قره عين الأخيار لتكملة رد المحتار علي «الدر المختار شرح تنوير الأبصار»

كتاب الْمُضَاربَة
قَالَا منلا مِسْكين: هِيَ كالمصالحة من حَيْثُ إِنَّهَا تَقْتَضِي وجود الْبَدَل من جَانب وَاحِد اهـ.
قَالَ الْحَمَوِيّ: وَفِيه تَأمل، لَان الصُّلْح إِذا كَانَ عَن مَال بِإِقْرَار يكون بيعا وَالْبيع يَقْتَضِي وجود الْمُبَادلَة من الْجَانِبَيْنِ اهـ.
وَأجَاب عَنهُ أَبُو السُّعُود عَن شَيْخه بِأَنَّهُ يَكْفِي فِي بَيَان وَجه الْمُنَاسبَة اشْتِرَاك الْمُضَاربَة وَالصُّلْح فِي الْوُجُود الصُّورِي، وباعتباره يكون قاصرا على الْمصَالح عَلَيْهِ، وَلَا شكّ أَن وجوده من جَانب وَاحِد كرأس مَال الْمُضَاربَة.
وَأما اعْتِبَار الصُّلْح عَن مَال بِإِقْرَار بيعا فبالنظر إِلَى الْمَعْنى كَمَا لَا يخفى اهـ.
أَي أَنه لَا يلْزم فِي الْمُنَاسبَة أَن تكون من كل الْوُجُوه وَقد اعْتبرت هُنَا فِي قسمَيْنِ من الصُّلْح عَن إِنْكَار أَو سكُوت.

قَوْله: (هِيَ مفاعلة) لكَونهَا على غير بَابهَا.

قَوْله: (وَهُوَ السّير فِيهَا) قَالَ الله تَعَالَى: * ((73) وَآخَرُونَ يضْربُونَ فِي الارض يَبْتَغُونَ من فضل الله) * (المزمل: 02) يَعْنِي يسافرون للتِّجَارَة، وَسمي هَذَا العقد بهَا لَان الْمضَارب يسير فِي الارض غَالِبا لطلب الرِّبْح، وَلِهَذَا قَالَ الله تَعَالَى - يضْربُونَ فِي الارض يَبْتَغُونَ من فضل الله - وَهُوَ الرِّبْح وَأهل الْحجاز يسمون هَذَا العقد مقارضة، وَهُوَ مُشْتَقّ من
الْقَرْض لَان صَاحب المَال يقطع قدرا من مَاله ويسلمه لِلْعَامِلِ.
وأصحابنا اخْتَارُوا لَفْظَة الْمُضَاربَة لكَونهَا مُوَافقَة لما تلونا من نظم الْآيَة، وَهِي مَشْرُوعَة لشدَّة الْحَاجة إِلَيْهَا من الْجَانِبَيْنِ، فَإِن من النَّاس من هُوَ صَاحب مَال وَلَا يَهْتَدِي إِلَى التَّصَرُّف، وَمِنْهُم من هُوَ بِالْعَكْسِ فشرعت لتنتظم مصالحهم، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعث وَالنَّاس يتعاملون بهَا فأقرهم عَلَيْهَا وتعاملتها الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، أَلا ترى إِلَى مَا يرْوى أَن عَبَّاس بن عبد الْمطلب كَانَ إِذا دفع مَالا مُضَارَبَة شَرط عَلَيْهِ أَن لَا يسْلك بِهِ بحرا وَلَا ينزل وَاديا وَلَا يَشْتَرِي ذَات كبد رطب، فَإِن فعل ذَلِك ضمن، فَبلغ ذَلِك رَسُول الله (ص) فَاسْتَحْسَنَهُ فَصَارَت مَشْرُوعَة بِالسنةِ والاجماع.
كَذَا ذكره الزَّيْلَعِيّ.
وَوجه الْمُنَاسبَة بَين الْكِتَابَيْنِ من حَيْثُ أَن كلا مِنْهُمَا مُشْتَمل على الاسترباح.
أما الْمُضَاربَة فَإِن مبناها على هَذَا.
وَأما الصُّلْح فَإِن الْمصَالح من الْمُدعى عَلَيْهِ مستربح سَوَاء كَانَ الصُّلْح عَن إِقْرَار أَو عَن إِنْكَار أَو عَن سكُوت.
عَيْني.

قَوْله: (وَشرعا عقد شركَة) قَالَ فِي النِّهَايَة: وَمن يحذو حذوه أَنَّهَا دفع المَال إِلَى غَيره ليتصرف فِيهِ وَيكون الرِّبْح بَينهمَا على مَا شرطا.
وَرجح البرجندي هَذَا التَّعْرِيف، وَضَعفه صَاحب التكملة بِأَن الْمُضَاربَة لَيست الدّفع الْمَذْكُور، بل هِيَ عقد يحصل قبل ذَلِك أَو مَعَه.
ثمَّ عقد الشَّوْكَة فِي الرِّبْح لَا يسْتَلْزم وجود الرِّبْح، فَلَا يرد عَلَيْهِ أَنه قد لَا يُوجد الرِّبْح أصلا، وَخُرُوج الْفَاسِدَة عَن التَّعْرِيف لَا يقْدَح فِيهِ لانها تنْقَلب حِينَئِذٍ إِلَى الاجارة كَذَا أَفَادَهُ المنلا عبد الْحَلِيم.

قَوْله: (فِي الرِّبْح) وَإِن لم يشتركا فِي الرِّبْح خرج العقد إِلَى البضاعة أَو الْقَرْض.
قَالَ فِي الْبَحْر: فَلَو شَرط الرِّبْح لاحدهما لَا تكون مُضَارَبَة اهـ.
وَيجوز التَّفَاوُت فِي الرِّبْح، وَإِذا كَانَ المَال من اثْنَيْنِ فَلَا بُد من تساويهما فِيمَا فضل من الرِّبْح، حَتَّى لَو شَرط لاحدهما الثُّلُثَانِ وَللْآخر الثُّلُث فِيمَا فضل فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي رَأس المَال اهـ.
كَمَا يَأْتِي
قَوْله: (بِمَال من جَانب الخ) أَي هَذَا مُسَمّى الْمُضَاربَة، وَأما كَونه إيداعا ابْتِدَاء فَلَيْسَ هُوَ مفهوما لَهَا بل هُوَ حكمهَا كَمَا ذكره، لانه ترك مَاله فِي يَد غَيره لَا على طَرِيق الِاسْتِبْدَال وَلَا الْوَثِيقَة فَيكون أَمَانَة، فَهُوَ دَاخل فِي معنى

(8/409)


الْوَدِيعَة وَلَيْسَ هُوَ مُسَمّى عقد الْمُضَاربَة، فَإِذا عمل فِيهِ كَانَ عَاملا فِيهِ بِإِذن مَالِكه، وَهُوَ معنى الْوَكِيل لَهُ
فَلذَلِك كَانَ من حكمهَا أَنَّهَا تَوْكِيل مَعَ الْعَمَل، فَإِن ربح كَانَ شَرِيكا لانها قد عقدت بِمَالٍ مِنْ جَانِبِ رَبِّ الْمَالِ وَعَمَلٍ مِنْ جَانب الآخر على أَن يكون الرِّبْح بَينهمَا، فَلَمَّا حصل الرِّبْح كَانَ لَهُ نصيب مِنْهُ فَكَانَت شركَة حِينَئِذٍ وغصب إِن خَالف، لانه تصرف فِي مَاله بِغَيْر إِذْنه حَيْثُ خَالف مَا شَرطه عَلَيْهِ وَخرجت حِينَئِذٍ عَن كَونهَا مُضَارَبَة، فَلِذَا لَا تعود وَإِن أجَاز رب المَال، لَان عقد الْمُضَاربَة قد انْفَسَخ بالمخالفة والمفسوخ لَا تلْحقهُ الاجازة، وَإِجَارَة فَاسِدَة إِن فَسدتْ لَان الرِّبْح إِنَّمَا يسْتَحق بِعقد الْمُضَاربَة، فَإِذا فَسدتْ لَا يسْتَحق شيثئا مِنْهُ، وَلذَا قَالَ: فَلَا ربح للْمُضَارب، لكنه عمل فِي مَاله بِإِذْنِهِ غير مُتَبَرّع فَيكون إِجَارَة فَلِذَا وَجب أجر مثله ربح أَو لَا كَمَا هُوَ حكم الاجارة، وَإِنَّمَا كَانَت فَاسِدَة لعدم وجود العقد الصَّحِيح الْمُفِيد للاجارة، وَبِهَذَا التَّقْرِير انْدفع مَا أوردهُ صدر الشَّرِيعَة.
تَأمل.

قَوْله: (وَعمل من جَانب الْمضَارب) لَان قبض المَال بِإِذن مَالِكه لَا على وَجه الْمُبَادلَة والوثيقة، بِخِلَاف الْمَقْبُوض على سوم الشِّرَاء لانه قَبضه بَدَلا، وَبِخِلَاف الرَّهْن لانه قَبضه وَثِيقَة.
دُرَر وَهُوَ أَي عمل بِالرَّفْع.
كَذَا ضَبطه الشَّرْح اهـ.
شلبي.
فَيكون عطفا على قَوْله عقد فَيَقْتَضِي أَن حَقِيقَتهَا العقد وَالْعَمَل وَهُوَ يُنَافِي مَا بعد من قَوْله وركنها الخ فَلَو كَانَ مجرورا عطفا على مَال وَالْجَار وَالْمَجْرُور فِي قَوْله بِمَال مُتَعَلق بِمَحْذُوف تَقْدِيره وَتَكون لَكَانَ وجيها.
فالاولى أَن يَقُول: وَهِي عبارَة عَن عقد على الشّركَة فِي الرِّبْح بِمَال من أحد الْجَانِبَيْنِ وَعمل من الآخر كَمَا فعل فِي الْهِنْدِيَّة، وَهُوَ مؤيد مَا قُلْنَا كَمَا فِي ط.
وَإِنَّمَا قيد الشَّارِح بالمضارب لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَطَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَعْمَلَ مَعَ الْمُضَارِبِ فَسَدَتْ، كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ، وَكَذَا تَفْسُدُ لَوْ أَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمُضَارِبِ بِلَا أَمَرَهُ وَبَاعَ وَاشْترى بِهِ، إِلَّا إِذا صَارَ الْمَالُ عُرُوضًا فَلَا تَفْسُدُ لَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْمُتَفَرِّقَاتِ.

قَوْله: (وركنها الايجاب وَالْقَبُول) قَالَ الْحَمَوِيّ فِي شَرحه: وركنها اللَّفْظ الدَّال عَلَيْهَا كَقَوْلِه دفعت إِلَيْك هَذَا المَال مُضَارَبَة أَو مقارضة أَو مُعَاملَة أَو خُذ هَذَا المَال واعمل بِهِ على أَن لَك من الرِّبْح نصفه أَو ثلثه أَو قَالَ ابتع بِهِ مَتَاعا فَمَا كَانَ من فضل فلك مِنْهُ كَذَا أَو خُذ هَذَا بِالنِّصْفِ، بِخِلَاف خُذ هَذَا الالف واشتر هرويا بِالنِّصْفِ وَلم يزدْ عَلَيْهِ فَلَيْسَ مُضَارَبَة بل إِجَارَة فَاسِدَة لَهُ أجر مثله إِن اشْترى وَلَيْسَ لَهُ
البيع إِلَّا بِأَمْر اهـ.
وَيَقُول الْمضَارب قبلت أَو مَا يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنى اهـ.
قَاضِي زَاده.

قَوْله: (وحكمهما أَنْوَاع) لَكِنَّهَا بأنظار مُخْتَلفَة.
قَالَ المنلا عبد الْحَلِيم.

قَوْله: (وَحكمهَا أَنْوَاع) : الاول أَقُول: اللَّائِق أَن يدرج فِي غَيره أَيْضا قَوْلنَا الثَّانِي وَالثَّالِث وَغَيرهمَا كَمَا أدرج فِي قَوْله وَشَرطهَا وعد الانواع الْمَذْكُورَة أَحْكَامهَا بِنَاء على أَن حكم الشئ مَا يثبت بِهِ ويبتني عَلَيْهِ، وَلَا خَفَاء فِي أَنه يُرَاعِي ذَلِك فِي كل حكم مِنْهَا فِي وقته، فَلَا يرد عَلَيْهِ أَن معنى الاجارة وَالْغَصْب نَاقض لعقد الْمُضَاربَة منَاف لصحتها فَكيف يَجْعَل حكما من أَحْكَامهَا، وَمن هَذَا يظْهر حسن سبك المُصَنّف فِي تَحْرِير الْمَتْن حَيْثُ قَالَ وَأما دفع المَال الخ لَان الابضاع والاقراض لم يبتنيا على هَذَا العقد بل يفترقان عَنهُ أول الامر كَمَا لَا يخفى اهـ.

قَوْله: (لانها إِيدَاع ابْتِدَاء) لانه قبض المَال بِإِذن مَالِكه لَا على وَجه الْمُبَادلَة والوثيقة إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا، وَلَو حذف.

قَوْله: (لانها) وَيكون.

قَوْله: (إِيدَاع) بَدَلا مِمَّا

(8/410)


قبله مَا ضره، وَقَوله ابْتِدَاء ظَاهره أَنَّهَا لَا تكون فِي الْبَقَاء كَذَلِك مَعَ أَنَّهَا تكون أَمَانَة فِيهِ فَحكم الِابْتِدَاء والبقاء سَوَاء.
فَإِن قيل: أَرَادَ الايداع حَقِيقَة وَهِي فِي الْبَقَاء أَمَانَة قُلْنَا: هَذَا غير ظَاهر، فَتدبر ط.
قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: سَيَأْتِي أَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ فِي الْمُطْلَقَةِ مَعَ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُودِعَ لَا يُودَعُ، فَالْمُرَادُ فِي حُكْمِ عَدَمِ الضَّمَانِ بِالْهَلَاكِ وَفِي أَحْكَامٍ مَخْصُوصَةٍ لَا فِي كل حكم فَتَأمل.

قَوْله: (وَمن حيل الضَّمَان الخ) لَيست هَذِه حِيلَة فِي الْمُضَاربَة بل قد خرج العقد إِلَى الشّركَة فِي رَأس المَال.
وَذكر الزَّيْلَعِيّ حِيلَة أُخْرَى أَيْضا فَقَالَ: وَإِذا أَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُضَارِبَ بِالْهَلَاكِ يُقْرِضُ الْمَالَ مِنْهُ ثُمَّ يَأْخُذُهُ مِنْهُ مُضَارَبَةً ثمَّ يبضع الْمضَارب كَمَا فِي الْوَاقِعَات.
وَذكر هَذِه الْحِيلَة الْقُهسْتَانِيّ.
وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا تَكُونُ شَرِكَةَ عَنَانٍ شُرِطَ فِيهَا الْعَمَلُ عَلَى الْأَكْثَرِ مَالًا وَهُوَ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ عَنْ الْأَصْلِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ.
تَأَمَّلْ.
وَكَذَا فِي شَرِكَةِ الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَلِآخَرَ أَلْفَانِ وَاشْتَرَكَا وَاشْتَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى صَاحِبِ الْأَلْفِ وَالرِّبْحَ أَنْصَافًا جَازَ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَا الرِّبْحَ وَالْوَضِيعَةَ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَالْعَمَلَ مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ جَازَ، وَلَوْ شَرَطَا الْعَمَلَ
عَلَى صَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ وَالرِّبْحَ نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ الشَّرْطُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، لِأَنَّ ذَا الْأَلْفِ شَرَطَ لِنَفْسِهِ بَعْضَ ربح الْآخَرِ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَلَا مَالٍ، وَالرِّبْحُ إنَّمَا يسْتَحق بِالْعَمَلِ أَو المَال أَوْ بِالضَّمَانِ اهـ مُلَخَّصًا.
لَكِنْ فِي مَسْأَلَةِ الشَّارِحِ شَرَطَ الْعَمَلَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لَا على صَاحب الاكثر فَقَط وَهُوَ صَحِيح سَالم من الْفساد كَمَا سيصرح بِهِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الرِّبْحِ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ كَمَا قدمْنَاهُ عَن الْبَحْر، إلَّا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَمَلٌ فَيَصِحُّ أَنْ يكون أَكثر رِبْحًا بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْهُمَا يَصح التَّفَاوُت أَيْضا تَأمل.

قَوْله: (ثمَّ يعْقد شركَة عنان) وَهِي لَا يلْزمهَا أَن يكون الرِّبْح فِيهَا على قدر المَال فَلَهُمَا أَن يتَّفقَا على منصافة الرِّبْح.
ح
قَوْله: (على أَن يعملا) ذكره لانه لَو شَرط الْعَمَل على أَحدهمَا فَسدتْ كَمَا مر فِيهَا والمفسد اشْتِرَاط عمل أَحدهمَا لَا الاطلاق.

قَوْله: (ثمَّ يعْمل الْمُسْتَقْرض فَقَط) أَي بِطيب نفس مِنْهُ لَا بِشَرْط عَلَيْهِ، لَان شَرط الشّركَة أَن يكون الْعَمَل عَلَيْهِمَا كَمَا قَالَ على أَن يعملا، لَكِن الشَّرْط إِنَّمَا هُوَ اشْتِرَاط الْعَمَل عَلَيْهِمَا لَا وجوده مِنْهُمَا، فَإِن الْعَمَل لَا يَتَأَتَّى من اثْنَيْنِ عَادَة فَيصح أَن ينْفَرد أَحدهمَا بِهِ بعد أَن شَرط عَلَيْهِمَا كَمَا هُوَ مُقْتَضى عقد الشّركَة وَيكون الرِّبْح بَينهمَا على حسب الشَّرْط، لَان كلا مِنْهُمَا وَكيل بِمَا يعمله عَن صَاحبه فَيَقَع شِرَاء كل لَهما بالاصالة عَن نفس الْمُبَاشر، وبالوكالة عَن شَرِيكه لَان الشّركَة تتضمنها وَيكون الرِّبْح على حسب الشَّرْط كَمَا تقدم فِي بَابهَا.

قَوْله: (وتوكيل مَعَ الْعَمَل) حَتَّى يرجع بِمَا لحقه من الْعهْدَة عَلَيْهِ.
منح.
كَمَا لَو رد على الْمضَارب بِالْعَيْبِ وَلم يُوجد مَا يُؤَدِّي ثمنه من مَال الْمُضَاربَة أَو اسْتحق فِي يَد المُشْتَرِي وَرجع على الْمضَارب بِثمنِهِ وَلم يُوجد مَا يُؤَدِّيه فَأدى من مَال نَفسه يرجع إِلَى رب المَال.
هَذَا مَا ظهر لي وكما سيجئ من قَوْله شرى عبدا بألفها وَهلك الالف قبل نَقده دفع المَال ثمنه ثمَّ وَثمّ: يَعْنِي يرجع الْمضَارب بِالثّمن على الْمَالِك.

(8/411)


وَأَقُول: هَذِه الْوكَالَة ضمنية كَمَا فِي وكَالَة الشّركَة كَمَا ذكرنَا، فشملت وكَالَة بِمَجْهُول الْجِنْس وَجَازَت، بِخِلَاف الْوكَالَة القصدية فَإِنَّهَا لم تجز وكَالَة بِمَجْهُول الْجِنْس نَحْو التَّوْكِيل بشرَاء ثوب وَنَحْوه
على مَا مر.

قَوْله: (وَشركَة إِن ربح) لَان الرِّبْح حصل بِالْمَالِ وَالْعَمَل فيشتركان فِيهِ.
منح.
أَقُول: بل تكون شركَة بِمُجَرَّد الشِّرَاء، أَلا ترى لَيْسَ لرب المَال فَسخهَا بعده، وَلَو كَانَت وكَالَة لَكَانَ لَهُ فَسخهَا حِينَئِذٍ وَأخذ البضاعة.
نعم اسْتِحْقَاقه لشئ من المَال مَوْقُوف على ظُهُور الرِّبْح، وَلذَا لَو عتق عبد الْمُضَاربَة لَا يعْتق مَا لم يتَحَقَّق الرِّبْح.
تَأمل.

قَوْله: (وغصب إِن خَالف) لتعديه على مَال غَيره فَيكون ضَامِنا، وَاسْتشْكل قَاضِي زَاده عد الْغَصْب والاجارة من أَحْكَامهَا، لَان معنى الاجارة إِنَّمَا يظْهر إِذا فَسدتْ الْمُضَاربَة، وَمعنى الْغَصْب إِنَّمَا يتَحَقَّق إِذا خَالف الْمضَارب، وكلا الامرين نَاقض لعقد الْمُضَاربَة منَاف لصحتها فَكيف يَصح أَن يجعلا من أَحْكَامهَا وَحكم الشئ مَا يثبت بِهِ، وَالَّذِي يثبت بمنافيه لَا يثبت بِهِ قطعا.
فَإِن قلت: قد صلحا أَن يَكُونَا حكما للفاسدة.
قُلْنَا: الاركان والشروط الْمَذْكُورَة هُنَا للصحيحة، فَكَذَا الاحكام، على أَن الْغَصْب لَا يَصح حكما للفاسدة، لَان حكمهَا أَن يكون لِلْعَامِلِ أجر عمله وَلَا أجر للْغَاصِب اهـ.
مُخْتَصرا ط.
وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ عِنْد قَوْله بِمَال من جَانب الخ.

قَوْله: (وَإِن أجَاز رب المَال بعده) حَتَّى لَو اشْترى الْمضَارب مَا نهى عَنهُ ثمَّ بَاعه وَتصرف فِيهِ ثمَّ أجَاز رب المَال لم يجز.
منح.
فَيضمن بِالْغَصْبِ وَيكون الرِّبْح بَعْدَمَا صَار مَضْمُونا عَلَيْهِ لَهُ وَلَكِن لَا يطيب لَهُ عِنْدهمَا.
وَعند الثَّانِي يطيب لَهُ كَالْغَاصِبِ وَالْمُودع إِذا تَصرفا وربحا فَإِنَّهُمَا على الْخلاف الْمَذْكُور.
اهـ.
شلبي عَن الْغَايَة.
وَفِي سري الدّين عَن الْكَافِي أَنه بعد الاجازة يكون كالمستبضع: يَعْنِي أَن البضاعة وَدِيعَة فِي يَده، وَإِذا خَالف يَنْقَلِب إِلَى الْغَصْب وَلَو أجَاز بعده اهـ.
وَفِيه مُخَالفَة لما هُنَا كل الْمُخَالفَة، وَيَنْبَغِي اعْتِمَاد مَا هُنَا ط بِزِيَادَة.

قَوْله: (لصيرورته غَاصبا بالمخالفة) فِيهِ تَعْلِيل الشئ بِنَفسِهِ.

قَوْله: (بل لَهُ أجر مثل عمله مُطلقًا) وَهُوَ ظَاهر الرِّوَايَة.
قُهُسْتَانِيّ.
لانه لَا يسْتَحق الْمُسَمّى لعدم الصِّحَّة وَلم يرض بِالْعَمَلِ مجَّانا فَيجب أجر الْمثل.
وَعَن أبي يُوسُف: إِن لم يربح فَلَا أَجْرَ لَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِئَلَّا تَرْبُوَ الْفَاسِدَةُ على الصَّحِيحَة.
شَيخنَا عَن ابْن الْغَرْس على الْهِدَايَة.
اهـ.
أَبُو السُّعُود.
وَفِي الْهِدَايَة: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا لَمْ يَرْبَحْ لَا يجب الآخر اعْتِبَارا بالمضاربة الصَّحِيحَة اهـ.
اتّفق الشُّرَّاح على صِحَة هَذَا التَّعْلِيل، لَان الْفَاسِد يُؤْخَذ حكمه من الصَّحِيح من جنسه أبدا كَمَا فِي البيع
الْفَاسِد، وَلَكِن تصدوا فِي الْجَواب عَنهُ بِأَنَّهُ نعم كَذَلِك إِذا كَانَ انْعِقَاد الْفَاسِد كانعقاد الصَّحِيح كَمَا فِي المنبع، وَهنا لَيْسَ كَذَلِك لَان الْمُضَاربَة الصَّحِيحَة تَنْعَقِد شركَة والفاسدة تَنْعَقِد إِجَارَة فَتعْتَبر بالاجارة الصَّحِيحَة عِنْد إِيفَاء الْعَمَل.
ورده صَاحب البيانة بِاعْتِبَار فَاسد الْمُضَاربَة بصحيحها أولى من جعلهَا إِجَارَة، لانهما رَضِيا أَن يكون لِلْعَامِلِ جُزْء من الرِّبْح لَو حصل، وبالحرمان إِن لم يحصل وَلم يرض رب المَال أَن يكون فِي ذمَّته شئ فِي مُقَابلَة عمله، فإيجابه يكون إِيجَابا بِغَيْر دَلِيل، فهدم الاصل الضَّعِيف أولى من إِلْغَاء التَّعْلِيل الصَّحِيح هَذَا.

قَوْله: (بِلَا زِيَادَة على الْمَشْرُوط أَي الْمُسَمّى كَمَا هُوَ حكم الاجارة الْفَاسِدَة وَقد مر، وَهَذَا فِيمَا إذَا رَبِحَ، وَإِلَّا فَلَا تَتَحَقَّقُ الزِّيَادَةُ وَلَا يكون لَهُ أجر مَا لم يربح أَو يكن

(8/412)


الْفَاسِد بِسَبَب تَسْمِيَة دَرَاهِم مُعينَة لِلْعَامِلِ لانه لم يرض حِينَئِذٍ بالحرمان عِنْد عدم الرِّبْح.
تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا رَبِحَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَرْبَحْ فَأَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرٌ بِنِصْفِ الرِّبْحِ الْمَعْدُومِ كَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ، لَكِنْ فِي الْوَاقِعَاتِ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا رَبِحَ، وَمَا قَالَه مُحَمَّد بِأَن لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فِيمَا هُوَ أَعم.
ذكره الشمني.
وَأفَاد فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة نقلا عَن التَّبْيِين وَشرح الْمجمع وَالْخُلَاصَة أَن وجوب أجر الْمثل مُطلقًا قَول مُحَمَّد، وَمعنى الاطلاق ربح أَو لم يربح زَاد على الْمُسَمّى أَولا.
وَعند أبي يُوسُف: يجب إِن ربح، وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يُجَاوز الْمَشْرُوط اهـ.
وَحِينَئِذٍ فَيكون مَشى فِي وجوب الاجر مُطلقًا على قَول مُحَمَّد، وَمَشى فِي عدم مُجَاوزَة الْمَشْرُوط على قَول أبي يُوسُف.
فحاصل مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا ربح، وَمَا قَالَه مُحَمَّد بِأَن لَهُ أجر الْمثل بَالغا مَا بلغ فَهُوَ أَعم كَمَا ذكرنَا.

قَوْله: (إلَّا فِي وَصِيٍّ أَخَذَ مَالِ يَتِيمٍ مُضَارَبَةً إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُضَارِبَ فِي مَال الْيَتِيم بِجُزْء من الرِّبْح، وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي الْفُرُوع، وَكَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ فِيهِ أَظْهَرُ، وَأَفَادَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا أَنَّ لِلْوَصِيِّ دَفْعَ الْمَالِ إلَى مَنْ يَعْمَلُ فِيهِ مُضَارَبَةً بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْيَتِيمِ كَأَبِيهِ.
أَبُو السُّعُود.
قَالَ فِي أَحْكَام الصغار: الْوَصِيّ يملك أَخذ مَال الْيَتِيم مُضَارَبَة، فَإِن أَخذ على أَن لَهُ عشرَة دَرَاهِم من الرِّبْح فَهَذِهِ مُرَابحَة فَاسِدَة وَلَا أجر لَهُ، وَهَذَا مُشكل لَان الْمُضَاربَة مَتى فَسدتْ تَنْعَقِد إِجَارَة
فَاسِدَة وَيجب أجر الْمثل، وَمَعَ هَذَا قَالَ لَا يجب، لَان حَاصِل هَذَا رَاجع إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّ يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ لِلْيَتِيمِ وَأَنَّهُ لَا يجوز.
اهـ.
وَمِنْه يعلم أَن الِاسْتِثْنَاء الَّذِي ذكره لَيْسَ فِي عبارَة الْكتاب الْمَذْكُور وَأَنه أسقط من عِبَارَته مَا بِهِ يَتَّضِح الحكم الْمَذْكُور.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: بعد أَن ذكر الاشكال الَّذِي ذكره فِي جَامع أَحْكَام الصغار قَالَ: وَالْجَوَاب أَنه قد برهن على أَن الْمَنَافِع غير مقومة وَأَنه الاصل فِيهَا، فَلَو لزم الاجر لزم التقوم فِي غير الْمُتَقَوم نظرا إِلَى الاصل، وَأَنه لَا يجوز فِي مَال الْيَتِيم وَالصَّغِير والتقوم بِالْعقدِ الصَّحِيح بالنصوص الدَّالَّة عَلَيْهِ وَالنَّص لم يرد فِي الْفَاسِد، والوارد فِي الصَّحِيح لَا يكون واردا فِي الْفَاسِد فِي حق الصَّغِير اهـ.
ذكره الْحَمَوِيّ.

قَوْله: (كشرطه لنَفسِهِ عشرَة دَرَاهِم) الْكَاف لتمثيل الْمُضَاربَة الْفَاسِدَة.
حَلَبِيّ.

قَوْله: (فَلَا شئ لَهُ) لانه من بَاب إِيجَار الْوَصِيّ لنَفسِهِ للْيَتِيم وَهُوَ لَا يجوز كَمَا ذكرنَا.

قَوْله: (فَهُوَ اسْتثِْنَاء من أجر عمله) لَا حَاجَة إِلَيْهِ لَان المُصَنّف دفع الايهام الَّذِي وَقع فِيهِ بقوله فَلَا شئ لَهُ وَذَلِكَ لانه يحْتَمل أَن يكون اسْتثِْنَاء من قَوْله بل لَهُ أجر مثله أَو من قَوْله بِلَا زِيَادَة والمؤلف قصد التَّوْضِيح.

قَوْله: (والفاسدة لَا ضَمَان فِيهَا) لَان الْفَاسِد من الْعُقُود يَأْخُذ الحكم من الصَّحِيح مِنْهَا، ولانه عين فِي يَد أجيره، وَلَو تلف بعد الْعَمَل فَلهُ أجر مثله، وَقيل هَذَا عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا: يضمن إِذا تلف فِي يَده بِمَا يُمكن التَّحَرُّز عَنهُ.
اهـ.
وَفِي النِّهَايَة: وَالْمُضَاربَة الْفَاسِدَة غير مَضْمُونَة بِالْهَلَاكِ، وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه ضَامِن لِلْمَالِ، فَقيل الْمَذْكُور فِي الْكتاب قَول أبي حنيفَة وَهُوَ بِنَاء على اخْتلَافهمْ فِي الاجير الْمُشْتَرك إِذا تلف

(8/413)


المَال فِي يَده من غير صنعه، وَعِنْدَهُمَا: هُوَ ضَامِن إِذا هلك فِي يَده بِمَا يُمكن التَّحَرُّز عَنهُ، وَكَذَلِكَ فِي كل مُضَارَبَة فَاسِدَة.
كَذَا فِي الْمَبْسُوط.

قَوْله: (كُله للْمَالِك بضَاعَة) هُوَ أَن يعْمل لَهُ مُتَبَرعا.

قَوْله: (فَيكون وَكيلا مُتَبَرعا) أَي بِعَمَلِهِ حَيْثُ لم يشْتَرط لَهُ جُزْءا من الرِّبْح.

قَوْله: (لقلَّة ضَرَره) أَي الْقَرْض بِالنِّسْبَةِ للهبة فَجعل قرضا وَلم يَجْعَل هبة، لَكِن فِيهِ اخْتِصَار مخل، وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يَقُول قرض لَا هبة لقلَّة ضَرَره.
قَالَ فِي التَّبْيِين: وَإِنَّمَا صَار الْمضَارب مستقرضا بِاشْتِرَاط كل الرِّبْح لَهُ، لانه لَا يسْتَحق
الرِّبْح كُله إِلَّا إِذا صَار رَأس المَال ملكا لَهُ لَان الرِّبْح فرع المَال كالثمر للشجر وكالولد للحيوان، فَإِذا شَرط أَن يكون جَمِيع الرِّبْح لَهُ فقد ملكه جَمِيع رَأس المَال مُقْتَضى.
وَقَضيته أَن لَا يرد رَأس المَال، لَان التَّمْلِيك لَا يَقْتَضِي الرَّد كَالْهِبَةِ، لَكِن لفظ الْمُضَاربَة يَقْتَضِي رد رَأس المَال فجعلناه قرضا لاشْتِمَاله على الْمَعْنيين عملا بهما، ولان الْقَرْض أدنى التبرعين لانه يقطع الْحق عَن الْعين دون الْبَدَل وَالْهِبَة تقطعه عَنْهُمَا فَكَانَ أولى لكَونه أقل ضَرَرا.
اهـ.

قَوْله: (سَبْعَة) بِضَم قَوْله وَمن شُرُوطهَا.
مطلب: لَا تصح الْمُضَاربَة بالفلوس الكاسدة]
قَوْله: (كَون رَأس المَال من الاثمان) أَي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير عِنْدهمَا، وبالفلوس النافقة، وَلَو دفع لَهُ عرضا وَقَالَ لَهُ بِعْهُ واعمل مُضَارَبَة فِي ثمنه فَبَاعَ بِدَرَاهِم أَو دَنَانِير فتصرف صَحَّ.
ذكره مِسْكين.
لَكِن فِيهِ مُخَالفَة لما فِي الْقُهسْتَانِيّ عَن الْكُبْرَى وَنَصه: فِي الْمُضَاربَة بالتبر رِوَايَتَانِ.
وَعَن الشَّيْخَيْنِ أَنَّهَا تصح بالفلوس، وَعند مُحَمَّد لَا تصح، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى اهـ.
وَإِنَّمَا جَازَ فِي مَسْأَلَة ثمن الثَّوْب لَان الْمُضَاربَة لَيْسَ فِيهَا إِلَّا تَوْكِيل وإجازة، وكل ذَلِك قَابل للاضافة على الِانْفِرَاد، فَكَذَا عِنْد الِاجْتِمَاع كَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ.
وَإِنَّمَا اشْترط كَون رَأس المَال من الاثمان لانها شركَة عِنْد حُصُول الرِّبْح فَلَا بُد من مَال تصح بِهِ الشّركَة وَهُوَ الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير والتبر والفلوس النافقة اهـ.
منح وجوازها بالتبر إِن كَانَ رائجا، وَإِلَّا فَهُوَ كالعروض فَلَا تجوز الْمُرَابَحَة عَلَيْهِ إِلَّا إِذا بِيعَتْ الْعرُوض فَصَارَت نقودا فَإِنَّهَا تنْقَلب مُضَارَبَة، وَكَذَلِكَ الكيلي والوزني لَا يصلح أَن يكون رَأس المَال عندنَا، خلافًا لِابْنِ أبي ليلى كَمَا فِي النِّهَايَة.
وَذكر فِي تكلمة الديري وَمَا نَقله الْبَعْض أَنه عِنْد مَالك تصح بالعروض لَا يكَاد يَصح، وَإِنَّمَا الْمَنْقُول عَن ابْن أبي ليلى أَنه يجوز بِكُل مَال وَعَلِيهِ كَلَام الكاكي اهـ.
وَقيد فِي الدُّرَر بالفلوس النافقة أَيْضا.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَالْفَتْوَى على أَنه تجوز بالفلوس الرائجة.
كَذَا فِي التاترخانية نَاقِلا عَن الْكُبْرَى.
وَلَا يجوز بِالذَّهَب وَالْفِضَّة إِذا لم تكن مَضْرُوبَة فِي رِوَايَة الاصل.
كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان.
وَفِي الْكُبْرَى: فِي الْمُضَاربَة بالتبر رِوَايَتَانِ، فَفِي كل مَوضِع يروج التبر رواج الاثمان تجوز الْمُضَاربَة، هَكَذَا فِي التاترخانية والمبسوط والبدائع.
وَتجوز بِالدَّرَاهِمِ النبهرجة والزيوف وَلَا يجوز بالستوقة، فَإِن كَانَت الستوقة، تروج فَهِيَ كالفلوس.
كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان.
وَفِي الحامدية: سُئِلَ فِيمَا إذَا دَفَعَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو بِضَاعَةً عَلَى سَبِيلِ الْمُضَارَبَةِ وَقَالَ لِعَمْرٍو بِعْهَا

(8/414)


وَمَهْمَا رَبِحْتَ يَكُونُ بَيْنَنَا مُثَالَثَةً فَبَاعَهَا وَخَسِرَ فِيهَا فَالْمُضَارَبَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَلِعَمْرٍو أَجْرُ مِثْلِهِ بِلَا زِيَادَة على الْمَشْرُوط.
اهـ.
رجل دفع لآخر أَمْتعَة وَقَالَ بعها واشتر بهَا وَمَا رَبِحْتَ فَبَيْنَنَا نِصْفَيْنِ فَخَسِرَ فَلَا خُسْرَانَ على الْعَامِل، وَإِذا طلب صَاحِبُ الْأَمْتِعَةِ بِذَلِكَ فَتَصَالَحَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْعَامِل إِيَّاه لَا يلْزمه، وَلَو كفل إنْسَانٌ بِبَدَلِ الصُّلْحِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ عَمِلَ هَذَا الْعَامِلُ فِي هَذَا الْمَالِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ، لِأَنَّ ابْتِدَاءَ هَذَا لَيْسَ بِمُضَارَبَةٍ بَلْ هُوَ تَوْكِيلٌ بِبَيْعِ الْأَمْتِعَةِ، ثُمَّ إذَا صَارَ الثَّمَنُ مِنْ النُّقُودِ فَهُوَ دَفْعُ مُضَارَبَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَضْمَنْ أَوَّلًا لِأَنَّهُ أَمِينٌ بِحَقِّ الْوَكَالَةِ ثُمَّ صَارَ مُضَارِبًا فَاسْتَحَقَّ الْمَشْرُوطَ.
جَوَاهِر الْفَتَاوَى.

قَوْله: (كَمَا مر فِي الشّركَة) من أَنَّهَا لَا تصح مُفَاوَضَة وعنانا بِغَيْر النَّقْدَيْنِ والفلوس النافقة والتبر والنقرة إِن جرى التَّعَامُل بهما.

قَوْله: (وَهُوَ مَعْلُوم للعاقدين) لِئَلَّا يقعا فِي الْمُنَازعَة وَلَو مشَاعا لما فِي التاترخانية.
مطلب: قرض الْمشَاع جَائِز وَإِذَا دَفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى رَجُلٍ وَقَالَ نصفهَا عَلَيْك قرض وَنِصْفهَا مَعَكَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ صَحَّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَصٌّ عَلَى أَنَّ قَرْضَ الْمُشَاعِ جَائِزٌ، وَلَا يُوجَدُ لِهَذَا رِوَايَةٌ إلَّا هَا هُنَا.
وَإِذَا جَازَ هَذَا العقد كَانَ لكل نِصْفَ حُكْمِ نَفْسِهِ، وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا قَرْضٌ وَعَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِي جَازَ، وَيُكْرَهُ لِأَنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا قَرْضٌ عَلَيْكَ وَنِصْفَهَا مُضَارَبَةٌ بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَرَاهِيَةَ هُنَا، فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: سُكُوتُ مُحَمَّدٍ عَنْهَا هُنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: قَالَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ عَلَى أَنْ الرِّبْحَ لِي جَازَ وَلَا يُكْرَهُ، فَإِنْ رَبِحَ
كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ النِّصْفَ مَلَكَهُ بِالْقَرْضِ وَالْآخَرُ بِضَاعَةٌ فِي يَدِهِ، وَفِي التَّجْرِيدِ يُكْرَهُ ذَلِكَ.
وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا مُضَارَبَةٌ بِالنِّصْفِ وَنِصْفُهَا هِبَةٌ لَكَ وَقَبَضَهَا غَيْرَ مَقْسُومَةٍ فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ وَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ، فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ الْعَمَل أَو بعده ضمن النّصْف حِصَّة الْهِبَة فَقَطْ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ.
اهـ.
مُلَخَّصًا.
وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُحْفَظْ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ.
وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ سَتَأْتِي قُبَيْلَ كِتَابِ الْإِيدَاعِ قَرِيبا من أَن الصَّحِيح أَنه لَا ضَمَان فِي حِصَّة الْهِبَة أَيْضا، لَان الصَّحِيح أَن الْهِبَة الْفَاسِدَة تملك بِالْقَبْضِ اهـ.
لَكِن فِيهِ أَن الْوَاهِب سلط الْمَوْهُوب لَهُ على قبض مَاله فِي الْهِبَة الْمَذْكُورَة فَكيف يضمن، وَقد أوضح الْجَواب عَنهُ فِي (نور الْعين) بِأَن الْهِبَة الْفَاسِدَة تنْقَلب عقد مُعَاوضَة فَتكون كالمقبوض على حكم البيع الْفَاسِد وَهُوَ مَضْمُون.
اهـ.
وَقَوله: فَإِن ربح كَانَ بَينهمَا على السوَاء: أَي ربح جَمِيع الالف بِدَلِيل التَّعْلِيل الْمَذْكُور.
وَلَا يشكل هَذَا على قَوْلهم: إِن الشَّرْط الْمُوجب انْقِطَاع الشّركَة يُفْسِدهَا: أَي الْمُضَاربَة بِهِ.
لانا نقُول: مَا فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة بِحَق نصف الالف هُوَ بضَاعَة لَا مُضَارَبَة تَأمل.

قَوْله: (وكفت بِهِ) أَي فِي الاعلام.
منح
قَوْله: (الاشارة) كَمَا إِذا دفع لرجل دَرَاهِم مُضَارَبَة وَهُوَ لَا يعرف قدرهَا فَإِنَّهُ يجوز، فَيكون القَوْل فِي قدرهَا وصفتها للْمُضَارب مَعَ يَمِينه وَالْبَيِّنَة للْمَالِك: أَي إِذا إشار إِلَيْهَا لِئَلَّا يقعا فِي الْمُنَازعَة لَهُ فِي الدُّرَر.

قَوْله: (وَالْبَيِّنَة للْمَالِك) أَي لَو ادّعى رب المَال أَنه دفع إِلَيْهِ أَلفَيْنِ وَقَالَ

(8/415)


الْمضَارب ألفا فَسقط أَو ادّعى رب المَال أَنَّهَا بيض وَقَالَ الْمضَارب سود فَالْقَوْل للْمُضَارب بِيَمِينِهِ لانه مُنكر وَالْبَيِّنَة لرب المَال لانه مُدع.

قَوْله: (لم يجز) لَان الْمضَارب أَمِين ابْتِدَاء وَلَا يتَصَوَّر كَونه أَمينا فِيمَا عَلَيْهِ من الدّين: أَي لانه لَا يبرأ إِلَّا بِتَسْلِيمِهِ لرَبه وَيكون الرِّبْح للْمُشْتَرِي فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: الرِّبْح لرب الدّين وَيبرأ الْمضَارب عَن الدّين.
كَذَا فِي الْخَانِية عَن العزمية.
قَالَ فِي الْبَحْر، وَأما الْمُضَاربَة بدين: فَإِن كَانَ على الْمضَارب فَلَا يَصح وَمَا اشْتَرَاهُ لَهُ وَالدّين فِي ذمَّته اهـ.
والاوجه تَأْخِير هَذَا عِنْد قَوْله وَكَون رَأس المَال عينا لَا دينا بطرِيق التَّفْرِيع عَلَيْهِ كَمَا فعل
صَاحب الدُّرَر.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ عَلَى ثَالِثٍ) بِأَنْ قَالَ اقْبِضْ مَالِي عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ اعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً، وَلَوْ عَمِلَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْكُلَّ ضَمِنَ، وَلَوْ قَالَ فَاعْمَلْ بِهِ لَا يَضْمَنُ، وَكَذَا بِالْوَاوِ، لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ فَلَا يَكُونُ مَأْذُونًا بِالْعَمَلِ إلَّا بَعْدَ قَبْضِ الْكُلِّ، بِخِلَافِ الْفَاءِ وَالْوَاو، وَلَوْ قَالَ اقْبِضْ دَيْنِي لِتَعْمَلَ بِهِ مُضَارَبَةً لَا يصير مَأْذُونا مَا لَو يقبض الْكل.
بَحر: أَي فَلَو عمل قبل أَن يقبضهُ كُله ضمن.
وَبحث فِيهِ بِأَن القَوْل بِأَن الْفَاء كالواو فِي هَذَا الحكم نظر، لَان ثمَّ تفِيد التَّرْتِيب والتراخي وَالْفَاء تفِيد التعقيب وَالتَّرْتِيب، فَيَنْبَغِي أَن لَا يثبت الاذن فيهمَا قبل الْقَبْض بل يثبت عقبه، بِخِلَاف الْوَاو فَإِنَّهَا لمُطلق الْجمع من غير تعرض لمقارنة وَلَا تَرْتِيب، وَعَلِيهِ عَامَّة أهل اللُّغَة وأئمة الْفَتْوَى.
تَأمل.

قَوْله: (جَازَ) لَان هَذَا تَوْكِيل بِالْقَبْضِ وَإِضَافَة للمضاربة إِلَى مَا بعد قبض الدّين وَذَلِكَ جَائِز، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ اعْمَلْ بِالدّينِ الَّذِي لي عَلَيْك حَيْثُ لَا يجوز للمضاربة، لَان الْمُضَاربَة تَوْكِيل بِالشِّرَاءِ وَالتَّوْكِيل بِالشِّرَاءِ بدين فِي ذمَّة الْوَكِيل لَا يَصح حَتَّى يعين البَائِع أَو الْمَبِيع عِنْد أبي حنيفَة فَبَطل التَّوْكِيل بِالْكُلِّيَّةِ، حَتَّى لَو اشْترى كَانَ للْمَأْمُور، وَكَذَا لَا يَصح التَّوْكِيل بِقَبض مَا فِي ذمَّة نَفسه فَلَا يتَصَوَّر الْمُضَاربَة فِيهِ.
وَعِنْدَهُمَا: يَصح التَّوْكِيل بِالشِّرَاءِ بِمَا فِي ذمَّة الْوَكِيل من غير تعْيين مَا ذكرنَا حَتَّى يكون مُشْتَريا للْآمِر، لَكِن المُشْتَرِي عرُوض فَلَا تصح الْمُضَاربَة بهَا على مابينا اه.
زَيْلَعِيّ.
مطلب: حِيلَة جَوَاز الْمُضَاربَة فِي الْعرُوض
قَوْلُهُ: (وَكُرِهَ) لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةً قَبْلَ العقد.
منح.
وَيظْهر هَذَا فِي الْمَسْأَلَة الَّتِي بعد.
قَوْله: وَلَو قَالَ اشْتَرِ لي عبدا نَسِيئَة الخ) هَذَا يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ عَرَضًا وَقَالَ لَهُ بِعْهُ وَاعْمَلْ بِثَمَنِهِ مُضَارَبَةً أَنَّهُ يَجُوزُ بالاولى كَمَا ذكرنَا، وَقد أوضحه الشَّرْح، وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِجَوَازِ الْمُضَارَبَةِ فِي الْعُرُوضِ.
وَحِيلَةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْخَصَّافُ أَنْ يَبِيعَ الْمَتَاعَ مِنْ رَجُلٍ يَثِقُ بِهِ وَيَقْبِضُ الْمَالَ فَيَدْفَعُهُ إلَى الْمُضَارِبِ مُضَارَبَةً ثُمَّ يَشْتَرِي هَذَا الْمُضَارِبُ هَذَا الْمَتَاعَ مِنْ الرَّجُلِ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ ط.

قَوْله: (مجتبى) وَمثله فِي الْبَحْر.

قَوْله: (وَكَون رَأس المَال عَيْنًا) أَيْ مُعَيَّنًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعَيْنِ الْعَرَضَ.

قَوْله: (كَمَا بسط فِي الدُّرَر) حَيْثُ قَالَ فِيهِ: لَان الْمضَارب أَمِين ابْتِدَاء، وَلَا يتَصَوَّر كَونه أَمينا فِيمَا عَلَيْهِ من الدّين، فَلَو قَالَ اعْمَلْ بِالدّينِ الَّذِي بذمتك مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ لَمْ يَجُزْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ دين على الثَّالِث فَقَالَ
اقبض مَالِي من فلَان واعمل بِهِ مُضَارَبَة حَيْثُ يجوز، لانه أضَاف الْمُضَاربَة إِلَى زمَان الْقَبْض وَالدّين فِيهِ يصير عينا وَهُوَ يصلح أَن يكون رَأس المَال.
اهـ.
وَهُوَ كَالَّذي قدمه فِي الدّين قَرِيبا، وَذكر فِيهِ تَفْصِيل كَمَا هُنَا بِأَن هَذَا إِذا كَانَ دينا على الْمضَارب.
أما لَو كَانَ على غَيره جَازَ وَكره، لَان مَا كَانَ على الْغَيْر

(8/416)


بِقَبْضِهِ يصير عينا فَتَقَع الْمُضَاربَة عَلَيْهِ لَا على الدّين كَمَا سَمِعت.
فَمن قَالَ إِنَّه مُكَرر مَعَ مَا تقدم توهم أَنه مُتَقَدم متْنا، وَمن قَالَ إِنَّه موهم للاطلاق: أَي يُوهم أَنه لَا فرق أَن يكون الدّين على الْمضَارب أَو على الاجنبي، وَقد علمت الْجَواب أَن مَا على الاجنبي يصير عينا بِقَبْضِهِ فَلم يَقع العقد على الدّين بل على الْعين المقبوضة.

قَوْله: (وَكَونه مُسلما إِلَى الْمضَارب) لَان المَال فِي الْمُضَاربَة من أحدا لجانبين وَالْعَمَل من جَانب الآخر فلَان يخلص المَال لِلْعَامِلِ ليتَمَكَّن فِي التَّصَرُّف مِنْهُ ولان المَال يكون أَمَانَة عِنْده فَلَا يتم إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ، فَلَوْ شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَعْمَلَ مَعَ الْمضَارب لَا تجوز الْمُضَاربَة، لانه شَرط يمْنَع من التَّسْلِيم، والتخلية بَين المَال وَالْمُضَارب سَوَاء كَانَ الْمَالِك عَاقِلا أَوْ لَا كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ إذَا دَفَعَ مَالَ الصَّغِير مُضَارَبَة وَشرط عمل شَرِيكه: أَي الصَّغِير مَعَ الْمُضَارِبِ لَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ.
وَفِي السِّغْنَاقِيِّ: وَشَرْطُ عَمَلِ الصَّغِيرِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا أَحَدُ الْمُتَفَاوضين أَو شَرِيكي الْعَنَانِ إذَا دَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ صَاحبه فسد العقد.
تاترخانية.
وَلَو شَرط أَن يكون المَال كل لَيْلَة عِنْد الْمَالِك فَسدتْ الْمُضَاربَة.
قُهُسْتَانِيّ.
قَالَ الاسبيجابي: إِذا رد الْمضَارب رَأس المَال على الْمَالِك وَأمره أَن يَبِيع يَشْتَرِي على الْمُضَاربَة فَفعل وَربح فَهُوَ جَائِز على الْمُضَاربَة وَالرِّبْح على مَا شرطا لانه لم يُوجد صَرِيح النَّقْد وَلَا دلَالَته لانه صَار مستعينا بِهِ على الْعَمَل.
وَإِذا وَقع الْعَمَل من رب المَال إِعَانَة لَا يَجْعَل استردادا، بِخِلَاف مَا إِذا شَرط عمل رب المَال حَال العقد أفسد.
وَحكى الامام القَاضِي العامري عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الضَّرِير أَن شَرط عمل رب المَال مَعَ الْمضَارب إِنَّمَا يكون مُفْسِدا إِذا شَرط الْعَمَل جملَة، أما إِذا شَرط رب المَال لنَفسِهِ أَن يتَصَرَّف فِي المَال بِانْفِرَادِهِ مَتى بدا لَهُ وَأَن يتَصَرَّف الْمضَارب فِي جَمِيع المَال بِانْفِرَادِهِ مَتى بدا لَهُ جَازَت الْمُضَاربَة كَمَا فِي
الذَّخِيرَة، وَقيد بِرَبّ المَال لَان الْعَاقِد لَو لم يكن رب المَال: فَإِن كَانَ أَهلا لَان يكون مضاربا فِي ذَلِك المَال كالاب وَالْوَصِيّ يجوز شَرط الْعَمَل عَلَيْهِ، وَإِن لم يكن أَهلا كالمأذون لَا يجوز كَمَا فِي الشُّرُوح اهـ.
وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي مَتْنًا بَعْضُ هَذَا.

قَوْله: (ليمكنه التَّصَرُّف) أَي ولانها فِي معنى الاجارة وَالْمَال مَحل فَيجب تَسْلِيمه.

قَوْله: (لَان الْعَمَل فِيهَا من الْجَانِبَيْنِ) فَلَو شَرط خلوص الْيَد لاحدهما لم تَنْعَقِد الشّركَة لانْتِفَاء شَرطهَا وَهُوَ الْعَمَل مِنْهُمَا.
كَذَا فِي الدُّرَر.

قَوْله: (شَائِعا) أنصافا أَو أَثلَاثًا مثلا لتحَقّق الْمُشَاركَة بَينهمَا فِي الرِّبْح قل أَو كثر.
قَالَه فِي الْبُرْهَان.
وَفِي الْبَحْر: الرَّابِع أَن يكون الرِّبْح بَينهمَا شَائِعا كالنصف وَالثلث لَا سَهْما معينا يقطع الشّركَة كمائة دِرْهَم أَو مَعَ النّصْف عشرَة اهـ ط.
أَي لاحْتِمَال أَن لَا يحصل من الرِّبْح إِلَّا مِقْدَار مَا شَرط لَهُ.
وَإِذا انْتَفَى الشّركَة فِي الرِّبْح لَا تتَحَقَّق الْمُضَاربَة لانها جوزت، بِخِلَاف الْقيَاس بِالنَّصِّ بطرِيق الشّركَة فِي الرِّبْح فَيقْتَصر على مورد النَّص.
وَفِي الْمَتْن إِيمَاء إِلَى أَن الْمَشْرُوط للْمُضَارب إِنَّمَا يكون من الرِّبْح، حَتَّى لَو شَرط مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِنْهُ وَمِنْ الرِّبْحِ فَسدتْ كَمَا فِي الخزانة، وَعَلِيهِ تَعْرِيف الْمُضَاربَة.

قَوْله: (فَلَو عين قدرا فَسدتْ) لقطعه الشّركَة فِي الرِّبْح.
وَإِذا فَسدتْ فَلهُ أجر مثله لَا يُجَاوز الْمَشْرُوط عِنْد أبي يُوسُف لرضاه بِهِ إِذا كَانَ الْمُسَمّى مَعْلُوما.
أما لَو كَانَ مَجْهُولا كَمَا هُنَا أَو لم يُوجد ربح لَا يُقَال رَضِي بِالْقدرِ الْمَشْرُوط زِيَادَة عَن حِصَّته من الرِّبْح لانه لم يرض بهَا إِلَّا مَعَ نصف الرِّبْح وَهُوَ مَعْدُوم، فالمسمى

(8/417)


غير مَعْلُوم فَيجب أجر الْمثل بَالغا مَا بلغ، وَقد يُجَاب بِأَن هَذَا العقد لما كَانَ فَاسِدا كَانَ مَا سمى فِيهِ مَحْظُورًا فَقطع النّظر عَمَّا هُوَ مُوجب الْمُضَاربَة وعول على مَا عين مَعَه على أَنه أجر مثل فِي إِجَارَة لَا مُوجب مُضَارَبَة، وَلِهَذَا قَالُوا: هَذِه إِجَارَة فِي صُورَة مُضَارَبَة.
حموي عَن الْمَقْدِسِي.
قلت: مَا بَحثه الْمَقْدِسِي صرح بِهِ الْقُهسْتَانِيّ معزيا للفصولين، وَنَصه بعد أَن حكى الْخلاف عَن الصاحبين فِي أَن أجر الْمثل هَل يجب بَالغا مَا بلغ أَو لَا يُجَاوز بِهِ الْمَشْرُوط؟ قَالَ: وَالْخلاف فِيمَا إذَا رَبِحَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَرْبَحْ فَأَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ لِأَنَّهُ لَا يُمكن تَقْدِيره الخ، وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَة إِلَى تكلّف الْجَواب، وَلَا يُنَافِي كَلَام الْقُهسْتَانِيّ مَا سَيَأْتِي فِي الشَّارِح من قَوْله: وَعَن أبي يُوسُف إِن لم يربح فَلَا أجر
لَهُ، لانه ذكره بِلَفْظ عَن فَلَا يُنَافِي كَون الْمَذْهَب عِنْده اسْتِحْقَاق الاجر لَهُ بَالغا مَا بلغ.
بَقِي أَن يُقَال: ظَاهر كَلَام الْمَقْدِسِي أَن الْمُسَمّى للْمُضَارب من الرِّبْح إِذا كَانَ جُزْءا شَائِعا كالنصف يُقَال إِنَّه مَعْلُوم، وَهُوَ مُخَالف لما فِي الشمني حَيْثُ قَالَ: فَإِن كَانَ الْمُسَمّى مَعْلُوما لَا يُزَاد عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ مَجْهُولا كدابة أَو ثوب يجب بَالغا مَا بلغ، وَإِن كَانَ مَعْلُوما من وَجه دون وَجه كالجزء الشَّائِع مثل النّصْف وَالرّبع: فَعِنْدَ مُحَمَّد يجب بَالغا مَا بلغ لانه مَجْهُول إِذْ يكثر بِكَثْرَة مَا يحصل وَينْقص بقلته.
وَعِنْدَهُمَا: لَا يُزَاد على الْمُسَمّى لانه مَعْلُوم من جملَة مَا يحصل بِعَمَلِهِ اهـ.
أَبُو السُّعُود.
وَإِنَّمَا تكون إِجَارَة فَاسِدَة إِذا فَسدتْ إِن لم يبين مُدَّة مَعْلُومَة.
أما لَو بَينهَا يَنْبَغِي أَن يكون أَجِيرا خَاصّا فَيسْتَحق بِتَسْلِيم نَفسه فِي الْمدَّة كَمَا هُوَ حكم الاجير الْخَاص، وليراجع.

قَوْله: (وَكَوْنُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعْلُومًا عِنْدَ الْعَقْدِ) لَان الرِّبْح هُوَ الْمَعْقُود عَلَيْهِ وجهالته توجب فَسَاد العقد اهـ.
دُرَر.

قَوْله: (فَسدتْ) لانهما شَرْطَانِ لَا يقتضيهما العقد.
قَالَ فِي التاترخانية: وَمَا لَا يُوجب شَيْئا من ذَلِك لَا يُوجب فَسَاد الْمُضَاربَة نَحْو أَن يشترطا أَن تكون الوضيعة عَلَيْهِمَا.
وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ: وَلَو قَالَ إِن الرِّبْح والوضيعة بَيْننَا لم يجز، وَكَذَا لَو شرطا الوضيعة أَو بَعْضهَا على الْمضَارب فَسدتْ.
وَذكر الْكَرْخِي: أَن الشَّرْط بَاطِل، وَتَصِح الْمُضَاربَة إِذا شَرط فِيهِ نصف الرِّبْح.
وَفِي الذَّخِيرَة: ذكر شيخ الاسلام فِي أول الْمُضَاربَة أَن الْمُضَاربَة لَا تفْسد بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَة.
وَإِذا شَرط للْمُضَارب ربح عشرَة فَسدتْ لانه شَرط فَاسد لانه شَرط تَنْتفِي بِهِ الشّركَة فِي الرِّبْح اهـ.

قَوْله: (يُوجب جَهَالَة فِي الرِّبْحِ) كَمَا إذَا شَرَطَ لَهُ نِصْفَ الرِّبْح أَو ثلثه أَو ربعه بِأَو الترديدية حَلَبِيّ: يَعْنِي ذكر مَجْمُوع الثَّلَاثَة بطرِيق الترديد لاقْتِضَاء الترديد جَهَالَة الرِّبْح.

قَوْله: (أَو يقطع الشّركَة) كَمَا لَو شَرط لاحدهما دَرَاهِم مُسَمَّاة.
حَلَبِيّ.
وَأورد الاكمل شَرط الْعَمَل على رب المَال فَإِنَّهُ يُفْسِدهَا وَلَيْسَ بِوَاحِد مِنْهُمَا، وَأجِيب بِأَن المُرَاد بِالْفَسَادِ مَا بعد الْوُجُود وَهِي عِنْد اشْتِرَاط ذَلِك لَو تُوجد الْمُضَاربَة أصلا، إِذْ حَقِيقَتهَا أَن يكون الْعَمَل فِيهَا من طرف الْمضَارب.
وَفِي الْمَقْدِسِي: قَالَ الزَّيْلَعِيّ وَغَيرهَا: فالاصل أَن كل شَرط يُوجب جهل
الرِّبْح أَو قطع الشّركَة مُفسد، وَمَا لَا فَلَا.

(8/418)


قَالَ الْأَكْمَلُ: شَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لَا يُفْسِدهَا وَلَيْسَ بِوَاحِد مِنْهُمَا فَلم يطرد.
وَالْجَوَاب أَنه قَالَ: وَغير ذَلِك من الشُّرُوط الْفَاسِدَة لَا يُفْسِدهَا.
وَإِذا شَرط الْعَمَل عَلَيْهِ فَلَيْسَ ذَلِك مُضَارَبَة وسلب الشئ عَن الْمَعْدُوم صَحِيح يجوز أَن تَقول زيد الْمَعْدُوم لَيْسَ ببصير، وَقَوله بعد: وَشرط الْعَمَل على الْمَالِك مُفسد مَعْنَاهُ مَانع عَن تحَققه.
قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: مضمونه وَإِن لم يكن فَاسِدا فِي نَفسه إِلَّا أَنه مُفسد لِمَعْنى الْمقَام، لَان معنى الْقسم الثَّانِي من الاصل على مَا صَرَّحُوا بِهِ هُوَ أَن غير ذَلِك من الشُّرُوط لَا يفْسد الْمُضَاربَة بل تبقى صَحِيحَة وَيبْطل الشَّرْط، وَقد أَشَارَ إِلَيْهِ المُصَنّف بقوله كاشتراط الوضيعة على الْمضَارب، وَقد كَانَ اعْترف بِهِ أَولا حَيْثُ قَالَ: وَلما كَانَ من الشُّرُوط مَا يفْسد العقد وَمِنْهَا مَا يبطل فِي نَفسه وَتبقى الْمُضَاربَة صَحِيحَة أَرَادَ أَن يُشِير إِلَى ذَلِك بِأَمْر جلي فَقَالَ شَرط الخ، وَلَا شكّ أَن الْمُضَاربَة لَا تندرج فِي هَذَا الْمَعْنى.
اهـ.
مَا فِي الْمَقْدِسِي.
وَعبارَة الدُّرَر كَذَا: أَن يفْسد الْمُضَاربَة كل شَرط يُوجب جَهَالَة الرِّبْح، كَمَا لَو قَالَ لَك نصف الرِّبْح أَو ثلثه أَو ربعه، لما مر أَن الرِّبْح هُوَ الْمَعْقُود عَلَيْهِ فجهالته تفْسد العقد وَغَيره لَا: أَي غير ذَلِك من الشُّرُوط الْفَاسِدَة، بل يبطل الشَّرْط كاشتراط الخسران على الْمضَارب فَإِنَّهُ لَا يقطعهَا وَهُوَ على رب المَال.
قَالَ الْمولى عبد الْحَلِيم: قَوْله كَمَا لَو قَالَ لَك نصف الرِّبْح أَو ثلثه أَو ربعه وَلم يعين وَاحِدًا من هَذِه الكسور والاعداد.
وَفِي بعض النّسخ: أَو شَرط أَن يدْفع الْمضَارب دَاره إِلَى رب المَال ليسكنها أَو أرضه سنة ليزرعها.
وَهُوَ الْمُوَافق لما فِي شُرُوح الْهِدَايَة.
قَوْله: وَغَيره أَي غير كل شَرط يُوجب جَهَالَة الرِّبْح أَو غير كل شَرط يُوجب قطع الشّركَة فِي الرِّبْح أَو جَهَالَة لَا يفْسد ذَلِك الْغَيْر من الشُّرُوط الْفَاسِدَة عقد الْمُضَاربَة بل يبطل الشَّرْط وَتبقى الْمُضَاربَة صَحِيحَة، هَذَا هُوَ الْمَعْنى من سوق الْكَلَام وَمُقْتَضى الْكَلَام.
وَلَكِن اعْترض عَلَيْهِ بِأَن شَرط الْعَمَل على رب المَال شَرط لَيْسَ بِوَاحِد مِنْهُمَا فَلم يطرد هَذَا الضَّابِط الْكُلِّي.
أَقُول: دَفعه على مَا نسقه المُصَنّف ظَاهر، لانه ذكر هَذَا الشَّرْط أَولا وأتى بالضابط الْكُلِّي بعده فَيحمل على غير هَذَا لشرط بِقَرِينَة الْمُقَابلَة.
وَأما على مَا هُوَ تَرْتِيب صَاحب الْهِدَايَة حَيْثُ أخر ذكر هَذَا
الشَّرْط عَن ذَلِك فَيكون مُخَصّصا لعمومه، بل يكون بِمَنْزِلَة الِاسْتِثْنَاء بِهِ عَنهُ، ونظائره أَكثر من أَن تحصى كَمَا لَا يخفى على من تدرب هَذَا، ولبعض الشُّرَّاح هُنَا جَوَاب عَنهُ ولبعضهم اعْتِرَاض عَلَيْهِ وَلذَلِك تَرَكْنَاهُ، وَمَا ذَكرْنَاهُ أولى.
وَمَا يُقَال فِي دفع الِاعْتِرَاض من أَن الشَّرْط الَّذِي يُوجب جَهَالَة الرِّبْح لَيْسَ فَسَاد الْمُضَاربَة بِهِ لمقارنة شَرط فَاسد بل لِانْعِدَامِ صِحَّتهَا وَهُوَ معلومية الرِّبْح، وَكَذَا فَسَادهَا بِشَرْط الْعَمَل على رب المَال لَيْسَ لكَونه شرطا مُفْسِدا بل لتَضَمّنه انْتِفَاء شَرط صِحَة الْمُضَاربَة وَهُوَ تَسْلِيم المَال إِلَى الْمضَارب.
أَقُول: كَون كل من هذَيْن الشَّرْطَيْنِ متفرعا على شَرط من الشُّرُوط السِّتَّة لَا يمْنَع وُرُود ذَلِك الشَّرْط على هَذَا الضَّابِط الْكُلِّي، لانه فِي بَيَان الشَّرْط وَغير الْمُفْسد وَالْفرق بَينهمَا.
وَأَقُول: الامر أقرب من ذَلِك كُله، فَيُقَال: هَذِه الْكُلية غير صَحِيحَة وَيُزَاد فِيمَا يفْسد الْمُضَاربَة اشْتِرَاط الْعَمَل الخ.
تَأمل.

قَوْله: (يُفْسِدهَا) فللعامل أجر مثل عمله لانه لم يرض بِالْعَمَلِ مجَّانا وَلَا سَبِيل إِلَى الْمُسَمّى الْمَشْرُوط للْفَسَاد فيصار إِلَى أجر الْمثل ضَرُورَة وَالرِّبْح لرب المَال لانه نَمَاء ملكه.
دُرَر.

قَوْله: (وَإِلَّا) أَي وَإِلَّا يكن وَاحِد مِنْهُمَا: أَي لم يُوجب الشَّرْط جَهَالَة فِي الرِّبْح وَلَا قطعا فِي الشّركَة

(8/419)


بَطل الشَّرْط كاشتراط الخسران على الْمضَارب، وَكَذَا على رب المَال أَو عَلَيْهِمَا كَمَا فِي التُّحْفَة.

قَوْله: (وَصَحَّ العقد اعْتِبَارا بِالْوكَالَةِ) لَان الخسران جُزْء هَالك من المَال فَلَا يجوز أَن يلْزم غير رب المَال، لكنه شَرط زَائِد لَا يُوجب قطع الشّركَة فِي الرِّبْح، والجهالة فِيهِ لَا تفْسد الْمُضَاربَة بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَة كَالْوكَالَةِ، ولان صِحَّتهَا تتَوَقَّف على الْقَبْض فَلَا تبطل بِالشّرطِ كَالْهِبَةِ.
دُرَر.

قَوْله: (وَلَو ادّعى الْمضَارب فَسَادهَا) الاخصر الاوضح أَن يَقُول: وَالْقَوْل لمُدعِي الصِّحَّة مِنْهُمَا.

قَوْله: (الْأَصْلُ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ فِي الْعُقُودِ) قَيده فِي الذَّخِيرَة بِمَا إِذا اتَّحد العقد.
أما لَو اخْتلف العقد فَالْقَوْل لرب المَال، إِلَّا إِذا اتفقَا على مَا يَكْفِي لصِحَّة الْمُضَاربَة وَادّعى رب المَال شَرط الزِّيَادَة ليوجب فَسَاد العقد فَلَا يقبل.
وَبَيَانه: أَنه لَو ادّعى الْمضَارب اشْتِرَاط ثلث الرِّبْح وَادّعى رب المَال اسْتثِْنَاء عشرَة مِنْهُ فَالْقَوْل لرب المَال، لَان الْمضَارب يَدعِي صِحَة الْمُضَاربَة وَرب المَال يَدعِي الاجارة الْفَاسِدَة وهما مُخْتَلِفَانِ، فَصَارَ كَمَا
لَو أقرّ بالاجارة الْفَاسِدَة وَادّعى الآخر الشِّرَاء الصَّحِيح مِنْهُ كَانَ القَوْل لرب المَال لاخْتِلَاف الْعقْدَيْنِ.
أما لَو ادّعى الْمضَارب أَن الْمَشْرُوط ثلث الرِّبْح وَادّعى رب المَال الثُّلُث وَعشرَة دَرَاهِم كَانَ القَوْل للْمُضَارب لانه يَدعِي شرطا زَائِدا يُوجب فَسَاد العقد فَلَا يقبل قَوْله، كَمَا فِي البيع إِذا اتفقَا عَلَيْهِ وَادّعى أَحدهمَا أَََجَلًا مَجْهُولا يُوجب فَسَاد العقد وَأنكر الآخر، بِخِلَاف.

قَوْله: (اشْترطت لَك ثلث الرِّبْح إِلَّا عشرَة) لَان هُنَاكَ اتفقَا على مَا يَكْفِي لصِحَّة العقد، لَان الْكَلَام المقرون بِالِاسْتِثْنَاءِ تكلم بِمَا وَرَاء الْمُسْتَثْنى وَذَلِكَ مَجْهُول يمْنَع صِحَة العقد.

قَوْله: (وَلَو فِيهِ فَسَادهَا) لانه يُمكن أَن لَا يظْهر ربح إِلَّا الْعشْرَة فاستثناؤها مؤد إِلَى قطع الشّركَة فِي الرِّبْح.

قَوْله: (إلَّا إذَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ شَرَطْتُ لَكَ ثلث الرِّبْح) قيل عَلَيْهِ لَا يظْهر اسْتثِْنَاء هَذَا الْفَرْع من الْقَاعِدَة لَان رب المَال يَدعِي الْفساد وَالْمُضَارب الصِّحَّة وَالْقَوْل لمدعيها، فَهُوَ دَاخل تَحت الْقَاعِدَة كَمَا لَا يخفى.
أَقُول: لَيست الْقَاعِدَة على إِطْلَاقهَا، بل هِيَ مُقَيّدَة بِمَا إِذا لم يدْفع مدعي الْفساد بِدَعْوَى الْفساد اسْتِحْقَاق مَال على نَفسه كَمَا هُنَا، فَحِينَئِذٍ يكون القَوْل.
قَوْله: كَمَا قدمْنَاهُ عَن الذَّخِيرَة، وَحِينَئِذٍ لَا صِحَة لقَوْل المُصَنّف فَالْقَوْل للْمُضَارب، وَالصَّوَاب فَالْقَوْل لرب المَال، لانه الْمُدَّعِي للْفَسَاد ليدفع بِدَعْوَاهُ الْفساد اسْتِحْقَاق مَال عَن نَفسه، وَحِينَئِذٍ يتم الِاسْتِثْنَاء، وَلَا وَجه لما قيل إِن القَوْل فِي هَذِه الصُّورَة قَول مدعي الصِّحَّة حَيْثُ كَانَت الْقَاعِدَة مُقَيّدَة بِمَا ذَكرْنَاهُ.
اهـ.
كَلَام الْحَمَوِيّ، فَلَمَّا كَانَ فِي كَلَام الاشباه مَا يَقْتَضِي عدم صِحَة الِاسْتِثْنَاء على مَا ذكره المُصَنّف مُوَافقا لما فِي الْخَانِية والذخيرة البرهانية فِي الْفَصْل الرَّابِع عشر مِنْهَا من الْمُضَاربَة ومخالفا للصَّوَاب حَيْثُ قَالَ: فَالْقَوْل للْمُضَارب، وَالصَّوَاب فَالْقَوْل لرب المَال على مَا ذكره الْحَمَوِيّ مُسْتَندا لعبارة الذَّخِيرَة الَّتِي نَقله عَنْهَا.
قَالَ الشَّارِح: وَمَا فِي الاشباه فِيهِ اشْتِبَاه، فَليُحرر مَا يكْشف ذَلِك الِاشْتِبَاه.
وَالَّذِي نَقله الْحَمَوِيّ عَن الذَّخِيرَة هُوَ مَا ذكره فِي الْبيُوع فِي الْفَصْل الْعَاشِر، وَهُوَ أَن مَا ذكر فِي عِبَارَته كَمَا نَقله عَنهُ مَا إِذا قَالَ الْمضَارب لرب المَال شرطت لي نصف الرِّبْح إِلَّا عشرَة وَرب المَال يَدعِي جَوَاز الْمُضَاربَة بِأَن قَالَ شرطت لَك نصف الرِّبْح.

(8/420)


وَقد صرح صَاحب الذَّخِيرَة فِي كتاب الْمُضَاربَة بِأَنَّهُ لَو قَالَ الْمضَارب شرطت لي نصف الرِّبْح وَزِيَادَة عشرَة أَن القَوْل فِيهِ للْمُضَارب، وَعلله بِأَن رب المَال يَدعِي شرطا زَائِدا يُوجب فَسَاد العقد فَلَا يقبل كَمَا تقدم فِي عِبَارَته فَلَا يتم مَا قَالَه الْمحشِي الْحَمَوِيّ لمُجَرّد تَعْلِيل صَاحب الذَّخِيرَة مَعَ نَصه أَن الحكم خلاف ذَلِك وَلَا سِيمَا أَن مَا ذكره الْفَقِيه فِي غير بَابه، فَالْحق مَا جرى عَلَيْهِ فِي الْمنح.
تَأمل.

قَوْلُهُ: (وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ) مِنْ قَوْلِهِ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةَ إلَّا إذَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ شَرَطْتُ لَكَ الثُّلُثَ وَزِيَادَةَ عَشَرَةٍ وَقَالَ الْمُضَارِبُ الثُّلُثُ فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ اهـ.

قَوْله: (فِيهِ اشْتِبَاه) فَإِنَّهُ ظن أَن الْفَرْع خَارج عَن الْقَاعِدَة مَعَ أَنه دَاخل فِيهَا لانا جعلنَا القَوْل فِيهِ لمُدعِي الصِّحَّة وَهُوَ الْمضَارب الْمُدَّعِي وُقُوعهَا بِالثُّلثِ فَلَا يَصح قَوْله إِلَّا إِذا قَالَ رب المَال الخ.
كَذَا فِي الْمنح.
وَذكر نَحوه أَنه الشَّيْخ صَالح فِي حَاشِيَته عَلَيْهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجه لما ذكره الْحَمَوِيّ فِي حل هَذِه الْعبارَة وَنَصه: قَوْله: أَي صَاحب الاشباه القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة لَيْسَ هَذَا على إِطْلَاقه، بل هُوَ مُقَيّد بِمَا إِذا لم يدْفع مدعي الْفساد بِدَعْوَى الْفساد اسْتِحْقَاق مَال عَن نَفسه، كَمَا إِذا ادّعى الْمضَارب فَسَاد العقد بِأَن قَالَ رب المَال شرطت فِي الرِّبْح إِلَّا عشرَة وَرب المَال بدعي جَوَاز الْمُضَاربَة بِأَن قَالَ شرطت لَك نصف الرِّبْح فَالْقَوْل قَول رب المَال، لَان الْمضَارب بِدَعْوَى الْفساد لَا يدْفع استحقاقا عَن نَفسه، لَان الْمُسْتَحق على الْمضَارب مَنَافِعه والمستحق لَهُ على رب المَال جُزْء من الرِّبْح وَإنَّهُ عين المَال وَالْمَال خير من الْمَنْفَعَة والاستحقاق بعوض هُوَ خير كالاستحقاق فَلم يكن الْمضَارب بِدَعْوَى الْفساد دافعا عَن نَفسه استحقاقا فَلَا يقبل قَوْله.
وَرب المَال إِذا ادّعى فَسَاد الْمُضَاربَة بِأَن قَالَ للْمُضَارب شرطت نصف الرِّبْح إِلَّا عشرَة وَالْمُضَارب ادّعى جَوَاز الْمُضَاربَة بِأَن قَالَ شرطت لي نصف الرِّبْح فَالْقَوْل لرب المَال، لانه بِدَعْوَى الْفساد يدْفع عَن نَفسه اسْتِحْقَاق مَال، لَان مَا يسْتَحق لرب المَال مَنْفَعَة الْمضَارب، وَمَا يسْتَحق على رب المَال عين مَال وَهُوَ خير من الرِّبْح وَالْعين خير من الْمَنْفَعَة، وَإِن كَانَ كَذَلِك كَانَ رب المَال بِدَعْوَى الْفساد دافعا عَن نَفسه اسْتِحْقَاق زِيَادَة المَال فَكَانَ القَوْل قَوْله.
كَذَا فِي الذَّخِيرَة.

قَوْله: (فِي الْمُطلقَة) بِسُكُون الطَّاء الْمُهْملَة كَأَن يَقُول دفعت إِلَيْك هَذَا المَال مُضَارَبَة وَلم يزدْ عَلَيْهِ.

قَوْله: (الَّتِي لم تقيد بمَكَان) أما لَو قَيده فِي الْبَلَد فَلَيْسَ لَهُ أَن يُسَافر عَنْهَا، كَمَا لَو قَيده ببلدة أُخْرَى فَيتَعَيَّن السّفر، وَلَا يَبِيع فِي بَلَده للُزُوم
الْقَيْد، وَكَلَام الْمُؤلف على حذف أَي التفسيرية فَهُوَ بَيَان للمطلقة.

قَوْله: (أَو زمَان) فَلَو قيد بالشتاء فَلَيْسَ لَهُ أَن يَبِيع بالصيف كَعَكْسِهِ.

قَوْله: (أَو نوع) فَلَو قيد بِالْبرِّ لَيْسَ لَهُ أَن يتجر فِي الرَّقِيق مثلا، وَيَنْبَغِي أَن يُزَاد أَو شخص من المعاملين بِعَيْنِه كَمَا سَيذكرُهُ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ من الْمقيدَة كَمَا حَقَّقَهُ قَاضِي زَاده، ثمَّ لَا يجوز للْمُضَارب أَن يعْمل فِي غير ذَلِك الْمُقَيد.
شلبي.

قَوْله: (البيع) قَالَ الشهَاب الشلبي فِي شَرحه: اشْترى الْمضَارب أَو بَاعَ بِمَا لَا يتَغَابَن النَّاس فِيهِ يكون مُخَالفا قَالَ لَهُ رب المَال اعْمَلْ بِرَأْيِك أَو لَا، لَان الْغبن الْفَاحِش تبرع وَهُوَ مَأْمُور بِالتِّجَارَة لَا بالترع.
وَلَو بَاعَ مَال الْمُضَاربَة بِمَا لَا يتَغَابَن فِيهِ أَو بِأَجل غير مُتَعَارَف جَازَ عِنْد الامام خلافًا لَهما كَالْوَكِيلِ بِالْبيعِ اه.
وَإِنَّمَا يَبِيع وَيَشْتَرِي من غير أُصُوله وفروعه.
كَذَا فِي سري الدّين عَن الْوَلوالجِيَّة ط.

قَوْله: (وَلَو فَاسِدا) لَان الْمَبِيع فِيهِ يملك بِالْقَبْضِ فَيحصل الرِّبْح بِعقد الْمُعَاوضَة وَهُوَ صَنِيع التُّجَّار، بِخِلَاف الْبَاطِل كَمَا فِي الاشباه وَلَيْسَ

(8/421)


المُرَاد مِنْهُ أَنه يجوز لَهُ مُبَاشَرَته لِحُرْمَتِهِ، بل المُرَاد أَنه لَا يكون بِهِ مُخَالفا فَلَا يكون غَاصبا فَلَا يخرج المَال عَن كَونه فِي يَده أَمَانَة.
أَبُو السُّعُود.

قَوْله: (ونسيئة) النَّسِيئَة بِالْهَمْز وَالنِّسَاء بِالْمدِّ: التَّأَخُّر، وَلَو اخْتلفَا فِي النَّقْد والنسيئة فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ فِي الْمُضَارَبَةِ وَلِلْمُوَكِّلِ فِي الْوَكَالَةِ كَمَا مر متْنا فِي الْوكَالَة.

قَوْله: (متعارفة) احْتَرز بِهِ عَمَّا إِذا بَاعَ إِلَى أجل طَوِيل.
زَيْلَعِيّ: أَي كسنتين فِي عرفنَا أَو أجل لم يعْهَد عِنْد التُّجَّار كعشرين سنة كَمَا مر فِي الدُّرَر، وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ النَّسِيئَة لانه عَسى لَا يحصل لَهُ الرِّبْح إِلَّا بِالنَّسِيئَةِ، حَتَّى لَو شَرط عَلَيْهِ البيع بِالنَّقْدِ لَا يجوز لَهُ أَن يَبِيع بنسيئة.
وَفِي شَرط النَّسِيئَة يجوز لَهُ أَن يَبِيع بِالنَّقْدِ.
وَفِي الْهِنْدِيَّة عَن الْمَبْسُوط قَالُوا: وَهَذَا إِذا بَاعه بِالنَّقْدِ بِمثل قِيمَته أَو أَكثر أَو بِمثل مَا سمي لَهُ من الثّمن، فَإِن كَانَ بِدُونِ ذَلِك فَهُوَ مُخَالف، وَلَو قَالَ لَا تبعه بِأَكْثَرَ من ألف فَبَاعَ بِأَكْثَرَ جَازَ لانه خير لصَاحبه.
كَذَا فِي الْحَاوِي.
لَو كَانَت الْمُضَاربَة مُطلقَة فخصها رب المَال بعد عقد الْمُضَاربَة نَحْو إِن قَالَ لَهُ لَا تبع بِالنَّسِيئَةِ أَو لَا تشتر دَقِيقًا وَلَا طَعَاما أَو لَا تشتر من فلَان أَو لَا تُسَافِر: فَإِن كَانَ التَّخْصِيص قبل أَن يعْمل الْمضَارب أَو بَعْدَمَا عمل فَاشْترى وَبَاعَ وَقبض الثّمن وَصَارَ المَال ناضجا جَازَ تَخْصِيصه، وَإِن كَانَ
التَّخْصِيص بعد مَا عمل وَصَارَ المَال عرضا لَا يَصح.
وَكَذَا لَو نَهَاهُ عَن السّفر فعلى الرِّوَايَة الَّتِي يملك السّفر فِي الْمُضَاربَة الْمُطلقَة إِن كَانَ المَال عرضا لَا يَصح نَهْيه.
كَذَا فِي فتاوي قاضيخان.
فَإِذا اشْترى بِبَعْض المَال شَيْئا ثمَّ قَالَ لَا تعْمل بِهِ إِلَّا فِي الْحِنْطَة لم يكن لَهُ أَن يَشْتَرِي بِالْبَاقِي إِلَّا الْحِنْطَة، فَإِذا بَاعَ ذَلِك الشئ وَصَارَ نَقْدا لم يشتر بِهِ إِلَّا الْحِنْطَة.
كَذَا فِي الْحَاوِي انْتهى.

قَوْله: (وَالشِّرَاء) أَي نَقْدا أَو نَسِيئَة بِغَبن يسير، فَلَو اشْترى بِغَبن فَاحش فمخالف، وَإِن قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك كَمَا فِي الذَّخِيرَة، والاطلاق مُشْعِرٌ بِجَوَازِ تِجَارَتِهِ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ، لَكِنْ فِي النَّظْمِ أَنَّهُ لَا يَتَّجِرُ مَعَ امْرَأَتِهِ وَوَلَدِهِ الْكَبِيرِ الْعَاقِلِ وَوَالِدَيْهِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَا يَشْتَرِي مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ، وَقِيلَ مِنْ مكَاتبه بالِاتِّفَاقِ.
قُهُسْتَانِيّ.

قَوْله: (وَالتَّوْكِيل) لانه دون الْمُضَاربَة وجزء مِنْهُ الْمُضَاربَة تَتَضَمَّن الاذن بِهِ.

قَوْله: (بهما) أَي بِالْبيعِ وَالشِّرَاء.

قَوْله: (وَالسّفر برا وبحرا) إِلَّا أَن ينهاه عَنهُ نصا مُطلقًا على الاصح كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّة.
وَفِي الْخَانِية: لَهُ أَن يُسَافر برا وبحرا فِي ظَاهر الرِّوَايَة فِي قَول أبي حنيفَة، وَمُحَمّد هُوَ الصَّحِيح وَعَن أبي حنيفَة أَنه لَا يُسَافر، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف كَمَا فِي الْمَقْدِسِي.
وَفِي الْقُهسْتَانِيّ: وَلَا يُسَافر سفرا مخوفا يتحابى عَنهُ النَّاس فِي قوتهم.
قَالَ الرحمتي: وَله السّفر برا وبحرا: أَي فِي وَقت لَا يغلب فِيهِ الْهَلَاك وَفِي مَكَان كَذَلِك.

قَوْله: (وَلَو دفع لَهُ المَال فِي بَلَده على الظَّاهِر) وَعَن أبي يُوسُف عَن الامام أَنه إِن دفع إِلَيْهِ المَال فِي بَلَده لَيْسَ لَهُ أَن يُسَافر بِهِ، وَإِن دفع إِلَيْهِ فِي غربَة كَانَ لَهُ أَن يُسَافر بِهِ إِلَى بَلَده، لَان الظَّاهِر أَن صَاحبه رَضِي بِهِ إِذْ الانسان لَا يُقيم فِي دَار الغربة دَائِما فإعطاؤه المَال فِي هَذِه الْحَالة ثمَّ علمه بِحَالهِ يدل على رِضَاهُ بِهِ.
وَجه الظَّاهِر أَن الْمُضَاربَة مُشْتَقَّة من الضَّرْب فِي الارض فَيملكهُ بِمُطلق العقد، إِذْ اللَّفْظ دَال عَلَيْهِ، وَلَا نسلم أَنه تَعْرِيض على الْهَلَاك لَان الظَّاهِر فِيهِ السَّلامَة وَلَا مُعْتَبر بالموهوم كَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ.

قَوْله: (وَلَو لرب المَال) أَرَادَ بالابضاع لَهُ استعانة فَيكون مَا اشْتَرَاهُ وَمَا بَاعه على الْمُضَاربَة لَا مَا هُوَ

(8/422)


الْمُتَعَارف من أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لِلْمُبْضِعِ وَالْعَمَلُ مِنْ الْآخَرِ كَمَا فِي البرجندي.

قَوْله: (وَلَا تفْسد بِهِ الْمُضَاربَة) لَان حق التَّصَرُّف للْمُضَارب فيصلح أَن يكون رب المَال وَكيلا عَنهُ فِي التَّصَرُّف خلافًا لزفَر،
لَان رب المَال عِنْده حِينَئِذٍ متصرف لنَفسِهِ وَهُوَ لَا يصلح أَن يكون وَكيلا فِيهِ فَيكون مستردا وَقَول الْعَيْنِيّ: وَيكون الرِّبْح لِلْعَامِلِ صَوَابه: وَلَا يكون أَن يحمل الْعَامِل على الْمضَارب الَّذِي وجد مِنْهُ الابضاع وَإِن لم يعْمل بِالْفِعْلِ.
كَذَا ذكره الشَّيْخ شاهين.
وَلَيْسَ المُرَاد بِالرِّبْحِ الَّذِي يكون للْمُضَارب فِي كَلَام الشَّيْخ شاهين دون رب المَال إِذا دفع إِلَيْهِ المَال بضَاعَة أصل الرِّبْح بل مَا يَخُصُّهُ مِنْهُ فَتنبه.
أَبُو السُّعُود
قَوْله: (كَمَا يجِئ) أَي فِي أول المتفرقات
قَوْله: (وَالرَّهْن والارتهان) قَالَ فِي الْبَحْر: وَله أَن يرْهن ويرتهن بهَا، وَلَوْ أَخَذَ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ يُنْفِقَ فِي تَلْقِيحِهَا وَتَأْبِيرِهَا مِنْ الْمَالِ لَمْ يُجْزَ عَلَيْهَا، وَإِنْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ، فَإِنْ رَهَنَ شَيْئًا مِنْ الْمُضَارَبَةِ ضَمِنَهُ، وَلَوْ أَخَّرَ الثَّمَنَ جَازَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَلَا يضمن، بِخِلَاف الْوَكِيل الْخَاص لَو حط بعض الثّمن إِن لعيب طعن المُشْتَرِي فِيهِ، وَمَا حط حِصَّته أَوْ أَكْثَرَ يَسِيرًا جَازَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي الزِّيَادَةِ يَصِحُّ وَيَضْمَنُ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ لِرَبِّ الْمَالِ وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَا بَقِي على المُشْتَرِي، وَيحرم عَلَيْهِ وطئ الْجَارِيَةِ وَلَوْ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِتَزْوِيجِ رَبِّ الْمَالِ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ وَخَرَجَتْ الْجَارِيَةُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ لَا يَجُوزُ، وَلَيْسَ لَهُ أَن يعْمل مَا فِيهِ ضَرَرٌ وَلَا مَا لَا يَعْمَلُهُ التُّجَّارُ، وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْمُضَارِبَيْنِ أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ، وَلَوْ اشْتَرَى بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ يَكُونُ مُخَالِفًا وَإِنْ قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ، وَلَوْ بَاعَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ جَازَ خِلَافًا لَهُمَا كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ.
وَإِذَا اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ الْمَالِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَهُ وَلَا يَضْمَنُ بِهَذَا الْخَلْطِ الْحُكْمِيِّ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِغَيْرِ الْأَثْمَانِ كَانَ لنَفسِهِ وبالدنانير للمضاربة لانهما جنس هُنَا انْتهى.

قَوْله: (والاستئجار) أَي اسْتِئْجَار الْعمَّال للاعمال والمنازع لحفظ الاموال والسفن وَالدَّوَاب كَمَا فِي الْخَانِية والايجار كَذَلِك.
عبد الْحَلِيم.

قَوْله: (فَلَو اسْتَأْجر الخ) كَانَ هَذَا فِي عرفهم أَنه من صَنِيع التُّجَّار، وَفِي عرفنَا لَيْسَ هُوَ من صنيعهم فَيَنْبَغِي أَن لَا يملكهُ،
قَوْله: (أَي قبُول الْحِوَالَة) هَذَا لَيْسَ معنى الاحتيال، لَان الاحتيال كَونه محتالا وَذَلِكَ بِرِضا الْمُحِيل والمحال عَلَيْهِ والمحال وَإِنَّمَا اقْتصر عَلَيْهِ لانه الْمَقْصُود هُنَا ط.

قَوْله: (من صَنِيع التُّجَّار) أَي عَمَلهم، وَفِي بعض النّسخ صناع جمع صَنْعَة بِمَعْنى مصنوعة.

قَوْله: (لَا يملك الْمُضَاربَة) هَذَا إِذا كَانَت المضاربتان صحيحتين.
أما إِذا كَانَ إِحْدَاهمَا فَاسِدَة أَو كلتاهما فَلَا يمْنَع مِنْهُ الْمضَارب.
قَالَه سري
الدّين.
وَهَذَا أَيْضا إِذا كَانَت مَعَ غير رب المَال.
أما إِذا كَانَت مَعَه فَهِيَ صَحِيحَة كَمَا تقدم عَن الاسبيجابي.
قَالَ الصَّدْر الشَّهِيد: التَّصَرُّفَاتِ فِي الْمُضَارَبَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ هُوَ من بَاب الْمُضَاربَة وتوابعها فيملكها بِمُطلق الايجاب، وَهُوَ الايداع والابضاع والاجارة والاستئجار وَالرَّهْن والارتهان وَمَا أشبه ذَلِك.
وَقسم آخر لَيْسَ من الْمُضَاربَة الْمُطلقَة لكنه يحْتَمل أَن يلْحق بهَا عِنْد وجود الدّلَالَة، وَهُوَ إِثْبَات الشّركَة فِي الْمُضَاربَة بِأَن يدْفع إِلَى غَيره مُضَارَبَة أَو يخلط مَال الْمُضَاربَة بِمَالِه أَو بِمَال غَيره فَإِنَّهُ لَا يملك

(8/423)


هَذَا بِمُطلق الْمُضَاربَة، لَان رب المَال لم يرض بشركة غَيره، وَهُوَ أَمر زَائِد على مَا تقوم بِهِ التِّجَارَة فَلَا يتَنَاوَلهُ مُطلق عقد الْمُضَاربَة، لَكِن يحْتَمل أَن يلْحقهَا بالتعميم.
وَقسم لَا يُمكن أَن يلْحق بهَا، وَهُوَ الاقراض والاستدانة على المَال لَان الاقرار لَيْسَ بِتِجَارَة، وَكَذَا الِاسْتِدَانَة على المَال بل تصرف بِغَيْر رَأس المَال وَالتَّوْكِيل مُقَيّد بِرَأْس المَال انْتهى.

قَوْله: (وَالشَّرِكَة) لانها فَوْقهَا.

قَوْله: (والخلط بِمَالِ نَفْسِهِ) وَكَذَا بِمَالِ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْبَحْر: أَي لانه شركَة إلَّا أَنْ تَكُونَ مُعَامَلَةُ التُّجَّارِ فِي تِلْكَ الْبَلَد أَنَّ الْمُضَارِبَيْنِ يَخْلِطُونَ وَلَا يَنْهَوْنَهُمْ، فَإِنْ غَلَبَ التعارف فِي مِثْلِهِ وَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَ كَمَا فِي التاترخانية.
وفيهَا من الثَّانِي عَشَرَ: دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا بِالنِّصْفِ ثُمَّ أَلْفًا أُخْرَى كَذَلِكَ فَخَلَطَ الْمُضَارِبُ الْمَالَيْنِ فَهُوَ على ثَلَاثَة أوجه، أما إِن قَالَ الْمضَارب فِي كل من المضاربتين اعْمَلْ بِرَأْيِكَ أَوْ لَمْ يَقُلْ فِيهِمَا أَوْ قَالَ فِي إحْدَاهُمَا فَقَطْ، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الرِّبْحِ فِي الْمَالَيْنِ أَوْ بَعْدَهُ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا.
فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا.
وَفِي الثَّانِي: إنْ خَلَطَ قَبْلَ الرِّبْحِ فِيهِمَا فَلَا ضَمَانَ أَيْضًا، وَإِنْ بعده فيهمَا ضَمِنَ الْمَالَيْنِ وَحِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ قَبْلَ الْخَلْطِ، وَإِنْ بَعْدَ الرِّبْحِ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ ضَمِنَ الَّذِي لَا رِبْحَ فِيهِ.
وَفِي الثَّالِثِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ فِي الْأُولَى أَوْ يَكُونَ فِي الثَّانِيَةِ، وَكُلٌّ عَلَى أَرْبَعَةِ
أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَخْلِطَهُمَا قَبْلَ الرِّبْحِ فِيهِمَا، أَوْ بَعْدَهُ فِي الْأُولَى فَقَطْ، أَوْ بَعْدَهُ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ، أَوْ بَعْدَهُ فِيهِمَا قَبْلَ الرِّبْحِ فِيهِمَا، أَوْ بَعْدَهُ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ قَالَ فِي الْأُولَى لَا يَضْمَنُ الْأَوَّلَ وَلَا الثَّانِيَ فِيمَا لَوْ خَلَطَ قَبْلَ الرِّبْح فيهمَا اهـ.
قَالَ فِي مُشْتَمل الاحكام: وَفِي فَتَاوَى أبي اللَّيْث إِذا دفع إِلَى رجل دَرَاهِم مُضَارَبَة وَلم يقل اعْمَلْ فِي ذَلِك بِرَأْيِك وَالْحَال أَن مُعَاملَة التُّجَّار فِي تِلْكَ الْبَلدة يخلطون الاموال وأرباب الاموال لَا ينهونهم عَن ذَلِك وَقد غلب التعارف فِي مثل هَذَا رَجَوْت أَن لَا يضمن وَيكون الامر مَحْمُولا على مَا تعارفوا.

قَوْله: (إِلَّا بِإِذن أَو اعْمَلْ بِرَأْيِك) وَفِي الْمَقْدِسِي: وَمِمَّا تفارق الْمُضَاربَة فِيهِ الْوكَالَة لَو قَالَ اعْمَلْ بِرَأْيِك فللمضارب أَن يضارب وَيَقُول للثَّانِي اعْمَلْ بِرَأْيِك وَيكون للثَّانِي أَن يضارب، بِخِلَاف الْوَكِيل الثَّانِي.
وَمِنْهَا لَو رام رد عبد بِعَيْب فنكل عَن الْيَمين أَنه مَا رَضِي بِهِ بَقِي العَبْد على الْمُضَاربَة، بِخِلَاف الْوَكِيل.
وَفِي الاشباه: إِذا قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك ثمَّ قَالَ لَهُ لَا تعْمل بِرَأْيِك صَحَّ نَهْيه إِلَّا إِذا كَانَ بعد الْعَمَل.
اهـ.

قَوْله: (إِذْ الشئ لَا يتَضَمَّن مثله) هَذَا إِنَّمَا يظْهر عِلّة لنفي الْمُضَاربَة لَا لنفي الشّركَة مِنْهُ والخلط، فالاولى أَن يَقُول: وَلَا أَعلَى مِنْهُ، لَان الشّركَة والخلط أَعلَى من الْمُضَاربَة لانها شركَة فِي أصل المَال.
وَأورد على قَوْلهم إِذْ الشئ لَا يتَضَمَّن مثله الْمَأْذُون فَإِنَّهُ يَأْذَن لعَبْدِهِ وَالْمكَاتب لَهُ أَن يُكَاتب وَالْمُسْتَأْجر لَهُ أَن يُؤجر وَالْمُسْتَعِير لَهُ أَن يعير مَا لم يخْتَلف ف بِالِاسْتِعْمَالِ.
وَأجِيب بِأَن هَؤُلَاءِ يتصرفون بطرِيق الملكية لَا النِّيَابَة، وَالْكَلَام فِي الثَّانِي.
أما الْمَأْذُون فلَان الاذن فك الْحجر ثمَّ بعد ذَلِك يتَصَرَّف العَبْد بِحكم الملكية الاصلية وَالْمكَاتب صَار حرا يدا وَالْمُسْتَأْجر وَالْمُسْتَعِير ملكا الْمَنْفَعَة وَالْمُضَارِبُ يَعْمَلُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيص عَلَيْهِ أَو التَّفْوِيض الْمُطلق إِلَيْهِ ط.
بِزِيَادَة من الْكِفَايَة.

قَوْله: (وَلَا الاقراض والاستدانة) قَالَ فِي شرح الاقطع: لَا يجوز للْمُضَارب أَن يستدين على الْمُضَاربَة وَإِن فعل ذَلِك

(8/424)


لم يجز على رب المَال، أَلا ترى أَنه إِذا اشْترى بِرَأْس المَال فَهَلَك قبل التَّسْلِيم يرجع الْمضَارب عَلَيْهِ بِمثلِهِ، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَرب المَال لم يرض أَن يضمن إِلَّا مِقْدَار رَأس المَال، فَلَو جَوَّزنَا الِاسْتِدَانَة لزمَه ضَمَان مَا لم يرض بِهِ وَذَلِكَ لَا يَصح، وَإِذا لم يَصح استدامته على رب المَال لزمَه الْعين خَاصَّة، وَقد قَالُوا:
لَيْسَ للْمُضَارب أَن يَأْخُذ سفتجة لَان ذَلِك استدانة وَهُوَ لَا يملك الِاسْتِدَانَة، وَكَذَا لَا يعْطى سفتجة لَان ذَلِك قرض وَهُوَ لَا يملك الْقَرْض، وَلَو قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك انْتهى ط.
عَن الشلبي مُخْتَصرا.
وَإِذا لم تصح الِاسْتِدَانَة لزم الدّين خَاصَّة وَأطلق الِاسْتِدَانَة فَشَمَلَ الِاسْتِدَانَة على مَال الْمُضَاربَة والاستدانة على إصْلَاح مَال الْمُضَاربَة كالاستئجار على حمله أَو على قصارته وَهُوَ مُتَطَوّع فِي ذَلِك.
وَفِي الْقُهسْتَانِيّ عَن شرح الطَّحَاوِيّ: صورتهَا كَمَا إذَا اشْتَرَى سِلْعَةً بِثَمَنِ دَيْنٍ وَلَيْسَ عِنْده من مَال الْمُضَاربَة شئ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الثَّمَنِ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِهِ كَانَ شِرَاءً عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَلَمْ يكن من الِاسْتِدَانَة فِي شئ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا عِنْدَهُ إذَا لَمْ يُوفِ فَمَا زَادَ عَلَيْهِ اسْتِدَانَةٌ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَحْرِ: إذَا اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ الْمَالِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَهُ وَلَا يضمن بِهَذَا الْخَلْط الْحكمَيْنِ.
وَفِي الْبَدَائِعِ: كَمَا لَا تَجُوزُ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ لَا تَجُوزُ عَلَى إصْلَاحِهِ، فَلَوْ اشْتَرَى بِجَمِيعِ مَالِهَا ثِيَابًا ثُمَّ اسْتَأْجَرَ عَلَى حملهَا أَو قصرهَا أَو قَتلهَا كَانَ مُتَطَوِّعًا عَاقِدًا لِنَفْسِهِ.
ط عَنْ الشَّلَبِيِّ، وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَلَوْ شَرَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ثَوْبًا إلَخْ فَأَشَارَ بِالتَّفْرِيعِ إلَى الْحكمَيْنِ.

قَوْله: (أَي اعْمَلْ بِرَأْيِك) أَشَارَ إِلَى أَن اسْم الاشارة رَاجع لَهُ خَاصَّة لَا لَهُ وللاذن، فَإِن بالاذن الصَّرِيح يملك ذَلِك كَمَا سَيَقُولُ مَا لم ينص عَلَيْهِمَا.

قَوْله: (مَا لم ينص الْمَالِك عَلَيْهِمَا) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَكَذَا الاخذ بِالشُّفْعَة لَا يملكهُ إِلَّا بِالنَّصِّ وَيملك البيع الْفَاسِد لَا الْبَاطِل.
نَقله فِي الاشباه.

قَوْله: (وَإِذا اسْتَدَانَ كَانَت شركَة الخ) أَي اسْتَدَانَ بِالْإِذْنِ، وَمَا اشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَكَذَا الدَّيْنُ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَتَغَيَّرُ مُوجِبُ الْمُضَارَبَةِ فَرِبْحُ مَالِهِمَا على مَا شَرط قُهُسْتَانِيّ.
أَقُول: وَشركَة الْوُجُوهِ هِيَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الشِّرَاءِ نَسِيئَةً وبكون المُشْتَرِي عَلَيْهِمَا أَثلَاثًا أَو أنصافا وَالرِّبْحُ يَتْبَعُ هَذَا الشَّرْطَ، وَلَوْ جَعَلَاهُ مُخَالِفًا وَلَمْ يُوجَدْ مَا ذُكِرَ فَيَظْهَرُ لِي أَنْ يكون المُشْتَرِي بِالدّينِ للْآمِر لَو المُشْتَرِي معينا أَوْ مَجْهُولًا جَهَالَةَ نَوْعٍ وَسَمَّى ثَمَنَهُ أَوْ جَهَالَةَ جِنْسٍ وَقَدْ قِيلَ لَهُ اشْتَرْ مَا تَخْتَارُهُ وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الْمُتُونِ أَنَّهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَرِبْحُهُ عَلَى حَسَبِ الشَّرْطِ، وَيُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَا يغْتَفر فِي الصَّرِيح، وَقَوله كَانَت شركَة أَي بِمَنْزِلَة شركَة الْوُجُوه كَمَا فِي الْهِدَايَة.
وَصُورَة الِاسْتِدَانَة أَن يَشْتَرِي بِالدَّرَاهِمِ شَيْئا أَو الدَّنَانِير بَعْدَمَا اشْترى بِرَأْس المَال سلْعَة أَو يَشْتَرِي
بمكيل أَو مَوْزُون وَرَأس المَال فِي يَده دَرَاهِم أَو دَنَانِير، لانه اشْترى بِغَيْر رأ س المَال فَكَانَ استدانة، بِخِلَاف مَا لَو اشْترى بِدَنَانِير وَرَأس المَال فِي يَده دَرَاهِم أَو بِدَرَاهِم وَرَأس المَال فِي يَده دَنَانِير، لَان الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير جنس فِي الثمنية فَلَا يكون هَذَا اشْتِرَاء بدين.
كَذَا فِي شرح الوافي.
واستفيد مِمَّا ذكره الشَّارِح أَن شركَة الْوُجُوه لَا يلْزم فِيهَا الْخُلُو عَن المَال أصلا بل أَن يشتريا بِالنَّسِيئَةِ سَوَاء كَانَ مَعَ ذَلِك شِرَاء بِمَال كَمَا هُنَا أَو بِالنَّسِيئَةِ فَقَط.

قَوْله: (وَحِينَئِذٍ) أَي حِين لَا يملك الْقَرْض والاستدانة، وَكَانَ الاولى تَقْدِيمه.
على.

قَوْله: (مَا لم ينص عَلَيْهِمَا) .

قَوْله: (فَلَو اشْترى) تَفْرِيع على عدم جَوَاز

(8/425)


الِاسْتِدَانَة كَمَا ذكرنَا.

قَوْله: (أَو حمل مَتَاع الْمُضَاربَة) أَي أعْطى أُجْرَة الْحمال من عِنْد نَفسه لَا بمالها.
كَذَا فِي أخي جلبي.

قَوْلُهُ: (بِمَالِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْ قَصَرَ وَحَمَلَ.

قَوْله: (وَقد قيل لَهُ ذَلِك) أَي اعْمَلْ بِرَأْيِك.
منح.

قَوْله: (فَهُوَ مُتَطَوّع) أَي بِمَا زَاد فَلَيْسَ لَهُ حِصَّته من الثّمن.

قَوْله: (لانه لَا يملك الِاسْتِدَانَة بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ) وَهِيَ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ.
قُلْتُ: وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِدَانَةِ نَحْوَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ: فَهَذَا يَمْلِكُهُ إذَا نَصَّ، أَمَّا لَوْ اسْتَدَانَ نُقُودًا فَالظَّاهِر أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ شَرِكَةِ الْعَنَانِ: وَلَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَرْجِعُ الْمُقْرِضُ عَلَيْهِ لَا عَلَى صَاحِبِهِ، لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِدَانَةِ تَوْكِيلٌ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالتَّكَدِّي، إلَّا أَنْ يَقُولَ الْوَكِيلُ لِلْمُقْرِضِ إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُ مِنْكَ كَذَا فَحِينَئِذٍ يكون على الْمُوكل لَا الْوَكِيل انْتهى أَي لانه رِسَالَة لَا وكَالَة كَمَا قدمْنَاهُ فِي با ب الْوكَالَة، وَالظَّاهِر أَن الْمُضَاربَة كَذَلِك كَمَا قُلْنَا فَليُرَاجع.

قَوْله: (فشريك بِمَا زَاد الصَّبْغ) أَي والنشاء.
والاولى أَن يَقُول فشريك بِقدر قيمَة الصَّبْغ، حَتَّى لَو بيع يَنْقَسِم الثّمن على قيمَة الصَّبْغ وَالثَّوْب الابيض كَمَا يَأْتِي قَرِيبا.

قَوْله: (كالخلط) أَي يصير شَرِيكا بِهِ أَيْضا، فَلَا يضمن بِهِ لما سلف أَنه يملك الْخَلْط بالتعميم، وَفِي بعض النّسخ.

قَوْله: (بالخلط) أَي بِسَبَب خلط مَاله وَهُوَ الصَّبْغ أَو النشاء بِمَال الْمُضَاربَة وَكِلَاهُمَا صَحِيح.

قَوْله: (وَكَانَ لَهُ حِصَّة قيمَة صبغه الخ) أَي إِذا بيع الثِّيَاب كَانَ حِصَّة قيمَة الصَّبْغ فِي الثَّوْب للْمُضَارب وَحِصَّة الثَّوْب الابيض فِي مَال الْمضَارب، قَالَه
أَبُو الطّيب: أَي فَلَو كَانَ الثَّوْب على تَقْدِير أَنه أَبيض يُسَاوِي خَمْسَة، وعَلى تَقْدِير كَونه أَحْمَر يُسَاوِي سِتَّة كَانَ لَهُ سدس الثّمن وَخَمْسَة الاسداس للمضاربة رَأس المَال لصَاحبه وَالرِّبْح بَينهمَا على مَا شرطا.

قَوْله: (فِي مَالهَا) أَي مَال الْمُضَاربَة فيجريان فِيهِ على مَا اشْترطَا فِي الرِّبْح.

قَوْله: (بل غَاصبا) فَيخرج مَال الْمُضَاربَة عَن أَن يكون أَمَانَة فَيضمن وَيكون الرِّبْح لَهُ على مَا مر، وَسَيَأْتِي فِي كتاب الْغَصْب أَنه إِذا غصب ثوبا فصبغه فالمالك بِالْخِيَارِ، إِن شَاءَ ضمنه الثَّوْب أَبيض أَو أَخذ الثَّوْب وَأَعْطَاهُ قيمَة الصَّبْغ.

قَوْله: (نقص عِنْد الامام) وَعِنْدَهُمَا كالاحمر وَهُوَ الْمُفْتى بِهِ، وَقد مر أَنه اخْتِلَاف زمَان لَا برهَان، وَفِي زَمَاننَا لَا يعد نقصا بل هُوَ من أحسن الالوان فَيدْخل فِي اعْمَلْ بِرَأْيِك سَائِر الالوان كالحمرة.

قَوْله: (وَلَا يملك أَيْضا تجَاوز بلد) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه لَو عين سوقا من بلد لم يَصح التَّعْيِين، لَان الْبَلَد مَعَ تبَاين أَطْرَافه كبقعة وَاحِدَة، إِلَّا إِذا صرح بنهي سوق مِنْهُ أَو قَالَ لَا تعْمل بِغَيْر هَذَا السُّوق مِنْهُ فَحِينَئِذٍ يَصح كَمَا فِي الْهِدَايَة وَيَأْتِي قَرِيبا.
ثمَّ مَجْمُوع صور قيدت الْمُضَاربَة فِيهَا بِالْمَكَانِ ثَمَانِيَة: سِتَّة مِنْهَا يُفِيد التَّقْيِيد فِيهَا، وَاثْنَتَانِ لَا، فَالَّذِي يُفِيد سِتَّة وَهِي دفعت المَال إِلَيْك مُضَارَبَة بِكَذَا فِي الْكُوفَة أَو على أَن تعْمل بِهِ فِيهَا أَو لتعمل بِهِ فِيهَا أَو تعْمل بِهِ رفعا أَو خُذْهُ تعْمل بِهِ فِيهَا جزما أَو فاعمل بِهِ فِيهَا، واللذان لَا يفيدان وهما دفعت إِلَيْك مُضَارَبَة اعْمَلْ بِهِ فِيهَا أَو واعمل بِهِ.
والاصل أَنه مَتى عقب بِمَا لَا يبتدأ بِهِ وَيُمكن بِنَاؤُه على مَا قبله يَجْعَل مَبْنِيا عَلَيْهِ كَمَا فِي الالفاظ السِّتَّة، وَإِن صَحَّ الِابْتِدَاء بِهِ لَا يبْنى على مَا

(8/426)


قبله وَيجْعَل مُبْتَدأ ومستقلا كَمَا فِي اللَّفْظَيْنِ الاخيرين، وَحِينَئِذٍ تكون الزِّيَادَة شُورَى وَكَانَ لَهُ أَن يعْمل بِالْكُوفَةِ وَغَيرهَا كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْكَافِي.
وَاعْترض عَلَيْهِ أَن صُورَة تعْمل بِهِ الرّفْع بِالرَّفْع يَنْبَغِي أَن تكون مِمَّا لَا يُفِيد التَّخْصِيص.
لَان تعْمل كَمَا يحْتَمل أَن يكون حَالا يحْتَمل أَن يكون استئنافا.
وَأجِيب عَنهُ فِي الشُّرُوح بأجوبة أحْسنهَا أَن قَوْله اعْمَلْ بِدُونِ الْوَاو اسْتِئْنَاف قطعا، وبالواو اسْتِئْنَاف أَو عطف لَا يحْتَمل الْحَال، لَان الانشاء لَا يَقع حَالا صرح بِهِ فِي مَحَله والسوق يَقْتَضِي كَون تعْمل بِهِ حَالا وَهُوَ الْمُتَبَادر فَيحمل عَلَيْهِ.

قَوْله: (أَو سلْعَة) بِأَن قَالَ لَهُ خُذ هَذَا المَال مُضَارَبَة على أَن تشتري بِهِ الطَّعَام مثلا أَو الرَّقِيق كَمَا فِي الْمُحِيط.

قَوْله: (أَو وَقت) بِأَن وَقت للمضاربة وقتا بِعَيْنِه بِأَن قَالَ لَهُ اعْمَلْ بالصيف أَو الخريف أَو اللَّيْل كَمَا فِي الْقُهسْتَانِيّ.
وَيُمكن أَن المُرَاد بِالْوَقْتِ أَيْضا توقيتها بِمدَّة سنة مثلا حَتَّى يبطل العقد بمضيه كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْكَافِي.

قَوْله: (أَو شخص عينه الْمَالِك) بِأَن قَالَ على أَن يَشْتَرِي بِهِ من فلَان وَيبِيع مِنْهُ صَحَّ التَّقْيِيد، وَلَيْسَ أَن يَشْتَرِي وَيبِيع من غَيره كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْكَافِي، لانه لم يملك التَّصَرُّف إِلَّا بتفويضه فيتقيد بِمَا فوض إِلَيْهِ، وَهَذَا التَّقْيِيد مُفِيد لَان التِّجَارَات تخْتَلف باخْتلَاف الامكنة والامتعة والاوقات والاشخاص، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَن يَدْفَعهُ مُضَارَبَة إِلَى من يُخرجهُ من تِلْكَ الْبَلدة لانه لَا يُمكن أَن يتَصَرَّف بِنَفسِهِ فِي غير هَذَا الْبَلَد فَلَا يُمكن أَن يَسْتَعِين بِغَيْر أَيْضا.
دُرَر.
قَالَ مِسْكين: لَا يتَجَاوَز عَمَّا عينه من هَذِه الاشياء كَمَا لَا يتَعَدَّى أحد الشَّرِيكَيْنِ فِي الشّركَة الْمقيدَة مَعَ شئ فِيهَا، وَالْمرَاد بالشخص شخص معِين، لانه لَو قَالَ على أَن تشتري من أهل الْكُوفَة أَو قَالَ على أَن تعْمل فِي الصّرْف وتشتري فِي الصيارفة وتبيع مِنْهُم فَبَاعَ فِي الْكُوفَة من رجل لَيْسَ من أهل الْكُوفَة أَو من غير الصيارفة جَازَ.
اهـ.
فَقَوْل على أَن تشتري من أهل الْكُوفَة الخ كَذَا لَو قَالَ خُذ هَذَا المَال تعْمل بِهِ فِي الْكُوفَة لانه تَفْسِير لَهُ أَو قَالَ فاعمل بِهِ فِي الْكُوفَة لَان الْفَاء للوصل، أَو قَالَ خُذْهُ بِالنِّصْفِ بِالْكُوفَةِ لَان الْبَاء للالصاق، أَو قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَة بِالنِّصْفِ فِي الْكُوفَة لَان فِي للظرف وَإِنَّمَا يكون ظرفا فَإِذا حصل الْفِعْل فِيهِ أَو قَالَ على أَن تعْمل بِالْكُوفَةِ لَان على للشّرط فيتقيد بِهِ، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ خُذ هَذَا المَال واعمل بِهِ فِي الْكُوفَة حَيْثُ كَانَ لَهُ أَن يعْمل فِيهَا وَفِي غَيرهَا لَان الْوَاو للْعَطْف فَيصير بِمَنْزِلَة المشورة.
زَيْلَعِيّ.
أَقُول: وَهَذَا معنى التخصص، وَقَوله جَازَ لَان الْمَقْصُود من هَذَا الْكَلَام التَّقْيِيد بِالْمَكَانِ أَو بالنوع، حَتَّى لَا يجوز لَهُ أَن يخرج من الْكُوفَة فِي الاول وَيبِيع فِيهَا من أَهلهَا أَو من غير أَهلهَا، وَلَا يجوز لَهُ أَن يعْمل فِي غير الصّرْف فِي الثَّانِي وَيَشْتَرِي وَيبِيع من الصيارفة وَغَيرهم، لَان التَّقْيِيد بِالْمَكَانِ وَالنَّوْع مُفِيد، وَلَا يُفِيد التَّقْيِيد بِأَهْل الْكُوفَة والصيارفة، لَان كل وَاحِد مِنْهُمَا جمع كثير لَا يُمكن إحصاؤه.
زَيْلَعِيّ
قَوْله: (لَان الْمُضَاربَة تقبل التَّقْيِيد الْمُفِيد) أَي كَمَا فِي الشّركَة.
بَحر.
فَأفَاد أَن الشّركَة تكون
بالاولى فِي قبُول التَّقْيِيد الْمُفِيد.
وَفِي الذَّخِيرَة: لَو نَهَاهُ عَن التَّصَرُّف وَالْمَال عرض فَبَاعَهُ بِعرْض آخر لَا يعْمل نَهْيه، فَلَو بَاعَ بِالدَّرَاهِمِ يعْمل النَّهْي.
اهـ.

(8/427)


قَالَ وَفِي الْهِنْدِيَّة: الاصل أَن رب المَال مَتى شَرط على الْمضَارب شرطا فِي الْمُضَاربَة، إِن كَانَ شرطا لرب المَال فِيهِ فَائِدَة فَإِنَّهُ يَصح وَيجب على الْمضَارب مراعاته وَالْوَفَاء بِهِ، وَإِذا لم يَفِ بِهِ صَار مُخَالفا وعاملا بِغَيْر أمره، وَإِن كَانَ شرطا لَا فَائِدَة فِيهِ لرب المَال فَإِنَّهُ لَا يَصح وَيجْعَل كالمسكوت عَنهُ، كَذَا فِي الْمُحِيط.

قَوْله: (وَلَو بعد العقد) قبل التَّصَرُّف فِي رَأس المَال أَو بعد التَّصَرُّف ثمَّ صَار المَال ناضا فَإِنَّهُ يَصح تَخْصِيصه لانه يملك عَزله فَيملك تَخْصِيصه وَالنَّهْي عَن السّفر يجْرِي على هَذَا كَمَا فِي الْمنح.

قَوْله: (مَا لم يضر المَال عرضا الخ) قيل لَعَلَّ الْعلَّة فِي ذَلِك ظُهُور كَون مَا اشْترى من البضاعة يروج كَمَال الرواج فِي بَلْدَة كَذَا، فَإِذا ظهر لَهُ ذَلِك فالمصلحة حِينَئِذٍ فِي السّفر إِلَى تِلْكَ الْبَلدة ليَكُون الرِّبْح أوفر اهـ.
قَالَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة: والاصح أَن نَهْيه عَن السّفر عَامل على الاطلاق اهـ.

قَوْله: (لَا يملك عَزله) وَلَا نَهْيه منح.

قَوْله: (فَلَا يملك تَخْصِيصه) قدمنَا قَرِيبا عَن الزَّيْلَعِيّ معنى التَّخْصِيص.

قَوْله: (كنهيه عَنْ بَيْعِ الْحَالِّ) يَعْنِي ثُمَّ بَاعَهُ بِالْحَالِّ بِسِعْرِ مَا يُبَاعُ بِالْمُؤَجَّلِ كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ.
وَقد يكون فِي بيع الْمُؤَجل ربح وَفَائِدَة.
مِنْهَا: أَنه يُبَاع بِرِبْح أَكثر من الْحَال عَادَة وَلذَا قدم فِي الْوكَالَة أَنه لَو أمره بِالنَّسِيئَةِ فَبَاعَ بِالنَّقْدِ جَازَ إِن عين لَهُ الثّمن، أَفَادَ أَنه عِنْد عدم تعْيين الثّمن لَا يجوز لَان النَّسِيئَة يكون الثّمن أَزِيد.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَلَو أمره أَن يَبِيع بِالنَّسِيئَةِ وَلَا يَبِيع بِالنَّقْدِ فَبَاعَ بِالنَّقْدِ فَهُوَ جَائِز.
قَالُوا: وَهَذَا إِذا بَاعه بِالنَّقْدِ بِمثل قِيمَته أَو أَكثر أَو بِمثل مَا سمي لَهُ من الثّمن، فَإِن كَانَ بِدُونِ ذَلِك فَهُوَ مُخَالف.
كَذَا فِي الْمَبْسُوط.
لَو قَالَ لَا تبعه بِأَكْثَرَ من ألف فَبَاعَ بِأَكْثَرَ جَازَ لانه خير لصَاحبه كَذَا فِي الْحَاوِي اهـ.
وقدمناه قَرِيبا.
أَقُول: لَكِن هَذَا الْقَيْد لَا يظْهر على مَا فِي الشَّرْح من عدم اعْتِبَاره أصلا، وَمُقْتَضَاهُ الاطلاق، نعم ذكرُوا ذَلِك فِي تَقْيِيد الْوَكِيل كَمَا سَمِعت وَهُوَ مُفِيد هُنَاكَ، فَيلْزم أَن لَا يَبِيع بِدُونِ الثّمن الَّذِي عينه لَهُ وَهُوَ ثمن النَّسِيئَة، فَإِن بَاعَ نَقْدا بِثمنِهَا صَحَّ إِذْ لَا يبْقى بعده إِلَّا التَّقْيِيد بِالنَّسِيئَةِ وَهُوَ غير مُفِيد بِانْفِرَادِهِ قطعا.
تَأمل.

قَوْله: (فَإِن صرح بِالنَّهْيِ) مِثْلُ لَا تَبِعْ فِي سُوقِ كَذَا.

قَوْله: (صَحَّ وَإِلَّا لَا) وَهَذَا بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ على أَن تشتري فِي سوق الْكُوفَة حَيْثُ لَا يَصح التَّقْيِيد إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ.

قَوْله: (فَإِن فعل) أَي تجَاوز، بِأَن خرج إِلَى غير ذَلِك الْبَلَد فَاشْترى سلْعَة غير مَا عينه أَو فِي وَقت غير مَا عينه أَو بَايع أَو اشْترى مَعَ غير من عينه.

قَوْله: (ضمن بالمخالفة) وَهل يضمن بِنَفس الاخراج؟ الصَّحِيح نعم، لَكِن بِالشِّرَاءِ يَتَقَرَّر الضَّمَان لزوَال احْتِمَال الرَّد إِلَى الْبَلَد الَّذِي عينه كَمَا فِي الْهِدَايَة.
قَوْله: وَكَانَ ذَلِك الشِّرَاء لَهُ وَله ربحه وَعَلِيهِ خسرانه لانه تصرف فِي مَال غَيره بِغَيْر أمره دُرَر: أَي لانه فُضُولِيّ فِيهِ فَينفذ عَلَيْهِ حَيْثُ أمكن تنفيذه، أما لَو بَاعَ مَال الْمُضَاربَة مُخَالفا لرب المَال كَانَ بَيْعه مَوْقُوفا على إِجَارَته كَمَا هُوَ عقد الْفُضُولِيّ.
قَالَ الاتقاني.
وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ عِنْدَهُمَا.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يطيب

(8/428)


لَهُ أَصْلُهُ الْمُودَعُ إذَا تَصَرَّفَ فِيهَا وَرَبِحَ.

قَوْله: (وَلَو لم ينْصَرف فِيهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ أَصْلَ الضَّمَانِ وَاجِبٌ بِنَفْسِ الْمُخَالفَة لكنه غير قَادر إلَّا بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ عَلَى عَرَضِيَّةِ الزَّوَالِ بِالْوِفَاقِ.
وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا اشْتَرَى، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قُهُسْتَانِيٌّ قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ ثَمَرَتَهُ فِيمَا لَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ قَبْلَ الشِّرَاءِ يَضْمَنُ على الاول لَا على الثَّانِي.

قَوْله: (عَادَتْ الْمُضَاربَة) أَي لَو تجَاوز بَلَدا عينهَا رب المَال أَو هم بشرَاء سلْعَة غير الَّتِي عينهَا أَو فِي وَقت أَو مَعَ شخص كَذَلِك ثمَّ عَاد للوفاق، بِأَن رَجَعَ للبلد وَاشْترى السّلْعَة الَّتِي عينهَا وانتظر الْوَقْت وعامل مَعَ ذَلِك الشَّخْص صَحَّ تصرفه لعدم الْمُخَالفَة، فَفِي قَوْله (عَادَتْ الْمُضَاربَة) تسَامح، لَان الْعود لَا يكون بعد الِانْصِرَاف والانصراف عَن الْمُضَاربَة يفسخها وَلم يُوجد مَا يَقْتَضِيهِ، وَلم فسخت لم تعد لَان المفسوخ لَا يعود جَائِزا بِدُونِ عقد جَدِيد.
كَذَا أَفَادَهُ الرحمتي.
وَقد يُقَال: المُرَاد بِالْعودِ الابراء عَن الضَّمَان لِأَنَّهُ أَمِينٌ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ وَرجع مَعَ مَال
الْمُضَاربَة على حَاله، لَان المَال بَاقِي فِي يَده بِالْعقدِ السَّابِق كَمَا فِي الْمنح، وَهُوَ يُفِيد أَنه لَا يتَصَوَّر الْعود إِذا خَالف فِي سلْعَة عينهَا أَو فِي شخص عينه.
نعم يظْهر فِي مُخَالفَته فِي الْمَكَان.
تَأمل.
وَحَاصِل الْمَعْنى: أَنه إِذا عين لَهُ بَلَدا فَتَجَاوز إِلَى أُخْرَى خرج المَال عَن الْمُضَاربَة خُرُوجًا مَوْقُوفا على شرف الزَّوَال، فَإِن رَجَعَ إِلَى مَا عينه رب المَال زَالَ الضَّمَان وَرجع إِلَى الْوِفَاق وَبقيت الْمُضَاربَة على حَالهَا كَالْمُودعِ إِذا خَالف فِي الْوَدِيعَة ثمَّ ترك فَإِذا حمل على هَذَا فَلَا إِشْكَال.
تَأمل.

قَوْله: (وَكَذَا لَو عَاد) أَي إِلَى الْوِفَاق فِي الْبَعْض: أَي بعض المَال بعد الْمُخَالفَة فِي الْبَعْض الآخر، فَإِن مَا اشْتَرَاهُ مَعَ الْمُخَالفَة وَقع لنَفسِهِ، وَمَا بَقِي لم تحصل بِهِ الْمُخَالفَة، فَإِذا عَاد إِلَى الْوِفَاق صَحَّ تصرفه فِيهِ، لَان ذَلِك إِذا كَانَ حكم كل المَال كَانَ حكم جزئه اعْتِبَارا للجزء بِالْكُلِّ، وَحكم مَا بَاعه مَعَ الْمُخَالفَة حَيْثُ إِنَّه عقد فُضُولِيّ والفضولي يملك الْفَسْخ قبل إجَازَة الْمَالِك كَمَا تقدم، فَلَو عَاد فِيهِ إِلَى الْوِفَاق صَحَّ تصرفه فِيهِ لَان الْفَسْخ بِعَدَمِ البيع.
قَالَ الْأَتْقَانِيّ: فَإِنْ اشْتَرَى بِبَعْضِهِ فِي غَيْرِ الْكُوفَةِ ثُمَّ بِمَا بَقِيَ فِي الْكُوفَةِ فَهُوَ مُخَالِفٌ فِي الْأَوَّلِ، وَمَا اشْتَرَاهُ بِالْكُوفَةِ فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، لِأَنَّ دَلِيلَ الْخِلَافِ وُجِدَ فِي بعضه دون بعضه انْتهى.

قَوْله: (وَلَا يملك تَزْوِيج قن من مَالهَا) أَي لَا يملك الْمضَارب تَزْوِيج عبد أَو أمة من مَال الْمُضَاربَة كالشريك عنانا أَو مُفَاوَضَة كَمَا فِي الْبَحْر.
وَعَن أبي يُوسُف أَن للْمُضَارب تَزْوِيج الامة لانه من الِاكْتِسَاب لانه يصل إِلَى الْمهْر وَإِلَى سُقُوط نَفَقَتهَا، بِخِلَاف تَزْوِيج العَبْد فَإِن فِيهِ إشغال رقبته فِي الدّين وَاسْتِحْقَاق بَيْعه بِهِ.
وَلَهُمَا: أَنه لَيْسَ من بَاب التِّجَارَة فَلَا يدْخل تَحت الاطلاق، لَان لفظ الْمُضَاربَة يدل على تَحْصِيل المَال بطرِيق التِّجَارَة لَا بِأَيّ طَرِيق كَانَ، أَلا ترى أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يُكَاتب وَلَا يعْتق على مَال وَإِن كَانَ بأضعاف قِيمَته، على أَن فِي تَزْوِيج الامة خطرا وَهُوَ الْحمل وَعدم الْخَلَاص مِنْهُ كَمَا فِي المنبع، بِخِلَاف الْمكَاتب حَيْثُ يجوز لَهُ أَن يُزَوّج الامة دون العَبْد لَان الْكِتَابَة تَقْتَضِي الِاكْتِسَاب دون التِّجَارَة، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَن يُكَاتب فَيملك تَزْوِيج الامة أَيْضا، ونظيرها الاب وَالْوَصِيّ حَيْثُ يملكَانِ تَزْوِيج الامة وَالْمُكَاتبَة دون تَزْوِيج العَبْد، لَان تصرفهما مُقَيّد بِالنّظرِ للصَّغِير، فمهما كَانَ فِيهِ نظر للصَّغِير فعلاه وَمَا لَا فَلَا.
ذكره

(8/429)


الزَّيْلَعِيّ.
قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَنه لَا يحل للْمُضَارب وطئ جَارِيَة الْمُضَاربَة ربح أَو لَا وَأذن بِهِ أَو لَا كَمَا فِي الْمُضْمرَات انْتهى.

قَوْله: (بِقرَابَة) كابنه وَأَبِيهِ لكَونه مُخَالفا للمقصود.

قَوْلُهُ: (أَوْ يَمِينٌ) بِأَنْ قَالَ إنْ مَلَكْتُهُ فَهُوَ حر، لَان الْمُضَاربَة إِذن بِتَصَرُّف يحصل بِهِ الرِّبْح، وَهَذَا إِنَّمَا يكون بشرَاء مَا يُمكن بَيْعه وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِك.
دُرَر وَنَظِير الْمُضَاربَة الشَّرِيك شركَة عنان أَو مُفَاوَضَة حَتَّى كَانَ تَزْوِيجه الامة على الْخلاف.
زَيْلَعِيّ.

قَوْله: (فَإِنَّهُ يملك ذَلِك) لَان التَّوْكِيل مُطلق فَيجْرِي على إِطْلَاقه.
قَالَ الشمني: وَالْفرق بَينه وَبَين الْمضَارب حَيْثُ يَصح شِرَاء الْوَكِيل لمن يعْتق على الْمُوكل وَلَا يصير بِهِ مُخَالفا، إِذْ الْوكَالَة فِي الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ مُطلقَة فتجري على إِطْلَاقهَا، وَفِي الْمُضَاربَة مُقَيّدَة بِمَا يظْهر فِيهِ الرِّبْح بِالْبَيْعِ، فَإِذَا اشْتَرَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعه خَالف انْتهى.
وَكَذَا لَو وجد فِي الْوكَالَة أَيْضا مَا يدل على التَّقْيِيد بِأَن قَالَ اشْتَرِ لي عبدا أبيعه أَو جَارِيَة أطؤها كَانَ الحكم كَذَلِك كَمَا ذكره المُصَنّف ب
قَوْله: (عِنْد عدم الْقَرِينَة) فَلَو اشْترى من يعْتق على رب المَال صَار مُشْتَريا لنَفسِهِ وَيضمن لانه نقد الثّمن من مَال الْمُضَاربَة.
وَعند مَالك لَو كَانَ عَالما مُوسِرًا ضمن، وَإِلَّا فَلَا.
كَذَا ذكره الْعَيْنِيّ، وَمُقْتَضَاهُ الضَّمَان عندنَا مُطلقًا مُوسِرًا أَو لَا.

قَوْله: (وَلَا من يعْتق عَلَيْهِ) لانه يعْتق نصِيبه وَيفْسد بِسَبَبِهِ نصيب رب المَال أَو يعْتق على الْخلاف بَين الامام وصاحبيه.

قَوْله: (إِذا كَانَ فِي المَال ربح هُوَ هُنَا الخ) قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَالْمرَاد من ظُهُور الرِّبْح الْمَذْكُور أَن تكون قيمَة العَبْد المُشْتَرِي أَكثر من رَأس المَال، سَوَاء كَانَ فِي جملَة مَال الْمُضَاربَة ربح أَو لم يكن، لانه إِذا كَانَ قيمَة العَبْد مثل رَأس المَال أَو أقل لَا يظْهر ملك الْمضَارب فِيهِ بل يَجْعَل مَشْغُولًا بِرَأْس المَال، حَتَّى إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا وَصَارَ عَشَرَةَ آلَاف ثُمَّ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَقَلُّ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَكَذَا كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ أَوْ أَكْثَرُ وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ أَلْفٌ أَوْ أَقَلُّ فَاشْتَرَاهُمْ لَا يعْتق شئ مِنْهُم، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ وَلَا يملك الْمضَارب مِنْهُم شَيْئا حَتَّى يزِيد قِيمَةُ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ عَلَى حِدة من غير ضمنه إِلَى آخر.
اهـ.
لانه يحْتَمل أَن يهْلك مِنْهُم اثْنَان فَيتَعَيَّن الْبَاقِي لرأس المَال وَلعدم الاولوية.
وَقَالَ فِي الْمنح: وَالْمرَاد من الرِّبْح هُنَا أَن تكون قيمَة العَبْد المُشْتَرِي أَكثر من رَأس المَال، سَوَاء كَانَ فِي جملَة مَال الْمُضَاربَة ربح أَو لم يكن، حَتَّى لَو كَانَ المَال ألفا فَاشْترى بهَا الْمضَارب عَبْدَيْنِ قيمَة كل
وَاحِد مِنْهُمَا ألف فأعتقهما الْمضَارب لَا يَصح عتقه، وَأما بِالنِّسْبَةِ إِلَى اسْتِحْقَاق الْمضَارب فَإِنَّهُ يظْهر فِي الْجُمْلَة ربح، حَتَّى لَو أعتقهما رب المَال فِي هَذِه الصُّورَة صَحَّ وَضمن نصيب الْمضَارب مِنْهُمَا وَهُوَ خَمْسمِائَة مُوسِرًا كَانَ أَو مُعسرا.
كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة.
اهـ.
وَإِن لم يظْهر ربح بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور جَازَ شِرَاؤُهُ لعدم ملكه.
بَحر.

قَوْله: (كَمَا بَسطه الْعَيْنِيّ) عِبَارَته هِيَ عين الَّتِي نقلناها عَن الزَّيْلَعِيّ فِي المقولة السَّابِقَة.

قَوْله: (وَقع الشِّرَاء لنَفسِهِ) لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَتَى وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي ينفذ عَلَيْهِ.
اهـ.
منح وَضمن فِي الصُّورَتَيْنِ.
فَفِي الْوَجْه الاول: يضمن جَمِيع الثّمن إِذا دفع من مَال الْمُضَاربَة إِذْ لَيْسَ لَهُ فِيهِ من نصيب لعدم

(8/430)


ظُهُور الرِّبْح فِيهِ، بِخِلَاف الْوَجْه الثَّانِي حَيْثُ يسْقط عَنهُ من ثمنه بِحَسب مَا يَخُصُّهُ فِيمَا يظْهر فِيهِ من الرِّبْح، هَذَا مَا ظهر لي وَكَأَنَّهُم تركُوا التَّنْبِيه عَلَيْهِ لظُهُوره اهـ.
أَبُو السُّعُود.

قَوْله: (وَإِن لم يكن ربح) أَي فِي الصُّورَة الثَّانِيَة وَهِي مَا إِذا اشْترى الْمضَارب من يعْتق عَلَيْهِ.

قَوْله: (كَمَا ذكرنَا) أَي من كَون قِيمَته أَكثر من رَأس المَال.

قَوْله: (صَحَّ للمضاربة) لعدم الْمُفْسد لانه لَا يعْتق عَلَيْهِ شئ، إِذْ لَا ملك لَهُ فِيهِ لكَونه مَشْغُولًا بِرَأْس المَال فيمكنه أَن يَبِيعهُ للمضاربة فَيجوز.

قَوْله: (فَإِن ظهر الرِّبْح) أَي فِي صُورَة مَا إِذا اشْترى الْمضَارب من يعْتق عَلَيْهِ وَلم يكن فِيهِ ربح ظَاهر، لَان قِيمَته لَا تزيد على رَأس المَال ثمَّ غلا سعره أَو زَادَت أَوْصَافه حَتَّى غلت قِيمَته.

قَوْله: (لعتقه لَا بصنعه) لانه إِنَّمَا أعتق عِنْد الْملك لَا بصنع مِنْهُ بل بِسَبَب زِيَادَة قِيمَته بِلَا اخْتِيَار فَصَارَ كَمَا لَو وَرثهُ مَعَ غَيره بِأَن اشترت امْرَأَة ابْن زَوجهَا ثمَّ مَاتَت وَتركت هَذَا الزَّوْج وأخا عتق نصيب الزَّوْج، وَلَا يضمن شَيْئا لاخيها لعدم الصنع مِنْهُ: دُرَر.
تَتِمَّة: شرى نصفه بِمَال الْمُضَاربَة وَلَا فضل فِيهِ وَنصفه بِمَالِه صَحَّ، لَان هَذَا النّصْف لَا ربح فِيهِ فَلم يثبت الْعتْق فِيهِ، وَإِنَّمَا دخل الْعتْق فِيهِ حكما لما اشْتَرَاهُ لنَفسِهِ فَلم يصر مُخَالفا.
زَيْلَعِيّ عَن الْكَافِي.

قَوْله: (وسعى العَبْد الْمُعْتق الخ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَة: وَوَلَاؤُهُ بَينهمَا على قدر الْملك عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا عتق كُله وسعى فِي رَأس المَال وَحِصَّة رب المَال من الرِّبْح.
اهـ.
وَإِنَّمَا سعى العَبْد لانه احتسبت مَالِيَّة العَبْد عِنْد العَبْد فيسعى فِيهِ.
عناية.

قَوْله: (من يعْتق على الصَّغِير) وَمثله الْمَعْتُوه.
حموي.

قَوْله: (إِذْ لَا نظر فِيهِ للصَّغِير) أَي فِي شِرَاء الاب وَالْوَصِيّ وَهِي عِلّة قَاصِرَة، وَالْعلَّة فِي الشَّرِيك هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمُضَارِبِ مِنْ قَصْدِ الِاسْتِرْبَاحِ ط.
وَأما الشَّرِيك فلَان الشّركَة تَتَضَمَّن الْوكَالَة وَالْوَكِيل لَا يَشْتَرِي من يعْتق على الْمُوكل عِنْد الْقَرِينَة كَمَا مر آنِفا وَالشَّرِكَة قرينَة قصد الرِّبْح كالمضاربة.

قَوْله: (وَإِلَّا) بِأَن كَانَ مُسْتَغْرقا.

قَوْله: (لَا) أَي لَا يعْتق مَا اشْتَرَاهُ من قريب الْمولى عِنْد الامام.

قَوْله: (خلافًا لَهما) وَهَذَا الْخلاف مَبْنِيّ على أَن الْمولى هَل يملك أكساب عَبده الْمَأْذُون الْمُسْتَغْرق بِالدّينِ أَو لَا؟ فَعنده لَا يملك، وَعِنْدَهُمَا يملك: أَي فَيعتق وَإِن كَانَ الْمَدْيُون مُسْتَغْرقا بِالدّينِ لمَاله ورقبته، لَان السَّيِّد يملك مَا فِي يَده وَإِن أحَاط الدّين بذلك، وَحِينَئِذٍ يملك السَّيِّد قيمَة العَبْد الْمُعْتق لغرماء الْمَدْيُون عِنْدهمَا، وَعند الْكل إِذا لم يكن مُسْتَغْرقا.

قَوْله: (زَيْلَعِيّ) قَالَ: وَإِن كَانَ فِيهِ دين مُحِيط بِرَقَبَتِهِ وَكَسبه لَا يعْتق عِنْده، وَعِنْدَهُمَا يعْتق بِنَاء على أَنه هَل يدْخل فِي ملك الْوَلِيّ أم لَا اهـ.

قَوْله: (بِالنِّصْفِ) مُتَعَلق بمضارب.

قَوْله: (اشْترى أمة) أَي قيمتهَا ألف.

قَوْله: (فَولدت) أَي وَوَطئهَا الْمضَارب فَولدت.

قَوْله: (ولدا مُسَاوِيا لَهُ) أَي الْوَلَد وَحده مُسَاوِيا للالف، فَلَو كَانَت قيمَة الْوَلَد أَكثر من الالف نفذت دَعوته فِي الْحَال لظُهُور الرِّبْح فِيهِ.

قَوْله: (فَادَّعَاهُ مُوسِرًا) لانه ضَمَان عتق.
قَالَ منلا مِسْكين: وَاعْلَم أَنه قَوْله مُوسِرًا لَيْسَ بِقَيْد لَازم، بل ذكره لانه لما لم يضمن فِي

(8/431)


الْوَلَد مَعَ أَنه مُوسر فلَان لَا يضمن إِذا كَانَ مُعسرا أولى اهـ.
أَي إِنَّمَا قيد بِهِ لنفي الشُّبْهَة، وَهِي أَن الضَّمَان بِسَبَب دَعْوَة الْمضَارب وَهُوَ الاعتاق فيختلف باليسار والاعسار، فَكَانَ الْوَاجِب أَن يضمن الْمضَارب إِذا كَانَ مُوسِرًا وَمَعَ ذَلِك لَا يضمن، لَان نُفُوذ الْعتْق معنى حكمي لَا صنع للْمُضَارب فِيهِ فَلَا يجب عَلَيْهِ الضَّمَان لعدم التَّعَدِّي، إِذْ لَا يجب ضَمَان الْعتْق إِلَّا بِالتَّعَدِّي.
كَمَا فِي أخي جلبي.
وَالْحَاصِل: أَنه لَا يضمن لَا مُوسِرًا وَلَا مُعسرا، وَإِنَّمَا قيد بِهِ ليعلم أَن الْمُوسر لَا يضمن بِالطَّرِيقِ الاولى.

قَوْلُهُ: (كَمَا ذَكَرْنَا) أَيْ فِي قَوْلِهِ (مُسَاوِيًا لَهُ) فَالْكَافُ بِمَعْنَى مِثْلِ خَبَرُ صَارَ وَأَلْفًا بَدَلٌ مِنْهُ أَوْ أَلْفًا هُوَ الْخَبَرُ وَالْجَارُ وَالْمَجْرُور قبله حَال مِنْهُ.

قَوْله: (نفذت دَعوته) بِخِلَاف مَا لَو أعْتقهُ فزادت قِيمَته لانه إنْشَاء والدعوة إِخْبَار فتتوقف على ظُهُور الرِّبْح.
فَإِن قلت: قد ظهر الرِّبْح بِظُهُور الْوَلَد.
قُلْنَا: هَذَا قَول زفر.
وَأما الْمَذْهَب فَلَا يظْهر الرِّبْح إِذا كَانَ رَأس المَال أجناسا مُخْتَلفَة كلهَا مِنْهَا قدر رَأس المَال.
قَالَ الشَّيْخ أَبُو الطّيب: وَإِنَّمَا لم تنفذ دَعوته إِلَّا بعد صيرورة قِيمَته ألفا وَنصفه، إِذْ كل وَاحِد مِنْهُمَا رَأس المَال فَلَا يظْهر الرِّبْح، لِمَا عُرِفَ أَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إذَا صَارَ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يَزِيدُ على رَأس المَال لَا يظْهر الرِّبْح عندنَا، خلافًا لزفَر، لَان بَعْضهَا لَيْسَ بِأولى من الْبَعْض، فَإِذا كَانَ كَذَلِك لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ نَصِيبٌ فِي الْأَمَةِ وَلَا فِي الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّصَرُّف فَلَا تنفذ دَعوته، فَإِذا زَادَت قيمَة الْغُلَام وَصَارَت ألفا وَخَمْسمِائة ظهر فِيهِ فِي ذَلِك الْوَقْت فَملك الْمُضَارِبُ مِنْهُ نِصْفَ الزِّيَادَةِ فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ السَّابِقَةُ فِيهِ لوُجُود شَرطهَا وَهُوَ الْملك.
اهـ.

قَوْله: (فَعتق) قَالَ فِي التَّبْيِين: فَإِذا نفذت دَعوته صَار الْغُلَام ابْنا لَهُ وَعتق بِقدر نصِيبه مِنْهُ وَهُوَ ربعه وَمن يضمن الْمضَارب حِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ بِالْمِلْكِ وَالنَّسَبِ، فَصَارَتْ الْعِلَّةُ ذَات وَجْهَيْنِ وَالْملك آخرهما وجودا فيضاف الحكم وَهُوَ الْعتْق إِلَيْهِ، لَان الحكم يُضَاف إِلَى الْوَصْف الاخير، أَصله وضع القفة على السَّفِينَة والقدح الاخير وَلَا صنع للْمُضَارب فِي الْملك فَلَا يجب عَلَيْهِ الضَّمَان لدعم التَّعَدِّي إِذْ لَا يجب ضَمَان الْعتْق إِلَّا بِالتَّعَدِّي.
اهـ.
مُخْتَصرا.
قَالَ صَاحب الْكَافِي: سفينة لَا تحمل إِلَّا مائَة من فأوقع فِيهَا رجل منا زَائِدا على الْمِائَة فغرقت كَانَ الضَّمَان كُله عَلَيْهِ اهـ.
والقدح الاخير الْمُسكر هُوَ الْمحرم: أَي على قَول الامام دون مَا قبله، وَإِن كَانَ الْمُفْتى بِهِ قَول مُحَمَّد أَن مَا أسكر كَثِيره فقليله حرَام ط.

قَوْله: (سعى) حَيْثُ زَاد الشَّارِح نفذت يحْتَاج إِلَى وَاو الْعَطف هُنَا بِأَن يَقُول وسعى عطفا على جَوَاب الْمَسْأَلَة الَّتِي زَادهَا الشَّارِح.

قَوْله: (فِي الالف وربعه) أَي سعى الْوَلَد لرب المَال فِي الالف وربعه وَهُوَ مِائَتَان وَخَمْسُونَ لَان الالف مُسْتَحقّ لَهُ بِرَأْس المَال ومائتان وَخَمْسُونَ نصِيبه من الرِّبْح، فَإِذا قبض مِنْهُ أل ف دِرْهَم صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ مَالِهِ وَظَهَرَ أَنَّ الْأُمَّ كلهَا ربح لفراغها عَن رَأس المَال فَكَانَت بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَنفذ فِيهَا دَعْوَة الْمُضَاربَة وَصَارَت كلهَا أم ولد لَهُ، وَيجب نصف قيمتهَا لرب المَال مُوسِرًا كَانَ أَو مُعسرا لانه ضَمَان التَّمَلُّك، وَهُوَ لَا يخْتَلف باليسار والاعسار وَلَا يتَوَقَّف على التَّعَدِّي، بِخِلَاف ضَمَان الاعتاق فَإِنَّهُ ضَمَان الافساد فَلَا يجب عَلَيْهِ بِغَيْر تعد وَلَا على مُعسر.
عَيْني.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يُجْعَلْ الْمَقْبُوضُ مِنْ الْوَلَد من الرِّبْح وَهُوَ مُمكن بِأَن يَجْعَل الْوَلَد كُله ربحا وَالْجَارِيَة

(8/432)


مَشْغُولَة بِرَأْس المَال على حَالهَا؟ قُلْنَا: الْمَقْبُوض من جنس رَأس المَال فَكَانَ أولى بجعله رَأس المَال ولان رَأس المَال مقدم على الرِّبْح، إِذْ لَا يسلم لَهُ شئ من الرِّبْح إِلَّا بعد سَلامَة رَأس المَال لرب المَال، فَكَانَ جعله بِهِ أولى بعد وُصُوله إِلَى يَده.
اهـ.
تَبْيِين.

قَوْله: (أَو أعْتقهُ إِن شَاءَ) أَي رب المَال لكَونه قَابلا لِلْعِتْقِ، فَإِن المستسعى كَالْمكَاتبِ، عناية.
فَيكون لرب المَال الْخِيَار إِن شَاءَ استسعى الْغُلَام فِي ألف وَمِائَتَيْنِ وَخمسين وَإِن شَاءَ أعْتقهُ.

قَوْله: (بعد قَبضه أَلفه من الْوَلَد) أَي وَلَو حكما كَمَا لَو أعْتقهُ، فَإِن بإعتاقه يصير قَابِضا حكما، إِنَّمَا شَرط قبض رب المَال الالف من الْغُلَام حَتَّى تصير الْجَارِيَة أم ولد للْمُضَارب لانها مَشْغُولَة بِرَأْس المَال، فَإِذا قَبضه من الْغُلَام فرغت عَن رَأس المَال وَصَارَت كلهَا ربحا فَظهر فِيهَا ملك الْمضَارب فَصَارَت أم ولد لَهُ.
زَيْلَعِيّ.

قَوْله: (تضمين الْمُدَّعِي) وَهُوَ الْمضَارب.

قَوْله: (لانه ضَمَان تملك) وَهُوَ لَا يخْتَلف باليسار والاعسار وَلَا يتَوَقَّف على التَّعَدِّي زَيْلَعِيّ، بِخِلَافِ ضَمَانِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ عِتْقٍ وَهُوَ يَعْتَمِدُ التَّعَدِّيَ وَلَمْ يُوجَدْ.

قَوْلُهُ: (لِظُهُورٍ) أَيْ وُقُوع نُفُوذ دَعوته صَحِيحَة ظَاهرا فِيهَا بِظُهُور ملكه فِيهَا.

قَوْله: (وَيحمل على أَنه تزَوجهَا الخ) بِأَن يحمل أَن البَائِع زَوجهَا مِنْهُ ثمَّ بَاعهَا مِنْهُ وَهِي حُبْلَى حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ، لَكِنْ لَا تَنْفُذُ هَذِهِ الدَّعْوَى لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَهُوَ شَرْطٌ فِيهَا، إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ فِيهِ، لِمَا عُرِفَ أَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إذَا صَارَ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يَزِيدُ عَلَى رَأس المَال لَا يظْهر الرِّبْح عندنَا، لِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَ بِأَوْلَى بِهِ مِنْ الْبَعْضِ، فَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ نَصِيبٌ فِي الْأَمَةِ وَلَا فِي الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّصَرُّفِ فَلَا تَنْفُذُ دَعْوَتُهُ، فَإِذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ وَصَارَتْ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ظَهَرَ الرِّبْحُ وَمَلَكَ الْمُضَارِبُ مِنْهُ نِصْفَ الزِّيَادَةِ فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ السَّابِقَةُ لوُجُود شَرطهَا وَهُوَ الْملك فَسَار ابْنه وَعتق بِقدر نصِيبه مِنْهُ وَهُوَ سدسه، وَلَمْ يَضْمَنْ حِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْوَلَدِ، لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ بِالْمِلْكِ وَالنَّسَبِ فَصَارَتْ الْعِلَّةُ ذَات وَجْهَيْنِ وَالْمِلْكُ آخِرُهُمَا وُجُودًا فَيُضَافُ الْعِتْقُ إلَيْهِ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِي الْمِلْكِ فَلَا ضَمَان لعدم التَّعَدِّي، فَإِذا اخْتَار الاستسعار استسعاه فِي ألف رَأس مَاله وَفِي سدسه نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ، فَإِذَا قَبَضَ الْأَلْفَ صَارَ
مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ مَالِهِ وَظَهَرَ أَنَّ الْأُمَّ كُلَّهَا رِبْحٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَنَفَذَ فِيهَا دَعْوَةُ الْمُضَارِبِ وَصَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ إذَا صَادَفَ مَحَلًّا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ لَا يَتَجَزَّأُ إِجْمَاعًا وَيجب نصف قيمتهَا لرب المَال.
هَذَا حَاصِل مَا تقدم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة.

قَوْله: (مِنْهُ) تَنَازَعَ فِيهِ كُلٌّ مِنْ تَزَوَّجَهَا وَاشْتَرَاهَا.

قَوْله: (وَضمن للْمَالِك ألفا الخ) لِأَنَّهَا لَمَّا زَادَتْ قِيمَتُهَا ظَهَرَ فِيهَا الرِّبْحُ وَملك الْمضَارب بعد الرِّبْح فنفذت دَعوته فِيهَا، وَيجب عَلَيْهِ لرب المَال رَأس مَاله وَهُوَ ألف، وَيجب عَلَيْهِ أَيْضا نصِيبه من الرِّبْح وَهُوَ مِائَتَان وَخَمْسُونَ، فَإِذا وصل إِلَيْهِ ألف دِرْهَم استوفى رَأس المَال وَصَارَ الْوَلَدُ كُلُّهُ رِبْحًا فَيَمْلِكُ الْمُضَارِبُ مِنْهُ نصفه فَيعتق عَلَيْهِ، وَمَا لم يصل الالف إِلَيْهِ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ عَلَى حَالِهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذكرنَا فِي الام، وَبِهَذَا علم أَنَّهَا مَسْأَلَة مُسْتَقلَّة موضوعها أَنه لم يقبض الالف من الْغُلَام، فَتدبر.
وَقَوله: (وَلَو مُوسِرًا) كَذَا وَقع فِي الْبَحْر.
وَالَّذِي يُسْتَفَاد من كَلَامهم أَن الضَّمَان عَلَيْهِ مُطلقًا، لانه ضَمَان تملك فَصَارَ ذَلِك الضَّمَان بِبَدَل، وَالضَّمان إِذا كَانَ بِبَدَل يَسْتَوِي فِيهِ الْيَسَار والاعسار، وَيدل عَلَيْهِ قَول الْمُؤلف فَلَا سِعَايَة عَلَيْهَا لانه لَا يضيع على الْمَالِك حَقه، وَمَا لم يصل إِلَى رب المَال رَأس مَاله فَالْوَلَد رَقِيق، وَلذَلِك أطلقهُ الْعَيْنِيّ،

(8/433)


وَحِينَئِذٍ.
ف
قَوْله: (لَو مُوسِرًا) لَا مَفْهُوم لَهُ، لانه لَو كَانَ مُعسرا فَكَذَلِك وَتقدم أَيْضا مَا يفِيدهُ.

قَوْله: (وَتَمَامه فِي الْبَحْر) قَالَ فِيهِ: وَلَو لم تزد قيمَة الْوَلَد على ألف وزادت قيمَة الام حَتَّى صَارَت ألفا وَخَمْسمِائة صَارَت الْجَارِيَة أم ولد للْمُضَارب وَيضمن لرب المَال ألفا وَمِائَتَيْنِ وَخمسين إِن كَانَ مُوسِرًا، وَإِن كَانَ مُعْسِرًا فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تسْعَى، وَمَا لم يصل إِلَى رب المَال رَأس مَاله فَالْوَلَد رَقِيق ثمَّ يَأْخُذ مِنْهُ مِائَتَيْنِ وَخمسين على أَنه نصِيبه من الرِّبْح، وَلَو زَادَت قيمتهَا عتق الْوَلَد وَصَارَت الْجَارِيَة أم ولد لَهُ لَان الرِّبْح ظهر فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا وَيَأْخُذ رَأس المَال من الْمضَارب لَا مَا وَجب عَلَيْهِ أيسر الْمَالَيْنِ لانه معجل وَهُوَ مُوسر والسعاية مُؤَجّلَة وَالْعَبْد مُعسر، وَيَأْخُذ مِنْهُ أَيْضا مَا بَقِي من نصِيبه من الرِّبْح وَيضمن أَيْضا نصف عقرهَا، لانه لما استوفى رأ س المَال ظهر أَنه ربح لَان عقر مَال الْمُضَاربَة يكون للمضاربة، وَيسْعَى الْغُلَام فِي نصيب ب رب المَال وَيسْقط عَنهُ نصيب الْمضَارب اهـ.
مَعَ إصْلَاح من عبارَة الزَّيْلَعِيّ.
أما قَوْله وَيضمن الخ تقدم أَنه يحمل على الِاسْتِيلَاد بِالنِّكَاحِ فَكيف يجب
الْعقر.
كَذَا بحظ الْحلَبِي نقلا عَن قَارِئ الْهِدَايَة.
وَالله تَعَالَى أعلم، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم.