُصُومَة وَفِدَاء الْيَمين، وَكَذَا فِي السُّكُوت لانه يحْتَمل الاقرار والانكار، وجهة الانكار راجحة إِذْ الاصل فرَاغ الذمم فَلَا يجب بِالشَّكِّ، وَلَا يثبت بِهِ كَون مَا
فِي يَده عوضا عَمَّا وَقع بِالشَّكِّ: أَي مَعَ أَن حمله على الانكار أولى، لَان فِيهِ دَعْوَى تَفْرِيغ الذِّمَّة وَهُوَ الاصل كَمَا علمت.

قَوْله: (فَلَا شُفْعَةَ فِي صُلْحٍ عَنْ دَارٍ مَعَ أَحدهمَا) يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ دَارِهِ فَصَالح عَنْهَا بِدفع شئ لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَسْتَبْقِي الدَّار الْمَمْلُوكَة لَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِهَذَا الصُّلْحِ وَيَدْفَعُ خُصُومَةَ الْمُدَّعِي عَنْ نَفْسِهِ، لَا أَنَّهُ يَشْتَرِيهَا وَزَعْمُ الْمُدَّعِي لَا يلْزمه.
منح
قَوْله: (فيدلي بحجته) أَي فيتوصل الشَّفِيع بِحجَّة الْمُدَّعِي إِلَى إِثْبَات الدَّعْوَى عَلَيْهِ: أَي على الْمُدَّعِي الْمُنكر أَو السَّاكِت.

قَوْله: (لَان بِإِقَامَة الْبَيِّنَة) حذف اسْم إِن،
قَوْله: (فخلف) بتَشْديد اللَّام: أَي الشَّفِيع الْمُدعى عَلَيْهِ أَن الدَّار لم تكن للْمُدَّعِي.
قَالَ فِي الْخَانِية: ادَّعَيَا أَرْضًا فِي يَدِ رَجُلٍ بِالْإِرْثِ مِنْ أَبِيهِمَا فَجَحَدَ ذُو الْيَدِ فَصَالَحَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى مِائَةٍ لَمْ يُشَارِكْهُ الْآخَرُ، لِأَنَّ الصُّلْحَ مُعَاوَضَةٌ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي فِدَاءُ يَمِينٍ فِي زَعْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ

(8/355)


مُعَاوَضَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّرِيكِ حَقُّ الشَّرِكَةِ بِالشَّكِّ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أُبَيّ حنيفَة يُشَارِكهُ انْتهى مُلَخصا.
أَقُول: لم لم يُؤَاخذ بزعم، كَمَا يَأْتِي نَظِيره؟ وَلَعَلَّ الْعلَّة فِي ذَلِك أَنه بَاعَ نصِيبه فَقَط وَلَا شركَة لاخيه فِيهِ، بِخِلَاف مَا لَو صَالح الْمَدْيُون على مِقْدَار مَعْلُوم حَيْثُ يُشَارِكهُ أَخُوهُ كَمَا هُوَ ظَاهر، تَأمل.

قَوْلُهُ: (وَتَجِبُ) أَيْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي دَارٍ وَقع الصُّلْح عَلَيْهَا بِأَن تكون بَدَلا.

قَوْله: (بِأَحَدِهِمَا) أَي الانكار أَو السُّكُوت.

قَوْله: (أَو بِإِقْرَار) لَا حَاجَة إِلَيْهِ للاستغناء عَنهُ بقوله فِي الصُّلْح عَن إِقْرَار فتجري فِيهِ الشُّفْعَة.

قَوْله: (عَن المَال) أل عوض عَن الضَّمِير.

قَوْله: (فيؤاخذ بِزَعْمِهِ) حَتَّى لَو ادّعى دَارا فَأنْكر فَصَالحه عَنْهَا عَن دَار أُخْرَى وَجَبت الشُّفْعَة فِي الَّتِي صَالح عَلَيْهَا دون الاخرى لما ذكرنَا.
عَيْني.
وإنكار الآخر الْمُعَاوضَة لَا تمنع وجوب الشُّفْعَة فِيهَا، أَلا ترى أَن رجلا لَو قَالَ أَنا اشْتريت هَذِه الدَّار من فلَان وَفُلَان يُنكر يَأْخُذهَا الشَّفِيع بِالشُّفْعَة، وَكَذَا لَو ادّعى أَنه بَاعَ دَاره من فلَان وَهُوَ يُنكر يَأْخُذهَا الشَّفِيع مِنْهُ بِالشُّفْعَة لَان زَعمه حجَّة فِي نَفسه.
زَيْلَعِيّ.

قَوْله: (وَمَا اسْتحق من الْمُدَّعِي) من فِيهِ للتَّبْعِيض، فَهُوَ قَاصِر على مَا إِذا اسْتحق بعضه.

قَوْله: (فِيهِ) أَي فِي الْبَعْض الْمُسْتَحق.

قَوْله: (لخلو
الْعِوَض عَن الْغَرَض) عِلّة.
ل
قَوْله: (رد الْمُدَّعِي حِصَّته) وَذَلِكَ لَان الْمُدعى عَلَيْهِ لم يدْفع الْعِوَض إِلَّا ليدفع خصومته عَن نَفسه وَيبقى الْمُدَّعِي فِي يَده بِلَا خُصُومَة أحد، فَإِذا اسْتحق لم يحصل لَهُ مَقْصُوده، وَظهر أَيْضا أَن الْمُدَّعِي لم يكن لَهُ خُصُومَة فَيرجع عَلَيْهِ انْتهى.
منح.

قَوْله: (رَجَعَ) أَي الْمُدَّعِي.

قَوْلُهُ: (فِي كُلِّهِ) إنْ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْعِوَضِ.

قَوْله: (أَو بعضه) إِن اسْتحق بعضه، لَان الْمُبدل فِي الصُّلْح عَن إِنْكَار هُوَ الدَّعْوَى، فَإِذا اسْتحق لبدل وَهُوَ الْمصَالح عَلَيْهِ رَجَعَ بالمبدل وَهُوَ الدَّعْوَى: أَي إِلَّا إِذا كَانَ مِمَّا لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ كَالْقِصَاصِ وَالْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ كَمَا فِي الاشباه عَن الْجَامِع الْكَبِير.
قَالَ الْحَمَوِيّ: قَوْله كَالْقصاصِ فِيهِ نظر، فَإِنَّهُ ذكر فِي الْجَامِع الْكَبِير أَنَّهَا لَو كَانَت الدَّعْوَى قصاصا فَصَالحه الْمُدعى عَلَيْهِ من غير إِقْرَار على جَارِيَة فاستولدها الْمُدَّعِي ثمَّ اسْتحقَّت فَأَخذهَا الْمُسْتَحق وَضَمنَهُ الْعقر وَقِيمَة الْوَلَد فَإِن الْمُدَّعِي يرجع إِلَى دَعْوَاهُ، فَلَو أَقَامَ الْبَيِّنَة أَو نكل الْمُدعى عَلَيْهِ رَجَعَ بِقِيمَة الْوَلَد وَقِيمَة الْجَارِيَة أَيْضا وَلَا يرجع بِمَا ادَّعَاهُ، بِخِلَاف مَا تقدم: يَعْنِي لَو ادّعى على رجل ألفا فجحدها أَو سكت فَصَالحه على جَارِيَة فقبضها واستولدها ثمَّ اسْتحقَّهَا مُسْتَحقّ فَأَخذهَا فَإِنَّهُ لَا يرجع بِقِيمَة الْجَارِيَة وَيرجع بِمَا ادَّعَاهُ وَهُوَ الالف.
وَالْفرق أَن الصُّلْح ثمَّة وَقع عَن دَعْوَى المَال وَأَنه يحْتَمل الْفَسْخ بالاقالة وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ وَالْخيَار، فَكَذَا تَنْفَسِخ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَإِذا انْفَسَخ عَادَتْ الدَّعْوَى كَمَا كَانَت فَيرجع بِمَا ادَّعَاهُ وَهُوَ الالف.
أما الصُّلْح عَن الْقصاص فَلَا يحْتَمل الْفَسْخ لانه بعد سُقُوطه لَا يحْتَمل الْعود، لَان الصُّلْح عَفْو فَلَا يحْتَمل النَّقْض كَالْعِتْقِ وَالنِّكَاح وَالْخلْع، فَإِذا لم يفْسخ بِاسْتِحْقَاق الْجَارِيَة بَقِي الصُّلْح على حَاله وَهُوَ السَّبَب

(8/356)


الْمُوجب تَسْلِيم الْجَارِيَة وَقد عجز عَن تَسْلِيمهَا فَيجب قيمتهَا.
كَذَا فِي شرح تَلْخِيص الْجَامِع للفخر المارديني.
ثمَّ قَالَ: وَفِيه إِشْكَال، وَهُوَ أَن يُقَال: إِذا أقررتم أَن الصُّلْح عَن الدَّم لَا ينْتَقض بِاسْتِحْقَاق الْجَارِيَة وَجب أَن لَا يرجع إِلَى دَعْوَاهُ: يَعْنِي سَوَاء كَانَ الصُّلْح عَن إِنْكَار أَو بَيِّنَة أَو نُكُول لَان الرُّجُوع
إِلَى الدَّعْوَى نتيجة انْتِقَاض الصُّلْح كَمَا تقدم آنِفا وَلم ينْتَقض انْتهى.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَو اسْتحق الْمصَالح عَلَيْهِ أَو بعضه رَجَعَ إلَى الدَّعْوَى فِي كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، إلَّا إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَهُوَ من جنس الْمُدعى بِهِ فيحنئذ يَرْجِعُ بِمِثْلِ مَا اسْتَحَقَّ وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ، كَمَا إذَا ادَّعَى أَلْفًا فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةٍ وَقَبَضَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهَا سَوَاءٌ كَانَ الصُّلْحُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَوْ قَبْلَهُ كَمَا لَوْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ نَبَهْرَجَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَالدَّنَانِيرِ، هَذَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَإِنَّ الصُّلْحَ يَبْطُلُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ رَجَعَ بِمِثْلِهَا وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْح كالفلوس اهـ.

قَوْله: (فَإِن وَقع بِهِ) أَي بِلَفْظ البيع، بِأَن عبر بِلَفْظ البيع عَن الصُّلْح فِي الانكار وَالسُّكُوت بِأَن قَالَ أَحدهمَا بِعْتُك هَذَا الشئ بِهَذَا وَقَالَ الآخر اشْتَرَيْته حَيْثُ يرجع الْمُدَّعِي عِنْد الِاسْتِحْقَاق على الْمُدعى عَلَيْهِ بالمدعي نَفسه لَا بِالدَّعْوَى، لَان إقدام الْمُدعى عَلَيْهِ على الْمُبَايعَة إِقْرَار مِنْهُ بِأَن الْمُدَّعِي ملك الْمُدعى فَلَا يعْتَبر إِنْكَاره، بِخِلَافِ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ، إذْ الصُّلْح قد يَقع لدفع الْخُصُومَة كَمَا يَأْتِي قَرِيبا
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ إقْدَامَهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
قَوْلُهُ: (إِقْرَار بِالْمِلْكِيَّةِ) أَيْ لِلْمُدَّعِي، بِخِلَافِ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ، إذْ الصُّلْحُ قَدْ يَقَعُ لِدَفْعِ الْخُصُومَة
قَوْله: (قبل التَّسْلِيم لَهُ) وَأما هَلَاكه بعد تَسْلِيمه لَهُ فَيهْلك على الْمُدَّعِي لدُخُوله فِي ضَمَانه.

قَوْله: (كاستحقاقه) أَي كاستحقاق بدل الصُّلْح كَذَلِك: أَي كلا أَو بَعْضًا.

قَوْله: (فِي الْفَصْلَيْنِ) أَي مَعَ إِقْرَار أَو مَعَ سكُوت وإنكار فَيرجع بالمدعي أَو بِالدَّعْوَى، فَإِن كَانَ عَن إِقْرَار رَجَعَ بعد الْهَلَاك إِلَى الْمُدَّعِي، وَإِن كَانَ عَن إِنْكَار رَجَعَ إِلَى الدَّعْوَى.
وَإِذا هلك بعضه يكون كاستحقاق بعضه حَتَّى يبطل الصُّلْح فِي قدره وَيبقى فِي الْبَاقِي.
منح.

قَوْله: (وَهَذَا) أَي رُجُوعه إِلَى الدَّعْوَى عِنْد اسْتِحْقَاق الْبَدَل أَو هَلَاكه قبل التَّسْلِيم.

قَوْله: (لَو الْبَدَل) أَي لَو كَانَ الْبَدَل مِمَّا يتَعَيَّن.

قَوْله: (وَإِلَّا) بِأَن كَانَ لَا يتَعَيَّن وَهُوَ من جنس الْمُدعى بِهِ.
قَوْله (لم يبطل) أَي الصُّلْح.

قَوْله: (بل يرجع بِمثلِهِ) كَأَن كَانَ دَرَاهِم أَو دَنَانِير، فَإِن الصُّلْح لَا يبطل بهلاكه لانهما لَا يتعينان فِي الْعُقُود والفسوخ فَلَا يتَعَلَّق بهما العقد عِنْد الاشارة إِلَيْهِمَا وَإِنَّمَا يتَعَلَّق بمثلهما فِي الذِّمَّة فَلَا يتَصَوَّر فِيهِ الْهَلَاك.
وَالْحَاصِل: أَنه إِذا ادّعى عَلَيْهِ أَلْفًا فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةٍ وَقَبَضَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْمِائَةِ عِنْد اسْتِحْقَاقهَا
سَوَاء كَانَ الصُّلْح قبل الِافْتِرَاق أَو بعده، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ من غير الحنس كَالدَّنَانِيرِ هُنَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَإِنَّ الصُّلْح يبطل، وَإِن كَانَ قبله فَإِنَّهُ يرجع لمثلهَا وَلَا يبطل الصُّلْح كالفلوس كَمَا قدمنَا.

(8/357)


قَوْله: (كَذَا فِي نسخ الْمَتْن وَالشَّرْح) لَعَلَّه هُوَ الَّذِي وَقع لَهُ.
وَالَّذِي فِي نُسْخَة الشَّرْح الَّتِي بيَدي عَليّ.

قَوْله: (أَي عين يدعيها) تَفْسِير لما وَتَخْصِيص لعمومها فَإِنَّهَا تَشْمَل الدّين حَلَبِيّ.
وَهَذَا لَو قَائِما، وَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا كَانَ هَالِكًا عِنْدَ قَول الْمَتْن وَالصُّلْح عَن الْمَغْصُوب الْهَالِك.

قَوْله: (لجوازه فِي الدّين) لجَوَاز إِسْقَاطه، وَهُوَ عِلّة للتخصيص الْمَذْكُور: إِنَّمَا كَانَ هَذَا خَاصّا بِالْعينِ لجوازه فِي الدّين، لَان الصُّلْح عَن دين بِبَعْضِه أَخذ الْبَعْض حَقه وَإِسْقَاط للْبَاقِي كَمَا يَأْتِي وَإِسْقَاط الدّين جَائِز، وَإِنَّمَا لم يجز فِي الْعين لَان الابراء عَن الاعيان لَا يَصح، وَلذَا لَو زَاد على الْبَعْض ثوبا أَو درهما صَحَّ لانه يَجْعَل الثَّوْب أَو الدِّرْهَم بَدَلا عَن الْبَاقِي، وَكَذَا لَو أَبرَأَهُ عَن الدَّعْوَى فِي بَاقِيهَا يَصح، فَلَو صَالحه على بَيت مِنْهَا على أَن يتْرك الدَّعْوَى فِي بَاقِيهَا كَأَن أَخذ الْبَعْض حَقه وإبراء عَن الدَّعْوَى فِي الْبَاقِي والابراء عَن الدَّعْوَى صَحِيح، فَلَيْسَ لَهُ أَن يَدعِي بعد ذَلِك وَلَكِن لَا يملكهَا ديانَة لعدم وجود التَّمْلِيك لَهَا لفقد سَببه.

قَوْله: (فَلَو ادّعى عَلَيْهِ دَارا) تَفْرِيع على الْمَتْن وتمثيل لَهُ ح.

قَوْله: (على بَيت مَعْلُوم مِنْهَا) الظَّاهِر أَنه كَانَ على بعض شَائِع مِنْهَا كَذَلِك لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَة.

قَوْله: (فَلَو من غَيرهَا صَحَّ) الاولى تَأْخِيره عَن قَوْله لم يَصح وعلته ليَكُون مفهوما للتَّقْيِيد بقوله مِنْهَا وليسلم من الْفَصْل بَين لَو وجوابها وَهُوَ قَوْله لم يَصح بأجنبي وَهُوَ.
قَوْله: فَلَو من غَيرهَا صَحَّ.

قَوْله: (لَان مَا قَبضه من عين حَقه) أَي بعض عين حَقه وَهُوَ على دَعْوَاهُ فِي الْبَاقِي، لَان الصُّلْح إِذا كَانَ على بعض عين الْمُدَّعِي كَانَ اسْتِيفَاء لبَعض الْحق وإسقاطا للْبَعْض، والاسقاط لَا يرد على الْعين بل هُوَ مَخْصُوص بِالدّينِ، حَتَّى إِذا مَاتَ وَاحِد وَترك مِيرَاثا فأبرأ بعض الْوَرَثَة عَن نصِيبه لم يجز لكَون بَرَاءَته عَن الاعيان.
دُرَر.
وَيَأْتِي قَرِيبا بأوضح مِمَّا هُنَا.

قَوْله: (كَثوب وَدِرْهَم) أَشَارَ بذلك إِلَى أَنه لَا فرق بَين القيمي والمثلي.

قَوْله: (فَيصير ذَلِك) أَي الْمَزِيد من الثَّوْب وَالدِّرْهَم.

قَوْله: (عوضا عَن حَقه فِيمَا بَقِي) أَي فَيكون مُسْتَوْفيا بعض حَقه وآخذ الْعِوَض عَن الْبَعْض.

قَوْله: (أَو يلْحق) مَنْصُوب بِأَن مضمرة مثل - أَو يُرْسل - فَيكون مؤولا بمصدر
مجرور مَعْطُوف على مجرور الْبَاء وَهُوَ بِضَم الْيَاء من الافعال.

قَوْله: (عَن دَعْوَى الْبَاقِي) لَان الابراء عَن عينه غير صَحِيح: أَي فِي حق الدَّعْوَى وَسُقُوط الْعين ديانَة كَمَا فِي الْمَبْسُوط، وَلذَا قيد بِهِ.
وَأما الابراء عَن دَعْوَى الْعين فَجَائِز كَمَا فِي الدُّرَر، وَهُوَ أَن يَقُولَ بَرِئْتُ عَنْهَا أَوْ عَنْ خُصُومَتِي فِيهَا أَو عَن دعواي هَذِهِ الدَّارِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ.
وَأَمَّا لَوْ قَالَ أَبْرَأْتُكَ عَنْهَا أَوْ عَنْ خُصُومَتِي فِيهَا فَإِنَّهُ بَاطِلٌ، وَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَ: أَي غير الْمُخَاطب، كَمَا لَوْ قَالَ لِمَنْ بِيَدِهِ عَبْدٌ بَرِئْتُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ، وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُكَ لَا لانه إِنَّمَا أَبرَأَهُ عَن ضَمَان كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ الدَّيْنِ.
قُلْت: ففرقوا بَين أَبْرَأتك وبرئت أَو أَنا برِئ لِإِضَافَةِ الْبَرَاءَةِ لِنَفْسِهِ فَتَعُمُّ، بِخِلَافِ أَبْرَأْتُكَ لِأَنَّهُ خِطَابُ الْوَاحِدِ فَلَهُ مُخَاصَمَةُ غَيْرِهِ كَمَا فِي حَاشِيَتِهَا مَعْزِيًّا للولوالجية شَرْحُ الْمُلْتَقَى.
وَفِي الْبَحْرِ: الابراء إِن كَانَ على وَجه الانشاء كأبرأتك، فَإِنْ كَانَ عَنْ الْعَيْنِ بَطَلَ مِنْ حَيْثُ

(8/358)


الدَّعْوَى فَلَهُ الدَّعْوَى بِهَا عَلَى الْمُخَاطَبِ وَغَيْرِهِ وَيصِح من حَيْثُ نفي الضَّمَان، وَإِن كَانَ عَنْ دَعْوَاهَا: فَإِنْ أَضَافَ الْإِبْرَاءَ إلَى الْمُخَاطب كأبرأتك عَن هَذِه الدَّار أَلا عَنْ خُصُومَتِي فِيهَا أَوْ عَنْ دَعْوَى فِيهَا لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُخَاطَبِ فَقَطْ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ كَقَوْلِهِ بَرِئْتُ عَنْهَا أَوْ أَنا برِئ فَلَا تُسْمَعُ مُطْلَقًا، هَذَا لَوْ عَلَى طَرِيقِ الْخُصُوصِ: أَيْ عَيْنٌ مَخْصُوصَةٌ، فَلَوْ عَلَى الْعُمُومِ فَلهُ الدَّعْوَى على الْمُخَاطب وَغَيره، كَمَا لَوْ تَبَارَأَ الزَّوْجَانِ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى وَلَهُ أَعْيَانٌ قَائِمَةٌ لَهُ الدَّعْوَى بِهَا لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الدُّيُونِ لَا الْأَعْيَانِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ على وَجه الاخبار كَقَوْلِه هِيَ برِئ مِمَّا لِي قِبَلَهُ فَهُوَ صَحِيحٌ مُتَنَاوِلٌ لِلدَّيْنِ وَالْعَيْنِ فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى، وَكَذَا لَا مِلْكَ لي فِي هَذَا الْعين.
ذكره فِي الْمَبْسُوط وَالْمُحِيط.
فلعم أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَسْتَحِقُّ قِبَلَهُ حَقًّا مُطْلَقًا وَلَا دَعْوَى يَمْنَعُ الدَّعْوَى بِالْعَيْنِ وَالدَّيْنِ، لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ: لَا حَقَّ لِي قِبَلَهُ يَشْمَلُ كُلَّ عَيْنٍ وَدَيْنٍ، فَلَوْ ادَّعَى حَقًّا لَمْ يُسْمَعْ مَا لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ اهما فِي الْبَحْرِ مُلَخَّصًا.
وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ لَا حَقَّ لِي إبْرَاءٌ عَامٌّ لَا إِقْرَار.

قَوْله: (الصِّحَّة مُطلقًا) وَلَو من غير هَذِه الْحِيلَة فَلَا تصح الدَّعْوَى بعده وَإِن برهن.
أَقُول: الابراء عَن الاعيان لَا يَصح اتِّفَاقًا، أما فِي خُصُوص الْمَسْأَلَة، وَهُوَ مَا إِذا ادّعى دَارا
وَصَالَحَهُ على بَيت مِنْهَا يَصح فِي ظَاهر الرِّوَايَة، وَيجْعَل كَأَنَّهُ قبل مِنْهُ بعض حَقه وأبرأه عَن الدَّعْوَى فِي بَاقِيه كَمَا قدمنَا، لَان الابراء عَن الْعين إِبْرَاء عَن الدَّعْوَى فِيهِ، والابراء عَن الدَّعْوَى فِي الاعيان صَحِيح.
وعَلى مَا فِي الْمَتْن وَهُوَ رِوَايَة ابْن سَمَّاعَة لم يَجعله إِبْرَاء عَن الدَّعْوَى وَقَالَ بِعَدَمِ صِحَّته.
قَالَ فِي الِاخْتِيَار: وَلَو ادّعى دَارا فَصَالحه على قدر مَعْلُوم مِنْهَا جَازَ وَيصير كَأَنَّهُ أَخذ بعض حَقه وأبرأه عَن دَعْوَى الْبَاقِي، والبراءة عَن الْعين وَإِن لم تصح لَكِن الْبَرَاءَة عَن الدَّعْوَى تصح، فصححناه على هَذَا الْوَجْه قطعا للمنازعة اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَة البرهانية: ادّعى دَارا فِي يَد رجل واصطلحا على بَيت مَعْلُوم من الدَّار فَهُوَ على وَجْهَيْن: إِن وَقع الصُّلْح على بَيت مَعْلُوم من دَار أُخْرَى للْمُدَّعى عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِز، وَإِن وَقع الصُّلْح على بَيت مَعْلُوم من الدَّار الَّتِي وَقع فِيهَا الدَّعْوَى فَذَلِك الصُّلْح جَائِز لانه فِي زعم الْمُدَّعِي أَنه أَخذ بعض حَقه وَترك الْبَعْض، وَفِي زعم الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه فدَاء عَن يَمِينه.
وَإِذا جَازَ هَذَا الصُّلْح هَل يسمع دَعْوَى الْمُدعى بعد ذَلِك وَهل تقبل إِن كَانَ الْبَيْت من دَار أُخْرَى؟ لَا تسمع دَعْوَاهُ باتفقا الرِّوَايَات، لَان هَذَا مُعَاوضَة بِاعْتِبَار جَانب الْمُدَّعِي فَكَأَنَّهُ بَاعَ مَا ادّعى بِمَا أَخذ.
وَفِيمَا إِذا وَقع الصُّلْح على بَيت من هَذِه الدَّار ذكر شيخ الاسلام نجم الدّين النَّسَفِيّ فِي شرح الْكَافِي أَنه تسمع، وَهَكَذَا يُفْتِي الشَّيْخ الامام الاجل ظهير الدّين المرغيناني، وَذكر شيخ الاسلام فِي شَرحه أَنه لَا تسمع دَعْوَاهُ.
وروى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه تسمع.
قَالُوا: وَهَكَذَا ذكر فِي بعض رِوَايَات الصُّلْح، واتفقت الرِّوَايَات أَن الْمُدعى عَلَيْهِ لَو أقرّ بِالدَّار للْمُدَّعِي أَنه يُؤمر بِتَسْلِيم الدَّار إِلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة ابْن سَمَّاعَة أَن الْمُدَّعِي بِهَذَا الصُّلْح استوفى بعض حَقه أَو أَبْرَأ عَن الْبَاقِي، إِلَّا أَن الابراء لَاقَى عينا والابراء عَن الاعيان بَاطِل، فَصَارَ وجوده وَعَدَمه بِمَنْزِلَة شئ وَاحِد.
وَجه ظَاهر الرِّوَايَة أَن الابراء لَاقَى عينا وَدَعوى فَإِن الْمُدَّعِي كَانَ يَدعِي جَمِيع الدَّار لنَفسِهِ والابراء عَن الدَّار صَحِيح، وَإِن كَانَ الابراء عَن الْعين لَا يَصح، فَإِن من قَالَ لغيره أَبْرَأتك عَن دَعْوَى

(8/359)


هَذَا الْعين صَحَّ الابراء حَتَّى لَو ادّعى بعد ذَلِك فَلَا تسمع.
أَو نقُول: الابراء لَاقَى الدَّعْوَى، فَإِن قَوْله أَبْرَأتك عَن هَذِه الْعين مَعْنَاهُ أَبْرَأتك عَن دَعْوَى هَذِه الْعين، أَلا ترى أَن قَول الْمَغْصُوب مِنْهُ للْغَاصِب أَبْرَأتك عَن العَبْد الْمَغْصُوب مَعْنَاهُ أَبْرَأتك عَن ضَمَان العَبْد الْمَغْصُوب، وبهذه الْمَسْأَلَة تبين أَن مَعْنَى قَوْلِنَا الْبَرَاءَةُ عَنْ الْأَعْيَانِ لَا تَصِحُّ أَنَّ الْعَيْنَ لَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بالابراء لَا أَن يبْقى الْمُدَّعِي على دَعْوَاهُ.
وَفِي آخر كتاب الدَّعْوَى فِي منتقى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد: فِي رجل خَاصم رجلا فِي دَار يدعيها ثمَّ قَالَ أَبْرَأتك عَن هَذِه الدَّار أَو قَالَ أَبْرَأتك عَن خصومتي هَذَا كُله بَاطِل وَله أَن يُخَاصم، وَلَو قَالَ بَرِئت من هَذِه الدَّار أَو قَالَ بَرِئت من دَعْوَى هَذِه الدَّار كَانَ جَائِزا وَلَا حق فِيهَا، وَلَو جَاءَ بِبَيِّنَة لم أقبلها.
وَفِي منتقى إِبْرَاهِيم بن رستم عَن مُحَمَّد: رجل ادّعى دَارا فِي يَد رجل فَصَالحه الْمُدعى عَلَيْهِ على نصفهَا وَقَالَ بَرِئت من دعواي فِي النّصْف الْبَاقِي أَو قَالَ بَرِئت من النّصْف الْبَاقِي أَو قَالَ لَا حق لي فِي النّصْف الْبَاقِي ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة على جَمِيع الدَّار لَا تقبل بَينته، وَلَو قَالَ صالحتك على نصفهَا على أَنِّي أَبْرَأتك من دعواي فِي النّصْف الآخر ثمَّ أَقَامَ بَيِّنَة كَانَ لَهُ أَن يَأْخُذ الدَّار كلهَا، وَفرق بَين قَوْله بَرِئت وَبَين قَوْله أَبْرَأتك.
قَالَ: أَلا ترى أَن عبدا فِي يَد رجل لَو قَالَ لرجل بَرِئت مِنْهُ كَانَ بَرِيئًا مِنْهُ، وَلَو قَالَ أَبْرَأتك مِنْهُ كَانَ لَهُ أَن يَدعِيهِ وَرُبمَا أَبرَأَهُ من ضَمَانه.
قَالَ: وَقَالَ أَصْحَابنَا رَحِمهم الله تَعَالَى أَنْت مني برِئ وَأَنا مِنْك برِئ كَانَ لَهُ أَن يَدعِي فِي العَبْد اهـ.

قَوْله: (فِي العزمية) وَوَجهه كَمَا فِي الْحَمَوِيّ أَن الابراء لَاقَى عينا وَدَعوى والابراء عَن الدَّعْوَى صَحِيح، فَإِن من قَالَ لغيره أَبْرَأتك عَن دَعْوَى هَذِه الْعين صَحَّ، وَلَو ادَّعَاهُ بعد لم تسمع.

قَوْله: (للبزازية) عبارتها: وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُور فِي أَكثر الْفَتَاوَى على اخْتِلَاف ظَاهر الرِّوَايَة وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة يَصح، وَلَا تصح الدَّعْوَى وَإِن برهن.

قَوْله: (وَقَوْلهمْ) جَوَاب سُؤال وَارِد على ظَاهر الرِّوَايَة، تَقْدِيره: كَيفَ صَحَّ الصُّلْح على بعض الْعين المدعاة مُطلقًا مَعَ أَنه يلْزم مِنْهُ الْبَرَاءَة عَن بَاقِيهَا؟ وَقد قَالُوا: الابراء عَن الاعيان بَاطِل، وَمُقْتَضَاهُ أَنه لَا يَصح.
أَفَادَهُ الطَّحْطَاوِيّ.
لَكِن مَا ذكره وَارِد على كَلَام الماتن عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، إذْ لَا تَعَرُّضَ لِلْإِبْرَاءِ فِيهَا، وَمَا تَضَمَّنَهُ الصُّلْحُ إسْقَاطٌ لِلْبَاقِي لَا
إِبْرَاء، فَافْهَم وَتَأمل.

قَوْله: (عَن دَعْوَى الاعيان) الانسب هُنَا حذف.
قَوْله: دَعْوَى كَمَا يظْهر مِمَّا تقدم من عبارَة الذَّخِيرَة، وَهُوَ الْمُنَاسب لسياق كَلَامه وَلما يَأْتِي من الِاسْتِدْرَاك الْآتِي فِي.
قَوْله: لَكِن تسمع دَعْوَاهُ فِي الحكم إِذْ لَو بَطل الابراء عَن الدَّعْوَى لسمعت دَعْوَاهُ، ولان الْفِقْه صِحَة الْبَرَاءَة عَن دَعْوَى الاعيان كَمَا مر بِلَا خلاف فِيهَا، وَلَو قَالَ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لَكَانَ أحكم، وَالله تَعَالَى أعلم.

قَوْله: (وَلم يصر ملكا للْمُدَّعى عَلَيْهِ) هُوَ الْمَقْصُود من الْمقَام: أَي أَن معنى بطلَان الْبَرَاءَة عَن الاعيان أَنَّهَا لَا تصير ملكا للمبرئ مِنْهَا فَحل للْمُدَّعِي أَخذهَا إِن وجدهَا، وَلَيْسَ معنى

(8/360)


الْبطلَان الْمَذْكُور أَنه يسوغ لَهُ الدَّعْوَى بهَا بعد الابراء مِنْهَا.
أَبُو السُّعُود
قَوْله: (وَأما الصُّلْح على بعض الدّين) مَفْهُوم.
قَوْله: سَابِقًا أَي عين يدعيها.
قَالَ الْمَقْدِسِي معزيا للمحيط: لَهُ أَلْفٌ فَأَنْكَرَهُ الْمَطْلُوبُ فَصَالَحَهُ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ صَحَّ وَيَبْرَأُ عَنْ الْبَاقِي قَضَاءً لَا دِيَانَةً، وَلَوْ قَضَاهُ الْأَلْفَ فَأَنْكَرَ الطَّالِبُ فَصَالحه بِمِائَة صَحَّ وَلَا يحلى لَهُ أَخْذُهَا دِيَانَةً، فَيُؤْخَذُ مِنْ هُنَا وَمِنْ أَنَّ الرِّبَا لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ مَا بقيت عينه عدم صِحَة بَرَاءَة قُضَاة زَمَاننَا مِمَّا يأخذونه وَيطْلبُونَ الابراء فيبرئونهم، بل مَا أَخذه عَن الرِّبَا أعرق بِجَامِع عدم الْمحل فِي كُلٍّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ بَرَاءَتِهِ فِي الصُّلْحِ اسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْخَانِيَّةِ مَا لَوْ زَاد أَبْرَأتك عَن الْبَقِيَّة.
سائحاني: أَي حَيْثُ يبرأ حِينَئِذٍ قَضَاء وديانة.
قلت: وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ الصُّلْحُ من الاسقاط لَيْسَ إِبْرَاء من وَجه، وَإِلَّا لم يحْتَج.
لقَوْله: وأبرأتك عَن الْبَقِيَّة.

قَوْله: (أَي قَضَاء لَا ديانَة) هَذَا إِذا لم يُبرئ الْغَرِيم من الْبَاقِي وَإِلَّا برِئ ديانَة كَمَا علمت.
أَقُول: تَأمل فِيهِ مَعَ أَنهم قَالُوا: إِن الصُّلْح عَن الدّين على بعضه أَخذ لبَعض حَقه وَإِسْقَاط للْبَاقِي وَإِسْقَاط الدّين يَصح.
فَالَّذِي يظْهر أَنه يسْقط قَضَاء وديانة، وَلَو تمّ مَا ذكره هُنَا لم يبْق فَرْقَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
تَأمل.

قَوْله: (وَتَمَامه فِي أَحْكَام الدّين من الاشباه) وعبارتها: وَمِنْهَا صِحَة الابراء عَن الدّين، وَلَا يَصح الابراء عَن الاعيان والابراء عَن دَعْوَاهَا صَحِيح، فَلَو قَالَ أَبْرَأتك عَن
دَعْوَى هَذَا الْعين صَحَّ الابراء فَلَا تسمع دَعْوَاهُ بهَا بعده، وَلَو قَالَ بَرِئت من هَذِه الدَّار وَمن دَعْوَى هَذِه لم تسمع دَعْوَاهُ وبينته، وَلَو قَالَ أَبْرَأْتُكَ عَنْهَا أَوْ عَنْ خُصُومَتِي فِيهَا فَهُوَ بَاطِل وَله أَن يُخَاصم، وَإِنَّمَا أَبرَأَهُ عَن ضَمَانه.
كَذَا فِي النِّهَايَة من الصُّلْح.
وَفِي كَافِي الْحَاكِم: لَا حق لي قبله يبرأ من الدّين وَالْعين وَالْكَفَالَة والاجارة وَالْحُدُود وَالْقصاص اهـ.
وَبِه علم أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الْأَعْيَانِ فِي الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ، لَكِن فِي مداينات الْقنية: افترق الزَّوْجَانِ وَأَبْرَأ كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه عَن جَمِيع الدَّعَاوَى وَكَانَ للزَّوْج بذر فِي أرْضهَا وأعيان قَائِمَة الْحَصاد والاعيان الْقَائِمَة لَا تدخل فِي الابراء عَن جَمِيع الدَّعَاوَى.
اهـ.
وَيدخل فِي الابراء الْعَام الشُّفْعَة فَهُوَ مسْقط لَهَا قَضَاء لَا ديانَة إِن لم يقصدها.
كَذَا فِي الْوَلوالجِيَّة.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ إبْرَاءً عَنْ ضَمَانهَا وَتصير أَمَانَة فِي يَد الْغَاصِب.
وَقَالَ زفر: لَا يَصح الابراء وَتبقى مَضْمُونَة، وَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ مُسْتَهْلَكَةً صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَبَرِئَ من قيمتهَا اهـ.
فَقَوْلهم حِينَئِذٍ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ مَعْنَاهُ: أَنَّهَا لَا تَكُونُ مِلْكًا لَهُ بِالْإِبْرَاءِ، وَإِلَّا فَالْإِبْرَاءُ عَنْهَا لِسُقُوطِ ضَمَانِهَا صَحِيحٌ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْأَمَانَةِ اهـ: أَيْ أَنَّ الْبُطْلَانَ عَنْ الْأَعْيَانِ مَحَلُّهُ إذَا كَانَتْ الْأَعْيَانُ أَمَانَةً، لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ أَمَانَةً لَا تَلْحَقُهُ عُهْدَتُهَا فَلَا وَجْهَ لِلْإِبْرَاءِ عَنْهَا.
تَأمل.

(8/361)


وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْإِبْرَاءَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْأَعْيَانِ: إمَّا أَنْ يكون عَن دَعْوَاهَا وَهُوَ صَحِيح مُطلقًا، وَإِن تعلق بِنَفسِهَا: فَإِن كَانَ مَغْصُوبَةً هَالِكَةً صَحَّ أَيْضًا كَالدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَة فَهِيَ بِمَعْنى الْبَرَاءَة عَنْهَا عَنْ ضَمَانِهَا لَوْ هَلَكَتْ وَتَصِيرُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ مِنْ عَيْنِهَا كَالْأَمَانَةِ لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ أَمَانَةً فَالْبَرَاءَةُ لَا تَصِحُّ دِيَانَةً بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا ظَفِرَ بِهَا مَالِكُهَا أَخَذَهَا وَتَصِحُّ قَضَاءً فَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي دَعْوَاهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ.
هَذَا مُلَخَّصُ مَا اُسْتُفِيدَ من هَذَا الْمقَام ط، وَقدمنَا قَرِيبا زبدته وَزِيَادَة وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ يُرْشِدُك إلَى أَنَّ قَوْلَ الشَّارِح مَعْنَاهُ الخ مَحْمُول على الامانة إِلَى أَن قَوْله فَتَصِح قَضَاء فِيهِ أَنه بَاطِل وَالْحَالة هَذِه فَلَا تصح لَا قَضَاء وَلَا ديانَة، بل حملُوا إِطْلَاق قَوْلهم الْبَرَاءَة عَن الاعيان بَاطِلَة على هَذِه الصُّورَة
تَأمل.
بَقِي لَو ادّعى عينا عَلَيْهِ فِي يَده فَأنكرهُ ثُمَّ أَبْرَأَهُ الْمُدَّعِي عَنْهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الْغَصْبِ لِأَنَّهُ بِالْإِنْكَارِ صَارَ غَاصِبًا، وَهَلْ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَهُ لَوْ قَائِمَةً؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ.

قَوْلُهُ: (وَقد حققته فِي شرح الْمُلْتَقى) نَصه قلت: وَقَوْلهمْ عَن الاعيان لَا يَصح مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَيْنَ لَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى دَعْوَاهُ بَلْ تسْقط فِي الحكم إِذا كَانَ الابراء مُضَافا للمتكلم كَالصُّلْحِ عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَبْرَأُ عَنْ بَاقِيهِ فِي الْحُكْمِ لَا فِي الدِّيَانَةِ: أَي عَن غير مَا فِي غير الذِّمَّة إِذْ لَا يسْقط بالاسقاط.
أما الْقَائِم بهَا فَيسْقط بِهِ، وَالصُّلْح إِمَّا إِسْقَاط للْبَاقِي أَو إِبْرَاء عَنهُ، وَكِلَاهُمَا صَحِيح فِي دين الذِّمَّة، وَلذَا لَو ظفر بِهِ أَخذه.
قُهُسْتَانِيّ وبرجندي وَغَيْرُهُمَا.
وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ عَنْ دَعْوَى الْأَعْيَانِ فَصَحِيحٌ بِلَا خلاف اهـ ح.
لَكِن قَوْله لانه يبْقى على دَعْوَاهُ الخ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْمُلْتَقَى آنِفًا عِنْد قَوْله عَن دَعْوَى الْبَاقِي.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: أَبْرَأْتُكَ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ عَنْ خُصُومَتِي فِيهَا أَوْ عَنْ دَعْوَايَ فِيهَا فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى بَعْدَهُ تسمع، وَلَو أَقَامَ بَيِّنَة تقبل اهـ.
لَكِن فِي قَوْله لَو ادّعى بعده تسمع: أَي على غير الْمُخَاطب كَمَا مر عَن الْبَحْر تَأمل.
وَالْحَاصِل: أَن الَّذِي تعطيه عبارَة الْكتب الْمَشْهُورَة إِن كَانَ الابراء عَنْهَا على وَجه الانشاء، فإمَّا أَن يكون عَن نفس الْعين أَو عَن الدَّعْوَى بهَا، فَإِن كَانَ عَن نفس الْعين فَهُوَ بَاطِل من جِهَة أَن لَهُ الدَّعْوَى بهَا على الْمُخَاطب وَغَيره صَحِيح من جِهَة الابراء عَن وصف الضَّمَان، فالابراء الصَّادِر فِي الْمَنْقُول وَالْعَقار إِبْرَاء عَن الاعيان لَا يمْنَع الدَّعْوَى بأدواتها على الْمُخَاطب وَلَا غَيره، فَافْهَم تغنم.

قَوْله: (وَصَحَّ الصُّلْح عَن دَعْوَى المَال) لانه فِي معنى البيع، فَمَا جَازَ بَيْعه جَازَ صلحه.
دُرَر.
وَلما كَانَ جَوَاز الصُّلْح وَعدم جَوَازه دائرا على أصل وَهُوَ وجوب حمل الصُّلْح على أقرب عقد من الْعُقُود الْمَعْهُودَة وأشباهها مهما أمكن وَصَحَّ هَذَا الصُّلْح لانه مَحْمُول على عقد البيع لاشْتِرَاكهمَا فِي مُبَادلَة المَال بِالْمَالِ وَهِي حَقِيقَة البيع، وَصَحَّ عَن دَعْوَى الْمَنْفَعَة حملا على الاجارة وَعَن دَعْوَى الرّقّ حملا على الْعتْق بِمَال لاشْتِرَاكهمَا فِي تمْلِيك الْمَنْفَعَة بعوض فِي الاول وَفِي أصل الْمَعْنى فِي الثَّانِي، فيراعى فِي الملحق مَا يُرَاعى فِي الملحق بِهِ مهما أمكن.
وَذكر فَسَاد صلح الزَّوْج عَن دَعْوَى الْمَرْأَة النِّكَاح وَفَسَاد
صلح عَن دَعْوَى حد الخ بِنَاء على هَذَا الاصل أَيْضا، لانه لما لم يكن الْحمل على وَاحِد من الْعُقُود الْمَعْهُودَة وَلم يكن مصحح آخر فِي كل مِنْهَا حكم بفساده.
تدبر.

قَوْله: (وَلَو بِإِقْرَار) بَيَان لوجه الاطلاق: أَي سَوَاء كَانَ بِإِقْرَار أَو سكُوت أَو إِنْكَار، وَسَوَاء كَمَا بِمَال أَو بِمَنْفَعَة.

قَوْله: (وبمنفعة) أَي

(8/362)


وَلَو بِمَنْفَعَة، وَيكون بِمَعْنى الاجارة إِذا كَانَ عَن إِقْرَار.

قَوْله: (وَعَن دَعْوَى الْمَنْفَعَة) صورته: أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى بِخِدْمَةِ هَذَا الْعَبْدِ وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ.
عَلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى اسْتِئْجَارَ عَيْنٍ وَالْمَالِك يُنكر ثمَّ صَالح لم يجز اهـ.
وَفِي الْأَشْبَاهِ: الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَنَافِعِ إِلَّا دَعْوَى إِجَارَة كَمَا فِي الْمُسْتَصْفى اهـ.
رملي.
وَهَذَا مُخَالف لما فِي الْبَحْر.
تَأمل
قَوْله: (وَلَو بِمَنْفَعَة عَن جنس آخر) الاولى التَّعْبِير بِمن كَالصُّلْحِ عَنْ السُّكْنَى عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ، بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ السُّكْنَى عَلَى سُكْنَى فَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ وَالزَّيْلَعِيِّ.
قَالَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ: لَكِنْ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ، حَيْثُ قَالَ: وَإِذا ادّعى سُكْنى دَار فَصَالحه على سُكْنَى دَارٍ أُخْرَى مُدَّةً مَعْلُومَةً جَازَ، وَإِجَارَةُ السُّكْنَى بالسكن لَا تَجُوزُ.
قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا ينعقدان تَمْلِيكًا بِتَمْلِيك اهـ.
أَبُو السُّعُود.
وَذكره ابْن ملك فِي شرح الْوِقَايَة مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَجْمَعِ.
قَالَ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ: وَالْمُوَافِقُ لِلْكُتُبِ مَا فِي شرح الْمجمع.
وَالْحَاصِل: أَن الْجِنْس إِحْدَى علتي الرِّبَا وبإحدى العلتين يحرم، فتمليك الْمَنَافِع لَا يكون إِلَّا نَسِيئَة لحدوثه آنا بعد آن، فَيمْتَنع مَعَ اتِّحَاد الْجِنْس لَا مَعَ اختلافه.

قَوْله: (وَعَن دَعْوَى الرّقّ وَكَانَ عتقا على مَال) صورته: إِذا ادّعى على مَجْهُول الْحَال أَنه عَبده فَصَالحه الْمُدعى عَلَيْهِ على مَال جَازَ وَكَانَ عتقا بِمَال مُطلقًا: أَي فِي حق الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ إِن كَانَ عَن إِقْرَار، وَفِي حق الْمُدَّعِي إِن كَانَ عَن سكُوت أَو إِنْكَار، وَيكون حِينَئِذٍ فدَاء يَمِين وقطعا للخصومة فِي حق الْمُدعى عَلَيْهِ.

قَوْله: (وَيثبت الْوَلَاء) لَو وَقع الصُّلْح بِإِقْرَار: أَي من الْمُدعى عَلَيْهِ وَهُوَ العَبْد.

قَوْله: (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن بِإِقْرَار بِأَن كَانَ الصُّلْح عَن إِنْكَار أَو سكُوت.

قَوْله: (لَا) أَي لَا يثبت الْوَلَاء لانه لم يصدقهُ على أَنه مُعْتقه بل يُنكر الْعتْق وَيَدعِي أَنه حر الاصل، وَمن ادّعى وَلَاء شخص لَا يثبت لَهُ إِلَّا بِتَصْدِيق الْمُدعى عَلَيْهِ كَمَا تقدم فِي
الاقرار.

قَوْله: (إِلَّا بِبَيِّنَة) أَي إِلَّا أَن يُقيم الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة بعد ذَلِك فَتقبل بَينته فِي حق ثُبُوت الْوَلَاء عَلَيْهِ لَا غير حَتَّى لَا يكون رَقِيقا، لانه جعل معتقا بِالصُّلْحِ فَلَا يعود رَقِيقا.
منح
قَوْله: (وَلَا يعود بِالْبَيِّنَةِ الخ) يُغني عَنهُ قَوْله وَكَانَ عتقا على مَال، لَان بِالْبَيِّنَةِ أثبت أَنه كَانَ رَقِيقا قبل الصُّلْح وَقد وَقع الصُّلْح عتقا على مَال على مَا قدمه فَلَا وَجه لعوده رَقِيقا.

قَوْله: (الْمُدَّعِي) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول، وَسَيَأْتِي آخر الْبَاب اسْتثِْنَاء مَسْأَلَة، وَهِي قَوْله إِلَّا فِي الْوَصِيّ على مَال الخ.

قَوْله: (بِأخذ الْبَدَل) مُتَعَلق بِنزل.
قَالَ الْحَمَوِيّ: وَلَو كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا لَا يحل لَهُ الْبَدَل ديانَة.

قَوْله: (نزل بَائِعا) أَي بِأخذ الْبَدَل: أَي فِيمَا يصلح أَن يكون بَائِعا فِيهِ أَو مُسْتَأْجرًا أَو مؤجرا أَو معتقا على مَال أَو مُخْتَلفا فِيمَا يصلح لَهُ.
قَوْله (عَن دَعْوَى الزَّوْج) لَو أسقط لفظ الزَّوْج مَا ضرّ.
قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: لَو أسقط لفظ الزَّوْج لَكَانَ أولى.
ثمَّ قَالَ: وَهَذَا إِذا لم تكن ذَات زوج، لانه لَو كَانَ لَهَا زوج لم يثبت نِكَاح الْمُدَّعِي فَلَا يَصح الْخلْع انْتهى.

قَوْله: (على غير مُزَوّجَة) أما لَو كَانَ لَهَا زوج: أَي ثَابت لم يثبت نِكَاح الْمُدَّعِي فَلَا يَصح الْخلْع.
شرنبلالية.
قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا تَجْدِيدُ النِّكَاحِ من زَوجهَا كَمَا فِي الْعمادِيَّة، وَشَمل كَلَامه مَا إِذا ادّعى أَنَّهَا زَوجته قبل أَن يَتَزَوَّجهَا هَذَا الزَّوْج

(8/363)


الْمَوْجُود فِي حَال الدَّعْوَى، لانه حِين ادّعى النِّكَاح ادَّعَاهُ على غير مُزَوّجَة.
أما لَو ادّعى أَنه تزَوجهَا فِي حَال قيام الزَّوْجِيَّة لم تصح دَعْوَاهُ فَلَا يَصح صلحه لعدم تَأتي كَونه خلعا، وَكَذَا لَو لم يحل لَهُ نِكَاح الْمُدعى عَلَيْهِ كتزوج أُخْتهَا أَو أَربع سواهَا فدعواه لَا تصح حِينَئِذٍ، وَلَا وَجه لصِحَّة صلحه لعدم إِمْكَان كَونه خلعا، لَان الْخلْع لَا يكون إِلَّا بعد النِّكَاح الصَّحِيح.

قَوْله: (وَكَانَ خلعا) ظَاهر أَنه ينقص عدد الصلاق فَيَمْلِكُ عَلَيْهَا طَلْقَتَيْنِ لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدُ، أَمَّا إذَا كَانَ عَنْ إقْرَارٍ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ فَمُعَامَلَةٌ لَهُ بِزَعْمِهِ، فَتدبر ط.

قَوْله: (وَلَا يطيب لَوْ مُبْطِلًا) هَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصُّلْح.
كِفَايَة.
وَالْحَاصِل: أَن مَا يَأْخُذهُ بَدَلا عَن الصُّلْح إِن كَانَ محقا فِي دَعْوَاهُ فَإِنَّهُ يطيب لَهُ، فَإِن كَانَ فِي دَعْوَى المَال فَإِنَّهُ بدل مَاله، وَإِن كَانَ فِي دَعْوَى الْمَنْفَعَة فَإِنَّهُ أُجْرَة مَاله، وَإِن كَانَ فِي دَعْوَى الرّقّ فَإِنَّهُ
بدل الْعتْق، وَإِن كَانَ فِي دَعْوَى النِّكَاح فَإِنَّهُ بدل الْخلْع، وَلَو كَانَ مُبْطلًا فِي دَعْوَاهُ لَا يطيب لَهُ مَا يَأْخُذهُ لانه أكل مَال أَخِيه بِالْبَاطِلِ، وَهَذَا عَام فِي كل مسَائِل الصُّلْح.

قَوْله: (لعدم الدُّخُول) أَي إِذا كَانَ كَذَلِك فِي نفس الامر.
أما لَو علم صِحَة دَعْوَاهُ وَأَنه دخل بهَا أَو اختلى لَا يحل لَهَا إِلَّا بعد انْقِضَاء الْعدة.

قَوْله: (لم يَصح) لانه إِن جعل ترك الدَّعْوَى مِنْهَا فرقة فَلَا عوض على الزَّوْج فِي الْفرْقَة مِنْهَا، كَمَا إِذا مكنت ابْن زَوجهَا، وَإِن لم تجْعَل فرقة فالحال على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل الدَّعْوَى، لَان الْفرْقَة لما لم تُوجد كَانَت الدَّعْوَى على حَالهَا لبَقَاء النِّكَاح فِي زعمها فَلم يكن شئ ثمَّة يُقَابله الْعِوَض فَكَانَ رشوة اهـ.
دُرَر وَالظَّاهِر أَنه لَا يجوز لَهَا التَّزَوُّج بِغَيْرِهِ مُعَاملَة لَهَا بزعمها ط.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَإِن كَانَت هِيَ المدعية وَالزَّوْج يُنكر ذكر فِي بعض نسخ الْمُخْتَصر أَنه لَا يجوز، لانه لَو جعل ترك الدَّعْوَى مِنْهَا طَلَاقا فالزوج لَا يُعْطي الْعِوَض فِي الْفرْقَة إِذْ لم يسلم لَهُ شئ فِي هَذِه الْفرْقَة وَهِي يسلم لَهَا المَال وَالنَّفس، وَإِن لم يَجْعَل فرقة فالحال بعد الصُّلْح على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبله فَتكون على دَعْوَاهَا فَلَا يكون هَذَا الصُّلْح مُفِيدا قطع الْخُصُومَة فَلَا يُصَار إِلَيْهِ.
وَذكر فِي بَعْضهَا أَنه يجوز لانه يَجْعَل كَأَنَّهُ زَادهَا على مهرهَا ثمَّ خَالعهَا على أصل الْمهْر دون الزِّيَادَة فَيسْقط الْمهْر غير الزِّيَادَة انْتهى.
قَالَ الْحَمَوِيّ: وَأطَال صَاحب غَايَة الْبَيَان فِي تَرْجِيح عدم الْجَوَاز.

قَوْله: (وَصحح الصِّحَّة فِي دُرَر الْبحار) لانه يَجْعَل كَأَنَّهُ زَاد فِي مهرهَا إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ، وَأقرهُ فِي غُرَرُ الْأَفْكَارِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ فَكَانَ فِيهِ اخْتِلَاف التَّصْحِيح.
وَعبارَة الْمجمع: وَادعت هِيَ نِكَاحه فصالحها جَازَ، وَقيل لم يجز.
فَائِدَة: فِي فروق المحبوبي: لَو ادَّعَت امْرَأَة أَن زَوجهَا طَلقهَا ثَلَاثًا وَأنكر الزَّوْج فصالحها على مائَة دِرْهَم على أَن تبرئه من الدَّعْوَى لم يَصح، وَيرجع الزَّوْج عَلَيْهَا وَالْمَرْأَة على دَعْوَاهَا.
وَلَو ادّعى على امْرَأَة نِكَاحهَا فَجحدت فصالحها على مائَة دِرْهَم لتقر فأقرت صَحَّ وَيلْزمهُ المَال وَيكون هَذَا ابْتِدَاء عقد، وَبِه يظْهر الْفرق بَين الاولى وَالثَّانيَِة، لَان فِي الْفَصْل الاول لَا يُمكن جعله ابْتِدَاء عقد، وَفِي الثَّانِيَة مُمكن.

قَوْله: (الْمَأْذُون لَهُ) أَي بِالتِّجَارَة.

قَوْلُهُ: (عَمْدًا) قُيِّدَ بِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ لِأَنَّهُ

(8/364)


يسْلك بِهِ مسالك الاموال ط.

قَوْله: (فَلم يلْزم الْمولى) لانه لم يَأْذَن بِهِ وَإِنَّمَا أذن لَهُ فِيمَا هُوَ من أَعمال
التِّجَارَة وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا.
قَالَ الْمَقْدِسِي: فَإِن أجَازه صَحَّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَا.

قَوْله: (لَكِن يسْقط بِهِ الْقود) لانه صَحِيح بَينه وَبَين أَوْلِيَاء الْمَقْتُول لانه مُكَلّف فَيصح تصرفه فِي حق نَفسه لَا فِي مَال الْغَيْر وَهُوَ الْمولى بِغَيْر إِذْنه، لَان الْوَلِيّ أسْقطه بِالْبَدَلِ وَلَا مَانع من جَانِبه.
وَحَاصِله كَمَا فِي الْعِنَايَة: أَن نفس العَبْد لَيست من كَسبه فَلَا يجوز لَهُ التَّصَرُّف فِيهَا، وَلم يجب الْبَدَل فِي حق الْمولى بل تَأَخّر إِلَى مَا بعد الْعتْق لَان صلحه عَن نَفسه صَحِيح لكَونه مُكَلّفا، وَلم يَصح فِي حق الْمولى فَصَارَ كَأَنَّهُ صَالحه على بدل مُؤَجل يُؤَاخذ بِهِ بعد الْعتْق.

قَوْله: (ويؤاخذ) أَي الْمَأْذُون الْمصَالح، لانه قد الْتزم المَال وَهُوَ مُعسر فِي حَال رقّه فَينْظر إِلَى الميسرة وَهِي تكون بعد عتقه.

قَوْله: (وَإِن قتل عبد لَهُ) عبد فَاعل قتل.

قَوْله: (وَصَالَحَهُ الْمَأْذُون) على تَقْدِير مُضَاف: أَي صَالح أولياءه: يَعْنِي إِذا كَانَ لهَذَا الْمَأْذُون عبد قتل رجلا عمدا فَصَالح عَنهُ مَوْلَاهُ الْمَأْذُون جَازَ، وَهَكَذَا التَّصْوِير فِي غَايَة الْبَيَان، فَالْمُرَاد بالمولى العَبْد الْمَأْذُون وَهُوَ مولى عبد قَاتل عمدا، وَأطلق صِحَة هَذَا الصُّلْح فَشَمَلَ أَنه صَحِيح سَوَاء كَانَ على هَذَا الْمولى الْمَأْذُون دين أَو لم يكن، وَسَوَاء كَانَ على عَبده دين أَو لم يكن كَمَا فِي تَكْمِلَة الديري.
وَفِي التَّعْبِير بالمولى عَن الْمَأْذُون تعسف، كَمَا نبه عَلَيْهِ عزمي زَاده.
وَوَجهه أَن الْمولى إِنَّمَا يُطلق على الاسفل بعد عتقه ورق الْمَأْذُون قَائِم فَلَا يَصح إِطْلَاق الْمولى عَلَيْهِ كَمَا أَفَادَ الْمولى أَبُو السُّعُود.

قَوْله: (لانه من تِجَارَته) لَان استخلاصه كشرائه.
منح.
لانه بِاسْتِحْقَاق الْقَتْل كالزائل عَن ملكه وَهُوَ لَو خرج عَن ملكه كَانَ لَهُ أَن يَشْتَرِيهِ فَكَذَا لَهُ أَن يستخلصه، بِخِلَاف الْمكَاتب حَيْثُ يجوز لَهُ أَن يُصَالح عَن نَفسه كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْله: (وَالْمكَاتب كَالْحرِّ) أَي لِخُرُوجِهِ عَن يَد الْمولى إِذْ هُوَ حر يدا واكتسابه لَهُ مَا لم يعجز، بِخِلَاف الْمَأْذُون فَإِنَّهُ عبد من كل وَجه وَكَسبه لمَوْلَاهُ وَلِهَذَا نفذ تصرفه على نَفسه حَيْثُ جَازَ صلحه عَنْهَا.
قَالَ فِي الدُّرَر: وَلِهَذَا إِن ادّعى أحد رقيته فَإِنَّهُ يكون خصما فِيهِ، وَإِذا جنى عَلَيْهِ كَانَ الارش لَهُ، وَإِذا قتل لَا تكون قِيمَته للْمولى، بل لوَرثَته تُؤَدّى مِنْهَا كِتَابَته، وَيحكم بحريَّته فِي آخر حَيَاته، وَيكون الْفضل لَهُم، فَصَارَ كَالْحرِّ فَيجوز صلحه عَن نَفسه وَلَا كَذَلِك الْمَأْذُون.
ذكره الزَّيْلَعِيّ انْتهى.

قَوْله: (وَالصُّلْح عَن الْمَغْصُوبُ) أَيْ الْقِيَمِيُّ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلِيًّا فَهَلَك فالمصالح إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَغْصُوبِ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ جَازَ اتِّفَاقًا.
ابْن ملك: أَي جَازَ مَعَ
اخْتِلَاف الْجِنْس.

قَوْله: (الْهَالِك) قيد بِهِ لانه لَا خلاف فِي الصُّلْح بالاكثر عِنْد قِيَامه، إِذْ لَا نظر للقيمة حِينَئِذٍ أصلا.
ابْن ملك.

قَوْله: (على أَكثر من قِيمَته) أَي وَلَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ.
قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: بِخِلَافِ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ فَإِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ لَمْ يَعُدْ ذَلِكَ فَضْلًا فَلَمْ يكن رَبًّا: أَي عِنْدهمَا، وَقُيِّدَ.
بِقَوْلِهِ: عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ مَحل الْخلاف.
قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: غَصَبَ كُرَّ بُرٍّ أَوْ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَالَحَ عَلَى نِصْفِهِ، فَلَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ هَالكا جَازَ الصُّلْح، وَلَو قَائِما لَكِن عينه أَوْ أَخْفَاهُ وَهُوَ مُقِرٌّ أَوْ مُنْكِرٌ جَازَ قَضَاءً لَا دِيَانَةً، وَلَوْ حَاضِرًا يَرَاهُ لَكِنْ غَاصِبُهُ مُنْكِرٌ جَازَ كَذَلِكَ، فَلَوْ وَجَدَ الْمَالِكُ بَيِّنَةً عَلَى بَقِيَّةِ مَالِهِ قُضِيَ لَهُ بِهِ، وَالصُّلْحُ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ فِي كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ حَالَ قِيَامِهِ بَاطِلٌ، وَلَوْ أَقَرَّ بِغَصْبِهِ وَهُوَ ظَاهر فِي يَده وَيَقْدِرُ مَالِكُهُ عَلَى قَبْضِهِ

(8/365)


فَصَالحه على نصفه على أَن يُبرئهُ مِمَّا بَقِيَ جَازَ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ صَالَحَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَوْبٍ وَدَفَعَهُ جَازَ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إذْ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلثَّوْبِ بِالْمَغْصُوبِ، وَلَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ قِنًّا أَوْ عَرَضًا فَصَالَحَ غَاصِبُهُ مَالِكَهُ عَلَى نِصْفِهِ وَهُوَ مُغَيِّبُهُ عَن ملكه وَغَاصِبُهُ مُقِرٌّ أَوْ مُنْكِرٌ لَمْ يَجُزْ، إذْ صُلْحُهُ عَلَى نِصْفِهِ إقْرَارٌ بِقِيَامِهِ، بِخِلَافِ كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ إذْ يُتَصَوَّرُ هَلَاكُ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضِهِ عَادَةً، بِخِلَافِ ثَوْبٍ وَقِنٍّ اه.

قَوْلُهُ: (قبل الْقَضَاء بِالْقيمَةِ) أما بعد الْقَضَاء لَا يجوز، لَان الْحق انْتقل بِالْقضَاءِ إِلَى الْقيمَة.
منح.
فَيرد الزِّيَادَة على الْقيمَة.
أَبُو السُّعُود.

قَوْله: (جَائِزٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ فِي الْهَالِكِ لَمْ يَنْقَطِعْ وَلَمْ يَتَحَوَّلْ إلَى الْقِيمَةِ فَكَانَ صُلْحًا عَنْ الْمَغْصُوبِ لَا عَن قِيمَته، فَلَا يكون اعتياضه بِأَكْثَرَ من قِيمَته رَبًّا، وَالزَّائِد على الْمَالِيَّة يكون فِي مُقَابلَة الصُّورَة الْبَاقِيَة حكما لَا الْقيمَة.
وَعِنْدَهُمَا: لَا يجوز إِذا كَانَ بِغَبن فَاحش، لَان حَقه فِي الْقيمَة فالزائد عَلَيْهَا رَبًّا، وَمحل ذَلِك إِذا لم يكن مثلِيا صولح عَنهُ على مثله فَإِنَّهُ لَا تجوز الزِّيَادَة حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ جَازَ اتِّفَاقًا.
وَالْحَاصِل: أَن الامام يَقُول: إِن الضَّمَان بدل عَن الْعين المستهلكة فَيجوز بَالغا مَا بلغ، كَمَا إِذا كَانَت قَائِمَة حَقِيقَة.
والصاحبان يَقُولَانِ: إِن الْقيمَة هِيَ الْوَاجِبَة فِي ضَمَان الْعدوان لانها هِيَ الَّتِي يُمكن وُجُوبهَا فِي الذِّمَّة دون الْعين فَيكون الْمَأْخُوذ بَدَلا عَن الْقيمَة عِنْد الصاحبين، فَمَا زَاد عَن الْقيمَة
يكون رَبًّا.
أَبُو السُّعُود.

قَوْله: (كصلحه بِعَرَضٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَتُهُ كَقِيمَةِ الْهَالِكِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا الشَّارِحُ هُنَا مَعَ أَنَّهَا سَتَأْتِي مَتْنًا إشَارَةً إلَى أَن محلهَا هُنَا، وَظَاهره أَن الصُّلْح عَن قيمي بِعرْض، وَإِن كَانَت قِيمَته أَكثر جَازَ على هَذَا الْخلاف، وَلَيْسَ كَذَلِك بل الصُّلْح على عرض، وَإِن كَانَت قِيمَته أَكثر من قيمَة الْمَغْصُوب جَائِز اتِّفَاقًا.
صرح بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيره.
غَايَة مَا يُقَال: إِن مقارنته بِمَا قبله لمُجَرّد تساويهما فِي الصِّحَّة عِنْد زِيَادَة الْبَدَل عَن قيمَة الْمُبدل وَإِن كَانَ أَحدهمَا اختلافيا وَالْآخر اتفاقيا.
نعم لَو أفرده بِالذكر كَمَا فِي الْهِدَايَة وكما فعل المُصَنّف لَكَانَ أولى.

قَوْله: (فَلَا تقبل إِلَخ) لَان بِالصُّلْحِ قد أَخذ بعض حَقه وَأسْقط بَاقِيه، والساقط لَا يعود.

قَوْله: (وَلَا رُجُوع للْغَاصِب على الْمَغْصُوب مِنْهُ بشئ) أَي سَوَاء كَانَ قبل الْقَضَاء بِقِيمَة الْمَغْصُوب أَو بعده لعدم ظُهُور الرِّبَا بَين الْعرض وَقِيمَة الْمَغْصُوب لفقد العلتين فِيهِ، بِخِلَاف مَا لَو دَفعهَا من جنس الْقيمَة بعد الْقَضَاء بهَا، لَان تَقْدِير القَاضِي كتقدير الشَّارِع، فَإِذا دفع أَزِيد مِنْهُ تحقق الرِّبَا إِن كَانَ من جنس مَا قدره القَاضِي.
أما لَو قضى بِالدَّرَاهِمِ فَدفع الدَّنَانِير أَو بِالْعَكْسِ فَيجوز أَيْضا لفقد الْعلَّة وَهُوَ اتِّحَاد الْجِنْس، لَكِن يشْتَرط الْقَبْض فِي مجْلِس الصُّلْح لِئَلَّا يفترقا عَن دين بدين.
أَفَادَهُ الرحمتي.
تَنْبِيهَات: الصُّلْح على أَكثر من مهر الْمثل جَائِز، وَلَو طَلقهَا بعد الدُّخُول أَو مَاتَت لَا يجوز إِلَّا على قدر مهر الْمثل، لانه يصير بِمَنْزِلَة الدّين وَلم يبْق لَهُ حكم الْمهْر وَلذَا لَا يجوز الزِّيَادَة فِيهِ.
اسْتهْلك إِنَاء فضَّة وَقضى بِالْقيمَةِ وافترقا قبل الْقَبْض لم يبطل، وَكَذَا لَو اصطلحا بِلَا قَضَاء غصب طوق ذهب مِائَتَا مِثْقَال فَضَاعَ فَصَالحه على مائَة ثمَّ أقرّ الْمُدَّعِي أَن أَحدهمَا كَانَ ملك الْمُدعى عَلَيْهِ فَالصُّلْح جَائِز عَن الثَّانِي وَلَا يرجع عَلَيْهِ، وَلَو أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَة على الالف وَالدَّار بعد الصُّلْح كَانَ على

(8/366)


حَقه الدَّار لَان الْمِائَتَيْنِ الَّتِي أخذهما إِنَّمَا هما من الالف وَقد حط عَن الْبَاقِي مِنْهَا، وَلَو ادّعى دَارا أَو ألفا فَصَالحه على ألف ثمَّ برهن على نصف الدَّار وَنصف الالف لم يكن لَهُ من ذَلِك شئ، وَلَو أَقَامَ الْبَيِّنَة على ألف دِرْهَم وَنصف الدَّار كَانَت الالف قَضَاء بالالف وَأخذ نصف الدَّار، وَلَو اسْتحقَّت الدَّار من يَد الْمُدعى عَلَيْهِ لم يرجع من الالف بشئ لانه يَقُول الالف الَّتِي قبضت عَن الَّتِي ادعيت، وَقِيَاس
الالف وَالدَّار الدِّرْهَم وَالدِّينَار.
وَوجه عدم كَون الْبَدَل عَن الْجَمِيع أَو الشِّرَاء الْوَاحِد لَا يَنْتَظِم الاسقاط والمعاوضة، وَلَو أعطَاهُ ثوبا عَن جَمِيع حَقه فَهُوَ صلح الْجَمِيع.

قَوْله: (وَلَو أعتق مُوسر عبدا إِلَخ) قيد بالموسر، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا يَسْعَى الْعَبْدُ فِي نصفه كَمَا فِي مِسْكين.

قَوْله: (لَا يجوز لانه مُقَدّر شرعا) قَالَ فِي الدُّرَر: لَان الْقيمَة فِي الْعتْق مَنْصُوص عَلَيْهَا، وَتَقْدِير الشَّارِع لَيْسَ أدنى من تَقْدِير القَاضِي فَلَا تجوز الزِّيَادَة عَلَيْهِ اه.
بِخِلَاف مَا تقدم لانها غير مَنْصُوص عَلَيْهَا، وَإِن صَالحه على عرض جَازَ كَيْفَمَا كَانَ لانه لَا يظْهر الْفضل عِنْد اخْتِلَاف الْجِنْس.
عَيْني.

قَوْله: (لعدم الرِّبَا) لانه قوبل صُورَة بِصُورَة على قَوْله أَو قيمَة بِصُورَة على قَوْلهمَا، وعَلى كل فَلَا رَبًّا.

قَوْله: (وَصَحَّ فِي الْجِنَايَة الْعمد إِلَخ) شَمِلَ مَا إذَا تَعَدَّدَ الْقَاتِلُ أَوْ انْفَرَدَ حَتَّى لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَصَالَحَ أَحَدَهُمْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّيَةِ جَازَ، وَلَهُ قَتْلُ الْبَقِيَّةِ وَالصُّلْحُ مَعَهُمْ، لِأَنَّ حَقَّ الْقِصَاصِ ثَابِتٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ.
تَأمل.
رملي.

قَوْله: (وَلَو فِي نفس مَعَ أقرار) تَفْسِير للاطلاق: أَي سَوَاء كَانَ الْعمد فِي النَّفس أَو مَا دونهَا، وَسَوَاء كَانَ الصُّلْح عَن إِقْرَار أَو إِنْكَار أَو سكُوت.

قَوْله: (بِأَكْثَرَ من الدِّيَة) أَي فِي النَّفس.

قَوْله: (والارش) أَي فِي الاطراف.

قَوْله: (أَو بِأَقَلّ) أَي على أقل وَإِن كَانَ أقل من عشرَة دَرَاهِم لانه لَا مُوجب لَهُ، وَإِنَّمَا يجب بِالْعقدِ فَيقدر بتقديرهما، بِخِلَاف النِّكَاح حَيْثُ لَا يجوز تَسْمِيَة مَا دون الْعشْرَة فِيهِ لانه مُقَدّر شرعا.

قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ الرِّبَا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِصَاصُ وَهُوَ لَيْسَ بِمَال فَلَا يتَحَقَّق فِيهِ الرِّبَا، فَلَا يبطل الْفضل لعدم المجانسة بَين مُوجب الْعمد وَهُوَ الْقصاص والمدفوع من المَال.

قَوْله: (كَذَلِك) أَي بِأَكْثَرَ من الدِّيَة: أَي مُطلقًا فِي النَّفس أَو الاطراف مَعَ الاقرار أَو السُّكُوت أَو الانكار.

قَوْله: (لَا تصح الزِّيَادَة) أَفَادَ بالتقييد بِالزِّيَادَةِ صِحَة النَّقْص وَيجْعَل إِسْقَاط ط.
وَإِذا لم تصح الزِّيَادَة فَالصُّلْح صَحِيح وَالزِّيَادَة غير لَازِمَة كَمَا فِي الدُّرَر والشرنبلالية.

قَوْله: (لَان الدِّيَة فِي الْخَطَأ مقدرَة) أَي شرعا وَالزِّيَادَة عَلَيْهَا تكون رَبًّا فَيبْطل الْفضل، ومقاديرها مائَة بعير أَو مِائَتَا بقرة أَوْ مِائَتَا شَاةٍ أَوْ مِائَتَا حُلَّةٍ أَوْ ألف دِينَار أَو عشرَة آلَاف دِرْهَم.
عزمي عَن الْكَافِي.
فَلَا تجوز الزِّيَادَة عَلَيْهِ، كَمَا لَا يجوز الصُّلْح فِي دَعْوَى الدّين على أَكثر من جنسه ط.
قَالَ الرحمتي: وَهَذَا فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير ظَاهر.
وَأما فِي الابل فَيَنْبَغِي الْجَوَاز لفقد الْقدر.
اهـ.

(8/367)


أَقُول: سَيَأْتِي قَرِيبا مَا يُؤَيّدهُ، فَافْهَم.

قَوْله: (بِغَيْر مقاديرها) أَي بِغَيْر الذَّهَب وَالْفِضَّة والابل، كَأَن صَالح بعروض أَو حَيَوَان غير مَا ذكر صَحَّ سَوَاء كَانَت قِيمَته قدر دِيَة أَو لَا.
وَأفَاد أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا صَالَحَ عَلَى أَحَدِ مقادير الدِّيَة الْمُتَقَدّمَة.

قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ الْمَجْلِسِ) أَيْ بِشَرْطِ الْقَبْضِ فِي الْمجْلس إِذا كَانَ مَا وَقع عَلَيْهِ الصُّلْح دينا فِي الذِّمَّة، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْعِنَايَةِ.
ح بِزِيَادَة من ط.

قَوْله: (لِئَلَّا يكون دين بدين) أَي افْتَرقَا عَن دين وَهُوَ الدِّيَة بدين وَهُوَ مَا وَقع عَلَيْهِ الصُّلْح.

قَوْله: (أَحدهمَا) كَالْإِبِلِ مَثَلًا.

قَوْلُهُ: (يُصَيِّرُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ فِعْلٌ مُضَارِعٌ.

قَوْلُهُ: (كَجِنْسٍ آخَر) فَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِمِائَةِ بَعِيرٍ فَصَالَحَ الْقَاتِلَ عَنْهَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ بقرة وَهِي عِنْده وَدفعهَا جَازَ، لَان الْحق تعين فِيهِ بِالْقضَاءِ فَكَانَ غَيره من الْمَقَادِير كجنس آخر فَأمكن الْحمل على الْمُعَاوضَة.
منح وَفِي الْجَوْهَرَة: إِنَّمَا جَازَ ذَلِك لَان قَضَاء القَاضِي عين الْوُجُوب فِي الابل، فَإِذا منح صَالح على الْبَقر فالبقر الْآن لَيست بمستحقة وَبيع الابل لَهُ بالبقر جَائِز.
وَإِذا صَالح عَن الابل بشئ من الْمكيل وَالْمَوْزُون مُؤَجل فقد عَارض دينا بدين فَلَا يجوز، وَإِن صَالح عَن الابل على مثل قيمَة الابل أَو أَكثر مِمَّا يتَغَابَن فِيهِ جَازَ لَان الزِّيَادَة غير متعينة، وَإِن كَانَ لَا يتَغَابَن فِيهَا لَا لانه صَالح على أَكثر من الْمُسْتَحق اهـ.
وَقَوله على أَكثر الظَّاهِر أَنه بالاقل كَذَلِك بالاولى.
قَالَه أَبُو الطّيب.

قَوْله: (فسد) لَان هَذَا صلح عَن مَال فَيكون نَظِير الصُّلْح عَن سَائِر الدُّيُون.

قَوْله: (وَيسْقط الْقود) أَي فِي الْعمد: أَي مجَّانا: إِن سمي نَحْو خمر: يَعْنِي يَصِيرُ الصُّلْحُ الْفَاسِدُ فِيمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ عَفْوًا عَنْهُ، وَكَذَا عَلَى خِنْزِيرٍ أَوْ حُرٍّ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَدَ بِالْجَهَالَةِ.
قَالَ فِي الْمنح فِي الْكَلَام على الْعمد: ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ فِي الصُّلْحِ كَمَا إِذا صَالَحَ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ تَجِبُ الدِّيَةُ، لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقه مجَّانا فيصار إِلَى مُوجبه الاصلي، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَوْ سمى الْخمر وَنَحْوه حَيْثُ لَا يجب شئ لِمَا ذَكَرْنَا: أَيْ مِنْ أَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا يتقوم
بالتقويم وَلم يُوجد وَفِي قَوْله فيصار إِلَى مُوجبه الاصلي نظر لانه الْقصاص لَا الدِّيَة، وَبعد خطور ذَلِك بالذهن رَأَيْت سري الدّين نبه عَلَيْهِ ط
قَوْله: (بِالصُّلْحِ عَن دم عمد) مَحَله إِذا صدر التَّوْكِيل من الْجَانِي
قَوْلُهُ: (أَوْ عَلَى) نُسَخِ الْمَتْنِ أَوْ عَنْ بدل على
قَوْله: (يَدعِيهِ على آخر) تبع الشَّارِح فِي هَذَا المُصَنّف فِي شَرحه، وَفِي الْعبارَة قلب، وَالصَّوَاب: يَدعِيهِ عَلَيْهِ آخر، لما علمت أَن التَّوْكِيل من طرف الْمُدعى عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَإِذا كَانَ مُدعيًا على آخر دينا فَوكل من يصالحه على بعضه كَيفَ يُقَال الْبَدَل يلْزم الْمُوكل مَعَ أَنه هُنَا آخذ الْبَدَل لَا دافعه، وَيدل عَلَيْهِ قَوْله الْآتِي لزم بدله الْمُوكل وَعبارَة الدُّرَر هَكَذَا وَلَيْسَ فِيهَا كلمة على وَعبارَة الْكَنْز: وَمن كل رجلا بِالصُّلْحِ عَنهُ فَصَالح الْوَكِيل لم يلْزم الْوَكِيل مَا صَالح عَلَيْهِ وَهِي أحسن، وَلَو حذف كلمة على آخر كَمَا صنع الدُّرَر لسلم من هَذَا إِلَّا أَن تحمل عِبَارَته هُنَا على مَا ذكرنَا.
بِأَن يُقَال: أَو على بعض دين يَدعِيهِ آخر عَلَيْهِ، فَتَأمل.

(8/368)


قَالَ الشمني: لَان هَذَا الصُّلْح إِسْقَاط مَحْض، فَكَانَ الْوَكِيل فِيهِ سفيرا ومعبرا فَلَا يكون الْبَدَل عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ، إِلَّا أَن يضمنهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُؤَاخذ بِهِ لضمانه لَا لعقد الصُّلْح.
اهـ.

قَوْله: (من مَكِيل وموزون) هَكَذَا قيد بِهَذَا الْقَيْد فِي الدُّرَر وَتَبعهُ الشَّارِح، إِلَّا أَن عبارَة الدُّرَر بِلَفْظ أَو وَالْوَاو بِمَعْنى أَو: أَي سَوَاء كَانَ دينا مِنْهَا بِحَسب الاصل أَو بِحَسب التَّقْدِير.
قَالَ أَبُو الطّيب: إِن كَانَ المُرَاد من مَكِيل وموزون أَن من بَيَانِيَّة للدّين فَلَا حَاجَة إِلَى اشْتِرَاط أَن يكون الدّين بدل الْمكيل وَالْمَوْزُون، لَان الدّين لَا يكون إِلَّا أَحدهمَا، لَان الاعيان لَا تكون ديونا اهـ.
وَبِه ظهر قَول بعض الافاضل: هَل مثله الْمَعْدُود المتقارب والمذروع إِذا بَين طوله وَعرضه وَصفته؟ فَإِنَّهُم قَالُوا: يجوز فِيهِ حِينَئِذٍ السّلم وَيصِح ثُبُوته فِي الذِّمَّة يُرَاجع اهـ.
فَتَأمل.

قَوْله: (لزم بدله الْمُوكل) هَذَا ظَاهر فِيمَا إِذا كَانَ الْوَكِيل من طرف الْجَانِي، وَلَا يظْهر إِذا كَانَ من طرف الْوَلِيّ لانه آخذ فَكيف يُقَال يلْزمه، وَكَذَا لَا يظْهر فِي جَانب الدّين إِذا كَانَ الْمُوكل هُوَ الْمُدَّعِي لَان الْمُوكل مُدع فَكيف يلْزمه، وَأطلق فِي لُزُومه الْمُوكل فَشَمَلَ الصُّلْح بأقسامه الثَّلَاثَة، وَبِه صرح الْعَيْنِيّ.

قَوْله: (لانه إِسْقَاط) أَي للقود عَن الْقَائِل وَبَعض الدّين عَن الْمُدعى عَلَيْهِ.

قَوْله: (فيؤاخذ بضمانه) أَيْ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِهِ، وَكَذَا
الصُّلْحُ فِي الْخلْع، وَكَذَا يَرْجِعُ فِي الصُّورَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ كَمَا فِي الْمَقْدِسِي: وَفِي النِّكَاح لَا يرجع لَان الامر بِالصُّلْحِ عَنهُ أَمر بالاداء عَنهُ ليُفِيد الامر فَائِدَته، إِذْ الصُّلْح عَنهُ جَائِز بِلَا أمره، بِخِلَاف النِّكَاح لانه لَا ينفذ عَلَيْهِ من الاجنبي، والامر بِالْخلْعِ كالامر بِالصُّلْحِ حَتَّى يرجع على الْآمِر إِن ضمن وَأدّى عَنهُ.
زَيْلَعِيّ.
قَالَ عبد الْحَلِيم: قَوْله إِلَّا أَن يضمنهُ أَي يكفل الْوَكِيل الْبَدَل وَأَن يضيف العقد إِلَى نَفسه وَإِلَى مَال نَفسه اهـ.
وَهَذَا كُله فِيمَا إِذا كَانَ الصُّلْح عَن دم الْعمد كَمَا ذكره المُصَنّف عَن إِقْرَار أَو سكُوت أَو إِنْكَار أَو فِيمَا لَا يحمل على الْمُعَاوضَة كالصلح على بعض الدّين كَمَا ذكره المُصَنّف أَيْضا لانه إِسْقَاط، فَكَانَ الْوَكِيل سفيرا فَلَا يلْزمه شئ إِلَّا بالالتزام.
وَأما فِيمَا يحمل على الْمُعَاوضَة فسيذكره بقوله الْآتِي هُنَا كَمَا إِذا وَقع عَن مَال بِمَال الخ.

قَوْلُهُ: (فَيَلْزَمُ الْوَكِيلَ) أَيْ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ على الْمُوكل كَمَا مر قَرِيبا لَان الْوَكِيل أصل فِي الْمُعَاوَضَات الْمَالِيَّة فترجع الْحُقُوق إِلَيْهِ دون الْمُوكل فَيُطَالب هُوَ بِالْعِوَضِ دون الْمُوكل.
عَيْني.

قَوْله: (لانه حِينَئِذٍ كَبيع) أَي والحقوق فِي عقد البيع ترجع إِلَى الْمُبَاشر فَكَذَا فِيمَا إِذا كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ فَيلْزم الْوَكِيل مَا صَالح عَلَيْهِ ثمَّ يرجع بِهِ على الْمُوكل، وَمُقْتَضى الاطلاق أَنه يرجع وَإِن لم تكن الْكفَالَة بِأَمْر الْمُوكل كَمَا صرحت بِهِ عِنْد قَوْله الْآتِي بأَمْره
قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ أَو لَا، وَسَوَاء كَانَ فِي دم عمد وَدين أَو غَيرهمَا، وَهَذَا إِنَّمَا يظْهر فِي جَانب الْمُدعى عَلَيْهِ إِذْ هُوَ فِي جَانِبه فدَاء يَمِين وَقطع نزاع، وَهَذَا إِنَّمَا يعود إِلَى الْمُوكل لَا إِلَى الْوَكِيل.

قَوْله: (صَالح عَنهُ) أَي عَن الْمُدعى عَلَيْهِ فُضُولِيٌّ إلَخْ.
هَذَا فِيمَا إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمُصَالَحِ عَنْهُ لِمَا فِي آخِرِ تَصَرُّفَاتِ الْفُضُولِيّ من جَامع الْفُصُولَيْنِ.

(8/369)


ف: الْفُضُولِيّ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ يَلْزَمُهُ الْبَدَلُ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْهُ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى مَالِ نفس وَلَا إلَى ذِمَّةِ نَفْسِهِ، وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ الْغَيْر اهـ.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَهَذَا مَفْرُوض فِيمَا لم يحمل على الْمُعَاوضَة كدعوى الْقصاص وأخواته، أما إِذا كَانَ عَن مُعَاوضَة فيمضي على الْفُضُولِيّ إِذا كَانَ شِرَاء عَن إِقْرَار.

قَوْله: (بِلَا أَمر) قيد بِهِ لانه لَو كَانَ بِأَمْر نفذ الصُّلْح عَن الْمُدعى عَلَيْهِ وَعَلِيهِ الْبَدَل إِلَّا فِي صُورَة
الضَّمَان فالبدل على الْمصَالح عِنْد الامام الْحلْوانِي، وَذكر شيخ الاسلام أَنه عَلَيْهِ وعَلى الْمُدعى عَلَيْهِ أَيْضا فَيُطَالب الْمُدعى بِهِ أَيهمَا شَاءَ.
قُهُسْتَانِيّ عَن الْمُحِيط.

قَوْله: (صَحَّ إِن ضمن المَال) لَان الْحَاصِل للْمُدَّعى عَلَيْهِ الْبَرَاءَة، وَفِي مثله يَسْتَوِي الْمُدعى عَلَيْهِ والاجنبي لانه لَا يسلم للْمُدَّعى عَلَيْهِ شئ كَمَا يسلم للاجنبي، وَالْمَقْصُود من هَذَا الصُّلْح رضَا صَاحب الْحق لَا رضَا الْمُدعى عَلَيْهِ إِذْ لَا حَظّ لَهُ فِيهِ، وَالْمُدَّعِي ينْفَرد بِالصُّلْحِ فِيمَا لَا مُعَاوضَة فِيهِ غير أَنه لم يرض بِسُقُوط حَقه مجَّانا، فَإِذا سلم لَهُ الْعِوَض من جِهَة الْمُتَبَرّع صَحَّ.
اهـ.

قَوْله: (أَو أضَاف الصُّلْح) أَي الْبَدَل الَّذِي وَقع عَلَيْهِ الصُّلْح.

قَوْله: (إِلَى مَاله) بِأَن يَقُول صالحتك على ألف من مَالِي أَو على عَبدِي فلَان، لَان الاضافة إِلَى نسه الْتِزَام مِنْهُ للتسليم إِلَى الْمُدَّعِي وَهُوَ قَادر على ذَلِك فَيلْزمهُ تَسْلِيمه.

قَوْله: (أَو قَالَ على هَذَا) أَي وَأَشَارَ إِلَى نقد أَو عين، وَإِنَّمَا صَحَّ فِيهِ لَان الْمَعْرُوف الْمشَار إِلَيْهِ كالمضاف إِلَى نَفسه، لانه تعين التَّسْلِيم إِلَيْهِ بِشَرْط أَن يكون ملكه فَيتم بِهِ الصُّلْح.

قَوْله: (أَو كَذَا) أَشَارَ بِهِ إِلَى الصُّورَة الرَّابِعَة وَهِي صُورَة الاطلاق بِأَن قَالَ عَليّ ألف.

قَوْله: (وَسلم المَال) أَي فِي الاخير وَهِي الصُّورَة الرَّابِعَة.

قَوْله: (صَحَّ) مُكَرر بِمَا فِي الْمَتْن، وَإِنَّمَا صَحَّ لانه بِالتَّسْلِيمِ حَقِيقَة تمّ رِضَاهُ فَوق الضَّمَان والاضافة إِلَى نَفسه.
قَالَ فِي الدُّرَرِ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَرَاءَةُ وَفِي حَقِّهَا الْأَجْنَبِيُّ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفُضُولِيُّ أَصِيلًا إذَا ضَمِنَ كالفضولي لِلْخلعِ إذَا ضَمِنَ الْبَدَلَ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ فَقَدْ الْتَزَمَ تَسْلِيمَهُ فَصَحَّ الصُّلْحُ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ إذَا عَيَّنَهُ لِلتَّسْلِيمِ فَقَدْ اشْتَرَطَ لَهُ سَلَامَةَ الْعِوَضِ فَصَارَ الْعَقْدُ تَامًّا بِقَبُولِهِ.
وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ دَلَالَةَ التَّسْلِيمِ عَلَى رِضَا الْمُدَّعِي فَوْقَ دَلَالَةِ الضَّمَانِ وَالْإِضَافَةُ إِلَى نَفسه على رِضَاهُ اهـ بِاخْتِصَار.

قَوْله: (وَصَارَ مُتَبَرعا فِي الْكل) أَي فِي أَربع صور الْفُضُولِيّ الْمَارَّة آنِفا: وَهِي مَا إِذا ضمن المَال، وَمَا إِذا أضَاف الصُّلْح لما لَهُ، وَمَا إِذا قَالَ صالحتك عَنهُ بِأَلف وَلم يزدْ وَسلمهَا، وَمَا إِذا قَالَ على ألفي هَذِه أَو عَبدِي هَذَا وَسلم، فَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ فِي الْوُجُوهِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ أَو وجده زُيُوفًا أَو ستوقا لم يرجع الْمصَالح لانه مُتَبَرّع الْتزم تَسْلِيم شئ معِين وَلم يلْتَزم الايفاء من غَيره فَلَا يزمه شئ آخَرُ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِالدَّعْوَى لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَرْكِ حَقِّهِ مَجَّانًا إلَّا فِي صُورَةِ الضَّمَانِ فَإِنَّهُ يرجع على الْمصَالح لانه صَار قرينا فِي ذمَّته، وَلِهَذَا لَو امْتنع عَن التَّسْلِيم يجْبر عَلَيْهِ.
زَيْلَعِيّ.

قَوْله: (إِلَّا إِذا ضمن بأَمْره) ثمَّ يرجع على الْمصَالح عَنهُ إِن كَانَ الصُّلْح بِغَيْر أمره.
بَزَّازِيَّةٌ فَتَقْيِيدُ الضَّمَانِ اتِّفَاقِيٌّ.
وَفِيهَا الْأَمْرُ بِالصُّلْحِ وَالْخُلْعِ أَمْرٌ بِالضَّمَانِ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ صِحَّتِهِمَا عَلَى الْأَمْرِ فَيُصْرَفُ الْأَمْرُ إلَى إثْبَاتِ حَقِّ الرُّجُوعِ، بِخِلَاف الامر بِقَضَاء الدّين.
اهـ.
أَقُول لم يظْهر لي الْفرق.
تَأمل.

قَوْله: (عزمي زَاده) لم أجد فِيهِ، فَليُرَاجع.

قَوْله: (وَإِلَّا يسلم فِي الصُّورَة الرَّابِعَة) الاولى ترك هَذَا الْقَيْد وإبقاء لَا على الْعُمُوم بِأَن يَقُول: وَإِلَّا يكن كَذَلِك: أَي إِن لم يضمن وَلم يضف وَلم يشر وَلم يسلم، أَو يَقُول: وَإِلَّا يُوجد شئ مِمَّا ذكر من الصُّور الاربعة، فَهُوَ مَوْقُوف لانه لم يسلم للْمُدَّعِي عوض فَلم

(8/370)


يسْقط حَقه مجَّانا لعدم رِضَاهُ، فَإِن أجَازه الْمُدعى عَلَيْهِ جَازَ وَلَزِمَه الْمَشْرُوط لالتزامه بِاخْتِيَارِهِ، وَإِن رده بَطل لَان الْمصَالح لَا ولَايَة لَهُ على الْمَطْلُوب فَلَا ينفذ عَلَيْهِ تصرفه، وَمن جعل الصُّور أَرْبعا جعل الرَّابِعَة بشقيها وَهِي التَّسْلِيم وَعَدَمه صُورَة وَاحِدَة كالزيلعي، وَبَعْضهمْ جعلهَا خَمْسَة بِاعْتِبَار التَّسْلِيم صُورَة وَعَدَمه أُخْرَى، وَهَذِه الصُّورَة الْخَامِسَة مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْجَوَازِ وَالْبُطْلَانِ.
وَوَجْهُ الْحَصْرِ كَمَا فِي الدُّرَر أَن الفصولي إمَّا أَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ، فَإِمَّا أَنْ يُضِيفَ إلَى مَالِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ، فَإِمَّا أَنْ يُشِيرَ إلَى نَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يُشِرْ، فَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْعِوَضَ أَوْ لَا، فَالصُّلْحُ جَائِزٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَّا الاخيرة، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَضْمَنْ الْبَدَلَ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى مَالِهِ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَلَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْمُدَّعِي حَيْثُ لَا يُحْكَمُ بِجَوَازِهِ، بَلْ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ إذْ لَمْ يسلم للْمُدَّعِي عوض انْتهى.
وَجعل الزَّيْلَعِيّ الصُّور أَرْبعا وَألْحق الْمشَار بالمضاف.
أَقُول: لَكِن غير الصُّورَة الْمَذْكُورَة لَا يتَوَقَّف على الاجازة، وَحِينَئِذٍ فَلَا يتَوَجَّه على الشَّارِح اعْتِرَاض تَأمل.

قَوْله: (وَلَزِمَه الْبَدَل) الْمَشْرُوط لالتزامه بِاخْتِيَارِهِ.

قَوْله: (وَإِلَّا بَطل) لَان الْمصَالح لَا ولَايَة لَهُ على الْمَطْلُوب فَلَا ينفذ عَلَيْهِ تصرفه.

قَوْله: (وَالْخلْع) أَي إِذا صدر من فُضُولِيّ عَن الْمَرْأَة بِبَدَل، فَإِن ضمنه أَو أَضَافَهُ إِلَى مَال نَفسه أَو أَشَارَ صَحَّ وَلَزِمَه وَكَانَ مُتَبَرعا، وَإِن أطلق إِن سلم صَحَّ وَإِلَّا توقف على إجازتها.
قَالَ فِي التَّبْيِين: وَجعل فِي بعض شُرُوح الْجَامِع فِي بَاب الْخلْع الالف الْمشَار إِلَيْهِ أَو العَبْد الْمشَار إِلَيْهِ مثل الالف الْمُنكر حَتَّى جعل القَوْل إِلَى الْمَرْأَة انْتهى.

قَوْله: (من الاحكام الْخَمْسَة) الَّتِي خَامِسهَا قَوْله وَإِلَّا بَطل، أَو الَّتِي خَامِسهَا قَوْلُهُ وَإِلَّا فَهُوَ مَوْقُوفٌ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ عَلَى هَذَا، وَيُؤَيِّدُهُ
قَوْلُ الشَّارِحِ سَابِقًا فِي الصُّورَة الرَّابِعَة.
والاولى فِي التَّعْبِير أَن يَقُول: وَالْخُلْعُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الصُّور الْخَمْسَة كالصلح، لانه لَيْسَ لنا إِلَّا حكمان، وهما الْجَوَاز فِي الصُّور الاربع، وَعَدَمه فِي الْخَامِسَة، فَتَأمل.

قَوْله: (ادّعى وقفيه أَرض) أطلق فِيهِ فَعم الوقفية من نَفسه وَغَيره.

قَوْله: (وَلَا بَيِّنَة لَهُ) مَفْهُومه أَنه: إِذا أوجد الْبَيِّنَة لَا يجوز الصُّلْح لانه لَا مصلحَة فِيهِ، وَلَا نظر لكَون الْبَيِّنَة قد ترد وَالْقَاضِي قد لَا يعدل.

قَوْله: (وطاب لَهُ) أَي للْمُدَّعِي وَلم يذكر هَل يطيب للْمُدَّعى عَلَيْهِ الارض إِذا كَانَ الْمُدَّعِي صَادِقا، وَالظَّاهِر أَنَّهَا لَا تطيب.

قَوْله: (لَو صَادِقا فِي دَعْوَاهُ) فِيهِ أَنه لَو كَانَ صَادِقًا فِي دَعْوَاهُ كَيْفَ يَطِيبُ لَهُ؟ وَفِي زَعْمِهِ أَنَّهَا وَقْفٌ وَبَدَلُ الْوَقْفِ حَرَامٌ تَمَلُّكُهُ مِنْ غَيْرِ مُسَوِّغٍ فَأَخْذُهُ مُجَرَّدُ رِشْوَةٍ لِيَكُفَّ دَعْوَاهُ فَكَانَ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَادِقًا.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهُ لِيَكُفَّ دَعْوَاهُ لَا لِيُبْطِلَ وَقْفِيَّتَهُ، وَعَسَى أَنْ يُوجَدَ مُدع آخر ط.
لَكِن أطلق فِي وَقْفِ الْحَامِدِيَّةِ الْجَوَابَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ، قَالَ: لِأَنَّ الْمُصَالِحَ يَأْخُذُ بَدَلَ الصُّلْحِ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ عَلَى زَعْمِهِ فَيَصِيرُ كَالْمُعَاوَضَةِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يملك الْوَقْف فَلَا يجوز لَهُ بَيْعه، فها هُنَا إنْ كَانَ الْوَقْفُ ثَابِتًا فَالِاسْتِبْدَالُ بِهِ لَا يَجُوزُ، وَإِلَّا فَهَذَا يَأْخُذُ بَدَلَ الصُّلْحِ لَا عَنْ حَقٍّ ثَابِتٍ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى حَال.
كَذَا فِي جَوَاهِر الْفَتَاوَى.
اهـ.
ثمَّ نقد الحامدي مَا هُنَا، ثمَّ قَالَ فَتَأمل.
أَقُول: تأملته فَوجدت أَن الْمُعَاوضَة فِي الْوَقْف وَالْحَالة هَذِه جَائِزَة لما صَرَّحُوا بِهِ من جَوَاز

(8/371)


استبداله إِذا وَقع فِي يَد غَاصِب.
نعم يلْزم أَن يَجعله حِينَئِذٍ بدل الْمَوْقُوف، أما إِذا كَانَ من أهل الِاسْتِحْقَاق لغلة الْوَقْف وَأَخذه مَا أَخذه بالمصالحة عوضا عَن حَقه فِي الْغلَّة طَابَ لَهُ ذَلِك مَا لم يتَجَاوَز عَن قدر اسْتِحْقَاقه مِنْهُ.
تَأمل.
وَانْظُر مَا تقدم فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَنْ النَّهْرِ عِنْدَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ بَيْعِ قِنٍّ ضُمَّ إلَى مُدَبَّرٍ.

قَوْله: (وَبيع الْوَقْف لَا يَصح) الظَّاهِر أَنه من قَالَ يطيب لَهُ: أَي يطيب لَهُ الاخذ ويجعله مَكَانا مَوْقُوفا لعَجزه عَن تَحْصِيل الْوَقْف بفقد الْبَيِّنَة، وَمن قَالَ لَا يطيب لَهُ أَرَادَ لَا يطيب لَهُ التَّصَرُّف فِيهِ لانه بدل الْوَقْف فِي زَعمه فَيكون لَهُ حكم الْوَقْف.
تَأمل.

قَوْله: (فَالثَّانِي بَاطِل) فَلَو ادّعى دَارا فَأنْكر ذُو الْيَد فَصَالحه على ألف على أَن يسلم الدَّار لذِي الْيَد ثمَّ برهن ذُو الْيَد على صلح قبله
فَالصُّلْح الاول مَاض وَالثَّانِي بَاطِل.
حموي.
وَهَذَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى سَبِيلِ الْإِسْقَاطِ، أَمَّا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى عِوَضٍ ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى عِوَضٍ آخَرَ فَالثَّانِي هُوَ الْجَائِزُ وَيُفْسَخُ الاول كَالْبيع.
نور الْعين عَن الْخُلَاصَة.
وَكَذَا نَقله البيري عَن الْخُلَاصَة عَن الْمُنْتَقى.
قلت: لَكِن استظهر سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى سَبِيلِ الْإِسْقَاطِ بِمَعْنَى، الْإِبْرَاءِ، وَبُطْلَانُ الثَّانِي ظَاهِرٌ وَلَكِنَّهُ بَعِيدُ الْإِرَادَةِ هُنَا، فَالْمُنَاسِبُ حَمْلُ الصُّلْحِ عَلَى الْمُتَبَادِرِ مِنْهُ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ مَا إذَا كَانَ بِمِثْلِ الْعِوَضِ الْأَوَّلِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ كَالْبَيْعِ، وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حكمه كَالْبيع فِي التَّفْصِيل الْمَار فِيهِ كَمَا ذكره فِي أول الدَّعْوَى.

قَوْله: (وَكَذَا النِّكَاح بعد النِّكَاح) فَلَا يلْزمه إِلَّا الْمهْر الاول، وَلَا يَنْفَسِخ العقد الاول إِذْ النِّكَاح لَا يحْتَمل الْفَسْخ، وَالْمَسْأَلَة ذَات خِلَافٌ، فَقِيلَ تَجِبُ التَّسْمِيَةُ الثَّانِيَةُ، وَقِيلَ كُلٌّ مِنْهَا.
قَالَ فِي جَامع الْفَتَاوَى: تزوج امْرَأَة بِأَلف ثمَّ تزَوجهَا بِأَلفَيْنِ فالمهر أَلفَانِ، وَقيل ألف.
وَفِي الْمنية: تزوج على مهر مَعْلُوم ثمَّ تزوج على آخر تثبت التسميتان فِي الاصح، حموي.

قَوْله: (وَالْحوالَة بعد الْحِوَالَة) أَي إِذا صدرت حِوَالَة عَن شخص فقبلها، ثمَّ إِذا صدرت على شخص آخر فالثانية بَاطِلَة، لَان الدّين ثَبت فِي ذمَّة الاول بالحوالة عَلَيْهِ فَلَا ينْتَقل بالحوالة الثَّانِيَة على غَيره كَمَا ذكره ط.
واستفيد مِنْهُ أَن الْمحَال عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَة غَيره فِي الاولى، وَبِه صرح فِي الاشباه بقوله: الْكفَالَة بعد الْكفَالَة صَحِيحَة لزِيَادَة التَّوَثُّق، بِخِلَاف الْحِوَالَة فَإِنَّهَا نقل فَلَا يَجْتَمِعَانِ كَمَا فِي التَّنْقِيح.
قَالَ الْحَمَوِيّ: وَهَذَا يخرج الْمَسْأَلَة عَن كَونهَا من جزئيات الْقَاعِدَة، إِذْ الْمُتَبَادر من تَجْدِيد عقد البيع تجديده بِالنِّسْبَةِ إِلَى البيع الاول بِعَيْنِه وَالْمُشْتَرِي الاول بِعَيْنِه، وَكَذَا الْكَلَام فِي الصُّلْح بعد الصُّلْح وَالْكَفَالَة بعد الْكفَالَة، ووزانه فِي الْحِوَالَة اتِّحَاد الْمحَال عَلَيْهِ والمحال بِهِ فِي الحوالتين مَعًا، وَحِينَئِذٍ لَا ينتهض قَوْله لانها نقل فَلَا يَجْتَمِعَانِ، وَيَنْبَغِي أَن تصح الْحِوَالَة الثَّانِيَة وَتَكون تَأْكِيدًا للاولى على طبق الْكفَالَة، فَتدبر ذَلِك اهـ.
وَعَلِيهِ فَالْمُنَاسِب فِي تَصْوِير الْمَسْأَلَة بِأَن يُقَال: بِأَنْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ فَأَحَالَ عَلَيْهِ بِهَا شَخْصًا ثُمَّ
أَحَالَ عَلَيْهِ بِهَا شخصا آخر، أَو كَمَا تقدم بِأَن أحَال زيد عمرا بِدِينِهِ على بكر حِوَالَة صَحِيحَة ثمَّ أَحَالهُ بهَا على بشر لَا تصلح الْحِوَالَة الثَّانِيَة، لَان الْحِوَالَة نقل الدّين من ذمَّة إِلَى ذمَّة، وَحَيْثُ فرغت ذمَّة

(8/372)


الْمُحِيل فَكيف يَصح أَن يحِيل مرّة ثَانِيَة؟ نعم لَو تفاسخا الاحالة الاولى صحت الثَّانِيَة.

قَوْله: (وَالصُّلْح بعد الشِّرَاء) بعد مَا اشْترى الْمصَالح عَنهُ.
أَقُول: فِيهِ أَنه تكون الدَّعْوَى حِينَئِذٍ فَاسِدَة، وَالصُّلْح بعد الدَّعْوَى الْفَاسِدَة صَحِيح.
تَأمل.
وَصورتهَا: إِذا اشْترى شخص دَارا مثلا من آخر ثمَّ ادّعى المُشْتَرِي على البَائِع أَن الدَّار ملكه فَصَالحه البَائِع فَهَذَا الصُّلْح بَاطِل لتناقضه، فَإِن إقدامه على الشِّرَاء مِنْهُ دَلِيل أَنَّهَا ملك البَائِع ثمَّ الدَّعْوَى وَالصُّلْح بعْدهَا يناقضه.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَلَو كَانَ الشِّرَاء بعد الصُّلْح فالشراء صَحِيح وَالصُّلْح بَاطِل.
اهـ.

قَوْله: (إِلَّا فِي ثَلَاث مَذْكُورَة فِي بيوعت الاشباه الْكفَالَة) أَي لزِيَادَة التَّوَثُّق، فَلَو أَخذ مِنْهُ كَفِيلا ثمَّ أَخذ مِنْهُ كَفِيلا آخر صَحَّ وَلَا يبرأ الاول بكفالة الثَّانِي كَمَا فِي الْخَانِية.

قَوْله: (وَالشِّرَاء) أَي يَصح بعد الشِّرَاء وَيبْطل الاول.
أَطْلَقَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنْ يَكُونَ الثَّانِي أَكْثَرَ ثَمَنًا مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ بِجِنْسٍ آخَر، وَإِلَّا فَلَا يَصح أشباه.
وَفِي الْبَحْر: وَإِذَا تَعَدَّدَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ انْعَقَدَ الثَّانِي وَانْفَسَخَ الاول إِن كَانَ الثَّانِي بِأَزْيَدَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَنْقَصَ، وَإِنْ كَانَ مثله لم يَنْفَسِخ الاول انْتهى.
قَالَ فِي التاترخانية: قَالَ بِعْتُكَ عَبْدِي هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِعْتُكَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَالَ الْمُشْتَرَى قَبِلْتُ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِيجَابِ الثَّانِي وَيَكُونُ بَيْعًا بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ قَالَ بِعْتُهُ مِنْكَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ يَنْعَقِدُ الثَّانِي وَيَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ بِجِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ نَحْوَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ بِتِسْعَةٍ أَوْ بِأَحَدَ عَشَرَ، فَإِنْ بَاعَ بِعشْرَة ينْعَقد الثَّانِي وَيبقى الاول بِحَالهِ.
اهـ.
فَهَذَا مِثَالٌ لِتَكْرَارِ الْإِيجَابِ فَقَطْ وَمِثَالٌ لِتَكْرَارِ العقد
قَوْله: (والاجارة) أَي بعد الاجارة من الْمُسْتَأْجر الاول فالثانية فسخ للاولى كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَيَنْبَغِي أَن الْمدَّة إِذا اتّحدت فيهمَا واتحد الاجران لَا تصح الثَّانِيَة
كَالْبيع.
وَزَاد فِي الْفُصُولَيْنِ الشِّرَاء بعد الصُّلْح فَإِنَّهُ يجوز وَيبْطل الصُّلْح.

قَوْله: (عَن إِنْكَار) إِنَّمَا خصّه لَان مَا ذكره لَا يَتَأَتَّى عِنْد الاقرار.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: ادّعى عَلَيْهِ ثوبا فَأنْكر ثمَّ برهن أَن الْمُدَّعِي أقرّ قبل الصُّلْح أَنه لَيْسَ لي لَا يقبل وَنفذ الصُّلْح وَالْقَضَاء لافتداء الْيَمين، وَلَو برهن أَنه أقرّ بعد الصُّلْح أَن الثَّوْب لم يكن لَهُ بَطل الصُّلْح لَان الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِهِ هَذَا زعم أَنه أَخذ بدل الصُّلْح بِغَيْر حق، بِخِلَاف إِقْرَاره قبل الصُّلْح.
لجَوَاز أَن يملكهُ بعد إِقْرَاره قبل الصُّلْح ذكره الْحَمَوِيّ.

قَوْله: (فَالصُّلْح مَاض على الصِّحَّة) وَلَا تقبل الْبَيِّنَة لاحْتِمَال أَنه ثَبت لَهُ حق بعد هَذَا الاقرار، بِخِلَاف الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فَإِنَّهُ إِقْرَار من الْمُدَّعِي أَنه مُبْطل فِي دَعْوَاهُ.
وَذكر الشُّرُنْبُلَالِيّ فِي رِسَالَة الابراء عَن هَاشم عَن مُحَمَّد فِي تَوْجِيه الْمَسْأَلَة أَنه إِنَّمَا صَالحه على اعْتِبَار أَنه فدى يَمِينه بِالصُّلْحِ وافتداء الْيَمين بِالْمَالِ جَائِز، فَكَانَ إقدامه على الصُّلْح اعترافا بِصِحَّة الصُّلْح

(8/373)


فبدعواه بعد ذَلِك أَنه لم يَصح الصُّلْح صَار متناقضا والمناقضة تمنع صِحَة الدَّعْوَى.
وَأفَاد تَعْلِيل الثَّانِيَة بِنَحْوِ مَا ذَكرْنَاهُ.
صُورَة ذَلِك: ادّعى ثوبا فَأنْكر فَصَالح على شئ ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة أَن الْمُدَّعِي قَالَ قبل الصُّلْح إِنَّه لَا حق لي فِي هَذَا الثَّوْب لَا تقبل بَينته وَيكون الصُّلْح وَالْقَضَاء ماضيين لانه افتدى للْيَمِين حَيْثُ وَقع عَن إِنْكَار فَلَا ينْقض.
أَفَادَهُ بعض الْفُضَلَاء.

قَوْله: (بَطل الصُّلْح) لانه بِإِقْرَارِهِ هَذَا زعم أَنه أَخذه بعد الصُّلْح بِغَيْر حق، بِخِلَاف إِقْرَاره قبل الصُّلْح لجَوَاز أَن يملكهُ بعد إِقْرَاره قبل الصُّلْح.
وَالْحَاصِل: أَن عدم قبُول بَينته فِي الاولى لما فِيهِ من التَّنَاقُض، لَان التَّنَاقُض يمْنَع قبُول الْبَيِّنَة لاقراره، بِخِلَاف الثَّانِيَة لانه لم يظْهر وَجه التَّنَاقُض لَان الصُّلْح لَيْسَ اعترافا بِالْملكِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَإِنَّهُ يكون عَن إِقْرَار وسكوت وإنكار
قَوْله: (قَالَ المُصَنّف وَهُوَ مُقَيّد لاطلاق الْعمادِيَّة) نَصُّهُ: وَفِي الْعِمَادِيَّةِ: ادَّعَى فَأَنْكَرَ فَصَالَحَهُ ثُمَّ ظهر بعده أَن لَا شئ عَلَيْهِ بَطل الصُّلْح.
اهـ.
أَقُولُ: يَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ قَوْلُهُ ثُمَّ ظَهَرَ بِغَيْرِ الْإِقْرَارِ قَبْلَ الصُّلْحِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَة الْمُخْتَصر، وَبِه
صرح مَوْلَانَا فِي بحره ح.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ عِلَّةَ مُضِيِّ الصُّلْحِ عَلَى الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَدَمُ قبُول الشهارة لما فِيهِ من التَّنَاقُض، فَلم يظْهر حِينَئِذٍ أَن لَا شئ عَلَيْهِ فَلم تشملها عبارَة الْعمادِيَّة فَافْهَم.
أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
أَقُول: لَكِن لَيْسَ هَذَا من التَّنَاقُض الْمَرْدُود لانه يَدعِي أمرا كَانَ خفِيا عَلَيْهِ وَهُوَ إِقْرَار الْمُدَّعِي بِعَدَمِ حَقه فِي الْمُدَّعِي قبل الصُّلْح، وَلَو كَانَت الْعلَّة مَا ذكره لما صحت فِي الثَّانِيَة أَيْضا لانه متناقض فيهمَا بعد إقدامه على الصُّلْح.
وَالْعلَّة الصَّحِيحَة فِي ذَلِك أَنه إِن ثَبت أَنه قَالَ ذَلِك قبل الصُّلْح لَا يكون مَانِعا من صِحَة الصُّلْح لاحْتِمَال حُصُول حق لَهُ بعد ذَلِك قبل الصُّلْح، وَفِي الثَّانِيَة لَا يحْتَمل.
قَالَ فِي الْخُلَاصَة من آخر الدَّعْوَى: لَو اسْتعَار من آخر دَابَّة فَهَلَكت فَأنْكر رب الدَّابَّة الاعارة فَصَالحه الْمُسْتَعِير على مَال جَازَ، فَلَو أَقَامَ الْمُسْتَعِير بَيِّنَة بعد ذَلِك على الْعَارِية قبلت بَينته وَبَطل الصُّلْح اهـ: أَي لظُهُور أَن لَا شئ، وَالله أعلم.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة أَيْضا مَا يُفِيد أَن المُرَاد بالظهور لَا من طَرِيق إِقَامَة الْمصَالح الْبَيِّنَة أَنَّهَا لَا تقبل لما فِيهِ من التَّنَاقُض.
وَنَصّ عِبَارَته فِي كتاب الدَّعْوَى من نوع فِي الصُّلْح.
وَفِي الْمُنْتَقى: ادّعى ثوبا أَو صَالح ثُمَّ بَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ إنْ عَلَى إقْرَارِهِ قَبْلَ الصُّلْحِ فَالصُّلْحُ صَحِيحٌ، وَإِنْ بَعْدَ الصُّلْحِ يَبْطُلُ الصُّلْحُ، وَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ إقْرَارَهُ بِعَدَمِ حَقِّهِ وَلَوْ قَبْلَ الصُّلْحِ يَبْطُلُ الصُّلْحُ، وَعِلْمُهُ بِالْإِقْرَارِ السَّابِقِ كَإِقْرَارِهِ بَعْدَ الصُّلْحِ، هَذَا إذَا اتَّحَدَ الْإِقْرَارُ بِالْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ لَا حَقَّ لِي بِجِهَةِ الْمِيرَاثِ ثُمَّ قَالَ إنَّهُ مِيرَاثٌ لِي عَنْ أَبِي، فَأَمَّا غَيْرُهُ إذَا ادَّعَى مِلْكًا لَا بِجِهَةِ الْإِرْثِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِعَدَمِ الْحَقِّ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بِأَنْ قَالَ حَقِّي بِالشِّرَاءِ أَو الْهِبَة لَا يبطل اهـ.

قَوْله: (ثمَّ نقل) أَي المُصَنّف.

قَوْله: (عَن دَعْوَى الْبَزَّازِيَّة) عبارتها عَن الْمُنْتَقَى: ادَّعَى ثَوْبًا وَصَالَحَ ثُمَّ بَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ: إنْ عَلَى إقْرَارِهِ قَبْلَ الصُّلْحِ فَالصُّلْح صَحِيح، وَإِن بعد الصُّلْح يبطل، وَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ إقْرَارَهُ بِعَدَمِ حَقِّهِ وَلَوْ قَبْلَ الصُّلْحِ يَبْطُلُ الصُّلْحُ، وَعِلْمُهُ بِالْإِقْرَارِ السَّابِقِ

(8/374)


كَإِقْرَارِهِ بَعْدَ الصُّلْحِ.
هَذَا إذَا اتَّحَدَ الْإِقْرَارُ بِالْملكِ بِأَن قَالَ إِنَّه مِيرَاث لي عَن أبي ثمَّ قَالَ لَا حق لي من
هَذِه الْجِهَة، فَأَما إذَا ادَّعَى مِلْكًا لَا بِجِهَةِ الْإِرْثِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِعَدَمِ الْحَقِّ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بِأَنْ قَالَ حَقي بِالشِّرَاءِ أَو بِالْهبةِ لَا يبطل اهـ.
فَظهر أَن مُرَاده أَنه لَو قَالَ بعد الصُّلْح لَا حق لي قبل الْمُدَّعِي إِنَّمَا يبطل الصُّلْح إِذا أطلق.
أما إِذا عين، بِأَن قَالَ لَا حق لي من جِهَة الارث مثلا فَقيل لَهُ قد بَطل الصُّلْح فَقَالَ إِنَّه حَقي بِجِهَة الشِّرَاء مثلا بَقِي الصُّلْح صَحِيحا على حَاله وَإِن علم الْحَاكِم غير مُعْتَبر الْآن على الْمُفْتى بِهِ.

قَوْله: (فيحرر) مَا نَقله عَن الْبَزَّازِيَّة.
أَقُول: لَا يحْتَاج إِلَى تَحْرِير، لَان مَا ذكره البزازي من قَوْله هَذَا إِذا اتَّحد الاقرار تَقْيِيد لعدم صِحَة الصُّلْح إِذا أقرّ الْمُدَّعِي، وَلَا إِشْكَال فِيهِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ تَحْرِيرَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَقْيِيدِ مَا فِي الْعِمَادِيَّةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ كَمَا علمت، وَالله تَعَالَى أعلم.
فرع: ذكر المُصَنّف عَن آخر الدَّعْوَى من الْخُلَاصَة: لَو ادّعى أَنه اسْتعَار دَابَّة فلَان وَهَلَكت عِنْده فَأنْكر الْمَالِك الاعارة وَأَرَادَ التَّضْمِين فَصَالحه مدعي الْعَارِية على مَال ثمَّ أَقَامَ بَيِّنَة على الْعَارِية قبلت بَينته وَبَطل الصُّلْح.

قَوْله: (عَن الدَّعْوَى الْفَاسِدَة) كدعوى وَقع فِيهَا تنَاقض.

قَوْله: (وَعَن الْبَاطِلَة) كدعوى خمر وخنزير من مُسلم.

قَوْله: (والفاسدة مَا يُمكن تصحيحها) بالتوفيق فِي التَّنَاقُض مثلا: أَي والباطلة مَا لَا يُمكن تصحيحها، كَمَا لَو ادّعى أَنَّهَا أمته فَقَالَتْ أَنَا حُرَّةُ الْأَصْلِ فَصَالَحَهَا عَنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ بَطَلَ الصُّلْحُ إذْ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ هَذِهِ الدَّعْوَى بَعْدَ ظُهُورِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ.
وَمِثَالُ الدَّعْوَى الَّتِي يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا: لَوْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةَ فُلَانٍ أَعْتَقَهَا عَامَ أَوَّلٍ وَهُوَ يملكهَا بعد مَا ادّعى شخص أَنَّهَا أمته: أَي وصالحها لَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَقْتَ الصُّلْحِ بِأَنْ يَقُولَ إنَّ فُلَانًا الَّذِي أَعْتَقَك كَانَ غَصَبَكِ مِنِّي، حَتَّى لَوْ أَقَامَ بَيِّنَة على هَذِه الدَّعْوَى تسمع.
مَدَنِيٌّ.
وَقَوْلُهُ هُنَا وَهُوَ يَمْلِكُهَا جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ ط.
أَقُول: وَشَهَادَة الشُّهُود أَنه أعْتقهَا وَهُوَ يملكهَا لَا تنَافِي ذَلِك، لَان لَهُم أَن يشْهدُوا بِالْملكِ لَهُ بِظَاهِر الْيَد.
تَأمل.
وَمن الْبَاطِلَة عَن دَعْوَى حد وَعَن دَعْوَى أُجْرَة نائحة أَو مغنية أَو تَصْوِير محرم.
اهـ وَعلم أَن قَوْله قَالَت أَنا حرَّة الاصل أَي وبرهنت عَلَيْهِ بِدَلِيل مَا قَالَ بعد ظُهُور حريَّة الاصل، فَإِن
الظُّهُور بِالْبَيِّنَةِ وبدليل مَا قَالَ فِي مقابلتها لَو أَقَامَت بَيِّنَة أَنَّهَا كَانَت الخ، وَقَول صَاحب الاشباه وَهُوَ توفيق وَاجِب.
قَالَ محشيه فِي شرح الْوِقَايَة لصدر الشَّرِيعَة: وَمِنْ الْمَسَائِلِ الْمُهِمَّةِ أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ صِحَّةُ الدَّعْوَى أَمْ لَا؟ فَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُونَ: يشْتَرط، وَلَكِن هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى حَقًّا مَجْهُولًا فِي دَارٍ فَصُولِحَ عَلَى شئ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ الْحُقُوقِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ دَعْوَى الْحَقِّ الْمَجْهُول دَعْوَى غير صَحِيحَة، وَفِي الذَّخِيرَة ألحق مسَائِل تؤيد مَا قُلْنَاهُ.
قَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد فِي معِين الْمُفْتِي: إِذا علمت هَذَا علمت أَن الصَّحِيح عدم اشْتِرَاط صِحَة الدَّعْوَى لصِحَّة الصُّلْح وَعَلِيهِ فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّوْفِيق اهـ.

(8/375)


أَقُول: إِنَّمَا صَحَّ الصُّلْح فِي الْمَسْأَلَة الَّتِي اسْتندَ إِلَيْهَا صدر الشَّرِيعَة، لَان الدَّعْوَى فِيهَا يُمكن تصحيحها بِتَعْيِين الْحق الْمَجْهُول وَقت الصُّلْح.
على أَن دَعْوَى أَن الصَّحِيح عدم اشْتِرَاط صِحَة الدَّعْوَى مُطلقًا سَوَاء أمكن تَصْحِيح الدَّعْوَى أم لَا مَمْنُوع لما فِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ، وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ فَتْوَى أَئِمَّةِ خُوَارِزْمَ أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ دَعْوَى فَاسِدَةٍ لَا يُمْكِنُ تصحيحها لَا يَصح.
وَالَّذِي يُمكن تصحيحها كَمَا إِذا ترك ذكر الْحَد أَو غلط فِي أحد الْحُدُود يَصح.
وَفِي مجمع الْفَتَاوَى: سُئِلَ شيخ الاسلام أَبُو الْحسن عَن الصُّلْح عَن الانكار بعد دَعْوَى فَاسِدَة هَل هُوَ صَحِيح أم لَا؟ قَالَ لَا، وَلَا بُد أَن تكون صَحِيحَة اهـ.
وَقد ذكر بِمَا ذكرنَا أَن قَوْله فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّوْفِيق من عدم التَّوْفِيق.
ذكره الْحَمَوِيّ.
وَحِينَئِذٍ فَلَا بُد من التَّوْفِيق، فَليُحرر.

قَوْله: (وحرر فِي الاشباه) هَذَا التَّحْرِيرُ غَيْرُ مُحَرَّرٍ.
وَرَدَّهُ الرَّمْلِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ فَتْوَى أَئِمَّة خوارزم أَن الصُّلْح عَن دَعْوَى الخ وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ الَّذِي اعْتَمَدَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ فَكَانَ عَلَيْهِ الْمعول.

قَوْله: (فَلْيحْفَظ) أَقُول: عبارَة الاشباه: الصُّلْحَ عَنْ إنْكَارٍ بَعْدَ دَعْوَى فَاسِدَةٍ فَاسِدٌ كَمَا فِي الْقنية، وَلَكِن فِي الْهِدَايَة فِي مسَائِل شَتَّى من الْقَضَاء أَن الصُّلْح عَن إِنْكَار جَائِز بعد دَعْوَى مَجْهُول فَلْيحْفَظ، وَيحمل على فَسَادهَا بِسَبَب مناقضة
الْمُدَّعِي لَا لترك شَرط الْمُدَّعِي كَمَا ذكره وَهُوَ توفيق وَاجِب فَيُقَال إِلَّا فِي كَذَا، وَالله تَعَالَى أعلم.
اهـ.
قَالَ الْحَمَوِيّ: وَعَلِيهِ لَا يظْهر لهَذَا الْحمل فَائِدَة، لَان صَاحب الْهِدَايَة صرح بِجَوَاز الصُّلْح فِيهَا سَوَاء كَانَ فَسَادهَا بِسَبَب المناقضة أَو لترك شَرط الدَّعْوَى، فَإِذا صَحَّ الصُّلْح مَعَ فَسَادهَا بِأَيّ سَبَب كَأَن خَالف مَا فِي الْقنية، فَتَأمل.
قَالَ الرَّمْلِيّ وَغَيره: مَا حَرَّره فِي الاشباه غير مُحَرر كَمَا عَلمته آنِفا
قَوْله: (وَقيل اشْتِرَاط صِحَة الدَّعْوَى) تَطْوِيل من غير فَائِدَة، فَلَو قَالَ وَقيل يَصح مُطلقًا لَكَانَ أوضح، وَقد علمت الْمُفْتى.

قَوْله: (كَمَا اعْتَمدهُ صدر الشَّرِيعَة آخر الْبَاب) قد علمت مَا فِيهِ من النّظر وَقد علمت عِبَارَته وَأَن الْمُتَبَادر أَنَّهُ أَرَادَ الْفَاسِدَةَ بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تصحيحها بِتَعْيِين الْحق الْمَجْهُول الخ.
قَالَ الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَته على الْمنح بعد نقل عِبَارَتَهُ أَقُولُ: هَذَا لَا يُوجِبُ كَوْنَ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ كَالْفَاسِدَةِ إذْ لَا وَجْهَ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ عَنْهَا، كَالصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى حَدٍّ أَوْ رِبًا حلوان الكاهن وَأُجْرَة النائحة والمغنية، وَدَعوى الضَّمَان على الرَّاعِي الْخَاص أَو الْمُشْتَرك إِذا قَالَ أكلهَا السَّبع أَو سرقت فَصَالحه رب الْغنم على دَرَاهِم مَعْلُومَة لَا يجوز على قَول أبي حنيفَة كَمَا فِي الْخَانِية، فَقَوْل المُصَنّف الْمُتَقَدّم فِي كِتَابه معِين الْمُفْتِي كَمَا قدمْنَاهُ قَرِيبا: الصَّحِيح عدم اشْتِرَاط صِحَة الدَّعْوَى لصِحَّة الصُّلْح فِيهِ نظر، لانه إِن أَرَادَ بِعَدَمِ الصِّحَّة مَا يَشْمَل الْبَاطِل فَهُوَ بَاطِل، وَإِن أَرَادَ بِهِ الْفَاسِد فقد قدمه، فَتَأمل.
اهـ.
وَكَذَا ذكره فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْفُصُولَيْنِ نَقْلًا عَنْ الْمُصَنِّفِ بعد ذكر عِبَارَةَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ.
قَالَ مَا نَصُّهُ: فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ الْقَوْلَ بِاشْتِرَاطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِصِحَّةِ الصُّلْح ضَعِيف اهـ.

قَوْله: (كَمَا مر فَرَاجعه) أَي فِي بَاب الِاسْتِحْقَاق عِنْد قَوْله وَلَا رُجُوع فِي دَعْوَى حق مَجْهُول مِمَّن دَار صولح على شئ معِين

(8/376)


وَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا لِجَوَازِ دَعْوَاهُ فِيمَا بَقِيَ وَلَوْ اسْتَحَقَّ كُلَّهَا رَدَّ كُلَّ الْعِوَضِ لِدُخُولِ الْمُدَّعِي فِي الْمُسْتَحَقِّ.
وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ: أَيْ مِنْ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: صِحَّةُ الصُّلْحِ عَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَعْلُومٍ، لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة.
وَالثَّانِي: عَدَمُ اشْتِرَاطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِصِحَّتِهِ لِجَهَالَةِ الْمُدَّعَى بِهِ، حَتَّى لَوْ بَرْهَنَ لَمْ يُقْبَلْ مَا لم يدع إِقْرَاره بِهِ.
اهـ.
وَالْحَاصِل: أَن مَا اسْتدلَّ بِهِ صدر الشَّرِيعَة من أَنه إذَا ادَّعَى حَقًّا مَجْهُولًا فِي دَارٍ فَصُولِحَ عَلَى شئ يَصح الصُّلْح لَا يُفِيد الاطلاق، بل إِنَّمَا صَحَّ الصُّلْح فِيهِ، لَان الدَّعْوَى يُمكن تصحيحها بِتَعْيِين الْحق الْمَجْهُول وَقت الصُّلْح، وَمَعَ هَذَا فقد علمت الْمُفْتى بِهِ مِمَّا اسْتَقر عَلَيْهِ فَتْوَى أَئِمَّة خوارزم من أَن الصُّلْح إِذا كَانَ من دَعْوَى فَاسِدَةٍ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا لَا يَصِحُّ، وَإِن أمكن تصحيحها يَصح، هَذَا غَايَة مَا حَقَّقَهُ المحشون فاغتنمه.

قَوْله: (وَصَحَّ الصُّلْح عَن دَعْوَى حق الشّرْب) وَالشرب وَهُوَ نصيب المَاء، وَكَذَا مُرُور المَاء فِي أَرض على مَا يظْهر ط: أَي فَتسقط الدَّعْوَى، وَلَا يلْزم من صِحَة الصُّلْح لُزُوم الْبَدَل، لما تقدم من أَن الصُّلْح عَن الشُّفْعَة يُسْقِطهَا وَلَا يُوجب الْبَدَل وَكَذَلِكَ عَن دَعْوَى حق الشّرْب وَوضع جُذُوع فَإِنَّهُ دَعْوَى حق لَا يجوز الِاعْتِيَاض عَنهُ، إِذْ لَا يجوز بيع الشّرْب وَلَا بيع حق وضع الْجُذُوع.

قَوْله: (وَحقّ الشُّفْعَة) مَعْطُوف على حق الشّرْب: أَي يجوز الصُّلْح عَن دَعْوَى حق الشُّفْعَة لدفع الْيَمين.
أما الصُّلْح عَن حق الشُّفْعَة الثَّابِت فَلَا يجوز، لما مر أَنه غير مَال فَلَا يجوز الِاعْتِيَاض عَنهُ.

قَوْله: (وَحقّ وضع الْجُذُوع على الاصح) لما علمت من أَنه يجوز الصُّلْح عَمَّا ذكر فِي حق سُقُوط الدَّعْوَى، وَلَا يلْزم من صِحَة الصُّلْح لُزُوم الْبَدَل، لما مر أَن الصُّلْح عَن الشُّفْعَة إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَلَو كَانَ لرجل ظلة أَو كنيف على طَرِيق الْعَامَّة فخاصمه رجل على نقضه فَصَالحه على شئ كَانَ الصُّلْح بَاطِلا، لَان الْحق فِي طَرِيق النَّافِذ لجَماعَة الْمُسلمين فَلَا يجوز أَن يُصَالح وَاحِد على الِانْفِرَاد، وَبِخِلَاف مَا إِذا صَالح الامام عَنهُ على مَال حَيْثُ يجوز لَان لِلْإِمَامِ وِلَايَةً عَامَّةً، وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مصالحهم، فَإِذا رأى فِي ذَلِك مصلحَة ينفذ لَان الِاعْتِيَاض من الْمُشْتَرَكِ الْعَامِ جَائِزٌ مِنْ الْإِمَامِ، وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ صَحَّ بَيْعُهُ، وَبِخِلَاف مَا إِذا كَانَ ذَلِك فِي طَرِيق غير نَافِذ فَصَالحه رجل من أهل الطَّرِيق حَيْثُ يجوز فِي حَقه، لَان الطَّرِيق مَمْلُوكَة لاهلها فَيظْهر فِي حق الافراد، وَالصُّلْح مَعَه مُفِيد لانه يسْقط بِهِ حَقه ثمَّ يتَوَصَّل إِلَى تَحْصِيل رضَا البَاقِينَ فَيجوز.
اهـ.

قَوْله: (فِي أَي حق كَانَ) وَلَو كَانَ مِمَّا لَا يقبل الِاعْتِيَاض عَنهُ.

قَوْله: (حَتَّى فِي دَعْوَى التَّعْزِير) بِأَن ادّعى أَنه كفره أَو ضلله أَو رَمَاه بِسوء وَنَحْوه حَتَّى تَوَجَّهت عَلَيْهِ الْيَمين فافتداها بِدَرَاهِم فَإِنَّهُ يجوز على الاصح.
منح.
وَهَذَا يدل على أَنه يسْتَحْلف فِي دَعْوَى التَّعْزِير.

قَوْله: (مجتبى) قَالَ فِي بعد أَن رمز سنج صَالح عَن دَعْوَى حق الشّرْب وَحقّ الشُّفْعَة أَو حق وضع الْجُذُوع وَنَحْوه، فَقيل لَا يجوز افتداء الْيَمين لانه لَا يجوز شِرَاؤُهُ قصدا، والاصح أَنه يجوز لَان الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ نَحْوَ الشَّخْصِ بِأَيّ حق كَانَ فَافْتدى الْيَمين بِدَرَاهِم يجوز على الاصح.

(8/377)


قلت: وَهَذَا يدل على أَنه يسْتَحْلف فِي دَعْوَى التَّعْزِير.
قَالَ: وَكَذَلِكَ إِن صَالحه من يَمِينه على عشرَة أَو من دَعْوَاهُ فَهُوَ كُله جَائِز اهـ.
وَهَذَا منَاف لما قدمه أَو الْبَاب من أَن شَرط صِحَة الصُّلْح كَون الْمصَالح عَلَيْهِ حَقًا يجوز الِاعْتِيَاض عَنهُ، وَمَا فِي الْمُجْتَبى أَعم مِنْهُ كَمَا ترى.
وَلَعَلَّ التَّوْفِيق أَن يُقَال: إِنَّه جَائِز فِي حق الْمُدعى عَلَيْهِ لدفع الْخُصُومَة عَنهُ لَا فِي حق الْمُدَّعِي إِذا كَانَ حَقًا لَا يجوز الِاعْتِيَاض عَنهُ، لَان مَا يَأْخُذهُ عوض عَن حَقه فِي زَعمه فَلَا بُد من إِمْكَان الِاعْتِيَاض عَن حَقه، وَلَعَلَّه فِي الْمُجْتَبى يفرق بَين الصُّلْح عَن الشُّفْعَة وَعَن دَعْوَى الشُّفْعَة فَلَا يَصح فِي الاول كَمَا أطبقوا عَلَيْهِ من عدم لُزُوم الْبَدَل وَوُجُوب رده بعد أَخذه، وَيصِح فِي الثَّانِي، فَليُحرر.

قَوْله: (بِخِلَاف دَعْوَى حد) أَي لَا يَصح الصُّلْح عَنْهَا، لما عرفت أَن الصُّلْح لَا يجوز فِي حق الله تَعَالَى وَلَو حد قذف، وَلَا عَن الابراء مِنْهُ.
منح.
قَالَ فِي الْفَوَائِد الزينية: لَا يَصح الصُّلْح عَن الْحُدُود، وَلَا يسْقط بِهِ إِلَّا حد الْقَذْف إِلَّا إِذا كَانَ قبل المرافعة كَمَا فِي الْخَانِية.

قَوْله: (وَنسب) كَمَا إِذا ادَّعَت أَن هَذَا وَلَده مِنْهَا فصالحها لترك دَعْوَاهَا فَالصُّلْح بَاطِل، لَان الصُّلْح إِمَّا إِسْقَاط أَو مُعَاوضَة وَالنّسب لَا يحتملهما.
دُرَر.
وَأطْلقهُ فَشَمَلَ مَا لَو كَانَت الدَّعْوَى من الْمُطلقَة أَنه ابْن الْمُطلق مِنْهَا أَو الدَّعْوَى من الابْن أَنه ابْنه مِنْهَا وَجحد الرجل فَصَالح عَن النّسَب على شئ فَالصُّلْح بَاطِل فِي كلتا الصُّورَتَيْنِ، لما سبق أَن النّسَب لَا يقبل الِاعْتِيَاض مُطلقًا، وَعَلِيهِ إِطْلَاق المُصَنّف فِي الدَّعْوَى وَفِي عدم احْتِمَال النّسَب الْمُعَاوضَة هَذَا، فَظهر أَن من أَرَادَ التَّخْصِيص بالصورة الاولى لم يصب كَمَا لَا يخفى.

قَوْله: (بِأَن كَانَ دينا بِعَين) أَي بدل الصُّلْح دينا والمصالح عَلَيْهِ عينا أَو عَكسه فالباء للمقابلة والعوض، وَكَذَا بدين من غير جنسه كالدراهم عَن الدَّنَانِير وَعَكسه كَانَ ذَلِك مُعَاوضَة إِن كَانَ بِإِقْرَار، وَكَذَا بإنكار وسكوت فِي حق الْمُدَّعِي، والمعاوضة تصح
الاقالة فِيهَا فَلِذَا ينْتَقض بنقضهما: أَي لَو فسخ ذَلِك الصُّلْح المتصالحان انْفَسَخ لجَوَاز الاقالة فِيهِ كَمَا تقدم أول الْكتاب، وَفِي نُسْخَة بدين عوضا عَن قَوْله: بِعَين وَمثله فِيمَا يظْهر الْعين بِالْعينِ.

قَوْله: (ينْتَقض بنقضهما) أَي بِفَسْخ المتصالحين: أَي لَو فسخ ذَلِك الصُّلْح المتصالحان انْفَسَخ لجَوَاز الاقالة.
فِيهِ
قَوْله: (بل بِمَعْنى الخ) وَذَلِكَ الصُّلْح عَن الدّين بِبَعْضِه فَإِنَّهُ أَخذ لبَعض حَقه وَإِسْقَاط للْبَاقِي فَلَا ينْتَقض بنقضهما لانه قد سقط والساقط لَا يعود.

قَوْله: (قنية وصيرفية) الاولى الِاخْتِصَار عَلَى الْعَزْوِ إلَى الْقُنْيَةِ، لِأَنَّهُ فِي الصَّيْرَفِيَّةِ نَقَلَ الْخِلَافَ فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا مُطْلَقًا.
وَأَمَّا فِي الْقُنْيَةِ فَقَدْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ وَفَّقَ بَينهمَا بِمَا هُنَا بحثا مِنْهُ، فَقَالَ: أَن الصُّلْح إِن كَانَ الخ.
وَحَاصِله: أَن الصُّلْح إِن كَانَ بِمَعْنى الْمُعَاوضَة ينْتَقض بنقضهما، وَإِن كَانَ بِمَعْنى اسْتِيفَاء الْبَعْض وَإِسْقَاط الْبَعْض لَا ينْتَقض بنقضهما.
أَقُول: وَالَّذِي يظْهر لي أَن الصُّلْح: إِن تَحْصِيل من فَسخه ثَمَرَة وجدت الْبَيِّنَة أَو توسم الاقرار أَو النّكُول يَصح، وَقَوله السَّاقِط لَا يعود لَا يرد علينا، لَان السَّاقِط فِي هَذَا الْبَاب إِنَّمَا هُوَ قَضَاء لَا ديانَة، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة بَاقٍ غير سَاقِط وَإِن لم تظهر ثَمَرَة من الْفَسْخ يُفْتى بِرِوَايَة عدم الصِّحَّة.

قَوْله: (وَلَو

(8/378)


صَالح) الْعلَّة فِيهِ مَا تقدم فِيمَا لَو صَالحه على بَيت مِنْهَا، وَقد تقدم أَن فِيهَا يَصح الصُّلْح وَيجْعَل إِبْرَاء عَن دَعْوَى الْبَاقِي فِي ظَاهر الرِّوَايَة فَيَنْبَغِي أَن يكون هُنَا كَذَلِك.
قَالَه الرحمتي لَكِن قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: قُيِّدَ بِالسُّكْنَى لِأَنَّهُ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى بَيْتٍ مِنْهَا كَأَن وجد عَدَمِ الصِّحَّةِ كَوْنَهُ جُزْءًا مِنْ الْمُدَّعِي بِنَاءً عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَتْنِ سَابِقًا، وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ أَبَدًا وَمِثْلُهُ حَتَّى يَمُوتَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ الْمُدَّةَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ صُلْحٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْإِجَارَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْقِيتِ كَمَا مَرَّ، وَقَدْ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ عَلَى بعض المحشين اهـ.

قَوْله: (إِلَى الْحَصاد) لانه أحل مَجْهُول فَيُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازعَة، ولانه بيع معنى فيفسده جَهَالَة الاجل.

قَوْله: (أَوْ صَالَحَ مَعَ الْمُودِعِ بِغَيْرِ دَعْوَى الْهَلَاكِ) أَي الدَّعْوَى من الْمُودع لم يَصح الصُّلْح فِي الصُّور الثَّلَاثَة.
أما الاولى: فُلَانُهُ صلح عَن بعض مَا يَدعِيهِ، وَقد تقدم أَنه بَاطِل.
وَأما الثَّانِيَة: فلَان الصُّلْح بيع معنى كَمَا ذكرنَا.
وَهَاتَانِ المسألتان من مسَائِل السِّرَاجِيَّة الَّتِي نقلهَا عَنْهَا صَاحب الْمنية.
وَأما الثَّالِثَة: فعلى أَرْبَعَة أوجه.
الاولى: ادّعى صَاحب المَال الايداع وَجحد الْمُودع ثمَّ صَالحه على شئ مَعْلُوم جَازَ الصُّلْح فِي قَوْلهم، لَان الصُّلْح يبْنى جَوَازه على زعم الْمُدَّعِي، وَفِي زَعمه أَنه صَار غَاصبا بالجحود فَيجوز الصُّلْح مَعَه.
الثَّانِي: إِذا ادّعى صَاحب المَال الْوَدِيعَة وطالبه بِالرَّدِّ فَأقر الْمُسْتَوْدع بالوديعة وَسكت وَلم يقل شَيْئا وَصَاحب المَال يَدعِي عَلَيْهِ الِاسْتِهْلَاك ثمَّ صَالحه على شئ مَعْلُوم جَازَ الصُّلْح فِي قَوْلهم أَيْضا.
الثَّالِث: ادّعى الِاسْتِهْلَاك وَالْآخر الرَّد أَو الْهَلَاك ثمَّ صَالحه جَازَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَأَجْمعُوا على أَنه لَو صَالح بعد حلف الْمُسْتَوْدع أَنه رد أَو هلك لَا يجوز.
الرَّابِع: إِذا ادّعى الْمُودع الرَّد أَو الْهَلَاك وَصَاحب المَال لَا يصدقهُ فِي ذَلِك وَلَا يكذبهُ بل سكت ذكر الْكَرْخِي أَنه لَا يجوز هَذَا الصُّلْح فِي قَول أبي يُوسُف الاول، وَيجوز فِي قَول مُحَمَّد.
وَلَو ادّعى صَاحب المَال الِاسْتِهْلَاك وَالْمُودع لم يصدقهُ فِي ذَلِك وَلم يكذبهُ فَصَالحه على شئ ذكرنَا أَنه يجوز هَذَا الصُّلْح فِي قَوْلهم اهـ.
كَمَا فِي الْمنح.
فقد ظهر من هَذَا أَن الصُّلْح بِغَيْر دَعْوَى الْهَلَاك يَصح كَمَا سمعته وَلم يذكر فِيمَا إِذا أقرّ بالوديعة وَصَالَحَهُ عَلَيْهَا، وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْفِقْه جَوَازه لانه صلح عَن مَال بِمَال بِإِقْرَار.
تَأمل.

قَوْله: (قيد بِعَدَمِ دَعْوَى الْهَلَاك) صَادِق بسكوته وبدعواه الرَّد، وَقد تقدم أَنه يَصح الصُّلْح فيهمَا.

قَوْله: (لانه لَو ادَّعَاهُ) أَي الْهَلَاك وَالْمَالِك يَدعِي أَنه اسْتَهْلكهُ.

قَوْله: (وَصَالَحَهُ قبل الْيَمين) أما لَو صَالحه بعد حلف الْمُسْتَوْدع أَنه هلك أَو رد لَا يجوز الصُّلْح إِجْمَاعًا.
وَفِيه أَن ذَلِك دَاخل فِي مَسْأَلَة المُصَنّف الْمَذْكُورَة بعد، وفيهَا خلاف كَمَا ذكره المُصَنّف.

قَوْله: (خَانِية) هَذَا مَا نَقله فِي الْمنح عَنْهَا لَكِن سقط من عِبَارَته شئ اخْتَلَّ بِهِ الْمَعْنَى، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ: جَازَ الصُّلْحُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.

(8/379)


وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ.
وَبَقِيَ خَامِسَةٌ ذَكَرَهَا الْمَقْدِسِيَّ وَهِيَ: ادَّعَى رَبُّهَا الِاسْتِهْلَاكَ فَسَكَتَ فَصُلْحُهُ جَائِزٌ، لَكِنْ هَذَا هُوَ الثَّانِي فِي الْخَانِيَّةِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَن كَلَام الماتن وَالشَّارِحِ غَيْرُ مُحَرَّرٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ: (بِغَيْرِ دَعْوَى الْهَلَاك) شَامِل للجحود وَالسُّكُوت، وَدَعوى الرَّد هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَأَحَدُ شِقَّيْ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي جَائِزٌ اتِّفَاقًا، وَكَذَا فِي أَحَدِ شِقَّيْ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ عَلَى الرَّاجِحِ.
وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ دَعْوَى الرَّدِّ أَوْ الْهَلَاكِ بِإِسْقَاطِ غَيْرِ وَالتَّعْبِيرِ بِبَعْدَ وَزِيَادَةِ الرَّدِّ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْوَجْهُ الثَّالِثُ بِنَاءً عَلَى الْمُفْتَى بِهِ.
الْوَجْه الرَّابِعُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِتَقْدِيمِ صَاحِبِ الْخَانِيَّةِ إيَّاهُ كَمَا هُوَ عَادَته.
وَ
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ) أَيْ الْهَلَاكَ شَامِلٌ لِمَا إذَا ادَّعَى الْمَالِكُ الِاسْتِهْلَاكَ وَهُوَ أَحَدُ شِقَّيْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ أَوْ سَكَتَ وَهُوَ أَحَدُ شقي الرَّابِع، وَعلمت تَرْجِيح الْجَوَازِ فِيهِمَا، فَ
قَوْلُهُ: (صَحَّ بِهِ يُفْتَى) فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ،
وَقَوْلُهُ: (وَصَالَحَهُ قَبْلَ الْيَمِينِ) هَذَا وَارِدٌ عَلَى إطْلَاقِ الْمَتْنِ أَيْضًا، وَرَأَيْتُ عِبَارَةَ الاشباه نَحْو مَا ذكرنَا.
وَنَصُّهَا: الصُّلْحُ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ وَلَا يَصِحُّ مَعَ الْمُودَعِ بَعْدَ دَعْوَى الْهَلَاكِ إذْ لَا نِزَاعَ.
ثُمَّ رَأَيْتُ عِبَارَةَ مَتْنِ الْمَجْمَعِ مِثْلَ مَا قلته، وَنَصهَا: وَجَاز صُلْحَ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ وَالْمُودَعِ بَعْدَ دَعْوَى الْهَلَاكِ أَو الرَّد، وَللَّه الْحَمد.
أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.

قَوْله: (وَيصِح الصُّلْح الخ) أَيْ لَوْ ادَّعَى مَالًا فَأَنْكَرَ وَحَلَفَ ثُمَّ ادَّعَاهُ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ فَأَنْكَرَ فَصُولِحَ صَحَّ، وَلَا ارتباط لهَذِهِ بِمَسْأَلَة الْوَدِيعَة.

قَوْله: (دفعا للنزاع) عِلّة لقَوْله يَصح وَقَوله بِإِقَامَة الْبَيِّنَة مُتَعَلق بالنزاع: يَعْنِي أَن الصُّلْح عَن الانكار يكون افتداء للْيَمِين وقطعا للنزاع، وَبعد الْحلف يَصح للاحتياج إِلَى قطع النزاع، فَإِن الْمُدَّعِي يُمكنهُ بعد الْيَمين أَن يَأْتِي بِالْبَيِّنَةِ فَلم يكن الْيَمين قَاطعا للنزاع بل الْقَاطِع لَهُ الصُّلْح، وَلذَا قَالَ: وَلَوْ بَرْهَنَ الْمُدَّعِي بَعْدَهُ عَلَى أَصْلِ الدَّعْوَى لم تقبل، لَان بِالصُّلْحِ قد أَبرَأَهُ عَن الدَّعْوَى فَسقط توجهها عَلَيْهِ والساقط لَا يعود.

قَوْله: (بعده) أَي بعد الصُّلْح: أَي وَإِن لم يكن هُنَاكَ حلف.

قَوْله: (إِلَّا فِي الْوَصِيّ) وَمثله الاب.

قَوْله: (عَن مَال الْيَتِيم) أَي إِذا صَالح عَن مَال الْيَتِيم، وَقَوله إِذا صَالح على بعضه بدل من هَذَا الْمُقدر ط.
وَيُمكن أَن تكون عَن بِمَعْنى فِي أَي فِي مَاله إِذا صَالح عَن إِنْكَار على بعضه، فَعَن
بِمَعْنى فِي،
وَقَوله: (على إِنْكَار) على بِمَعْنى عَن مُتَعَلق بِصَالح: أَي وَلم يكن هُنَاكَ بَيِّنَة.
أما إِذا كَانَ الْخصم مقرا بدين الْيَتِيم أَو كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَة فَالَّذِي يُؤْخَذ من الْمَفْهُوم أَنه لَا يجوز الصُّلْح على الْبَعْض لعدم الْمصلحَة للْيَتِيم، وَصرح بذلك فِي أدب الاوصياء.

قَوْله: (فَإِنَّهَا تقبل) لانه إِنَّمَا يتَصَرَّف لَهُ بِحَسب الْمصلحَة فَيجوز صلحه عِنْد عدم الْبَيِّنَة، فَإِذا وجدت الْبَيِّنَة تبين أَن لَا مصلحَة فِي هَذَا الصُّلْح وَأَنه بَاطِل فَتقبل الْبَيِّنَة.
وَصرح فِي الْبَزَّازِيَّة بِأَن الْبَيِّنَة لَوْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الصُّلْحِ وَفِيهِ غَبْنٌ لَا يَصح الصُّلْح.
اهـ.
وَهُوَ مُسْتَفَاد أَيْضا من كَلَام الشَّارِح.

قَوْله: (وَلَو بلغ الصَّبِي فأقامها تقبل) يَعْنِي إِذا ادّعى وَصِيّ أَو أَب على رجل ألفا للْيَتِيم وَلَا بَيِّنَة لَهُ وَصَالح بِخَمْسِمِائَة عَن ألف عَن إِنْكَار ثمَّ وجد بَيِّنَة عادلة فَلهُ أَن يقيمها على الالف، سَوَاء فِي ذَلِك الاب أَو الْوَصِيّ أَو الْيَتِيم بعد بُلُوغه.
قَالَ فِي الْقنية: وَفَائِدَة قَوْله فِي الْكتاب: إِذا لم يكن للاب أَو الْوَصِيّ بَيِّنَة على مَا يَدعِي الصَّبِي

(8/380)


فَصَالح بِأَقَلّ مِنْهُ يجوز أَن تمْتَنع دعواهما فِي الْحَال، وَدَعوى الصَّبِي بعد الْبلُوغ فِي حق الِاسْتِحْلَاف فَلَيْسَ لَهُم أَن يحلفوه وَإِنَّمَا لَهُم إِقَامَة الْبَيِّنَة كَمَا فِي حَاشِيَة الاشباه.

قَوْله: (وَلَو طلب) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول: أَي لَو طلب الْوَصِيّ بعد الصُّلْح يَمِين الْمُدعى عَلَيْهِ أَو طلبه الْيَتِيم بعد بُلُوغه كَمَا فِي حَوَاشِي الاشباه.
قَول: (وَقيل لَا) أَي لَا يَصح الصُّلْح بعد حلف الْمُدعى عَلَيْهِ، لَان الْيَمين بدل عَن الْمُدَّعِي، فَإِذا حلف فقد استوفى الْبَدَل فَلَا يَصح، وقدمناه عَن الْقنية قَرِيبا.

قَوْله: (جزم بالاول فِي الاشباه) هُوَ رِوَايَة مُحَمَّد عَن الامام.

قَوْله: (وَبِالثَّانِي فِي السِّرَاجِيَّة) وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي مُعِينِ الْمُفْتِي، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ.
قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْأَشْبَاهِ، رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْبَحْر قَوْلهمَا وَهُوَ الصَّحِيح انْتهى.
وَجعله نَظِير الصُّلْح مَعَ الْمُودع بعد دَعْوَى الِاسْتِهْلَاك: أَي فَإِنَّهُ لَا يَصح.
قَالَ المُصَنّف فِي منحه: وبالاول جزم ابْن نجيم فِي الْفَوَائِد الزينية وَلم يعزه إِلَى كتاب مَعْرُوف.
وَقيل لَا يَصح ذكره صَاحب السِّرَاجِيَّة وَلم يحك بِهِ خلافًا انْتهى.
إِنَّمَا ذكر الْخلاف فِي الْقنية كَمَا يَأْتِي بعده قَرِيبا.

قَوْله: (وحكاهما فِي الْقنية) فَقَالَ: ادّعى عَلَيْهِ مَالا فَأنْكر وَحلف ثمَّ ادَّعَاهُ عِنْد آخر فَأنْكر فصولح لَا يَصح، وَقيل يَصح وروى عَن الامام.
وَوجه القَوْل
بِعَدَمِ الصِّحَّة أَن الْيَمِينَ بَدَلُ الْمُدَّعِي فَإِذَا حَلَّفَهُ فَقَدْ اسْتَوْفَى الْبَدَل فَلَا يَصح انْتهى.

قَوْله: (مقدما لِلْأَوَّلِ) صَوَابُهُ لِلثَّانِي عَلَى مَا نَقَلَهُ الْحَمَوِيُّ وعَلى مَا سَمِعت من عِبَارَته.

قَوْله: (طلب الصُّلْح والابراء) الْوَاو هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي بِمَعْنى أَو، وَمثلهمَا طلب تَأْخِير الدَّعْوَى كَمَا فِي الْخُلَاصَة.

قَوْله: (لَا يكون إِقْرَارا بِالدَّعْوَى) أَي بالمدعى بِهِ.
كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّة فِي بحث الِاسْتِثْنَاء من كتاب الاقرار.
وَفِي الْخُلَاصَة: لَو قَالَ أَخّرهَا عني أَو صالحني فإقرار، وَلَو قَالَ أبرئني عَن هَذِه الدَّعْوَى أَو صالحني عَن هَذِه الدَّعْوَى لَا يكون إِقْرَارا، وَكَذَا فِي دَعْوَى الدَّار انْتهى.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: إِذا صَالحه من حَقه فقد أقرّ بِالْحَقِّ، وَالْقَوْل فِي بَيَان الْحق لَهُ لانه الْمُجْمل، وَإِن صَالحه من دَعْوَى الْحق لم يكن إِقْرَارا انْتهى.
وَوَجهه أَن الصُّلْح عَن الدَّعْوَى أَو الابراء عَنْهَا الْمَقْصُود مِنْهُ قطع النزاع فَلَا يُفِيد ثُبُوت الْحق، بِخِلَاف طلب الصُّلْح أَو الابراء عَن الْحق فَإِنَّهُ يَقْتَضِي ثُبُوته، وَحِينَئِذٍ يلْزمه الْمُدعى بِهِ.

قَوْله: (والاول أصح بَزَّازِيَّة) قَالَ الشَّيْخ أَبُو الطّيب: عزو الشَّارِح إِلَى الْبَزَّازِيَّة فِيهِ مَا فِيهِ، لَان هَذِه الْمَسْأَلَة بِتَمَامِهَا لَيست فِيهَا، وَإِنَّمَا فِيهَا دَعْوَى الْبَرَاءَة الخ.
وَأما مَا فِي الصيرفية فَهُوَ الْمُوَافق لما فِي الْمَتْن، وَلَيْسَ من عَادَة الْبَزَّازِيَّة أَن تنقل عَن الصيرفية فَلْيتَأَمَّل.
اهـ.

قَوْله: (عَن عيب) أَي عيب كَانَ بَيَاضًا فِي الْعين أَو حبلا أَو تزوجا.

قَوْله: (وَظهر عَدمه) أَي الْعَيْب أَن الدّين، بِأَن ظهر أَن لَا دين عَلَيْهِ أصلا، أَو أَنه على غَيره.

(8/381)


وَعبارَة الْغرَر كَهَذا الْمَتْن: صَالح عَن عيب فَظهر عَدمه أَو زَالَ بَطل الصُّلْح، فَلَو قَالَ الشَّارِح بعد قَوْله فَظهر عَدمه أَو عَن دين فَظهر كَذَلِك كَانَ أوضح، لَان عِبَارَته هَذِه ظَاهِرَة فِي أَن ضمير عَدمه للدّين وَضمير زَالَ للعيب أَنَّهُمَا للعيب.
وَصُورَة الْعَيْب على مَا فِي الدُّرَر عَن الْعمادِيَّة: ادّعى عَيْبا فِي جَارِيَة اشْتَرَاهَا فَأنْكر البَائِع فاصطلحا على مَال على أَن يُبرئ المُشْتَرِي البَائِع من ذَلِك الْعَيْب ثمَّ ظهر أَنه لم يكن بهَا عيب أَو كَانَ وَلكنه قد زَالَ فَللْبَائِع أَن يسْتَردّ بدل الصُّلْح.
اهـ.
وَقَالَ فِي الْمنح عَن السِّرَاجِيَّة: اشْترى حَيَوَانا فَوجدَ بِعَيْنِه بَيَاضًا فَصَالحه مِنْهُ على دَرَاهِم ثمَّ ذهب الْبيَاض بَطل الصُّلْح.
اهـ.
وَفِي الْبَدَائِع: وَلَو صَالحه مِنْ الْعَيْبِ ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ بِأَنْ كَانَ بَيَاضًا فِي عين العَبْد فانجلى بَطل الصُّلْح.
اهـ.
قَالَ أَبُو الطّيب.
أَقُول: وَفِي الْمنح فروع نفيسة فَرَاجعهَا إِن شِئْت.

قَوْله: (أَو زَالَ الْعَيْب الخ) عزاهُ فِي الدُّرَر إِلَى الْعمادِيَّة، لَكِن فِي منية الْمُفْتِي مَا يناقضه.
وعبارتها: اشْترى حَيَوَانا فَوجدَ فِي عينه بَيَاضًا فَصَالحه على دَرَاهِم ثمَّ ذهب الْبيَاض يَصح الصُّلْح اهـ.
لَكِن مَا نَقله الشَّارِح ذكره من نقلنا عَنْهُم كَمَا سَمِعت.
وَذكره مؤيد زَاده عَن الخزانة وَنَصهَا: ادّعى المُشْتَرِي الْعَيْب وَأنكر البَائِع فاصطلحا على أَن يرد البَائِع شَيْئا من الثّمن ثمَّ يبين أَنه لم يكن بِالْمَبِيعِ عيب كَانَ على البَائِع أَن يسْتَردّ مَا أدّى، كَمَا لَو كَانَ الْعَيْب متحققا ثمَّ زَالَ بعد الصُّلْح.
وعَلى هَذَا لَو ادّعى على إِنْسَان حَقًا أَو مَالا ثمَّ صَالحه على مَال فَتبين أَنه لم يكن عَلَيْهِ ذَلِك المَال أَو ذَلِك الْحق: أَي إِن لم يكن ثَابتا كَانَ للْمُدَّعى عَلَيْهِ حق اسْتِرْدَاد كل المَال.
اهـ.
وَالله تَعَالَى أعلم وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم.
فصل فِي دَعْوَى الدّين وَهُوَ الَّذِي يثبت فِي الذِّمَّة عَيْني.
والاول أَن يَقُول: فصل فِي الصُّلْح عَن دَعْوَى الدّين، وَيُقَال مثله فِي الْعبارَة الْآتِيَة للْمُصَنف.
قَالَ الْحَمَوِيّ: لما ذكر الصُّلْح مُطلقًا فِي عُمُوم الدعاوي ذكر الصُّلْح فِي الدّين لانه صلح مُقَيّد والمقيد بعد الْمُطلق.
اهـ.
لَان مَا ذكره فِي هَذَا الْبَابِ حُكْمَ الْخَاصِّ وَهُوَ دَعْوَى الدَّيْنِ، لِأَنَّ الْخُصُوصَ أَبَدًا يَكُونُ بَعْدَ الْعُمُومِ، والاصل أَنه مَتى كَانَ الْمصَالح عَلَيْهِ أدون من حَقه قدرا ووصفا أَو فِي أَحدهمَا فَهُوَ إِسْقَاط للْبَعْض وَأخذ للْبَاقِي، وَإِن كَانَ أَزِيد مِنْهُ بِأَن دخل فِيهِ مَا لم يسْتَحق من وصف أَو مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ كتعجيل مُؤَجل فمعاوضة.

قَوْله: (الصُّلْح الْوَاقِع الخ) أطلق الصُّلْح وَلَكِن المُرَاد كَونه على أقل مِمَّا عَلَيْهِ من الدّين كَمَا هُوَ ظَاهر الْعَادة، فَتخرج مِنْهُ صُورَة التَّسَاوِي إِذْ هِيَ اسْتِيفَاء وَقبض عين
حَقه، وَصُورَة كَون الْمصَالح عَلَيْهِ زِيَادَة من الدّين فَيكون رَبًّا وحراما ليسَا بصلح، وَأَشَارَ بِالصُّلْحِ إِلَى أَنه

(8/382)


لَو بَاعَ مَا فِي ذمَّته من الالف بِخَمْسِمِائَة مثلا لم يجز، صرح بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّة وَسَيَأْتِي تَمَامه.

قَوْله: (من دين) يَشْمَل بدل الْقَرْض وَثمن الْمَبِيع وَضَمان الْمُتْلف وَبدل الْمَغْصُوب وكل مَا لزم فِي الذِّمَّة، وَقيد فِي الْبَعْض ليُفِيد أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَكْثَرِ، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ لَكِنْ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الْكَافِي: وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمُ لَا يَعْرِفَانِ وَزْنَهَا فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، لِأَنَّ جَهَالَة الْمصَالح عَنهُ لَا تمنع مَعَ صِحَّةِ الصُّلْحِ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ فَهُوَ فَاسِدٌ فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ بَدَلَ الصُّلْح أَكثر مِنْهُ، وَلَكِنِّي أستحسن أَو أُجِيزَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا عَلَيْهِ، وَإِن مَبْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْحَطِّ وَالْإِغْمَاضِ فَكَانَ تَقْدِيرُهُمَا بدل الصُّلْح شئ دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى أَنَّهُمَا عَرَفَاهُ أَقَلَّ مِمَّا عَلَيْهِ وَإِن كَانَ لَا يعرفان قدر مَا عَلَيْهِ فِي نَفسه.
اهـ.
أَقُول: لَكِن فِي قَوْله أستحسن أَن أجيزه الخ شُبْهَة الرِّبَا كَمَا علمت وَهِي مُحرمَة أَيْضا، فَالظَّاهِر اعْتِمَاد مَا فِي الشَّرْح.
تَأمل.

قَوْله: (أَو غصب) أَي غصب قيمي أَو مثلي أَو غصب مِنْهُ أحد النَّقْدَيْنِ وَهُوَ بَاقٍ فِي يَده معترفا بِبَقَائِهِ فَصَالحه على بعض مِقْدَار من جنسه.

قَوْله: (أَخذ) خبر مُبْتَدأ.

قَوْله: (وَحط لباقيه) لَان تصرف الْعَاقِل الْبَالِغ يَصح مَا أمكن، وَلَا يُمكن تَصْحِيحه مُعَاوضَة لما فِيهِ من الرِّبَا، وَقد أمكن الاسقاط فَيحمل عَلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ صَالَحْتُكَ على مائَة من ألف عَلَيْك كَانَ أخذا لمِائَة وإبراء عَنْ تِسْعِمِائَةٍ وَهَذَا قَضَاءٌ لَا دِيَانَةٌ إلَّا إِذا زَاد أَبْرَأتك.
قُهُسْتَانِيّ.
وَقدمنَا مثله معزيا للخانية.

قَوْله: (للربا) أَي لَا يَجْعَل مُعَاوضَة لما يلْزم عَلَيْهِ من الرِّبَا وَلَا يَصح، وَتصرف الْعَاقِل يحمل على الصِّحَّة مَا أمكن كَمَا ذكرنَا فَيجْعَل حطا.

قَوْله: (وحينئد) أَي حِين إِذا كَانَ مَا ذكر أَخذ الْبَعْض الْحق وإسقاطا لباقيه لَا مُعَاوضَة.

قَوْله: (فصح الصُّلْح) أَي عَن ألف على مائَة، أطلق الصُّلْح فَشَمَلَ كَون الْمُدعى عَلَيْهِ مقرا أَو مُنْكرا أَو ساكتا، وَالْمرَاد بالالف ثمن مَبِيع كَمَا هُوَ مُقْتَضى عقد المداينة، وَقيد بالالف وَالْمِائَة بكونهما حالتين احْتِرَازًا عَمَّا إِذا كَانَت الالف مُؤَجّلَة وَالْمِائَة حَالَة كَمَا سَيذكرُهُ بعد، وَسَنذكر أَن هَذَا فِيمَا إِذا شَرط ذَلِك.

قَوْله: (بِلَا اشْتِرَاط قبض بدله) أَي الصُّورِي وَهُوَ
مَا وَقع عَلَيْهِ الصُّلْح، وَإِلَّا فَلَيْسَ هُنَاكَ بدل بل هُوَ أَخذ لبَعض الْحق، وَهَذَا إِنَّمَا يظْهر فِي غير الْمَغْصُوب، أما هُوَ مَعَ الِاعْتِرَاف بِبَقَائِهِ فَلَيْسَ مَا دَفعه عين حَقه إِلَّا أَن يَجْعَل عينه حكما، وَذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْعُقُود والفسوخ لَا فِي الْغَصْب فَليُحرر.
وَلَعَلَّه أَرَادَ بِالْغَصْبِ بدله بعد هَلَاكه.

قَوْله: (على مائَة حَالَة) وَيكون الصُّلْح إِسْقَاطًا لبَعض الْحق فَقَط.

قَوْله: (أَو على ألف مُؤَجل) وَيحمل على إِسْقَاط وصف الْحُلُول.

قَوْله: (عَن ألف جِيَاد على مائَة زيوف) هَذَا شَامِل لما إِذا كَانَ بدل الصُّلْح مُؤَجّلا أَو حَالا لانه يَصح كَمَا ذكره، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ لَهُ ألف زيوف وَصَالَحَهُ على خَمْسمِائَة جِيَاد حَيْثُ لَا يجوز لعدم اسْتِحْقَاق الْجِيَاد فَيكون مُعَاوضَة ضَرُورَة كَمَا فِي التَّبْيِين، وَحِينَئِذٍ فَيكون قد أسقط حَقه فِي الْكمّ والكيف فأسقط من الْكمّ تِسْعمائَة وَمن الكيف صفة الْجَوْدَة، وَكَذَا لَو كَانَت الْمِائَة مُؤَجّلَة يَصح أَيْضا لانه قد أسقط فِيهَا أَيْضا وصف الْحُلُول، وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا لَان من اسْتحق الْجِيَاد اسْتحق الزُّيُوف، وَهَذَا لَو تجوز بِهِ فِي الصّرْف وَالسّلم جَازَ، وَلَو لم يسْتَحقّهُ بِالْعقدِ لما جَازَ لَان الْمُبَادلَة بِرَأْس مَال السّلم وَبدل الصّرْف لَا تجوز، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ لَهُ ألف زيوف وَصَالَحَهُ على خَمْسمِائَة جِيَاد حَيْثُ لَا يجوز لعدم

(8/383)


اسْتِحْقَاق الْجِيَاد فَيكون مُعَاوضَة ضَرُورَة: أَي لانه لَا يُمكن حمله على أَنه استوفى بعض حَقه وَأسْقط الْبَاقِي، لانه لَا يسْتَحق الْجِيَاد فَلَا يجوز التَّفَاضُل فِيهَا لَان جيدها ورديئها سَوَاء كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة.

قَوْله: (لعدم الْجِنْس) فَكَانَ مُعَاوضَة، وَلَو كَانَ من الْجِنْس لَكَانَ أَخذ الْبَعْض الْحق فَيجوز مُؤَجّلا.

قَوْله: (فَكَانَ صرفا) أَي بَدَلا عَنهُ، والاستبدال بالاثمان بَعْضهَا عَن بعض صرف فَيشْتَرط فِيهِ التَّقَابُض.

قَوْله: (فَلم يجز نَسِيئَة) أَي وَلَا حَالا بِدُونِ الْقَبْض لاشتراطه فِي الصّرْف كَمَا علم فِي بَابه.

قَوْله: (أَوْ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى نِصْفِهِ حَالًّا) لَان الْمُعَجل غير مُسْتَحقّ بِعقد المداينة، إِذْ الْمُسْتَحق بِهِ هُوَ الْمُؤَجل والمعجل خير مِنْهُ، فقد وَقع الصُّلْح على مَا لم يكن مُسْتَحقّا بِعقد المداينة فَصَارَ مُعَاوضَة والاجل كَانَ حق الْمَدْيُون وَقد تَركه بِإِزَاءِ مَا حطه عَنهُ من الدّين فَكَانَ اعتياضا عَن الاجل وَهُوَ حرَام، أَلا يرى أَن رَبًّا النَّسِيئَة حرم لشُبْهَة مُبَادلَة المَال بالاجل فلَان يحرم حَقِيقَة أولى.
اهـ.
دُرَر.

قَوْله: (إِلَّا فِي صلح الْمولى مكَاتبه) يَعْنِي إِذا صَالح الْمولى مكَاتبه على ألف مُؤَجّلَة على خَمْسمِائَة حَالَة فَإِنَّهُ يجوز، لِأَنَّ مَعْنَى
الْإِرْفَاقِ فِيمَا بَيْنَهُمَا أَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يَكُونُ هَذَا مُقَابَلَةَ الْأَجَلِ بِبَعْضِ الْمَالِ وَلَكِنَّهُ إرْفَاقٌ مِنْ الْمَوْلَى بِحَطِّ بعض الْبَدَل وَهُوَ مَنْدُوب إِلَيْهِ فِي الشَّرْع، وَمُسَاهَلَةٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ فِيمَا بَقِيَ قَبْلَ حُلُولِ الاجل لتوصل بِهِ إِلَى شرف الْحُرِّيَّة، وَهُوَ أَيْضا، مَنْدُوب إِلَيْهِ فِي الشَّرْع.
ذكره الزَّيْلَعِيّ.
وَذكر فِي شرح الْكَافِي للاسبيجابي جَوَاز هَذَا الصُّلْح مُطلقًا على قِيَاس قَول أبي يُوسُف لانه إِحْسَان من الْمَدْيُون فِي الْقَضَاء بالتعجيل وإحسان من صَاحب الدّين فِي الِاقْتِضَاء بحط بعض حَقه، وَحسن هَذَا إِذا لم يكن مَشْرُوطًا فِي الآخر، وَأما إِذا شَرط أَحدهمَا فِي مُقَابلَة الآخر فَدخل فِي الصُّلْح مُعَاوضَة فَاسِدَة فَيكون فَاسِدا، وَهَكَذَا فِي غَايَة الْبَيَان.

قَوْله: (أَوْ عَنْ أَلْفٍ سُودٍ عَلَى نِصْفِهِ بِيضًا) لَان الْبيض غير مُسْتَحقَّة بِعقد المداينة، لَان من لَهُ السود لَا يسْتَحق الْبيض فقد صَالح على مَا لَا يسْتَحق بِعقد الْمُعَاوضَة فَكَانَ مُعَاوضَة الالف بِخَمْسِمِائَة وَزِيَادَة وصف الْجَوْدَة فَكَانَ رَبًّا.
منح.
بِخِلَاف مَا لَو صَالح على قدر الدّين وَهُوَ أَجود لانه مُعَاوضَة الْمثل بِالْمثلِ، وَلَا مُعْتَبر بالجودة لانها سَاقِطَة الِاعْتِبَار فِي الاموال الربوية إِلَّا أَنه يشْتَرط الْقَبْض فِي الْمجْلس لانه صرف الاصل أَنه مَتى كَانَ الَّذِي وَقع عَلَيْهِ الصُّلْح عَلَيْهِ دون الْحق قدرا أَو وَصفا أَو وقتا فَهُوَ إِسْقَاط للْبَعْض وَاسْتِيفَاء للْبَاقِي لانه استوفى دون حَقه، وَإِن كَانَ أَزِيد مِنْهُ بِأَن دخل فِيهِ مَا لَا يسْتَحق من وصف أَو تَعْجِيل مُؤَجل أَو كَانَ خلاف جنسه فَهُوَ مُعَاوضَة لتعذر اسْتِيفَاء فِي غير الْمُسْتَحق فَيشْتَرط فِيهِ شُرُوط الْمُعَاوضَة كَمَا فِي الشمني.
أَقُول: وَشَرطهَا عِنْد اتِّحَاد الْجِنْس الْمُسَاوَاة، فَمن لَهُ دَرَاهِم سود لَا يسْتَحق الْبيض فَيكون أَخذهَا بطرِيق الْمُعَاوضَة وَلَو تُوجد، حَتَّى لَو صَالحه على ألف حَالَة عَن الالف المؤجلة أَو صَالحه على ألف بيض عَن الالف السود جَازَ بِشَرْط قَبضه فِي الْمجْلس لوُجُود الْمُسَاوَاة فِي الْقدر وَهُوَ الْمُعْتَبر فِي الصّرْف دون الْمُسَاوَاة فِي الصّفة، وَلَو كَانَ عَلَيْهِ ألف فَصَالحه على طَعَام مَوْصُوف فِي الذِّمَّة مُؤَجل لم يجز لانه يكون افتراقا عَن دين بدين، وَلَو كَانَ عَلَيْهِ ألف دِرْهَم وَمِائَة دِينَار فَصَالحه على مائَة دِرْهَم جَازَ، سَوَاء كَانَت حَالَة أَو مُؤَجّلَة لانه يَجْعَل إِسْقَاطًا للدنانير كلهَا وللدراهم إِلَّا مائَة وتأجيلا للمائة الَّتِي بقيت، وَلَا يحمل على الْمُعَاوضَة لَان فِيهِ فَسَادًا كَمَا فِي الْعَيْنِيّ.
أَقُول: وَيظْهر مِمَّا قدمْنَاهُ قَرِيبا عَن شرح الاسبيجابي أَن الْمَدْيُون لَو أعْطى الدَّائِن خَمْسمِائَة بيضًا

(8/384)


فأسقط الدَّائِن الالف السود من ذمَّته وَأسْقط هُوَ الْبيض من ذمَّة الآخر لَا بِشَرْط الْمُقَابلَة يَنْبَغِي أَن يَصح، وَلكنه لَا يُسمى ذَلِك صلحا كَمَا لَا يخفى.

قَوْله: (أَن الاحسان إِن وجد من الدَّائِن) بِأَن صَالح على شئ هُوَ أَدْوَنُ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا أَوْ وَصْفًا أَو وقتا.

قَوْله: (وَإِنْ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الدَّائِنِ وَالْمَدِينِ، بِأَنْ دَخَلَ فِي الصُّلْحِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ الدَّائِنُ مِنْ وَصْفٍ كَالْبِيضِ بَدَلَ السُّودِ أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْوَصْفِ كَتَعْجِيلِ الْمُؤَجَّلِ أَوْ عَن جنس، بِخِلَاف جنسه.

قَوْلُهُ: (فَمُعَاوَضَةٌ) أَيْ وَيَجْرِي فِيهِ حُكْمُهَا، فَإِنْ تَحَقَّقَ الرِّبَا أَوْ شُبْهَتُهُ فَسَدَتْ وَإِلَّا صَحَّتْ.

قَوْله: (عَاد دينه) عِنْدهمَا.
وَعند أبي يُوسُف يبرأ.

قَوْله: (لفَوَات التَّقْيِيد بِالشّرطِ) أَي من حَيْثُ الْمَعْنى فَكَأَنَّهُ قيد الْبَرَاءَة من النّصْف بأَدَاء خَمْسمِائَة فِي الْغَد، فَإِذا لم يؤد لَا يبرأ لعدم تحقق الشَّرْط.
وَالْحَاصِل: أَن كلمة على وَإِن كَانَت للعوض لَكِنَّهَا قد تكون بِمَعْنى الشَّرْط، وَقد تعذر الْعَمَل بِمَعْنى الْمُعَاوضَة فَتحمل على الشَّرْط تَصْحِيحا لتصرفه كَمَا فِي الدُّرَر.

قَوْله: (وَالثَّانِي إِن لم يُوَقت بالغد) أَي لم يذكر لفظ غَد بل قَالَ ادْفَعْ إِلَيّ خَمْسمِائَة على أَنه برِئ من الْبَاقِي لم يعد دينه لعدم الاداء، وَيبرأ مُطلقًا أدّى الْخَمْسمِائَةِ فِي الْغَد أَو لم يؤد، لَان الْبَرَاءَة قد حصلت بالاطلاق وَإِلَّا فَلَا تَتَغَيَّر بِمَا يُوجب الشَّك فِي آخِره.
منح.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَعُدْ) أَيْ الدَّيْنُ مُطْلَقًا أَدَّى أَو لم يؤد.

قَوْله: (لانه إِبْرَاء مُطلق) لانه لما لم يُوَقت للاداء وقتا لم يكن الاداء غَرضا صَحِيحا لانه وَاجِب على الْغَرِيم فِي كل زمَان فَلم يتَقَيَّد بِمَا حمل على الْمُعَاوضَة وَهُوَ لَا يصلح عوضا، وَالظَّاهِر أَن الابراء مُقَيّد بِأَدَائِهِ وَلَو فِي آخر جُزْء من أَجزَاء حَيَاته، حَتَّى إِذا مَاتَ وَلم يؤد يُؤْخَذ كل الدّين من تركته، لَان التَّعْلِيق بالاداء مَوْجُود معنى، بِخِلَاف الْوَجْه الرَّابِع فَإِنَّهُ يبرأ مُطلقًا لبداءته بالابراء.

قَوْله: (كالوجه الاول) خبر أول.
وَقَوله: (كَمَا قَالَ) خبر ثَان.

قَوْله: (لبداءته بالابراء لَا بالاداء) قَالَ فِي الدُّرَر لانه أطلق الابراء وَأَدَاء خَمْسمِائَة لَا يصلح عوضا وَيصْلح شرطا مَعَ الشَّك فِي تَقْيِيده بِالشّرطِ فَلَا يتَقَيَّد بِالشَّكِّ، بِخِلَاف مَا إِذا بَدَأَ بأَدَاء خَمْسمِائَة لَان الابراء حصل مَقْرُونا بِهِ، فَمن حَيْثُ إِنَّه لَا يصلح عوضا يَقع مُطلقًا، وَمن حَيْثُ إِنَّه يصلح شرطا لَا يَقع مُطلقًا فَلَا يثبت الاطلاق بِالشَّكِّ فَافْتَرقَا.
اهـ.

قَوْلُهُ: (بِصَرِيحِ الشَّرْطِ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِيهِ
إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ صَحَّ.
فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ قَالَ حَطَطْتُ عَنْكَ النِّصْفَ إنْ نَقَدْتَ إِلَيّ نصفا فَإِنَّهُ حط عِنْدهم وَإِن لم ينقده.

قَوْله: (كَإِن أدّيت إِلَيّ كَذَا) الْخِطَابُ لِلْغَرِيمِ، وَمِثْلُهُ الْكَفِيلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الاسبيجابي فِي شرح الْكَافِي وقاضيخان فِي شَرْحِ الْجَامِعِ.

(8/385)


قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَفِيهِ نَوْعُ إشْكَالٍ، لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ.
إلَّا أَنَّهُ كَإِبْرَاءِ الْأَصِيلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَحْلِفُ بِهِ كَمَا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ لَا غَيْرِ الْمُتَعَارَفِ، وَلِذَا قُلْنَا: إذَا كَفَلَ بِمَالٍ عَنْ رَجُلٍ وَكَفَلَ بِنَفْسِهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ إنْ وَافَى بِنَفْسِهِ غَدا فَهُوَ برِئ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَوَافَى بِنَفْسِهِ بَرِئَ عَنْ المَال لانه تَعْلِيق بِشَرْط مُتَعَارَف فصح اهـ.

قَوْله: (لما تقرر الخ) قَالَ فِي الْمنح: إِنَّمَا لَا يَصح لَان الابراء الْمُعَلق تَعْلِيقا صَرِيحًا لَا يَصح، لَان الابراء فِيهِ معنى التَّمْلِيك وَمعنى الاسقاط، فالاسقاط لَا يُنَافِي تَعْلِيقه بِالشّرطِ وَالتَّمْلِيك يُنَافِيهِ فراعينا الْمَعْنيين.
وَقُلْنَا: إِن كَانَ التَّعْلِيق صَرِيحًا لَا يَصح وَإِن لم يكن صَرِيحًا يَصح.
اهـ.

قَوْله: (لانه تمْلِيك من وَجه) بِدَلِيل أَنه لَا يرْتَد بِالرَّدِّ والتمليكات لَا تحْتَمل التَّعْلِيق بِالشّرطِ، وَهُوَ إِسْقَاط أَيْضا بِدَلِيل أَنه لَا يتَوَقَّف على الْقبُول والاسقاط يحْتَمل ذَلِك، فلمعنى التَّمْلِيك فِيهَا قُلْنَا: إِذا صرح بِالتَّعْلِيقِ بِالشّرطِ لم يَصح، ولمعنى الاسقاط إِذا لم يُصَرح بِالتَّعْلِيقِ بِالشّرطِ بتقييد.
كَذَا فِي الْكَافِي.

قَوْله: (وَإِن قَالَ الْمَدْيُون لآخر سرا الخ) هَذَا الْقَيْد أهمله فِي الْكَنْز وَلم يُنَبه عَلَيْهِ شَارِحه الزَّيْلَعِيّ، وَنبهَ عَلَيْهِ ملا مِسْكين وَصَاحب الدُّرَر وملتقى الابحر وَالْهِدَايَة وَعبارَته بعد ذكر الْمَسْأَلَة مُطلقَة.
وَمعنى الْمَسْأَلَة.
إِذا قَالَ ذَلِك سرا، أما إِذا قَالَ عَلَانيَة يُؤْخَذ بِهِ، لَان قَوْله لَا أقرّ بِمَالك الخ يتَضَمَّن الاقرار بِهِ حَيْثُ أَضَافَهُ إِلَيْهِ بقوله مَالك، أَو لانه تَعْلِيق الاقرار بِالشّرطِ فَيلْزم فِي الْحَال، وَلذَا قيد بِهِ ملا مِسْكين فِي عبارَة الْكَنْز حَيْثُ لم تتقيد بقوله، سرا كَمَا علمت، وَقد عزاهُ هُنَا وَفِي الْبَحْر إِلَى الْمُجْتَبى، وَلَكِن النّظر إِلَى الْعلَّة الَّتِي ذكرهَا الزَّيْلَعِيّ وَغَيره وَهِي كَونه لَيْسَ بمكره لتمكنه من إِقَامَة الْبَيِّنَة أَو التَّحْلِيف فينكل، وَهُوَ نَظِير الصُّلْح مَعَ الانكار لَان كل وَاحِد مِنْهُمَا لَا يُنَافِي الطوع، وَالِاخْتِيَار فِي تصرفه أقْصَى مَا فِي الْبَاب أَنه
مُضْطَر، لَكِن الِاضْطِرَار لَا يمْنَع من نُفُوذ تصرفه كَبيع مَاله بِالطَّعَامِ عِنْد المخمصة يُوجب التَّسْوِيَة بَين الْحَالَتَيْنِ فَتَأمل.
ذكره الرَّمْلِيّ.
أَقُول: معنى الاخذ: أَي بِإِقْرَارِهِ وَهُوَ.

قَوْله: (بِمَالك) وَالْمَال مَجْهُول فَيُؤْمَر ببيانه وَلَا يلْزمه مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي لعدم إِقْرَاره بِهِ.
تَأمل.

قَوْله: (قَوْله بِمَالك) بِفَتْح اللَّام وَكسرهَا.
حموي.

قَوْله: (صَحَّ) أَي فَلَيْسَ لَهُ الْمُطَالبَة فِي الْحَال بعد التَّأْخِير وَلَا فِي المحطوط كَمَا فِي الْمنح.

قَوْله: (لانه لَيْسَ بمكره) لانه لَو شَاءَ لم يفعل ذَلِك إِلَى أَن يجد الْبَيِّنَة، أَو يحلف فينكل عَن الْيَمين.
إتقاني.
وَقَوله: وَلَيْسَ بمكره على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول، إِذْ يُمكنهُ أَن يبرهن أَو يحلفهُ فينكل عَن الْيَمين فَفعله بِلَا شُرُوع إِلَى أَحدهمَا كَانَ رضَا بذلك فنفذ فَيكون كصلح عَن إِنْكَار، وَمن ذَلِك ذكرت هَذِه الْمَسْأَلَة هُنَا، هَذَا هُوَ الْمُوَافق لما فِي غَايَة الْبَيَان وَشرح الْمَقْدِسِي، وَمَا فِي الْكِفَايَة يَقْتَضِي كَون الضَّمِير الْمَنْصُوب عَائِد إِلَى الْمَدْيُون، وَأَن يكون مكره على صِيغَة اسْم الْفَاعِل كَمَا فسر بِهِ الْبَعْض هُنَا، والاول هُوَ الْمُتَبَادر كَمَا لَا يخفى.

قَوْله: (عَلَيْهِ) جعل لفظ عَلَيْهِ صلَة لمكره وَهُوَ خلاف مَا فِي الْعَيْنِيّ والدرر.
قَالَ الْعَيْنِيّ عِنْد قَول الْكَنْز صَحَّ: أَي هَذَا الْفِعْل

(8/386)


عَلَيْهِ: أَي على الدَّائِن: يَعْنِي إِن أَخّرهُ يتَأَخَّر، وَإِن حط عَنهُ بعضه ينحط لَان الْمَدْيُون لَيْسَ بمكره اهـ.
وَمثله فِي الدُّرَر إِلَّا أَنه قَالَ صَحَّ: أَي التَّأْخِير والحط لانه لَيْسَ بمكره عَلَيْهِ: أَي على الدَّائِن فوصل عَلَيْهِ بمكره فَتوهم الشَّارِح أَنه مُتَعَلق بِهِ، وَلَيْسَ الامر كَذَلِك لَان لفظ عَلَيْهِ من الْمَتْن فِي الْكَنْز والدرر، وَيحْتَمل أَنَّهَا هُنَا كَذَلِك إِلَّا أَن النَّاسِخ سودها وَحِينَئِذٍ فالعبارة صَحَّ عَلَيْهِ: أَي نفذ عَلَيْهِ التَّأْخِير أَو الْحَط لانه لَيْسَ بمكره، وَضمير عَلَيْهِ: أَي على الدَّائِن حَتَّى أَنه بعد التَّأْخِير لَا يتَمَكَّن من مُطَالبَته فِي الْحَال، وَفِي الْحَط لَا يتَمَكَّن من مُطَالبَته مَا حطه أبدا.

قَوْله: (وَلَو أعلن مَا قَالَه سرا) يَعْنِي أَنه تكلم بِهِ أَولا بَين النَّاس، وَلَيْسَ المُرَاد أَنه بعد أَن اتفقَا على الْحَط أَو التَّأْخِير أعلن فَإِنَّهُ لَا ينْقض الصُّلْح، وَالْمرَاد أَن الدَّائِن سكت: إِذا لَو حط فِي الاعلان أَو أقرّ صَحَّ بل هُوَ أولى من حَالَة السِّرّ.
ط.
أَقُول: وَظَاهر كَلَام المُصَنّف يُوهم أَنه بَعْدَمَا أخر أَو حط عَنهُ كَمَا فهمته مِمَّا قدمْنَاهُ مَعَ أَنه لَيْسَ كَذَلِك، فَلَو قَالَ وَلَو أعلن.
بقوله: لَا أقرّ لَك حَتَّى تؤخره عني أَو تحط يكون إِقْرَارا فَيُؤْخَذ للْحَال
كُله إِن لم يُؤَخر أَو يحط.
قَالَ الْمولى عبد الْحَلِيم:
وَقَوله: (وَلَو أعلن) أَي الْمَدْيُون
وَقَوله: (مَا قَالَه سرا) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن مَفْعُوله مَحْذُوف وَهُوَ قَوْله لَا أقرّ لَك بِمَالك الخ.

قَوْله: (أَخذ الْكل مِنْهُ للْحَال) أَي تمكن من أَخذ الْكل بِلَا تَأْخِير إِن أخر وَلَا حط إِن حط.
قَالَ ط: لَعَلَّ هَذَا إِذا لم يُؤَخِّرهُ الطَّالِب وَلم يحط، أما لَو فعل ذَلِك صَحَّ لعدم إكراهه.
اهـ.

قَوْله: (فَقَالَ أقرر) بِهَمْزَة قطع مَفْتُوحَة من أقرّ.

قَوْله: (جَازَ) أَي الْحَط لانه لَيْسَ من تَعْلِيق الابراء صَرِيحًا بل معنى، وَقد سبق جَوَازه.
قَوْله (بِخِلَاف على أَن أُعْطِيك مائَة) فَإِذا أقرّ صَحَّ الاقرار، وَلَا يلْزم الدَّائِن شئ.

قَوْله: (لَا الْحَط) لَان الْحَط إِبْرَاء وَهُوَ مُعَلّق بِصَرِيح الشَّرْط فَلَا يَصح كَمَا تقدم جلبي.
والاولى أَن يَقُول: لانه وعد مُعَلّق بِالشّرطِ لَا يجب الْوَفَاء بِهِ شرعا.

قَوْله: (الدّين الْمُشْتَرك بِسَبَب مُتحد) شَامِل لما إِذا اشْتَركَا فِي الْمَبِيع بِأَن كَانَ عينا وَاحِدَة أَو لم يشتركا بِأَن كَانَا عينين لكل عين بيعتا صَفْقَة وَاحِدَة بِلَا تَفْصِيل ثمن اهـ.
شرنبلالية.

قَوْله: (كَثمن مَبِيع بيع صَفْقَةً وَاحِدَةً) بِأَنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنٌ عَلَى حِدَةٍ أَوْ كَانَ لَهُمَا عَيْنٌ وَاحِدَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا وَبَاعَا الْكُلَّ صَفْقَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ ثَمَنِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
زَيْلَعِيٌّ.
وَاحْتَرَزَ بِالصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ الصَّفْقَتَيْنِ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ رَجُلٍ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَكَتَبَا عَلَيْهِ صَكًّا وَاحِدًا بِأَلْفٍ وَقَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ لَهُمَا فِي الدَّيْنِ، لِأَنَّ كُلَّ دَيْنٍ وَجَبَ بِسَبَبٍ عَلَى حِدَةٍ.
عَزْمِيَّةٌ.
وَإِنَّمَا تتحد الصَّفْقَة إِذا اتَّحد اللَّفْظ وَقدر الثّمن وَوَصفه، كَأَن قَالَا بعناك هَذَا العَبْد بِأَلف لكل خَمْسمِائَة فَقبل كَانَ صَفْقَة وَاحِدَة، أما لَو بَاعَ أَحدهمَا بِخَمْسِمِائَة ثمَّ الآخر بِخَمْسِمِائَة أَو باعاه بِأَلف على أَن لاحدهما خَمْسمِائَة بيضًا وَللْآخر سُودًا أَو لاحدهما سِتّمائَة وَللْآخر أَرْبَعمِائَة فَذَلِك كُله صفقتان، فَلَا يُشَارك أَحدهمَا الآخر فِيمَا قبض كَمَا يفهم ذَلِك من الْمنح.
وَقيد بِالدّينِ الْمُشْتَرك لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ عَيْنٍ مُشْتَرَكَةٍ يَخْتَصُّ الْمُصَالِحُ، بِبَدَلِ الصُّلْحِ وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكهُ فِيهِ لكَونه مُعَاوضَة من وَجْهٍ لِأَنَّ الْمُصَالَحَ عَنْهُ مَالٌ حَقِيقَةً، بِخِلَافِ الدَّيْنِ.
زَيْلَعِيٌّ.
فَلْيُحْفَظْ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ.

(8/387)


وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلَانِ ادَّعَيَا أَرْضًا أَوْ دَارًا فِي يَد رجل وَقَالَا هِيَ لَنَا وَرِثْنَاهَا مِنْ أَبِينَا فَجَحَدَ
الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ فَصَالَحَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ حِصَّتِهِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَرَادَ الِابْنُ الْآخَرُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمِائَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ، لِأَنَّ الصُّلْحَ مُعَاوَضَةٌ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي فِدَاءُ يَمِينٍ فِي زَعْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَهُوَ مُعَاوضَة من وَجه اسْتِيفَاء من وَجْهٍ فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّرِيكِ حَقُّ الشَّرِكَةِ بِالشَّكِّ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكهُ فِي الْمِائَة.
اهـ.
سُئِلَ الْعَلامَة الشلبي عَن دَار مُشْتَركَة بَين ثَلَاثَة أوقاف كل وقف لَهُ حِصَّة مَعْلُومَة ومستحقون مختصون بِهِ فَإِذا قبض بعض النظار شَيْئا من الاجرة هَل لباقي النظار أَن يُشَارِكهُ فِي الْمَقْبُوض أم لَا؟ فَأجَاب بِأَن لباقي النظار الشّركَة فِيمَا قَبضه أحدهم حَيْثُ صدرت الاجارة مِنْهُم صَفْقَة وَاحِدَة قِيَاسا على ثمن الْمَبِيع صَفْقَة وَاحِدَة اهـ.
وَتعقبه الْعَلامَة الْحَمَوِيّ بِأَن جَوَابه إِنَّمَا يَصح إِذا كَانَ مَا أجره كل من النظار معينا غير مشَاع.
وَأَقُول: هَذَا إِنَّمَا يرد أَن لَو صدرت الاجارة فِي بعض الدَّار لما يلْزم عَلَيْهِ حِينَئِذٍ من إِجَارَة الْمشَاع لغير الشَّرِيك، وَلَا شيوع هُنَا لصدور الاجارة فِي كل الدَّار، فَتنبه.

قَوْله: (أَو دين مَوْرُوثٌ) أَوْ كَانَ مُوصًى بِهِ لَهُمَا أَوْ كَانَ بدل قرضهما أَبُو السُّعُود.

قَوْله: (إِذا قبض) أطلقهُ فَشَمَلَ قبضا على طَرِيق الِاقْتِضَاء أَو الصُّلْح.

قَوْله: (شَاركهُ الآخر فِيهِ) هَذَا أصل كلي يتَفَرَّع عَلَيْهِ فروع: يَعْنِي إِذا كَانَ لِرجلَيْنِ دين على آخر فَقبض أَحدهمَا شَيْئا مِنْهُ ملكه مشَاعا كَأَصْلِهِ فلصاحبه أَن يُشَارِكهُ فِي الْمَقْبُوض، لانه وَإِن ازْدَادَ بِالْقَبْضِ إِذْ مَالِيَّة الدّين بِاعْتِبَار عَاقِبَة الْقَبْض، لَكِن هَذِه الزِّيَادَة رَاجِعَة إِلَى أصل الْحق فَيصير كزيادة الثَّمَرَة وَالْولد فَلهُ حق الْمُشَاركَة وَلكنه قبل الْمُشَاركَة بَاقٍ على ملك الْقَابِض لَان الْعين غير الدّين حَقِيقَة وَقد قَبضه بَدَلا عَن حَقه فَيملكهُ حَتَّى ينفذ تصرفه فِيهِ فَيضمن لشَرِيكه حِصَّته.
دُرَر وَلَيْسَ بَين قَوْله ملكه مشَاعا كَأَصْلِهِ.
وَقَوله: وَلكنه قبل الْمُشَاركَة بَاقٍ على ملك الْقَابِض مُخَالفَة، لَان الْمَقْبُوض عين الدّين من وَجه وَغَيره من وَجه كَمَا صرح بِهِ فِي عَامَّة الْكتب، وَالِاعْتِبَار الاول يَقْتَضِي كَون الْمَقْبُوض مُشْتَركا وَالِاعْتِبَار الثَّانِي يُوجب الِاخْتِصَاص بالقابض، فعملنا بِالْوَجْهَيْنِ وَقُلْنَا على الْوَجْه الاول: إِنَّه يكون للْآخر ولَايَة الْمُشَاركَة، وعَلى الْوَجْه الثَّانِي: إِنَّه يدْخل فِي ملك الْقَابِض وَينفذ تصرفه، وَمن هَذَا يظْهر الْحسن.
قَوْله: فَلهُ حق الْمُشَاركَة: أَي فِي الْمَقْبُوض، أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه لَيْسَ لَهُ حَقِيقَة الْمُشَاركَة وَإِلَّا
لما نفذ تصرف الْقَابِض فِيهِ قبل الْمُشَاركَة، والمشبه لَا يلْزم أَن يكون فِي حكم الْمُشبه بِهِ من كل وَجه، فَلَا يلْزم من تحقق حَقِيقَة الْمُشَاركَة فِي الثَّمَرَة وَالْولد تحقق حَقِيقَتهَا فِي الْمَقْبُوض من الدّين كَمَا لَا يخفى.

قَوْله: (أَو اتبع الْغَرِيم) فَلَو اخْتَار ثُمَّ تَوَى نَصِيبَهُ بِأَنْ مَاتَ الْغَرِيمُ مُفْلِسًا رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ وَلَوْ من غَيره.
بَحر: أَي من غير مَا قبض أَن حَقه فِيهِ سقط بِالتَّسْلِيمِ فَيرجع بِمثلِهِ وَيكون مَا قَبضه أخيرا صرفا عَمَّا فِي الذِّمَّة.
وَعبارَة الزَّيْلَعِيّ: رَجَعَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحِوَالَة، لَكِن لَيْسَ لَهُ أَن يرجع فِي عين تِلْكَ الدَّرَاهِم المقبوضة لَان حَقه فِيهَا قد سقط بِالتَّسْلِيمِ فَلَا يعود حَقه فِيهَا بالتوي وَيعود إِلَى ذمَّته فِي مثلهَا اهـ.
وَعَلِيهِ فَكَانَ يَنْبَغِي إِسْقَاط لفظ وَلَو وَيَقُول هَكَذَا: وَرجع على الْقَابِض بِنصْف مَا قبض من غَيره، وَذَلِكَ لَان حَقه فِيهَا قد سقط بِالتَّسْلِيمِ فَلَا يعود حَقه فِيهَا بالتوي وَيعود إِلَى ذمَّته فِي مثلهَا.
تَأمل.

قَوْله: (وَحِينَئِذٍ فَلَو صَالح) فِي

(8/388)


التَّفْرِيع نظر، لَان الاصل أَن يقبض من الدّين شَيْئا، وَهَذَا صلح من نصِيبه لَا قبض.
تَأمل.

قَوْله: (أَي على خلاف جنس الدّين) احْتِرَاز عَمَّا إِذا كَانَ على جنسه كَمَا تقدم فَإِنَّهُ يُشَارِكُهُ فِيهِ أَوْ يَرْجِعُ عَلَى الْمَدِينِ، وَلَيْسَ لِلْقَابِضِ فِيهِ خِيَارٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ بَعْضِ الدّين.

قَوْله: (أَخذ الشَّرِيك الآخر نِصْفَهُ) أَيْ نِصْفَ الدَّيْنِ مِنْ غَرِيمِهِ أَوْ أَخذ نصف الثَّوْب، لَان الصُّلْح وَقع عَن نصف الدّين وَهُوَ مشَاع، وَقِسْمَة الدّين حَال كَونه فِي الذِّمَّة لَا تصح، وَحقّ الشَّرِيك مُتَعَلق بِكُل جُزْء من الدّين فَيتَوَقَّف على إِجَازَته وَأَخذه النّصْف دَال على إجَازَة العقد فَيصح ذَلِك.

قَوْله: (إِلَّا إِن ضمن) أَي الشَّرِيك الْمصَالح.

قَوْله: (ربع الدّين) يَعْنِي إِلَّا أَن يغرم لَهُ حِصَّته من أصل الدّين الْوَاصِل بِوَاسِطَة الصُّلْح.
وَأفَاد أَنَّ الْمُصَالِحَ مُخَيَّرٌ إذَا اخْتَارَ شَرِيكُهُ إتْبَاعَهُ، فَإِنْ شَاءَ دَفَعَ لَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ لَهُ رُبْعَ الدَّيْنِ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الصُّلْحِ عَنْ إقْرَارٍ أَو غَيره وَبعد ضَمَان الْمصَالح الرّبع لَا يكون للْآخر سَبِيل على الثَّوْب.
وَحَاصِله: أَن الشَّرِيك الآخر مُخَيّر بَين الِاتِّبَاع للمديون وَالشَّرِيك الْمصَالح، وَأَن الْمصَالح مُخَيّر فِي دفع نصف الثَّوْب الْمَقْبُوض وَربع الدّين، وَلم يلْزم عَلَيْهِ دفع الرّبع لاحْتِمَال تضرر الْمصَالح، لَان الصُّلْح
على الْحَط غَالِبا فَيكون مَا اسْتَوْفَاهُ أنقص، بل يحْتَمل أَن لَا يبْقى لَهُ شئ من مقبوضه، وَأَشَارَ بِكَوْن الْبَدَل ثوبا إِلَى أَن هَذَا فِيمَا كَانَ بدل الصُّلْح خلاف جنس الدّين.
أما إِذا وَقع على جنسه لَيْسَ للْمصَالح خِيَار فِيهِ بل لشَرِيكه الْمُشَاركَة فِي الْمَقْبُوض أَو يرجع على الْمَدْيُون لانه بِمَنْزِلَة قبض بعض الدّين كَمَا فِي الْمَبْسُوط.
وَأطلق الصُّلْح فَشَمَلَ مَا يكون عَن إِقْرَار أَو سكُوت أَو إِنْكَار.
ثمَّ الْحِيلَة فِي أَن لَا يرجع عَلَيْهِ شَرِيكه أَن يهب لَهُ الْغَرِيم مِقْدَار حَظه من الدّين ويقبضه ثمَّ يُبرئهُ عَن حَظه أَو يَبِيعهُ شَيْئا يَسِيرا وَلَو كفا من زبيب بِقدر حِصَّته من الدّين ثمَّ يُبرئهُ عَن الدّين وَيَأْخُذ ثمن الْمَبِيع كَمَا فِي الذَّخِيرَة والتتمة.

قَوْله: (فَلَا حق لَهُ فِي الثَّوْب) لَان حَقه فِي الدّين وَقد ضمنه لَهُ، وَقد علم أَن الْخِيَار للْمصَالح.
وَالْحَاصِل: أَن فِي تَخْيِير الشَّرِيك قيدين: أَن يكون الْمصَالح عَنهُ دينا والمصالح عَلَيْهِ ثوبا.
فَإِن كَانَ الْمصَالح عَنهُ عينا مُشْتَركَة لَيْسَ لشَرِيكه أَن يُشَارِكهُ فِيهِ، وَلَو كَانَ الْمصَالح عَلَيْهِ من جنس الدّين شَاركهُ الشَّرِيك أَو يرجع على الْمَدِين.
وَالْفرق بَين الصُّلْح على الْجِنْس وَغَيره أَنه إِذا صَالحه على الْجِنْس يُشَارِكهُ الشَّرِيك فِيهِ أَو يرجع على الْغَرِيم، وَفِي الصُّلْح على خلاف الْجِنْس كَذَلِك، إِلَّا أَن يضمن لَهُ ربع الدّين لَان حَقه فِي الدّين لَا فِي الثَّوْب.

قَوْله: (ضمنه شَرِيكه الرّبع) يَعْنِي إِن شَاءَ لانه صَار قَابِضا حَقه بالمقاصة وَلَا ضَرُورَة عَلَيْهِ، لَان مبْنى البيع على المماكسة، بِخِلَاف الصُّلْح لَان مبناه على الاغماض والحطيطة، فَلَو ألزمناه دفع ربع الدّين لتضرر.
لَا يُقَال: قسْمَة الدّين قبل الْقَبْض لَا تتَصَوَّر فَكيف تتَصَوَّر الْمُقَاصَّة فِيهِ.
لانا نقُول: قسْمَة الدّين قبل الْقَبْض تجوز ضمنا، وَإِنَّمَا لَا تجوز قصدا وَهنا وَقعت الْقِسْمَة فِي ضمن صِحَة الشِّرَاء وَصِحَّة

(8/389)


الْمُصَالحَة وللشريك أَن لَا يتبع الْقَابِض فِي الْجَمِيع وَيرجع على الْمَدِين، لَان الْقَابِض قبض حَقه إِلَّا أَن لَهُ حق الْمُشَاركَة، وَلَو كَانَ للمطلوب عَلَى أَحَدِهِمَا دَيْنٌ قَبْلَ وُجُوبِ دَيْنِهِمَا عَلَيْهِ حَتَّى صَار دينه قصاصا بِهِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لانه أحد الدينَيْنِ قَضَاء لاولهما لَا اقْتِضَاء، وَالضَّمان إِنَّمَا يجب بالاقتضاء، وَكَذَا
الْمُشَاركَة لَا تجب بِالْقضَاءِ وَإِنَّمَا تجب بالاقتضاء، وَلَو أَبرَأَهُ أَحدهمَا عَن نصِيبه لَا يضمن، وَلَو غصب أَحدهمَا من الْمَدِين عينا أَو اشْترى مِنْهُ شِرَاء فَاسِدا فَهَلَك عِنْده فَهُوَ قبض والاستئجار بِنَصِيبِهِ قبض لَا التَّزَوُّج بِهِ لعدم إِمْكَان الْمُشَاركَة فِيهِ كالجناية على نفس الْمَدِين وكالابراء، بِخِلَاف التَّزَوُّج على دَرَاهِم مُطلقَة فَإِنَّهُ قبض بالاجماع لوُقُوع التَّقَاصّ زَيْلَعِيّ.

قَوْله: (أَوْ أَتْبَعَ غَرِيمَهُ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ) أَي فِي مَسْأَلَة الصُّلْح وَالْبيع أَو الْقَبْض.

قَوْله: (لبَقَاء حَقه فِي ذمَّته) ولان الْقَابِض استوفى نصِيبه حَقِيقَة لَكِن لَهُ حق الْمُشَاركَة فَلهُ أَن يُشَارك.

قَوْله: (لَا يرجع) أَي الشَّرِيك بِنصْف المبرئ على الَّذِي أَبْرَأ.

قَوْله: (لانه إِتْلَاف لَا قبض) وَالرُّجُوع يكون فِي الْمَقْبُوض لَا فِي الْمُتْلف ف، وَلم يَزْدَدْ نصيب المُشْتَرِي بِالْبَرَاءَةِ فَلم يرجع عَلَيْهِ.

قَوْله: (قبل وجوب دينهما عَلَيْهِ) أَمَّا لَوْ كَانَ حَادِثًا حَتَّى الْتَقَيَا قِصَاصًا فَهُوَ كَالْقَبْضِ ويشاركه فِيهِ كَمَا فِي الْبَحْر.

قَوْله: (عَلَيْهِ) أَي الْمَدْيُون.

قَوْله: (لانه قَاض لَا قَابض) أَي والمشاركة إِنَّمَا تثبت فِي الْمَقْبُوض لَا فِي الْقَضَاء.

قَوْله: (وَلَو أَبْرَأ الشَّرِيك الْمَدْيُون) بِالنّصب مفعول أَبْرَأ، والاولى أَن يَقُول أحد الشَّرِيكَيْنِ.

قَوْله: (قسم الْبَاقِي على سهامه) أَي على سِهَام الْبَاقِي، لانه لَعَلَّ المُرَاد بِالسِّهَامِ السِّهَام الْبَاقِيَة لَا أَصْلهَا، يظْهر ذَلِك فِيمَا لَو كَانَ لَهُ الثُّلُثَانِ فَأَبْرَأهُ عَن الثُّلُث يقسم مَا يُؤْخَذ نِصْفَيْنِ لَان الْحق عَاد إِلَى هَذَا الْقدر، وَلَو اعْتبرنَا الاصل قسم أَثلَاثًا، وَقد صرح ابْن الْكَمَال بالاول.

قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ الْمُقَاصَّةُ) بِأَنْ كَانَ لِلْمَدْيُونِ عَلَى الشَّرِيكِ خَمْسَةٌ مَثَلًا قَبْلَ هَذَا الدَّيْنِ فَإِنَّ الْقِسْمَة على مَا بَقِي بعد المقاصصة.

قَوْله: (صَحَّ عِنْد الثَّانِي) اعْتِبَارا بالابراء الْمُطلق خلافًا للطرفين لانه يُؤَدِّي إِلَى قسْمَة الدّين قبل الْقَبْض كَمَا فِي الْهِدَايَة.
وَفِي النِّهَايَة: مَا ذكره من صفة الِاخْتِلَاف مُخَالف لما ذكر فِي عَامَّة الْكتب حَيْثُ ذكر قَول مُحَمَّد مَعَ قَول أبي يُوسُف، وَذَلِكَ سهل لجَوَاز أَن يكون المُصَنّف قد اطلع على رِوَايَة لمُحَمد مَعَ الامام.
قَالَ فِي الْبُرْهَان: تَأْجِيل نصِيبه مَوْقُوف على رضَا شَرِيكه عِنْد أبي حنيفَة، وَبِه نَأْخُذ، وَعِنْدَهُمَا لَا، وَفِي عَامَّة الْكتب مُحَمَّد مَعَ أبي يُوسُف، وَذكره فِي الْهِدَايَة مَعَ أبي حنيفَة فَكَانَ عَنهُ رِوَايَتَانِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة.
وَفِي الْبَحْر: وَإِن أَجله أَحدهمَا فَإِن لم يكن وَاجِبا بِعقد كل مِنْهُمَا بِأَن ورثا دينا مُؤَجّلا فالتأجيل
بَاطِل، وَإِن كَانَ وَاجِبا بإدانة أَحدهمَا: فَإِن كَانَا شَرِيكَيْنِ شركَة عنان، فَإِن أخر الَّذِي ولى الادانة صَحَّ تَأْجِيله فِي جَمِيع الدّين، وَإِن أخر الَّذِي لم يُبَاشِرهَا لم يَصح فِي حِصَّته أَيْضا، وَإِن كَانَا متفاوضين وَأجل

(8/390)


أَحدهمَا أَيهمَا أجل صَحَّ تَأْجِيله اهـ.
وَلم يظْهر وَجه لذكر قَول الثَّانِي، وَترك قَول الامام مَعَ عدم تَصْحِيحه.

قَوْله: (وَالْغَصْب) أَي إِذا غصب أَحدهمَا مِنْهُ عينا وَهَلَكت عِنْده فَإِنَّهُ ينزل قَابِضا نصِيبه فيشاركه فِيهِ الآخر سَوَاء كَانَ من جنس الدّين أَو من غير جنسه وَهلك فِي يَد الْغَاصِب وَقضى عَلَيْهِ بِقِيمَتِه من جنس الدّين، فَلَو كَانَ من غير جنس الدّين وَكَانَ حوجودا رد عينه كَمَا فِي الرحمتي: أَي لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَان.

قَوْله: (والاستئجار) أَي بِأُجْرَة من جنس الدّين لانها بيع الْمَنَافِع، فَصَارَ بِمَنْزِلَة مَا إِذا اشْترى بِنَصِيبِهِ شَيْئا فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِ بِربع الدّين فَكَذَا هَذَا وَكَذَا خدمَة العَبْد وزراعة الارض.
وَصورتهَا بِأَن اسْتَأْجر أَحدهمَا من الْمَدْيُون دَارا بِحِصَّتِهِ سنة وسكنها، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِأَجْرٍ مُطْلَقٍ.
وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ اسْتَأْجَرَ بِحِصَّتِهِ لَمْ يُشَارِكهُ الآخر وَجعله كَالنِّكَاحِ، هَذَا إِذا أضَاف العقد إِلَى الدّين لانه اتلاف كَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ.

قَوْلُهُ: (لَا التَّزَوُّجُ) أَيْ تَزَوُّجُ الْمَدْيُونَةِ عَلَى نصِيبه فَإِنَّهُ لَا يكون قبضا، لانه لَيْسَ بدل مَال فَكَانَ فِيهِ معنى الاتلاف من وَجه فَأشبه الابراء، بِخِلَاف مَا إِذا تزَوجهَا على دَرَاهِم مُطلقَة أَي حَتَّى الْتَقت قصاصا بِنَصِيبِهِ فَإِنَّهُ يكون كَالْقَبْضِ كَمَا فِي الاتقاني.
وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: والتزوج بِنَصِيبِهِ إِتْلَاف فِي ظَاهر الرِّوَايَة حَتَّى لَا يرجع عَلَيْهِ صَاحبه بشئ.
وَعَن أبي يُوسُف أَنه يرجع بِنَصِيبِهِ مِنْهُ لوُقُوع الْقَبْض بطرِيق الْمُقَاصَّة، وَالصَّحِيح الاول انْتهى.

قَوْله: (وَالصُّلْح عَن جِنَايَةِ عَمْدٍ) أَيْ لَوْ جَنَى أَحَدُهُمَا عَلَيْهِ جِنَايَةَ عَمْدٍ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ أَرْشِهَا مِثْلُ دَيْنِ الْجَانِي فَصَالَحَهُ عَلَى نَصِيبِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهَا قصاص لانه لم يملك بمقابلته شَيْئا قَابلا للشَّرِكَة كَمَا فِي الْبُرْهَان وَغَيره، قيد بالعمد لَان الْخَطَأ يسْلك فِيهِ مَسْلَك الاموال فَكَأَنَّهُ قَابض أَفَادَهُ فِي النِّهَايَة وَغَيرهَا.
وَفِي الايضاح: لَا يلْزمه لشَرِيكه شئ لانه كَالنِّكَاحِ.
وَفِي الْعِنَايَة بعد نَقله مَا تقدم: وَرَأى أَنه قيد بذلك لَان الارش قد يلْزم الْعَاقِلَة فَلم يكن مقتضيا، وَتَمَامه فِي تَكْمِلَة قَاضِي زَاده.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَقَوله لَا التَّزَوُّج وَالصُّلْح عَن جِنَايَة عمد: أَي بِأَن كَانَ لَهما دين على امْرَأَة فزوجته عَلَيْهِ نَفسهَا أَو على مولى الامة فَزَوجهَا الْمولى مِنْهُ عَلَيْهِ أَو على الْمكَاتب أَو على الامة الْمَأْذُون لَهَا فَتَزَوجهَا عَلَيْهِ بِإِذن الْمولى لَيْسَ بِقَبض فِي ظَاهر الرِّوَايَة حَتَّى لَا يرجع عَلَيْهِ شَرِيكه، لانه لم يسلم لَهُ شئ يُمكنهُ الْمُشَاركَة فِيهِ فَصَارَ كالجناية على نفس الْمَدِين.
وَعَن أبي يُوسُف: أَنه يرجع عَلَيْهِ لوُجُود الْقَبْض بطرِيق الْمُقَاصَّة على مَا بَينا.
وَالصَّحِيح الاول لانه إِتْلَاف، ولان النِّكَاح يتَعَلَّق بِعَين الدّين عِنْد الاضافة إِلَيْهِ فَيملكهُ بِعَيْنِه ثمَّ يسْقط عَن ذمَّتهَا كَالْهِبَةِ، بِخِلَاف مَا إِذا لم يضف العقد إِلَيْهِ بِأَن سمى دَرَاهِم مُطلقَة فَوَقع التَّقَابُض بِنَصِيبِهِ حَيْثُ يرجع إِلَيْهِ شَرِيكه بالاجماع لانها لم تملكه وَإِنَّمَا ملكت غَيره فَالْتَقَيَا قصاصا، وَالصُّلْح عَلَيْهِ عَن جِنَايَة الْعمد لَيْسَ بِقَبض لانه لم يملك شَيْئا قَابلا للشَّرِكَة بمقابلته اهـ.

قَوْله: (أَن يَهبهُ الْغَرِيم) أَي الْمَدْيُون فَيكون الْمَقْبُوض هبة لَا دينه.

قَوْله: (ثمَّ يُبرئهُ) الضَّمِير فِي يُبرئهُ لَاحَدَّ الدائنين فَفِيهِ تشتيت: أَي يُبرئ الشَّرِيك الْغَرِيم، فَإِن بإبرائه الْمَدْيُون لَا يرجع عَلَيْهِ بشئ كَمَا مر.

قَوْله: (أَو يَبِيعهُ) أَي الطَّالِب وَهُوَ مَعْطُوف على يَهبهُ: أَي يَبِيع الشَّرِيك للمديون كفا الخ بِقدر دينه فَلم يكن مقتضيا الدّين بل آخِذا ثمن البيع وقابضا للهبة فِي الصُّورَة الاولى ثمَّ يُبرئهُ من دينه وَلَا

(8/391)


رُجُوع للشَّرِيك عَلَيْهِ بالابراء.

قَوْله: (بِهِ) أَي بِقدر نصِيبه من الدّين بِأَن يَجْعَل ثمن التَّمْر بِقدر نصِيبه فَيكون الْمَقْبُوض ثمن الْمَبِيع لَا نصِيبه من الدّين.

قَوْله: (ثمَّ يُبرئهُ) أَي أحد الدائنين وَهُوَ من بَاعَ التَّمْر.

قَوْله: (صَالح أحد رَبِّي السّلم) إِطْلَاق الصُّلْح هُنَا مجَاز عَن الْفَسْخ كَمَا حَرَّره صَاحب غَايَة الْبَيَان، لانه فسخ فِي الْحَقِيقَة.
قَالُوا: أطلق عَلَيْهِ الصُّلْح بِمَا فِيهِ من الحطيطة الَّتِي هِيَ من خَواص الصُّلْح كَمَا فِي تَكْمِلَة الْمولى زَكَرِيَّا.
أَقُول: الحطيطة هِيَ الَّتِي لَزِمت على الْمُسلم إِلَيْهِ من الْمُسلم فِيهِ حَيْثُ سَقَطت بِهَذِهِ الْمُصَالحَة تدبر كَمَا لَا يخفى.

قَوْلُهُ: (عَنْ نَصِيبِهِ) أَيْ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ.

قَوْله: (على مَا دفع من رَأس المَال) على صِحَّته مِنْهُ، قيد بِهِ لانه لَو كَانَ على غَيره لَا يجوز بالاجماع لما فِيهِ من الِاسْتِبْدَال بِالْمُسلمِ فِيهِ قبل قَبضه.
زَيْلَعِيّ.

قَوْله: (نفذ عَلَيْهِمَا) فَيكون الْمَقْبُوض بَيْنَهُمَا، وَكَذَا مَا بَقِيَ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ دُرَر الْبحار: أَي
فَيكون نصف رَأس المَال فيهمَا وَبَاقِي الطَّعَام بَينهمَا سَوَاء كَانَ رَأس المَال مخلوطا أَو لَا.
بَحر
قَوْله: (وَإِن رده رد) وَبَقِي الْمُسلم فِيهِ على حَاله.
بَحر.

قَوْله: (لَان فِيهِ قسْمَة الدّين) وَهُوَ الْمُسلم فِيهِ وَهَذَا مَذْهَبهمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يجوز اعْتِبَارا بِسَائِر الدُّيُون.
وَلَهُمَا أَنه لَو جَازَ: فإمَّا أَن يجوز فِي نصِيبه خَاصَّة أَو فِي النّصْف من النَّصِيبَيْنِ، فعلى الاول لزم قسْمَة الدّين قبل الْقَبْض لَان خُصُوصِيَّة نصِيبه لَا تظهر إِلَّا بالتمييز وَلَا تَمْيِيز إِلَّا بِالْقِسْمَةِ وَهِي بَاطِلَة، وَإِن كَانَ الثَّانِي فَلَا بُد من إجَازَة الآخر لانه فسخ على شَرِيكه عقده فيفتقر إِلَى رِضَاهُ.
دُرَر.

قَوْله: (مُفَاوَضَة) نصب على التَّمْيِيز.

قَوْله: (جَازَ مُطلقًا) الَّذِي فِي الْبَحْر جَازَ وَلَو فِي الْجَمِيع: أَي جَمِيع الْمُسلم فِيهِ: يَعْنِي أَن الْجَوَاز لَا يخص نصِيبه بل إِذا فسخ فِي الْجَمِيع جَازَ.
قَالَ: وَأما إِذا كَانَت عندنَا توقف أَيْضا إِن لم يكن من تجارتهما.
فِي الْكَافِي: لَو أسلم فِي كرّ بر ثمَّ اصطلحا على أَن يزِيد الْمُسلم إِلَيْهِ نصف كرّ لم يَصح إِجْمَاعًا، لانها لَو صحت لخرج بعض رَأس المَال من ذَلِك السّلم فَيجْعَل بِإِزَاءِ الزِّيَادَة فَيصير دينا على الْمُسلم إِلَيْهِ فَكَأَنَّهُ أسلم دينا، وَإِذا لم يجز فَعَلَيهِ يرد ثلث رَأس المَال إِلَى رب السّلم وَعَلِيهِ كرّ تَامّ عِنْد الامام.
وَقَالا: لَا يرد، لَان الاخراج للزِّيَادَة وَبَطلَت فَيبْطل، قُلْنَا: قصدا شَيْئَيْنِ الاخراج والادخال فصح الاول لَا الثَّانِي.
اهـ.
وَالله تَعَالَى أعلم، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم.
فصل فِي التخارج قَالَ فِي الْمنح: هُوَ من الْخُرُوج، وَهُوَ أَي شرعا: أَن يصطلح الْوَرَثَة على إِخْرَاج بَعضهم من الْمِيرَاث بِمَال مَعْلُوم، وَوجه تَأْخِيره قلَّة وُقُوعه فَإِنَّهُ قَلما يُرْضِي أحد بِأَن يخرج من الْوَرَثَة بِغَيْر اسْتِيفَاء حَقه.
وَسَببه طلب الْخَارِج من الْوَرَثَة ذَلِك عِنْد رضَا غَيره بِهِ، وَله شُرُوط تذكر فِي أثْنَاء كَلَام.
اهـ.

قَوْله: (أخرجت الْوَرَثَة أحدهم) أَي أَو الْمُوصى لَهُ بمبلغ من التَّرِكَة.
سائحاني.
وَفِي آخر الاشباه عَن الْكتاب: لَو صولح الْمُوصى لَهُ بِالثُّلثِ على السُّدس صَحَّ.
اهـ.

(8/392)


أَقُول: لكنه مُشكل، لانه من قبيل الاسقاط فِي الاعيان وَهُوَ لَا يجوز، وَقد صَرَّحُوا بِأَن الْوَارِث لَا يسْقط حَقه من التَّرِكَة بالاسقاط وَهَذَا مثله.
وَأما المخارجة فَبيع، وَيَأْتِي تَمَامه.

قَوْله: (صَحَّ
فِي الْكل) أَي وَيقسم الْبَاقِي بَينهم على سِهَامهمْ الْخَارِجَة قبل التخارج إِلَّا أَن يَجْعَل هَذَا التخارج كَأَن لم يكن.
بَيَانه: امْرَأَة وَبنت وَأَخ شَقِيق أَصْلهَا ثَمَانِيَة وَاحِد للْمَرْأَة وَأَرْبَعَة للْبِنْت وَالْبَاقِي للاخ، فَإِذا أخرجت الْمَرْأَة قسم الْبَاقِي على سَبْعَة، وَلَو جعلت كَأَن لم تكن قسم نِصْفَيْنِ.
حموي عَن الشَّيْخ عماد الدّين.
وَاعْلَم أَنه إِذا أخرجُوا وَاحِدًا فحصته تقسم بَين الْبَقِيَّة عَلَى السَّوَاءِ إنْ كَانَ مَا أَعْطَوْهُ مِنْ مَالهم غير الْمِيرَاث، وَإِن كَانَ مِمَّا ورثوه فعلى قدر ميراثهم.
وَقَيده الْخصاف بِأَن يكون عَن إِنْكَار.
أما إِذا كَانَ عَن إِقْرَار فَهُوَ بَينهم على السوَاء مُطلقًا.
أَبُو السُّعُود.
وَيَأْتِي ذَلِك أَوَاخِر الْفَصْل.

قَوْله: (صرفا للْجِنْس بِخِلَاف جنسه) عِلّة.
ل
قَوْله: (أَو نقدين بهما) ، والاولى تَأْخِيره عَن
قَوْله: (قل مَا أَعْطوهُ أَو كثر) ، وَيُوجد فِي بعض النّسخ التَّعْبِير بِاللَّامِ عوضا عَن الْبَاء فِي بِخِلَاف الْجِنْس، وَهِي أولى من الْبَاء: أَي لَو صَالح عَن الذَّهَب وَالْفِضَّة بِذَهَب وَفِضة صَحَّ وَيصرف الذَّهَب لِلْفِضَّةِ وَهِي لَهُ، وَالْمرَاد بِالصرْفِ فِي كَلَامه الصّرْف المصطلح عَلَيْهِ فِي الْفِقْه وَهُوَ بيع الثّمن بِالثّمن، وَالْبَاء فِيهِ للمقابلة، وَلَو كَانَ المُرَاد بِالصرْفِ اللّغَوِيّ لاختص بِمَسْأَلَة وَاحِدَة، وَهِي مَا إِذا اشْتَمَلت التَّرِكَة على ذهب وَفِضة وَدفع الْبَدَل كَذَلِك ولعداه بإلى أَو اللَّام.
وَلقَوْله: بعد ذَلِك (لَكِن بِشَرْط التَّقَابُض فِيمَا هُوَ صرف) فَإِنَّهُ مُتَعَيّن للصرف الاصطلاحي.

قَوْله: (قل مَا أَعْطوهُ أَو كثر) لانه مُعَاوضَة لَا إِبْرَاء إِذْ الابراء عَن الاعيان بَاطِل كَذَا قيل.
وَأَقُول: مَا قيل إِن الابراء عَن الاعيان بَاطِل، قَيده فِي الْبَحْر بِمَا إِذا كَانَ على وَجه الانشاء، فَإِن كَانَ على وَجه الاخبار.
ك
قَوْله: (هُوَ برِئ مِمَّا لِي قِبَلَهُ فَهُوَ صَحِيحٌ مُتَنَاوِلٌ لِلدَّيْنِ وَالْعين فَلَا تسمع الدَّعْوَى) ، وَكَذَا إِذا قَالَ لَا ملك لي فِي هَذَا الْعَيْنِ.
ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ.
فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَسْتَحِقُّ قِبَلَهُ حَقًّا مُطْلَقًا وَلَا استحقاقا وَلَا دَعْوَى يمْنَع الدَّعْوَى بِحَق من الْحُقُوق قبل الاقرار عينا كَانَ أَو دينا، وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ أَوَائِل الاقرار، وَسَيَأْتِي آخر الْفَصْل مُسْتَوْفِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْله: (لَكِن بِشَرْط التَّقَابُض) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صُلْحِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ الْمُتَقَدِّمِ أَنْ تَكُونَ أَعْيَانُ التَّرِكَةِ
مَعْلُومَةً، لَكِنْ إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ بَقِيَّةُ التَّرِكَةِ إنْ كَانَ جَاحِدًا يَكْتَفِي بِذَلِكَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ قَبْضُ ضَمَانٍ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ، وَإِنْ كَانَ مقرا غير مَانع يشْتَرط تَجْدِيد الْقَبْض.
اهـ.
أَقُول: بَيَانه أَن التَّرِكَة فِي يَد أحد الْوَرَثَة أَمَانَة، فَإِذا أنكرها أَو منع صَار غَاصبا وَالْغَاصِب ضَامِن وَقبض الامانة لَا يَنُوب عَن قبض الضَّمَان فَيلْزم تَجْدِيد الْقَبْض فِيمَا لَو كَانَ مقرا غير مَانع، وَإِلَّا لَا، وَهَذَا فِي غير النَّقْدَيْنِ.
أما هما فِي صُورَة مَا إِذا صَالحا على جنسهما فَلَا بُد من حُضُور ذَلِك للمجلس

(8/393)


وتجديد الْقَبْض فِيهِ لانه صرف مَحْض كَمَا يَأْتِي.

قَوْله: (وَغَيرهمَا) وَكَذَا عَن النَّقْدَيْنِ فَقَط.

قَوْله: (بِأحد النَّقْدَيْنِ) قيد بِأحد النَّقْدَيْنِ احْتِرَازًا عَمَّا إِذا كَانَ بدل الصُّلْح مَجْمُوع النَّقْدَيْنِ فَإِنَّهُ يَصح كَيفَ كَانَ، لانا نصرف الْجِنْس إِلَى خلاف الْجِنْس تَصْحِيحا للْعقد كَمَا فِي الْمَبِيع بل أولى، لَان الْمَقْصُود من الصُّلْح قطع الْمُنَازعَة، وَلَكِن يشْتَرط فِيهِ التَّقَابُض قبل الِافْتِرَاق لانه صرف ط.

قَوْله: (إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا أُعْطِيَ لَهُ أَكْثَرَ من حِصَّته من ذَلِك الْجِنْس) فَلَو كَانَ مَا أَعْطوهُ أقل أَو مُسَاوِيا لنصيبه أَو لَا يعلم قدر نصِيبه من الدَّرَاهِم فسد الصُّلْح ط.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَو صالحوه عَن النَّقْدَيْنِ وَغَيرهمَا بِأحد النَّقْدَيْنِ لَا يَصح الصُّلْح مَا لم يعلم أَن مَا أَعْطوهُ أَكثر من نصِيبه من ذَلِك الْجِنْس إِن كَانُوا متصادقين، وَإِن أنكر وراثته جَازَ مُطلقًا بِشَرْط التَّقَابُض فِيمَا يُقَابل النَّقْد مِنْهُ، وَإِن لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الشَّكَّ إنْ كَانَ فِي وُجُودِ ذَلِكَ فِي التَّرِكَةِ جَازَ الصُّلْحُ، وَإِنْ عَلِمَ وُجُودَ ذَلِكَ فِي التَّرِكَةِ لَكِنْ لَا يَدْرِي أَنَّ بَدَلَ الصُّلْحِ مِنْ حِصَّتِهَا أَقَلُّ أَوْ أَكثر أَو مثله فسد.
كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان.
اهـ.
وَفِي الْمَقْدِسِي قَالَ الْحَاكِم: إِنَّمَا يبطل حَال التصادق، وَفِي التناكر يجوز لَا يكون حِينَئِذٍ بَدَلا فِي حق الْآخِذ وَلَا حق الدَّافِع.
فِي الْغَايَة: قَالَ شيخ الاسلام الصَّحِيح أَنه بَاطِل فِي الْوَجْهَيْنِ، لانه يكون مُعَاوضَة فِي حق الْمُدَّعِي فَيدْخل فِيهِ معنى الرِّبَا من الْوَجْه الَّذِي قُلْنَا، وَإِن زَاد صَحَّ فَيكون قدر حَظه بِهِ وَالْبَاقِي بِحقِّهِ فِي
بَاقِي التَّرِكَة.

قَوْله: (تَحَرُّزًا عَن الرِّبَا) قَالَ فِي الدُّرَر ليَكُون حِصَّته بِمثلِهِ وَالزِّيَادَة بِمُقَابلَة حَقه من بَقِيَّة التَّرِكَة صونا عَن الرِّبَا، فَلَا بُد من التَّقَابُض فِيمَا يُقَابل حِصَّته من الذَّهَب أَو الْفضة لانه صرف فِي هَذَا الْقدر.
اهـ.

قَوْله: (وَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ النَّقْدَيْنِ عِنْدَ الصُّلْحِ) لم يذكر هَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَلَا وَجه لاشتراطه، وَإِن أَرَادَ بِهِ حُضُور الْبَدَل إِذا كَانَ مِنْهُمَا فقد أَفَادَهُ بقوله سَابِقًا: لَكِن بِشَرْط التَّقَابُض فِيمَا هُوَ صرف ط.
إِلَّا أَن يُقَال: أَرَادَ بالحضور الْحكمِي بِأَن يحضرهما قبل الِافْتِرَاق لَان الشَّرْط التَّقَابُض فِي الْمجْلس، أَو يكون مَا يُرَاد أَن يعْطى للمدفوع لَهُ تَحت يَده لَا بطرِيق الامانة.

قَوْله: (قَوْله وَعلمه بِقدر نصِيبه) أَي ليعلم أَن مَا أَخذه أَزِيد من نصِيبه من ذَلِك الْجِنْس تَحَرُّزًا عَن الرِّبَا.
قَالَ أَبُو السُّعُود: وَإِنَّمَا اشْترط الْعلم بِقدر نصِيبه لاحْتِمَال الرِّبَا، لَان الْفساد على تَقْدِير كَونه مُسَاوِيا لَهُ أَو أقل فَكَانَ أرجح وَأولى بِالِاعْتِبَارِ، بِخِلَاف الصِّحَّة فَإِنَّهَا من جَانب وَاحِد، وَهُوَ مَا إِذا كَانَ الْمَأْخُوذ أَكثر من وَاعْلَم أَن صِحَة الصُّلْح نصِيبه فَكَانَت الْعبْرَة لجَانب الْفساد لكَونه من وَجْهَيْن انْتهى على الْوَجْه الْمَذْكُور ثبتَتْ بالاثر، وَهُوَ أَن تماضر امْرَأَة عبد الرَّحْمَن بن عَوْف صالحها ورثته عَن ربع ثمنهَا على ثَمَانِينَ ألف دِينَار، وَقيل على ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ ألفا بِمحضر من

(8/394)


الصَّحَابَة.
وروى أَن ذَلِك كَانَ نصف حَقّهَا: زَيْلَعِيّ.
وتماضر بنت أصبغ بن عَمْرو الْكَلْبِيّ الَّتِي طَلقهَا عبد الرَّحْمَن فِي مرض مَوته ثَلَاثًا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ وَكَانَت مَعَ ثَلَاث نسْوَة أخر فصالحوها عَن ربع ثمنهَا على ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ ألفا، فِي رِوَايَة هِيَ دَرَاهِم، وَفِي رِوَايَة هِيَ دَنَانِير.
ابْن كَمَال باشا.
وتماضر بِضَم الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة، قدم بهَا الْمَدِينَة فَولدت أَبَا سَلمَة فِي سريته إِلَى دومة الجندل فِي شعْبَان سنة سِتّ كَمَا فِي الْوَاهِب - قَالَ: وَالضَّمِير فِي سريته لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
ودومة بِضَم الدَّال وَفتحهَا: مَدِينَة بَينهَا وَبَين دمشق نَحْو عشر مراحل، وَبعدهَا من الْمَدِينَة نَحْو ثَلَاث عشرَة مرحلة، سميت بدوما بن إِسْمَاعِيل، لانه كَانَ نزلها عَلَيْهِ السَّلَام.
أصبح هَذَا من المخضرمين وَأدْركَ الْجَاهِلِيَّة والاسلام وَلم يجْتَمع بِهِ عَلَيْهِ السَّلَام، أسلم على يَد سيدنَا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
وَقَوله روى أَن ذَلِك كَانَ نصف حَقّهَا فعلى كَون بدل الصُّلْح كَانَ ثَمَانِينَ ألفا وَأَنَّهَا نصف حَقّهَا يكون جَمِيع مَاله الْمَتْرُوك رَضِي الله عَنهُ خَمْسَة الآلف ألف ألف وَمِائَة وَعشْرين ألفا وَيكون ثمنه سِتّمائَة ألف وَأَرْبَعين ألفا وَربع الثّمن مائَة ألف وَسِتُّونَ ألفا وَنصف ربع الثّمن ثَمَانُون ألفا.

قَوْله: (وَلَو بِعرْض) يَعْنِي لَو كَانَ بدل الصُّلْح عرضا فِي الصُّور كلما جَازَ مُطْلَقًا وَإِنْ قَلَّ وَلَمْ يَقْبِضْ فِي الْمجْلس، وَظَاهره يعم مَا لَو كَانَ الْعرض من التَّرِكَة إِذْ حَقه لَيْسَ فِي جَمِيعه فَيكون مبادلا عَن نصِيبه فِي بَقِيَّة التَّرِكَة بِمَا زَاد عَن حَقه فِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ أَنْكَرُوا إرْثَهُ) أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا.
قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ: إنَّمَا يَبْطُلُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ فِي مَالِ الرِّبَا حَالَةَ التَّصَادُقِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ التَّنَاكُرِ بِأَنْ أَنْكَرُوا وِرَاثَتَهُ فَيَجُوزُ.
وَجْهُ ذَلِك إِن فِي حَال التكاذب مَا يَأْخُذهُ ليَكُون بَدَلًا فِي حَقِّ الْآخِذِ وَلَا فِي حَقِّ الدَّافِع.
هَكَذَا ذكره الْمَرْغِينَانِيُّ.
وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ صَرْفًا، وَلَوْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَرَضًا فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا جَازَ مُطْلَقًا وَإِنْ قَلَّ وَلَمْ يَقْبِضْ فِي الْمَجْلِسِ.
اهـ.
أَقُول: لَكِن فِي قَوْله لَا يكون بَدَلا لَا فِي حق الْآخِذ فِيهِ أَنه بدل فِي زَعمه، وَعَلِيهِ فَيَنْبَغِي أَن لَا يحل لَهُ الاخذ مَا لم يعلم مِقْدَار حَقه من ذَلِك الْجِنْس، لانه إِن لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ لَا يَصح، لَان فِيهِ شُبْهَة الرِّبَا وَهِي مُحرمَة، وَإِن شكّ فِي وجود ذَلِك الْجِنْس فِي التَّرِكَة صَحَّ، لانه حِينَئِذٍ يكون شُبْهَة الشُّبْهَة وَهِي لَا تحرم.

قَوْله: (بل لقطع الْمُنَازعَة) هَذَا فِي حق الْمُدعى عَلَيْهِ، أما فِي حق الْمُدَّعِي فَأخذ لبَعض حَقه وَإِسْقَاط للْبَاقِي لانهم بجحودهم حَقه صَارُوا غاصبين وَصَارَ المَال مَضْمُونا عَلَيْهِم فِي ذمتهم من قبيل الدّين، وَقد علم حكم الصُّلْح عَن الدّين بِجِنْسِهِ، بِخِلَاف مَا إِذا أقرُّوا بذلك فَإِن المَال حِينَئِذٍ عين وَإِن كَانَ من النَّقْدَيْنِ، وَلَا يَصح عَن الاسقاط فِي الاعيان فَلذَلِك تعين أَن يكون صرفا، لَكِن قد يُقَال فِيهِ: إِن المَال الْقَائِم إِذا صَار مَضْمُونا لَا ينْتَقل للذمة، وَعَلِيهِ فَلَا فرق بَين الصُّورَة الْمَذْكُورَة وَمَا بعْدهَا، فِي أَن بِكُل مِنْهَا إِسْقَاط الْعين وَهُوَ لَا يجوز، وَإِنَّمَا جوزوا الصُّورَة الاولى بِاعْتِبَار أَن مَا يَأْخُذهُ بَدَلا لَا فِي حَقِّ الْآخِذِ وَلَا فِي حَقِّ الدَّافِعِ.
تَأمل.

قَوْله: (وَبَطل الصُّلْح الخ) أَي فِي الْكل عِنْد الْكل على الاصح، وَقيل عِنْدهمَا يبْقى العقد صَحِيحا فِيمَا وَرَاء الدّين ط.
قَالَ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود: هَذَا لَيْسَ على إِطْلَاقه لما سبق عَن الزَّيْلَعِيّ من أَنه يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُمَا فِي غَيْرِ الدَّيْنِ إذَا
بيّنت حِصَّته، وَأَنه يشكل إِن كَانَ هُوَ قَول الْكل لَا خلاف لَهما، لَان قِيَاس مَذْهَبهمَا فِي الْجمع بَين

(8/395)


الْحر وَالْعَبْد وَالشَّاة الذكية وَالْميتَة حَيْثُ جوز العقد فِي العَبْد والذكية إِذا بَين ثمن كل مِنْهُمَا أَن يجوز الصُّلْح عِنْدهمَا فِي غير الدّين إِذا بيّنت حِصَّته اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى مَا إذَا لم يبين مَا يُقَابل كل وَاحِد مِنْهُمَا أَو يفرق عِنْدهمَا بَين البيع وَالصُّلْح، وَالظَّاهِر أَنه لم يرد نَص فِي الصُّلْح عَنْهُمَا، وَلِهَذَا ذكره الزَّيْلَعِيّ بِلَفْظ يَنْبَغِي قِيَاسا على البيع، وَكَذَا قَول الشَّارِح.
قيل هَذَا قَول أبي حنيفَة، وَقيل هُوَ قَول الْكل ظَاهر فِي عدم وُرُود نَص عَنْهُمَا، فَلهَذَا اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ انْتهى.

قَوْله: (وَفِي التَّرِكَة دُيُون) أَي على النَّاس لقَرِينَة مَا يَأْتِي، وَكَذَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمَيِّتِ.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَذَكَرَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ أَن التخارج لَا يَصح إِن كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ: أَيْ يَطْلُبُهُ رَبُّ الدَّيْنِ، لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ على جَمِيع الْوَرَثَة اهـ.

قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَخْرَجَ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ تَمْلِيكَ الدّين الخ) وَهُوَ هُنَا حِصَّة الْمصَالح.
قَالَ فِي الدُّرَر: لانه يصير مملكا حِصَّته من الدّين لسَائِر الْوَرَثَة بِمَا يَأْخُذ مِنْهُم من الْعين وتمليك الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بَاطِلٌ وَإِن كَانَ بعوض، وَإِذا بَطل فِي حِصَّة الدّين بَطل فِي الْكل.
اهـ.
فَقَوْل الدُّرَر لانه أَي الْمصَالح عَن الدّين وَالْعين يعم الْعرض وَالْعَقار والمكيل وَالْمَوْزُون الْحَاضِر وَغير من عَلَيْهِ الدّين هُنَا بَقِيَّة الْوَرَثَة، وَقَوله: بَطل فِي الْكل لَان العقد الْوَاحِد إِذا فسد فِي بعض الْمَعْقُود عَلَيْهِ فسد فِي الْكل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالدَّلِيل لَهُ فِي مَسْأَلَة الدَّعْوَى، وَعِنْدَهُمَا: يبْقى العقد صَحِيحا فِيمَا وَرَاء الدّين، وَقيل هُوَ قَول الْكل كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيره كَمَا قدمْنَاهُ عَنهُ قَرِيبا.
أَقُول: وَيَنْبَغِي أَن لَيْسَ اخْتِلَاف الْقَوْلَيْنِ بَين الْمَشَايِخ على إِطْلَاقه، بل اللَّائِق كَون الْبطلَان قَول الْكل إِذا لم يبين حِصَّة الدّين فِي الْبَدَل، وَأما إِذا بَين فَيصح الصُّلْح عِنْدهمَا فِيمَا وَرَاء الدّين بِحِصَّتِهِ، إِذْ لَا مُوجب للبطلان حِينَئِذٍ فِيهِ عِنْدهمَا.
تدبر.
وَأَشَارَ إِلَى ذَلِك ابْن ملك.

قَوْله: (من غير من عَلَيْهِ الدّين) وَهُوَ الْوَرَثَة هُنَا.

قَوْله: (بَاطِل) لما ذكر من أَنه يصير مملكا حِصَّته من الدّين إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ عَن الدُّرَر: أَي ثُمَّ يَتَعَدَّى الْبُطْلَانُ إلَى الْكُلِّ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ بَيَّنَ حِصَّةَ الدَّيْنِ أَوْ لَمْ يبين.
وَأَقُول: هَذَا إِذا لم يسلطهم وَلم يوكلهم فِي مِقْدَار نصِيبه من الدّين، وَأما إِذا سلطهم فَيَنْبَغِي أَن يَصح الصُّلْح كَذَا قيل.

قَوْله: (وَصَحَّ لَو شرطُوا إِبْرَاء الْغُرَمَاء) أَي إِبْرَاء الْمصَالح للْغُرَمَاء، وَالظّهْر أَن هَذِه الْحِيَل لِخُرُوجِهِ عَن كل التَّرِكَة، وَلذَا قَالَ فِي السراج والمنح: وَفِي الْوَجْهَيْنِ ضَرَر بَقِيَّة الْوَرَثَة فَلَا يَصح قَول الشَّارِح وأحالهم بِحِصَّتِهِ، لانها سَقَطت عَن الْغُرَمَاء كَمَا صرح بِهِ البزازي أَيْضا، وسنبينه قَرِيبا فِي المقولة الْآتِيَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَلم يذكر حِيلَة مَعَ أَنَّهَا أحسن مَعَ أَنَّهَا أحسن مِمَّا ذكر وَكنت أقتصر عَلَيْهَا.
ورأيتها فِي الْمَقْدِسِي: وَهِي أَن يَأْمُرهُم ليقبضوه لَهُ ثمَّ لَهُم، لَكِن لَهُ أَن يرجع، فَالْوَجْه الْآتِي أولى.
فرع: ادَّعَت امْرَأَة مِيرَاثهَا فصولحت على أقل من حظها أَو مهرهَا صَحَّ وَلَا يطيب لَهُم إِن علمُوا،

(8/396)


فَإِن برهنت بعد ذَلِك بَطل الصُّلْح اهـ.
وَسَيَأْتِي فِي الْمَتْن أَنه الاشهر أَو أَنه مَحْمُول على قَول الْمَتْن السَّابِق صولح على بعض مَا يَدعِيهِ الخ، وَإِلَّا فَهُوَ بعيد عَن الْقَوَاعِد إِلَّا أَن يحصل على الدّيانَة، لكنه بعيد أَيْضا لَا سِيمَا وَقد صُولِحَتْ إِحْدَى زَوْجَات سيدنَا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف على أقل من حظها بِكَثِير بِحُضُور جمع من الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ كَمَا قدمْنَاهُ قَرِيبا فَلَا تنسه.

قَوْله: (مِنْهُ) أَي من الدّين وَلَا يرجع عَلَيْهِم بِنَصِيب الْمصَالح فَحِينَئِذٍ يَصح الصُّلْح لانه حِينَئِذٍ تمْلِيك الدّين الخ، أَو لانه إِسْقَاط.

قَوْله: (وأحالهم بِحِصَّتِهِ) لَا مَحَلَّ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ هُنَا وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي شرح الْوِقَايَة لِابْنِ ملك، وَهِي سبق قلم إِذْ لم يبْق لَهُ حِصَّة بَعْدَمَا قضوه، وَلذَا قَالَ فِي الْمنح: وَلَا يخفى مَا فِيهِ من ضَرَر بَقِيَّة الْوَرَثَة: أَي لانه لم يستفيدوا من نصِيبه فِي الدّين شَيْئا اهـ.
وَضاع عَلَيْهِم مَا قضوه من الدّين عَن الْغُرَمَاء.
وَفِي بعض النّسخ أَو أحالهم.
قَالَ ط: ذكره ردا على صَاحب الدُّرَر وَتَبعهُ المُصَنّف حَيْثُ قَالَا: وَلَا يخفى مَا فِيهِ: أَي هَذَا الْوَجْه من الضَّرَر بِبَقِيَّة الْوَرَثَة، وَلكنه لَا يدْفع لانه يرجع عَلَيْهِم بِمَا أحالهم بِهِ فَيكون الضَّرَر عَلَيْهِم مرَّتَيْنِ اهـ.
أَقُول: فِي قَوْله فَيكون الضَّرَر الخ يَأْتِي بَيَانه قَرِيبا عَن الاتقاني.

قَوْله: (مِنْهُ) أَي من الدّين.

قَوْلُهُ: (عَنْ غَيْرِهِ) أَيْ عَمَّا سِوَى الدَّيْنِ.

قَوْله: (بالقرض) أَي بِبَدَلِهِ الَّذِي أَخذه مِنْهُم.

قَوْله: (وقبلوا) أَي الْغُرَمَاء والمصالحون، لَان الشَّرْط قبُول الْمحَال عَلَيْهِ والمحتال.

قَوْله: (وَهَذِه أَحْسَنُ الْحِيَلِ) لِأَنَّ فِي الْأُولَى
ضَرَرًا لِلْوَرَثَةِ حَيْثُ لَا يُمكنهُم الرُّجُوع إِلَى الْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ نَصِيبِ الْمُصَالِحِ، وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ النَّقْدَ خَيْرٌ مِنْ النَّسِيئَةِ.
إتْقَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (والاوجه الخ) لِأَنَّ فِي الْأَخِيرَةِ لَا يَخْلُو عَنْ ضَرَرِ وَهُوَ تَأْخِير وصولهم قدر حِصَّته مَعَ أَنه لَيْسَ لَهُم نفع فِي هَذَا الْقدر وَهُوَ خلاف وضع الصُّلْح غَالِبا.

قَوْله: (ثمَّ يحيلهم على الْغُرَمَاء) أَو يحيلهم ابْتِدَاء من غير بيع ليقبضوه لَهُ ثمَّ يأخذوه لانفسهم.

قَوْله: (وَلَا دين فِيهَا) أما إِذا كَانَ فِيهَا دين فَلَا يَصح الصُّلْح لما تقدم.

قَوْله: (اخْتِلَاف) فَقَالَ الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر بِالصِّحَّةِ وَهُوَ الصَّحِيح.
وَقَالَ ظهير الدّين المرغيناني: لَا يَصح.

قَوْله: (لعدم اعْتِبَار شُبْهَة الشُّبْهَة) لَان عدم الصِّحَّة بِاحْتِمَال أَن يكون فِي التَّرِكَة مَكِيل أَو مَوْزُون ونصيبه من ذَلِك مثل بدل الصُّلْح فَيكون رَبًّا، وَقيل يَصح لاحْتِمَال أَن لَا يكون فِي التَّرِكَة مَكِيل أَو مَوْزُون، وَإِن كَانَ فَيحْتَمل أَن يكون نصِيبه أقل من بدل الصُّلْح فَكَانَ القَوْل بِعَدَمِ الْجَوَاز مُؤديا إِلَى اعْتِبَار شُبْهَة الشُّبْهَة وَلَا عِبْرَة بهَا.
اهـ.
وَإِنَّمَا الْعبْرَة للشُّبْهَة.
وَفِي فَتَاوَى قاضيخان: وَالصَّحِيح مَا قَالَه أَبُو جَعْفَر من أَنه يجوز هَذَا الصُّلْح، لَان الثَّابِت هُنَا شُبْهَة الشُّبْهَة وَذَلِكَ لَا يعْتَبر اهـ.
لانه يحْتَمل أَن يكون فِي التَّرِكَة من جنس بدل الصُّلْح على تَقْدِير أَن يكون زَائِدا على بدل الصُّلْح، فاحتمال الِاحْتِمَال يكون شُبْهَة الشُّبْهَة.

قَوْله: (جنس بدل الصُّلْح) تركيب إضافي بِإِضَافَة جنس إِلَى بدل الصُّلْح.

قَوْله: (لم يجز) أَي حَتَّى يكون مَا يَأْخُذهُ أَزِيد من حِصَّته

(8/397)


من ذَلِك الْجِنْس ليَكُون الزَّائِد فِي مُقَابلَة مَا يَخُصُّهُ من غير الْجِنْس، وَيشْتَرط الْقَبْض لانه بِمَنْزِلَة البيع وَبيع مَا جَمعهمَا قدر وجنس أَو أَحدهمَا لَا يجوز نَسِيئَة، كَذَا تَقْتَضِيه الْقَوَاعِد.
وَالْمرَاد أَنه لَا يجوز اتِّفَاقًا كَمَا أَن الثَّانِي يجوز اتِّفَاقًا.

قَوْله: (وَإِلَّا) أَي إِن لَا يكن فِي التَّرِكَة جنس بدل الصُّلْح، وَهَذَا التَّفْصِيل لغير مَا نَحْو فِيهِ.

قَوْله: (وَإِن لم يدر فعلى الْخلاف) هِيَ مَسْأَلَة الْمَتْن ويدري بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول.

قَوْله: (وَهِي غير مَكِيل أَو مَوْزُون) كَذَا وَقع فِي الْغرَر، وَلَا وَجه للتَّقْيِيد بِهِ إِلَّا إِذا كَانَ الْمصَالح عَلَيْهِ مَكِيلًا أَو مَوْزُونا.
أما إِذْ كَانَ غَيرهمَا فَلَا يظْهر لهَذَا التَّقْيِيد وَجه، وَقد نقل المُصَنّف هَذِه الْمَسْأَلَة عَن الزَّيْلَعِيّ، وَعبارَة الزَّيْلَعِيّ خَالِيَة عَن هَذَا التَّقْيِيد، وَنَصهَا: وَهَذَا يدل على أَن الصُّلْح مَعَ جَهَالَة التَّرِكَة يجوز، وَقيل لَا يجوز لانه بيع وَبيع الْمَجْهُول لَا يجوز، والاول أصح لَان الْجَهَالَة هُنَا لَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة لانها
فِي يَد بَقِيَّة الْوَرَثَة فَلَا يحْتَاج فِيهَا إِلَى التَّسْلِيم، حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُصَالِحِ أَوْ بَعْضهَا لَا يجوز حَتَّى يصير جَمِيع مَا فِي يَده مَعْلُوما للْحَاجة إِلَى التَّسْلِيم ط.
أَقُول: وَكَذَا يشْتَرط أَن لَا يكون فِيهَا دين وَوَقع الصُّلْح على مَكِيل وموزون كَمَا فِي الاتقاني.

قَوْله: (صَحَّ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَجْهُولِ، لِأَنَّ الْمُصَالِحَ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَهُوَ مَجْهُولٌ بِمَا أَخَذَ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ.
إتقاني.

قَوْله: (لانها) أَي جَهَالَة التَّرِكَة الْمصَالح عَنْهَا.

قَوْله: (لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِقِيَامِهَا فِي يَدِهِمْ) يَعْنِي أَن الْعلَّة فِي عدم جَوَاز الْمَبِيع إِذا كَانَ الْمَبِيع مَجْهُولا لافضائه إِلَى الْمُنَازعَة، وَهنا لَا يُفْضِي إِلَيْهَا لَان الْمصَالح عَنهُ فِي يَد بَقِيَّة الْوَرَثَة فَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى التَّسْلِيم وَلَا يطْلبُونَ شَيْئا آخر من الْمصَالح بِمُقَابلَة بدل الصُّلْح.
كَذَا فِي العزمية.
كمن أقرّ بِغَصب شئ فَبَاعَهُ الْمقر لَهُ مِنْهُ جَازَ وَإِن جهلا قدره، وَقيل لَا يَصح لِأَنَّ الْمُصَالِحَ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَهُوَ مَجْهُول بِمَا أَخذه من الْمكيل وَالْمَوْزُون وَمن جَهَالَة الْمَبِيع لَا يَصح كَمَا فِي شرح الْمجمع.
قلت: واستفيد مِنْهُ أَن مَا يحْتَاج لتسليمه تلْزم مَعْرفَته، وَمَا لَا فَلَا.
در منتقى.
أَقُول: واستفيد أَن نفس الْجَهَالَة غير مَانِعَة لجَوَاز البيع، بل الْجَهَالَة المفضية إِلَى الْمُنَازعَة مَانِعَة، أَلا ترى أَنه لَو بَاعَ قَفِيزا من صبره يجوز البيع مَعَ الْجَهَالَة، وَكَذَلِكَ لَو بَاعَ الْمَغْصُوب كَمَا ذكرنَا.

قَوْله: (مَا لَمْ يَعْلَمْ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ) أَي لَا يجوز حَتَّى يصير جَمِيع مَا فِي يَده مَعْلُوما للْحَاجة إِلَى التَّسْلِيم كَمَا ذكرنَا عَن الاتقاني، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت فِي أَيدي بَقِيَّة الْوَرَثَة فَإِنَّهُ يجوز مَعَ الْجَهَالَة لانه يحْتَاج فِيهَا إِلَى التَّسْلِيم كَمَا مر وَيَأْتِي.

قَوْله: (ابْن ملك) لم يذكر هَذَا الْقَيْد أصلا.
خَاتِمَةٌ التَّهَايُؤُ: أَيْ تَنَاوُبُ الشَّرِيكَيْنِ فِي دَابَّتَيْنِ غلَّة أَو ركوبا يخْتَص جوزاه بِالصُّلْحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا الْجَبْرِ.
وَجَائِزٌ فِي دَابَّةٍ غَلَّةً أَوْ رُكُوبًا بِالصُّلْحِ فَاسِدٌ فِي غلتي عَبْدَيْنِ عِنْده وَلَو جُبِرَا.
دُرَرُ الْبِحَارِ.
وَفِي شَرْحِهِ غُرَرِ الْأَفْكَارِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّهَايُؤَ جَبْرًا فِي غَلَّةِ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِلتَّفَاوُتِ، وَفِي خِدْمَةِ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ جَازَ اتِّفَاقًا لعدم التَّفَاوُت ظَاهرا أَو لقلته، وَفِي غَلَّةِ دَارٍ أَوْ دَارَيْنِ أَوْ سُكْنَى دَار أَو دارين اتِّفَاقًا لامكان المعادلة، لَان التَّغْيِير لَا يَمِيلُ إلَى الْعَقَارِ ظَاهِرًا وَأَنَّ التَّهَايُؤَ صُلْحًا جَائِزٌ فِي

(8/398)


جَمِيعِ الصُّوَرِ كَمَا جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا قسْمَة الرَّقِيق صلحا اهـ.

قَوْله: (وَبَطل الصُّلْح) أَي مَعَ أحد الْوَرَثَة ليخرجوه عَنْهَا، فَلَو قسموا التَّرِكَة بَين الْوَرَثَة ثمَّ ظهر دين مُحِيط قيل للْوَرَثَة اقضوه، فَإِن قضوه صحت الْقِسْمَة، وَإِلَّا فسخت لَان الدّين مقدم على الارث فَيمْنَع وُقُوع الْملك لَهُم، إِلَّا إِذا قضوا الدّين أَو أَبْرَأ الْغُرَمَاء ذممهم فَحِينَئِذٍ تصح الْقِسْمَة لزوَال المَال، فَكَذَا إِذا لم يكن محيطا لتَعلق حق الْغُرَمَاء بهَا إِلَّا إِذا بَقِي فِي التَّرِكَة مَا يَفِي بِالدّينِ فَحِينَئِذٍ لَا تفسخ لعدم الِاحْتِيَاج.
كَذَا فِي قسْمَة الدُّرَر.

قَوْله: (وَالْقِسْمَة) أَي قسْمَة التَّرِكَة بَين الْوَرَثَة لانهم لَا يمكلون التَّرِكَة حِينَئِذٍ لتقدم حَاجته فللغريم إِبْطَالهَا، وَلَو أجَاز قبل أَن يصل إِلَيْهِ حَقه.
وَفِي الظَّهِيرِيَّة: وَلَو لم يضمن الْوَارِث وَلَكِن عزلوا عينا لدين الْمَيِّت فِيهِ وَفَاء بِالدّينِ ثمَّ صَالحُوا فِي الْبَاقِي على نَحْو مَا قُلْنَا جَازَ اهـ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: فَلَوْ هَلَكَ الْمَعْزُولُ لَا بُد من نقض الْقِسْمَة.

قَوْله: (بِلَا رُجُوع) أما لَو كَانَ بِرُجُوع كَانَت التَّرِكَة مَشْغُولَة.
قَالَ فِي التَّبْيِين: وَلَو ضمن رجل بِشَرْط أَن لَا يرجع فِي التَّرِكَة جَازَ الصُّلْح، لَان هَذَا كَفَالَة بِشَرْط بَرَاءَة الاصيل وَهُوَ الْمَيِّت فَتَصِير حِوَالَة، فيخلو مَال الْيَتِيم عَن الدّين فَيجوز تصرفهم فِيهِ.
اهـ.

قَوْله: (بِشَرْط بَرَاءَة الْمَيِّت) تبع فِيهِ المُصَنّف، وَقد علم من عبارَة الزَّيْلَعِيّ أَن الْمدَار على اشْتِرَاط عدم الرُّجُوع فِي التَّرِكَة وَقد بَين وَجهه ط.

قَوْله: (يُوفى) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول بِضَم فَفتح فتشديد.

قَوْله: (من مَال آخر) الاولى تَقْدِيمه على أَو يضمن أَجْنَبِي، فَإِن الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الْوَارِث إِذا لم يبن للْمَجْهُول لفظ يُوفي، وَسَوَاء وَفِي الْوَارِث من مَاله الْخَاص بِهِ أَو من عين أُخْرَى ظَهرت للْمَيت.

قَوْله: (وَلَا يَنْبَغِي أَن يُصَالح) أَي بل يكره، وَهل هِيَ تنزيهية أَو تحريمية حَرَّره ط.
أَقُول: معنى لَا يَنْبَغِي خلاف الاولى، وَخلاف الاولى مَكْرُوه تَنْزِيها.
قَالَ فِي الْبَحْر: لَا يَنْبَغِي الاولى أَن لَا يَفْعَلُوا ذَلِك حَتَّى يقضوا الدّين اهـ.

قَوْلُهُ: (اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، لِأَنَّ كل جُزْء من أَجزَاء التَّرِكَة مَشْغُول بِالدّينِ لدعم الاولوية بِالصرْفِ إِلَى جُزْء دون جُزْء فَصَارَ كالمستغرق فَيمْنَع من دُخُوله فِي ملك الْوَرَثَة.
وَوجه الِاسْتِحْسَان مَا ذكره من التَّعْلِيل بقوله لِأَنَّ التَّرِكَةَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ دَيْنٍ الخ.
والاولى
تَقْدِيم قَوْله اسْتِحْسَانًا عِنْد قَوْله صَحَّ لَان التَّرِكَة الخ لانه يُوهم خلاف المُرَاد، وَمَا هُنَا مُوَافق لما فِي الزَّيْلَعِيّ مُخَالف لما فِي مِسْكين والعيني، فَإِن عبارَة مِسْكين: وَلَو على الْمَيِّت دين مُحِيط: أَي مُسْتَغْرق جَمِيع التَّرِكَة بِأَن لَا يبْقى شئ بعد أَدَائِهِ بَطل الصُّلْح وَالْقِسْمَة، وَإِن لم يكن مُسْتَغْرقا لَا يَنْبَغِي أَن يصالحوا مَا لم يُعْطوا دينه.
وَلَو فعلوا قَالُوا يجوز الصُّلْح.
وَذكر الْكَرْخِي رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْقِسْمَة أَنَّهَا لَا تجوز اسْتِحْسَانًا وَتجوز قِيَاسا.
اهـ.
وَعبارَة الزَّيْلَعِيّ: وَإِن لم يكن مُسْتَغْرقا جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاس أَن لَا يجوز الخ.

قَوْله: (لِئَلَّا يحتاجوا) عِلّة لقَوْله فَيُوقف قَالَ صدر الشَّرِيعَة: وَلَو صَالح فالمشايخ قَالُوا

(8/399)


صَحَّ، لَان التَّرِكَة لَا تخلوا عَن قَلِيل دين والدائن قد يكون غَالِبا، فَلَو جعلت التَّرِكَة مَوْقُوفَة لتضرر الْوَرَثَة والدائن لَا يتَضَرَّر، لَان على الْوَرَثَة قَضَاء دينه ووقف قدر الدّين وَقسم الْبَاقِي اسْتِحْسَانًا ووقف الْكل قِيَاس الخ.

قَوْلُهُ: (عَلَى السَّوَاءِ) أَفَادَ أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ إذَا صَالَحَ الْبَعْضَ دُونَ الْبَاقِي يَصِحُّ وَتَكُونُ حِصَّته لَهُ فَقَط.
وَكَذَا لَوْ صَالَحَ الْمُوصَى لَهُ كَمَا فِي الْأَنْقِرْوِيِّ.
مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَثَلَاثَةِ أَبْنَاءِ عَمٍّ عَصَبَةً وَخَلَفَ تَرِكَةً اقْتَسَمُوهَا بَيْنَهُمْ ثُمَّ ادَّعَتْ الْوَرَثَةُ عَلَى الزَّوْجَةِ بِأَنَّ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدِهَا مِلْكُ مُوَرِّثِهِمْ الْمُتَوَفَّى فَأَنْكَرَتْ دَعْوَاهُمْ فَدَفَعَتْ لَهُمْ قَدْرًا مِنْ الدَّرَاهِمِ صُلْحًا عَنْ إنْكَارٍ، فَهَلْ يُوَزَّعُ بَدَلُ الصُّلْحِ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ أَوْ عَلَى قَدْرِ رؤوسهم؟ الْجَوَابُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحُكْمُهُ فِي جَانِبِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ وُقُوعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُدَّعِي سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا أَوْ مُنْكِرًا، وَفِي الْمُصَالَحِ عَنْهُ وُقُوعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ.
وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: سُئِلَ عَن الصُّلْح عَن الْإِنْكَارِ بَعْدَ دَعْوَى فَاسِدَةٍ هَلْ يَصِحُّ؟ قَالَ: لَا لَان تَصْحِيح الصُّلْح على الْإِنْكَارِ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعِي أَنْ يَجْعَلَ مَا أَخَذَ عَيْنَ حَقِّهِ أَوْ عِوَضًا عَنْهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا فِي حَقِّهِ لِيُمْكِنَ تَصْحِيحُ الصُّلْحِ مِنْ الذَّخِيرَةِ، فَمُقْتَضَى قَوْلِهِ وُقُوعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُدَّعِي وَقَوْلُهُ أَنْ يَجْعَلَ عَيْنَ حَقِّهِ أَوْ عِوَضًا عَنْهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قدر مواريثهم.
سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى عَن مَجْمُوعَة منلا عَليّ التركماني أَمِين الْفَتْوَى بِدِمَشْق الشَّام.

قَوْله: (إِن كَانَ مَا أَعْطوهُ مِنْ مَالِهِمْ) أَيْ وَقَدْ اسْتَوَوْا فِيهِ، وَلَا يَظْهَرُ عِنْدَ التَّفَاوُتِ ط.

قَوْلُهُ: (فَعَلَى قَدْرِ ميراثهم) قَالَ فِي السِّرَاجِيَّة وَشَرحهَا: من صَالح عَن
شئ من التَّرِكَة فاطرح سهامه من التَّصْحِيح ثمَّ أقسم بَاقِي التَّرِكَة على سِهَام البَاقِينَ كَزَوج وَأم وَعم فَصَالح الزَّوْج عَن نصِيبه عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَهْرِ وَخَرَجَ من الْبَين فَيقسم بَاقِي التَّرِكَة بَين الام وَالْعم أَثلَاثًا بِقدر سهامهما سَهْمَان للام وَسَهْم للعم.
فَإِن قلت: هلا جعلت الزَّوْج بعد الْمُصَالحَة وَخُرُوجه من الْبَين بِمَنْزِلَة الْمَعْدُوم، وَأي فَائِدَة فِي جعله دَاخِلا فِي تَصْحِيح الْمَسْأَلَة مَعَ أَنه لَا يَأْخُذ شَيْئا وَرَاء مَا أَخذه.
قلت: فَائِدَته أَنا لَو جَعَلْنَاهُ كَأَن لم يكن وَجَعَلنَا التَّرِكَة مَا وَرَاء الْمهْر لانقلب فَرْضُ الْأُمِّ مِنْ ثُلُثِ أَصْلِ الْمَالِ إلَى ثلث الْبَاقِي، إِذْ حِينَئِذٍ يقسم الْبَاقِي بَينهمَا أَثلَاثًا فَيكون لِلْأُمِّ سَهْمٌ وَلِلْعَمِّ سَهْمَانِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، إِذْ حَقّهَا ثلث الاصل، وَإِذا أدخلنا الزَّوْج فِي الْمَسْأَلَة كَانَ للام سَهْمَان من السِّتَّة وللعم سهم وَاحِد وَيقسم الْبَاقِي بَينهمَا على هَذِه الطَّرِيقَة، فَتكون مستوفية حَقّهَا من الْمِيرَاث.
اهـ.
مُلَخصا ط.
وَسَيَأْتِي آخِرَ كِتَابِ الْفَرَائِضِ بَيَانُ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ مفصلا.

قَوْله: (وَقَيده الْخصاف) أَي قيد جَرَيَان هَذَا التَّفْصِيل بِمَا إِذا كَانَ الْوَرَثَة منكرين.

قَوْله: (فعلى السوَاء) أَي مُطلقًا منح سَوَاء كَانَ الدّفع من التَّرِكَة أَو من غَيرهَا لانه بِمَنْزِلَة البيع فكأنهم اشتروه جَمِيعًا، وَلَا يظْهر التَّسَاوِي إِلَّا إِذا كَانَ الْمَدْفُوع مُتَسَاوِيا بَينهم، وَعَلِيهِ فَيَنْبَغِي أَن يرجع الاكثر حِصَّة فِي التَّرِكَة على الاقل حِصَّة بِقدر مَا دفع من مَاله عَنهُ فَلْيتَأَمَّل.
قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة: وَالْوَجْه أَنَّهُمَا فِي الاقرار يكونَانِ مشتريين فيتنصف، وَفِي

(8/400)


الانكار مدعيين الْعين للتركة فَيكون على قدر الانصباء، وَاخْتَارَهُ الْبَعْض.

قَوْله: (عَن بعض الاعيان) أَشْيَاء بِهِ إِلَى أَنه كَمَا يَصح الصُّلْح مَعَه عَن كل أعيانها يَصح عَن بَعْضهَا اعْتِبَارا للجزء بِالْكُلِّ.
وَفِي الْمُجْتَبى: ادّعى مَالا: أَي مَعْلُوما أَو غَيره فجَاء رجل وَاشْترى ذَلِك من الْمُدَّعِي يجوز الشِّرَاء فِي حق الْمُدَّعِي وَيقوم مقَامه فِي الدَّعْوَى، فَإِن اسْتحق شَيْئا كَانَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ جَحَدَ الْمَطْلُوبَ وَلَا بَيِّنَة فَلهُ أَن يرجع اهـ.
حموي.
وَمثله فِي الْبَحْر.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
وَتَأَمَّلْ فِي وَجْهِهِ.
فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ الْهِبَةِ: وَبَيْعُ الدَّيْنِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ بَاعَ من الْمَدْيُون أَو وهبه جَازَ اهـ.
أَقُول: لم يظْهر لي وَجهه مَعَ تصريحهم بِعَدَمِ صِحَة بيع الدّين لغير من عَلَيْهِ الدّين فَهُوَ غير صَحِيح فِيمَا يظْهر وَفَوق كل ذِي علم عليم.

قَوْله: (أَفِي التَّرِكَة دين) هَكَذَا فِي بعض النّسخ، وَفِي بَعْضهَا أَن بدل أَفِي وَعَلَيْهَا فَيلْزم نصب دين وَعَلَيْهَا كتب ط.
وَالْمرَاد أَن الصَّك صَحِيح: يَعْنِي إِذا أقرّ بِمَا فِيهِ عمل بِهِ وَلَيْسَ لَهُ نقضه إِلَّا بمسوغ.

قَوْله: (وَكَذَا لَو لم يذكرهُ فِي الْفَتْوَى) أَي فِي السُّؤَال الَّذِي رفع ليكتب عَلَيْهِ أَو يُجَاب عَنهُ: أَي فَلَا يجب على الْمُفْتِي الْبَحْث ط.

قَوْله: (وَالْمُوصى لَهُ بمبلغ من التَّرِكَة كوارث) صورتهَا: رجل أوصى لرجل بِعَبْد أَو دَار فَترك ابْنا وَابْنَة فَصَالح الابْن والابنة الْمُوصى لَهُ بِالْعَبدِ على مائَة دِرْهَم.
قَالَ أَبُو يُوسُف: إِن كَانَت الْمِائَة من مَالهمَا غير الْمِيرَاث كَانَ العَبْد بَينهمَا، نِصْفَيْنِ، وَإِن صالحاه من المَال الَّذِي ورثاه عَن أَبِيهِمَا كَانَ المَال بَينهمَا أَثلَاثًا لَان الْمِائَة كَانَت بَينهمَا أَثلَاثًا.
وَذكر الْخصاف فِي الْحِيَل أَن الصُّلْح إِن كَانَ عَن إِقْرَار كَانَ العَبْد الْمُوصى بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن كَانَ عَن إِنْكَار فعلي قدر الْمِيرَاث، وعَلى هَذَا بعض الْمَشَايِخ، وَكَذَلِكَ فِي الصُّلْح عَن الْمِيرَاث، كَذَا فِي قاضيخان.

قَوْله: (من مَسْأَلَة التخارج) أَي بتفاصيلها.

قَوْلُهُ: (صَالَحُوا إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ الصُّلْحِ: وَلَوْ ظَهَرَ فِي التَّرِكَةِ عَيْنٌ بَعْدَ التَّخَارُجِ لَا رِوَايَةَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَدْخُلُ تَحْتَ الصُّلْحِ أَمْ لَا، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَدْخُلُ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُول لَا اهـ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ نَحْوِ وَرَقَتَيْنِ: قَالَ تَاجُ الْإِسْلَامِ وَبِخَطِّ صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَجَدْتُهُ: صَالَحَ أَحَدَ الْوَرَثَة وَأَبْرَأ إِبْرَاء عَاما ثمَّ ظهر فِي التَّرِكَة شئ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الصُّلْحِ لَا رِوَايَةَ فِي جَوَازِ الدَّعْوَى.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بِجَوَازِ دَعْوَى حِصَّتِهِ مِنْهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا.
وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ أَبْرَأَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْبَاقِي ثمَّ ادّعى التَّرِكَة وأنكروا لَا تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ أَقَرُّوا بِالتَّرِكَةِ أُمِرُوا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ.
اهـ.
كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَسْطُرٍ: صَالَحَتْ: أَيْ الزَّوْجَةُ عَنْ الثُّمُنِ ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ أَوْ عَيْنٌ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لِلْوَرَثَةِ، قِيلَ لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الصُّلْحِ وَيُقْسَمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا كَانَ صُلْحُهُمْ عَن الْمَعْلُوم الظَّاهِر عِنْدهم لَا عَنْ الْمَجْهُولِ فَيَكُونُ كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ الصُّلْحِ فَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ.
وَقِيلَ يَكُونُ دَاخِلًا فِي الصُّلْحِ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَنْ التَّرِكَةِ وَالتَّرِكَةُ اسْمٌ للْكُلّ، فَإِذا ظَهَرَ دَيْنٌ فَسَدَ
الصُّلْحُ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ كَانَ ظَاهرا عِنْد الصُّلْح.
اهـ.
وَالْحَاصِل من مَجْمُوع كَلَام الْمَذْكُورِ: أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بَعْدَ الصُّلْحِ فِي التَّرِكَةِ عَيْنٌ هَلْ تَدْخُلُ فِي

(8/401)


الصُّلْح فَلَا تسمع الدَّعْوَى بهَا أم لَا تَدْخُلُ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى؟ قَوْلَانِ وَكَذَا لَوْ صَدَرَ بَعْدَ الصُّلْحِ إبْرَاءٌ عَامٌّ ثُمَّ ظَهَرَ لِلْمُصَالِحِ عَيْنٌ هَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فِيهِ قَوْلَانِ أَيْضًا.
وَالْأَصَحُّ السَّمَاعُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الصُّلْحِ فَيَكُونُ هَذَا تَصْحِيحًا لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ الدُّخُولِ، وَهَذَا إذَا اعْتَرَفَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ بِأَنَّ الْعَيْنَ مِنْ التَّرِكَةِ وَإِلَّا فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ كَمَا أَفَادَهُ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالْعَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بَعْدَ الصُّلْحِ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الصُّلْحِ يَصِحُّ الصُّلْحُ وَيُقْسَمُ الدَّيْنُ بَيْنَ الْكُلِّ.
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالدُّخُولِ فَالصُّلْحُ فَاسِدٌ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ ظَاهِرًا وَقْتَ الصُّلْحِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُخْرَجًا مِنْ الصُّلْحِ بِأَنْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِالصُّلْحِ عَنْ غَيْرِ الدَّيْنِ مِنْ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ.
وَهَذَا أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ مَا ظَهَرَ بَعْدَ التَّخَارُجِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ من إنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الصُّلْحِ، لَا خَفَاء، وَمَنْ قَالَ يَدْخُلُ تَحْتَهُ فَكَذَلِكَ، إنْ كَانَ عَيْنًا لَا يُوجِبُ فَسَادَهُ، وَإِنْ دَيْنًا إنْ مخرجا من الصُّلْح لَا يفْسد وَإِلَّا يفْسد اهـ.

قَوْله: (أشهرهما لَا) وعَلى مُقَابِله: فَإِن كَانَ الَّذِي ظهر دينا فسد الصُّلْح كَأَنَّهُ وجد فِي الِابْتِدَاء فَيكون هُوَ وَغَيره بَين الْكل، وَإِن كَانَ عينا لَا.
اهـ.
منح.

قَوْلُهُ: (بَلْ بَيْنَ الْكُلِّ) أَيْ بَلْ يَكُونُ الَّذِي ظهر بَين الْكل.

قَوْله: (قلت وَفِي الْبَزَّازِيَّة الخ) وَفِي الثَّامِن وَالْعِشْرين من جَامع الْفُصُولَيْنِ أَنه الاشبه.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ) أَيْ لَوْ ظَهَرَ فِي التَّرِكَةِ عَيْنٌ، أَمَّا لَوْ ظَهَرَ فِيهَا دَيْنٌ فَقَدْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: إنْ كَانَ مخرجا من الصُّلْح لَا يفْسد، وَإِلَّا يفْسد كَمَا سمعته: أَيْ إنْ كَانَ الصُّلْحُ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ الدّين يَفْسُدُ، وَإِنْ وَقَعَ عَلَى جَمِيعِ التَّرِكَةِ فَسَدَ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ ظَاهِرًا وَقْتَ الصُّلْحِ.

قَوْله: (وَفِي مَال طِفْل) أَي وَالصُّلْح فِي مَال الطِّفْل الثَّابِت بالشهود لم يجز إِذْ لَا مصلحَة لَهُ، وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ للطفل.
وَالضَّمِير فِي لم يجز إِلَى الصُّلْح.

قَوْله: (وَمَا يَدعِي) عطف على مَأْخُوذ من الْمقَام: أَي فَلم يجز الصُّلْح فِي مَال الطِّفْل الثَّابِت بالشهود وَلَا فِيمَا يَدعِي خصم وَلَا يتنور: أَي لم ينور دَعْوَاهُ لبينة.
وَحَاصِل الْمَعْنى: إذَا كَانَ لِطِفْلٍ مَالٌ بِشُهُودٍ لَمْ يَجُزْ الصُّلْح فِيهِ، وَلم يجز مصالحة من يَدعِي شَيْئا على الصَّغِير بِدُونِ بَيِّنَة بِمَال الصَّغِير، لَان الْمُدَّعِي لم يسْتَحق سوى الِاسْتِحْلَاف، وَلَا يسْتَحْلف الاب وَلَا الْوَصِيّ وَلَا الصَّبِي حَال صغره، والاب لَا يَصح أَن يفْدي الْيَمين بِمَال الصَّغِير، وَإِن تبرع الاب بِمَالِه صَحَّ كالاجنبي.
وَإِذا كَانَ للْمُدَّعِي بَيِّنَة يَصح الصُّلْح بِمَال الصَّغِير بِمثل الْقيمَة وَزِيَادَة يتَغَابَن فِيهَا كالشراء، وَهَذِه الْمسَائِل تجْرِي فِي الاب وَالْجد ووصيهما وَالْقَاضِي ووصيه، وَسَوَاء كَانَ الصُّلْح فِي عقار أَو عبد أَو غَيرهمَا فِي الْكل أَو الْبَعْض.
وَعَلِيهِ فالصورة أَربع فِيمَا إِذا لم يكن للطفل بَيِّنَة وَحَيْثُ كَانَ للخصم بَيِّنَة، فَهَذِهِ أَربع صور.
وَأَشَارَ المُصَنّف إِلَى أَن الاربعة تجْرِي مَعَ الاب وَالْجد وَالْوَصِيّ من جِهَة الاب أَو الْجد، وَمن جِهَة الْوَصِيّ أَو من جِهَة أَحدهمَا أَو القَاضِي أَو وَصِيّ القَاضِي فَبلغ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ مَسْأَلَة، وَسَوَاء كَانَ الصُّلْح فِي عقار أَو عبد أَو غَيرهمَا فَيبلغ سِتَّة وَتِسْعين، وَسَوَاء كَانَ فِي الْجَمِيع أَو الْبَعْض فَيبلغ مائَة واثنين وَتِسْعين حكما كل ذَلِك مِمَّا ذكره صَاحب الْمَبْسُوط.

(8/402)


قلت: بَقِي عَلَيْهِ وَصِيّ الام فِي تركتهَا ووصيه والاخ.
قَالَ فِي الْمَبْسُوط: وَصلح وَصِيّ الام والاخ مثل صلح وَصِيّ الاب فِي غير الْعقار، فَيبلغ أَضْعَاف ذَلِك كَمَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة لِابْنِ الشّحْنَة، وَتَمَامه فِيهِ.

قَوْله: (وَصَحَّ على الابراء عَن كل عائب) الضَّمِير فِي صَحَّ يعود إِلَى الصُّلْح: يَعْنِي جَازَ الصُّلْح عَن الْبَرَاءَة من كل عيب، لَان الابراء عَن الْعَيْب بِلَا بدل صَحِيح فَكَذَلِك مَعَه، كَمَا لَو سمي عَيْبا مَعْلُوما لانه إِسْقَاط الْحق.
وَلَو قَالَ اشْتريت مِنْك الْعُيُوب بِكَذَا لم يَصح ط.
وَهَذَا الْبَيْت للعلامة عبد الْبر ذكره بعد أَبْيَات بعد الْبَيْت الاول.

قَوْله: (وَلَو زَالَ عيب) أَي لَو صَالحه على عيب فِي الْمَبِيع وَدفع لَهُ بَدَلا عَن الصُّلْح ثمَّ زَالَ الْعَيْب بَطل الصُّلْح وَيسْتَرد الْبَدَل وَيسْقط عَنهُ إِن لم يكن دَفعه لعود السَّلامَة، وَكَذَا كل عيب زَالَ كَطَلَاق الْمُشْتَرَاة، أَو لم يُوجد يرد بدله كَعَدم الْحَبل، وكما لَو ظهر الدّين على غير الْمصَالح يرد بدله كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة.

قَوْله: (وَمن قَالَ) أَي لَو ادّعى عَلَيْهِ شَيْئا فَأنْكر فَقَالَ لَهُ إِن تحلف على عدم ثُبُوت هَذَا الْحق عَلَيْك فَأَنت برِئ مِنْهُ لم تجز هَذِه الْبَرَاءَة لعدم جَوَاز تَعْلِيقهَا بِالشّرطِ، فَإِن كَانَ حلف عِنْد غير القَاضِي لَهُ أَن يحلفهُ عِنْد القَاضِي، وَلَو أَقَامَ بَيِّنَة قبلت، وَإِن
عجز أعَاد الْيَمين عَلَيْهِ.

قَوْله: (وَلَو مُدع) لَو للوصل: أَي لَو قَالَ للْمُدَّعِي إِن حَلَفت على مَا تدعيه فَهُوَ لَك فَحلف لَا يسْتَحق الْمُدَّعِي.

قَوْله: (كالاجنبي) خبر لمبتدأ مَحْذُوف: أَي وَمَا ذكر من الْمُدعى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعِي كالاجنبي حَال كَونه يصور: أَي لَو قَالَ لَهُ إِن حلف فلَان الاجنبي فلك مَا تدعيه أَو أَنْت برِئ مِمَّا ادّعى عَلَيْك فَحلف الاجنبي لَا يبرأ.
وَالْحَاصِل: أَنه اشْتَمَل هَذَا الْبَيْت على ثَلَاث مسَائِل من قاضيخان.
الاولى: اصطلحا على أَنه إِن حلف الْمُدعى عَلَيْهِ فَهُوَ برِئ فَحلف أَن مَاله قبله شئ فَالصُّلْح بَاطِل.
الثَّانِيَة: اصطلحا على أَنه إِن حلف الْمُدَّعِي على دَعْوَاهُ فالمدعى عَلَيْهِ يكون ضَامِنا لما يَدعِي فَالصُّلْح بَاطِل، فَلَا يجب المَال على الْمُدعى عَلَيْهِ.
الثَّالِثَة: اصطلحا على أَنه إِن حلف فلَان وَهُوَ غير الطَّالِب فَالْمَال على الْمُدعى عَلَيْهِ كَانَ بَاطِلا فَلَا يلْزمه المَال، وَهِي المفادة بقوله كالاجنبي، وَهَذِه الْمسَائِل تقدّمت فِي كتاب الدَّعْوَى.
خَاتِمَة: نسْأَل الله حسنها.
وَفِي الْبَحْر عَن مَجْمُوع النَّوَازِل: وَقع بَين امْرَأَة وَزوجهَا مشاجرة فتوسط المتوسطون بَينهمَا للصلح فَقَالَت لَا أصالحه حَتَّى يعطيني خمسين درهما يحل لَهَا ذَلِك، لَان لَهَا عَلَيْهِ حَقًا من الْمهْر وَغَيره اهـ.
قَالَ الْحَمَوِيّ نقلا عَن الْمَقْدِسِي: قلت: هَذِه دَعْوَى لَا دَلِيل عَلَيْهَا فقد يكون لَا شئ لَهَا وتطلب ذَلِك اهـ.
وَأَقُول: مَا ذكره فِي مَجْمُوع النَّوَازِل من أَنه يحل لَهَا الاخذ مَفْرُوض فِيمَا إِذا وافقها الزَّوْج بِأَن أَعْطَاهَا مَا طلبت بطرِيق الصُّلْح، وَحِينَئِذٍ لَا يتَوَقَّف الاخذ على أَن يكون لَهَا شئ عَلَيْهِ إِذْ لَيْسَ هُوَ بِأَدْنَى مِمَّا سبق التَّصْرِيح بِهِ من أَن الصُّلْح يجوز وَلَو عَن إِنْكَار، وَقدمنَا عَن الزَّيْلَعِيّ التَّصْرِيح بِأَنَّهُ يحل للْمُدَّعِي أَخذه لانه فِي زَعمه عين حَقه أَو بدله وَإِن كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ يزْعم أَنه لَا شئ عَلَيْهِ، وَمَعَ هَذَا حل لَهُ الدّفع أَيْضا للشر عَن نَفسه، وَحِينَئِذٍ فَقَوله لَان لَهَا عَلَيْهِ حَقًا من الْمهْر إِنَّمَا ذكره تحسينا للظن بهَا، لَا لانه شَرط لجَوَاز الصُّلْح.
أَبُو السُّعُود.

(8/403)


وَفِي الْبَحْر عَن الْخُلَاصَة: وَلَو اسْتقْرض من رجل دَرَاهِم بخارية ببخارى أَو اشْترى سلْعَة بِدَرَاهِم بخارية ببخارى فَالْتَقَيَا ببلدة لَا يُوجد بهَا البُخَارِيّ، قَالُوا: يُؤَجل قدر الْمسَافَة ذَاهِبًا وجائيا ويستوثق مِنْهُ بكفيل.
وَفِيه عَنْهَا: إِذا أقرّ الْوَصِيّ أَن عِنْده ألف دِرْهَم للْمَيت وللميت ابْنَانِ فَصَالح أَحدهمَا من حَقه على أَرْبَعمِائَة لم يجز، وَإِن كَانَ استهلكها ثمَّ صالحهما جَازَ اهـ.
وَلَو صَالح امْرَأَته من نَفَقَتهَا سنة على حَيَوَان أَو ثوب سمي جنسه جَازَ مُؤَجّلا وَحَالا، بِخِلَاف مَا لَو صالحها بعد الْفَرْض أَو بعد تراضيهما عَن النَّفَقَة لَا يجوز.
كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ.
وَلَو صالحته عَن أجر رضَاع الصَّبِي بعد الْبَيْنُونَة كَانَ جَائِزا، ثمَّ لَيْسَ لَهَا أَن تصالح بِمَا ثَبت لَهَا من دَرَاهِم الاجر على طَعَام بِغَيْر عينه كَذَا فِي الْمَبْسُوط.
رجل صَالح امْرَأَته الْمُطلقَة من نَفَقَتهَا على دَرَاهِم مَعْلُومَة على أَن لَا يزيدها عَلَيْهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا وعدتها بالاشهر جَازَ ذَلِك، وَإِن كَانَ عدتهَا بِالْحيضِ لَا يجوز لَان الْحيض غير مَعْلُوم، قد تحيض ثَلَاث حيض فِي شَهْرَيْن وَقد لَا تحيض عشرَة أشهر.
كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان.
لَو صالحت مَعَ زَوجهَا من نَفَقَتهَا مَا دَامَت زَوْجَة لَهُ على مَال لَا يجوز.
لَو كَانَت امْرَأَته مُكَاتبَة أَو أمة قد بوأها الْمولى بَيْتا فصالحها على دَرَاهِم مُسَمَّاة من النَّفَقَة وَالْكِسْوَة لكل سنة جَازَ ذَلِك، وَكَذَلِكَ لَو صَالح مولى الامة، فَلَو لم يكن بوأها الْمولى بَيْتا لم يجز هَذَا الصُّلْح، وَكَذَلِكَ إِن كَانَت الْمَرْأَة صَغِيرَة لَا يَسْتَطِيع الزَّوْج أَن يقر بهَا فَصَالح أَبَاهَا عَن نَفَقَتهَا لم يجز، وَإِن كَانَت كَبِيرَة وَالزَّوْج صَغِير فَصَالح أَبوهُ عَن النَّفَقَة وَضمن جَازَ.
وَإِذا صَالح الْفَقِير امْرَأَته على نَفَقَة كَثِيرَة فِي الشَّهْر لم يلْزمه إِلَّا نَفَقَة مثلهَا.
كَذَا فِي الْمَبْسُوط.
لَو صَالح على نَفَقَة الْمَحَارِم ثمَّ ادّعى الاعسار صدق وَبَطل الصُّلْح.
كَذَا فِي التاترخانية.
إِذا صَالح الرجل بعض مَحَارمه عَن النَّفَقَة وَهُوَ فَقير لم يجْبر على إِعْطَائِهِ إِن أقرُّوا أَنه مُحْتَاج، فَإِن لم يعرف حَاله وَادّعى أَنه فَقير فَالْقَوْل قَوْله، وَيبْطل عَنهُ مَا صَالح عَلَيْهِ، إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة أَنه مُوسر فَيَقْضِي بِالصُّلْحِ عَلَيْهِ، وَنَفَقَة الْوَلَد الصَّغِير كَنَفَقَة الزَّوْجَة من حَيْثُ إِن الْيَسَار لَيْسَ بِشَرْط لوُجُوبهَا،
فَالصُّلْح فِيهِ يكون مَاضِيا، وَإِن كَانَ الْوَالِد مُحْتَاجا، فَإِن كَانَ صَالح على أَكثر من نَفَقَتهم بِمَا يتَغَابَن النَّاس فِيهِ أبطلت الْفضل عَنهُ، وَكَذَلِكَ الصُّلْح فِي الْكسْوَة للْحَاجة، وَالْمُعْتَبر فِيهِ الْكِفَايَة كَالنَّفَقَةِ.
لَو صَالح امْرَأَته من كسوتها على درع يَهُودِيّ وَلم يسم طوله وَعرضه ورفعته جَازَ ذَلِك، وَكَذَلِكَ كسْوَة الْقَرَابَة.
وَلَو صَالح رجل أَخَاهُ وَهُوَ صَحِيح بَالغ على دَرَاهِم مُسَمَّاة لنفقته وَكسوته كل شهر لم يجْبر ذَلِك وَلم يجْبر عَلَيْهِ.
كَذَا فِي الْمَبْسُوط.
إِن صالحت المبانة زَوجهَا عَن سكناهَا على دَرَاهِم لَا يجوز.
كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان.
إِذا صَالح امْرَأَته من نَفَقَتهَا وكسوتها لعشر سِنِين على وصيف وسط إِلَى شهر أَو لم يَجْعَل لَهُ أَََجَلًا فَهُوَ جَائِز.
كَذَا فِي الْمَبْسُوط.

(8/404)


سُئِلَ الْحسن بن عَليّ عَمَّن ادّعى على آخر فَسَادًا فِي البيع بعد قبض الْمَبِيع وَلم يتهيأ لَهُ إِقَامَة الْبَيِّنَة فصولح بَينهمَا عَن دَعْوَى الْفساد على دَنَانِير هَل يَصح الصُّلْح؟ فَقَالَ لَا.
قيل: وَلَو وجد بَيِّنَة بعد الصُّلْح هَل تسمع الْبَيِّنَة؟ فَقَالَ نعم، كَذَا فِي التاترخانية نَاقِلا عَن الْيَتِيمَة.
وَفِي حكم الرَّد بِالْعَيْبِ الْمصَالح عَلَيْهِ كَالْبيع يرد بِالْعَيْبِ الْيَسِير والفاحش وَيرجع فِي الدَّعْوَى إِن كَانَ رده بِحكم أَو غير حكم.
كَذَا فِي الْمَبْسُوط.
لَو وجد بِمَا وَقع عَلَيْهِ الصُّلْح عَيْبا فَلم يقدر على رده لاجل الْهَلَاك أَو لاجل الزِّيَادَة أَو لاجل النُّقْصَان فِي يَد الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ يرجع على الْمُدعى عَلَيْهِ بِحِصَّة الْعَيْب، فَإِن كَانَ الصُّلْح عَن إِقْرَار رَجَعَ بِحِصَّة الْعَيْب على الْمُدعى عَلَيْهِ فِي الْمُدَّعِي، وَإِن كَانَ عَن إِنْكَار رَجَعَ بِحِصَّة الْعَيْب على الْمُدعى عَلَيْهِ فِي دَعْوَاهُ، فَإِن أَقَامَ الْبَيِّنَة أَو حلفه فنكل اسْتحق حِصَّة الْعَيْب مِنْهُ، فَإِن حلفه فَحلف فَلَا شئ عَلَيْهِ.
كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج.
لَو اشْترى جَارِيَة فَولدت عِنْد المُشْتَرِي ثمَّ وجدهَا عوراء وَأقر البَائِع أَنه دلسها لَهُ فَصَالحه على أَن يردهَا وَوَلدهَا وَزِيَادَة ثوب على أَن يرد عَلَيْهِ الآخر الثّمن فَهُوَ جَائِز، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي نقض بِنَاء الدَّار
وَزِيَادَة بنائها.
هَكَذَا فِي الْمَبْسُوط.
ادّعى عَيْبا فِي جَارِيَة اشْتَرَاهَا وَأنكر البَائِع فاصطلحا على مَال على أَن يُبرئ المُشْتَرِي البَائِع من ذَلِك الْعَيْب ثمَّ ظهر أَنه لم يكن بهَا عيب أَو كَانَ وَلكنه قد زَالَ فَللْبَائِع أَن يسْتَردّ بدل الصُّلْح.
كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة.
اشْترى رجلَانِ شَيْئا فوجدا بِهِ عَيْبا فَصَالح أَحدهمَا فِي حِصَّته جَازَ، وَلَيْسَ للْآخر أَن يُخَاصم عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى.
وَعِنْدَهُمَا لآخر على خصومته، لَان عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لَو أَبْرَأ أَحدهمَا عَن حِصَّته بَطل حق الآخر خلافًا لَهما.
كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ.
إِذا اشْترى ثَوْبَيْنِ كل وَاحِد بِعشْرَة دَرَاهِم وقبضهما ثمَّ وجد بِأَحَدِهِمَا عَيْبا فَصَالح على أَن يردهُ بِالْعَيْبِ على أَن يزِيد فِي ثمن الآخر درهما فالرد جَائِز، وَزِيَادَة الدَّرَاهِم بَاطِلَة فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى.
كَذَا فِي الْحَاوِي.
لَو قَالَ لجارية أَنْت أمتِي وَقَالَت لَا بل أَنا حرَّة وصالحها من ذَلِك على مائَة دِرْهَم فَهُوَ جَائِز، فَإِن أَقَامَت الْبَيِّنَة أَنَّهَا كَانَت أمته أعْتقهَا عَام أول أَو أَنَّهَا حرَّة الاصل من الموَالِي أَو من الْعَرَب حرَّة الابوين رجعت بِالْمِائَةِ عَلَيْهِ، وَلَو أَقَامَت الْبَيِّنَة أَنَّهَا كَانَت أمة لفُلَان فَأعْتقهَا عَام أول لم أقبل ذَلِك مِنْهَا وَلم ترجع بِالْمِائَةِ.
كَذَا فِي الْمَبْسُوط.
إِذا ادّعى دَارا فِي يَد رجل وَأنكر الْمُدعى عَلَيْهِ فَصَالحه الْمُدَّعِي على دَرَاهِم ثمَّ أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ فَأَرَادَ الْمُدَّعِي أَن ينْقض صلحه وَقَالَ إِنَّمَا صالحتك لاجل إنكارك لَيْسَ لَهُ أَن ينْقض الصُّلْح.
كَذَا فِي الْمُحِيط.
لَو ادّعى فِي بَيت رجل حَقًا فَصَالحه الْمُدعى عَلَيْهِ من ذَلِك على أَن يبيت على سطحه سنة ذكر فِي الْكتاب أَنه يجوز.
وَقَالَ بعض الْمَشَايِخ: هَذَا إِذا كَانَ السَّطْح محجرا، فَإِن لم يكن محجرا لَا يجوز الصُّلْح، كَمَا لَا يجوز إِجَارَة السَّطْح.
وَقَالَ بَعضهم: يجوز الصُّلْح على كل حَال.
كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة.

(8/405)


اخْتصم رجلَانِ فِي حَائِط فاصطلحا على أَن يكون أَصله لاحدهما وَللْآخر مَوضِع جذوعه وَأَن
يَبْنِي عَلَيْهِ حَائِطا مَعْلُوما وَيحمل جذوعا مَعْلُومَة لَا يجوز.
كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ.
إِذا اخْتصم رجلَانِ فِي حَائِط فاصطلحا على أَن يهدماه وَكَانَ مخوفا وَأَن يبنياه على أَن لاحدهما ثلثه وَللْآخر ثُلثَيْهِ وَالنَّفقَة عَلَيْهِمَا على قدر ذَلِك، وعَلى أَن يحملا عَلَيْهِ من الْجُذُوع بِقدر ذَلِك فَهُوَ جَائِز.
كَذَا فِي الْحَاوِي.
إِذا وَقع الصُّلْح من دَعْوَى الدَّار على دَرَاهِم وافترقا قبل قبض بدل الصُّلْح لَا ينْتَقض الصُّلْح.
كَذَا فِي الْمُحِيط.
إِذا كَانَ لانسان نَخْلَة فِي ملكه فَخرج سعفها إِلَى دَار جَاره فَأَرَادَ الْجَار قطع السعف فَصَالحه رب النَّخْلَة على دَرَاهِم مُسَمَّاة على أَن يتْرك النَّخْلَة فَإِن ذَلِك لَا يجوز، وَإِن وَقع الصُّلْح على الْقطع، فَإِن أعْطى صَاحب النَّخْلَة جَاره دَرَاهِم ليقطع كَانَ جَائِزا وَأَنه أعْطى الْجَار دَرَاهِم لصَاحب النَّخْلَة ليقطع كَانَ بَاطِلا.
رجل اشْترى دَارا لَهَا شَفِيع فَصَالح الشَّفِيع على أَن يُعْطي للشَّفِيع دَرَاهِم مُسَمَّاة ليسلم الشَّفِيع الشُّفْعَة بطلت الشُّفْعَة وَلَا يجب المَال، وَإِن كَانَ أَخذ المَال رده على المُشْتَرِي.
كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان.
وَلَو صَالح المُشْتَرِي مَعَ الشَّفِيع على أَن أعطَاهُ الدَّار وزاده الشَّفِيع على الثّمن شَيْئا مَعْلُوما فَهُوَ جَائِز كَذَا فِي الْمَبْسُوط.
وَإِن صَالح على أَن يَأْخُذ نصف المُشْتَرِي أَو ثلثه أَو ربعه على أَن يسلم الشُّفْعَة فِي الْبَاقِي كَانَ جَائِزا فَإِن وجد هَذَا الِاصْطِلَاح مِنْهُمَا بعد تَأَكد حق الشَّفِيع بِطَلَب المواثبة وَطلب الاشهاد فَإِنَّهُ يصير آخِذا لِلنِّصْفِ بِالشُّفْعَة حَتَّى لَا يَتَجَدَّد فِيمَا أَخذ بِالشُّفْعَة مرّة أُخْرَى وَيصير مُسلم الشُّفْعَة فِي النّصْف، حَتَّى لَو كَانَ هَذَا الشَّفِيع شَرِيكا فِي الْمَبِيع أَو فِي الطَّرِيق كَانَ للْجَار أَن يَأْخُذ النّصْف الَّذِي لم يَأْخُذهُ هَذَا الشَّفِيع بِالشُّفْعَة، وَإِن كَانَ هَذَا الِاصْطِلَاح قبل وجود الطّلب من الشَّفِيع فَإِنَّهُ يصير آخِذا لِلنِّصْفِ بشرَاء مُبْتَدأ ويتجدد فِيمَا أَخذ الشُّفْعَة.
هَكَذَا فِي الْمُحِيط.
لَو صَالح المُشْتَرِي الشَّفِيع على أَن يسلم الشُّفْعَة على بَيت من الدَّار بِحِصَّتِهِ من الثّمن فَالصُّلْح بَاطِل وَحقّ الشُّفْعَة بَاطِل، وَهَذَا إِذا كَانَ الصُّلْح بعد تَأَكد حَقه بِالطَّلَبِ، فَأَما قبل الطّلب بطلت الشُّفْعَة.
كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ.
إِذا ادّعى رجل شُفْعَة فِي دَار فَصَالحه المُشْتَرِي على أَن يسلم لَهُ دَارا أُخْرَى بِدَرَاهِم مُسَمَّاة على أَن يسلم لَهُ الشُّفْعَة فَهَذَا فَاسد لَا يجوز.
كَذَا فِي الْمَبْسُوط.
رجل قتل رجلا عمدا وَقتل آخر خطأ ثمَّ صَالح أولياءهما على أَكثر من ديتين فَالصُّلْح جَائِز وَلِصَاحِب الْخَطَأ الدِّيَة وَمَا بَقِي فَلصَاحِب الْعمد، وَلَو صَالح أولياءهما على ديتين أَو أقل مِنْهُمَا كَانَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ.
وَبدل الصُّلْح فِي دم الْعمد جَار مجْرى الْمهْر، فَكل جَهَالَة تحملت فِي الْمهْر تتحمل هُنَا، وَمَا يمْنَع صِحَة التَّسْمِيَة يمْنَع وُجُوبه فِي الصُّلْح، وَعند فَسَاد التَّسْمِيَة يسْقط الْقود وَيجب بدل النَّفس وَهُوَ الدِّيَة، نَحْو أَن يُصَالح على ثوب كَمَا يجب مهر الْمثل فِي النِّكَاح إِلَّا أَنَّهُمَا يفترقان من وَجه، وَهُوَ أَنه إِذا تزَوجهَا على خمر يجب مهر الْمثل.
وَلَو صَالح عَن دم الْعمد على خمر لَا يجب شئ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَفِي الْخَطَأ تجب الدِّيَة.
كَذَا فِي الِاخْتِيَار شرح الْمُخْتَار.
وَلَو صَالحه بِعَفْو عَن دم على عَفْو عَن دم آخر جَازَ كالخلع.
كَذَا فِي الِاخْتِيَار.

(8/406)


جرح رجلا عمدا فَصَالحه لَا يَخْلُو: إِمَّا إِن برِئ أَو مَاتَ مِنْهَا، فَإِن صَالحه من الْجراحَة أَو من الضَّرْبَة أَو من الشَّجَّة أَو من الْقطع أَو من الْيَد أَو من الْجِنَايَة لَا غير جَازَ الصُّلْح إِن برِئ بِحَيْثُ بَقِي لَهُ أثر وَإِن برِئ بِحَيْثُ لم يبْق لَهُ أثر بَطل الصُّلْح، فَأَما إِذا مَاتَ من ذَلِك بَطل الصُّلْح عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَوَجَبَت الدِّيَة خلافًا لَهما، وَإِن صَالحه عَن الاشياء الْخَمْسَة وَمَات يحدث مِنْهَا فَالصُّلْح جَائِز إِن مَاتَ مِنْهَا، وَأما إِذا برِئ مِنْهَا ذكر هَاهُنَا أَن الصُّلْح جَائِز.
وَذكر فِي الْوكَالَة لَو أَن رجلا شج رجلا مُوضحَة فَوكل إنْسَانا ليصالح عَن الشَّجَّة وَمَا يحدث مِنْهَا إِلَى النَّفس: فَإِن مَاتَ كَانَ الصُّلْح من النَّفس.
وَإِن برِئ يجب تِسْعَة أعشار المَال وَنصف عشره وَيسلم للمشجوج نصف عشر المَال.
وَقَالَ عَامَّة مَشَايِخنَا اخْتلفَا لاخْتِلَاف الْوَضع، فَإِن الْوَضع ثمَّة أَنه صَالح عَن الْجراحَة وَعَما يحدث مِنْهَا إِلَى النَّفس وَهُوَ مَعْلُوم فَأمكن قسْمَة الْبَدَل على الْقَائِم والحادث جَمِيعًا، وَهَا هُنَا صَالحه عَن الْجراحَة، وكل مَا يحدث مِنْهَا وَهُوَ مَجْهُول قد يحدث وَقد لَا يحدث، وَإِذا حدث لَا يدْرِي أَي قدر يحدث فَتعذر قسْمَة الْبَدَل على الْقَائِم والحادث فَصَارَ الْبَدَل كُله بِإِزَاءِ الْقَائِم، وَأما إِذا صَالحه عَن الْجِنَايَة يجوز الصُّلْح فِي
الْفُصُول كلهَا إِلَّا إِذا برِئ بِحَيْثُ لم يبْق لَهُ أثر.
كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ.
رجل قتل عمدا وَله ابْنَانِ فَصَالح أَحدهمَا عَن حِصَّته على مائَة دِرْهَم فَهُوَ جَائِز وَلَا شركَة لاخيه فِيهَا، وَلَو كَانَ الْقَتْل خطأ فَصَالحه أَحدهمَا على مَال كَانَ لشَرِيكه أَن يُشَارِكهُ فِي ذَلِك إِلَّا أَن يَشَاء الْمصَالح أَن يُعْطِيهِ ربع الارش.
هَكَذَا فِي الْمَبْسُوط.
فِي الْمُنْتَقى عَن ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله قَالَ فِي رجل قطع يَمِين رجل فَصَالحه الْمَقْطُوع يَده على أَن يقطع يسَار الْقَاطِع فَقَطعه فَهَذَا عَفْو عَن الاول، وَلَا شئ على قَاطع الْيَسَار وَلَا شئ لَهُ على قَاطع الْيَمين، وَإِن اخْتَصمَا قبل أَن يقطع يسَاره وَقد صَالحه على ذَلِك فَلَيْسَ لَهُ أَن يقطع يسَاره وَلَكِن رَجَعَ بدية يَمِينه، وَإِن صَالحه على أَن يقطع يَد الْقَاطِع وَرجله أَو على أَن يقتل عبد الْقَاتِل، إِن قطع يَده وَرجله رَجَعَ عَلَيْهِ بدية رجله، وَإِن قتل عَبده فَلهُ عَلَيْهِ قيمَة عَبده مقاصة مِنْهَا بدية يَده ويترادان الْفضل.
وَلَو صَالح على أَن يقطع يَد هَذَا الْحر أَو على أَن يقتل عبد فلَان فَفعل يغرم دِيَة الْحر الآخر وَقِيمَة عَبده وَيرجع الْمَقْطُوع يَده على الْقَاطِع بدية يَده.
كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ.
إِذا كَانَ فِي الدِّيوَان عَطاء مَكْتُوب باسم رجل فنازعه فِيهِ آخر وَادّعى أَنه لَهُ فَصَالحه الْمُدعى عَلَيْهِ على دَرَاهِم أَو دَنَانِير حَالَة أَو إِلَى أجل فَالصُّلْح بَاطِل، وَكَذَلِكَ لَو صَالحه على شئ بِعَيْنِه فَهُوَ بَاطِل، كَذَا فِي الْمَبْسُوط.
لَهُ عَطاء فِي الدِّيوَان مَاتَ عَن ابْنَيْنِ فاصطلحا على أَن يكْتب فِي الدِّيوَان باسم أَحدهمَا وَيَأْخُذ الْعَطاء وَالْآخر لَا شئ لَهُ من الْعَطاء ويبذله من كَانَ لَهُ الْعَطاء مَالا مَعْلُوما فَالصُّلْح بَاطِل، وَيرد بدل الصُّلْح وَالعطَاء للَّذي جعل الامام الْعَطاء لَهُ.
كَذَا فِي الْوَجِيز للكردي.
مطلب: لَا يَصح صلح وَكيل الْخُصُومَة الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ إِذا صَالح لَا يَصح، بِخِلَاف مَا إِذا أَمر.
كَذَا فِي متفرقات الذَّخِيرَة.
لَا يجوز التَّصَرُّف فِي بدل الصُّلْح قبل الصُّلْح إِذا كَانَ مَنْقُولًا، فَلَا يجوز للْمُدَّعِي بَيْعه وهبته وَنَحْو ذَلِك، فَإِن كَانَ عقارا يجوز عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.

(8/407)


لَا يَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يُبَاشر الصُّلْح بِنَفسِهِ، بل يُفَوض ذَلِك إِلَى غَيره من المتوسطين، وسبيل القَاضِي أَن لَا يُبَادر فِي الْقَضَاء بل يرد الْخُصُوم إِلَى الصُّلْح مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا إِذا كَانَ يَرْجُو الاصلاح بَينهم بِأَن كَانُوا يميلون إِلَى الصُّلْح وَلَا يطْلبُونَ الْقَضَاء لَا محَالة، فَأَما إِذا طلبُوا الْقَضَاء لَا محَالة وأبوا الصُّلْح: إِن كَانَ وَجه الْقَضَاء ملتبسا غير مستبين للْقَاضِي أَن يردهم إِلَى الصُّلْح، أما إِذا كَانَ وَجه الْقَضَاء مستبينا: فَإِن وَقعت الْخُصُومَة بَين أجنبيين يقْضى بَينهم وَلَا يردهم إِلَى الصُّلْح حِين أَبَوا، وَإِن وَقعت الْخُصُومَة بَين أهل قبيلتين أَو بَين الْمَحَارِم يردهم إِلَى الصُّلْح مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَإِن أَبَوا الصُّلْح.
هَكَذَا فِي الذَّخِيرَة.
الْكَفِيل بِالنَّفسِ إِذا صَالح على مَال على أَن يُبرئهُ من الْكفَالَة فَالصُّلْح بَاطِل، وَهل تبطل الْكفَالَة؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ.
فِي رِوَايَة تسْقط.
هَكَذَا فِي الْبَدَائِع، وَبِه يُفْتى، كَذَا فِي الذَّخِيرَة اهـ.
وَالله تَعَالَى أعلم، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم.

(8/408)