لسان الحكام في معرفة الأحكام

الْفَصْل الثَّالِث فِي الشَّهَادَات
يفترض على الشَّاهِد أَدَاء الشَّهَادَة عِنْد الْحَاكِم إِذا طلب مِنْهُ الْمُدَّعِي الْأَدَاء وَلَا يَسعهُ كتمانها لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تكتموا الشَّهَادَة وَمن يكتمها فَإِنَّهُ آثم قلبه} وَهُوَ صَرِيح فِي ذَلِك
وَفِي الْمُحِيط رجل طلب مِنْهُ أَن يكْتب شَهَادَته أَو يشْهد على عقد هَل لَهُ أَن يمْتَنع ينظر إِن كَانَ الطَّالِب يجد غَيره فللشاهد هَذَا أَن يمْتَنع وَإِلَّا فَلَا يَسعهُ ذَلِك
وَفِي نَوَادِر هِشَام عَن مُحَمَّد رجل لَهُ شُهُود كَثِيرَة فَدَعَا بَعضهم ليقيم الشَّهَادَة وَهُوَ يجد غَيره مِمَّن تقبل شَهَادَته وَلَكِن هَذَا الشَّاهِد مِمَّن تقبل شَهَادَته أسْرع لَا يَسعهُ الِامْتِنَاع عَن الْأَدَاء لما قُلْنَا
وَفِي الْمُجْتَبى فِي تَفْسِير الفضلى وَتحمل الشَّهَادَة فرض على الْكِفَايَة وَإِلَّا لضاعت الْحُقُوق وَبَطلَت المواثيق وعَلى هَذَا الْكَاتِب إِذا ندب لذَلِك إِلَّا أَنه يجوز لِلْكَاتِبِ أَخذ الْأُجْرَة دون الشَّاهِد
وَفِي النّصاب الْإِشْهَاد فِي الْمُبَايعَة والمداينة فرض على الْعباد لِأَنَّهُ يتْلف المَال لولاه إِلَّا إِذا كَانَ قَلِيلا أَو تلفهَا لَا يخَاف عَلَيْهِ نَحْو دِرْهَم لحقارته
وَذكر فِي الذَّخِيرَة سُئِلَ نصر عَن الشَّاهِد إِذا دعِي إِلَى أَدَاء الشَّهَادَة وَهُوَ فِي الرستاق إِن كَانَ بِحَال لَو حضر إِلَى مجْلِس الحكم وَشهد يُمكنهُ الرُّجُوع إِلَى أَهله فِي يَوْمه يجب عَلَيْهِ الْحُضُور لِأَنَّهُ لَا ضَرَر عَلَيْهِ فِي الْحُضُور وَإِن كَانَ لَا يُمكنهُ الرُّجُوع إِلَى أَهله فِي يَوْمه لَا يجب عَلَيْهِ الْحُضُور وَإِن كَانَ الشَّاهِد شَيخا كَبِيرا لَا يقدر على الْمَشْي بالأقدام وَلَيْسَ عِنْده مَا يركبه يُكَلف الْمَشْهُود لَهُ بِدَابَّة يركبهَا ويحضر مَعَه مجْلِس الحكم فَلَا بَأْس بِهِ قَالَ وَهَذَا من إكرام الشُّهُود
وَعَن أبي سُلَيْمَان الْجِرْجَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى رجل أخرج شُهُودًا إِلَى ضَيْعَة قد اشْتَرَاهَا واستأجر دَوَاب لَهُم فَرَكبُوا وذهبوا لم تقبل شَهَادَتهم وَفِيه نظر لِأَن الْعَادة جرت أَن من أخرج شَاهدا إِلَى الرستاق يُعْطِيهِ دَابَّة خُصُوصا إِذا لم يكن للشَّاهِد دَابَّة
وَفِي شرح شيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى إِن فِي حُقُوق الْعباد إِذا طلب الْمُدَّعِي الشَّاهِد ليشهد لَهُ فَتَأَخر من غير عذر ظَاهر ثمَّ ادى لَا تقبل شَهَادَته وَكَذَلِكَ إِذا طلب أجرا على الْأَدَاء لَا تقبل كَذَا فِي المنبع
وَفِي البزازي شَهدا على امْرَأَة لَا يعرفانها فَإِنَّهَا لَا تجوز حَتَّى تشهد جمَاعَة أَنَّهَا فُلَانَة وَعند أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى يجوز إِذا شهد عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَة وَلَا يشْتَرط رُؤْيَة وَجههَا وَشَرطهَا فِي الْجَامِع الصَّغِير حَتَّى تشهد على مَعْلُوم لِأَن الشَّهَادَة على الْمَجْهُول بَاطِلَة وَقَالَ الإِمَام خُوَاهَر زَاده رَحمَه الله على أَنه لَا يشْتَرط رُؤْيَة شخصها أَيْضا وَغَيره على أَنه يشْتَرط رُؤْيَة شخصها وَفِي الْمُنْتَقى تحمل الشَّهَادَة على امْرَأَة ثمَّ مَاتَت فَشهد عِنْده عَدْلَانِ على أَنَّهَا فُلَانَة لَهُ أَن يشْهد عَلَيْهَا
وَذكر الْخصاف رَحمَه الله تَعَالَى رجل فِي بَيت وَحده دخل عَلَيْهِ رجل وَرَآهُ ثمَّ خرج وَجلسَ على الْبَاب وَلَيْسَ للبيت مَسْلَك غَيره فَسمع إِقْرَاره من الْبَاب بِلَا رُؤْيَة وَجهه حل لَهُ أَن يشْهد بِمَا أقرّ

(1/240)


وَفِي الْعُيُون رجل أخْفى قوما لرجل ثمَّ سَأَلَهُ عَن شَيْء فَأقر وهم يسمعُونَ كَلَامه ويرونه وَهُوَ لَا يراهم جَازَت شَهَادَتهم وَإِن لم يروه وسمعوا كَلَامه لَا يحل لَهُم الشَّهَادَة
وَلَا تجوز الشَّهَادَة بِالسَّمَاعِ إِلَّا فِي أَربع مَوَاطِن النّسَب وَالنِّكَاح وَالْقَضَاء وَالْمَوْت وَفِي الْوَقْف الصَّحِيح أَنَّهَا تقبل بِالتَّسَامُعِ على أَصله لَا على شَرَائِطه وَلَو شهد الشُّهُود على الْوَقْف من غير دَعْوَى تقبل لِأَن الْوَقْف حِكْمَة التَّصَدُّق بالغلة وَهُوَ حق الله تَعَالَى وَفِي حُقُوق الله تَعَالَى لَا تشْتَرط الدَّعْوَى كَذَا فِي المنبع
وَفِي الصُّغْرَى الشَّهَادَة فِيمَا يقبل بِالتَّسَامُعِ على طَرِيقين بالشهرة الْحَقِيقِيَّة وَهُوَ أَن يسمع من قوم لَا يتَوَهَّم اتِّفَاقهم على الْكَذِب وَلَا يشْتَرط فِيهِ الْعَدَالَة وَلَفظ الشَّهَادَة الْحكمِيَّة وَهُوَ أَن يشْهد عِنْده رجلَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ عَدْلَانِ بِلَفْظ الشَّهَادَة
وَلَا تجوز الشَّهَادَة بالشهرة فِي الْوَلَاء عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى وَعند أبي يُوسُف رَحمَه الله تجوز وَلَا تجوز فِي الْعتْق وَالطَّلَاق إِجْمَاعًا قَالَ الْحلْوانِي رَحمَه الله تَعَالَى هَذَا قَوْلهمَا وَعند أبي يُوسُف رَحمَه الله أَنه يجوز كَمَا فِي الْوَلَاء
وَفِي الْمُنْتَقى الْأَصَح أَنه يشْهد فِي الْمهْر بِالتَّسَامُعِ
رأى خطه وَلم يتَذَكَّر الْوَاقِعَة أَو رأى كِتَابَة الشَّهَادَة وَلم يتَذَكَّر المَال لَا يَسعهُ أَن يشْهد وَعند مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى يَسعهُ أَن يشْهد وَذكر الْخصاف رَحمَه الله تَعَالَى أَن الشَّرْط عِنْد الإِمَام رَحمَه الله تَعَالَى أَن يتَذَكَّر الْحَادِثَة والتاريخ ومبلغ المَال وَصفته حَتَّى لَو لم يتَذَكَّر شَيْئا مِنْهَا وتيقن أَنه خطه وخاتمه لَا يشْهد وَإِن شهد فَهُوَ شَاهد زور وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى أَنه إِن قطع أَنه خطه يشْهد بِشَرْط أَن يكون مستودعا لم يتَنَاوَلهُ الْأَيْدِي وَلم يكن فِي يَد صَاحب الصَّك من الْوَقْت الَّذِي كتب فِيهِ اسْمه وَإِلَّا لَا يشْهد وَإِذا شهد عِنْد القَاضِي يقبله لَكِن يسْأَله عَنهُ أَنه يشْهد عَن علم أَو عَن الْخط فَإِن شهد عَن علم قبله وَإِن شهد عَن الْخط لَا قَالَ الْحلْوانِي رَحمَه الله تَعَالَى يُفْتى بقول مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى
إِذا عرف خطه والخط فِي حرز وَنسي الشَّهَادَة عِنْدهَا لَهُ أَن يشْهد قَالَ الْفَقِيه وَبِه نَأْخُذ وَيَنْبَغِي للشَّاهِد إِذا شهد وَكتب أَن يُعلمهُ حَتَّى يكون بِحَالَة يعرفهُ بعده وَلَا يُمكن تَغْيِيره
رجل كتب كتاب وَصيته وَقَالَ للْقَوْم اشْهَدُوا عَليّ بِمَا فِي الْكتاب لَا يجوز لَهُم أَن يشْهدُوا حَتَّى يقرأه عَلَيْهِم أَو يرونه يكْتب وهم يقرءُون مَا فِيهِ وَكَذَا الْوَصِيَّة المختومة وَهِي أَن الْمَرِيض إِذا كتب كتاب وَصيته وختمه وَقَالَ للشُّهُود هَذِه وصيتي وختمي فَاشْهَدُوا عَليّ بِمَا فِي هَذَا الْكتاب لَا يجوز لَهُم أَن يشْهدُوا بِمَا فِيهِ حَتَّى يعلمُوا مَا فِي الْكتاب بِأَن قرءوها أَو قُرِئت عَلَيْهِم وَكَذَا لَو شهدُوا على صك وَلم يقرءوه وَلم يعلمُوا مَا فِيهِ
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَان وَلَو كتب رِسَالَة عِنْد أُمِّيين لَا يقرآن وَلَا يكتبان وأمسكا الْكَاتِب عِنْدهمَا أَو شَهدا بِمَا لَا يجوز عِنْدهمَا وَعند ابي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى يجوز كَذَا فِي الْخُلَاصَة
رجل كتب صك وَصيته وَقَالَ لقوم اشْهَدُوا عَليّ بِمَا فِيهِ وَلم يقرأه عَلَيْهِم قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمهم الله تَعَالَى لَا تجوز الشَّهَادَة عَلَيْهِ وَقيل تجوز وَالْأول أصح

(1/241)


وَفِي المنبع وَأَجْمعُوا فِي الصَّك أَن الْإِشْهَاد لَا يَصح إِلَّا بإعلام الْكَاتِب مَا فِي الْكتاب فاحفظ هَذِه الْمَسْأَلَة فَإِن النَّاس اعتادوا خلاف ذَلِك فَإِنَّهُ يشْهدُونَ بِمَا فِي الصَّك من غير قِرَاءَة الْحُرُوف وَغير ذَلِك
القَاضِي إِذا أشهد جمَاعَة على السّجل وَلم يعلمُوا مَا فِيهِ وَلم يُخْبِرهُمْ القَاضِي بذلك لَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى وَهُوَ أحد الرِّوَايَتَيْنِ عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى
سمع اقرار رجل بِحَق وَسعه أَن يشْهد عَلَيْهِ وَإِن لم يعاين السَّبَب وَإِن لم يقل لَهُ اشْهَدْ عَليّ بِمَا أَقرَرت
توَسط بَين رجلَيْنِ فَقَالَا لَهُ لَا تشهد علينا بِمَا تسمع منا فَسمع إقرارهما أَو إِقْرَار أَحدهمَا لرجل بِشَيْء أَو قَالَ أَحدهمَا للْآخر بَقِي لَك عَليّ كَذَا لَهُ أَن يشْهد كَمَا سمع
وَفِي الْمُحِيط شَهدا على امْرَأَة سمياها ونسباها وَكَانَت حَاضِرَة فَقَالَ القَاضِي أتعرفانها فَقَالَا لَا لَا تقبل شَهَادَتهمَا وَلَو قَالَا تحملنا هَذَا على الْمُسَمَّاة بفلانة بنت فلَان الْفُلَانِيَّة وَلَكِن لَا نَدْرِي أَنَّهَا هِيَ أم لَا صحت الشَّهَادَة وكلف الْمُدَّعِي أَن يَأْتِي بِآخَرين يَشْهَدَانِ أَنَّهَا فُلَانَة بنت فلَان اه
وَفِي الْعِمَادِيّ وَلَو جَاءَ الْمُدَّعِي بِشَاهِدين فَشهد أَحدهمَا وَفسّر الشَّهَادَة على وَجههَا ثمَّ قَالَ الآخر أشهد بِمثل شَهَادَة صَاحِبي تقبل قلت وَفِيه تَفْصِيل وَهُوَ إِن كَانَ الشَّاهِد فصيحا يُمكنهُ بَيَان الشَّهَادَة على وَجههَا لَا يقبل مِنْهُ الْإِجْمَال وَإِن كَانَ أعجميا غير فصيح يقبل مِنْهُ الْإِجْمَال إِذا كَانَ بِحَال لَوْلَا حشمة مجْلِس الْقَضَاء يُمكنهُ أَن يعبر الشَّهَادَة بِلِسَانِهِ أما إِذا كَانَ بِحَال لَا يُمكنهُ أَن يعبر بِلِسَانِهِ أصلا فَإِنَّهُ لَا يقبل أَيْضا
وَقَالَ الشَّيْخ الامام شمس الْأَئِمَّة ابو بكر مُحَمَّد بن أبي سهل رَحمَه الله الْمُخْتَار أَن يَجْعَل الْجَواب على التَّفْصِيل إِن أحس القَاضِي بخيانة من الشُّهُود بِشَهَادَة الزُّور يُكَلف كل شَاهد أَن يُفَسر شَهَادَته وَإِن لم يحس بِشَيْء من الْخِيَانَة لَا يُكَلف وَيحكم فِي ذَلِك بِرَأْيهِ
وَذكر الشَّيْخ ظهير الدّين المرغيناني فِي شُرُوطه أَنه إِذا جرى بَين اثْنَيْنِ بيع أَو إِجَارَة أَو عقد آخر وأشهدا على ذَلِك جمَاعَة هَل يشْتَرط كِتَابَة معرفَة الشُّهُود الْمُتَبَايعين بوجههما وأسمائهما وأنسابهما كَانَ هِلَال وَأَبُو زيد لَا يكتبان ذَلِك وَغَيرهمَا من أَصْحَابنَا يَكْتُبُونَ أخذا بِالِاحْتِيَاطِ
وَقَالَ ظهير الدّين رَحمَه الله تَعَالَى وَعِنْدِي أَن الْمُتَبَايعين إِذا كَانَا معروفين عِنْد النَّاس مشهورين لَا حَاجَة إِلَى كِتَابَة معرفَة الشُّهُود للمتبايعين وَإِن كَانَا غير مشهورين فَلَا بُد مِنْهُ لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى أَدَاء الشَّهَادَة عَلَيْهِ بِمحضر مِنْهُ فَلَا بُد من مَعْرفَته بِوَجْهِهِ ليمكنهم أَدَاء الشَّهَادَة عَلَيْهِ وَعند غيبته أَو مَوته يحْتَاج إِلَى الشَّهَادَة باسمه وَنسبه فَلَا بُد من معرفتهم اسْمه وَنسبه وَلَا يجوز الِاعْتِمَاد على إِخْبَار الْمُتَبَايعين باسمهما ونسبهما فَعَسَى أَن يسميا وينتسب العاقدان باسم غَيرهمَا وَنسبه يُرِيد أَن يزورا على الشُّهُود حَتَّى يخرجَا الْمَبِيع من يَد مَالِكه فَلَو اعتمدوا على قَوْلهمَا نفذ تزويرهما وَبَطل أَمْلَاك النَّاس وَهَذَا فصل كثير من النَّاس عَنهُ غافلون فَإِنَّهُم يسمعُونَ لفظ الشِّرَاء وَالْبيع وَالْإِقْرَار والتقابض من رجلَيْنِ لَا يعرفونهما ثمَّ إِذا اسْتشْهدُوا من بعد موت صَاحب الْمَبِيع يشْهدُونَ على ذَلِك الِاسْم وَالنّسب وَلم يكن لَهُم علم بذلك فَيجب أَن يحْتَرز على مثل ذَلِك غَايَة الِاحْتِرَاز صِيَانة لنَفسِهِ عَن المجازفة ولأموال النَّاس عَن الضّيَاع
قَالَ وَطَرِيق علم الشُّهُود بِالنّسَبِ أَن يشْهد عِنْدهم جمَاعَة لَا يتَصَوَّر تواطؤهم على الْكَذِب عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا شَهَادَة رجلَيْنِ كَاف كَمَا فِي سَائِر الْحُقُوق قَالَ وَإِذا لحقه الْحَرج فِي إِحْضَار الْجَمَاعَة

(1/242)


الَّتِي شَرط أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فَيَنْبَغِي أَن يشْهد عَدْلَانِ على شَهَادَتهمَا عُدُولًا آخَرين على النّسَب حَتَّى إِذا احتاجوا إِلَى أَدَاء الشَّهَادَة شهدُوا على شَهَادَتهمَا على النّسَب وعَلى مَا فِي الْكتاب بِمَا شهدُوا عَلَيْهِ
نوع فِيمَن تقبل شَهَادَته وَمن لَا تقبل لَا تقبل شَهَادَة سِتَّة عشر العَبْد الْمُدبر الْمكَاتب أم الْوَلَد المجلود فِي الْقَذْف الشَّرِيك فِي شركته المفاوض الَّذِي يجر لنَفسِهِ نفعا بِشَهَادَتِهِ الَّتِي تقوم على النَّفْي شَهَادَة التهاتر شَهَادَة أهل الْكفْر على الْمُسلمين شَهَادَة الْمولى مأذونه ومكاتبه شَهَادَة الْأَعْمَى وَالْخُنْثَى الْمُشكل لَا تقبل شَهَادَته مَعَ رجل أَو امْرَأَة وَلَو كَانَ مَعَ رجل وَامْرَأَة تقبل وَمَتى ردَّتْ الْعلَّة ثمَّ زَالَت لَا تقبل إِلَّا فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع عبد ردَّتْ شَهَادَته ثمَّ عتق وَكَافِر أسلم وأعمى أبْصر وَصبي ردَّتْ شَهَادَته ثمَّ بلغ فَأَعَادُوا الْأَدَاء تقبل
وَفِي خُلَاصَة النَّوَازِل لأبي اللَّيْث لَا تقبل شَهَادَة معلم الصّبيان لِأَن عقله نَاقص لكَونه بِالنَّهَارِ مَعَ الغلمان وبالليل مَعَ النسوان وَيَوْم الْجُمُعَة فِي الطاحون
وَعَن عَلْقَمَة أَنه قَالَ عقل ثَمَانِينَ معلما كعقل امْرَأَة وَاحِدَة وَالصَّحِيح أَنه إِن كَانَ عدلا تقبل شَهَادَته وَحَدِيث عَلْقَمَة وابي اللَّيْث فِي معلم بِعَيْنِه
وَفِي الْمَنْع لَا تقبل شَهَادَة الْآبَاء والأمهات والأجداد والجدات للْوَلَد وَولد الْوَلَد وَإِن سفل وَلَا شَهَادَة الْأَوْلَاد وَأَوْلَاد الْأَوْلَاد للآباء والأمهات والأجداد والجدات
شَهَادَة الرجل لولد الِابْنَة لَا تقبل لِأَنَّهُ لَو قضى لَهُ لَا يجوز وَكَذَلِكَ لَا تقبل شَهَادَة الرجل على قَضَاء أَبِيه بِأَن يشْهد أَن أَبَاهُ قضى لفُلَان على فلَان بِكَذَا وَتجوز شَهَادَته على شَهَادَة أَبِيه رَوَاهُ الْحسن عَن أبي مَالك عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى
وروى أَيْضا عَن أبي حنيفَة أَنه لَا تجوز شَهَادَة الابْن على قَضَاء أَبِيه وَإِن كَانَ الْأَب قَاضِيا يَوْم الشَّهَادَة وَعَن مُحَمَّد أَنه تجوز شَهَادَة الابْن على قَضَاء أَبِيه مُطلقًا اه
وَلَا تجوز شَهَادَة أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر وَلَا شَهَادَة الْأَجِير لمن اسْتَأْجرهُ وَالْمرَاد بِهِ الْأَجِير الْخَاص الَّذِي يعد ضَرَر أستاذه ضَرَرا لنَفسِهِ ونفعه نفعا لنَفسِهِ وَهُوَ معنى قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا شَهَادَة للقانع بِأَهْل الْبَيْت وَفِي الْمغرب قيل أَرَادَ بِهِ من يكون مَعَ الْقَوْم كالخادم وَالتَّابِع والأجير وَنَحْوه وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة السَّائِل يطْلب معاشه انْتهى
وَفِي شرح منظومة ابْن وهبان شَهَادَة الْعَدو على عدوه هَل تقبل أَو لَا تقبل وَالصَّحِيح أَنَّهَا تقبل سَوَاء كَانَت الْعَدَاوَة دينية أَو دنيوية فَإِنَّهَا لَا تقدح فِي الْعَدَالَة وَقيل الْعَدَاوَة الدُّنْيَوِيَّة تُؤثر فِي الْعَدَالَة وتقدح فِيهَا فَلَا تقبل شَهَادَة الْعَدو على عدوه إِذا كَانَت الْعَدَاوَة دنيوية
وَمِثَال الْعَدَاوَة الدُّنْيَوِيَّة أَن يشْهد الْمَقْذُوف على الْقَاذِف والمقطوع عَلَيْهِ الطَّرِيق على الْقَاطِع والمقتول وليه على الْقَاتِل والمجروح على الْجَارِح وَالزَّوْج يشْهد على امْرَأَته بالزنى فَإِن هَؤُلَاءِ تقبل شَهَادَتهم فِي قَول أَكثر أهل الْعلم كربيعة وَالثَّوْري وَإِسْحَاق وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَهُوَ الْمُصَرّح بِهِ فِي غَالب كتب أَصْحَابنَا وَالْمَشْهُور على أَلْسِنَة فقهائنا
وَمِثَال الْعَدَاوَة الدِّينِيَّة الْمُسلم يشْهد على الْكَافِر والمحق من أهل السّنة يشْهد على المبتدع فَإِن شَهَادَة هَؤُلَاءِ غير مَرْدُودَة وَلَا قادحة فِي الْعَدَالَة

(1/243)


وَذكر صَاحب المغنى من الْحَنَابِلَة عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى إِن الْعَدَاوَة لَا تمنع الشَّهَادَة مُطلقًا وَذكر صَاحب الْقنية من أَصْحَابنَا فِي بَاب من تقبل شَهَادَته وَمن لَا تقبل مَا يُؤَيّد ذَلِك
تَنْبِيه قد يتَوَهَّم بعض المتفقهة وَالشُّهُود أَن كل من خَاصم شخصا فِي حق أَو ادّعى عَلَيْهِ حَقًا أَنه يصير عدوه فَيشْهد بَينهمَا بالعداوة وَلَيْسَ كَذَلِك بل الْعَدَاوَة تثبت بِنَحْوِ مَا ذكرت نعم لَو خَاصم الشَّخْص آخر فِي حق لَا تقبل شَهَادَته عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْحق كَالْوَكِيلِ لَا تقبل شَهَادَته فِيمَا هُوَ وَكيل فِيهِ وَالْوَصِيّ لَا تقبل شَهَادَته فِيمَا هُوَ وَصِيّ فِيهِ وَالشَّرِيك لَا تقبل شَهَادَته فِيمَا هُوَ شريك فِيهِ وَنَحْو ذَلِك لَا أَنه إِذا تخاصم اثْنَان فِي حق لَا تقبل شَهَادَة أَحدهمَا على الآخر لما بَينهمَا من الْمُخَاصمَة
فرع إِذا قُلْنَا إِنَّه لَا تجوز شَهَادَة الْعَدو على عدوه إِذا كَانَت الْعَدَاوَة دنيوية هَل الحكم فِي القَاضِي كَذَلِك حَتَّى لَا يجوز قَضَاء القَاضِي على من بَينه وَبَينه عَدَاوَة دنيوية لم اقف على هَذَا الْفَرْع فِي كتب أَصْحَابنَا وَيَنْبَغِي أَن يكون الْجَواب فِيهِ على التَّفْصِيل إِن كَانَ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ فَيَنْبَغِي أَن لَا ينفذ وَإِن كَانَ بِشَهَادَة الْعُدُول وبمحضر من النَّاس فِي مجْلِس الحكم بِطَلَب خصم شَرْعِي ودعواه فَيَنْبَغِي أَن يجوز وَرَأَيْت فِي الرَّافِعِيّ من كتب الشَّافِعِيَّة عَن القَاضِي الْمَاوَرْدِيّ أَنه يجوز قَضَاء الْعَدو على عدوه بِخِلَاف شَهَادَة الْعَدو على عدوه وَفرق بَينهمَا بِأَن قَالَ لِأَن أَسبَاب الحكم ظَاهِرَة واسباب الشَّهَادَة خافية اه مَا نقلته من شرح الْمَنْظُومَة
وَفِي الْوِقَايَة وَلَا تقبل شَهَادَة مخنث يفعل الرَّدِيء ونائحة ومغنية ومدمن الشّرْب على اللَّهْو وَمن يلْعَب بالطيور أَو الطنبور أَو يُغني للنَّاس أَو يرتكب مَا يحد بِهِ أَو يدْخل الْحمام بِلَا إِزَار أَو يَأْكُل الرِّبَا أَو يقامر بالنرد أَو الشطرنج أَو تفوته الصَّلَاة بهما أَو يَبُول على الطَّرِيق أَو يَأْكُل فِيهِ أَو يظْهر سبّ السّلف
وَفِي الذَّخِيرَة وَلم يرد بالنائحة الَّتِي تنوح فِي مصيبتها وَإِنَّمَا اراد الَّتِي تنوح فِي مُصِيبَة غَيرهَا اتَّخذت ذَلِك مكسبة
وَفِي الْبَدَائِع وَأما من يضْرب شَيْئا من الملاهي فَإِنَّهُ ينظر إِن لم يكن مستبشعا كالقصب والدف وَنَحْوهمَا لَا بَأْس بِهِ وَلَا تسْقط عَدَالَته وَإِن كَانَ مستبشعا كالعود وَنَحْوه سَقَطت عَدَالَته لِأَنَّهُ لَا يحل بِوَجْه من الْوُجُوه قَوْله وَمد من الشّرْب المُرَاد بِهِ الادمان فِي النِّيَّة يَعْنِي يشرب وَمن نِيَّته أَن يشرب بعد ذَلِك إِذا وجده
وَأما اللاعب بالطيور فَإِنَّهُ ينظر إِلَى العورات فِي السَّطْح وَغَيره وَذَا فسق هَذَا إِذا كَانَ يطيرها أما إِذا كَانَ يمسك الْحمام فِي بَيته ويستأنس بهَا وَلَا يطيرها فَهُوَ عدل لِأَن اقتناء الْحمام فِي الْبيُوت مُبَاح أَلا ترى أَن النَّاس يتخذون بروج الْحمام وَلم يمْنَع من ذَلِك أحد وَبِهَذَا تبين أَنه إِذا اتخذ الْحمام لحمل الْكتب كَمَا فِي الديار المصرية والشامية لَا يكون حَرَامًا لوُقُوع الْحَاجة إِلَيْهَا وَأما من ارْتكب كَبِيرَة فَإِنَّهُ ترد شَهَادَته
وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي مَاهِيَّة الْكَبِيرَة وَالصَّغِيرَة قَالَ بَعضهم مَا فِيهِ حد فِي كتاب الله تَعَالَى فَهُوَ كَبِيرَة وَمَا لَا حد فِيهِ فَهُوَ صَغِيرَة قيل وَهَذَا لَيْسَ بسديد فَإِن شرب الْخمر وَأكل الرِّبَا من الْكَبَائِر وَلَا حد فيهمَا فِي كتاب الله تَعَالَى وَقَالَ بَعضهم مَا أوجب الْحَد فَهُوَ كَبِيرَة وَمَا لَا حد فَهُوَ صَغِيرَة وَهَذَا أَيْضا يبطل بِأَكْل الرِّبَا وَغَيره لِأَنَّهُ لَا حد فِيهِ مَعَ أَنَّهَا كَبِيرَة وَقَالَ بَعضهم مَا كَانَ حَرَامًا لعَينه فَهُوَ كَبِيرَة وَقيل هِيَ السَّبع الَّتِي ذكرهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الْمَعْرُوف سبع من الْكَبَائِر لَا كَفَّارَة فِيهِنَّ الاشراك بِاللَّه والفرار من الزَّحْف وعقوق الْوَالِدين وَقتل النَّفس بِغَيْر حق وبهت الْمُؤمن والزنى وَشرب

(1/244)


الْخمر وَهَذَا قَول أهل الْحجاز واهل الحَدِيث وَزَاد بَعضهم على هَذِه السَّبع أكل الرِّبَا وَأكل مَال الْيَتِيم بِغَيْر حق وَأَصَح مَا يُقَال فِيهِ مَا هُوَ الْمَنْقُول عَن شمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي رَحمَه الله تَعَالَى أَنه قَالَ مَا كَانَ شنيعا بَين الْمُسلمين وَفِيه هتك حُرْمَة اسْم الله تَعَالَى وَالدّين فَهُوَ حرَام من جملَة الْكَبَائِر يُوجب سُقُوط الْعَدَالَة
وَفِي الْمُحِيط وَحكى أَبُو بكر الرَّازِيّ عَن أبي حسن الْكَرْخِي رحمهمَا الله تَعَالَى أَن من مَشى فِي السُّوق بسراويل وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيره لَا تقبل شَهَادَته لِأَنَّهُ تَارِك للمروءة وَكَذَلِكَ لَا تقبل شَهَادَة من يَأْكُل فِي السُّوق بَين يَدي النَّاس وَكَذَا من يمد رجلَيْهِ عِنْد النَّاس أَو يكْشف رَأسه فِي مَوضِع لاعادة فِيهِ وَمن يجن سَاعَة ويفيق سَاعَة فَشهد فِي حَالَة الصحو تقبل شَهَادَته لِأَن ذَلِك بِمَنْزِلَة الْإِغْمَاء وَالْإِغْمَاء لَا يمْنَع قبُول الشَّهَادَة وَقدره بعض مَشَايِخنَا بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ حَتَّى لَو جن يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ ثمَّ أَفَاق فشهادته جَائِزَة فِي حَال الصحو اه
وَفِي الْقنية لَا تقبل شَهَادَة رب الدّين لمديونه إِذا كَانَ مُفلسًا وَقَالَ شمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي ووالد صَاحب الْمُحِيط تقبل شَهَادَة رب الدّين لمديونه وَإِن كَانَ مُفلسًا
وَفِي شرح الْجَامِع للعتابي رب الدّين إِذا شهد لمديونه بعد مَوته بِمَال لَا تقبل شَهَادَته لتَعلق حَقه بِالتَّرِكَةِ وَكَذَا الْوَصِيّ لَهُ بِأَلف مُرْسلَة أَو بِشَيْء بِعَيْنِه لَا تقبل لِأَنَّهُ يزْدَاد بِهِ مَحل وَصيته أَو سَلامَة عينه
وَقَالَ شمس الْأَئِمَّة الأوزجندي رَحمَه الله تَعَالَى رجل شهد قبل أَن يستشهد تسمع شَهَادَته بعد ذَلِك
وَلَا تقبل شَهَادَة العواني الَّذِي يَأْخُذ بِغَيْر حق لِأَنَّهُ يكون ظلما فَيكون فسقا
وَلَو شهد الساكنان بِأَجْر أَو بِغَيْر أجر لرب الدَّار جَازَ عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَقَالا لَا تجوز فَإِن شهد المرتهنان للْمُدَّعِي على الرَّاهِن تقبل وَلَو شهد الراهنان لَا تقبل حَتَّى يفتك الرَّهْن
عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لَا تقبل شَهَادَة الأقلف وَلَا تقبل صلَاته وَلَا تُؤْكَل ذَبِيحَته وَتقبل شَهَادَة الزَّوْج لصهره وَشَهَادَة الصّديق لصديقه وَلَا تقبل شَهَادَة من يَبِيع الأكفان إِذا ترصد لذَلِك لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يتَمَنَّى الْمَوْت والطاعون وَكَذَلِكَ لَا تقبل شَهَادَة النخاس والدلال لِأَنَّهُمَا يكذبان وَلَا يباليان
شهد أَحدهمَا أَنه طَلقهَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْآخر بِالْفَارِسِيَّةِ لَا تقبل بِخِلَاف الْإِقْرَار
وَفِي الْخُلَاصَة وَلَا تقبل شَهَادَة الخطابية لأَنهم يشْهدُونَ لبَعْضهِم بَعْضًا بالزور وَيَقُولُونَ إِن عليا هُوَ الاله الْأَكْبَر وجعفر الصَّادِق هُوَ الاله الْأَصْغَر تَعَالَى الله عَمَّا يَقُولُونَ علوا كَبِيرا لَا اله الا الله وَحده لَا شريك لَهُ
وَفِي الْمُحِيط شهد الشُّهُود بِحَق لرجل ثمَّ حلفوا لَا تقبل شَهَادَتهم للتُّهمَةِ وَلَو بَاعَ عينا ثمَّ شهد بهَا للْمُدَّعِي لَا تقبل وَتقبل شَهَادَة الْأَخ لِأَخِيهِ وَعَمه لِأَن الْأَمْلَاك وَالْمَنَافِع بَينهمَا متباينة كَذَا فِي الْهِدَايَة وَلَا تقبل شَهَادَة الْأَشْرَاف بالعراق لتعصبهم وَقَالَ بعض الْعلمَاء لَا تجوز شَهَادَة الْقَرَوِي وَتجوز شَهَادَة أهل الْأَمْصَار
وَفِي الْعِمَادِيّ وَلَو شهد أَنه وقف على فُقَرَاء جِيرَانه وهما من جِيرَانه الْفُقَرَاء جَازَت شَهَادَتهمَا لِأَن الْجوَار لَيْسَ بِأَمْر لَازم وَكَذَا لَو شَهدا أَنه وَقفه على فُقَرَاء مَسْجده وهما من فُقَرَاء مَسْجده جَازَت شَهَادَتهمَا وَكَذَا لَو شهد أهل الْمدرسَة بوقف الْمدرسَة تقبل شَهَادَتهم لَكِن الْمَشَايِخ رَحِمهم الله تَعَالَى فصلوا الْجَواب فيهمَا فَقَالُوا فِي شَهَادَة أهل الْمدرسَة إِن كَانُوا يَأْخُذُونَ الْوَظَائِف من ذَلِك الْوَقْف لَا تقبل شَهَادَتهم وَإِن كَانُوا لَا يَأْخُذُونَ تقبل وَقيل فِي هَذِه الْمسَائِل كلهَا تقبل وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن كَون الْفَقِيه فِي الْمدرسَة لَيْسَ بِلَازِم بل ينْتَقل
رجل قَالَ لآخر اكْتُبْ شهادتي فِي هَذَا الصَّك فَكتب الْمَأْمُور شهد بذلك لَا يكون إِقْرَارا من الْآمِر بِأَن هَذَا ملك البَائِع

(1/245)


وَذكر فِي أدب القَاضِي الْخصاف أَسبَاب الْجرْح كَثِيرَة مِنْهَا ركُوب بَحر الْهِنْد لانه مخاطر بِنَفسِهِ وَدينه وَمَاله وَمِنْهَا التِّجَارَة فِي قرى فَارس فَإِنَّهُم يُطْعِمُونَهُمْ الرِّبَا وهم يعلمُونَ
قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى القَاضِي يقبل شَهَادَته ابنيه وَلَو شَهدا أَن أباهما قضى للْمُدَّعِي على الْمُدَّعِي عَلَيْهِ لَا تقبل وَلَا تقبل شَهَادَة الْأَخْرَس لعَجزه عَن الْأَدَاء وَتقبل شَهَادَة الْخصي إِذا كَانَ عدلا
وَأما ولد الزِّنَى فَاخْتلف الْعلمَاء فِي قبُول شَهَادَته قَالَ بَعضهم لَا تقبل مُطلقًا وَقَالَ بَعضهم تقبل فِي كل شَيْء إِلَّا فِي الزِّنَى وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ بَعضهم تقبل مُطلقًا إِذا كَانَ عدلا وَبِه أَخذ عُلَمَاؤُنَا رَحِمهم الله تَعَالَى
شَهَادَة الرئيس والجابي فِي السِّكَّة الَّذِي يَأْخُذ الدَّرَاهِم والصراف الَّذِي يجمع عِنْده الدَّرَاهِم ويأخذها طَوْعًا لَا تقبل
شَهَادَة أهل الذِّمَّة بَعضهم على بعض مَقْبُولَة سَوَاء اتّفقت مللهم كاليهودي مَعَ الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ مَعَ النَّصْرَانِي والمجوسي مَعَ الْمَجُوسِيّ أَو اخْتلف إِلَّا أَن يَكُونَا من أهل دارين مُخْتَلفين بِأَن يشْهد رومي على هندي أَو هندي على رومي وَتقبل شَهَادَة الذِّمِّيّ على الْمُسْتَأْمن وَلَا تقبل شَهَادَة الْمُسْتَأْمن على الذِّمِّيّ لِأَن الذِّمِّيّ أَعلَى حَالا مِنْهُ لكَونه من أهل دَارنَا حَتَّى لَا يُمكن من الرُّجُوع إِلَى دَار الْحَرْب بِخِلَاف الْمُسْتَأْمن وَتقبل شَهَادَة المستأمنين بَعضهم على بعض إِذا كَانُوا من أهل دَار وَاحِدَة فَإِن كَانُوا من أهل دارين كالرومي والتركي لَا تقبل لِأَن الْولَايَة فِيمَا بَينهم تخْتَلف باخْتلَاف المنعتين وَلِهَذَا لَا يجْرِي بَينهمَا التَّوَارُث بِخِلَاف دَار الاسلام فَإِنَّهَا دَار أَحْكَام فباختلاف المنعة لَا تخْتَلف الدَّار وَهَذَا بِخِلَاف أهل الذِّمَّة فَإِنَّهُم صَارُوا من أهل دَارنَا فَتقبل شَهَادَة بَعضهم على بعض وَإِن كَانُوا من منعات مُخْتَلفَة كَذَا فِي المنبع
وَفِي البزازي ويكتفى بِشَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة حرَّة مسلمة عَاقِلَة بَالِغَة فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال كالولادة وَالْعَيْب الَّذِي لَا ينظر إِلَيْهِ الرِّجَال وَلَا يشْتَرط لفظ الشَّهَادَة عِنْد مَشَايِخ الْعرَاق وَعند مَشَايِخنَا يشْتَرط وَعَلِيهِ اعْتمد الْقَدُورِيّ وَعَلِيهِ الْفَتْوَى والمثبت أحفظ وَالأَصَح أَنه تقبل شَهَادَة رجل وَاحِد فِيهِ أَيْضا وَيحمل على وُقُوع النّظر لَا عَن قصد أَو عَن قصد لتحمل الشَّهَادَة كَمَا فِي الزِّنَى وعَلى استهلال الصَّبِي فِي حق الْإِرْث لَا تقبل الا شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَعِنْدَهُمَا تقبل شَهَادَة حرَّة مسلمة وعَلى حَرَكَة الْوَلَد بعد الْولادَة على هَذَا الْخلاف وَالشَّهَادَة على الْعَذْرَاء أَو الرتقاء على هَذَا الْخلاف أَيْضا
جَاءَت الْمَنْكُوحَة بِولد وَقَالَت لبعلها الْوَلَد مِنْك فَأنْكر وِلَادَتهَا لَا يقبل قَوْلهَا بِلَا شَهَادَة الْقَابِلَة وبشهادتها يثبت النّسَب والثنتان أحوط وَإِن كَانَ يصدقها فبمجرد قَوْلهَا يثبت النّسَب
شهد الابنان على أَبِيهِمَا بِطَلَاق أمهما إِن جحدت الطَّلَاق تقبل شَهَادَتهمَا وَإِن ادَّعَت الطَّلَاق لَا تقبل وَفِيه إِشْكَال فَإِن الطَّلَاق حق الله تَعَالَى وَيَسْتَوِي فِيهِ وجود الدَّعْوَى وَعدمهَا فَلَو انعدمت الدَّعْوَى تقبل فَكَذَا إِذا وجدت قُلْنَا نعم هُوَ حَقه تَعَالَى كَمَا ذكرت لَكِن يسلم لَهَا بضعهَا حَتَّى تملك الِاعْتِيَاض فَتعْتَبر الدَّعْوَى إِذا وجدت وَلَا تعْتَبر الْفَائِدَة إِذا عدمت الدَّعْوَى اه
وَفِي العتابي الْوَكِيل بِقَبض الدّين تجوز شَهَادَته بِالدّينِ
نوع فِي الِاخْتِلَاف فِي الشَّهَادَة الشَّهَادَة إِذا وَافَقت الدَّعْوَى كَانَت مَقْبُولَة وَإِن خالفتها لم تقبل

(1/246)


وَفِي الْبَدَائِع الشَّرَائِط الَّتِي ترجع إِلَى نفس الشَّهَادَة أَنْوَاع مِنْهَا لفظ الشَّهَادَة فَلَا تقبل بغَيْرهَا من الْأَلْفَاظ كلفظة الْإِخْبَار والإعلام وَغَيرهمَا وَمِنْهَا موافقتها للدعوى فالشهادة المنفردة عَن الدَّعْوَى فِيمَا يشْتَرط فِيهِ الدَّعْوَى غير مَقْبُولَة وَبَيَان ذَلِك فِي مسَائِل إِذا ادّعى ملكا بِسَبَب ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة على ملك مُطلق لَا تقبل وبمثله لَو ادّعى ملكا مُطلقًا ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة على الْملك بِسَبَب تقبل وَوجه الْفرق بَينهمَا ظَاهر فَتَأمل
وَفِي المنبع الْمُوَافقَة كَمَا تشْتَرط بَين الشَّهَادَة وَالدَّعْوَى فَكَذَلِك تشْتَرط بَين شَهَادَة الشَّاهِدين فِيمَا يشْتَرط فِيهِ الْعدَد حَتَّى لَو وَقع الِاخْتِلَاف بَين شَهَادَتهمَا لم تقبل شَهَادَتهمَا وَهَذَا لِأَن اخْتِلَافهمَا اخْتِلَاف بَين الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة
وَفِي الْكَافِي وَلَو ادّعى الْغَرِيم الْإِيفَاء فَشهد أحد الشَّاهِدين على إِقْرَار الطَّالِب بِالِاسْتِيفَاءِ وَالْآخر انه أَبرَأَهُ أَو حلله أَو وهبه أَو تصدق عَلَيْهِ بِهِ لم تقبل لاختلافهما لفظا وَمعنى إِلَّا إِذا قَالَ شَاهد الْبَرَاءَة إِنَّه أقرّ أَنه بَرِيء إِلَيْهِ بالإيفاء وَلَو ادّعى الْإِبْرَاء فَشهد أَحدهمَا أَنه أَبرَأَهُ وَالْآخر أَنه وهبه أَو تصدق بِهِ عَلَيْهِ تقبل لِأَنَّهُمَا يستعملان فِي الْبَرَاءَة وَلَو ادّعى الْهِبَة فَشهد أَحدهمَا بِالْهبةِ وَالْآخر بِالْإِبْرَاءِ تقبل وَلَو شهد الآخر بِالصَّدَقَةِ لَا تقبل لِأَن الصَّدَقَة إِخْرَاج المَال إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْهِبَة إِلَى العَبْد
وَإِذا اخْتلف الشَّاهِدَانِ فِي الزَّمَان أَو الْمَكَان فِي البيع وَالشِّرَاء وَالطَّلَاق وَالْعتاق وَالْوكَالَة وَالْوَصِيَّة وَالرَّهْن وَالدّين وَالْقَرْض والبراءة وَالْكَفَالَة وَالْحوالَة وَالْقَذْف تقبل وَإِذا اخْتلفَا فِي الْجِنَايَة وَالْغَضَب وَالْقَتْل وَالنِّكَاح لَا تقبل
وَفِي الذَّخِيرَة لَو شهد أَحدهمَا بِالْقَتْلِ وَالْآخر بِالْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ لَا تقبل لِأَن الْقَتْل فعل وَالْإِقْرَار قَول وَالْفِعْل غير القَوْل فَاخْتلف الْمَشْهُود بِهِ وَكَذَا لَو شَهدا بِالْقَتْلِ وَاخْتلفَا فِي الزَّمَان أَو فِي الْمَكَان لِأَن الْفِعْل الثَّانِي غير الْفِعْل الأول وَكَذَا إِذا اخْتلفَا فِي الْآلَة الَّتِي كَانَ بهَا الْقَتْل لَا تقبل وَلَو شَهدا بالْقَوْل وَاخْتلفَا فِي الزَّمَان أَو فِي الْمَكَان لَا يقْدَح فِي الشَّهَادَة وَلَو شَهدا بِالْفِعْلِ وَاخْتلفَا فِي الزَّمَان أَو فِي الْمَكَان لَا تقبل وَلَو شَهدا بِالْفِعْلِ وَالْقَوْل وَاخْتلفَا فِي الزَّمَان أَو فِي الْمَكَان بِأَن شَهدا بِالرَّهْنِ وَالْقَبْض وَاخْتلفَا فِي الزَّمَان أَو فِي الْمَكَان جَازَت الشَّهَادَة
وَفِي الْقنية أمة اقامت بَيِّنَة أَن مَوْلَاهَا دبرهَا فِي مرض مَوته وَهُوَ عَاقل وأقامت الْوَرَثَة بَيِّنَة أَنه كَانَ مخلوط الْعقل فَبَيِّنَة الْأمة أولى وَكَذَا إِذا خَالع امْرَأَته ثمَّ أَقَامَ الزَّوْج بَيِّنَة أَنه كَانَ مَجْنُونا وَقت الْخلْع وأقامت بَيِّنَة أَنه كَانَ عَاقِلا حِينَئِذٍ أَو كَانَ مَجْنُونا وَقت الْخُصُومَة فاقام وليه بَيِّنَة أَنه كَانَ مَجْنُونا وَالْمَرْأَة على أَنه كَانَ عَاقِلا فَبَيِّنَة الْمَرْأَة أولى فِي الْفَصْلَيْنِ
بَاعَ ضَيْعَة وَلَده فَأَقَامَ المُشْتَرِي بَيِّنَة أَنه بَاعهَا فِي صغره بِثمن الْمثل وَالِابْن اقام بَيِّنَة أَنه بَاعهَا فِي حَال بُلُوغه فَبَيِّنَة المُشْتَرِي أولى وَقَالَ برهَان الدّين صَاحب الْمُحِيط بَيِّنَة الابْن أولى وَلَو اقام البَائِع بَيِّنَة أَنِّي بعتها فِي حَال صغرى وَأقَام المُشْتَرِي بَيِّنَة أَنَّك بعتها بعد الْبلُوغ فَبَيِّنَة المُشْتَرِي أولى لِأَنَّهُ يثبت الْعَارِض
ادّعى الزَّوْج بعد وفاتها أَنَّهَا كَانَت أَبرَأته من الصَدَاق حَال صِحَّتهَا واقام بَيِّنَة واقامت الْوَرَثَة بَيِّنَة أَنَّهَا أَبرَأته فِي مرض مَوتهَا فَبَيِّنَة الصِّحَّة أولى وَقيل بَيِّنَة الْوَرَثَة أولى
وَفِي تَتِمَّة الصُّغْرَى وَالْمُحِيط لَو أقرّ لوَارث ثمَّ مَاتَ فَقَالَ الْمقر لَهُ أقرّ فِي الصِّحَّة وَقَالَ الْوَرَثَة فِي مَرضه فَالْقَوْل قَول الْوَرَثَة وَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الْمقر لَهُ وَإِن لم يقم بَيِّنَة وَأَرَادَ استحلافهم لَهُ ذَلِك
ادّعى على رجل أَنه أكرهني بالتخويف بِحَبْس الْوَالِي وَالضَّرْب على أَن يسْتَأْجر مِنْهُ حانوتا واقام بَيِّنَة

(1/247)


وَأقَام الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بَيِّنَة بِأَنَّهُ كَانَ طَائِعا فَبَيِّنَة الطواعية أولى وَلَو قضى القَاضِي بِبَيِّنَة الْإِكْرَاه ينفذ قَضَاؤُهُ إِن عرف الْخلاف وَقضى بِنَاء على الْفَتْوَى
أَقَامَ المُشْتَرِي بَيِّنَة أَنه بَاعهَا مِنْهُ هَذَا الشَّيْء بيعا صَحِيحا واقام البَائِع بَيِّنَة أَنه بَاعه مكْرها فَبَيِّنَة الصِّحَّة أولى وَقَالَ أَبُو حَامِد رَحمَه الله تَعَالَى بَيِّنَة الْإِكْرَاه أولى
وَفِي الْمُحِيط ادّعى أَحدهمَا البيع أَو الصُّلْح عَن طوع وَادّعى الآخر عَن كره فَبَيِّنَة مدعي الكره أولى وَكَذَا لَو ادّعى الْإِقْرَار عَن طوع وَالْآخر عَن كره فَبَيِّنَة مدعي الكره أولى اه
الشَّهَادَة على الشَّهَادَة جَائِزَة فِي الأقارير والحقوق وأقضية الْقُضَاة وكتبهم وكل شَيْء إِلَّا فِي الْحُدُود وَالْقصاص
وَذكر الناطفي فِي واقعاته أَن الشَّهَادَة على الشَّهَادَة فِي الْوَقْف لَا تجوز وَالصَّحِيح أَنَّهَا تجوز لما فِيهِ من إحْيَاء الْحُقُوق وَلَا تجوز على شَهَادَة رجل أقَال من شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَأما كَيْفيَّة الْإِشْهَاد من الأَصْل أَن يَقُول شَاهد الأَصْل لشاهد الْفَرْع أشهد أَن لزيد على عَمْرو كَذَا فاشهد أَنْت على شهادتي بذلك أَو يَقُول أشهد أَنى أشهد أَن فلَان بن فلَان أقرّ عندى بِكَذَا أَو يَقُول أشهد أَنى سَمِعت فلَانا يقر لفُلَان بِكَذَا فاشهد أَنْت على شهادتي وَإِنَّمَا شَرط الْإِشْهَاد حَتَّى لَا يَصح تحمل الْفَرْع بِنَفس السماع بِدُونِ الاشهاد
وَفِي الْمُحِيط والتحمل لَا يَصح الا بِالْأَمر وَلِهَذَا لَو نهى الْأُصُول وَالْفُرُوع عَن الشَّهَادَة وَبعد الْأَمر عمل بِالنَّهْي
وَفِي التَّتِمَّة إِذا حكى الرجل شَهَادَة نَفسه عِنْد غَيره فِي حَادِثَة لرجل على رجل وَقَالَ لذَلِك الْغَيْر اشْهَدْ أَو قَالَ فاشهد وَلم يقل على شهادتي لم تجز وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى تجوز لِأَن مَعْنَاهُ فاشهد على شهادتي
وَلَا تقبل شَهَادَة شُهُود الْفَرْع إِلَّا أَن يَمُوت شُهُود الأَصْل أَو يمرضوا مَرضا لَا يَسْتَطِيعُونَ حُضُور مجْلِس القَاضِي أَو يغيبوا مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها فَصَاعِدا
وَعَن أبي يُوسُف أَنه لم يَجْعَل السّفر شرطا وَلكنه قَالَ إِن كَانَ غَائِبا عَن الْمصر فِي مَسَافَة لَو غَدا إِلَى القَاضِي لأَدَاء الشَّهَادَة لم يسْتَطع أَن يبيت بأَهْله صَحَّ الاشهاد لِأَن إحْيَاء الْحُقُوق وَاجِب مَا أمكن
وَذكر القَاضِي إِمَام الدّين على السغدي وشمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ أَن عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى يَنْبَغِي أَن يجوز الاشهاد من غير عذر وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله لَا يجوز بِنَاء على أَن التَّوْكِيل من غير رضَا الْخصم لَا يجوز عِنْده إِلَّا بِعُذْر السّفر أَو الْمَرَض وَعِنْدَهُمَا يجوز إِلَّا أَن هَذَا غير ظَاهر فَلَا يُفْتى بِهِ
وَفِي آخر شَهَادَات الْمُنْتَقى قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى أقبل الشَّهَادَة على الشَّهَادَة والمشهود على شَهَادَته فِي الْمصر من غير مرض بِهِ وَلَا عِلّة
إِذا شهد الرّجلَانِ عِنْد القَاضِي على شَهَادَة رجل وصححا الشَّهَادَة فَإِن كَانَ القَاضِي يعرف الْأُصُول وَالْفُرُوع بِالْعَدَالَةِ قضى بِشَهَادَتِهِم وَإِن عرف الْأُصُول بِالْعَدَالَةِ وَلم يعرف الْفُرُوع يسْأَل عَن الْفُرُوع وَإِن عرف الْفُرُوع بِالْعَدَالَةِ وَلم يعرف الْأُصُول بِالْعَدَالَةِ ذكر الْخصاف رَحمَه الله تَعَالَى أَن القَاضِي يسْأَل الْفُرُوع عَن الْأُصُول وَلَا يقْضِي قبل السُّؤَال فَإِن عدلوا أصولهم تثبت عَدَالَة الْأُصُول بِشَهَادَتِهِم فِي ظَاهر الرِّوَايَة

(1/248)


وَهُوَ الصَّحِيح وَعند مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى لَا تثبت عَدَالَة الْأُصُول بتعديل الْفُرُوع للتُّهمَةِ لِأَن فِي تعديلهم مَنْفَعَة لَهُم حَيْثُ ينفذ قَوْلهم بعدالة الْأُصُول
إِذا أنكر الْأُصُول شَهَادَتهم لم تقبل شَهَادَة الْفُرُوع لِأَن التحميل شَرط صِحَة شَهَادَة الْفُرُوع وَقد فَاتَ هَذَا الشَّرْط للتعارض بَين الْخَبَرَيْنِ فَيفوت الْمَشْرُوط وَهُوَ صِحَة الشَّهَادَة اه
نوع فِي الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة لَا يَصح الرُّجُوع إِلَّا فِي مجْلِس الْقَضَاء حَتَّى لَو رَجَعَ عِنْد غير القَاضِي لَا يَصح وَلَو ادّعى الْمَشْهُود عَلَيْهِ رجوعهما وَأَرَادَ يمينهما لَا يحلفان وَكَذَا لَا تقبل بَينته على الرُّجُوع لِأَنَّهُ ادّعى رُجُوعا بَاطِلا
وَفِي التَّتِمَّة وَلَو ادّعى الرُّجُوع عِنْد القَاضِي وَلم يدع الْقَضَاء بِالرُّجُوعِ وبالضمان لَا يَصح لِأَن الرُّجُوع عِنْد القَاضِي إِنَّمَا يَصح إِذا اتَّصل بِهِ الْقَضَاء أما إِذا ادّعى الرُّجُوع عِنْد القَاضِي وَالْقَضَاء بذلك صَحَّ وَتقبل الْبَيِّنَة على ذَلِك وَلَو شهد عِنْد قَاض وَرجع عِنْد قَاض آخر يَصح وَيجب الضَّمَان عَلَيْهِ لَكِن إِذا قضى القَاضِي عَلَيْهِ وَمن الْمَشَايِخ من استبعد توقف صِحَة الرُّجُوع على الْقَضَاء بِالرُّجُوعِ أَو بِالضَّمَانِ وَإِذا أقرّ الشَّاهِدَانِ عِنْد القَاضِي أَنَّهُمَا رجعا فِي غير مجْلِس القَاضِي يَصح وَيجْعَل الْإِقْرَار بِمَنْزِلَة الْإِنْشَاء وَإِذا رَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَن شَهَادَتهمَا قبل الحكم بهَا سَقَطت شَهَادَتهمَا عَن الْإِلْزَام على القَاضِي بالحكم لظُهُور التَّنَاقُض بَين كَلَامهمَا فَإِن رجعا بعد الحكم لم يفْسخ وضمنا مَا اتلفاه بِشَهَادَتِهِمَا وَإِن رَجَعَ أَحدهمَا ضمن نصفا وَالْعبْرَة للْبَاقِي لَا للراجع
دقيقة فِي ايجاب الضَّمَان على الشَّاهِدين الشَّاهِدَانِ مَتى مَا ذكرا شَيْئا هُوَ لَازم للْقَضَاء ثمَّ ظهر بِخِلَافِهِ ضمنا وَمَتى مَا ذكرا شَيْئا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْقَضَاء ثمَّ تبين بِخِلَاف مَا قَالَا لَا يضمنَانِ شَيْئا حَتَّى أَن مولى الْمُوَالَاة إِذا مَاتَ فَادّعى رجل مِيرَاثه بِسَبَب الْوَلَاء فَشهد شَاهِدَانِ أَن هَذَا الرجل مولى هَذَا الَّذِي أسلم وَالَاهُ وعاقده وَأَنه وَارثه وَلَا نعلم لَهُ وَارِثا غَيره فَقضى لَهُ القَاضِي بميراثه فاستهلكه وَهُوَ مُعسر ثمَّ إِن رجلا آخر أَقَامَ الْبَيِّنَة أَنه كَانَ نقض وَلَاء الأول ووالى هَذَا الثَّانِي وَأَنه توفى وَهَذَا الثَّانِي مَوْلَاهُ ووارثه لَا وَارِث لَهُ غَيره فَالْقَاضِي يقْضِي بِالْمِيرَاثِ للثَّانِي وَيكون الثَّانِي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمن الشَّاهِدين الْأَوَّلين وَإِن شَاءَ ضمن الْمَشْهُود لَهُ الأول لِأَنَّهُ ظهر كذب الشَّاهِدين الْأَوَّلين فِيمَا للْحكم بِهِ تعلق
وَبَيَان ذَلِك فِي مَسْأَلَة الْوَلَاء أَن قَوْلهمَا هُوَ وَارثه لَا وَارِث لَهُ غَيره أَمر لَا بُد مِنْهُ للْقَضَاء لَهُ بِالْمِيرَاثِ فَإِنَّهُم إِذا شهدُوا بِأَصْل الْوَلَاء وَلم يَقُولُوا إِنَّه وَارثه فَالْقَاضِي لَا يقْضِي لَهُ بِالْمِيرَاثِ وَإِنَّمَا أَخذ الأول الْمِيرَاث بقول الشَّاهِدين الْأَوَّلين إِنَّه مَوْلَاهُ ووارثه الْيَوْم وَقد ظهر كذبهما فضمنا بِخِلَاف مَسْأَلَة الشَّهَادَة فِي النِّكَاح فَإِنَّهُمَا إِذا شَهدا أَنه مَاتَ وَهِي امْرَأَته لَا يضمنَانِ لِأَن قَوْلهمَا مَاتَ وَهِي امْرَأَته زِيَادَة غير مُحْتَاج إِلَيْهَا فَإِنَّهُمَا لَو قَالَا كَانَت امْرَأَته فَإِن القَاضِي يقْضِي لَهَا بِالْمِيرَاثِ فَصَارَ وجود هَذِه الزِّيَادَة والعدم بِمَنْزِلَة وَاحِدَة فَلَو انعدمت هَذِه الزِّيَادَة لَكَانَ لَا يجب عَلَيْهِمَا شَيْء لِأَنَّهُمَا شَهدا بِنِكَاح كَانَ وَلم يظْهر كذبهما فِي ذَلِك
وَلَو شهد أَن لفُلَان على هَذَا الرجل ألف دِرْهَم فَقضى القَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا وَأمر الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِدفع المَال وَهُوَ الْألف إِلَى الْمُدَّعِي ثمَّ اقام الْمُدَّعِي عَلَيْهِ الْبَيِّنَة على الْبَرَاءَة فَإِن الشَّاهِدين يضمنَانِ وَالْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ فِي تضمين الْمُدَّعِي أَو الشَّاهِدين لِأَنَّهُمَا حققا عَلَيْهِ ايجاب المَال فِي الْحَال فَإِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة على الْبَرَاءَة فقد ظهر كذبهما فصارا خائنين فغرما بِخِلَاف الْفَصْل الأول لِأَنَّهُ ثمَّة لم يحققا المَال فِي الْحَال وَإِنَّمَا أخبر عَن شَيْء مَاض فَلم يظْهر كذبهما وأوضح مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى هَذِه الْمَسْأَلَة بِمَسْأَلَة الطَّلَاق فَإِن الْمُدَّعِي عَلَيْهِ إِذا أنكر

(1/249)


المَال وَحلف ثمَّ شَهدا على إِقْرَاره بذلك لم يَحْنَث لما أَنه لم يحققا عَلَيْهِ الايجاب وَلَو حققا فِي الْحَال حنث فاتضح الْفرق كَذَا فِي الْعِمَادِيّ