قره عين الأخيار لتكملة رد المحتار علي «الدر المختار شرح تنوير الأبصار»

بَاب الْمضَارب
يضارب يَصح فِي بَاب التَّنْوِين وَعَدَمه على أَنه مُضَاف للْمُضَارب، وَجُمْلَة يضارب حَال من الْمضَارب أَو صفة، لَان الْمضَارب بِمَنْزِلَة النكرَة إِذْ الالف وَاللَّام فِيهِ للْجِنْس، وَهَذَا على جَعلهمَا متضايفين، أما على التَّنْوِين فَالظَّاهِر أَن جملَة يضارب خبر الْمضَارب.
وَالْمعْنَى أَن الْمضَارب تقع مِنْهُ الْمُضَاربَة.
وَيرد على الحالية أَن الْحَال لَا يجِئ من الْمُضَاف إِلَّا فِي صور ثَلَاث وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا.
وَيرد على الْقطع أَن الْمضَارب مَمْنُوع مِنْهَا إِلَّا بِإِذن وَالْبَاب مَعْقُود للمضاب خَاصَّة.
فَتَأمل ط.
بَزَّازِيَّة.

قَوْله: (لما قدم المفردة شرع فِي المركبة) لَان الْمركب يَتْلُو الْمُفْرد طبعا فَكَذَا وضعا حموي.
ورده قَاضِي زَاده بِأَنَّهُ مُضَارَبَة الْمضَارب وَإِن كَانَت بعد مُضَارَبَة رب المَال إِلَّا أَنَّهَا مُفْردَة أَيْضا غير مركبة من المضاربتين، أَلا يرى أَن الثَّانِي يَتْلُو الاول وَلكنه لَيْسَ بمركب من الاول وَمن نَفسه قطعا، وَإِنَّمَا الْمركب مِنْهُمَا الِاثْنَان.
واستوجه فِي الْمُنَاسبَة مَا فِي النِّهَايَة ومعراج الدِّرَايَة حيق قَالَا: لما ذكر حكم الْمُضَاربَة الاولى ذكر فِي هَذَا الْبَاب حكم الْمُضَاربَة الثَّانِيَة، إِذْ الثَّانِيَة تلو الاولى أبدا فَكَذَا بَيَان حكمهَا.
اهـ ط.

قَوْله: (بِلَا إِذن) أَي أَو تَفْوِيض بِأَن لم يقل لَهُ رب المَال اعْمَلْ بِرَأْيِك، لانه إِذا قَالَ لَهُ ذَلِك يملك أَن يضارب حِينَئِذٍ اهـ.
شلبي: أَي لَان الْمضَارب لَا يملك أَن يضارب إِلَّا بِإِذن رب المَال.

قَوْلُهُ: (عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ الامام وَهُوَ قَوْلهمَا.
وَفِي رِوَايَة الْحسن عَنهُ: لم يضمن مَا لم يربح لانه يملك الابضاع فَلَا يضمن بِالْعَمَلِ مَا لم يربح، فَإِذا ربح فقد ثَبت لَهُ شركَة فِي المَال فَيصير كخلط مَالهَا بِغَيْرِهِ فَيجب الضَّمَان.

(8/434)


وَجه ظَاهر الرِّوَايَة: أَن الرِّبْح إِنَّمَا يحصل بِالْعَمَلِ فيقام سَبَب حُصُول الرِّبْح مقَام حَقِيقَة حُصُوله فِي صيرورة المَال مَضْمُونا بِهِ، وَهَذَا إِذا كَانَت الْمُضَاربَة الثَّانِيَة صَحِيحَة، فَإِذا كَانَت فَاسِدَة لَا يضمن الاول وَإِن عمل الثَّانِي لانه أجِير فِيهِ والاجير لَا يسْتَحق شَيْئا من الرِّبْح فَلَا تثبت الشّركَة لَهُ، بل لَهُ أجر مثله على الْمضَارب الاول وللاول مَا شَرط لَهُ من الرِّبْح اهـ.
منح.

قَوْله: (فَإِذا عمل تبين أَنه
مُضَارَبَة فَيضمن) لانه حصل الْعَمَل فِي المَال على وَجه لم يرض بِهِ الْمَالِك فتحقق الْخلاف فَوَجَبَ الضَّمَان، فَجعل الامر مرَاعِي: أَي مَوْقُوفا قبل الْعَمَل حَتَّى إِذا عمل الثَّانِي وَجب الضَّمَان، وَإِلَّا فَلَا ط.
فَإِن قلت: إِنَّه بِالْعَمَلِ مستبضع وَلَا تظهر الْمُخَالفَة إِلَّا بِظُهُور الرِّبْح، يُجَاب بِأَنَّهُ لم يعْمل مجَّانا حَتَّى يكون مستبضعا بل عمل على طمع الاجر وَهُوَ مَا شَرط لَهُ من الرِّبْح فَتحصل الْمُخَالفَة بِمُجَرَّد الْعَمَل فيوجد سَبَب الضَّمَان.

قَوْله: (إِلَّا إِذا كَانَت الثَّانِيَة فَاسِدَة) قَالَ فِي الْبَحْر: وَإِن كَانَت إحْدَاهُمَا فَاسِدَةً أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَيَرْجِعُ بِهِ الْأَوَّلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَالرِّبْحُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرب المَال على الشَّرْط بعد أَخَذَ الثَّانِي أُجْرَتَهُ إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى صَحِيحَة فللاول أجر مثله اهـ: أَي لانه حِينَئِذٍ يكون الثَّانِي أَجِيرا وَالْمُضَارب لَهُ أَن يسْتَأْجر.
قَالَ فِي التَّبْيِين: هَذَا إِذا كَانَت المضاربتان صحيحتين.
وَأما إِذا كَانَت إِحْدَاهمَا فَاسِدَة أَو كلتاهما فَلَا ضَمَان على وَاحِد مِنْهُمَا، لانه إِن كَانَ الثَّانِيَة هِيَ الْفَاسِدَة صَار الثَّانِي أَجِيرا، وللاول أَن يسْتَأْجر من يعْمل فِي المَال، وَإِن كَانَت هِيَ الاولى فَكَذَلِك، لَان فَسَادهَا يُوجب فَسَاد الثَّانِيَة، لَان الاولى لما فَسدتْ صَارَت إِجَارَة وَصَارَ الرِّبْح كُله لرب المَال، وَلَو صحت الثَّانِيَة فِي هَذِه الْحَالة لصار الثَّانِي شَرِيكا، وَلَيْسَ للاجير أَن يُشَارك غَيره فَكَانَت فَاسِدَة بِالضَّرُورَةِ وَكَانَا أجيرين، وَكَذَا إِذا كَانَتَا فاسدتين، وَإِذا كَانَا أجيرين لَا يضمن وَاحِد مِنْهُمَا.
اهـ.
بِتَصَرُّف مَا.
وَالْحَاصِل: أَن صِحَة الثَّانِيَة فرع عَن صِحَة الاولى، فَلَا تصح الثَّانِيَة إِلَّا إِذا كَانَت الاولى صَحِيحَة، فاشتراط صِحَة الثَّانِيَة اشْتِرَاط لصِحَّة الاولى.

قَوْله: (على الْمضَارب الاول) وَيرجع بِهِ الاولى على رب المَال.

قَوْله: (وللاول الرِّبْح الْمَشْرُوط) يَعْنِي وَالرِّبْحُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْمَالِ عَلَى الشَّرْطِ بعد أَخَذَ الثَّانِي أُجْرَتَهُ إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى صَحِيحَة، وَإِلَّا فللاول أجر مثله أَيْضا وَربح كُله لرب المَال كَمَا ذكرنَا.

قَوْله: (وَلَو اسْتَهْلكهُ الثَّانِي) قَالَ الاتقاني: وَالْحَاصِل أَنه لَا ضَمَان على وَاحِد مِنْهُمَا قبل عمل الثَّانِي فِي ظَاهر الرِّوَايَة عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة، وَإِذا عمل الثَّانِي فِي المَال إِن عمل عملا لم يدْخل تَحت
الْمُضَاربَة بِأَن وهب الْمضَارب الثَّانِي المَال من رجل أَو اسْتَهْلكهُ فَالضَّمَان على الثَّانِي دون الاول، وَإِن عمل عملا دخل تَحت الْمُضَاربَة بِأَن اشْترى بِالْمَالِ شَيْئا: فَإِن ربح فعلَيْهِمَا الضَّمَان، وَإِن لم يربح فَلَا ضَمَان على وَاحِد مِنْهُمَا فِي ظَاهر الرِّوَايَة اهـ.
وَفِيه تَأمل ط.

قَوْله: (فَالضَّمَان عَلَيْهِ خَاصَّة) والاشهر

(8/435)


الْخِيَارُ فَيَضْمَنُ أَيَّهُمَا شَاءَ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ.

قَوْله: (فَإِن عمل حَتَّى ضمنه) حَتَّى للتفريع، فَإِن الضَّمَان مُرَتّب بِالْعَمَلِ فَقَط وَضمن بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول فَإِن الضَّمَان مُرْتَبِط بِالْعَمَلِ فَقَط.

قَوْله: (خير رب المَال) قَالَ فِي التَّبْيِين: ثمَّ رب المَال بِالْخِيَارِ، إِن شَاءَ ضمن الاول رَأس مَاله لانه صَار غَاصبا بِالدفع إِلَى غَيره بِغَيْر إِذْنه، وَإِن شَاءَ ضمن الثَّانِي لانه قبض مَال الْغَيْر بِغَيْر إِذن صَاحبه، فَإِن ضمن الاول صحت الْمُضَاربَة بَين الاول وَالثَّانِي وَالرِّبْح بَينهمَا على مَا شرطا لانه بأَدَاء الضَّمَان ملكه من وَقت خَالف، فَصَارَ كَمَا لَو دفع مَال نَفسه مُضَارَبَة إِلَى الثَّانِي، وَإِن ضمن الثَّانِي يرجع بِمَا ضمن على الاول لانه الْتزم لَهُ سَلامَة الْمَقْبُوض لَهُ عَن الضَّمَان، فَإِذا لم يسلم رَجَعَ عَلَيْهِ بالمخالفة إِذْ هُوَ مغرور من جِهَته كمودع الْغَاصِب وَصحت الْمُضَاربَة بَينهمَا، لانه لما كَانَ قَرَار الضَّمَان عَلَيْهِ ملك الْمَدْفُوع مُسْتَندا إِلَى وَقت التَّعَدِّي، فَتبين أَنه دفع مُضَارَبَة ملك نَفسه وَيكون الرِّبْح بَينهمَا على مَا شرطا لصِحَّة الْمُضَاربَة ويطيب للثَّانِي مَا ربح لانه يسْتَحقّهُ بِالْعَمَلِ وَلَا خبث فِي عمله، وَلَا يطيب للاول لانه يسْتَحقّهُ بِرَأْس المَال وَملكه فِيهِ ثَبت مُسْتَندا فَلَا يَخْلُو عَن شُبْهَة فَيكون سَبيله التَّصَدُّق اهـ.
لَان الثَّابِت بالاستناد ثَابت من وَجه دون وَجه فَلَا يثبت الْملك من كل وَجه فيتمكن الْخبث فِي الرِّبْح فَلَا يطيب اهـ.
إتقاني.
وَفِي الْبَحْر: وَلَوْ دَفَعَ الثَّانِي مُضَارَبَةً إلَى ثَالِثٍ وَرَبِحَ الثَّالِثُ أَوْ وَضَعَ فَإِنْ قَالَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ فَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ: أَيَّ الثَّلَاثَةَ شَاءَ، وَيَرْجِعُ الثَّالِثُ عَلَى الثَّانِي وَالثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْأَوَّلُ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ إذَا ضَمِنَهُ رَبُّ الْمَالِ، وَإِلَّا لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَوَّلِ وَضَمِنَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ.
كَذَا فِي الْمُحِيط، قَوْله وَإِلَّا لَا ضَمَان على الاول: أَي إِن لم يقل الاول للثَّانِي اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك.

قَوْله: (وَإِن شَاءَ ضَمِنَ الثَّانِي) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ إذَا ضَمِنَ يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لَهُ دُونَ الاول لانه ملكه مُسْتَندا.
قُهُسْتَانِيّ.

قَوْله: (لَيْسَ لَهُ ذَلِك) لِأَنَّ الْمَالَ بِالْعَمَلِ صَارَ غَصْبًا وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ إلَّا تَضْمِينُ
الْبَدَلِ عِنْدَ ذَهَابِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الرِّبْحَ مِنْ الْغَاصِبِ.
كَذَا ظَهَرَ لِي ط.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَذِنَ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِلَا إذْنٍ.

قَوْلُهُ: (عَمَلًا بِشَرْطِهِ) لِأَنَّهُ شَرَطَ نِصْفَ جَمِيعِ الرِّبْحِ لَهُ.

قَوْلُهُ: (الْبَاقِي) أَي الْفَاصِل عَمَّا اشْتَرَطَهُ لِلثَّانِي، لِأَنَّ مَا أَوْجَبَهُ الْأَوَّلُ لَهُ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً، إذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوجِبَ شَيْئًا لِغَيْرِهِ مِنْ نَصِيبِ الْمَالِكِ، وَحَيْثُ أَوْجَبَ لِلثَّانِي الثُّلُثَ مِنْ نَصِيبِهِ وَهُوَ النِّصْفُ يَبْقَى لَهُ السُّدُسُ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَطلب الرِّبْحُ لِلْجَمِيعِ لِأَنَّ عَمَلَ الثَّانِي عَمَلٌ عَنْ الْمُضَارِبِ كَالْأَجِيرِ الْمُشْتَرِكِ إذَا اسْتَأْجَرَ آخَرَ بِأَقَلَّ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ.

قَوْله: (وَللثَّانِي الثُّلُث الْمَشْرُوط) لَان الدّفع الثَّانِي صَحِيح لانه بِأَمْر الْمَالِك وَقد شَرط لنَفسِهِ نصف جَمِيع مَا رزق الله وَجعل الاول للثَّانِي ثلثه فَيَنْصَرِف ذَلِك إِلَى نصِيبه إِلَى آخر مَا تقدم، وَكَانَ الْمُنَاسب أَن يَقُول من كل المَال عوضا عَن قَوْله الْبَاقِي.

قَوْله: (وَالْبَاقِي بَين الاول وَالْمَالِك نِصْفَانِ) لَان رب المَال هُنَا شَرط أَن يكون مَا رزق الله الْمضَارب الاول بَينهمَا نِصْفَيْنِ والمرزوق للاول

(8/436)


هُوَ الثُّلُثَانِ، لَان الثُّلُث اسْتَحَقَّه الثَّانِي بِشَرْط الاول وَهُوَ مَأْذُون لَهُ، فَلم يكن من رزق الاول إِلَّا الثُّلُثَانِ فَيكون ذَلِك بَينهمَا نِصْفَيْنِ ويطيب لَهُم بِلَا شُبْهَة أَيْضا.
عَيْني.

قَوْله: (بِاعْتِبَار الْكَاف) أَي فِي قَوْله مَا رزقك فقد جعل المناصفة فِيمَا رزق الْمضَارب الاول وَهُوَ لم يرْزق إِلَّا الثُّلثَيْنِ فينصفان.

قَوْله: (وَنَحْو ذَلِك) كَمَا كَانَ لَك من فضل الله أَو النَّمَاء أَو الزِّيَادَة.

قَوْله: (وَلَو قَالَ لَهُ) أَي رب المَال للْمُضَارب.

قَوْله: (واستويا فِيمَا بَقِي) لَان الاول شَرط للثَّانِي النّصْف وَشَرطه صَحِيح لانه بِإِذن الْمَالِك واستويا فِيمَا بَقِي وَهُوَ النّصْف، لَان رب المَال لم يشْتَرط لنَفسِهِ هُنَا إِلَّا نصف مَا ربحه الاول وَلم يربح الثَّانِي الاول إِلَّا النّصْف وَالنّصف الآخر صَار للثَّانِي بِشَرْطِهِ فَلم يكن من ربح الاول.
عَيْني.
أَقُول: لَا فرق بَين هَذِه وَالَّتِي تقدّمت إِلَّا من حَيْثُ اشْتِرَاط الْمضَارب الثَّانِي، فَإِن فِي الاول شَرط لَهُ الثُّلُث فَكَانَ مَا بَقِي بَينهمَا، وَفِي الثَّانِي شَرط لَهُ النّصْف فَكَانَ النّصْف الْبَاقِي بَينهمَا.
كَذَا فِي بعض الْحَوَاشِي.

قَوْله: (وَلَا شئ للاول) لَان قَول رب المَال مَا رزق الله أَو مَا كَانَ من فضل ينْصَرف إِلَى جَمِيع الرِّبْح فَيكون لَهُ النّصْف من الْجَمِيع وَقد شَرط الْمضَارب الاول للثَّانِي جَمِيع الرِّبْح فَلم يبْق للاول شئ.
عَيْني.

قَوْله: (ضمن الاول للثَّانِي سدسا) لَان رب المَال شَرط لنَفسِهِ النّصْف من مُطلق
الرِّبْح فَلهُ ذَلِك وَاسْتحق الْمضَارب الثَّانِي ثُلثي الرِّبْح بِشَرْط الاول، لَان شَرطه صَحِيح لكَونه مَعْلُوما، لَكِن لَا ينفذ فِي حق رب المَال، إِذْ لَا يقدر أَن يُغير شَرطه فَيغرم لَهُ قدر السُّدس لانه ضمن لَهُ سَلامَة الثُّلثَيْنِ بِالْعقدِ لانه غره فِي ضمن عقد الْمُضَاربَة.
عَيْني.

قَوْله: (لانه الْتزم سَلامَة الثُّلثَيْنِ) قَالَ فِي الدُّرَر لانه شَرط للثَّانِي شَيْئا هُوَ مُسْتَحقّ للْمَالِك وَهُوَ السُّدس فَلم ينفذ فِي حق الْمَالِك وَوَجَب عَلَيْهِ الضَّمَان بِالتَّسْمِيَةِ لانه الْتزم السَّلَام، فَإِذا لم يسلم رَجَعَ عَلَيْهِ كمن اسْتَأْجر رجلا ليخيط لَهُ ثوبا بدرهم فاستأجر الاجير رجلا آخل ليخيط بدرهم وَنصف فَإِنَّهُ يضمن لَهُ زِيَادَة الاجر اهـ.

قَوْله: (وَشرط لعبد الْمَالِك) التَّقْيِيد بِعَبْد الْمَالِك لَيْسَ للِاحْتِرَاز لَان عبد الْمضَارب كَذَلِك.
وَقيل التَّقْيِيد بِهِ لدفع توهم أَن يَده للْمولى فَلم يحصل التَّخْلِيَة وَعَلِيهِ كَلَام الدُّرَر.
وَقيل لما فِيهِ خلاف بَين أَصْحَاب الشَّافِعِي والحنبلي وَغَيرهمَا لَا لَاحَدَّ، وَعبد الْمَالِك وَعبد الْمضَارب سَوَاء فِي جَوَاز الشَّرْط وَالْمُضَاربَة لَو شَرط الْعَمَل، وَإِن لم يشْتَرط فَفِي عبد الْمَالِك كَذَلِك، وَفِي عبد الْمضَارب كَذَلِك عِنْدهمَا، وعَلى قَول أبي حنيفَة لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ وَيَكُونُ الْمَشْرُوطُ لِرَبِّ الْمَالِ كَمَا لم يَصح الشَّرْط لاجنبي أَو لمن لَا يقبل شَهَادَة الْمضَارب أَو شَهَادَة رب المَال لَهُ فَيكون الْمَشْرُوط لرب المَال.
هَذِه زبدة مَا فِي الذَّخِيرَة والبيانية.
قَالَ فِي الْبَحْر: قُيِّدَ بِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ عَبْدَ الْمُضَارِبِ لَو شَرط لَهُ شئ مِنْ الرِّبْحِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ

(8/437)


عَمَلَهُ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ مَا شُرِطَ لَهُ لِرَبِّ الْمَالِ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، وَإِلَّا لَا يَصِحُّ سَوَاءٌ شُرِطَ عَمَلُهُ أَوْ لَا وَيَكُونُ للْمُضَارب.
وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْعَاقِدِ الْمَوْلَى، لِأَنَّهُ لَوْ عَقَدَ الْمَأْذُون لَهُ عقدهَا مَعَ أَجْنَبِي وَشرط عمل مَوْلَاهُ لَا يَصح إِن لم يكن عَلَيْهِ دين، وَإِلَّا صَحَّ كَمَا يَأْتِي، وَشَمل قَوْله العَبْد مَا لَوْ شُرِطَ لِلْمُكَاتَبِ بَعْضُ الرِّبْحِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مُكَاتَبَ الْمُضَارِبِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَمَلَهُ فِيهِمَا وَكَانَ الْمَشْرُوطُ لِلْمُكَاتَبِ لَهُ لَا لِمَوْلَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ لَا يَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ فَتَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ وَتَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ وَيَبْطُلُ الشَّرْط اهـ.
وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ.
وَالْمَرْأَةُ وَالْوَلَدُ كَالْأَجَانِبِ هُنَا.
كَذَا فِي النِّهَايَة.
وَقيد بِاشْتِرَاط عمل العَبْد لَان اشْتِرَاط عمل رب المَال مَعَ الْمضَارب مُفسد لَهَا كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْله: (عادي) أَي اشْتِرَاط عمل العَبْد عادي، فَإِن الْعَادة فِي نَحْو ذَلِك أَن يكون العَبْد معينا فِي الْعَمَل
فَهُوَ اتفاقي لَا احترازي.

قَوْله: (وَلَيْسَ بِقَيْد) أَي للصِّحَّة، إِذْ لَو اشْترط لَهُ الثُّلُث وَلم يشْتَرط عمله صَحَّ وَيكون لمَوْلَاهُ، لَكِن فَائِدَة اشْتِرَاط عمله تظهر فِي أَخذ غُرَمَائه مَا شَرط لَهُ حِينَئِذٍ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُم بل للْمولى.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَهَذَا ظَاهر لانه بِاشْتِرَاط عمله صَارَ مُضَارِبًا فِي مَالِ مَوْلَاهُ فَيَكُونُ كَسْبُهُ لَهُ فَيَأْخذهُ غرماؤه، وَإِلَّا فَهُوَ للْمولى الخ.
واستفيد مِنْهُ أَنه إِذا اشْترط عمله فَلم يعْمل لم يكن للْغُرَمَاء بل للْمولى لانه حَيْثُ لم يعْمل لم يكن من كَسبه.
أَبُو السُّعُود.

قَوْله: (صَحَّ) أَي تَقْسِيم الرِّبْح وَشرط عمل العَبْد، وَعلة الاول مَا ذكره الْمُؤلف، وَعلة الثَّانِي أَن العَبْد أهل أَن يضارب فِي مَال مَوْلَاهُ، وَلِلْعَبْدِ يَد حَقِيقَة وَلَو كَانَ مَحْجُورا حَتَّى يمْنَع السَّيِّد عَن أَخذ مَا أودعهُ عَبده الْمَحْجُور، وَالْعَبْد هُنَا صَار مَأْذُونا بِاشْتِرَاط الْعَمَل عَلَيْهِ فَلَا يَد لمَوْلَاهُ بعد تَسْلِيم المَال إِلَيْهِ فَصحت الْمُضَاربَة.
زَيْلَعِيّ.

قَوْله: (وَفِي نسخ الْمَتْن وَالشَّرْح هُنَا خلط) أَي فِي تَعْبِيره للْمَالِك بثلثين أَو فِي تَعْبِيره فِي بعض النّسخ بِالثَّانِي، أما نسخ الْمَتْنُ فَقَدْ رَأَيْتُ فِي نُسْخَةٍ مِنْهُ: وَلَوْ شَرَطَ لِلثَّانِي ثُلُثَيْهِ وَلِعَبْدِ الْمَالِكِ ثُلُثَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ وَلِنَفْسِهِ ثُلُثَهُ صَحَّ اهـ.
وَهُوَ فَاسد كَمَا ترى لعدم اجْتِمَاع أَثلَاث أَرْبَعَة وَلعدم وجود مضَارب ثَان فِي الْمَسْأَلَة.
وَأَمَّا الشَّرْحُ فَنَصُّهُ: وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ عَادِيٌّ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ يَصِحُّ الشَّرْطُ وَيكون لسَيِّده، وَإِن لم يشرط عمله لَا يجوز اهـ.
فَإِن الصَّوَاب حذف قَوْله لَا يجوز لما علمت من الْعبارَة السَّابِقَة.
اهـ.
حَلَبِيّ بإيضاح ط.
أَقُول: وَسبق الشَّارِح إِلَى التَّنْبِيه على ذَلِك محشي الْمنح الْعَلامَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ.

قَوْله: (إِن لم يكن عَلَيْهِ دين) أَي مُسْتَغْرق لمَاله ورقبته لانه بِهِ يخرج المَال عَن ملك سَيّده، وَهَذَا عِنْد الامام كَمَا تقدم وَيَأْتِي، لَان الْمولى لَا يملك كسب عَبده الْمَدْيُون فَصَارَ من أهل أَن يعْمل فِي مَال الْمُضَاربَة.
وَعِنْدَهُمَا: يملك سَيّده مَا فِي يَده، وَإِن أحَاط دينه بِمَالِه ورقبته فَيَنْبَغِي أَن لَا يَصح اشْتِرَاط الْعَمَل على الْمولى عِنْدهمَا مُطلقًا، فَليُرَاجع.

قَوْله: (لَا يملك كَسبه) فَصَارَ السَّيِّد من أهل أَن يعْمل فِي مَال الْمُضَاربَة وَهَذَا على الْخلاف كَمَا سَمِعت.

قَوْله: (وَاشْتِرَاطُ عَمَلِ رَبِّ الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ مُفْسِدٌ الخ) لَان الْمُضَاربَة لَا بُد

(8/438)


فِيهَا من عمل الْمضَارب، وَلَا يُمكنهُ الْعَمَل مَعَ عدم التَّخْلِيَة وَهِي الْعلَّة فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة، وَهَذِه الْمَسْأَلَةِ كَالتَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهَا فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُهَا وتفريع الاولى عَلَيْهَا.

قَوْله: (بِخِلَاف مكَاتب شَرط عمل مَوْلَاهُ) أَي إِذا دفع الْمكَاتب مَال مُضَارَبَة لآخر وَشرط عمل مَوْلَاهُ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يفْسد مُطلقًا، سَوَاء كَانَ عَلَيْهِ دين أَو لَا، لانه لَا يملك إكتابه لانه يُعَامل مُعَاملَة الاحرار فِيمَا فِي يَده، فَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ الْعَمَلِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَسدتْ كَمَا فِي الْبَحْر وَكَانَ الانسب ذكره بعد مَسْأَلَة الْمَأْذُون.

قَوْله: (كَمَا لَو ضَارب مَوْلَاهُ) فَإِنَّهُ يَصح لما قُلْنَا.

قَوْله: (أَو فِي الرّقاب) أَي فكها من أسر الرّقّ وَفَسَاد الشَّرْط فِي الثَّلَاثَة لعدم اشْتِرَاط الْعَمَل كَمَا سَيظْهر.

قَوْله: (أَو لامْرَأَة الْمضَارب أَو مكَاتبه الخ) لَكِنَّ عَدَمَ صِحَّةِ الشَّرْطِ فِي هَذَيْنِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُمَا كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَمَتَى شَرَطَ لِأَجْنَبِيٍّ إلَخْ، وَمَرَّ عَنْ النِّهَايَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالْوَلَدَ كَالْأَجْنَبِيِّ هُنَا.
وَفِي التَّبْيِينِ: وَلَوْ شَرَطَ بَعْضَ الرِّبْحِ لِمُكَاتَبِ رَبِّ الْمَالِ أَوْ الْمُضَارِبِ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ جَازَ وَكَانَ الْمَشْرُوط لِأَنَّهُ صَارَ مُضَارِبًا، وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُضَارَبَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَشْرُوطُ هِبَةٌ مَوْعُودَةٌ فَلَا يَلْزَمُ، وَعَلَى هَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ إنْ شَرَطَ لَهُ بَعْضَ الرِّبْحِ وَشَرَطَ عَمَلَهُ عَلَيْهِ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ) وَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ من الْجَوَاز فِيمَا إِذا شَرط ثلث الرِّبْح لامْرَأَة الْمضَارب أَو مكَاتبه أَو للْمَسَاكِين أَو فِي الرّقاب أَو الْحَج مَحْمُول على جَوَاز عقد لَا الشَّرْط، وَيكون ذَلِك لرب المَال، فَلَا يُخَالف مَا هُنَا وَلَا يحْتَاج إِلَى مَا وَجهه الْعَلامَة أَبُو السُّعُود من أَن الْمَسْأَلَة خلافية، لانه لم يقف على هَذَا التَّوْفِيق هُوَ وَلَا شَيْخه فَجعل الْمَسْأَلَة ذَات خلاف، وَمحل عدم الشَّرْط فِي امْرَأَة الْمضَارب ومكاتبه إِذا لم يشْتَرط عملهما.

قَوْله: (وَيكون الْمَشْرُوط لرب المَال) لانه لما بَطل الشَّرْط كَانَ الرِّبْح تبعا لاصله وَهُوَ رَأس المَال وَهُوَ لرب المَال، فَكَذَا ربحه.

قَوْله: (لَا يَصح) حَيْثُ لم يشرط عمله فَوَافَقَ مَا بعده.

قَوْله: (إِن شَرط عَلَيْهِ عمله صَحَّ) أَي الِاشْتِرَاط كالعقد.

قَوْله: (وَإِلَّا لَا) أَي إِن شَرط الْبَعْض للاجنبي وَلم يشْتَرط عمله لَا يَصح الِاشْتِرَاط وَيكون لرب المَال، أما العقد فَصَحِيح.
واستفيد من هَذَا الشَّرْط أَنه لَا يشْتَرط الْمُسَاوَاة بَين المضاربين فِي المَال الْوَاحِد، لانه أطلق الْبَعْض فَشَمَلَ مَا إِذا كَانَ مثل مَا شَرط للْمُضَارب أَو أقل أَو أَكثر، لَان أَحدهمَا قد يكون أهْدى للْعَمَل أَو فِيهِ
مُرَجّح آخر كَمَا فِي الشّركَة.
وَالْحَاصِل: أَن مَا شَرط لثالث إِن كَانَ يرجع إِلَى الْمضَارب جَازَ وَيكون للْمُضَارب كاشتراطه لعَبْدِهِ غير الْمَدْيُون وَإِلَّا فَهُوَ لرب المَال.
وَالْفرق أَن شَرط الرِّبْح لعَبْدِهِ كالشرط لَهُ فَيصح لَهُ.
بِخِلَاف الشَّرْط لزوجته وَنَحْوهَا لانه لَا يثبت الْملك لَهُ لَان الزَّوْجَة وَالْولد كالاجنبي هُنَا كَمَا قدمْنَاهُ، وَفهم هَذَا من قَول الْقُهسْتَانِيّ، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَنه إِن شَرط شئ لعبد الْمضَارب أَو لاجنبي ليعْمَل مَعَ الْمضَارب

(8/439)


صَحَّ والمشروط للْمُضَارب: يَعْنِي فِي الاولى وللاجنبي: يَعْنِي فِي الثَّانِيَة، وَإِلَى أَنه لَو لم يشْتَرط عمل أحد مِنْهُم صَحَّ العقد والمشروط للْمَالِك سَوَاء كَانَ على العَبْد دين أَو لَا.
وَتَمَامه فِي الذَّخِيرَة.
فليت الشَّارِح سلك هَذَا النظام وَلم يُغير التَّحْرِير وَالْبَيَان.

قَوْلُهُ: (لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ) لَا مَحَلَّ لِلِاسْتِدْرَاكِ مَعَ هَذَا التَّقْرِير، لِأَنَّ قَوْلَهُ: (يَصِحُّ مُطْلَقًا) أَيْ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ صَحِيحٌ سَوَاءٌ شَرَطَ عَمَلَ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ لَا، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ فَالْمَشْرُوطُ لَهُ، وَإِلَّا فَلِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ، وَلَو كَانَ المُرَاد أَن الْمَشْرُوط صَحِيحٌ مُطْلَقًا نَافَى قَوْلَهُ: (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لم يشْتَرط عمله فللمالك.

قَوْله: (وَإِلَّا فللمالك) أَي وَإِن لم يشْتَرط عمله فللمالك.
قَالَ فِي النِّهَايَة معزيا للذخيرة: إِذا شَرط فِي الْمُضَاربَة بعض الرِّبْح لغير الْمضَارب فَإِن كَانَ لاجنبي وَشرط عمله فالمضاربة جَائِزَة وَالشّرط جَائِز وَيصير رب المَال دافعا المَال مُضَارَبَة لِرجلَيْنِ، وَإِن لم يشْتَرط عمل الاجنبي فالمضاربة جَائِزَة وَالشّرط بَاطِل، وَيجْعَل الْمَشْرُوط للاجنبي كالمسكوت عَنهُ فَيكون لرب المَال.
اهـ.

قَوْله: (خلافًا للبرجندي) كَلَامه فِي العَبْد لَا فِي الاجنبي كَمَا يعلم بمراجعة شرح الْمُلْتَقى.

قَوْله: (جَازَ) قَالَ فِي الْبَحْر: وَإِذا كَانَ الِاشْتِرَاط للْعَبد اشتراطا لمَوْلَاهُ فاشتراط بعض الرِّبْح لقَضَاء دين الْمضَارب أَو لقَضَاء دين رب المَال جَائِز بالاولى إِلَى آخر مَا هُنَا.

قَوْله: (وَيكون) أَي الْبَعْض.

قَوْله: (قَضَاء دينه) اسْم يكون ضمير يعود على الْبَعْض وَالْجَار وَالْمَجْرُور هُوَ الْخَبَر وَقَضَاء دينه نَائِب فَاعل الْمَشْرُوط.
وَالْمعْنَى: وَيكون ذَلِك الْبَعْض ض للَّذي شَرط لَهُ قَضَاء دينه من الْمضَارب أَو الْمَالِك.
واستفيد مِمَّا مر أَنه لَا بُد أَن يكون الْبَعْض شَائِعا فِي جَمِيع المَال كالثلث وَالرّبع وَالسُّدُس، أما لَو
كَانَت دَرَاهِم مُعينَة فَإِنَّهُ تفْسد بِهِ الْمُضَاربَة لانه يُؤَدِّي لقطع الشّركَة فِي الرِّبْح، وَإِنَّمَا أطلقهُ هُنَا اعْتِمَادًا على مَا قدمه بِأَن لَا يشْتَرط لاحدهما دَرَاهِم مُسَمَّاة من الرِّبْح.

قَوْله: (وَلَا يلْزم) أَي كل من الْمَالِك وَالْمُضَارب.
وَعبارَة الْبَحْر: وَلَا يجْبر على دَفعه لغرمائه.

قَوْله: (بِمَوْت أَحدهمَا) سَوَاء علم الْمضَارب بِمَوْت رب المَال أم لم يعلم، حَتَّى لَا يملك الشِّرَاء بعد ذَلِك بِمَال الْمُضَاربَة وَلَا يملك السّفر وَيملك بيع مَا كَانَ عرضا لنض المَال لانه عزل حكمي.
قاضيخان.
قَوْله: وَحجر يطْرَأ على أَحدهمَا بجنون أَو سفه أَو حجر مَأْذُون.

قَوْله: (وبجنون أَحدهمَا مطبقا) هُوَ دَاخل تَحت قَوْله وَحجر إِلَّا أَنه ذكره لتقييده بالاطباق.

قَوْله: (بَاعهَا وَصِيّه) أَي وَصِيّ الْمضَارب، لَان الْعَزْل لَا يُمكن حِينَئِذٍ فِي الْمضَارب فَلَا يجْرِي على وَصِيّه.
وَقيل إِن ولَايَة البيع تكون لرب المَال ووصي الْمضَارب كليهمَا، وَهُوَ الاصح لَان الْحق كَانَ للْمُضَارب وَلَكِن الْملك لرب المَال، فَصَارَ بِمَنْزِلَة مَال مُشْتَرك بَين اثْنَيْنِ فَيكون الامر إِلَيْهِمَا.
اه.

(8/440)


قلت: فَلَو لم يكن لَهُ وَصِيّ هَل يسْتَبْدل الْمَالِك بِالْبيعِ أَو ينصب القَاضِي وَصِيّا يَبِيع مَعَه؟ الظَّاهِر نعم.
حموي.
وَالَّذِي فِي الْهِنْدِيَّة: فَإِن لم يكن لَهُ وَصِيّ جعل القَاضِي لَهُ وَصِيّا يَبِيعهَا فيوفى رب المَال رَأس مَاله وحصته من الرِّبْح وَيُعْطى حِصَّة الْمضَارب من الرِّبْح غرماءه: أَي إِن كَانَ لَهُ غُرَمَاء فغرماء الْمضَارب لَا يَأْخُذُونَ عروضها لانها مَال الْغَيْر ط.

قَوْله: (تبطل فِي حق التَّصَرُّف) أَي وَلَا تبطل فِي حق كَونه وَدِيعَة.

قَوْله: (تبطل فِي حق الْمُسَافَرَةِ) أَيْ إلَى غَيْرِ بَلَدِ رَبِّ الْمَالِ، فَلَو أَتَى مصرا وَاشْترى شَيْئا فَمَاتَ رب المَال وَهُوَ لَا يعلم فَأتى بالمتاع مصرا آخر فنفقة الْمضَارب فِي مَال نَفسه وَهُوَ ضَامِن لما هلك فِي الطَّرِيق، فَإِن سلم الْمَتَاع جَازَ بَيْعه لبقائها فِي حق البيع وَلَو خرج من ذَلِك الْمصر قبل موت رب المَال ثمَّ مَاتَ لم يضمن نَفَقَته فِي سَفَره.
اهـ.
بَزَّازِيَّة.
وَقَوله: فَأتى بالمتاع مصرا: يَعْنِي غير مصر رب المَال، فَإِنَّهُ لَو أخرجه يَعْنِي بعد موت رب المَال إِلَى مصر رب المَال لَا يضمن لانه يجب عَلَيْهِ تَسْلِيمه فِيهِ.
ذكره فِيهَا أَيْضا وَذكره قاضيخان، لَكِن تقدم أَن التَّخْصِيص يَصح قبل صيرورتها عرُوضا لَا بعده،
وكل مَوضِع صَحَّ الْعَزْل فِيهِ صَحَّ التَّخْصِيص فِيهِ، وَمَا لَا فَلَا.
وَنقل فِي النِّهَايَة: أَنه لَا يَصح نَهْيه عَن المسافرة فِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة، وَإِن نَهَاهُ لم يتَعَلَّق بنهيه حكم حَتَّى ينض ثمنه نَحْو أَن يَقُول لَا تبع نَسِيئَة لَان حق التَّصَرُّف ثَابت لَهُ لانه يحْتَاج إِلَى أَن يَبِيعهُ ليظْهر الرِّبْح، فَإِذا نَهَاهُ عَن ذَلِك فقد أبطل حَقه فِي التَّصَرُّف فَلم يَصح.
وَإِذا لم يملك عَزله حَتَّى ينض لم يملك تَخْصِيص الاذن أَيْضا عزل من وَجه.
وَأما إِذا نَهَاهُ عَن المسافرة لم يَصح على الرِّوَايَات الْمَشْهُورَة لانه يملك المسافرة بِإِطْلَاق العقد.
ثمَّ قَالَ وَفِي الذَّخِيرَة: وكل جَوَاب عَرفته فِي الْفُصُول كلهَا إِذا منع رب الْمضَارب عَن التَّصَرُّف فَهُوَ الْجَواب فِيمَا إِذا مَاتَ رب المَال اهـ.
فَعلم مِنْهُ أَن مَا نَقله الشَّارِح هُنَا من بُطْلَانهَا فِي حق المسافرة على غير الرِّوَايَات الْمَشْهُورَة، فَتدبر.

قَوْله: (فَلهُ بَيْعه) أَي مَال الْمُضَاربَة بِعرْض وَتقدم ثمَّ يكون الْعرض الثَّانِي كالاول فَلهُ بَيْعه بِعرْض أَيْضا إِلَى أَن يصير مَال الْمُضَاربَة مثل رَأس المَال وَإِن كَانَ مَال الْمُضَاربَة من جنس رَأس المَال من حَيْثُ الثمنية إِلَّا أَنه من خلاف جنسه من حَيْثُ الْحَقِيقَة بِأَن كَانَ رَأس المَال دَرَاهِم وَمَال الْمُضَاربَة دَنَانِير أَو على الْعَكْس بِعَمَل نهى رب المَال إِيَّاه عَمَّا هُوَ شَرّ من كل وَجه، حَتَّى لَا يملك شِرَاء الْعرُوض بِهِ وَيملك صرفه بِمَا هُوَ من جنس رَأس المَال: أَي مَال الْمُضَاربَة، وعَلى هَذَا موت رب المَال فِي بيع الْعرُوض: يَعْنِي إِذا مَاتَ رب المَال وَالْمَال عرُوض فللمضارب أَن يَبِيع الْعرُوض حَتَّى ينض رَأس المَال وَنَحْوهَا بِأَن كَانَ رَأس المَال دَرَاهِم وَالْمَال دَنَانِير كَانَ لَهُ أَن يَبِيع الدَّنَانِير كَمَا فِي الْعَزْل.
نِهَايَة.

قَوْله: (وبالحكم بلحوق الْمَالِك مُرْتَدا) أَي إِذا حكم بلحوقه من يَوْم ارْتَدَّ وانتقل ملكه إِلَى ورثته: فَإِن كَانَ المَال يَوْمئِذٍ قَائِما فِي يَده لم يتَصَرَّف فِيهِ ثمَّ اشْترى بعد ذَلِك فَمَا اشْتَرَاهُ لَهُ ربحه وَعَلِيهِ وضيعته لانه قد انْعَزل عَن الْمُضَاربَة وَزَالَ ملك الامر عَن المَال فَصَارَ متصرفا فِي ملك الْوَرَثَة بِغَيْر أمره، وَإِن كَانَ المَال مشَاعا أَو عرُوضا أَو غير الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير من سَائِر الاموال فَبيع الْمضَارب وشراؤه فِيهِ جَائِز حَتَّى يحصل رَأس المَال كَمَا فِي السراج الْوَهَّاج، وَإِنَّمَا بطلت لَان اللحوق بِمَنْزِلَة الْمَوْت وَلِهَذَا يُورث مَاله وَيعتق أَوْلَاده ومدبروه زَيْلَعِيّ وَالْمرَاد بالمالك خُصُوص الرجل.

(8/441)


وَلِهَذَا قَالَ فِي غَايَة الْبَيَان: وَلَو كَانَ رب المَال امْرَأَة فارتدت فَهِيَ بِمَنْزِلَة الْمسلمَة لانها لَا تقتل فَلم تَنْعَقِد الرِّدَّة سَبَب التّلف فِي حَقّهَا اهـ.
وسيشير الشَّارِح إِلَيْهِ قَرِيبا.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَادَ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا إِذا لم يحكم بلحوقه، أما إِذا حكم بلحوقه فَلَا تَعُودُ الْمُضَارَبَةُ لِأَنَّهَا بَطَلَتْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْأَتْقَانِيّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، لَكِنْ فِي الْعِنَايَةِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَعُودُ سَوَاءٌ حُكِمَ بلحاقه أم لَا، فَتَأمل.
وَنَصّ عِبَارَته: وَإِذا ارْتَدَّ رب المَال عَن الاسلام وَلحق بدار الْحَرْب بطلت الْمُضَاربَة: يَعْنِي إِذا لم يعد مُسلما.
أما إِذا عَاد مُسلما قبل الْقَضَاء أَو بعده كَانَت الْمُضَاربَة كَمَا كَانَت اهـ.
أَقُول: لَكِن يشكل على مَا ذكر بِأَن الْبَاطِل لَا يعود صَحِيحا فَكيف تصح الْمُضَاربَة بعد الحكم بلحوقه بعوده؟ وَالْحَال أَنَّهَا بطلت بالحكم بلحوقه، إِلَّا أَن يُجَاب بِأَن الْبطلَان مَوْقُوف إِلَى حَال التَّبْيِين، فَإِذا تبين رُجُوعه بقيت على أَصْلهَا وَيدل لذَلِك عبارَة غَايَة الْبَيَان: كَانَت الْمُضَاربَة كَمَا كَانَت فَيكون.
قَوْله: بطلت أَي بطلانا مَوْقُوفا إِن تبين وَإِلَّا فباتا.
تَأمل.

قَوْله: (حكم بلحاقه أم لَا) أما قبل الحكم فُلَانُهُ بِمَنْزِلَة الْغَيْبَة وَهِي لَا توجب بطلَان الْمُضَاربَة، وَأما بعده فلحق الْمضَارب كَمَا لَو مَاتَ حَقِيقَة.
ط عَن الشُّرُنْبُلَالِيَّة.

قَوْله: (بِخِلَاف الْوَكِيل) أَي إِذا ارْتَدَّ الْمُوكل وَحكم بلحاقه فَإِن الْوكَالَة تبطل وَلَا تعود بعوده إِلَى الاسلام، لَان مَحَلَّ التَّصَرُّفِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يتَعَلَّق بِهِ حق الْوَكِيل.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ) فَإِنَّ لَهُ حَقًّا فَإِذَا عَاد الْمَالِك فَهِيَ على حَالهَا، والاولى حذفه لانه مُسْتَفَاد مِمَّا تقدم فَلَا حَاجَة إِلَيْهِ.

قَوْله: (وَلَو ارْتَدَّ الْمضَارب فَهِيَ على حَالهَا) عِنْدهمَا، حَتَّى لَو تصرف وَربح ثمَّ قتل كَانَ ربحه بَينهمَا على مَا شرطا اهـ.
برهَان.
فَإِن لحق وَبَاعَ وَاشْترى هُنَاكَ ثمَّ رَجَعَ مُسلما فَلهُ جَمِيع مَا اشْترى وَبَاعَ فِي دَار الْحَرْب وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي شئ من ذَلِك.
هندية.
وَذَلِكَ لَان تَصَرُّفَات الْمُرْتَد إِنَّمَا توقفت بِالنّظرِ إِلَى ملكه وَلَا ملك للْمُضَارب فِي مَال الْمُضَاربَة وَله عبارَة صَحِيحَة، فَلَا توقف فِي ملك الْمَالِك فَبَقيت الْمُضَاربَة على حَالهَا.
قَالَ فِي الْعِنَايَة: وَتوقف تصرف الْمُرْتَد لتَعلق حق الْوَرَثَة، وَلَا توقف فِي ملك رب المَال لعدم تعلقه بِهِ، أَي فَلَا يعْطى لَهُ حكم الْمَوْت بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَظَاهره سَوَاء لحق وَلم يحكم بِهِ أَولا كَمَا فِي الدُّرَر وَصدر الشَّرِيعَة.

قَوْله: (وَمَا تصرف نَافِذ الخ) أَي حَيْثُ كَانَت الْمُضَاربَة بَاقِيَة على حَالهَا فِي قَوْلهم
جَمِيعًا، فَجَمِيع مَا فعل ذَلِك جَائِز وَالرِّبْح بَينهمَا على مَا شرطا، خلا أَن مَا يلْحقهُ من الْعهْدَة فِيمَا بَاعَ وَاشْترى حَيْثُ يكون على رب المَال فِي قَول أبي حنيفَة، لَان حكم الْعهْدَة يتَوَقَّف بردته، لانه لَو لَزِمته لقضى من مَاله وَلَا تصرف لَهُ فِيهِ فَكَانَ كَالصَّبِيِّ الْمَحْجُور إِذا توكل عَن غَيره بِالْبيعِ وَالشِّرَاء وَفِي قَوْلهمَا حَاله فِي التَّصَرُّف بعد الرِّدَّة كهي فِيهِ قبلهَا فالعهدة عَلَيْهِ وَيرجع على رب المَال كَمَا فِي الْعِنَايَة، وَكَانَ الاولى تَقْدِيم هَذِه الْعبارَة على.

قَوْله: (فَإِن مَاتَ) .
وَالْحَاصِل: فرق بَين الارتدادين قبل اللحوق وَبعده لَا فرق بَينهمَا.

قَوْله: (وَلَو ارْتَدَّ الْمَالِك فَقَط) مُحْتَرز قَوْله: وبلحوق الْمَالِك وعَلى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمُضَارِبِ، فَلَوْ قَالَ وَبِلُحُوقِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ

(8/442)


قَالَ وَلَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا فَقَطْ إلَخْ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَظْهَرَ، تَأَمَّلْ.
لَكِنْ الْفَرْقَ أَنَّهُ إذَا ارْتَدَّ الْمضَارب فتصرفه نَافِذ.

قَوْله: (أَي وَلم يلْحق) وَمثله إِذا لحق وَلم يحكم بلحاقه.

قَوْله: (فتصرفه) أَي الْمضَارب مَوْقُوف عِنْد الامام: أَي لتَعلق حق وَرَثَة الْمَالِك بِالْمَالِ لزوَال ملكه بِالرّدَّةِ، فَإِن عَاد إِلَى الاسلام عَاد ملكه وَنفذ تصرف الْمضَارب، وَإِن مَاتَ أَن قتل أَو حكم بلحاقه عَاد المَال إِلَى الْوَرَثَة وَيبْطل تصرف الْمضَارب، وَعَلِيهِ لَا فرق بَين الْمَالِك وَالْمُضَارب لَا بِالتَّصَرُّفِ فَإِن تصرف الْمضَارب نَافِذ دون الْمَالِك، وَعَلِيهِ فالاخضر أَن يَقُول: وبلحوق أَحدهمَا، ثمَّ يَقُول وَلَو ارْتَدَّ أَحدهمَا فَقَط الخ.

قَوْله: (وردة الْمَرْأَة غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ هِيَ صَاحِبَةَ الْمَالِ أَوْ الْمُضَارَبَةَ، إلَّا أَنْ تَمُوتَ أَوْ تَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُحْكَمَ بِلَحَاقِهَا، لِأَنَّ رِدَّتَهَا لَا تُؤثر فِي أملاكها فَكَذَا لَا تُؤثر فِي تصرفاتها.
منح.

قَوْله: (إِن علم بِهِ) أَيْ وَلَوْ الْعَزْلُ حُكْمًا فَلَا يَنْعَزِلُ فِي الْحُكْمِيِّ إلَّا بِالْعِلْمِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ يَنْعَزِلُ فِي الْحُكْمِيِّ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، كَذَا قَالُوا.
فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، قُلْت: قَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ، بِخِلَاف الْمضَارب.
منح.
وَالَّذِي فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْخَانِية: تبطل الْمُضَاربَة بِمَوْت رب المَال علم بذلك أَو لم يعلم، حَتَّى لَا يملك الشِّرَاء بعد ذَلِك بِمَال الْمُضَاربَة وَلَا يملك السّفر.
اهـ.
وَتقدم ذكره
قَوْله: (مُطلقًا) أَي وَإِن لم
يَكُونَا عَدْلَيْنِ، بِأَن كَانَا فاسقين أَو مستورين
قَوْله: (أَو فُضُولِيّ عدل) كَانَ الانسب أَن يَقُول: أَو وَاحِد عدل، بِقَرِينَة السِّيَاق، وَكَأَنَّهُ راعي مَا تقدم فِي بَاب عزل الْوَكِيل من أَن الْعَزْل يثبت بمشافهة وَكِتَابَة ورسالة وإخبار فُضُولِيّ، وَيعْتَبر فِيهِ أحد شطري الشَّهَادَة من الْعدَد أَو الْعَدَالَة.

قَوْله: (مُمَيّز) أَي وَلَو رَقِيقا أُنْثَى غير بَالغ وَلَا عدل، لَان الرَّسُول وَالْوَكِيل كالاصيل، وَهَذَا عِنْد الامام.
وَعِنْدَهُمَا: لَا فرق بَين الرَّسُول وَغَيره كَمَا فِي أخواتها.

قَوْله: (وَلَو حكما) كموت الْمَالِك: أَي وَلَو كَانَ الْعَزْل حكما فَإِنَّهُ يشْتَرط فِيهِ الْعلم على مَا سلف لانه عزل حكمي.

قَوْله: (وَلَو حكما) كارتداده مَعَ الحكم باللحوق وجنونه مطبقا.

قَوْله: (فالدراهم وَالدَّنَانِير هُنَا جِنْسَانِ) التَّفْرِيع غير ظَاهر، لانهما قد يكونَانِ جِنْسا وَاحِدًا فِي كثير من الْمسَائِل، وَحِينَئِذٍ فالاولى الْوَاو كَمَا فِي الْبَحْر والمنح، فَإِن كَانَ رَأس المَال دَرَاهِم وعزله مَعَه دَنَانِير فَلهُ بيعهَا بِالدَّرَاهِمِ اسْتِحْسَانًا، وَبِالْعَكْسِ بعد الْعلم بِالْعَزْلِ حَتَّى يكون من جنس رَأس المَال ليتميز الرِّبْح فيتبين حَظه مِنْهُ، لَكِن تقدم فِي البيع الْفَاسِد أَن الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِيرُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي ثَمَانِ مَسَائِلَ مِنْهَا فِي الْمُضَاربَة ابْتِدَاء وانتهاء وَبَقَاء اهـ.
وَكتب سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى ثمَّة قَوْلُهُ وَمُضَارَبَةٍ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَبَقَاءً لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ التَّقْسِيمَ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ صُورَتَيْنِ فِي الْمُضَارَبَةِ.
إحْدَاهُمَا: مَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ دَرَاهِمَ فَمَاتَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ عُزِلَ الْمُضَارِبُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ وَفِي يَدِهِ دَنَانِيرُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا شَيْئًا وَلَكِنْ يَصْرِفُ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ، وَلَوْ كَانَ مَا فِي يَدِهِ

(8/443)


عُرُوضًا أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا لَهُ أَنْ يُحَوِّلَهُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَلَوْ بَاعَ الْمَتَاعَ بِالدَّنَانِيرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا إلَّا الدَّرَاهِمَ.
ثَانِيَتُهُمَا: لَوْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ دَرَاهِمَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ فَاشْتَرَى مَتَاعًا بِكَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ لَزِمَهُ، وَلَوْ اشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ فَهُوَ عَلَى الْمُضَاربَة اسْتِحْسَانًا عِنْدهمَا اهـ.
مُلَخصا فالصورة الاولى تصلح مِثَالًا لِلِانْتِهَاءِ، وَالثَّانِيَةُ لِلْبَقَاءِ، لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ لي كَون الْأَوْلَى مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، إذْ لَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فِيهَا جِنْسًا وَاحِدًا مَا كَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَصْرِفَ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ.
تَأَمَّلْ.
ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِح فِي بَاب الْمُضَاربَة جعلهَا
جِنْسَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهَذَا عَيْنُ مَا فهمته، وَللَّه تَعَالَى الْحَمد.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُضَارَبَةِ ابْتِدَاءً فَقَدْ زَادَهَا الشَّارِحُ وَقَالَ ط: صُورَتُهُ عَقَدَ مَعَهُ الْمُضَارَبَةَ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ وَبَيَّنَ الرِّبْحَ فَدَفَعَ لَهُ دَرَاهِمَ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ تِلْكَ الدَّنَانِيرُ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ وَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا أَوَّلًا.
كَذَا ظَهَرَ لي.
اهـ.
كَلَام سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (بَاعَهَا) أَيْ لَهُ بَيْعُهَا وَلَا يَمْنَعُهُ الْعَزْل من ذَلِك.
إتقاني.

قَوْله: (وَإِن نَهَاهُ عَنْهَا) أَي عَن النَّسِيئَة وَلَا يَمْلِكُ الْمَالِكُ فَسْخَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا لَا يَصِحُّ نَهْيُهُ عَنْ الْمُسَافَرَةِ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ، وَكَمَا لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ لَا يَمْلِكُ تَخْصِيصَ الْإِذْنِ لِأَنَّهُ عَزْلٌ مِنْ وَجْهٍ.
بَحر عَن النِّهَايَة وَسَيَأْتِي.
وَإِنَّمَا لَا يملك ذَلِك لَان لَهُ حَقًا فِي الرِّبْح.

قَوْله: (ثمَّ لَا يتَصَرَّف فِي ثمنهَا) أَي إِذا كَانَ من جنس رَأس مَالهَا، لَان البيع بعد الْعَزْل كَانَ للضَّرُورَة حَتَّى يظْهر الرِّبْح إِن كَانَ فِيهِ وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ بعد النَّص، فَصَارَ كَمَا إِذا عَزله بعد مَا نَص وَصَارَ من جنس رَأس المَال: زَيْلَعِيّ.

قَوْله: (وَلَا فِي نقد) أَي لَا يتَصَرَّف إِذا كَانَ رَأس المَال فضَّة بِفِضَّة وَلَو أَجود كَمَا يفِيدهُ عُمُومه ط.

قَوْله: (ويبدل خِلَافُهُ بِهِ) أَيْ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَ خِلَافَ رَأس المَال من النَّقْد بِرَأْس المَال.

قَوْله: (اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاس لَا يُبدل لَان النَّقْدَيْنِ من جنس وَاحِد من حَيْثُ الثمنية.

قَوْله: (لوُجُوب رد جنسه) أَي إِلَى رب المَال إِن امْتنع الْمَالِك من أَخذ خلاف الْجِنْس كَمَا يفِيدهُ مَا قدمْنَاهُ عَن الاتقاني.
وَفِي الْهِنْدِيَّة عَن الْكَافِي: لَهُ أَن يَبِيعهَا بِجِنْس المَال اسْتِحْسَانًا وَهُوَ يُفِيد الْجَوَاز، فَإِن حمل على عدم التَّنَازُع زَالَ الاشكال.
ط بِزِيَادَة.

قَوْله: (وليظهر الرِّبْح) جعله فِي الْعَيْنِيّ والدرر عِلّة لبيع الضَّرُورَة حَيْثُ قَالَ لَان لَهُ حَقًا فِي الرِّبْح، وَلَا يظْهر ذَلِك إِلَّا بِالنَّصِّ فَيثبت لَهُ حق البيع ليظْهر ذَلِك، وَمَوته وارتداده مَعَ اللحوق وجنونه مطبقا وَالْمَال عرُوض كعزله وَالْمَال عرُوض.
زَيْلَعِيّ.

قَوْله: (وَلَا يملك الخ) هَذَا مَعْطُوف على بَاعهَا عطف عِلّة على مَعْلُول، وليته قدمه على ثمَّ لَا يتَصَرَّف، وَلَا تنسى مَا مر فِي موت الْمضَارب وَالْمَال عرُوض.
وَيفهم مِنْهُ أَنه فَسخهَا وَالْمَال عرُوض يَبِيعهَا بِالنَّقْدِ.
فرع: قَالَ فِي الْقنية من بَاب الْمُضَارَبَةِ: أَعْطَاهُ دَنَانِيرَ مُضَارَبَةً ثُمَّ أَرَادَ الْقِسْمَةَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَنَانِيرَ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَالِ بِقِيمَتِهَا، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْقِسْمَةِ لَا يَوْمَ الدَّفْعِ اهـ.
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ الْمُضَارَبَةِ: وَيَضْمَنُ لِرَبِّ الْمَالِ مِثْلَ مَالِهِ وَقْتَ الْخِلَافِ بِيرِيٌّ فِي بَحْثِ
الْقَوْلِ بِثمن الْمِثْلِ.
وَهَذِهِ فَائِدَةٌ طَالَمَا تَوَقَّفْت فِيهَا، فَإِنْ رَبَّ الْمَالِ يَدْفَعُ دَنَانِيرَ مَثَلًا بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ ثمَّ تغلو قيمتهَا وَيُرِيد أَخذهَا لَا بِمثل الْقيمَة تَأمل.
وَالَّذِي يظْهر من هَذَا أَنه لَوْ عَلِمَ عَدَدَ الْمَدْفُوعِ وَنَوْعَهُ فَلَهُ أَخْذُهُ، وَلَو أَرَادَ أَن يَأْخُذ الْقيمَة مِنْ نَوْعٍ آخَرَ يَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ الْوَاقِعَةِ يَوْمَ الْخِلَافِ: أَيْ يَوْمَ النِّزَاعِ وَالْخِصَامِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ نَوْعَ الْمَدْفُوعِ كَمَا يَقَعُ

(8/444)


كَثِيرًا فِي زَمَانِنَا حَيْثُ يَدْفَعُ أَنْوَاعًا ثُمَّ يجهل فَيُضْطَرُّ إلَى أَخْذِ قِيمَتِهَا لِجَهَالَتِهَا فَيَأْخُذُ بِالْقِيمَةِ يَوْم الْخِصَام تَأمل.
وَالله تَعَالَى أعلم.

قَوْله: (وَلَا تَخْصِيص الاذن) أَفَادَهُ بقوله آنِفا وَإِن نَهَاهُ عَنْهَا.

قَوْله: (صَحَّ) أَي الْفَسْخ وَالرِّبْح بعد ذَلِك لِلْعَامِلِ كَمَا سلف فِي الشّركَة.

قَوْله: (افْتَرقَا) أَي فسخا الْمُضَاربَة أَو انْتَهَت.

قَوْله: (وَفِي المَال دُيُون) أَي وَقد بَاعَ الْمضَارب عرُوضا بِثمن لم يقبضهُ من المشترين.

قَوْله: (على اقْتِضَاء الدُّيُون) أَي أَخذهَا واستخلاصها.

قَوْله: (إِذْ حِينَئِذٍ يعْمل بالاجرة) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: لِأَنَّهُ كَالْأَجِيرِ وَالرِّبْحُ كَالْأُجْرَةِ وَطَلَبُ الدَّيْنِ مِنْ تَمَامِ تَكْمِلَةِ الْعَمَلِ فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ.
وَظَاهره وَلَوْ كَانَ الرِّبْحُ قَلِيلًا.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: وَمُفَادُهُ أَنَّ نَفَقَةَ الطَّلَبِ عَلَى الْمُضَارِبِ، وَهَذَا لَوْ الدَّيْنُ فِي الْمِصْرِ وَإِلَّا فَفِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: وَإِنْ طَالَ سَفَرُ الْمُضَارِبِ وَمُقَامُهُ حَتَّى أَتَتْ النَّفَقَةُ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ، فَإِنْ فَضَلَ عَلَى الدَّيْنِ حَسِبَ لَهُ النَّفَقَةَ مِقْدَارَ الدَّيْنِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَكُونُ عَلَى الْمُضَارِبِ.
كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

قَوْله: (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن فِي المَال ربح.

قَوْله: (لَا جبر لانه حِينَئِذٍ مُتَبَرّع) أَي لانه وَكيل مَحْض وَلَا جبر على الْمُتَبَرّع على إنهاء مَا تبرع بِهِ، وَلِهَذَا لَا يجْبر الْوَاهِب على التَّسْلِيم.
زَيْلَعِيّ.
وَلَا يُقَال: الرَّد وَاجِب عَلَيْهِ وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون بِالتَّسْلِيمِ كَمَا أَخذه.
لانا نقُول: الْوَاجِب عَلَيْهِ رفع الْمَوَانِع وَذَلِكَ بِالتَّخْلِيَةِ لَا بِالتَّسْلِيمِ حَقِيقَة.
ط عَن أبي السُّعُود.

قَوْله: (لانه) أَي الْمَالِك غير الْعَاقِد فالحقوق لَا ترجع إِلَيْهِ بل إِلَى الْعَاقِد الَّذِي هُوَ الْمضَارب فَقبض الثّمن لَهُ لَا للْمَالِك، وَلَا يلْزم التقاضي لانه مُتَبَرّع فَيُؤْمَر بتوكيل الْمَالِك ليقدر على تَحْصِيل الدُّيُون كَمَا فِي الْعَيْنِيّ.

قَوْله: (وَحِينَئِذٍ) أَي حِين إِذْ
كَانَ الْمُتَبَرّع لَا يجْبر على الِاقْتِضَاء، والاولى أَن يَقُول: وَلِهَذَا كَانَ الْوَكِيل الخ.

قَوْله: (والسمسار) بِكَسْر السِّين الاولى الْمُهْملَة وَهُوَ الْمُتَوَسّط بَين البَائِع وَالْمُشْتَرِي ليبيع بِأَجْر من غير أَن يسْتَأْجر، والدلال الْوَاسِطَة بَين الْمُتَبَايعين اهـ.
وَفِي منلا مِسْكين: السمسار الدَّلال
قَوْله: (يجْبر على التقاضي) أَي طلب الثّمن إِن عقد البيع لانه يَبِيع وَيَشْتَرِي للنَّاس عَادَة بِأُجْرَة فَجعل ذَلِك بِمَنْزِلَة الاجارة الصَّحِيحَة بِحكم الْعَادة فَيجب التقاضي والاستيفاء لانه وصل إِلَيْهِ بدل عمله فَصَارَ كالمضارب إِذا كَانَ فِي المَال ربح.
زَيْلَعِيّ.

قَوْله: (وَكَذَا الدَّلال) مُقْتَضى كَلَام الشَّارِح أَن الدَّلال غير السمسار كَمَا فِي الْقُهسْتَانِيّ بِأَن الدَّلال يحمل السّلْعَة إِلَى المُشْتَرِي ويخبر بِالثّمن وَيبِيع، بِخِلَاف السمسار فَإِنَّهُ لم يكن فِي يَده شئ، وَمُقْتَضى مَا مر عَن مِسْكين عدم الْفرق بَينهمَا.
وَفِي الدُّرَر كالدلال فَإِنَّهُ يعْمل بالاجرة.
والسمسار: هُوَ الَّذِي يجلب إِلَيْهِ الْعرُوض والحيوانات لبيعها بِأَجْر من غير أَن يسْتَأْجر إِلَى آخر مَا فِيهِ.

قَوْله: (لعدم قدرته عَلَيْهِ) لَان الشِّرَاء أَو البيع لَا يتم إِلَّا بمساعدة غَيره وَهُوَ البَائِع أَو المُشْتَرِي فَلَا يقدر على تَسْلِيمه.

(8/445)


زَيْلَعِيّ.
قَوْلُهُ: زَيْلَعِيٌّ وَتَمَامُ كَلَامِهِ: وَإِنَّمَا جَازَتْ هَذِهِ الْحِيلَةُ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ الْمَنْفَعَةَ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ بِبَيَانِ قَدْرِ الْمُدَّةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ، وَلَوْ عَمِلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَأَعْطَاهُ شَيْئًا لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ عَمِلَ مَعَهُ حَسَنَةً فَجَازَاهُ خَيْرًا وَبِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ، وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ اهـ.

قَوْله: (وَمَا هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ يُصْرَفُ إلَى الرِّبْح) .
أَقُول: وَكَذَلِكَ مَا هلك من مَال الشّركَة فَيصْرف إِلَى الرِّبْح، وَالْبَاقِي من الرِّبْح يصرف على مَا شرطا وَرَأس المَال على حكمه، فَإِذا زَاد الْهَالِك على الرِّبْح فَهُوَ عَلَيْهِمَا بِقدر ماليهما، وَبِه علم حكم حَادِثَة الْفَتْوَى.
مطلب: فِي حكم حادية الْفَتْوَى شريكان مَالهمَا متفاوت وَالْعَمَل مَشْرُوط عَلَيْهِمَا وَالرِّبْح سوية بَينهمَا هلك بعد الرِّبْح شئ من المَال وَبَقِي شئ من الرِّبْح فَمَا الحكم؟ الْجَواب: مَا فضل من الرِّبْح على مَا شرطا وَرَأس المَال على حكمه والهالك عَلَيْهِمَا وَهُوَ ظَاهره.
ذكره الْخَيْر الرَّمْلِيّ.

قَوْله: (لانه تبع) أَي وَرَأس المَال أصل
وَصرف الْهَالِك إِلَى مَا هُوَ تَابع أولى كَمَا يصرف إِلَى الْعَفو فِي الزَّكَاة ولان الرِّبْح فرع عَن رَأس المَال فَلَا يثبت لَهُ حكم قبل ثُبُوت أَصله كَمَا فِي الْعَيْنِيّ.
مطلب: القَوْل للشَّرِيك وَالْمُضَارب فِي مِقْدَار الرِّبْح والخسران وَفِي الضّيَاع وَالرَّدّ للشَّرِيك وَالْقَوْل للشَّرِيك وَالْمُضَارِبِ فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَذْكُرَ الْأَمْرَ مُفَصَّلًا، وَالْقَوْلُ قَوْله فِي الضّيَاع وَالرَّدّ للشَّرِيك نهر فِي الشّركَة.
تَتِمَّة: هلك مَال الْمُضَاربَة قبل أَن يَشْتَرِي بِهِ شَيْئا بطلت، وَإِن اسْتَهْلكهُ الْمضَارب ضمنه وَلم يكن لَهُ الشِّرَاء بعد ذَلِك لصيرورته ضمينا، وَإِن اسْتَهْلكهُ غَيره فَأَخذه مِنْهُ كَانَ لَهُ الشِّرَاء على الْمُضَاربَة.
حموي عَن الاقطع.

قَوْله: (لم يضمن) لكَونه أَمينا سَوَاء كَانَ من عمله أَو لَا.
بَحر.

قَوْله: (وَلَو فَاسِدَة) لانها أَمَانَة عِنْد الامام.
وَعِنْدَهُمَا: إِن كَانَت فَاسِدَة فَالْمَال مَضْمُون.

قَوْله: (من عمله) وَلَو الْهَلَاك من عمله الْمُسَلَّطَ عَلَيْهِ عِنْدَ التُّجَّارِ.
وَأَمَّا التَّعَدِّي فَيَظْهَرُ أَنه ضمن بِهِ.
سائحاني: أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً.
وَسَوَاءٌ كَانَ الْهَلَاكُ مِنْ عَمَلِهِ أَوْ لَا، وَيقبل.
قَوْله: فِي هَلَاكه وَإِن لم يعلم ذَلِك كَمَا يقبل فِي الْوَدِيعَة.
منح بِزِيَادَة: وَلم أر زِيَادَة من علمه فِي الْعَيْنِيّ وَلَا فِي الدُّرَر وحواشيه.
فَلْيتَأَمَّل معنى
قَوْله: (من عمله) وَلَو اقْتصر على
قَوْله: (وَلَو فَاسِدَة) لَكَانَ الْمَعْنى أظهر.
ثمَّ رَأَيْت فِي فروق المحبوبي مَا نَصه: وَإِذا عمل فِي الْمُضَاربَة الْفَاسِدَة وَربح كَانَ كل الرِّبْح لرب المَال وللمضارب أجر مثل عمله، وَلَا ضَمَان إِذا هلك المَال فِي يَده اهـ.

قَوْله: (لانه أَمِين) عِلّة لعدم الضَّمَان وَيقبل.
قَوْله: فِي الْهَلَاك وَإِن لم يعلم ذَلِك كَمَا يقبل فِي الْوَدِيعَة.
منح.
أَقُول: وَيَنْبَغِي أَن يضمن مَا تلف بِعَمَلِهِ لانه أجِير مُشْتَرك.
وعَلى قَوْلهمَا يضمن مَا تلف فِي يَده وَإِن لم يكن من عمله كَمَا علم فِي بَاب ضَمَان الاجير، وَلَعَلَّه مَحْمُول على مَا إِذا سَافر بِمَال الْمُضَاربَة فَإِنَّهُ يكون بِمَنْزِلَة الاجير الْخَاص، وليحرر.

قَوْله: (ترادا الرِّبْح) فَيضمن الْمضَارب مَا أَخذه على أَنه ربح

(8/446)


لانه أَخذه لنَفسِهِ، بِخِلَاف مَا بَقِي فِي يَده لَا يضمنهُ إِذا لم يَأْخُذهُ لنَفسِهِ.
حموي.

قَوْله: (ليَأْخُذ الْمَالِك
رَأس مَاله) فَيبْدَأ بِرَأْس المَال ثمَّ بِالْمَنْفَعَةِ ثمَّ بِالرِّبْحِ الاهم فالاهم اخْتِيَار، فَإِن فضل شئ اقتسماه.
اهـ.
در منتقى: أَي لَان الرِّبْح تَابع كَمَا ذكرنَا فَلَا يسلم بِدُونِ سَلامَة الاصل.
عَيْني.

قَوْله: (وَمَا فضل فَهُوَ بَينهمَا) لَان رب المَال لم يبْق لَهُ حق بعد اسْتِيفَاء مَاله إِلَّا فِي الرِّبْح.
عَيْني.

قَوْله: (لم يضمن) أَي إِن نقص الرِّبْح عَن الْهَالِك لم يضمن الْمضَارب.

قَوْله: (لما مر) من أَنه أَمِين فَلَا يكون ضمينا.

قَوْله: (وَالْمَال فِي يَدِ الْمُضَارِبِ) مِثْلُهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ نَصٌّ عَلَى الْمُتَوَهِّمِ، وَإِلَّا فَبِالْأَوْلَى إذَا دَفَعَهُ لِرَبِّ الْمَالِ بَعْدَ الْفَسْخِ ثمَّ استرده وعقدا أُخْرَى.

قَوْله: (لانه عقد جَدِيد) أَي لَان الْمُضَاربَة الاولى قد انْتَهَت بِالْفَسْخِ وَثُبُوت الثَّانِيَة بِعقد جَدِيد فهلاك المَال فِي الثَّانِيَة لَا يُوجب انْتِقَاض الاولى فَصَارَ كَمَا إِذا دفع إِلَيْهِ مَالا آخر.

قَوْله: (وَهَذِه هِيَ الْحِيلَة النَّافِعَةُ لِلْمُضَارِبِ) أَيْ لَوْ خَافَ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ رَبُّ الْمَالِ الرِّبْحَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِسَبَبِ هَلَاكِ مَا بَقِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَعُلِمَ مِمَّا مَرَّ آنِفًا أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْحِيلَةِ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْمُضَارِبُ رَأْسَ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ، وَتَقْيِيدُ الزَّيْلَعِيُّ بِهِ اتِّفَاقِيٌّ كَمَا نبه عَلَيْهِ أَبُو السُّعُود.
وَالله تَعَالَى أعلم، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم.
فصل فِي المتفرقات
قَوْله: (لَا تفْسد الخ) حَتَّى لَو اشْترى رب المَال بِهِ شَيْئا وَبَاعَ فَهُوَ على الْمُضَاربَة، لَان الشَّرْط هُوَ التَّخْلِيَة وَقد تحققت، والابضاع تَوْكِيل بِالتَّصَرُّفِ وَالتَّصَرُّف حق الْمضَارب فَيصح التَّوْكِيل بِهِ.
وَقَالَ زفر: لَا تفْسد وَلَا يسْتَحق الْمضَارب من ربحه شَيْئا لَان رب المَال تصرف فِي مَال نَفسه بِغَيْر تَوْكِيل وَلم يُصَرح بِهِ فَيكون مستردا لِلْمَالِ، وَلِهَذَا لَا يَصح اشْتِرَاط الْعَمَل عَلَيْهِ ابْتِدَاء.
وَلنَا أَن الْوَاجِب لَهُ التَّخْلِيَة وَقد تمت وَصَارَ التَّصَرُّف حَقًا للْمُضَارب، وَله أَن يُوكل رب المَال صَالحا لذَلِك والابضاع تَوْكِيل لانه استعانة، وَلما صَحَّ اسْتَعَانَ الْمضَارب بالاجنبي فَرب المَال أولى لكَونه أشْفق على المَال فَلَا يكون استردادا، بِخِلَاف شَرط الْعَمَل عَلَيْهِ ابْتِدَاء لانه يمْنَع التَّخْلِيَة.
فَإِن قلت: رب المَال لَا يَصح وَكيلا لَان الْوَكِيل من يعْمل فِي مَال غَيره وَرب المَال لَا يعْمل فِي مَال غَيره بل فِي مَال نَفسه.
قلت: أُجِيب بِأَن الْمَالِك بعد التَّخْلِيَة صَار كالاجنبي فَجَاز تَوْكِيله.
فَإِن قلت: الامر كَذَلِك لصِحَّة الْمُضَاربَة مَعَ رب المَال.
قلت: أُجِيب بِأَن الْمُضَارَبَةَ تَنْعَقِدُ شَرِكَةً
عَلَى مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَعَمَلِ الْمُضَارِبِ وَلَا مَالَ هُنَا، فَلَوْ جَوَّزْنَاهُ أدّى إِلَى قلب الْمَوْضُوع اهـ.

قَوْله: (بِدفع كل المَال) أَفَادَ بِالدفع أَن الْمضَارب لَا بُد أَن يتسلم المَال أَولا، حَتَّى لَو جعل المَال بضَاعَة قبل أَن يتسلمه لَا يَصح، لَان التَّسْلِيم شَرط فِيهَا اهـ.
مكي.

قَوْله: (تَقْيِيد الْهِدَايَة) الاولى الاتيان بِالْفَاءِ.

قَوْله: (بضَاعَة) الْمُرَادَ بِالْبِضَاعَةِ هُنَا الِاسْتِعَانَةُ لِأَنَّ الْإِبْضَاعَ الْحَقِيقِيَّ هُنَا لَا يَتَأَتَّى لَان الرِّبْح جَمِيعه فِيهِ

(8/447)


لرب المَال وَلَيْسَ الامر هُنَا كَذَلِك.

قَوْله: (لَا مُضَارَبَة) عطف على بضَاعَة الْمُسَلط عَلَيْهِ الْمَنْفِيّ من عَامله، فَالْمَعْنى لَا يَنْتَفِي الْفساد بدفعها مُضَارَبَة بل تفْسد، لَان نفي النَّفْي إِثْبَات وَقد تبع الْمُؤلف، وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ لَوْ دَفَعَهُ مُضَارَبَةً تَفْسُدُ الْأُولَى مَعَ أَن الَّذِي يفْسد هُوَ الثَّانِيَةُ لَا الْأُولَى كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَتَقْيِيدُهُ بِالْبِضَاعَةِ اتِّفَاقِيٌّ، لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْمَالَ إلَى رَبِّ الْمَالِ مُضَارَبَةً لَا تبطل الاولى بل الثَّانِيَة، لَان الْمُضَاربَة بِهِ تَنْعَقِدُ شَرِكَةً عَلَى مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَعَمَلِ الْمضَارب وَلَا مَال هُنَا، فَلَو حوزناه يُؤَدِّي إلَى قَلْبِ الْمَوْضُوعِ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ بَقِيَ عَمَلُ رَبِّ الْمَالِ بِأَمْرِ الْمُضَارِبِ فَلَا تبطل الاولى كَمَا تقدم عَن الْهِدَايَةِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهَا بِضَاعَةٌ وَإِنْ سُمِّيَتْ مُضَارَبَةً لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِضَاعَةِ هُنَا الِاسْتِعَانَةُ، لِأَنَّ الْإِبْضَاعَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَتَأَتَّى هُنَا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لِلْمُبْضِعِ وَالْعَمَلُ مِنْ الْآخَرِ وَلَا رِبْحَ لِلْعَامِلِ، وَفُهِمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ جَوَازُ الابضاع كالاجنبي بالاولى، وَمَا وَقع فِي الدُّرَر من أَنه لَا تبطل بِالدفع إِلَى الْمَالِك بضَاعَة أَو مُضَارَبَة فَإِنَّهُ مَحْمُول على مَا ذكرنَا من عدم صِحَة الْمُضَاربَة الثَّانِيَة وإبقاء الاولى.

قَوْله: (لما مر) أَي من أَن الشئ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَخَذَهُ) مُحْتَرَزُ قَوْله يدْفع.

قَوْله: (أَي الْمَالِك الخ) قَالَ فِي الْمَبْسُوط: وَالْحَاصِل أَن كل تصرف صَار مُسْتَحقّا للْمُضَارب على وَجه لَا يملك رب المَال مَنعه فَرب المَال فِي ذَلِك يكون معينا لَهُ سَوَاء بَاشرهُ بأَمْره أَو بِغَيْر أمره وكل تصرف يتَمَكَّن رب المَال أَن يمْنَع الْمضَارب مِنْهُ فَرب المَال فِي ذَلِك التَّصَرُّف عَامل لنَفسِهِ إِلَّا أَن يكون بِأَمْر الْمضَارب فَحِينَئِذٍ يكون معينا لَهُ.
اهـ.
منح.
قَالَ الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَته عَلَيْهَا: قَوْله وَإِن صَار عرضا الخ، أَقُول: اسْتُفِيدَ من ذَلِك جَوَاز بيع المَال عرُوض الْمُضَاربَة وَهِي وَاقعَة الْفَتْوَى.
اهـ.
قلت: وينطق بِهِ الْحَاصِل الَّذِي ذكره صَاحب الْمنح لَان هَذَا التَّصَرُّف صَار مُسْتَحقّا للْمُضَارب على وَجه لَا يملك رب المَال مَنعه، فَرب المَال معينا لَهُ بَاشرهُ بأَمْره أَو بِغَيْر أمره، فَإِن بَاشرهُ حَتَّى صَار نَقْدا كَانَ تصرفه بعد ذَلِك لنَفسِهِ، ولتكن على ذكر مِمَّا تقدم أَن النَّقْد إِذا لم يكن من جنس رَأس مَال الْمُضَاربَة يملك الْمضَارب تبديله من جنس رأ س مَال الْمُضَاربَة، فَلَو بدله الْمَالِك كَانَ معينا للْمُضَارب وَلَو بِغَيْر أمره.
أما لَو اشْترى الْمَالِك بِنَقْد لَيْسَ من جنس رَأس مَال الْمُضَاربَة هَل يكون ذَلِك للمضاربة أم لنَفسِهِ.
يحرر.

قَوْله: (ثمَّ إِن بَاعَ بِعرْض) أَي مَا صَار عرضا.

قَوْله: (وَإِن بِنَقْد بطلت) قَالَ فِي الْمنح: فَلَو بَاعَ الْعُرُوضَ بِنَقْدٍ ثُمَّ اشْتَرَى عُرُوضًا كَانَ لِلْمُضَارِبِ حِصَّتُهُ مِنْ رِبْحِ الْعُرُوضِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَ الْعُرُوضَ وَصَارَ الْمَالُ نَقْدًا فِي يَدِهِ كَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْمُضَارَبَةِ فَشِرَاؤُهُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِنَفْسِهِ، فَلَوْ بَاعَ الْعرُوض بعروض مِثْلِهَا أَوْ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ وَرَبِحَ كَانَ بَينهمَا على مَا شرطا، لَان رب المَال لَا يتَمَكَّن من نقض الْمُضَاربَة مَا دَامَ المَال عرُوضا اهـ.
وَنَقله ط عَن حَاشِيَة الْمَكِّيّ.

قَوْله: (لما مر) من أَنه عَامل لنَفسِهِ.

قَوْله: (وَإِذا سَافر) أطلق السّفر، فَشَمَلَ السّفر للتِّجَارَة ولطلب الدُّيُون فَيرجع بِمَا أنْفق بِطَلَبِهِ، إِلَّا إِذا زَاد على الدّين فَلَا يرجع بِالزِّيَادَةِ، كَمَا صرح بِهِ فِي الْمُحِيط، وَأطلق عمله فِي الْمصر فَشَمَلَ عمله للتِّجَارَة ولاقتضاء الدُّيُون، وَلَا رُجُوع لَهُ فِي مَاله فِيمَا أنفقهُ فِي الْخُصُومَة كَمَا فِي الْمُحِيط.

(8/448)


كَذَا فِي الْبَحْر.
قَوْلُهُ: وَلَوْ يَوْمًا لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي وُجُوبِ النَّفَقَة حبس نَفسه لاجلها، فَعلم أَن المُرَاد من السّفر هُنَا أَن لَا يُمكنهُ أَن يبيت فِي منزله، وَإِن خرج من الْمصر وَأمكنهُ أَن يعود إِلَيْهِ فِي لَيْلَة فَهُوَ فِي الْمصر لَا نَفَقَة لَهُ.
منح.
ثمَّ نقل عَن السِّرَاجِيَّة: وَإِذا خرج بنية السّفر قل أَو كثر فنفقته فِي مَال الْمُضَاربَة، إِلَّا إِذا كَانَ يَغْدُو إِلَى بعض نواحي الْمصر اهـ.

قَوْله: (فطعامه) وَلَو فَاكِهَة.
حموي.
أَي مُعْتَادَة وَاللَّحم كَمَا كَانَ يَأْكُل، كَذَا وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف: وَإِنَّمَا لَا تلْزم نَفَقَة غلْمَان الْمَالِك لَان نَفَقَتهم كَنَفَقَة نَفسه، وَهُوَ لَو سَافر مَعَه ليعينه على الْعَمَل فِي مَال الْمُضَاربَة لم يسْتَوْجب نَفَقَة فِي مَال الْمُضَاربَة بِهَذَا السَّبَب، فَكَذَا نَفَقَة غلمانه ودوابه، بِخِلَاف غلْمَان الْمضَارب ودوابه اهـ.
مَبْسُوط ط.

قَوْله: (وركوبه) أَي فِي الطَّرِيق.
شمني.
وَكَذَا فرش نَومه.
ملتقى وبحر عَن الْمُحِيط.

قَوْله: (بِفَتْح الرَّاء) وَيجوز أَن يكون بِالضَّمِّ على أَنه مصدر أُرِيد بِهِ اسْم الْمَفْعُول وَهُوَ الْجَارِي على الالسنة مكي عَن الشلبي، وَكَذَا أُجْرَة خادمه وعلف دَابَّته.
وَأما نَفَقَة عبيد الْمَالِك ودوابه لَو سَافر بهم الْمضَارب فعلى الْمَالِك لَا فِي مَال الْمُضَاربَة، وَلَو أنْفق عَلَيْهِم الْمَالِك نَفسه من الْمُضَاربَة كَانَ استردادا لرأس المَال لَا من الرِّبْح اهـ.
ط عَن الْحَمَوِيّ.

قَوْله: (وَلَو بكرَاء) هَذَا يُفِيد أَن لَهُ أَن يَشْتَرِي دَابَّة للرُّكُوب، فَإِن لم يشتر واكترى لزمَه الْكِرَاء فَلَو قَالَ أَو كراؤه كَانَ أوضح ط.

قَوْله: (وَكَانَ مَا يَحْتَاجهُ عَادَة) قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَمن مُؤْنَته الْوَاجِبَة فِيهِ غسل ثِيَابه وَأُجْرَة من يَخْدمه والدهن فِي مَوضِع يحْتَاج إِلَيْهِ كالحجاز وَأُجْرَة الْحمام والحلاق وقص الشَّارِب كل ذَلِك من مَال الْمُضَاربَة، لَان الْعَادة جرت بهَا، ولان نظافة الْبدن وَالثيَاب يُوجب كَثْرَة من يعامله، لَان صَاحب الْوَسخ يعدونه النَّاس من المفاليس فيجتنبون مُعَامَلَته فيطلق لَهُ كل ذَلِك بِالْمَعْرُوفِ، حَتَّى إِذا زَاد يضمن، وَلَو رَجَعَ إِلَى بَلَده وَفِي يَده شئ من النَّفَقَة رده إِلَى مَال الْمُضَاربَة كالحاج عَن الْغَيْر إِذا بَقِي شئ فِي يَده رده على المحجوج عَنهُ أَو على الْوَرَثَة وكالغازي إِذا خرج من دَار الْحَرْب يرد إِلَى الْغَنِيمَة مَا مَعَه من النَّفَقَة، وكالامة إِذا بوأها الْمولى منزلا مَعَ الزَّوْج ثمَّ أخرجهَا إِلَى الْخدمَة وَقد بَقِي شئ من النَّفَقَة فِي يَدهَا استردها الْمولى.
وَعَن الْحسن عَن أبي حنيفَة أَن الدَّوَاء أَيْضا يكون فِي مَال الْمُضَاربَة لانه لَا إصْلَاح دونه وتمكنه من الْعَمَل وَصَارَ كَالنَّفَقَةِ.
وَجه الظَّاهِر أَن النَّفَقَة مَعْلُوم وُقُوعهَا وَالْحَاجة إِلَى الدَّوَاء من الْعَوَارِض فَكَانَ موهوما فَلَا يجب كَمَا فِي حق الْمَرْأَة.
وَفِي النِّهَايَة: الشَّرِيك إِذا سَافر بِمَال الشّركَة فنفقته فِي ذَلِك المَال، رُوِيَ ذَلِك عَن مُحَمَّد.
قَالَ فِي التاترخانية نقلا عَن الْخَانِية: قَالَ مُحَمَّد: هَذَا اسْتِحْسَان اهـ: أَيْ وُجُوبُ نَفَقَتِهِ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ، وَحَيْثُ علمت أَنه اسْتِحْسَان فَالْعَمَلُ عَلَيْهِ لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا.
ذكره الْخَيْر الرَّمْلِيّ.
وَذكر فِي الْكَافِي بَعْدَمَا ذكر وجوب النَّفَقَة للْمُضَارب فَقَالَ: بِخِلَاف الشَّرِيك لانه لم يجر التعارف أَن الشَّرِيك الْعَالم ينْفق عَن نَفسه من مَال الشَّرِيك الآخر اهـ.
قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة نقلا عَن الْبَزَّازِيَّة: وَكَذَا لَهُ الخضاب وَأكل الْفَاكِهَة كعادة التُّجَّار اهـ.

قَوْله: (بِالْمَعْرُوفِ) فَإِن جَاوز الْمَعْرُوف ضمن الْفضل كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْله: (فِي مَالهَا) سَوَاء كَانَ المَال قَلِيلا أَو كثيرا.
حموي.
لَان
النَّفَقَة تجب جَزَاء الاحتباس كَنَفَقَة القَاضِي وَالْمَرْأَة وَالْمُضَارب فِي الْمصر سَاكن بالسكن الاصلي، وَإِذا سَافر صَار مَحْبُوسًا بالمضاربة فَيسْتَحق النَّفَقَة قيد بالمضارب لَان الاجير وَالْوَكِيل والمستبضع لَا نَفَقَة لَهُم

(8/449)


مُطلقًا، لَان الاجير يسْتَحق الْبَدَل لَا محَالة وَالْوَكِيل والمستبضع متبرعان، وَكَذَا الشَّرِيك إِذا سَافر بِمَال الشّركَة لَا نَفَقَة لَهُ ظَاهر الرِّوَايَة، وَفِي الِاسْتِحْسَان: لَهُ النَّفَقَة كَمَا علمت، وَسَيَأْتِي.

قَوْله: (لَا فَاسِدَة) كَنَفَقَة الْمضَارب فِيهَا من مَال نَفسه.
منح.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَجِيرٌ) أَيْ فِي الْفَاسِدَةِ.

قَوْلُهُ: (كمستبضع ووكيل) فهما متبرعان.
وَفِي الاتقاني: لَا نَفَقَة للمستبضع فِي مَال البضاعة لانه مُتَطَوّع فِيهَا إِلَّا أَن يكون أذن لَهُ فِيهَا اهـ.

قَوْله: (وَفِي الاخير خلاف) قَالَ فِي الْمنح: وَكَذَا الشَّرِيك إِذا سَافر بِمَال الشّركَة لَا نَفَقَة لَهُ لانه لم يجز التعارف بِهِ.
ذكره النَّسَفِيّ فِي كافيه.
وَصرح فِي النِّهَايَة بِوُجُوبِهَا فِي مَال الشّركَة اهـ.
وَكَأَنَّهُ حبس نَفسه للمالين فَتكون النَّفَقَة على قدرهما، وَقدمنَا قَرِيبا أَن الْوُجُوب اسْتِحْسَان وَأَن الْعَمَل عَلَيْهِ هُنَا.
لَكِن فِي ابْن ملك مَا يُفِيد أَن الْمُعْتَمد عدم الْوُجُوب فَإِنَّهُ نقل الْوُجُوب رِوَايَة عَن مُحَمَّد فَقَط.
فَالْحَاصِل: أَن الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى الْوُجُوب لَا سِيمَا وَقد أفتى بِهِ فِي الحامدية وَأقرهُ سَيِّدي المرحوم الْوَالِد فِي تنقيحه على أَن الْعرف الْآن عَلَيْهِ فاغتنمه.

قَوْله: (وَإِن عمل فِي الْمصر الخ) لانه لم يحبس نَفسه لاجل الْمُضَاربَة بل هُوَ سَاكن بالسكن الاصلي كَمَا قدمْنَاهُ قَرِيبا.

قَوْله: (كدوائه على الظَّاهِر) أَي ظَاهر الرِّوَايَة: يَعْنِي إِذا مرض كَانَ دواؤه من مَاله مُطلقًا: أَي فِي السّفر والحضر، لانه قد يمرض وَقد لَا يمرض فَلَا يكون من جملَة النَّفَقَة برهَان وَغَيره.
وَعَن أبي حنيفَة أَن الدَّوَاء فِي مَال الْمُضَاربَة لانه لاصلاح بدن، وَكَذَلِكَ النورة والدهن فِي قَوْلهمَا خلافًا لمُحَمد فِي الدّهن.
وَفِي سري الدّين عَن الْمَبْسُوط: الْحجامَة والكحل كالدواء اهـ.

قَوْله: (فَلهُ النَّفَقَة) فَلَوْ أَخَذَ مَالًا بِالْكُوفَةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَكَانَ قَدِمَ الْكُوفَةَ مُسَافِرًا فَلَا نَفَقَةَ فِي الْمَالِ مَا دَامَ فِي الْكُوفَةِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا مُسَافِرًا فَلَهُ النَّفَقَةُ حَتَّى يَأْتِيَ الْبَصْرَة لانه خُرُوج لِأَجْلِ الْمَالِ، وَلَا يُنْفِقُ مِنْ الْمَالِ مَا دَامَ بِالْبَصْرَةِ، لِأَنَّ الْبَصْرَةَ وَطَنٌ أَصْلِيٌّ لَهُ فَكَانَتْ إقَامَتُهُ فِيهِ لِأَجْلِ الْوَطَنِ لَا لِأَجْلِ الْمَالِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْبَصْرَةِ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ الْمَالِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ
الْكُوفَةَ، لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ الْبَصْرَةِ لِأَجْلِ الْمَالِ، وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ أَيْضًا مَا أَقَامَ بِالْكُوفَةِ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْبَصْرَةِ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ كَانَ وَطن إِقَامَة وَأَنه يُبطلهُ بِالسَّفرِ الخ.

قَوْله: (مَا لم يَأْخُذ مَالا) هَذِه الْعبارَة تفِيد أَنه إِذا أَخذ مَالا غير مَال الْمُضَاربَة بِأَن تَركه فِي بَلَده وسافر بِمَال آخر وَأقَام بِالْكُوفَةِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَة لَهُ بِدَلِيل الْمُقَابلَة وَالتَّعْلِيل، وَلَيْسَ الامر كَذَلِك، وَكَأَنَّهُ فهم ذَلِك من قَوْله الْمنح: فَلَوْ أَخَذَ مَالًا بِالْكُوفَةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَكَانَ قَدِمَ الْكُوفَةَ مُسَافِرًا فَلَا نَفَقَةَ لَهُ.
اهـ.
وَالْمَقْصُود من هَذِه الْعبارَة هُوَ مَا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمِصْرٍ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ دَارًا فَلَهُ النَّفَقَةُ، إلَّا إذَا كَانَ قَدْ أَخَذَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مَا دَامَ فِيهِ، وَيدل لَهُ مَا فِي الْمَبْسُوط: وَلَو دفع المَال إِلَيْهِ مُضَارَبَة وهما بِالْكُوفَةِ وَلَيْسَت الْكُوفَة بوطن للْمُضَارب لم ينْفق على نَفسه من المَال مَا دَامَ بِالْكُوفَةِ، لَان إِقَامَته فِيهَا لَيست للمضاربة فَلَا يسْتَوْجب النَّفَقَة مَا لم يخرج مِنْهَا، فَإِن خرج مِنْهَا إِلَى وَطنه ثمَّ عَاد إِلَيْهَا فِي تِجَارَة أنْفق فِي الْكُوفَة من مَال الْمُضَاربَة، لَان وَطنه بهَا كَانَ مستعارا وَقد انْتقض بِالسَّفرِ فرجوعه بعد ذَلِك إِلَى الْكُوفَة وذهابه إِلَى مصر آخر سَوَاء.
مكي.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَلَوْ أَخَذَ مَالًا بِالْكُوفَةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَكَانَ قَدِمَ الْكُوفَةَ مُسَافِرًا فَلَا نَفَقَةَ لَهُ

(8/450)


فِي المَال مَا دَامَ بِالْكُوفَةِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا مُسَافِرًا فَلَهُ النَّفَقَةُ حَتَّى يَأْتِيَ الْبَصْرَةَ لِأَنَّ خُرُوجُهُ لِأَجْلِ الْمَالِ وَلَا يُنْفِقُ مِنْ الْمَالِ مَا دَامَ بِالْبَصْرَةِ، لِأَنَّ الْبَصْرَة وَطن أُصَلِّي لَهُ فَكَانَ إقَامَتُهُ فِيهِ لِأَجْلِ الْوَطَنِ لَا لِأَجْلِ الْمَالِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْبَصْرَةِ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ الْمَالِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ الْكُوفَةَ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ الْبَصْرَةِ لِأَجْلِ الْمَالِ وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ أَيْضًا مَا أَقَامَ بِالْكُوفَةِ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْبَصْرَةِ، لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ كَانَ وَطَنَ إقَامَةٍ وَأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالسَّفَرِ، فَإِذَا عَادَ إلَيْهَا وَلَيْسَ لَهُ بهَا وَطن فَكَأَن إقَامَتُهُ فِيهَا لِأَجْلِ الْمَالِ.
كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ وَالْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ اهـ وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنه لَو كَانَ لَهُ وَطن فِي الْكُوفَة أَيْضًا لَيْسَ لَهُ الْإِنْفَاقُ إلَّا فِي الطَّرِيقِ، وَرَأَيْت التَّصْرِيح بِهِ فِي التاترخانية من الْخَامِس.
وَالْحَاصِل: أَنه إِذا أَخَذَ مَالًا بِالْكُوفَةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَكَانَ قدم الْكُوفَة مُسَافِرًا قبل ذَلِك فَلَا نَفَقَة لَهُ مَا دَامَ بهَا حَتَّى يرتحل عَنْهَا، وَعَلِيهِ فَلَا يخفى مِمَّا فِي كَلَام الشَّارِح من الايجاز الملحق بالالغاز.
أَقُول: وَحقّ الْعبارَة هَكَذَا: مَا لم يَأْخُذ مَالهَا فِيهِ لانه لم يحبس بِهِ، ويفيد بمفهومه أَنه إِذا احْتبسَ بِأَن سَافر من الْبَلدة الَّتِي أَخذ المَال فِيهَا ثمَّ عَاد بِالْمَالِ إِلَيْهَا كَانَ لَهُ النَّفَقَة لانه احْتبسَ بِهِ حِينَئِذٍ.

قَوْلُهُ: (أَوْ خَلَطَ إلَخْ) أَوْ بِعُرْفٍ شَائِعٍ كَمَا قدمنَا أَنه لَا يضمن بِهِ.

قَوْله: (بِإِذن) أَي تصير شَرِكَةَ مِلْكٍ فَلَا تُنَافِي الْمُضَارَبَةَ وَنَظِيرُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا نِصْفُهَا قَرْضٌ وَنِصْفُهَا مُضَارَبَةٌ صَحَّ وَلِكُلِّ نِصْفٍ حُكْمُ نَفْسِهِ اهـ.
مَعَ أَن المَال مشترط شَرِكَةَ مِلْكٍ فَلَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارَبَةَ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ نَفَقَةٌ، فَافْهَمْ.

قَوْله: (أَو بمالين لِرجلَيْنِ) هَذَا مَخْصُوص بِأَن لَا يكون المَال الآخر بضَاعَة.
قَالَ فِي الْمُحِيط البرهاني: وَلَو كَانَ أَحدهمَا بضَاعَة فنفقته فِي الْمُضَارَبَةِ، إلَّا أَنْ يَتَفَرَّغَ لِلْعَمَلِ فِي الْبِضَاعَةِ فَفِي مَاله إِلَّا أَن يَأْذَن لَهُ المستبضع بِالنَّفَقَةِ مِنْهَا لانه مُتَبَرّع.
تاترخانية فِي الْخَامِس عشر فِيهَا من الْعَتَّابِيَّةِ: وَلَوْ رَجَعَ الْمُضَارِبُ مِنْ سَفَرِهِ بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ الْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى الرَّقِيقِ، وَكَذَا بَعْدَ النَّهْيِ، وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ يَنْهَاهُ وَقَدْ صَارَ الْمَالُ نَقْدًا لَمْ يُنْفِقْ فِي رُجُوعِهِ اهـ.

قَوْله: (رد مَا بَقِي) أَي لَو ميز مَالا للنَّفَقَة فأنفق بعضه وَبَقِي مِنْهُ شئ حِين قدم مصره رد مَا بَقِي إِلَى الْمُضَاربَة لَان الِاسْتِحْقَاق أَمر يَنْتَهِي بانتهاء السّفر.
رَحْمَتي عَن ابْن ملك.
وَالظَّاهِر أَنه يرد مَا زَاد عَنهُ مِمَّا اشْتَرَاهُ للنَّفَقَة من كسْوَة وَطَعَام عِنْد انْتِهَاء السّفر.

قَوْله: (وَلَو أنْفق من مَاله) أَو اسْتَدَانَ على الْمُضَاربَة للنَّفَقَة.
بَحر.
وَهَذَا يُفِيد أَن قَوْلهم لَا يملك الِاسْتِدَانَة مُقَيّد بِغَيْر النَّفَقَة.

قَوْله: (لَهُ ذَلِك) وَكَذَا لَو اسْتَدَانَ على الْمُضَاربَة للنَّفَقَة، لَان التَّدْبِير فِي الانفاق إِلَيْهِ كالوصي إِذا أنْفق من مَال نَفسه على الصَّغِير اهـ.

قَوْله: (وَلَو هلك) أَي مَال الْمُضَاربَة قبل أَن يرجع.

قَوْله: (لم يرجع على الْمَالِك) لفَوَات مَحل النَّفَقَة.
بَحر.

قَوْله: (وَيَأْخُذ الخ) أَي أَن الْمَالِك يَأْخُذ المَال الَّذِي أنفقهُ الْمضَارب من رَأس المَال من المَال الَّذِي جَاءَ بِهِ الْمضَارب، فَإِذا استوفى رب المَال رَأس مَاله الَّذِي دَفعه إِلَى الْمضَارب بِمَا اشْترى بِهِ البضاعة وَمَا أنفقهُ وَفضل شئ اقتسماه، وَإِن لم يظْهر ربح فَلَا شئ على الْمضَارب عوضا عَمَّا أنفقهُ على نَفسه.

قَوْله: (من رَأس المَال) مُتَعَلق بأنفق.

(8/451)


قَالَ فِي الْبَحْر: وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن الْمضَارب لَهُ أَن ينْفق على نَفسه من مَال الْمُضَاربَة قبل الرِّبْح اهـ.
قيد بِالنَّفَقَةِ لانه لَو كَانَ فِي المَال دين غَيرهَا قدم إيفاؤه على رَأس المَال كَمَا فِي الْمنح.
وَفِي الْبَحْر أَيْضا: وَأطلق الْمضَارب ليُفِيد أَنه لَا فرق بَين الْمضَارب ومضاربه إِذا كَانَ أذن لَهُ فِي الْمُضَاربَة وَإِلَّا فَلَا نَفَقَة للثَّانِي.

قَوْله: (إِن كَانَ ثمَّة ربح) الاوضح أَن يَقُول: من الرِّبْح إِن كَانَ ثمَّة ربح.

قَوْله: (وَإِن لم يظْهر ربح فَلَا شئ عَلَيْهِ) أَي على الْمضَارب عوضا عَمَّا أنفقهُ على نَفسه.
وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ لَهُ أَلْفًا مَثَلًا فَأَنْفَقَ الْمُضَارِبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مِائَةً وَرَبِحَ مِائَةً يَأْخُذُ الْمَالِكُ الْمِائَةَ الرِّبْحَ بَدَلَ الْمِائَةِ الَّتِي أَنْفَقَهَا الْمُضَارِبُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَالِكُ جَمِيعَ رَأْسِ مَالِهِ، فَلَوْ كَانَ الرِّبْحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِائَتَيْنِ يَأْخُذُ مِائَةً بَدَلَ النَّفَقَةِ وَيَقْتَسِمَانِ الْمِائَة الثَّانِيَة بَينهمَا على مَا شرطاه فَتكون النَّفَقَة مصروفة إِلَى الرِّبْح وَلَا تكون مصروفة رَأس المَال، لَان رَأس المَال أصل وَالرِّبْح تبع فَلَا يسلم لَهما التبع حَتَّى يسلم لرب المَال الاصل.
عَيْني.

قَوْله: (حسب مَا أنْفق الخ) وَفِي الْكَافِي: شرى بِالْمَالِ ثيابًا وَهُوَ ألف واستقرض مائَة للْحَمْل رابح بِأَلف وَمِائَة عِنْد الامام وَعِنْدَهُمَا على مائَة فَقَط، وَلَو بَاعهَا بِأَلفَيْنِ قسم على أحد عشر جُزْءا سهم لَهُ وَالْعشرَة للمضاربة.

قَوْلُهُ: (مِنْ الْحُمْلَانِ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَالْحُمْلَانُ بِالضَّمِّ الْحِمْلُ مَصْدَرُ حَمَلَهُ، وَالْحُمْلَانُ أَيْضًا أَجْرُ مَا يُحْمَلُ اهـ.
وَهُوَ الْمُرَادُ ط.

قَوْله: (وَأُجْرَة السمسار) هُوَ تكْرَار مَعَ مَا تقدم فِي الْمَتْن.

قَوْله: (وَكَذَا يَضُمُّ إلَى رَأْسِ الْمَالِ مَا يُوجِبُ زِيَادَة) لانها بِالزِّيَادَةِ عَن الثّمن صَارَت كَالثّمنِ.
زَيْلَعِيّ وَهُوَ مستغني عَنهُ بِمَا قبله ط.

قَوْله: (حَقِيقَة) كالصبغ والخياطة وَكِسْوَة الْمَبِيع وَغَيره.

قَوْله: (أَو حكما) كالقصارة وَحمل الطَّعَام وسوق الْغنم وَسقي الزَّرْع وَغَيره.

قَوْله: (وَهَذَا هُوَ الاصل نِهَايَة) أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا مر فِي بَاب الْمُرَابَحَة بقوله: وَضَابِطُهُ كُلُّ مَا يَزِيدُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِي قِيمَته يضم، وَاعْتمد الْعَيْنِيّ عَادَة التُّجَّار بِالضَّمِّ، فَإِذا جرت الْعَادة بِضَم ذَلِك يضم.

قَوْله: (على نَفسه) أَي فِي السّفر فِي الاقامة أولى.

قَوْله: (لعدم الزِّيَادَة وَالْعَادَة) لما كَانَ فِي عبارَة الْمنح مَا يشْعر بِأَن بعض النَّفَقَة تكون سبا لزِيَادَة الثّمن لَكِن لم تجر الْعَادة بضَمهَا، وَهَذَا الْبَحْث يتَعَلَّق بِبَاب الْمُرَابَحَة وَقد تقدم تَحْقِيقه، وعَلى كل فَهُوَ تكْرَار مَعَ مَا فِي الْمَتْن، والاولى التَّمْثِيل بِمَا يَأْخُذهُ العشار.

قَوْله: (بزا) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ: الْبَزُّ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ: ثِيَابُ الْكَتَّانِ أَوْ الْقُطْنِ لَا ثِيَابُ
الصُّوفِ أَو الْخَزّ.
منح عَن الْمغرب.
وَقيل هُوَ مَتَاع الْبَيْت.
ذكره مِسْكين.

قَوْله: (أَي ثيابًا) أطلقهُ إِشَارَة إِلَى أَن الحكم غير مُقَيّد بِحَقِيقَة الْبَز الَّتِي هِيَ الْكَتَّان أَو الْقطن أَو مَتَاع الْبَيْت.

قَوْله: (فضاعا) أَي

(8/452)


الالفان هلكا فِي يَده من غير تَقْصِير مِنْهُ برهَان.

قَوْله: (غرم الْمضَارب ربعهما) لَان المَال لما صَار أَلفَيْنِ ظهر الرِّبْح فِي المَال وَهُوَ ألف وَكَانَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ فَيُصِيب الْمضَارب مِنْهُ خَمْسمِائَة، فَإِذا اشْترى بالالفين عبدا صَار مُشْتَركا بَينهمَا فربعه للْمُضَارب وَثَلَاثَة أَرْبَاعه لرب المَال، ثمَّ إِذا ضَاعَ الالفان قبل النَّقْد كَانَ عَلَيْهِمَا ضَمَان العَبْد على قدر ملكهمَا فِي العَبْد، فربعه على الْمضَارب وَهُوَ خَمْسمِائَة وَثَلَاثَة أَرْبَاعه على رب المَال وَهُوَ ألف وَخَمْسمِائة.
منح.
وَهُوَ مُشكل لَان مَال الْمُضَاربَة فِي يَده أَمَانَة وَمَا شراه إِنَّمَا شراه للمضاربة أَلا يرى أَنه بعد اقتسام الرِّبْح قبل فسخ الْمُضَاربَة لَو وَقع خسران يسْتَردّ مِنْهُ الرِّبْح، فَعلمنَا أَن الرِّبْح لم يملكهُ بِمُجَرَّد حُصُوله وَلم يَقع الشِّرَاء لَهُ، فَلْيتَأَمَّل وَجهه.

قَوْله: (وَغرم الْمَالِك الْبَاقِي) وَلَكِنْ الْأَلْفَانِ يَجِبَانِ جَمِيعًا لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُضَارِبِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، لِأَنَّ الْمُضَارِبَ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ.
أَتْقَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (لِكَوْنِهِ مَضْمُونا) عِلّة.
لقَوْله: خَارِجا عَن الْمُضَاربَة أَيْ بَيْنَ الضَّمَانِ الْمَفْهُومِ مِنْ مَضْمُونٍ وَبَيْنَ الامانة.

قَوْله: (وَبَاقِيه لَهَا) لِأَنَّ ضَمَانَ رَبِّ الْمَالِ لَا يُنَافِي الْمُضَاربَة.

قَوْله: (وَلَو بيع العَبْد) أَي وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا.

قَوْله: (فحصتها ثَلَاثَة آلَاف) ثمن ثَلَاثَة أَربَاع العَبْد.
قوبه: (لِأَنَّ رُبْعَهُ) أَيْ رُبْعَ الْعَبْدِ مِلْكٌ لِلْمُضَارِبِ كَمَا تقدم
قَوْلُهُ: (بَيْنَهُمَا) أَيْ وَالْأَلْفُ يَخْتَصُّ بِهَا الْمُضَارِبُ كَمَا مر.

قَوْله: (وَلَوْ شَرَى مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ عَبْدًا) أَيْ قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَالثَّمَنُ وَالْقِيمَةُ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لانه لَو كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ بِأَنْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِأَلْفٍ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفَيْنِ بعد مَا عَمِلَ الْمُضَارِبُ فِي أَلْفِ الْمُضَارَبَةِ وَرَبِحَ فِيهَا ألفا فَإِنَّهُ يَبِيعهُ مُرَابحَة على ألف وَخَمْسمِائة حِصَّة الْمضَارب: أما لَو كَانَ مَال الْمُضَاربَة أَلفَيْنِ فَهِيَ كالمسألة الاولى وَكَذَا إِذا كَانَ فِي قيمَة الْمَبِيع فضل دُونَ الثَّمَنِ بِأَنْ كَانَ الْعَبْدُ يُسَاوِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَاشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَبَاعَهُ مِنْ الْمضَارب بِأَلف يَبِيعهُ الْمضَارب مُرَابحَة عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَكَذَا عَكْسُهُ بِأَنْ شَرَى عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ مِنْهُ بِأَلْفٍ.
فَالْمَسْأَلَةُ رُبَاعِيَّةٌ: قِسْمَانِ لَا يُرَابِحُ فِيهِمَا إلَّا عَلَى مَا اشْترى
رَبُّ الْمَالِ، وَهُمَا إذَا كَانَ لَا فَضْلَ فيهمَا أَو لَا فضل فِي قيمَة الْمَبِيع فَقَط.
وقسمان يرابح عَلَيْهِ وعَلى حِصَّة الْمضَارب، وهما إِذا كَانَ فيهمَا فضل أَو فِي قيمَة الْمَبِيع فَقَط، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ رَبَّ الْمَالِ، فَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبَ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي.
وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ.

قَوْله: (شراه رب المَال بِنصفِهِ) صفة عبد.

قَوْله: (رابح بِنصفِهِ) جَوَاب شراه، أَي فَلَا يجوز أَن يَبِيعهُ مُرَابحَة على ألف لَان بَيْعه من الْمضَارب كَبَيْعِهِ من نَفسه لانه وَكيله فَيكون بيع مَاله بِمَالِه فَيكون كَالْمَعْدُومِ وَهُوَ لَا يجوز.
وَفِي حَاشِيَة الشلبي: لَان عقد الْمُرَابَحَة عقد أَمَانَة فَيجب تنزيهه عَن الْخِيَانَة وَعَن شُبْهَة الْخِيَانَة، وَالْعقد الاول وَقع لرب المَال وَالثَّانِي كَذَلِك، لَان شِرَاء الْمضَارب لَا يخرج عَن ملك رب المَال إِلَّا أَنه صَحَّ العقد لزِيَادَة فَائِدَة وَهِي ثُبُوت الْيَد وَالتَّصَرُّف للْمُضَارب فَبَقيَ شُبْهَة عدم وُقُوع العقد الثَّانِي فبيعه

(8/453)


مُرَابحَة على الثّمن الاول وَذَلِكَ خَمْسمِائَة.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا عَكْسُهُ) وَهُوَ مَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ الْمُضَارِبَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِأَنْ شَرَى رَبُّ الْمَالِ بِأَلْفٍ عَبْدًا شَرَاهُ الْمُضَارِبُ بِنِصْفِهِ وَرَأْسُ المَال ألف فَإِنَّهُ يرابح بِنصفِهِ: أَي يَبِيعهُ مُرَابحَة على خَمْسمِائَة، لَان البيع الْجَارِي بَينهمَا كَالْمَعْدُومِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ كَالثَّمَنِ لَا فَضْلَ فِيهِمَا، وَمِثْلُهُ لَوْ الْفَضْلُ فِي الْقِيمَةِ فَقَطْ.
أَمَّا لَوْ كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ أَوْ فِي الثَّمَنِ فَقَطْ فَإِنَّهُ يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ وَحِصَّة الْمضَارب، وَبِه علم أَنه الْمَسْأَلَةَ رُبَاعِيَّةٌ أَيْضًا.
وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.

قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ عُلِمَ جَوَازُ شِرَاءِ الْمَالِكِ مِنْ الْمُضَارِبِ وَعَكسه) أما شِرَاء الْمَالِك من الْمضَارب مَال الْمُضَاربَة فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ مَال الْمَالِك لكنه لَا يملك التَّصَرُّف فِيهِ بعد صَيْرُورَته عرضا، وَصِحَّة العقد تحْتَمل حُصُول الثَّمَرَة وَقد حصلت بِملكه التَّصَرُّف.
وَأما شِرَاء الْمضَارب من رب المَال فَهُوَ صَحِيح، لَان مَا شراه لَا يملك فِيهِ الْعين وَلَا التَّصَرُّف، وَهُوَ وَإِن شراه للْمَالِك لانه وَكيل عَنهُ، لَكِن فِي شِرَائِهِ فَائِدَة وَهُوَ حُصُول الرِّبْح لَهُ.
وَفِيه فَائِدَة للْمَالِك أَيْضا لانه رُبمَا يعجز عَن بَيْعه بِنَفسِهِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَرَى) أَيْ مَنْ مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ كَمَا قُيِّدَ بِهِ فِي الْكَنْزِ.

قَوْلُهُ: (لِخُرُوجِهِ عَن الْمُضَاربَة بِالْفِدَاءِ) لَان الْفِدَاء مُؤنَة الْملك فيتقدر بِقَدرِهِ، فَإِذا فدياه خرج العَبْد كُله عَن الْمُضَاربَة.
أما نصيب الْمضَارب فَإِنَّهُ صَار مَضْمُونا عَلَيْهِ.
وَأما نصيب رب المَال فبقضاء القَاضِي بانقسام الْفِدَاء عَلَيْهِمَا، لَان قَضَاءَهُ بِالْفِدَاءِ يتَضَمَّن قسْمَة العَبْد بَينهمَا
لَان الْخطاب بِالْفِدَاءِ يُوجب سَلامَة المفدي وَلَا سَلامَة إِلَّا بِالْقِسْمَةِ.
زَيْلَعِيّ.
قَالَ فِي الْبَحْر: لَان الْفِدَاء مُؤنَة الْملك وَقد كَانَ الْملك بَينهمَا أَربَاعًا لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ الْمَالُ عَيْنًا وَاحِدًا ظَهَرَ الرِّبْحُ وَهُوَ أَلْفٌ بَيْنَهُمَا وَأَلْفٌ لِرَبِّ الْمَالِ، فَإِذَا فَدَيَاهُ خَرَجَ عَنْ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمُضَارِبِ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَنَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ صَارَ لَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِالْفِدَاءِ عَلَيْهِمَا، وَإِذَا خَرَجَ عَنْهَا بِالدَّفْعِ أَوْ بِالْفِدَاءِ غَرِمَا عَلَى قدر ملكهمَا.
اهـ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ حَيْثُ لَا يخرج هُنَاكَ مَا خَصَّ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْمُضَارَبَةِ، وَهُنَا يخرج لَان الْوَاجِب هُنَا ضَمَانُ التِّجَارَةِ وَهُوَ لَا يُنَافِي الْمُضَارَبَةَ، وَهُنَا ضَمَانُ الْجِنَايَةِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ فِي شئ فَلَا يَبْقَى عَلَى الْمُضَارَبَةِ.
كِفَايَةٌ.

قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا مِنْ أَنَّ ضَمَانَ الْمُضَارِبِ يُنَافِي الْمُضَاربَة.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ اخْتَارَ الْمَالِكُ الدَّفْعَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: قُيِّدَ بِقَوْلِهِ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا فَتَدْبِيرُ الْجِنَايَةِ إلَى رَبِّ الْمَالِ، لِأَنَّ الرَّقَبَةَ عَلَى مِلْكِهِ لَا مِلْكَ لِلْمُضَارِبِ فِيهَا، فَإِنْ اخْتَارَ رَبُّ الْمَالِ الدَّفْعَ وَالْمُضَارِبُ الْفِدَاءَ مَعَ ذَلِكَ فَلَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَسْتَبْقِي بِالْفِدَاءِ مَالَ الْمُضَارَبَةِ وَلَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الرِّبْحَ يُتَوَهَّمُ.
كَذَا فِي الْإِيضَاحِ اهـ.
وَنَحْوُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
وَلَا يَخْفَى أَن الرِّبْح فِي مَسْأَلَة المُصَنّف مُحَقَّقٌ، بِخِلَافِ هَذِهِ فَقَدْ عَلَّلَ لِغَيْرِ مَذْكُورٍ، عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْخِيَارِ لِكَوْنِ الْعَبْدِ مُشْتَرَكًا، يدل عَلَيْهِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَيَكُونُ الْخِيَارُ لَهُمَا جَمِيعًا إِن شَاءَ فديا وَإِن شَاءَ دفعا، فَتَأمل.
اهـ.

(8/454)


أَقُول: لَكِن صدر عبارَة الْبَحْر يُنَافِي آخرهَا، وَلَعَلَّهُمَا قَولَانِ: الاول: أَن الْخِيَار لرب المَال لَان العَبْد ملكه وَحده.
وَالثَّانِي: أَن الْخِيَار للمضاربة لتوهم الرِّبْح ولاستبقاء الْمُضَاربَة.
ثمَّ لَا تنَافِي بَين قَوْله هُنَا لاستبقاء الْمُضَاربَة وَقَول الشَّارِح فِيمَا مر أَنه يخرج عَن الْمُضَاربَة بِالْفِدَاءِ لَان مَا مر فِيهِ للْمُضَارب ربح فضمن قدر ربحه من الْفِدَاء وَالضَّمان يُنَافِي الْمُضَاربَة، بِخِلَاف مَا هُنَا.
تَأمل.
وَفِي الْبَحْر قَالَ: ثمَّ اعْلَم أَن العَبْد مُشْتَرك فِي الْمُضَاربَة إِذْ جنى خطأ لَا يدْفع بهَا حَتَّى يحضر
الْمضَارب وَرب المَال، سَوَاء كَانَ الارش مثل قيمَة العَبْد أَو أقل أَو أَكثر، وَكَذَا لَو كَانَت قِيمَته ألفا لَا غير لَا يدْفع إِلَّا بحضرتهما، لَان الْمضَارب لَهُ فِيهِ حق ملك حَتَّى لَيْسَ لرب المَال أَن يَأْخُذهُ ويمنعه من بَيْعه كالمرهون إِذا جنى خطأ لَا يدْفع إِلَّا بِحَضْرَة الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن.
وَالْحَاصِل: أَنه يشْتَرط حَضْرَة رب المَال وَالْمُضَارب للدَّفْع دون الْفِدَاء، إِلَّا إِذا أَبى الْمضَارب الدّفع وَالْفِدَاء وَقِيمَته مثل رَأس المَال فلرب المَال دَفعه لتعنته، فَإِن كَانَ أَحدهمَا غَائِبا وَقِيمَة العَبْد ألف دِرْهَم فَفَدَاهُ الْحَاضِر كَانَ مُتَطَوعا لانه أدّى دين غَيره بِغَيْر أمره وَهُوَ غير مُضْطَر فِيهِ، فَإِنَّهُ لَو أَقَامَ بَيِّنَة على الشّركَة لَا يُطَالب بِحِصَّة صَاحبه لَا بِالدفع وَلَا بِالْفِدَاءِ.
كَذَا فِي النِّهَايَة.
وَذكر قاضيخان أَن الْمضَارب لَيْسَ لَهُ الدّفع وَالْفِدَاء وَحده لانه لَيْسَ من أَحْكَام الْمُضَاربَة، فَلِذَا كَانَ إِلَيْهِمَا.
اهـ.
قَالَ الْمَقْدِسِي: وَلَو اخْتَار الْمضَارب وَحده الدفاع دفع حِصَّته وَالْمَالِك مُخَيّر فِي الْبَاقِي بَين الدّفع وَالْفِدَاء اهـ.

قَوْله: (اشْترى) أَي الْمضَارب.

قَوْله: (ثمَّ وَثمّ) فِيهِ حذف الْمَعْطُوف وَدخُول العاطف على مثله.
حموي.

قَوْله: (وَرَأس المَال جَمِيع مَا دفع) يَعْنِي لَا يكون للْمُضَارب شئ من الرِّبْح حَتَّى يصل رب المَال إِلَى جَمِيع مَا أوصله الْمضَارب على أَنه ثمن.
أما إِذا أَرَادَ الْمضَارب أَن يَبِيعهُ مُرَابحَة لَا يرابح إِلَّا على ألف كَمَا تقدم اهـ شلبي.

قَوْله: (بِخِلَاف الْوَكِيل) إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَدْفُوعًا إلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ، ثمَّ هلك بعد الشِّرَاء فَإِنَّهُ لَا يرجع إِلَّا مرّة لانه أمكن جعله مُسْتَوْفيا لَان الْوكَالَة تجامع الضَّمَان كَالْغَاصِبِ إِذا وكل بِبيع الْمَغْصُوب ثمَّ فِي الْوكَالَة فِي هَذِه الصُّورَة يرجع مرّة.
وَفِيمَا إِذا اشْترى ثمَّ دفع الْمُوكل إِلَيْهِ المَال فَهَلَك بعده لَا يرجع لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ فَجعل مُسْتَوْفيا بِالْقَبْضِ بعده.
أما الْمَدْفُوع إِلَيْهِ قبل الشِّرَاء أَمَانَة فِي يَده وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْأَمَانَةِ بَعْدَهُ فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفيا فَإِذا هلك يرجع عَلَيْهِ مرّة ثمَّ لَا يرجع لوُقُوع الِاسْتِيفَاء.
بَحر.
وَالْحَاصِل: أَن الْوَكِيل إِذا قبض الثّمن بعد الشِّرَاء ثمَّ هلك فَإِنَّهُ لَا يرجع لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ فَجعل مُسْتَوْفيا بِالْقَبْضِ بعده.
وَأما لَو دفع إِلَيْهِ قبل الشِّرَاء فَهَلَك بعد الشِّرَاء يرجع مرّة، لَان الْمَدْفُوع إِلَيْهِ قبل أَمَانَة فِي يَده وَهُوَ قَائِم على الامانة بعده، فَإِذا هلك يرجع عَلَيْهِ مرّة ثمَّ لَا يرجع لوُقُوع الِاسْتِيفَاء.
أَفَادَهُ المُصَنّف.

قَوْله: (لِأَنَّ يَدَهُ ثَانِيًا يَدُ اسْتِيفَاءٍ لَا أَمَانَةٍ) بَيَانُهُ أَنَّ الْمَالَ
فِي يَدِ الْمُضَارِبِ أَمَانَةٌ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ، فَكُلُّ مَا قَبَضَ يكون أَمَانَة وَقبض الْوَكِيل ثَانِيًا اسْتِيفَاء لَان وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ مِثْلُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ للْبَائِع، فَإِذا قَبضه

(8/455)


صَار مُسْتَوْفيا لَهُ فَصَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَيَهْلَكُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ أَصْلًا، لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ فَجُعِلَ مُسْتَوْفِيًا بِالْقَبْضِ بَعْدَهُ، إذْ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ قَبْلَهُ أَمَانَةٌ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْأَمَانَةِ بَعْدَهُ فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا، فَإِذَا هَلَكَ يَرْجِعُ مَرَّةً فَقَطْ لِمَا قُلْنَا.

قَوْله: (مَعَه) أَي الْمضَارب.

قَوْله: (فَالْقَوْل للْمُضَارب) وَقَالَ زفر: القَوْل لرب المَال، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة أَولا، لَان الْمضَارب يَدعِي الرِّبْح وَالشَّرِكَة فِيهِ وَرب المَال يُنكره.
فَالْقَوْل قَول الْمُنكر.
ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ: القَوْل قَول الْمضَارب، وَهُوَ قَوْلهمَا بِأَن حَاصِل اخْتِلَافهمَا فِي الْمَقْبُوض فَالْقَوْل قَول الْقَابِض فِي مِقْدَار الْمَقْبُوض وَلَو ضمنيا اعْتِبَارا بِمَا لَو أنكرهُ أصلا فَإِن القَوْل لَهُ.

قَوْله: (لَان القَوْل فِي مِقْدَار الْمَقْبُوض للقابض) لانه أَحَق بِمَعْرِِفَة مِقْدَار الْمَقْبُوض.

قَوْله: (أَمينا) أَي كَالْمُودعِ.

قَوْله: (أَو ضمنيا) كَالْغَاصِبِ.

قَوْله: (كَمَا لَو أنكرهُ) أَي الْقَبْض أصلا فَالْقَوْل قَوْله.

قَوْله: (وَلَو كَانَ الِاخْتِلَاف مَعَ ذَلِك) أَي مَعَ الِاخْتِلَاف فِي الْمَقْبُوض الِاخْتِلَاف فِي مِقْدَار الرِّبْح، بِأَن قَالَ المَال رب رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَانِ وَشَرَطْتُ لَكَ ثُلُثَ الرِّبْحِ وَقَالَ الْمُضَارِبُ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفٌ وَشَرَطْتَ لِي نصف الرِّبْح كَانَ القَوْل للْمُضَارب فِي قدر رَأس المَال لانه الْقَابِض، وَالْقَوْل لرب المَال فِي مِقْدَار الرِّبْح لانه الْمُنكر للزِّيَادَة، وَهُوَ لَو أنكر اسْتِحْقَاق الرِّبْح عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ بِأَن ادّعى البضاعة قبل مِنْهُ، فَكَذَا فِي إِنْكَاره الزِّيَادَة.
ذكره الزَّيْلَعِيّ.

قَوْلُهُ: (فَقَطْ) لَا فِي رَأْسِ الْمَالِ، بَلْ القَوْل فِيهِ للْمُضَارب لانه الْقَابِض كَمَا علمت.

قَوْله: (لانه يُسْتَفَاد من جِهَته) أَي من جِهَة رب المَال من حَيْثُ إِن الرِّبْح نَمَاء ملكه.

قَوْله: (وَإِن أقاماها الخ) أَي لِأَنَّ بَيِّنَةَ رَبِّ الْمَالِ فِي زِيَادَةِ رَأْسِ المَال أَكثر إِثْبَاتًا، ولان بَيِّنَة الْمُضَارِبِ فِي زِيَادَةِ الرِّبْحِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا وَمِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ ادَّعَى الْمُضَارَبَةَ وَادَّعَى مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ أَنَّهَا عِنَانٌ وَلَهُ فِي الْمَالِ كَذَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى، لِأَنَّهَا أَثَبَتَتْ حِصَّةً من المَال وأثبتت الصّفة.
أَقُول: لَكِن قد يُقَال: إِن كلتا الْبَيِّنَتَيْنِ أَثْبَتَت حِصَّة وَصفَة وتزيد بَيِّنَة رب المَال بِأَنَّهُ خَارج إِلَّا أَن يُقَال: إِن الصّفة الَّتِي أثبتتها بَيِّنَة الْقَابِض أقوى، لَان شركَة الْعَنَان أقوى من الْمُضَاربَة، فَلْيتَأَمَّل.

قَوْله: (فِي الْمِقْدَار) أَي مِقْدَار الْمَقْبُوض.

قَوْله: (لانه لَو كَانَ فِي الصّفة) أَي صفة الدّفع هَل هُوَ مُضَارَبَة أَو بضَاعَة؟ وَقَالَ الْمَالِك بضَاعَة وَلم أجعَل لَك من الرِّبْح شَيْئا، وَقَالَ من فِي يَده المَال مُضَارَبَة وَجعلت لي نصف الرِّبْح فَالْقَوْل لرب المَال، لَان الْعَامِل يَدعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاق أجر على عمله وَهُوَ يُنكر وَالْقَوْل للْمُنكر، وَكَانَ الاولى تَقْدِيم هَذِه الْمَسْأَلَة على الْمَسْأَلَة السَّابِقَة فَيَقُول: قيد بِكَوْنِهِ فِي مِقْدَار الْمَقْبُوض، لانه لَو كَانَ فِي مِقْدَار الرِّبْح أَيْضا أَو فِي الصّفة فَالْقَوْل لرب المَال.
قَالَ الْعَلامَة الرحمتي: وَقَوله لانه لَو كَانَ فِي الصّفة لَيْسَ على إِطْلَاقه، لانه لَو ادّعى الْمَالِك

(8/456)


الْقَرْض والقابض الْمُضَاربَة أَو البضاعة أَو الْوَدِيعَة كَانَ القَوْل للقابض كَمَا سَيَأْتِي متْنا.

قَوْله: (فَقَالَ) أَي الْمضَارب.

قَوْله: (وَقَالَ الْمَالِك) الاولى ذُو الْيَد.

قَوْله: (فَالْقَوْل للْمَالِك) لانه مُنكر، ولان الْمضَارب يَدعِي عَلَيْهِ تَقْوِيم عَمَلِهِ أَوْ شَرْطًا مِنْ جِهَتِهِ أَوْ يَدَّعِي الشّركَة فِي الرِّبْح وَهُوَ يُنكر.
ذكره ابْن الْكَمَال.

قَوْله: (وَلَو قَالَ الْمضَارب) الاولى وَاضع الْيَد لَان الْمَسْأَلَتَيْنِ الاوليين اتفقَا فيهمَا على عدم الْمُضَاربَة.

قَوْله: (هِيَ قرض) أَي وَجَمِيع الرِّبْح لي.

قَوْله: (أَو وَدِيعَة) إِنَّمَا كَانَ القَوْل لَهُ وَإِن كَانَ الرِّبْح لَيْسَ لَهُ مِنْهُ شئ لما ذكره الْمُؤلف من أَنه يَدعِي عَلَيْهِ التَّمْلِيك وَهُوَ يُنكر.

قَوْله: (وَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الْمضَارب) سَوَاء أَقَامَهَا وَحده أَو مَعَ رب المَال، لانها تثبت أمرا زَائِدا وَهُوَ التَّمْلِيك بالقرض.

قَوْله: (لانه يَدعِي عَلَيْهِ التَّمْلِيك) أَي تمْلِيك بعض الرِّبْح فِيمَا إِذا ادّعى الْمُضَاربَة وتمليك عين المَال فِيمَا إِذا ادّعى الْقَرْض، لَان الْمُسْتَقْرض يملكهُ وَلذَا كَانَ ربحه لَهُ.

قَوْله: (لانه يُنكر الضَّمَان) أَي وَرب المَال يَدعِيهِ وَالْقَوْل للْمُنكر، فقد خرجت هَذِه عَن قَاعِدَة الِاخْتِلَاف فِي الْوَصْف لهَذِهِ الْعلَّة لانها أَكثر إِثْبَاتًا لانها تثبت عَلَيْهِ ضَمَان الْبَدَل ط.

قَوْله: (فَبَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ أَوْلَى لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا) لانه يَدعِي عَلَيْهِ الضَّمَان بالقرض، وَهَذَا معنى قَوْله لانها أَكثر إِثْبَاتًا وَهَذَا ظَاهر فِيمَا إِذا ادّعى الْمَالِك الْقَرْض لانها تثبت الضَّمَان على الْمُسْتَقْرض.
أما لَو ادّعى الْقَابِض الْقَرْض فَيَنْبَغِي أَن تكون الْبَيِّنَة لَهُ، لَان بَينته أَكثر إِثْبَاتًا وَهُوَ تملك المَال الْمَقْبُوض،
وَكَذَا لَو ادّعى الْمُضَاربَة لانها تثبت استحقاقا فِي الرِّبْح.
تَأمل.
وَالْحَاصِل: أَن القَوْل لمُدعِي الْمُضَاربَة فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْبَيِّنَة بَيِّنَة مدعي الْقَرْض فيهمَا على مَا ذكر.
وَفِي الْبَدَائِع قَالَ: دفعت لي ألفا مُضَارَبَة فَهَلَكت فَقَالَ الْمقر لَهُ لَا بل غصبتها مني: فَإِن الْهَلَاك قبل التَّصَرُّف فَلَا ضَمَان، وَإِن بعده يضمن: يَعْنِي لَان التَّصَرُّف فِي مَال الْغَيْر سَبَب لوُجُوب الضَّمَان فِي الاصل فَكَانَ دَعْوَى الاذن دَعْوَى الْبَرَاءَة عَن الضَّمَان فَلَا يثبت إِلَّا بِحجَّة.
وَالظَّاهِر أَن هَذَا لَا يجْرِي فِيمَا نَحن فِيهِ لانه أقرّ بِالْقَبْضِ الْمُبِيح للتَّصَرُّف.

قَوْله: (وَأما الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع) هَذَا مُقَابل قَوْله الْمَار: (لانه لَو كَانَ فِي الصّفة) وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يُؤَخر هَذَا إِلَى
قَوْله: (وَلَو ادّعى كل نوعا) لَان الِاخْتِلَاف فِي الْعُمُوم وَالْخُصُوص لَيْسَ من الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع بل من الصّفة فَلَا يتم التَّفْرِيع الْآتِي عَلَيْهِ وَهُوَ
قَوْله: (فَإِن ادّعى الْمضَارب الخ) .
قَالَ فِي الْبَدَائِع: فَإِن اخْتلفَا فِي الْعُمُوم وَالْخُصُوص فَالْقَوْل قَول من يَدعِي الْعُمُوم بِأَن ادّعى أَحدهمَا الْمُضَاربَة فِي جَمِيع التِّجَارَات أَو فِي عُمُوم الامكنة أَو مَعَ عُمُوم الاشخاص، لَان قَول من يَدعِي الْعُمُوم يُوَافق الْمَقْصُود بِالْعقدِ، إِذْ الْمَقْصُود هُوَ الرِّبْح وَهنا الْمَقْصُود بِالْعُمُومِ أوفر، وَكَذَا لَو اخْتلفَا فِي الاطلاق وَالتَّقْيِيد فَالْقَوْل قَول من يَدعِي الاطلاق، حَتَّى لَو قَالَ رب المَال أَذِنت لَك أَن تتجر فِي الْحِنْطَة دون مَا سواهَا، وَقَالَ الْمضَارب مَا سميت لي تِجَارَة بِعَينهَا فَالْقَوْل قَول الْمضَارب مَعَ يَمِينه، لَان الاطلاق أقرب إِلَى الْمَقْصُود بِالْعقدِ على مَا بَينا.

(8/457)


وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد: القَوْل قَول رب المَال فِي الْفَصْلَيْنِ: فَإِن قَامَت لَهما بَيِّنَة فَالْبَيِّنَة بَيِّنَة من يَدعِي الْخُصُوص فِي دَعْوَى الْعُمُوم وَالْخُصُوص وَفِي دَعْوَى الاطلاق وَالتَّقْيِيد بَيِّنَة من يَدعِي التَّقْيِيد لانها تثبت زِيَادَة قيد وَبَيِّنَة الاطلاق ساكتة.
وَلَو اتفقَا على الْخُصُوص لكنهما اخْتلفَا فِي ذَلِك الْخَاص بِأَن قَالَ رب المَال دفعت المَال إِلَيْك مُضَارَبَة فِي الْبر وَقَالَ الْمضَارب فِي الطَّعَام فَالْقَوْل قَول رب المَال اتِّفَاقًا، لانه لَا يُمكن التَّرْجِيح هُنَا بِالْمَقْصُودِ من العقد لِاسْتِوَائِهِمَا فِي ذَلِك فترجع بالاذن، وَأَنه يُسْتَفَاد من رب المَال، فَإِن أَقَامَا الْبَيِّنَة فَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الْمضَارب، لَان بَينته مثبتة وَبَيِّنَة رب المَال نَافِيَة، لانه لَا يحْتَاج
إِلَى الاثبات وَالْمُضَارب يحْتَاج لَهُ لدفع الضَّمَان عَن نَفسه، فَالْبَيِّنَة المثبتة للزِّيَادَة أولى.
كَذَا فِي الْحَوَاشِي الحموية.
قَوْله: فَإِن ادّعى الْمضَارب الْعُمُوم أَي فِي أَنْوَاع التِّجَارَات.

قَوْله: (أَو الاطلاق) بِأَن قَالَ أطلقت لي فِي السّفر برا وبحرا.

قَوْله: (وَادّعى الْمَالِك الْخُصُوص) أَي بِنَوْع من التِّجَارَة.
وَالْمُنَاسِب أَو التَّقْيِيد لتحسن الْمُقَابلَة بِأَن قَالَ قيدت لَك السّفر بِالْبرِّ.

قَوْله: (فَالْقَوْل للْمُضَارب) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُضَارَبَةِ الْعُمُومُ، إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الِاسْتِرْبَاحُ وَالْعُمُومُ وَالْإِطْلَاقُ يُنَاسِبَانِهِ.
وَهَذَا إذَا تَنَازَعَا بَعْدَ تَصَرُّفِ الْمُضَارِبِ، فَلَوْ قَبْلَهُ فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ، كَمَا إذَا ادَّعَى الْمَالِكُ بَعْدَ التَّصَرُّفِ الْعُمُوم وَالْمُضَارب الْخُصُوص فَالْقَوْل للْمَالِك.
در منتقى.
وَمثله فِي الْخَانِية وَغَايَة الْبَيَان والزيلعي وَالْبَحْر وَغَيرهمَا، وَحَكَى ابْنُ وَهْبَانَ فِي نَظْمِهِ قَوْلَيْنِ.
وَفِي مَجْمُوعَةِ الْأَنْقِرْوِيِّ عَنْ مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ: لَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ هُوَ قَرْضٌ وَالْقَابِضُ مُضَارَبَةٌ، فَإِنْ بَعْدَمَا تَصَرَّفَ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا وَالْمُضَارِبُ ضَامِنٌ، وَإِنْ قَبْلَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ: أَيْ الْقَابِضِ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ كَانَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْقَرْضُ لِإِنْكَارِ الْقَابِضِ اهـ.
وَنَقَلَ فِيهَا عَن الذَّخِيرَة من الرَّابِع مِثْلَهُ، وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ الْقَوْلِ لِمَنْ عَنْ غَانِمٍ الْبَغْدَادِيِّ عَنْ الْوَجِيزِ، وَبِمِثْلِهِ أَفْتَى عَلِيٌّ أَفَنْدِي مُفْتِي الْمَمَالِكِ الْعُثْمَانِيَّةِ، وَكَذَا قَالَ فِي فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ: الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ.
وَيُمْكِنُ أَن يُقَال: إِن مَا فِي الْخَانِية وَالْمُصَنّف وَمَا قدمْنَاهُ عَن الدَّار الْمُنْتَقى فِيمَا إذَا كَانَ قَبْلَ التَّصَرُّفِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِ الْحَادِثَةِ وَالْحُكْمِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقِ، كَذَا فِي مَجْمُوعَة منلا عَليّ مُلَخصا.

قَوْله: (وَلَو ادّعى كل نوعا) بِأَن قَالَ أَحدهمَا فِي بز وَقَالَ الْآخَرُ فِي بُرٍّ.

قَوْلُهُ: (فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ) لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْخُصُوصِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ من يُسْتَفَاد من جِهَته الاذن وَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الْمضَارب لِحَاجَتِهِ إِلَى نفي الضَّمَان وَعدم حَاجته إِلَى الْبَيِّنَة.
ذكره الزَّيْلَعِيّ.

قَوْله: (وَالْبَيِّنَة للْمُضَارب فيقيمها على صِحَة تصرفه) يَعْنِي أَنَّ الْبَيِّنَةَ تَكُونُ حِينَئِذٍ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ لَا عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ حَتَّى تَكُونَ على النَّفْي فَلَا تقبل.

قَوْله: (وَلَو وقتت الْبَيِّنَتَانِ) بِأَن قَالَ ر ب المَال أدّيت إلَيْكَ مُضَارَبَةً أَنْ تَعْمَلَ فِي بَزٍّ فِي رَمَضَانَ وَقَالَ الْمُضَارِبُ دَفَعْتَ إلَيَّ لِأَعْمَلَ فِي طَعَامٍ فِي شَوَّالٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ.

قَوْلُهُ: (قُضِيَ بالمتأخرة) لَان آخر الشَّرْطَيْنِ ينْقض الاول.
عناية.

قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يُوَقِّتَا أَوْ وقتت إِحْدَاهمَا دون الاخرى.

قَوْله: (فَبَيِّنَة الْمَالِك) لانه يتَعَذَّر الْقَضَاء بهما مَعًا للاستحالة، وعَلى التَّعَاقُب لعدم الشَّهَادَة على ذَلِك،

(8/458)


وَإِذا تعذر بهما الْقَضَاء فَبَيِّنَة رب المَال أولى لانها تثبت مَا لَيْسَ بِثَابِت.
أَفَادَهُ الاكمل.
وَهَذَا يُنَافِي مَا قدمه من أَن الْبَيِّنَة للْمُضَارب إِذْ هُوَ عِنْد تعَارض الْبَيِّنَتَيْنِ وَإِلَّا فَهِيَ لمن أَقَامَهَا، إِلَّا أَن يحمل على أَن الْبَيِّنَة أَقَامَهَا الْمضَارب فَقَط وَهُوَ بعيد، لانه إِذا انْفَرد كل بِإِقَامَة الْبَيِّنَة قبلت مِنْهُ فَلَا وَجه للتخصيص.
وَحَاصِله: أَنه لم يظْهر وَجه مَا ذكره لَان الْمَفْهُوم من تَصْوِير صَاحب الدُّرَر والعزمية أَنَّهُمَا اتفقَا على الْمُضَاربَة وَاخْتلفَا فِي الْوَقْت وَأَقَامَا بَيِّنَة وأرخت الْبَيِّنَتَانِ يقْضِي بالمتأخرة فَلَا يُقَال: وَإِلَّا لانهما إِذا لم يوقتا لَا حَاجَة إِلَيْهِمَا بعد الِاتِّفَاق على الْمُضَاربَة، إِلَّا أَن يُقَال: إِلَّا أَن الِاخْتِلَاف فِي التَّوْقِيت مَبْنِيّ على الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع، لَكِن الْمَفْهُوم خِلَافه.
قَالَ خير الدّين الرَّمْلِيّ: وَجهه أَن الْمضَارب بقوله مَا سميت لي تِجَارَة بِعَينهَا يَدعِي التَّعْمِيم وَهُوَ أصل فِي الْمُضَاربَة فَالْقَوْل قَول من يَدعِيهِ وَرب المَال بِدَعْوَاهُ النَّوْع ادّعى التَّخْصِيص وَهُوَ خلاف الاصل فِيهَا، وَالْبَيِّنَة للاثبات والاثبات على من خَالف الاصل.
وَأَقُول: على هَذَا الِاخْتِلَاف بَين الْوَكِيل وَالْمُوكل فِي ذَلِك على الْعَكْس.
تَأمل.
قَالَ فِي الْبَحْر فِي الْوكَالَة: أَمرتك بالاتجار فِي الْبر وَادّعى الاطلاق فَالْقَوْل للْمُضَارب لادعائه عُمُومه.
وَعَن الْحسن عَن الامام أَنه لرب المَال، لَان الاذن يُسْتَفَاد مِنْهُ، وَإِن برهنا فَإِن نَص شُهُود الْعَامِل أَنه أعطَاهُ مُضَارَبَة فِي كل تِجَارَة فَهُوَ أولى لاثباته الزِّيَادَة لفظا وَمعنى، وَإِن لم ينصوا على هَذَا الْحَرْف فلرب المَال.
اهـ.

قَوْله: (جَازَ) فَيكون عاقدا من الْجَانِبَيْنِ كَمَا فِي النِّكَاح وَهبة الاب من طِفْله.

قَوْلُهُ: (وَقَيَّدَهُ الطَّرَسُوسِيُّ) أَيْ بَحْثًا مِنْهُ.
وَرَدَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِإِطْلَاقِهِمْ بِرَأْيِهِ مَعَ قيام الدَّلِيل على الاطلاق.
واستطهر ابْنُ الشِّحْنَةِ مَا قَالَهُ الطَّرَسُوسِيُّ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ: أَي وَيكون هَذَا التَّقْيِيد مُرَاد من أطلق ليحصل بِهِ نفي التُّهْمَة، لَكِنْ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الْمُلْتَقَطِ: لَيْسَ لِلْوَصِيِّ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَخْذُ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَة فَهَذَا يُفِيد الْمَنْع مُطلقًا.

قَوْله: (بِأَنْ لَا يَجْعَلَ الْوَصِيُّ لِنَفْسِهِ مِنْ الرِّبْحِ أَكثر مِمَّا يَجْعَل لامثاله) بِأَن كَانَ الْغَيْر يَجْعَل للْيَتِيم النّصْف مِنْهُ فَجعل الْوَصِيّ الثُّلُث لَهُ.

قَوْله: (وَتَمَامه فِي شرح
الْوَهْبَانِيَّة) أَي لِابْنِ الشّحْنَة، لانه إِذا أطلق شرح الْوَهْبَانِيَّة ينْصَرف إِلَيْهِ، كَمَا إِذا أطلق شرح الْكَنْز ينْصَرف للشَّارِح الزَّيْلَعِيّ، وَكَذَا شرح الْوِقَايَة للشَّارِح الشمني، وَشرح الْهِدَايَة لصَاحب فتح الْقَدِير، وَشرح الْقَدُورِيّ للجوهرة كَمَا هُوَ مُقْتَضى كَلَامهم.
وَعبارَة ابْن الشّحْنَة: حَيْثُ قَالَ بعد الَّذِي ذكره الشَّارِح: حَتَّى لَو كَانَ النَّاس يَعْتَقِدُونَ الْمُضَاربَة بِالنِّصْفِ حَتَّى عقدهَا هُوَ لنَفسِهِ فِي مَال الصَّغِير بِالثُّلثِ لَا يجوز لَهُ ذَلِك، وَقَالَ: إِنَّه مَا زَاد ذَلِك إِلَّا دفعا لما توهمه عبارَة الذَّخِيرَة من الْجَوَاز للتَّعْلِيل بالاستنماء وَعدم الِاسْتِحْقَاق فِي مَال الصَّغِير، وَإِنَّمَا هُوَ من الرِّبْح الْحَاصِل بِعَمَل الْمضَارب، وَقَالَ إِنَّه لم يقف على هَذَا التَّقْيِيد فِي كَلَام الاصحاب، وَلكنه يَنْبَغِي أَن يكون كَذَلِك نظرا للصَّبِيّ.
وتعجب المُصَنّف من تَقْيِيده بِمَا أطلقهُ الْمَشَايِخ بِرَأْيهِ مَعَ قيام الدَّلِيل على الاطلاق لانه نفع صرف، ووثوق الْوَصِيّ بِنَفسِهِ لَيْسَ كوثوقه بِغَيْرِهِ، نعم لَو جعله من بَاب الدّيانَة والمروءة لَكَانَ حسنا، لَكِن لَو عقد بِأَقَلّ صَحَّ اهـ.

(8/459)


قلت: الاظهر عِنْدِي مَا قَالَه الطرسوسي، لَان تصرف الْوَصِيّ إِنَّمَا هُوَ بِالْولَايَةِ النظرية وَلَا نظر للصَّبِيّ فِي الْمُضَاربَة فِي مَال بِأَقَلّ مِمَّا يَفْعَله أَمْثَال الْوَصِيّ من الثِّقَات، بل النّظر فِيهِ لجَانب الْوَصِيّ فَإِنَّهُ يحصل لنَفسِهِ ربحا بِهِ يتَعَذَّر حُصُوله بِدُونِ مَال الْيَتِيم مَعَ الحيف على الْيَتِيم وَإِن كَانَ مصلحَة من حَيْثُ إِنَّه يحصل الرِّبْح فِي الْجُمْلَة، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال: يَكْفِي حُصُول الْمصلحَة فِي الْجُمْلَة وَإِن أمكن مَا هُوَ أولى مِنْهَا اهـ.
قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ بعد نقل مَا عَن الطرسوسي: ونازعه المُصَنّف وارتضى الشَّارِح ذَلِك الْقَيْد نظرا للصَّغِير بحثا مِنْهُ انْتهى.
أَقُول: وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ عَن الْمُلْتَقط.

قَوْله: (وفيهَا) أَي الْوَهْبَانِيَّة.

قَوْله: (مَاتَ الْمضَارب الخ) وَكَذَا الْمُودع وَالْمُسْتَعِير وكل من كَانَ المَال فِي يَده أَمَانَة إِذا مَاتَ قبل الْبَيَان وَلَا تعرف الامانة بِعَينهَا فَإِنَّهُ يكون عَلَيْهِ دينا فِي تركته، لانه صَار بالتجهيل مُسْتَهْلكا للوديعة: أَي مثلا وَلَا يصدق ورثته على الْهَلَاك وَالتَّسْلِيم إِلَى رب المَال، وَلَو عين الْمَيِّت فِي حَال الْحَيَاة أَو علم ذَلِك يكون
ذَلِك أَمَانَة فِي يَد وَصِيّه أَو وَارثه كَمَا كَانَ فِي يَده، ويصدقون على الْهَلَاك وَالدَّفْع إِلَى صَاحبه كَمَا يصدق الْمَيِّت حَال حَيَاته انْتهى.
وَسَيَأْتِي تَمَامه فِي الْوَدِيعَة.

قَوْله: (عَاد دينا فِي تركته) أَي لانه صَار بالتجهيل مُسْتَهْلكا كَمَا علمت، وَأَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ قَائِلًا: وَبِهِ أَفْتَى قَارِئ الْهِدَايَة.

قَوْله: (لَكِن صرح فِي مجمع الْفَتَاوَى) نقل فِي الْمنح عَنهُ مَا نَصه: قَالَ الشَّيْخ الامام الاجل: وَكَانَ شَيخنَا يَقُول: الْجَواب فِي زَمَاننَا بِخِلَاف هَذَا، وَلَا ضَمَان على الْمضَارب فِيمَا يعْطى من مَال الْمُضَاربَة لسلطان طمع فِيهِ وَقصد أَخذه بطرِيق الْغَصْب، وَكَذَا الْوَصِيّ إِذا صانع فِي مَال الْيَتِيم لانهما يقصدان الاصلاح بِهَذِهِ المصانعة، فَلَو لم يفعل أَخذ المصانع جَمِيع المَال فَدفع الْبَعْض لاحراز مَا بَقِي من جملَة الْحِفْظ فِي زَمَاننَا، والامين فِيمَا يرجع إِلَى الْحِفْظ لَا يكون ضَامِنا، أما فِي زمانهم فَكَانَت الْقُوَّة لسلاطين الْعدْل.
انْتهى مُخْتَصرا.
وَيُؤْخَذ من هَذَا أَنه إِذا دفع من مَال نَفسه يكون مُتَبَرعا فيضيع عَلَيْهِ مَا دفع إِلَّا إِذا أشهد عِنْد الدّفع أَنه يرجع وَيُحَرر.
قَالَ الرحمتي: لَا يضمن فِي زَمَاننَا لغَلَبَة أهل الظُّلم والرشوة إِذا كَانَت لدفع الضَّرَر عَن نَفسه وَعَن رب المَال كَانَت جَائِزَة للدافع مَأْذُونا فِيهَا عَادَة من الْمَالِك وَإِن حرمت على الْآخِذ انْتهى.

قَوْله: (لانهما يقصدان الاصلاح) أَي فِي هَذِه الرِّشْوَة فَدفع الْبَعْض لاحراز مَا بَقِي من جملَة الْحِفْظ والامين فِيمَا يرجع للْحِفْظ لَا يكون ضَامِنا، منح.

قَوْله: (وسيجئ آخر الْوَدِيعَة) وَنَصه: إِذا هدد وَخَافَ تلف نَفسه أَو عضوه أَو خشِي أَخذ مَاله كُله فَلَا ضَمَان، وَفِيمَا سوى ذَلِك يضمن، فَتَأمل.
وَسَيَأْتِي الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْله: (وَفِيه لَو شرى الخ) نَقله فِي الْمنح بأبسط من هَذَا حَيْثُ قَالَ: وَفِيه أَيْضا: إِذا اشْترى الْمضَارب بِالْمَالِ مَتَاعا فَقَالَ الْمضَارب أَنَا أَمْسِكُهُ حَتَّى أَجِدَ رِبْحًا كَثِيرًا وَأَرَادَ رب المَال بَيْعه فَهَذَا على وَجْهَيْن: إِمَّا أَن يكون فِي مَال الْمُضَاربَة فضل بِأَن كَانَ رَأس المَال

(8/460)


ألفا فَاشْترى بِهِ مَتَاعا يُسَاوِي أَلفَيْنِ، أَو لم يكن فِي المَال فضل بِأَن كَانَ رَأس المَال ألفا وَاشْترى بِهِ مَتَاعا يُسَاوِي ألفا، فَفِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لَا يكون للْمُضَارب حق إمْسَاك الْمَتَاع من غير رضَا رب المَال إِلَّا أَن يُعْطي رب المَال رَأس المَال، إِن لم يكن فِيهِ فضل وَرَأس المَال وحصته من الرِّبْح إِن كَانَ فِيهِ فضل
فَحِينَئِذٍ لَهُ حق إِمْسَاكه، وَإِن لم يُعْط ذَلِك وَلم يكن لَهُ حق إِمْسَاكه هَل يجْبر على البيع، إِن كَانَ فِي المَال فضل يجْبر الْمضَارب على بَيْعه لانه سلم لَهُ بدل عمله فَيجْبر على الْعَمَل، إِلَّا أَن يَقُول لرب المَال أُعْطِيك رَأس المَال وحصتك من الرِّبْح إِن كَانَ فِي الْمَتَاع فضل أَو يَقُول أُعْطِيك رَأس المَال إِن لم يكن فضل فَإِن اخْتَار ذَلِك فَحِينَئِذٍ لَا يجْبر على البيع وَيجْبر رب المَال على قبُول ذَلِك نظرا من الْجَانِبَيْنِ، وَإِن لم يكن فِي المَال فضل لَا يجْبر على البيع وَيُقَال لرب المَال الْمَتَاع كُله خَالص ملكك، فإمَّا أَن تَأْخُذهُ بِرَأْس مَالك أَو تبيعه حَتَّى تصل إِلَى رَأس مَالك.
انْتهى من مُضَارَبَة الذَّخِيرَة وَالْمُحِيط.
وَالْحَاصِل: أَن الْكَلَامُ هُنَا فِي مَوْضِعَيْنِ: الْأَوَّلُ حَقُّ إمْسَاكِ الْمُضَارِبِ الْمَتَاعَ مِنْ غَيْرِ رِضَا رَبِّ الْمَالِ.
وَالثَّانِي إجْبَارُ الْمُضَارِبِ عَلَى الْبَيْعِ حَيْثُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْإِمْسَاكِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ لَا إلَّا أَنْ يُعْطِيَ لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسَ الْمَالِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَرْبَحْ أَوْ مَعَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ فَحِينَئِذٍ لَهُ حَقُّ الْإِمْسَاكِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ إجْبَارُهُ عَلَى الْبَيْعِ فَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أُجْبِرَ عَلَى الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ للْمَالِك رَأس مَاله مَعَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَا يُجْبَرُ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ لِلْمَالِكِ رَأْسَ مَالِهِ أَوْ يَدْفَعَ لَهُ الْمَتَاعَ بِرَأْسِ مَالِهِ.
هَذَا حَاصِلُ مَا فَهِمْتُهُ مِنْ عِبَارَةِ الْمِنَحِ عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَهِيَ عِبَارَةٌ معقدة كَمَا سَمِعت، وَقَدْ رَاجَعْتُ عِبَارَةَ الذَّخِيرَةِ فَوَجَدْتهَا كَمَا فِي الْمنح ونقلها فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْمُحِيط، وَمثله فِي الْفَتَاوَى العطائية.
وَبَقِيَ مَا إذَا أَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ يُمْسِكَ الْمَتَاع والضارب يُرِيدَ بَيْعَهُ وَهُوَ حَادِثَةُ الْفَتْوَى وَيُعْلَمُ جَوَابُهَا مِمَّا مَرَّ قُبَيْلَ الْفَصْلِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَزَلَهُ وَعَلِمَ بِهِ وَالْمَالُ عُرُوضٌ بَاعَهَا وَإِنْ نَهَاهُ الْمَالِكُ وَلَا يَمْلِكُ الْمَالِكُ فَسْخَهَا وَلَا تَخْصِيصَ الْإِذْنِ لِأَنَّهُ عَزْلٌ مِنْ وَجْهٍ.

قَوْلُهُ: (كَمَا مر) الَّذِي مر تَعْلِيل لغير هَذَا، وَهُوَ أَنه يجْبر على قَضَاء الدّين إِن كَانَ فِي المَال ربح.
قَوْله: يضمن حِصَّةَ الْهِبَةِ لِأَنَّ هِبَةَ الْمَشَاعِ الَّذِي يَقْبَلُ الْقِسْمَة غير صَحِيحَة فَتكون فِي ضَمَانه.

قَوْله: (وَهِي تملك بِالْقَبْضِ على الْمُفْتى بِهِ) قَالَ السائحاني أَقُولُ: لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ وَالضَّمَانِ اهـ.
وَنَصّ عَلَيْهِ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ حَيْثُ قَالَ رامز الْفَتَاوَى الْفَضْلِيِّ: الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ وَبِهِ يُفْتَى، ثُمَّ إذَا هَلَكَتْ أَفْتَيْت بِالرُّجُوعِ لِلْوَاهِبِ هِبَةً فَاسِدَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ إذْ الْفَاسِدَةُ مَضْمُونَةٌ، فَإِذَا كَانَتْ مَضْمُونَةً بِالْقِيمَةِ بَعْدَ الْهَلَاك
كَانَت مُسْتَحقَّة الرَّد قبل الْهَلَاك.
اهـ.
فَتنبه.

قَوْله: (وأودعه عشرا) بعده بَيت مُتَوَقف عَلَيْهِ وَهُوَ:

(8/461)


لَهُ سَبْعَة قَالُوا وَنصفا إِذا نَوَت لَهُ الْخَمْسَة الاخرى وَفِي الشَّرْع ينشر قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ: صورتهَا رجل دفع لغيره عشرَة دَرَاهِم وَقَالَ خَمْسَة مِنْهَا هبة لَك وَخَمْسَة وَدِيعَة عنْدك فاستهلك الْقَابِض مِنْهَا خَمْسَة وَهَلَكت الْخَمْسَة الْبَاقِيَة ضمن سَبْعَة وَنصفا، لَان الْخَمْسَة الْمَوْهُوبَة مَضْمُونَة على الْقَابِض لانها هبة مشَاع يحْتَمل الْقِسْمَة وَهِي فَاسِدَة، والخمسة الَّتِي استهلكها نصفهَا من الْهِبَة وَنِصْفهَا من الامانة فَيضمن هَذِه الْخَمْسَة والخمسة الَّتِي ضَاعَت نصفهَا من الْهِبَة فَيضمن نصفهَا فَصَارَ الْمَضْمُون سَبْعَة وَنصفا.
قلت: وَهَذَا على غير الصَّحِيح، لَان الْهِبَة الْفَاسِدَة تملك بِالْقَبْضِ وَقد سلطه الْمَالِك عَلَيْهَا فَلَا ضَمَان فِيهَا، وَكَذَلِكَ لَا ضَمَان فِي الْوَدِيعَة، لما فِي الْبَزَّازِيَّةِ: دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا نِصْفُهَا هِبَةٌ وَنِصْفُهَا مُضَارَبَة فَهَلَكت يضمن حِصَّة الْهِبَة لَا حِصَّة الْمُضَاربَة لانها أَمَانَة.
وَقَوله يضمن حِصَّة الْهِبَة لَا حِصَّة الْمُضَاربَة إِنَّمَا هُوَ على رِوَايَة عدم الْملك وَهُوَ خلاف الْمُفْتى بِهِ، أما على الْمُفْتى بِهِ، فَلَا ضَمَان مُطلقًا لَا فِي الْوَدِيعَة وَلَا فِي الْهِبَة الْفَاسِدَة لانه ملكهَا بِالْقَبْضِ فَلِذَا قَالَ الشَّارِح وَبِه يضعف قَول الْوَهْبَانِيَّة اهـ ح بِتَصَرُّف وَإِصْلَاح من شرح الْعَلامَة عبد الْبر.
وَيضمن دِرْهَمَيْنِ وَنصفا من الامانة الَّتِي استهلكها ط.
أَقُول: قَوْله وَكَذَلِكَ لَا ضَمَان فِي الْوَدِيعَة الخ فِيهِ أَن فرض مَسْأَلَة الْوَهْبَانِيَّة فِي الِاسْتِهْلَاك وَمَا اسْتشْهد بِهِ فِي الْهَلَاك فَيَنْبَغِي أَن يضمن دِرْهَمَيْنِ وَنصفا بِنَاء على الْمُفْتى بِهِ، لَان الْخَمْسَة الَّتِي استهلكها نصفهَا من الْهِبَة فَلَا يضمن وَنِصْفهَا من الامانة فَيضمن، وَأما الْخَمْسَة الَّتِي ضَاعَت فَلَا يضمن شَيْئا مِنْهَا.
تَأمل.
فُرُوعٌ: سُئِلَ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُضَارِبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَكَانَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ مَعْرُوفًا فَهَلْ يَكُونُ رَبُّ الْمَالِ أَحَقَّ بِرَأْسِ مَالِهِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ؟ الْجَوَابُ نَعَمْ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ حَامِدِيَّةٌ.
وَفِيهَا عَنْ قَارِئِ الْهِدَايَة من بَاب الْقَضَاء فِي فَتَاوِيهِ: إذَا ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ خِيَانَةً فِي قَدْرٍ مَعْلُومٍ وَأَنْكَرَ حَلَفَ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مِقْدَارًا فَكَذَا الْحُكْمُ،
لَكِنْ إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ أَنْ يُعَيِّنَ مِقْدَارَ مَا خَانَ فِيهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي مِقْدَارِهِ مَعَ يَمِينه لَان نُكُوله كالاقرار بشئ مَجْهُولٍ، وَالْبَيَانُ فِي مِقْدَارِهِ إلَى الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ خَصْمُهُ بَيِّنَةً عَلَى أَكثر اهـ.
كل مَا جَازَ للْمُضَارب فِي الْمُضَاربَة الصَّحِيحَة من شِرَاء أَو بيع أَو إِجَارَة أَو بضَاعَة أَو غير ذَلِك فَهُوَ جَائِز لَهُ فِي الْمُضَاربَة الْفَاسِدَة، وَلَا ضَمَان على الْمضَارب، وَكَذَلِكَ لَو قَالَ اعْمَلْ بِرَأْيِك جَازَ لَهُ مَا يجوز لَهُ فِي الْمُضَاربَة الصَّحِيحَة كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة.
رجلَانِ دفعا إِلَى رجل ألف دِرْهَم مُضَارَبَة بِالنِّصْفِ ونهياه عَن الشّركَة فانشق الْكيس الَّذِي فِيهِ الدَّرَاهِم وَاخْتَلَطَ بِدَرَاهِم الْمضَارب من غير فعله فَلهُ أَن يَشْتَرِي بذلك وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَالشَّرِكَة بَينهمَا ثَابِتَة، وَلَيْسَ لَهُ أَن يخص نَفسه بِبيع شئ من ذَلِك الْمَتَاع وَلَا يَشْتَرِي بِثمنِهِ شَيْئا لنَفسِهِ دون صَاحبه، وَلَكِن لَو كَانَ قبل أَن يَشْتَرِي بِالْمَالِ شَيْئا اشْترى للمضاربة مَتَاعا بِأَلف دِرْهَم وَأشْهد ثمَّ نقدها من المَال ثمَّ اشْترى لنَفسِهِ مَتَاعا بِأَلف دِرْهَم ونقدها من المَال فَهَذَا جَائِز.
كَذَا فِي الْمُحِيط.
هندية.
لَو كَانَ رب المَال ملك العَبْد بِغَيْر شئ فَبَاعَهُ من الْمضَارب بِأَلف الْمُضَاربَة لم يَبِعْهُ مُرَابحَة حَتَّى يبين أَنه اشْتَرَاهُ من رب المَال.
هندية عَن الْمَبْسُوط.

(8/462)


إِذا دفع رجل إِلَى رجل ألف دِرْهَم مُضَارَبَة بِالنِّصْفِ ثمَّ دفع إِلَى آخر ألف دِرْهَم بِالنِّصْفِ فَاشْترى أجد المضاربين عبدا بِخَمْسِمِائَة من الْمُضَاربَة فَبَاعَهُ من الْمضَارب الآخر بِأَلف فَأَرَادَ الثَّانِي أَن يَبِيعهُ مُرَابحَة يَبِيعهُ على أقل الثمنين، وَلَو بَاعه الاول من الثَّانِي بِأَلفَيْنِ ألف من الْمُضَاربَة وَألف من مَال نَفسه فَإِن الثَّانِي يَبِيعهُ مُرَابحَة على ألف وَمِائَتَيْنِ وَخمسين، لَان الثَّانِي اشْترى نصفه لنَفسِهِ وَقد كَانَ الاول اشْترى ذَلِك النّصْف الثَّانِي بمائتين وَخمسين.
كَذَا فِي الْبَدَائِع، وَلَو قَالَ رب المَال اسْتقْرض عَليّ ألفا وَاتبع بهَا على الْمُضَاربَة فَفعل كَانَ ذَلِك على نَفسه، حَتَّى لَو هلك فِي يَده قبل أَن يَدْفَعهُ لرب المَال لزمَه ضَمَانه لَان الامر بالاستقراض بَاطِل.
هندية عَن الْحَاوِي.
وفيهَا: كل مُضَارَبَة فَاسِدَة لَا نَفَقَة للْمُضَارب فِيهَا على مَال الْمُضَاربَة، فَإِن أنْفق على نَفسه من المَال حسب من أجر مثل عمله وَأخذ بِمَا زَاد إِن كَانَ مَا أنْفق مِنْهُ أَكثر من أجر الْمثل.
كَذَا فِي الْمَبْسُوط.
لَو قَالَ الْمضَارب لرب المَال دفعت إِلَيْك رَأس المَال وَالَّذِي فِي يَدي ربح ثمَّ قَالَ لم أدفَع وَلكنه هلك فَهُوَ ضَامِن كَذَا فِي الْحَاوِي.
الاصل أَن قسْمَة الرِّبْح قبل قبض رب المَال رَأس مَاله مَوْقُوفَة، إِن قبض رَأس المَال صحت الْقِسْمَة، وَإِن لم يقبض بطلت.
كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ.
وَلَو دفع حَرْبِيّ إِلَى مُسلم مَال الْمُضَاربَة ثمَّ دخل الْمُسلم دَار الْحَرْب بِإِذن رب المَال فَهُوَ على الْمُضَاربَة.
كَذَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ.
إِذا دفع الْمُسلم إِلَى النَّصْرَانِي مَالا مُضَارَبَة بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِز إِلَّا أَنه مَكْرُوه، فَإِن اتّجر فِي الْخمر وَالْخِنْزِير، فربح جَازَ على الْمُضَاربَة فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَيَنْبَغِي للْمُسلمِ أَن يتَصَدَّق بِحِصَّتِهِ من الرِّبْح.
وَعِنْدَهُمَا: تصرفه فِي الْخمر وَالْخِنْزِير لَا يجوز على الْمُضَاربَة، فَإِن اشْترى ميتَة فنقد فِيهِ مَال الْمُضَاربَة فَهُوَ مُخَالف ضَامِن عِنْدهم جَمِيعًا، وَإِن أربى فَاشْترى دِرْهَمَيْنِ بدرهم كَانَ البيع فَاسِدا وَلَكِن لَا يصير ضَامِنا لمَال الْمُضَاربَة وَالرِّبْح بَينهمَا على الشَّرْط.
وَلَا بَأْس بِأَن يَأْخُذ الْمُسلم مَال النَّصْرَانِي مُضَارَبَة وَلَا يكره لَهُ ذَلِك، فَإِن اشْترى بِهِ خمرًا أَو خنزيرا أَو ميتَة وَنقد مَال الْمُضَاربَة فَهُوَ مُخَالف ضَامِن، فَإِن ربح فِي ذَلِك رد الرِّبْح على من أَخذ مِنْهُ إِن كَانَ يعرفهُ، وَإِن كَانَ لَا يعرفهُ تصدق بِهِ، وَلَا يُعْطي رب المَال النَّصْرَانِي مِنْهُ شَيْئا.
وَلَو دفع الْمُسلم مَاله مُضَارَبَة إِلَى مُسلم وَنَصْرَانِي جَازَ من غير كَرَاهَة، كَذَا فِي الْمَبْسُوط من بَاب شِرَاء الْمضَارب وهبته.
وَالله تَعَالَى أعلم، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم.

(8/463)