لسان
الحكام في معرفة الأحكام الْفَصْل الرَّابِع فِي الْوكَالَة
وَالْكَفَالَة وَالْحوالَة
شَرط صِحَة الْوكَالَة أَن يكون الْمُوكل مِمَّن يملك التَّصَرُّف لِأَن
الْوَكِيل يَسْتَفِيد ولَايَة التَّصَرُّف من الْمُوكل وَيقدر عَلَيْهِ من
قبله وَمن لَا يقدر على شَيْء كَيفَ يقدر غَيره عَلَيْهِ
وَفِي الذَّخِيرَة هَذَا شَرط على قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله
تَعَالَى وَأما على قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فَلَا يشْتَرط
أَن يكون الْمُوكل قَادِرًا على التَّصَرُّف بل الْوَكِيل يتَصَرَّف بأهلية
نَفسه وَلِهَذَا جَازَ عِنْده تَوْكِيل الْمُسلم الذِّمِّيّ بشرَاء الْخمر
وَالْخِنْزِير وتوكيل الْمحرم الْحَلَال بيبع الصَّيْد وَقيل المُرَاد
بمالكية الْمُوكل للتَّصَرُّف وَقدرته عَلَيْهِ بِالنّظرِ إِلَى اصل
التَّصَرُّف وَإِن امْتنع بِعَارِض وَبيع الْخمر يجوز للْمُسلمِ فِي
الأَصْل وَإِنَّمَا امْتنع لعَارض النَّهْي
وَفِي النتف الْوكَالَة على أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا وكَالَة رجل لرجل آخر
وَالثَّانِي وكَالَة رجلَيْنِ لرجل وَاحِد وَالثَّالِث وكَالَة رجل
لِرجلَيْنِ وَالرَّابِع وكَالَة رجلَيْنِ لِرجلَيْنِ أَو أَكثر وَكلهَا
جَائِزَة وَيجوز أَن يُوكل كل أحد إِلَّا ثَلَاثَة أَصْنَاف العَبْد
الْمَحْجُور وَالصَّبِيّ الْمَحْجُور وَالْمَعْتُوه الَّذِي لَا يعقل
رجل قَالَ لآخر أَنْت وَكيلِي فِي كل شَيْء يصير وَكيلا فِي الْبياعَات
والمواضعات والهبات وَالْعتاق لِأَن اللَّفْظ عَام وروى عَن أبي حنيفَة
رَحمَه الله تَعَالَى أَنه يكون وَكيلا فِي المواضعات دون الهبات وَالْعتاق
كَذَا ذكره فِي واقعات الناطفي
وَفِي ادب القَاضِي للخصاف وَلَو قَالَ فلَان وَكيلِي فِي كل شَيْء فَهَذَا
تَوْكِيل فِي الْحِفْظ لَا غير اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاس أَن لَا يصير
وَكيلا وَلَو قَالَ فلَان وَكيلِي فِي كل شَيْء جَائِز أمره فَهَذَا وَكيل
فِي الْحِفْظ وَالْبيع وَالشِّرَاء وَالْهِبَة وَالصَّدَََقَة والتقاضي
لديونه وحقوقه وَغير ذَلِك لِأَنَّهُ فوض التَّصَرُّف إِلَيْهِ عَاما
فَصَارَ بِمَنْزِلَة مَا لَو قَالَ مَا صنعت من شَيْء فَهُوَ جَائِز فَيملك
جَمِيع أَنْوَاع التَّصَرُّفَات وَلَو طلق امْرَأَته يجوز قَالَ الصَّدْر
الشَّهِيد رَحمَه الله تَعَالَى بِهِ يُفْتى حَتَّى يتَبَيَّن خِلَافه
وَذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي النَّوَازِل أَن من قَالَ لآخر وَكلتك
فِي جَمِيع أموري فَقَالَ الْوَكِيل طلقت امْرَأَتك أَو وقفت أَرْضك لَا
يجوز لِأَنَّهُ يُرَاد بِهَذِهِ اللَّفْظَة التَّصَرُّف على سَبِيل
الْمُبَادلَة وَهُوَ اخْتِيَار الْفَقِيه أبي اللَّيْث وَمَا ذَكرْنَاهُ
قبل هُوَ اخْتِيَار الصَّدْر الشَّهِيد انْتهى
وَفِي المنبع لَا خلاف أَن التَّوْكِيل بِالْخُصُومَةِ فِي إِثْبَات الدّين
وَالْعين جَائِز وَإِنَّمَا الْخلاف فِي أَنه هَل يشْتَرط لصِحَّته رضَا
الْخصم قَالَ ابو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لَا يَصح التَّوْكِيل الا
بِرِضا الْخصم إِلَّا أَن يكون الْمُوكل مَرِيضا أَو غَائِبا مسيرَة
ثَلَاثَة أَيَّام أَو تكون الْمَرْأَة الموكلة مخدرة لم تخالط الرِّجَال
بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا قَالَ فَخر الاسلام البزودي المخدرة هِيَ الَّتِي
لَا يَرَاهَا أحد غير الْمحرم من الرِّجَال أما الَّتِي جليت على المنصة
فيراها الْأَجَانِب لَا تكون مخدرة وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ يلْزم
التَّوْكِيل بِغَيْر رضَا الْخصم لِأَنَّهَا لَو حضرت
(1/250)
لَا تنطق بِحَقِّهَا لغَلَبَة الْحيَاء
عَلَيْهَا فَيلْزم توكيلها وَعَلِيهِ الْفَتْوَى وَقَالَ أَبُو يُوسُف
وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى يَصح التَّوْكِيل بِغَيْر رضَا الْخصم
وَبِه قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى وَالصَّحِيح أَن الْخلاف فِي
اللُّزُوم لَا فِي الصِّحَّة فَعنده الْوكَالَة من غير رضَا الْخصم
صَحِيحَة غير لَازِمَة حَتَّى ترد الْوكَالَة برد الْخصم وَلَا يلْزمه
الْحُضُور وَلَا الْجَواب بخصومة التَّوْكِيل وَعِنْدَهُمَا صَحِيحَة
لَازِمَة وَلَا ترد برده وَيلْزمهُ الْحُضُور وَالْجَوَاب بخصومة الْوَكِيل
وبقولهما أَخذ أَبُو اللَّيْث وَأَبُو الْقَاسِم الصفار وَبَعض
الْمُتَأَخِّرين اخْتَار أَن القَاضِي إِذا علم من خَصمه التعنت من إباء
التَّوْكِيل يقبل التَّوْكِيل وَإِن علم من الْمُوكل الْقَصْد إِلَى
إِضْرَار صَاحبه بالحيل من الْوَكِيل لَا يقبل التَّوْكِيل إِلَّا بِرِضا
صَاحبه وَإِلَيْهِ مَال الامام السَّرخسِيّ والأوزجندي رحمهمَا الله
وَفِي البزازي وكل أحد الْخَصْمَيْنِ من وكلاء المحكمة وَكيلا فَقَالَ
الآخر لَيْسَ لي مَال اسْتَأْجر بِهِ من وكلاء المحكمة من يقاومه وَأَنا
عَاجز عَن فَلَا أرْضى بالوكيل بل يتَكَلَّم بِنَفسِهِ معي فالراي فِيهِ
إِلَى الْحَاكِم وَأَصله أَن التَّوْكِيل بِلَا رضَا خَصمه من الصَّحِيح
الْمُقِيم طَالبا كَانَ أَو مَطْلُوبا وضيعا أَو شريفا إِذا لم يكن
الْمُوكل حَاضرا فِي مجْلِس الحكم لَا يَصح عِنْد الامام رَحمَه الله
تَعَالَى أَي لَا يجْبر خَصمه على قبُول الْوكَالَة وَعِنْدَهُمَا
وَالشَّافِعِيّ رَحِمهم الله تَعَالَى يَصح أَن يجير على قبُوله لما مر
وَفِي أدب القَاضِي لَا خلاف فِي صِحَّته بِلَا رضَا خَصمه لَكِن لَا يسْقط
حق الْخصم فِي مُطَالبَته بالحضور مجْلِس الحكم وَالْجَوَاب لنَفسِهِ الا
بِرِضا الْخصم أَو مرض الْمُوكل أَو مخدرة وَكَونه مَحْبُوسًا من
الْأَعْذَار وَيلْزمهُ تَوْكِيله فعلى هَذَا لَو كَانَ الشَّاهِد
مَحْبُوسًا لَهُ أَن يشْهد على شَهَادَته
وَقَالَ البزازي إِن كَانَ فِي سجن القَاضِي لَا يكون عذرا لِأَنَّهُ
يُخرجهُ حَتَّى يشْهد ثمَّ يُعِيدهُ وعَلى هَذَا يُمكن أَن يُقَال فِي
الدَّعْوَى أَيْضا كَذَلِك بِأَن يُجيب عَن الدَّعْوَى ثمَّ يُعَاد اه
وَفِي الْوَلْوَالجيّ رجل من الْأَشْرَاف وَقعت لَهُ خُصُومَة مَعَ رجل
هُوَ دونه فَأَرَادَ أَن يُوكل وَكيلا وَلَا يحضر بِنَفسِهِ هَذِه
الْمَسْأَلَة اخْتلف الْعلمَاء فِيهَا قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث
رَحمَه الله تَعَالَى نَحن نرى أَن تقبل الْوكَالَة والشريف وَغير الشريف
فِيهِ سَوَاء
وَفِي المنبع قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى
التَّوْكِيل بِالْخُصُومَةِ تَوْكِيل بِالْإِقْرَارِ فِي مجْلِس الحكم
حَتَّى لَو أقرّ على مُوكله فِي غير مجْلِس الحكم لَا يَصح إِقْرَاره
وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى آخر التَّوْكِيل بِالْخُصُومَةِ
تَوْكِيل بِالْإِقْرَارِ فِي مجْلِس الحكم وَفِي غير مجْلِس الحكم فَإِن
الْمُوكل أَقَامَ الْوَكِيل مقَام نَفسه مُطلقًا فَيَقْضِي أَن يملك مَا
كَانَ الْمُوكل مَالِكًا وَالْمُوكل مَالك الْإِقْرَار بِنَفسِهِ فِي
مجْلِس القَاضِي وَفِي غير مجْلِس القَاضِي فَكَذَا الْوَكِيل
وَلأبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله أَن جَوَاب الْخُصُومَة مُخْتَصّ
بِمَجْلِس الحكم حَتَّى لَا يسْتَحق على الْمَطْلُوب الْجَواب إِلَّا فِي
مجْلِس الحكم وَالتَّوْكِيل بِجَوَاب الْخصم يتَقَيَّد فِي مجْلِس الحكم
ضَرُورَة فَصَارَ تَقْدِير الْمَسْأَلَة وَكلتك لتجيب خصمي فِي مجْلِس
الحكم وَلَو قَالَ هَكَذَا لَا يَصح إِقْرَار الْوَكِيل عَلَيْهِ فِي غير
مجْلِس الحكم
أقرّ بِالدّينِ وَأنكر الْوكَالَة فَطلب زاعم الْوكَالَة تَحْلِيفه على عدم
علمه بِكَوْنِهِ وَكيلا فالإمام رَحمَه الله قَالَ لَا يحلفهُ وَقَالَ
صَاحِبَاه يحلفهُ
وَذكر فِي الْعِمَادِيّ محالا على الذَّخِيرَة فِي فصل إِثْبَات الْوكَالَة
أَن فِي تَحْلِيف الْوَكِيل للْمُدَّعِي عَلَيْهِ اخْتِلَاف الْمَشَايِخ
رَحِمهم الله تَعَالَى قَالَ بَعضهم هَذَا جَوَاب الْكل إِلَّا أَن الْخصاف
خص قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد
(1/251)
بِالذكر لِأَنَّهُ لم يحفظ قَول أبي حنيفَة
رَحمَه الله تَعَالَى لَا لِأَن قَوْله بِخِلَاف قَوْلهمَا وَإِلَى هَذَا
مَال شمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي رَحمَه الله تَعَالَى
وَمن ادّعى أَنه وَكيل الْغَائِب فِي قبض دينه فَصدقهُ الْغَرِيم أَمر
بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ أقرّ على نَفسه فَإِن حضر الْغَائِب
وَصدقه فَذَاك وَإِلَّا دفع الْغَرِيم الدّين إِلَيْهِ ثَانِيًا وَرجع بِهِ
على الْوَكِيل إِن كَانَ بَاقِيا فِي يَده لِأَن غَرَضه من الدّفع بَرَاءَة
ذمَّته مِنْهُ وَلم يحصل وَإِن ضَاعَ من يَده لم يرجع عَلَيْهِ لِأَن
بتصديقه اعْترف أَنه محق بِالْقَبْضِ إِلَّا أَن يكون ضمنه عِنْد الدّفع
لِأَن الْمَأْخُوذ ثَانِيًا مَضْمُون عَلَيْهِ فِي زعمهما وَهَذِه كَفَالَة
أضيفت إِلَى حَالَة الْقَبْض فَتَصِح بِمَنْزِلَة الْكفَالَة بِمَا ذاب لَك
على فلَان وَلَو كَانَ الْغَرِيم لم يصدقهُ على الْوكَالَة وَدفعه إِلَيْهِ
على ادعائه فَإِن رَجَعَ صَاحب المَال على الْغَرِيم رَجَعَ الْغَرِيم على
الْوَكِيل وَإِن ضَاعَ من يَده لِأَنَّهُ لم يصدقهُ فِي الْوكَالَة
وَإِنَّمَا دفع إِلَيْهِ على رَجَاء الْإِجَازَة فَإِذا انْقَطع رجاؤه
رَجَعَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَو دفع إِلَيْهِ على تَكْذِيبه إِيَّاه فِي
الْوكَالَة وَهَذَا ظَاهر فِي الْوُجُوه كلهَا وَلَيْسَ لَهُ أَن يسْتَردّ
الْمَدْفُوع حَتَّى يحضر الْغَائِب لِأَن الْمُؤَدِّي صَار حَقًا للْغَائِب
وَفِي فَتَاوَى رشيد الدّين رجل قَالَ لمديونه ادْفَعْ مَا لفُلَان عَلَيْك
إِلَيّ لأقبض لَعَلَّه يُجِيز فَدفع ذكر فِي الزِّيَادَات لَيْسَ لَهُ أَن
يسْتَردّهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ تعلق بِهِ حق رب الدّين لِأَن الْقَابِض قبض
لأَجله لَعَلَّه يُجِيز وَذكر فِي الْمُنْتَقى أَن لَهُ أَن يسْتَردّ
مِنْهُ وَكَذَلِكَ الْمَدْيُون إِذا دفع قدر الدّين إِلَى رجل ليدفع إِلَى
رب دينه ثمَّ أَرَادَ أَن يسْتَردّهُ سنه لَهُ ذَلِك
وروى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَن الْوَكِيل يقبض الْعين إِذا صدقه
صَاحب الْيَد يجْبر بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ كَالدّين
وَذكر فِي وكَالَة غَرِيب الرِّوَايَة رجل فِي يَده مَتَاع فَقَالَ هَذَا
لفُلَان وَهَذَا وَكيل بِالْقَبْضِ يجْبر على الدّفع فِي الْعين وَالدّين
عِنْد أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى
وَفِي شرح الطَّحَاوِيّ وَلَو ادّعى الْوكَالَة بِقَبض الْوَدِيعَة وَصدقه
لَا يجْبر على التَّسْلِيم وَلَو كذبه أَو سكت لَا يجْبر أَيْضا وَلَو سلم
لَا يتَمَكَّن من اسْتِرْدَاده فَإِن حضر الْمَالِك وَكذبه فِي الْوكَالَة
فَفِي وَجه وَاحِد لَا يرجع الْمُودع على الْوَكِيل وَهُوَ مَا إِذا صدقه
وَلم يشْتَرط عَلَيْهِ الضَّمَان وَفِي سَائِر الْوُجُوه يرجع عَلَيْهِ
بِعَيْنِه إِن كَانَ قَائِما وبقيمته إِن كَانَ هَالكا
وَمن ادّعى أَنه وصّى فلَان الْمَيِّت وَطلب الدّين وَصدقه الْغَرِيم
فَإِنَّهُ لَا يُؤمر بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ بِخِلَاف الْوَكِيل فَإِن
للْقَاضِي ولَايَة نصب الْوَصِيّ وَلَا يملك نصب الْوَكِيل
وَلَو وكلت رجلا يُزَوّجهَا من فلَان يَوْم الْجُمُعَة فَزَوجهَا مِنْهُ
يَوْم الْخَمِيس لَا يجوز لَان التَّفْوِيض تنَاول زَمَانا مَخْصُوصًا
وَفِي الصُّغْرَى لَو قَالَ بِعْ عَبدِي الْيَوْم أَو طلق امْرَأَتي
الْيَوْم فَفعل ذَلِك فِي غَد جَازَ وَيكون وَكيلا فِي الْيَوْم وَمَا بعده
وَلَا يكون وَكيلا فِيمَا قبل ذَلِك
رجل وكل رجلا بِقَبض دين على رجل فَقَبضهُ فَهُوَ وَدِيعَة عِنْد الْوَكِيل
إِن سَافر بِهِ لم يضمن وَإِن استودعه غَيره ضمن وَإِن خَلفه فِي أَهله لم
يضمن فَإِن وَضعه عِنْد امْرَأَته أَو خادمه أَو بعض عِيَاله لم يضمن
وَالْوَكِيل بِالْبيعِ إِذا سَافر بِمَا أَمر بِبيعِهِ يضمن
وَفِي مختلفات القَاضِي أبي عَاصِم العامري وَلَو وَكله بِقَبض وديعته
فَقَالَ الَّذِي كَانَت فِي يَده قد دفعتها
(1/252)
إِلَى الْمُوكل أَو إِلَى وَكيله
فَالْقَوْل قَوْله وَهُوَ مُصدق فِي بَرَاءَة نَفسه وَلَو وَكله بِقَبض
وَدِيعَة أَو عَارِية فَمَاتَ الْمُوكل فقد خرج الْوَكِيل من الْوكَالَة
فَإِن قَالَ الْوَكِيل قد كنت قبضتها فِي حَيَاته ودفعتها إِلَى الْمُوكل
لم يصدق على ذَلِك الا بِبَيِّنَة
رجل وكل رجلا بِقَبض كل حق لَهُ على النَّاس وَعِنْدهم وَمَعَهُمْ وَتَحْت
أَيْديهم وبقبض مَا يحدث لَهُ من الْمُقَاسَمَة بَين شركائه وبحبس من يرى
حَبسه وبالتخلية عَنهُ إِذا رأى ذَلِك وَكتب لَهُ بذلك كتابا وَكتب لَهُ
فِي آخِره أَنه يُخَاصم ويخاصم ثمَّ إِن قوما يدعونَ قبل الْمُوكل مَالا
وَالْمُوكل غَائِب فَأقر الْوَكِيل عَنهُ عِنْد القَاضِي أَنه وَكيله
وَأنكر المَال فأحضر الْخُصُوم شهودهم على الْمُوكل لَا يكون لَهُم أَن
يحبسوا الْوَكِيل لِأَن الْحَبْس جَزَاء الظُّلم وَلم يظْهر إِذْ لَيْسَ
فِي هَذِه الشَّهَادَة أَمر بأَدَاء المَال وَلَا ضَمَان الْوَكِيل عَن
مُوكله فَإِذا لم يجب على الْوَكِيل أَدَاء المَال من مَال الْمُوكل
بِأَمْر الْمُوكل وَلَا بِالضَّمَانِ عَن مُوكله لَا يكون الْوَكِيل
ظَالِما بامتناعه عَن أَدَاء المَال فَلَا يحبس فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة تدل
على أَن الْمَأْمُور بِقَضَاء الدّين من مَال الْآمِر يجْبر على قَضَاء
الدّين
إِذا شهدُوا على وكَالَة رجل فِي شَيْء وَالْوَكِيل يجْحَد الْوكَالَة
فَإِن كَانَ الْوَكِيل الطَّالِب وَالْمَطْلُوب يَدعِي الْوكَالَة
وَالْوَكِيل يجْحَد تقبل هَذِه الشَّهَادَة وَهل يجْبر على الْخُصُومَة
مَعَ الطَّالِب إِن شهد الشُّهُود أَن الْمَطْلُوب وَكله بِالْخُصُومَةِ
مَعَ الطَّالِب وَقبل الْوكَالَة وَإِن لم يشْهدُوا على الْقبُول لَا يجْبر
وَكله بِطَلَب كل حق لَهُ وبالخصومة وَالْقَبْض لَيْسَ لَهُ أَن يطْلب
شُفْعَة لِأَن الشُّفْعَة شِرَاء وَالْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ لَا يملك
الشِّرَاء وَله أَن يقبض شُفْعَة قضى لمُوكلِه بهَا
وَفِي البزازي رجل قَالَ لآخر وَكلتك بِطَلَب كل حق لي قبل فلَان يُقيد
بِمَا عَلَيْهِ يَوْم التَّوْكِيل وَلَا يدْخل الْحَادِث بعد التَّوْكِيل
وَفِي التَّوْكِيل بِطَلَب كل حق لَهُ على النَّاس أَو بِكُل حق لَهُ
بخوارزم يدْخل الْقَائِم لَا الْحَادِث وَذكر شيخ الْإِسْلَام أَنه إِذا
وَكله بِقَبض كل حق لَهُ على فلَان يدْخل الْقَائِم والحادث فيتأمل عِنْد
الْفَتْوَى
وَفِي الْمُنْتَقى وَكله بِقَبض كل دين لَهُ يدْخل الْحَادِث أَيْضا
وَعَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى وَكله بِطَلَب كل عقار لَهُ بخوارزم
فَقدم الَّذِي فِي يَده الْعقار بخوارزم إِلَى بُخَارى لَهُ ذَلِك
وَفِي الدّين إِذا وَكله بِطَلَب كل دين لَهُ على من بخوارزم فَقدم خوارزمي
إِلَى بُخَارى وادعاه لَا يَصح وَلَو قَالَ فِي كل دين لي فِي بُخَارى
فَقدم الْمُسْتَقْرض مِنْهُ فِي خوارزم إِلَى بُخَارى تصح دَعْوَاهُ
وَكله بِطَلَب كل حق لَهُ وبالخصومة وَالْقَبْض فغصب مِنْهُ انسان شَيْئا
بعد الْوكَالَة لَهُ طلبه
وَعَن الامام رَحمَه الله تَعَالَى لَو قَالَ لآخر أَنْت وَكيلِي فِي قبض
مَالِي على النَّاس لَا يَقع على الْحَادِث وَلَو وَكله بِكُل حق لَهُ
وبالخصومة فِي كل حق لَهُ وَلم يعين المخاصم بِهِ والمخاصم فِيهِ جَازَ اه
إِذا وَقعت الْمُنَازعَة بَين الْوَكِيل بالاستقراض وَبَين مُوكله
فَالْقَوْل قَول الْمُوكل لِأَن الْوَكِيل يُرِيد أَن يغرمه مَا قَبضه من
الْقَرْض وَلَيْسَ للْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ أَن يهب وَلَا يُصَالح
لِأَنَّهُمَا ليسَا من الْخُصُومَة فِي شَيْء فَلم يدخلا تَحت التَّوْكِيل
وَفِي الْوَلْوَالجيّ وَلَو أَن رجلا قَالَ لرجل أقرضت فلَانا ألف دِرْهَم
وَقد وَكلتك بقبضها مِنْهُ وقبضت وَقَالَ الْمُسْتَقْرض قد دفعتها إِلَى
الْوَكِيل وَأنكر الْوَكِيل فَالْقَوْل قَول الْمُوكل وَعَن أبي يُوسُف
القَوْل قَول
(1/253)
الْوَكِيل لِأَنَّهُ أقرّ أَنه أَمِين
وَالْقَوْل قَول الْأمين وَلَا يسْتَحْلف الْوَكِيل نَائِبه بِاللَّه مَا
يعلم أَن رب الدّين قد استوفى الدّين لِأَن النِّيَابَة لَا تجْرِي فِي
الْأَيْمَان بِخِلَاف الْوَارِث حَيْثُ يحلف على الْعلم لِأَن الْحق يثبت
للْوَارِث فَكَانَ الْحلف بطرِيق الاصالة دون النِّيَابَة
وَفِي المنبع الْوَكِيل بِالْبيعِ مُطلقًا يملك البيع بِمَا قل من
الْأَثْمَان أَو كثر عِنْد ابي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَهَذَا إِذا
لم يكن الثّمن مُسَمّى أما إِذا كَانَ الثّمن مُسَمّى بِأَن قَالَ بِعْ
هَذَا العَبْد بِأَلف فَبَاعَهُ بِأَلف إِلَّا درهما لَا يجوز وَقَالا لَا
يجوز أَن يَبِيعهُ إِلَّا بِنُقْصَان يتَغَابَن النَّاس فِي مثله وَهُوَ
رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَيملك البيع بالعروض
أَيْضا كَمَا يملك البيع بالأثمان كالدراهم وَالدَّنَانِير وَهَذَا عِنْد
أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَقَالا لَا يملك إِلَّا البيع بالأثمان
الْوَكِيل بإيجار الأَرْض وَكيل بإيجارها بِأَيّ عرض كَانَ سَوَاء آجرها
بكيلي أَو وزني بِعَيْنِه أَو بِغَيْر عينه أَو بِالْعرضِ قَلِيلا كَانَ
أَو كثيرا عملا بِإِطْلَاق الْوكَالَة عِنْده كَالْوَكِيلِ بِالْبيعِ
وَعِنْدَهُمَا لَا يجوز إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ أَو بِالدَّنَانِيرِ أَو
بِبَعْض مَا يخرج من الأَرْض يَعْنِي بِهِ الْمُزَارعَة حملا للإطلاق على
الْمُتَعَارف وَعِنْدَهُمَا تجوز الْمُزَارعَة وَعِنْده لَا تجوز
لِأَنَّهَا فَاسِدَة
الْوَكِيل بِالْبيعِ الْمُطلق يملك البيع بِالنَّسِيئَةِ عندنَا خلافًا
للشَّافِعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى
وَفِي البزازي عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى أَن الْوَكِيل إِنَّمَا
يملك البيع بِالنَّسِيئَةِ إِذا كَانَت الْوكَالَة للتِّجَارَة أما إِذا
كَانَت للْحَاجة كَالْمَرْأَةِ تُعْطِي غزلها للْبيع لم يملك نَسِيئَة
وَبِه يُفْتى وللوكيل بِالْبيعِ أَن يَبِيع بِالنَّسِيئَةِ وَيَأْخُذ رهنا
وكفيلا أما الْإِقَالَة والحط وَالْإِبْرَاء والتجوز بِدُونِ حَقه يجوز
عِنْدهمَا وَيضمن خلافًا لأبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى وَالْوَكِيل
بِالشِّرَاءِ لَا يملك الْإِقَالَة بِخِلَاف الْوَكِيل بِالْبيعِ وَالسّلم
فَإِذا بَاعَ ثمَّ أقَال لزم الثّمن وَكَذَا الْأَخ وَالْوَصِيّ
وَالْمُتوَلِّيّ كَالْأَبِ
وَفِي التَّتِمَّة والحقائق ثمَّ على قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى
يجوز البيع بِالنَّسِيئَةِ طَالَتْ الْمدَّة أَو قصرت وَعند صَاحِبيهِ لَا
يجوز إِلَّا بِأَجل مُتَعَارَف فِي تِلْكَ السّلْعَة وَلَو وَكله بِالْبيعِ
نَسِيئَة فَبَاعَهُ بِالنَّقْدِ جَازَ
إِذا قَالَ الْمُوكل بِعْ هَذَا العَبْد فِي السُّوق فَبَاعَهُ فِي دَاره
لم ينفذ البيع عِنْد زفر لِأَنَّهُ مُخَالف وَعند الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة
ينفذ لِأَن هَذَا التَّقْيِيد غير مُقَيّد فَيلْغُو فَبَقيَ الْأَمر
بِمُطلق البيع وَقد وجد فَينفذ
نوع فِي الْعَزْل الْمُوكل إِذا عزل وَكيله وَهُوَ حَاضر انْعَزل وَكَذَا
لَو كَانَ غَائِبا فَكتب إِلَيْهِ كتاب الْعَزْل فَبَلغهُ الْكتاب وَعلم
مَا فِيهِ انْعَزل حَتَّى لَو عَزله الْمُوكل وَلم يعلم الْوَكِيل بعزله
فَهُوَ على وكَالَته وتصرفه جَائِز فِي جَمِيع الْأَحْكَام حَتَّى يبلغهُ
الْعَزْل
الْوَكِيل لَو عزل نَفْيه بِدُونِ علم الْمُوكل لَا يَصح خلافًا
للشَّافِعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وَفِي الذَّخِيرَة وَتبطل الْوكَالَة
بِمَوْت الْمُوكل وجنونه مطبقا وارتداده ولحاقه بدار الْحَرْب
وَقد اخْتلف أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى فِي حد
الْجُنُون المطبق فَقَالَ أَبُو يُوسُف حَده شهر لِأَنَّهُ يسْقط بِهِ
الصَّوْم وَعنهُ أَكثر من يَوْم وَلَيْلَة لِأَنَّهُ يسْقط بِهِ
الصَّلَوَات الْخمس وَعند مُحَمَّد حَده حول كَامِل وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن
استمراره حولا مَعَ اخْتِلَاف فصوله آيَة استحكامه لِأَنَّهُ يسْقط بِهِ
جَمِيع الْعِبَادَات كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وَالزَّكَاة أما مَا دون
الْحول فَلَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة فَلَا يكون فِي معنى الْمَوْت
(1/254)
وَلَو وَكله بِقَبض الدّين ثمَّ إِن رب
الدّين وهبه من الْغَرِيم وَالْوَكِيل لم يعلم بذلك فَقَبضهُ مِنْهُ وَهلك
فِي يَده فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وللدافع أَن يَأْخُذ بِهِ الْمُوكل
وَلَو مَاتَ العَبْد الْمَأْمُور بِبيعِهِ أَو الْمُوكل وَلم يعلم بِهِ
الْوَكِيل فَبَاعَ وَقبض الثّمن وَهلك فِي يَده ضمن وَلم يرجع بِهِ على
الْآمِر وَلَا فِي تركته إِن كَانَ هُوَ الْمَيِّت قَالَ صَاحب الْفُصُول
وَالْفرق فِي الايضاح فَلْينْظر ثمَّة
وَفِي الْوَلْوَالجيّ تَعْلِيق الْوكَالَة بِالشّرطِ يجوز فَإِنَّهُ نَص
فِي الزِّيَادَات فِي بَاب الْخلْع امْرَأَة قَالَت لزَوجهَا إِذا جَاءَ
غَد فطلقني بِأَلف دِرْهَم جَازَ وَلَو نهت الزَّوْج عَن ذَلِك قبل مَجِيء
الْغَد جَازَ نهيها حَتَّى لَو طلق الزَّوْج بعد ذَلِك وَقع بِغَيْر جعل
لِأَنَّهُ عمل بنهيها فِي إِبْطَاله ولَايَة إِلْزَام المَال عَلَيْهَا لَا
فِي الْحجر عَن الطَّلَاق فَدلَّ أَنه صَحَّ تَعْلِيق التَّوْكِيل
بِالشّرطِ انْتهى
نوع فِي الْكفَالَة الْكفَالَة فِي الشَّرِيعَة ضم الذِّمَّة فِي
الْمُطَالبَة دون الْيَدَيْنِ وَقيل ضم الذِّمَّة إِلَى الذِّمَّة فِي
الدّين فَيصير الدّين الْوَاحِد فِي حكم دينين أَو تصير الذمتان فِي حكم
ذمَّة وَاحِدَة لِأَن الْكَفِيل مطَالب كالأصيل والمطالبة بإيفاء الدّين
بِلَا دين محَال لِأَن الْمُطَالبَة فرع الدّين فَلَا يتَصَوَّر الْفَرْع
بِدُونِ الاصل فَلَزِمَ من توجه الْمُطَالبَة إِلَى الْكَفِيل ثُبُوت
الدّين فِي ذمَّته فَلَزِمَ تعدد الدّين ضَرُورَة وَلِهَذَا لَو وهب الدّين
من الْكَفِيل صَحَّ وَلِهَذَا يرجع الْكَفِيل على الْأَصِيل فَلَو لم يكن
الدّين ثَابتا على ذمَّة الْكَفِيل لما صَحَّ هِبته لِأَن هبة الدّين من
غير من عَلَيْهِ الدّين لَا تصح وَلَا تصح الْكفَالَة إِلَّا مِمَّن يملك
التَّبَرُّع لِأَن الْكفَالَة عقد تبرع فَتَصِح مِمَّن يملك التَّبَرُّع
وَلَا تصح مِمَّن لَا يملكهُ فَلَا تَنْعَقِد كَفَالَة الْمَجْنُون
وَالصَّبِيّ وَلَا تجوز كَفَالَة الْمكَاتب عَن الْأَجْنَبِيّ لِأَن
الْمكَاتب عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم على لِسَان صَاحب الشَّرْع
الشريف صلوَات الله تَعَالَى وَسَلَامه عَلَيْهِ وَسَوَاء أذن لَهُ الْمولى
أَو لم يَأْذَن لِأَن إِذن الْمولى لم يَصح فِي حَقه وَصَحَّ فِي حق
الْقِنّ حَتَّى يُطَالب بِهِ بعد الْعتْق وَلَو كفل الْمكَاتب أَو
الْمَأْذُون عَن الْمولى جَازَ لِأَنَّهُمَا يملكَانِ التَّبَرُّع عَلَيْهِ
كَذَا فِي المنبع
وَفِي الْوَلْوَالجيّ رجل قَالَ لآخر أَنا ضَامِن بِمَعْرِِفَة فلَان
فَلَيْسَ هَذَا بكفالة وروى عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى فِي غير
رِوَايَة الأَصْل أَنه قَالَ هَذَا على مُعَاملَة النَّاس وَلَو قَالَ
الْكَفِيل قد ضمنت بِهِ أَو قَالَ هُوَ عَليّ أَو الي فقد لَزِمته
الْكفَالَة لِأَن هَذِه الْأَلْفَاظ عبارَة عَن الْكفَالَة وَلَو قَالَ
كتبتها لَك عِنْدِي أَو قَالَ أثبتها لَك عندى فَهَذَا لَيْسَ بِضَمَان
بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ كتبهَا لَك على أَو أثبتها لَك على لِأَن كلمة
عندى لاتنبىء عَن الِالْتِزَام بِخِلَاف كلمة عَليّ تذكر للالتزام
وَفِي الْمِنْهَاج للعقيلي وَتجوز الْكفَالَة بِأَن يَقُول أَنا كَفِيل
بِمَا لَك عَلَيْهِ أَو ضَامِن أَو زعيم أَو قبيل أَو مَالك عَلَيْهِ
فَهُوَ عَليّ أَو عِنْدِي أَو قبلي فَهَذَا كُله ضَمَان صَحِيح
وَيجوز تَعْلِيق الْكفَالَة بِشَرْط بِأَن يَقُول مَا بَايَعت فلَانا فعلي
أَو مَا يذوب لَك على فلَان فَهُوَ عَليّ انْتهى وَلَو قَالَ أَنا بِهِ
زعيم أَو قبيل أَو ضمين لَزِمته الْكفَالَة لما قُلْنَا لِأَن الزعيم
وَالْكَفِيل سَوَاء قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الزعيم غَارِم
وَكَذَا الْقَبِيل والضمين وَلَو قَالَ أَنا ضَامِن لَك حَتَّى أدلك لَا
يكون كَفِيلا كَمَا لَو قَالَ أَنا ضَامِن بمعرفته
قيل مَكْتُوب على بَاب بلد الرّوم الْكفَالَة أَولهَا ملامة وأوسطها ندامة
وَآخِرهَا غَرَامَة وَمن لم يصدق فليجرب ليعرف الْبلَاء من السَّلامَة
(1/255)
ثمَّ هِيَ تصح فِي الْأَعْيَان
الْمَضْمُونَة وبالنفس عندنَا فَإِن كفل بِنَفسِهِ إِلَى شهر ثمَّ دفع
إِلَيْهِ قبل شهر برىء وَفِي شرح الشافي يجب تَسْلِيمه بعد الشَّهْر كَمَا
لَو بَاعَ بِثمن مُؤَجل
كفل ثَلَاثَة أَيَّام لَا يبرأ بمضيها وَالثَّلَاثَة لتأخير الْمُطَالبَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى كفل إِلَى
عشرَة أَيَّام فَهُوَ عَلَيْهِ أبدا حَتَّى يبرأ وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه
الله تَعَالَى كفل بِنَفسِهِ إِلَى شهر على أَنه بَرِيء إِذا مضى الشَّهْر
فَهُوَ لَا يضمن شَيْئا قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث الْفَتْوَى على
أَنه لَا يصير كَفِيلا وَفِي الْوَاقِعَات الْفَتْوَى على أَنه يصير
كَفِيلا
وَإِذا مَاتَ الْكَفِيل بِالدّينِ الْمُؤَجل حل الدّين فِي مَاله ثمَّ
لوَارِثه الرُّجُوع على الْأَصِيل إِلَى أَجله وَكَذَلِكَ لَو مَاتَ
الْأَصِيل إِلَى أَجله وَكَذَلِكَ لَو مَاتَ الْأَصِيل وَالْكَفِيل حَتَّى
يحل الدّين فِي تَرِكَة الْأَصِيل وَيكون على الْكَفِيل إِلَى أَجله وَإِن
مَاتَ رب الدّين بَقِي الدّين عَلَيْهِمَا إِلَى أَجله
رجل كفل بِنَفس رجل وَهُوَ مَحْبُوس فَلم يقدر أَن يأتى بِهِ الْكَفِيل لَا
يُطَالب الْكَفِيل بِهِ لِأَنَّهُ كفل مَالا يقدر على تَسْلِيمه فَلَا يَصح
وَلَو كفله وَهُوَ مُطلق ثمَّ حبس الْكَفِيل يُطَالب الْكَفِيل بِهِ حَتَّى
يَأْتِي بِهِ لِأَنَّهُ حَال مَا كفل بِهِ كَانَ قَادِرًا على إِتْيَانه
وَلَو كفل بِنَفس أَو مَال والطالب غَائِب لَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة
وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى إِلَّا أَن الْمَرِيض إِذا قَالَ لوَارِثه
اضمن عني دين فلَان وَهُوَ غَائِب فَإِنَّهُ يجوز وَقَالَ أَبُو يُوسُف
رَحمَه الله يجوز ذَلِك كُله لِأَن الْكفَالَة تصرف على نَفسه خَاصَّة
فَيتم بِهِ كالإبراء
رجل كفل عَن رجل على أَنه إِن لم يُسلمهُ إِلَيْهِ يَوْم كَذَا فَالْمَال
عَلَيْهِ صَحَّ هَذَا الشَّرْط فَإِن توارى الْمَكْفُول لَهُ يرفع
الْكَفِيل الْأَمر إِلَى القَاضِي لينصب وَكيلا عَن الطَّالِب ويسلمه
إِلَيْهِ فَيبرأ وَكَذَلِكَ فِيمَن بَاعَ شَيْئا على أَن المُشْتَرِي
بِالْخِيَارِ فتوارى البَائِع فَإِن المُشْتَرِي يرفع الْأَمر إِلَى
الْحَاكِم فينصب عَنهُ وَكيلا فيسلمه إِلَيْهِ قَالَ الْفَقِيه أَبُو
اللَّيْث هَذَا القَوْل بِخِلَاف قَول اصحابنا فِي الرِّوَايَات
الظَّاهِرَة إِنَّمَا هُوَ فِي بعض الرِّوَايَات عَن أبي يُوسُف رَحمَه
الله وَلَو فعل القَاضِي هَكَذَا إِذا علم أَن الْخصم متعنت بذلك فَهُوَ
حسن
وَلَو كفل رجل بِنَفس رجل لرجل على أَنه إِن لم يواف بِهِ إِلَى كَذَا وَلم
يواف بِهِ فَعَلَيهِ المَال الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ جَازَ وَلَو قَالَ إِن
لم أوفك بِهِ غَدا فعلى ألف دِرْهَم وَلم يقل الَّتِي لَك عَلَيْهِ والطالب
يَدعِي ألف دِرْهَم وَقَالَ الْكَفِيل لَيْسَ للطَّالِب عَلَيْهِ الف
دِرْهَم وَلَهُم كَانَ إِقْرَار مني بِأَلف دِرْهَم مُعَلّقا بِالشّرطِ
وَلم يكن كَفَالَة بِالْمَالِ وَقَالَ الطَّالِب لي عَلَيْهِ ألف دِرْهَم
وَهُوَ الْآن علق الْكفَالَة بذلك المَال لعدم الموافاة لزمَه المَال فِي
قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله تَعَالَى وَقَالَ مُحَمَّد
رَحمَه الله تَعَالَى لَا يلْزمه شَيْء
وَإِن ادّعى رجل على رجل مَالا فَقَالَ لَهُ الْمَطْلُوب إِن لم آتِك غَدا
فَهُوَ عَليّ لم يلْزمه ذَلِك وَإِن لم يَأْته لِأَن تَعْلِيق الْإِقْرَار
بِالشّرطِ بَاطِل وَلَو قَالَ ذَلِك كفيله لزم الْكَفِيل مَا ثَبت عَلَيْهِ
بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار مِنْهُ لِأَن هَذَا تَعْلِيق الْكفَالَة بِالشّرطِ
وَتَعْلِيق الْكفَالَة بِشَرْط عدم الموافاة إِذا اتَّحد الطَّالِب
وَالْمَطْلُوب جَائِز وَلَو قَالَ إِن لم أوافك غَدا فَمَا تَدعِي بِهِ
عَلَيْهِ فَهُوَ عَليّ لم يلْزم الْمَطْلُوب إِلَّا بِبَيِّنَة أَو
إِقْرَار الْمَطْلُوب لِأَن إِقْرَار الْكَفِيل فِي حق الْمَطْلُوب لَيْسَ
بِحجَّة وَيلْزم الْكَفِيل مَا ادّعى عَلَيْهِ إِن لم يَأْتِ بِهِ لِأَن
الْكَفِيل لما علق الْكفَالَة الثَّابِتَة بِعَدَمِ الموافاة كَانَ هَذَا
إِقْرَارا مِنْهُ وَلَيْسَ للْكَفِيل أَن يُطَالب الْمَدْيُون قبل
الْأَدَاء وَإِن كَانَت الْكفَالَة بِالْأَمر وَمَعَ ذَلِك لَو أَدَّاهُ
الْكَفِيل لَهُ أَن يسْتَردّ مَا لم يؤده الْمَكْفُول عَنهُ إِلَى
الدَّائِن وَلَو وهب رب الدّين لأَحَدهمَا فَهَذَا وَأَدَاء المَال سَوَاء
وَكَذَا لَو مَاتَ الطَّالِب فورثه أَحدهمَا
(1/256)
إِبْرَاء الاصيل يُبرئ الْكَفِيل لَا عَكسه
لَو أخر عَن الْأَصِيل فَهُوَ تَأْخِير عَن الْكَفِيل لَا عَكسه وَإِن
أَبْرَأ الْأَصِيل ورد الْإِبْرَاء صَحَّ رده فِي حق نَفسه وَيُطَالب بِهِ
وَهل يَصح فِي حق الْكَفِيل اخْتلفُوا فِيهِ كَذَا فِي البزازي
وَفِي الْوَلْوَالجيّ صَحَّ الرَّد من الْأَصِيل فِي حق نَفسه وَفِي حق
الْكَفِيل جَمِيعًا حَتَّى تعود الْكفَالَة انْتهى
وَالْكَفَالَة إِلَى الْحَصاد جَائِزَة ويتناول أول الْحَصاد وَلَو قَالَ
إِلَى أَن تمطر السَّمَاء أَو تهب الرّيح لَا يجوز
كفل عَن انسان بِمَال عَلَيْهِ إِلَى سنة يجب على الْكَفِيل مُؤَجّلا وَإِن
كَانَ على الْأَصِيل حَالا وَإِن مَاتَ الْكَفِيل يُؤْخَذ من تركته حَالا
وَلَا يرجع وَرَثَة الْكَفِيل على الْمَكْفُول عَنهُ قبل الْوَقْت الَّذِي
وقته
وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى فِيمَن قَالَ أَنا كفلت بِهِ على
أَنِّي مَتى طولبت بِهِ أَو كلما طولبت بِهِ فلي أجل شهر صحت الْكفَالَة
وَله أجل شهر من وَقت الْمُطَالبَة الأولى فَإِذا تمّ الشَّهْر من
الْمُطَالبَة لزم التَّسْلِيم وَلَا يكون للمطالبة الثَّانِيَة تَأْجِيل
رجل قَالَ لغريمه إِذا جَاءَ غَد فَأَنت بَرِيء من هَذَا المَال لَا يبرأ
وَإِن كَانَ أصل المَال عَلَيْهِ من كَفَالَة يبرأ وَكَذَا إِذا قَالَ إِن
قدم فلَان فَأَنت بَرِيء مِنْهَا وَكَذَا لَو شَرط الْكفَالَة على هَذَا
فَهُوَ جَائِز
رجل لَهُ على آخر ألف دِرْهَم بهَا كَفِيل عَنهُ فَصَالح الْكَفِيل
الطَّالِب على مائَة على أَنه يبرا الْأَصِيل من الْألف وَالْكَفَالَة
بأَمْره رَجَعَ الْكَفِيل على الْأَصِيل بِالْمِائَةِ لَا بِالْألف وَلَو
صَالح على مائَة على أَن يهب الْكَفِيل الْبَاقِي رَجَعَ بِالْألف
الطَّالِب إِذا أبرا الْكَفِيل فالكفيل لَا يرجع على الْأَصِيل
وَذكر فِي الْعِمَادِيّ من لَهُ دين على آخر وَبِه كَفِيل فَاشْترى
الطَّالِب من الْغَرِيم عقارا بيعا جَائِزا وتقاصا الثّمن أَو وَقعت
الْمُقَاصَّة بِاعْتِبَار المجانسة هَل يبرأ الْكَفِيل أجَاب صَاحب
الْهِدَايَة أَنه يبرأ قيل لَهُ وَلَو تفاسخا قَالَ لَا تعود الْكفَالَة
وَفِي الْوَلْوَالجيّ رجل كفل بِنَفس رجل وَلم يقدر على تَسْلِيمه فَقَالَ
لَهُ الطَّالِب ادْفَعْ الي مَالِي الْمَكْفُول عَنهُ حَتَّى تَبرأ من
الْكفَالَة فَإِن أَرَادَ أَن يُؤَدِّيه على وَجه يكون لَهُ حق الرُّجُوع
على الْمَطْلُوب فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِك أَن يدْفع الدّين إِلَى الطَّالِب
ويهب الطَّالِب مَاله على الْمَطْلُوب إِلَيْهِ ويوكله بِقَبْضِهِ فَيكون
لَهُ حق الْمُطَالبَة فَإِذا قَبضه يكون لَهُ حق الرُّجُوع لِأَنَّهُ لَو
دفع المَال إِلَيْهِ بِغَيْر هَذِه الْحِيلَة يكون مُتَطَوعا وَلَو أدّى
بِشَرْط أَن لَا يرجع عَلَيْهِ لَا يجوز
وَفِي البزازي رجلَانِ فِي سفينة مَعَهُمَا مَتَاع وثقلت السَّفِينَة
فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه ألق متاعك على أَن يكون متاعي بيني وَبَيْنك
أنصافا قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى هَذَا فَاسد وَضمن لمَالِك
الْمَتَاع نصف قيمَة مَتَاعه
رجل قضى دين غَيره بِغَيْر أمره جَازَ فَلَو انْتقض بِوَجْه من الْوُجُوه
يعود إِلَى ملك قَاضِي الدّين لِأَنَّهُ مُتَطَوّع وَلَو قضى بأَمْره يعود
إِلَى ملك من عَلَيْهِ الدّين وَعَلِيهِ للْقَاضِي مثلهَا
وَفِي الْقنية رجل طلب دينه من الْمَدْيُون فَأعْطَاهُ مِقْدَارًا معينا من
الْحِنْطَة وَلم يبعها مِنْهُ وَلم يقل إِنَّهَا من جِهَة الدّين فَهُوَ
بيع بِالَّذِي يرَاهُ إِن كَانَت قيمتهَا أقل من الدّين فَإِن كَانَ السّعر
بَينهمَا مَعْلُوما يكون بيعا بِقدر قِيمَته من الدّين وَإِلَّا فَلَا بيع
بَينهمَا اه
(1/257)
كَفَالَة الْمَرِيض تصح من الثُّلُث وَلَا
تجوز بِمَا لَا يُمكن اسْتِيفَاؤهُ نَحْو الْحُدُود وَالْقصاص إِذا كفل عَن
المُشْتَرِي بِالثّمن جَازَ وَإِن كفل بِالْمَبِيعِ عَن البَائِع لَا يَصح
وَذكر فِي شرح أدب الْقَضَاء للحسام الشهيدي وَإِن ادّعى الطَّالِب على
الْمَطْلُوب حدا فِي قذف أَو دَمًا فِيهِ قصاص أَو جِرَاحَة فِيهَا قصاص
فَقَالَ لي بَيِّنَة حَاضِرَة وَطلب كَفِيلا من الْمَطْلُوب فَإِنَّهُ
يجْبر الْمَطْلُوب على إِعْطَاء الْكَفِيل ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى يحضر
شهودهة عِنْد أبي يُوسُف وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه
الله تَعَالَى لَا يجْبر لَكِن إِن أعْطى كَفِيلا جَازَ وَأَجْمعُوا أَن
فِي الْحُدُود الْخَالِصَة لله تَعَالَى كَحَد الزِّنَا وَشرب الْخمر
وَالسكر من النَّبِيذ إِذا قدمه إِلَى القَاضِي فَقَالَ الَّذِي قدمه لي
بَيِّنَة حَاضِرَة وَطلب مِنْهُ كَفِيلا لَا يجْبر على إِعْطَاء الْكَفِيل
وَإِن ادّعى سَرقَة لَا يجْبر على إِعْطَاء الْكَفِيل فِي حق الْقطع
لِأَنَّهُ خَالص حق الله تَعَالَى لَكِن يجْبر على إِعْطَاء الْكَفِيل
ثَلَاثَة أَيَّام بِالْمَالِ الْمَسْرُوق إِذا ادّعى الْمَسْرُوق مِنْهُ
قبله المَال الَّذِي سَرقه
وكل شَيْء يجب فِيهِ التَّعْزِير الْحر يقذف العَبْد أَو مثل الْحر يشْتم
الْحر شتيمة يجب فِيهَا التَّعْزِير فَيَقُول الطَّالِب لي بَيِّنَة
حَاضِرَة فَخذ لي مِنْهُ كَفِيلا فَإِنَّهُ يجْبر على إِعْطَاء الْكَفِيل
ثَلَاثَة ايام لِأَن التَّعْزِير حق العَبْد يسْقط بعفوه ويستحلف فِيهِ
أَنه يثبت بِشَهَادَة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال فَيجْبر الْمَطْلُوب على
إِعْطَاء الْكَفِيل فِيهِ كالاموال
الْكفَالَة بالعهدة بَاطِلَة وبالخلاص أَيْضا عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله
تَعَالَى وَقَالا تصح بالخلاص وبالدرك تجوز بالِاتِّفَاقِ
رجل قَالَ لمن يلازم غَرِيمه خله فَأَنا أوافيك إِذا بدا لَك لم يكن
كَفِيلا بِالنَّفسِ وَلَو قَالَ خله على أَن أوافيك فَفِي الْقيَاس كَذَلِك
وَفِي الِاسْتِحْسَان يكون كَفِيلا بِالنَّفسِ
وَعَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ للطَّالِب ضمنت لَك مَا على
فلَان إِنَّمَا أقبضهُ مِنْهُ وأدفعه اليك لَيْسَ هَذَا بكفالة وَمَعْنَاهُ
أَن يتقاضاه لَهُ ويدفعه إِلَيْهِ إِذا قَبضه مِنْهُ على هَذَا مَعَاني
كَلَام النَّاس
إِن لم يواف بِهِ غَدا فَعَلَيهِ مَا عَلَيْهِ فَمَاتَ الْمَكْفُول عَنهُ
لزمَه المَال لمضي الْغَد وَإِن مَاتَ الْكَفِيل قبل الْأَجَل إِن سلمه
ورثته قبل الْأَجَل أَو الْمَكْفُول سلم نَفسه عَن جِهَة الْكَفِيل قبل
مُضِيّ الْأَجَل بَرِيء وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث رَحمَه الله
تَعَالَى إِنَّمَا يَصح تَسْلِيمه عَن الْكَفِيل إِذا كَانَت الْكفَالَة
بِأَمْر الْمَكْفُول لَهُ وَإِلَّا فَلَا
كفل بِنَفسِهِ على أَنه مَتى طَالبه سلمه إِلَيْهِ فَإِن لم يُسلمهُ
فَعَلَيهِ مَا عَلَيْهِ وَمَات الْمَطْلُوب وطالبه بِالتَّسْلِيمِ وَعجز
لَا يلْزمه المَال لِأَن الْمُطَالبَة بِالتَّسْلِيمِ بعد الْمَوْت لَا تصح
فَإِذا لم تصح الْمُطَالبَة لم يتَحَقَّق الْعَجز الْمُوجب للُزُوم المَال
فَلَا يجب إِلَيْهِ أُشير فِي البزازي
كفل بِنَفسِهِ على أَن الْمَكْفُول عَنهُ إِذا غَابَ فَالْمَال عَلَيْهِ
فَغَاب الْمَكْفُول عَنهُ ثمَّ رَجَعَ وَسلمهُ إِلَى الدَّائِن لَا يبرأ
لِأَن المَال بحلول الْمَشْرُوط لزم فَلَا يبرأ إِلَّا بِالْأَدَاءِ أَو
الْإِبْرَاء وَكَذَا إِذا قَالَ الْكَفِيل إِذا غَابَ عَنْك وَلم أوافك
بِهِ فَأَنا ضَامِن المَال الَّذِي عَلَيْهِ أما إِذا قَالَ إِن غَابَ فَلم
أوافك بِهِ فَأَنا ضَامِن بِمَا عَلَيْهِ فَإِن هَذَا على أَن يوافي بِهِ
بعد الْغَيْبَة
وَعَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ إِن لم يدْفع لَك مديونك مَالك
أَو لم تقبضه فَهُوَ عَليّ ثمَّ إِن الطَّالِب تقاضى الْمَطْلُوب فَقَالَ
الْمَدْيُون لَا أدفعه أَولا أقضيه وَجب على الْكَفِيل السَّاعَة
(1/258)
وَعنهُ أَيْضا إِن لم يعطك الْمَدْيُون
دينك فَأَنا ضَامِن إِنَّمَا يتَحَقَّق الشَّرْط إِذا تقاضاه وَلم يُعْطه
وَكَذَا إِذا مَاتَ الْمَطْلُوب بِلَا أَدَاء
وَفِي الفتاوي إِن تقاضيت وَلم يعطك فَأَنا ضَامِن وَمَات قبل أَن يتقاضاه
وَيُعْطِيه بَطل الضَّمَان وَلَو قَالَ بعد التقاضي أَنا أُعْطِيك فَإِن
أعطَاهُ مَكَانَهُ أَو ذهب بِهِ إِلَى السُّوق أَو منزله وَأَعْطَاهُ جَازَ
فَإِن طَال ذَلِك وَلم يُعْطه من يَوْمه لزم الْكَفِيل
أقرّ بِمُوجب بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفسِ أَو ثَبت بِالْبَيِّنَةِ عِنْد
الْحَاكِم قَالَ الْخصاف لَا يحْبسهُ فيهمَا أول مرّة وَفِي ظَاهر
الرِّوَايَة كَذَلِك فِي الْإِقْرَار أما فِي الْبَيِّنَة يحْبسهُ وَلَو
كَانَ أول مرّة
غَابَ الْمَكْفُول إِن علم مَكَانَهُ أَو لَهُ خرجَة مفهومة فِي كل حِين
إِلَى مَكَان أمْهل الْحَاكِم الْكَفِيل إِلَى أَن يذهب إِلَيْهِ وَيَأْتِي
بِهِ إِذا أَرَادَ الْكَفِيل الذّهاب وَإِن أَبى حَبسه حَتَّى يَجِيء بِهِ
وَإِن لم يعلم مَكَانَهُ واتفقا عَلَيْهِ لَا يحْبسهُ وَيجْعَل ذَلِك كموته
وَفِي الخزانة يجْبرهُ الْحَاكِم على تَسْلِيم الْمَكْفُول بِهِ إِلَى
الطَّالِب وَيُعْطى الْكَفِيل وَلَا يجْبرهُ على عَطاء الْكَفِيل فَإِن
قَالَ لَا علم لي بمَكَان الْمَكْفُول بِهِ إِن صدقه الْمَكْفُول لَهُ
سَقَطت الْمُطَالبَة وَلَا يحبس حَتَّى يظْهر عَجزه وَلَا يحلفهُ
كفل على أَنه بِالْخِيَارِ إِلَى عشرَة ايام أَو أَكثر صَحَّ ذكره البزازي
وَفِي الْقنية الْكَفِيل بِأَمْر الْأَصِيل أدّى المَال إِلَى الدَّائِن
بعد مَا أدّى الْأَصِيل وَلم يعلم بِهِ لَا يرجع على الْأَصِيل
إِذا غَابَ الْمَكْفُول عَنهُ فللدائن أَن يلازم الْكَفِيل حَتَّى يحضرهُ
وَالْحِيلَة فِي فِي دَفعه أَن يَدعِي الْكَفِيل عَلَيْهِ ان خصمك غَابَ
غيبَة لَا يدْرِي مَكَانَهُ فَبين لي مَوْضِعه فَإِن اقام بَيِّنَة على
ذَلِك تنْدَفع عَنهُ الْخُصُومَة
وَفِي المنبع لَو قَالَ أَنا ضَامِن لَك على أَن أدلك عَلَيْهِ أَو أوقفك
عَلَيْهِ لَا يكون ذَلِك كَفَالَة وَفِي المنتفى يكون كَفِيلا وعَلى هَذَا
مُعَاملَة النَّاس
وَفِيه أَيْضا إِذا مَاتَ الرجل وَعَلِيهِ دُيُون وَلم يتْرك شَيْئا فتكفل
عَنهُ رجل للْغُرَمَاء لم تصح الْكفَالَة عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله
تَعَالَى وَسَوَاء كَانَ ذَلِك الرجل الَّذِي تكفل للْغُرَمَاء ابْنه أَو
أَجْنَبِيّا لم تصح عِنْده وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله
تَعَالَى تصح وَيلْزمهُ جَمِيع مَا تكفل بِهِ وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي
رَحمَه الله تَعَالَى وَلَو تبرع بِهِ إِنْسَان يَصح بِالْإِجْمَاع
وَكَذَلِكَ لَو كَانَ بِهِ كَفِيل يبْقى كَذَلِك بِالْإِجْمَاع اه
نوع فِي التَّسْلِيم سلمه إِلَى الطَّالِب بَرِيء قبل الطَّالِب أَولا كمن
وضع الدّين بَين يَدَيْهِ يبرأ قبل أَولا
شَرط الموافاة فِي الْمَسْجِد فوفاه فِي السُّوق أَو فِي مجْلِس الحكم
فَدفعهُ فِي السُّوق يبرأ عِنْد الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة أبي حنيفَة
وصاحبيه رَحِمهم الله أَجْمَعِينَ
قَالَ السَّرخسِيّ كَانَ هَذَا فِي ذَلِك الزَّمَان أما فِي زَمَاننَا لَو
شَرط الْمجْلس وَسلم فِي السُّوق لَا يبرأ لغَلَبَة الْفساد إِذْ لَا يعان
على الْإِحْضَار إِلَى بَاب الْحَاكِم وَإِلَيْهِ ذهب الامام زفر رَحمَه
الله وَعَلِيهِ الْفَتْوَى
وَفِي التَّجْرِيد شَرط تَسْلِيمه فِي مجْلِس الحكم إِن سلمه فِي الْمصر
فِي مَكَان يقدر على المحاكمة بِهِ بَرِيء
(1/259)
وَإِن كَانَ فِي بَريَّة لَا يبرأ وَإِن
شَرط أَن يُسلمهُ فِي مصر كَذَا فسلمه فِي مصر آخر بَرِيء عِنْد أبي حنيفَة
رَحمَه الله تَعَالَى وَعند مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى لَا يبرأ وَلَو
سلمه فِي السوَاد أَو فِي مَوضِع لَا قَاضِي فِيهِ ثمَّة لَا يبرأ فِي
قَوْلهم
شَرط تَسْلِيمه عِنْد الْأَمِير مسلمه عِنْد القَاضِي أَو عزل ذَلِك
الْأَمِير فسلمه عِنْد أَمِير قَامَ مَكَانَهُ جَازَ وَلَو سلمه إِلَيْهِ
رَسُول الْكَفِيل أَو وَكيله أَو الْكَفِيل نَفسه عَن كَفَالَة الْمَطْلُوب
جَازَ
ضمن نفس رجل وَحبس فِي السجْن فَسلم لَا يبرا وَلَو ضمن وَهُوَ مَحْبُوس
فسلمه فِيهِ يبرأ وَلَو أطلق ثمَّ حبس ثَانِيًا فَدفعهُ إِلَيْهِ فِيهِ إِن
كَانَ الْحَبْس الثَّانِي من أُمُور التِّجَارَة وَنَحْوهَا صَحَّ الدّفع
وَإِن كَانَ من أُمُور السُّلْطَان وَنَحْوهَا لَا
حبس الطَّالِب الْمَطْلُوب ثمَّ طَالب الْكَفِيل بِهِ فَدفعهُ وَهُوَ فِي
حَبسه قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى يبرأ وَلَو قَالَ الْمَطْلُوب
دفعت اليك نَفسِي عَن كَفَالَة فلَان وَهُوَ فِي حَبسه جَازَ وبرىء
الْكفَالَة بِالنَّفسِ تورث بِأَن مَاتَ الْمَكْفُول عَنهُ نَفسه وَلم يقل
عَن كَفَالَة فلَان لَا يبرأة الْكَفِيل
وَعَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى حبس الْمَكْفُول بِالنَّفسِ بدين
عَلَيْهِ ثمَّ إِن الطَّالِب خَاصم الْكَفِيل فِي طلبه فَأخْرجهُ القَاضِي
لأَجله من الْحَبْس فَقَالَ الْكَفِيل دَفعته إِلَيْهِ لكفالتي وَرَسُول
القَاضِي مَعَه وَهُوَ مُمْتَنع عَنهُ برَسُول القَاضِي لَا يبرأ وَلَو
قَالَ قُدَّام القَاضِي وَهُوَ يُخَاصم دَفعته اليك يبرأ وَلَو كَانَ
الْمَطْلُوب مَحْبُوسًا عِنْد غير القَاضِي الَّذِي تخاصما عِنْده يجْبر
الْكَفِيل على تخليصه وإحضاره الْجُمْلَة من البزازي
نوع فِي بَيَان أَحْكَام الْحِوَالَة صِحَة الْحِوَالَة تعتمد على قبُول
الْمُحْتَال لَهُ والمحتال عَلَيْهِ وَلَا تصح الْحِوَالَة فِي غيبَة
الْمُحْتَال لَهُ فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى
كَمَا فِي الْكفَالَة إِلَّا أَن يقبل رجل الْحِوَالَة عَن الْغَائِب وَلَا
يشْتَرط حَضْرَة الْمُحْتَال عَلَيْهِ لصِحَّة الْحِوَالَة حَتَّى لَو
أَحَالهُ على رجل غَائِب ثمَّ علم الْغَائِب بهَا فَقبل صحت الْحِوَالَة
وَكَذَا لَا يشْتَرط حَضْرَة الْمُحِيل حَتَّى لَو قَالَ رجل لصَاحب الدّين
لَك على فلَان ألف دِرْهَم فاحتل بهَا على فرضى الطَّالِب بذلك وَأَجَازَ
صحت الْحِوَالَة وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوع بعد ذَلِك وَلَو قَالَ رجل
للمديون إِن لفُلَان ابْن فلَان عَلَيْك ألف دِرْهَم فأحل بهَا عَليّ
فَقَالَ الْمَدْيُون أحلّت ثمَّ بلغ الطَّالِب فَأجَاز لَا يجوز فِي قَول
أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى
وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي أَن الْحِوَالَة نقل الدّين من ذمَّة إِلَى ذمَّة
أَو نقل الْمُطَالبَة فَعِنْدَ الْبَعْض نقل الدّين وَعند الْبَعْض نقل
الْمُطَالبَة وَالِاخْتِلَاف بَين أبي يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله
تَعَالَى فَعِنْدَ أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى نقل الدّين وَعند
مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى نقل الْمُطَالبَة وَثَمَرَة الْخلاف تظهر
فِيمَا إِذا أَبْرَأ الْمُحْتَال لَهُ الْمُحِيل عَن دين الْحِوَالَة
فَعِنْدَ أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى لَا يَصح لِأَنَّهُ انْتقل
الدّين عَنهُ إِلَى الْمُحْتَال عَلَيْهِ وَعند مُحَمَّد رَحمَه الله
تَعَالَى يَصح
وَفِي التَّجْرِيد إِذا أَحَالهُ وَقبل الْحِوَالَة برىء الْمُحِيل عِنْد
الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وكل دين جَازَت الْكفَالَة بِهِ فالحوالة بِهِ
جَائِزَة كَذَا فِي الْخُلَاصَة
قَالَ الطَّالِب مَاتَ الْمُحْتَال عَلَيْهِ بِلَا تَرِكَة وَقَالَ
الْمُحِيل مَاتَ عَن تَرِكَة فَالْقَوْل للطَّالِب مَعَ حلفه
الْمُحِيل والمحتال يملكَانِ النَّقْض وبالنقض يبرأ الْمُحْتَال عَلَيْهِ
قَالَ الْمُحِيل مَاتَ الْمُحْتَال عَلَيْهِ بعد أَدَاء الدّين اليك
فَقَالَ الْمُحْتَال لَا بل قيله وتوى حَقي فلي الرُّجُوع بِهِ عَلَيْك
فَالْقَوْل للمحتال لتمسكه بِالْأَصْلِ وَلَو قضى الْمُحْتَال عَلَيْهِ
الْمحَال لَهُ المَال بِأَمْر الْمُحِيل رَجَعَ على الْمُحِيل فَإِن قَالَ
(1/260)
الْمُحِيل كَانَ لي عَلَيْك لم يصدق وَلم يكن قبُول الْحِوَالَة إِقْرَارا
مِنْهُ بِشَيْء لِأَن الْأَدَاء حصل بأَمْره وَذَا مُثبت حق الرُّجُوع
فَلَو بَطل إِنَّمَا يبطل بِكَوْن الدّين عَلَيْهِ ووالحوالة قد تكون على
غير الْمَدْيُون كَمَا تكون على الْمَدْيُون فَلَا يبطل حق الرُّجُوع
بِالشَّكِّ فَلَو قَالَ الْمُحِيل للمحتال كنت وَكيلِي فِي قبض الدّين من
الْمُحْتَال عَلَيْهِ وَقَالَ الْمُحْتَال أحلتني عَلَيْهِ بدين لي عَلَيْك
فَالْقَوْل قَول الْمُحِيل مَعَ يَمِينه إِلَّا أَن يَقُول الْمُحِيل اضمن
هَذَا المَال عني انْتهى كَذَا فِي الْوَلْوَالجيّ
وَفِي شرح الْوِقَايَة وَتكره السفتجة وَهِي أَن يدْفع إِلَى تَاجر مَالا
بطرِيق الْإِقْرَاض ليدفعه إِلَى صديق لَهُ فِي بلد آخر لسُقُوط خطر
الطَّرِيق
وَإِنَّمَا سمي الْإِقْرَاض الْمَذْكُور بِهَذَا الِاسْم تَشْبِيها لَهُ
بِوَضْع الدَّرَاهِم فِي السفاتج فِي الْأَشْيَاء المجوفة كَمَا تجْعَل
الْعَصَا مجوفة ويخبأ فِيهَا المَال وَإِنَّمَا شبه بِهِ لِأَن كلا
مِنْهُمَا احتال لسُقُوط خطر الطَّرِيق أَو لِأَن أَصْلهَا أَن الانسان
إِذا أَرَادَ السّفر وَله نقد واراد إرْسَاله إِلَى صديقه فَوَضعه فِي
سفتجة ثمَّ مَعَ ذَلِك خَافَ خطر الطَّرِيق فأقرض مَا فِي السفتجة إنْسَانا
آخر فَأطلق السفتجة على إقراض مَا فِي السفتجة ثمَّ شاع فِي الْإِقْرَاض
لسُقُوط خطر الطَّرِيق انْتهى كَلَام صدر الشَّرِيعَة
وَفِي المنبع وَيكرهُ قرض يُسْتَفَاد بِهِ من أَمن الطَّرِيق صورته رجل دفع
إِلَى تَاجر عشرَة دَرَاهِم قرضا ليدفعه إِلَى صديقه ليستفيد بِهِ سُقُوط
خطر الطَّرِيق وَهُوَ معنى قَوْله وَتكره السفاتج وَهِي جمع سفتجة بِضَم
السِّين وَفتح التَّاء وَإِنَّمَا يكره ذَلِك لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كل قرض جر نفعا فَهُوَ رَبًّا وَإِنَّمَا قَالَ وَيكرهُ قرض الخ
لِأَنَّهُ إِنَّمَا دَفعه على سَبِيل الْقَرْض إِلَيْهِ فجر نفعا وَهُوَ
أَمن الطَّرِيق فَإِنَّهُ حرَام وَالله أعلم |