لسان الحكام في معرفة الأحكام

الْفَصْل الْخَامِس
فِي الصُّلْح
الصُّلْح على ثَلَاثَة أضْرب صلح مَعَ إِقْرَار وَصلح مَعَ إِنْكَار وَصلح مَعَ سكُوت وَهُوَ أَن يقر الْمُدَّعِي عَلَيْهِ وَلَا يُنكر بل يسكت
وَوجه الانحصار أَن الْمُدَّعِي عَلَيْهِ عِنْد دَعْوَى إِمَّا الْمُدَّعِي أَن يُجيب لدعواه أَو لَا يُجيب فَإِن أجَاب فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الْجَواب بِالْإِقْرَارِ أَو بالإنكار فَهُوَ الضَّرْب الأول وَالثَّانِي فَإِن لم يجب أصلا فَهُوَ السُّكُوت وكل ذَلِك جَائِز عندنَا
وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله لَا يجوز الصُّلْح مَعَ الْإِنْكَار وَالسُّكُوت
وَصلح الْفُضُولِيّ جَائِز بِأَن يَقُول الْفُضُولِيّ أقرّ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ سرا عِنْدِي بأنك على حق فِي دعواك فصالحني على كَذَا وَضَمنَهُ صَحَّ
وَطَرِيق الضَّمَان أَن يَقُول الْفُضُولِيّ صَالح من دعواك على كَذَا على أَنِّي ضَامِن أَو على مَالِي أَو صالحني من دعواك على فلَان على كَذَا وأضاف العقد إِلَى نَفسه أَو مَاله صَحَّ وطولب الْفُضُولِيّ بِالْبَدَلِ ثمَّ يرجع على الْمصَالح عَلَيْهِ إِن كَانَ الصُّلْح بأَمْره كَذَا ذكره فِي البزازي
وَفِي الْوَلْوَالجيّ وَلَا يجوز صلح الدّين بِالدّينِ إِلَّا أَن يكون من جنسه وَهُوَ أَن يكون عَلَيْهِ عشرَة دَرَاهِم

(1/261)


إِلَى شهر فَصَالحه على خَمْسَة إِلَى شَهْرَيْن فَيجوز أما الأول فَلِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الكالئ بالكاليء وَأما الثَّانِي فَلِأَن ذَلِك لَيْسَ بصلح لِأَن الْمصَالح عَلَيْهِ عين حَقه الَّذِي كَانَ قبل الصُّلْح لكنه تبرع بشيئين بحط الْبَعْض وبالزيادة فِي الْأَجَل وَلَو صَالح من دينه على عبد يجوز وَلم يَبِعْهُ مُرَابحَة لِأَن مبْنى الصُّلْح على التَّجَوُّز بِدُونِ الْحق فَصَارَ بِالصُّلْحِ كَأَنَّهُ أَبرَأَهُ عَن بعض الدّين وَاشْترى العَبْد بِالْبَاقِي
وَلَو كَانَ لَهُ على رجل ألف دِرْهَم فَصَالحه مِنْهَا على خَمْسمِائَة دِرْهَم جَازَ وَإِن فَارقه قبل أَن يُعْطِيهِ إِيَّاه لِأَن هَذَا الصُّلْح إِبْرَاء عَن النّصْف لِأَن الصُّلْح إِبْرَاء وَطلب لإيفاء النّصْف لِأَن الصُّلْح يجوز بِدُونِ الْحق والتجوز بِدُونِ الْحق إِبْرَاء للْبَعْض وَاسْتِيفَاء للْبَعْض وَذَلِكَ جَائِز وَلَو صَالحه من دينه على بعضه عَاجلا أَو آجلا كَانَ جَائِزا لِأَنَّهُ تبرع باسقاط الْبَعْض واسقاط الْمُطَالبَة عَمَّا بقى فِي يَده وَلَو صَالحه بِجِنْس آخر لَا يجوز لِأَنَّهُ مصارفة الدَّرَاهِم بِالدَّنَانِيرِ آجلا فَلَا يجوز
رجل لَهُ على رجل ألف دِرْهَم دينا فَأنْكر الْمَطْلُوب ذَلِك فَصَالحه الطَّالِب على مائَة دِرْهَم فَقَالَ لَهُ صالحتك على مائَة دِرْهَم من الْألف الَّتِي عَلَيْك وابرأتك عَن الْبَقِيَّة أَو لم يقل فَذَلِك جَائِز وَيبرأ الْمَطْلُوب فِي الظَّاهِر وَلَا يبرأ فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى لِأَنَّهُ مُضْطَر فِي هَذَا الصُّلْح معنى وَالرِّضَا شَرط جَوَاز الصُّلْح
وَفِي الْقنية ادّعى عَلَيْهِ مَالا فَأنكرهُ وَحلف ثمَّ ادَّعَاهُ الْمُدعى عِنْد قَاض آخر فَأنكرهُ فصولح يَصح وَفِي الْأَسْرَار أَنه لَا يَصح وَكَذَا فِي نكت الشِّيرَازِيّ وَقيل يَصح وروى مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى أَنه يَصح
قَالَ وَرَأَيْت بِخَط عَلَاء الْأَئِمَّة الحمامي ادّعى على آخر حق التَّعْزِير أَو حد الْقَذْف وَأنكر الآخر وتوجهت عَلَيْهِ الْيَمين فَافْتدى يَمِينه بِمَال قَالَ الْحلْوانِي فِيهِ اخْتِلَاف الْمَشَايِخ قيل يحل أَخذ ذَلِك وَقيل لَا يحل وَلَو ادّعى حق الشّرْب وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا فَالْأَصَحّ أَنه يجوز أَخذ المَال وَيجوز الافتداء
رجل لَهُ على آخر ألف دِرْهَم إِلَى سنة فَصَالحه على أَن يُعْطي بهَا كَفِيلا ويؤرخها إِلَى سنة أُخْرَى يجوز وَكَذَا لَو كَانَ بهَا كَفِيل فَأعْطَاهُ كَفِيلا آخر وابرأ الْكَفِيل الأول واخرها سنة يجوز وَلَو صَالحه على أَن يعجل لَهُ نصف المَال على أَن يُؤَخر عَنهُ مَا بقى إِلَى سنة أُخْرَى مثل حُلُوله ثمَّ اسْتحق لم يرجع عَلَيْهِ حَتَّى يحل الْأَجَل وَكَذَا لَو وجدهَا زُيُوفًا أَو ستوقة وَإِن صَالحه على عبد فَوجدَ فِيهِ عَيْبا فَرده إِن عَاد إِلَيْهِ بِالْفَسْخِ يعود الْأَجَل وَإِن عَاد بالإقالة فَالْمَال حَال وَكَذَا لَو كَانَ بِالْمَالِ كَفِيل أَو رهن فِي يَد الْمُرْتَهن فالرهن وَالْكَفِيل على حَاله وَلَو جعل دينه حَالا فَهُوَ حَال وَلَيْسَ بصلح لِأَن الْأَجَل حق الْمَطْلُوب وَقد ابطله وَكَذَا لَو قَالَ أبطلت الْأَجَل أَو تركته أَو جعلته حَالا أما لَو قَالَ برأت من الْأَجَل بِالضَّمِّ لم يبطل أما إِذا قَالَ أَبْرَأتك أَو برأت بِالْفَتْح بَطل الْأَجَل وَلَو قَالَ لَا حَاجَة لي فِي الْأَجَل لَا يبطل الْأَجَل
وَفِي الْخُلَاصَة رجل ادّعى على آخر ألف دِرْهَم فَأنْكر ثمَّ صَالحه على أَن يَبِيعهُ بهَا عبدا جَازَ وَهَذَا إِقْرَار مِنْهُ بِالدّينِ بِخِلَاف قَوْله صالحتك على هَذَا العَبْد فَإِنَّهُ لَا يكون إِقْرَارا مِنْهُ بِالدّينِ
وَفِي الأَصْل إِذا كَانَ لرجل على آخر ألف دِرْهَم فَقَالَ لَهُ أبراتك عَن خَمْسمِائَة أَو حططت عَنْك خَمْسمِائَة على أَن تُعْطِينِي الْبَاقِي وَلم يُوَقت وقتا فَأعْطَاهُ الْبَاقِي فِي هَذَا الْيَوْم أَو لم يُعْطه بَرِيء مِنْهُ عَن خَمْسمِائَة
وَفِي الْجَامِع الصَّغِير جعل الْمَسْأَلَة على ثَلَاثَة أوجه إِن قَالَ أد الي غَدا خَمْسمِائَة على أَنَّك بَرِيء من الْبَاقِي أَو على أَنَّك إِن لم تعطني خَمْسمِائَة فالألف عَلَيْك على حَالهَا فَالْأَمْر كَمَا قَالَ وَلَو قَالَ أد الي خَمْسمِائَة غَدا على

(1/262)


أَنَّك بَرِيء من الْفضل فَإِن أعطَاهُ بَرِيء مُطلقًا وَإِن لم يُعْطه فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى لَا يبرأ وَعند ابي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى يبرأ وَلَو قَالَ أَبْرَأتك عَن خَمْسمِائَة على أَن تُعْطِينِي غَدا خَمْسمِائَة حصل الابراء مُطلقًا أَدَّاهُ الْخَمْسمِائَةِ غَدا أَو لم يؤد وَلَو قَالَ إِن أدّيت الي خَمْسمِائَة فَأَنت بَرِيء أَو مَتى أدّيت الي أَو إِن أدّيت أَو إِذا أدّيت لَا يبرأ لِأَن تَعْلِيق الْبَرَاءَة بِالشّرطِ بَاطِل
صولح من دَعْوَى الدّين على دَرَاهِم وافتراقا قبل قبض بدل الصُّلْح يجوز لِأَنَّهُ إِن كَانَ عَن إِقْرَار فَافْتَرقَا عَن يَمِين بدين بزعمهما وَإِن كَانَ عَن إِنْكَار فَفِي زعم الْمُدَّعِي كَذَلِك وَفِي زعم الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بذل المَال لإِسْقَاط الْيَمين وَقبض الْبَدَل ينْعَقد الْإِسْقَاط لَا يشْتَرط كَمَا فِي الْخلْع وَالْعِتْق على مَال وَإِن وَقع عَن دَرَاهِم فِي الذِّمَّة على دَنَانِير أَو عَكسه فَيشْتَرط قبض الْبَدَل فِي الْمجْلس لِأَنَّهُ صرف وَإِن وَقع عَن دَنَانِير فِي الذِّمَّة على دَنَانِير أقل لَا يشْتَرط قَبضه فِيهِ لِأَنَّهُ إِسْقَاط بعض الْحق وَأخذ الْبَاقِي وَيجوز الِاعْتِيَاض عَن الْأَجَل بَين الْمكَاتب وَالْمولى حَتَّى لَو قَالَ لمَوْلَاهُ زِدْنِي فِي الْأَجَل حَتَّى أزيدك فِي الْبَدَل أَو قَالَ احطط عني من بدل الْكِتَابَة كَذَا حَتَّى أترك حَقي فِي الْأَجَل وَأعجل لَك الْبَدَل صَحَّ وَلَا يجوز الِاعْتِيَاض عَن الْأَجَل بَين الحرين وَلَا يجوز بيع الدِّرْهَم بِالدِّرْهَمَيْنِ بَين الْمولى وَالْمكَاتب
الصُّلْح عَن الشُّفْعَة بَاطِل وَتبطل الشُّفْعَة بِهِ ولقيم الْوَقْف أَن يُصَالح سَارِق الْقطن من أَرض الْوَقْف إِن كَانَ مقرا وَإِن كَانَ إِنَّمَا يُعْطِيهِ لأجل مَخَافَة هتك السّتْر وَنَحْو ذَلِك لم يجز
وَفِي الْعِمَادِيّ ادّعى على رجل مَحْدُود أَنه وقف على كَذَا فَأنْكر فَصَالحه الْمُدَّعِي عَلَيْهِ على مَال لَا يَصح الصُّلْح لِأَن الصُّلْح بِمَنْزِلَة البيع وَلَيْسَ للمتولى ولَايَة البيع والاستبدال وَلَو دفع الْمُتَوَلِي شَيْئا إِلَى الْمُدَّعِي عَلَيْهِ وَأخذ الدَّار لأجل الْوَقْف يجوز إِن لم يكن لَهُ بَيِّنَة على إِثْبَات الْوَقْف وَالْمَوْقُوف عَلَيْهِ لَو فعل ذَلِك لَا يجوز لِأَنَّهُ لَيْسَ بخصم والفضولي لَو فعل ذَلِك يجوز لِأَن الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فعل ذَلِك ليَأْخُذ الدَّار أما الْفُضُولِيّ لَو فعل ذَلِك من مَال نَفسه لاستخلاص الْوَقْف يدْفع المَال وَلَا يَأْخُذ الدَّار وَلَو اشْترى دَارا فاتخذها مَسْجِدا ثمَّ ادّعى رجل فِيهَا دَعْوَى فَصَالحه الَّذِي بنى الْمَسْجِد أَو رجل من بَين أظهرهم لِلْمَسْجِدِ فَهُوَ جَائِز
الْكَفِيل بِالنَّفسِ إِذا صَالح على مَال لاسقاط الْكفَالَة لَا يَصح أَخذ المَال وَهل تسْقط الْكفَالَة فِيهِ رِوَايَتَانِ وَلَو كَانَ كَفِيلا بِالنَّفسِ وَالْمَال فَصَالح بِشَرْط الْبَرَاءَة من الْكفَالَة بِالنَّفسِ بَرِيء
رجل ادّعى دَارا فَصَالحه على بَيت مِنْهَا أَو على قِطْعَة مِنْهَا لم يجز لَا عِنْد الْإِنْكَار وَلَا عِنْد الْإِقْرَار لِأَن مَا قبض عين حَقه وَهُوَ على دَعْوَاهُ فِي الْبَاقِي وَالْوَجْه فِيهِ أحد أَمريْن إِمَّا أَن يزِيد درهما فِي بدل الصُّلْح فَيصير ذَلِك عوضا عَن حَقه فِيمَا بَقِي أَو يلْحق بِهِ ذكر الْبَرَاءَة عَن دَعْوَى الْبَاقِي وَإِن صَالحه على دَار أُخْرَى أَو على شَيْء آخر لَا تقبل دَعْوَاهُ بعد ذَلِك وَلَو كَانَت دَعْوَاهُ فِي الدّين فَصَالحه على بعض الدّين أَو على غَيره بطلت دَعْوَاهُ بِخِلَاف الْعين
صَالح عَن دين على عين ثمَّ هَلَكت قبل التَّسْلِيم فَإِنَّهُ يعود الدّين وَلَو صَالحه من الدّين على شَيْء ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة بِالدّينِ لم يكن لَهُ فسخ الصُّلْح
وَصِيّ ادّعى على رجل ألفا للْيَتِيم وَلَا بَيِّنَة لَهُ فَصَالح بِخَمْسِمِائَة عَن الْألف عَن الْإِنْكَار ثمَّ وجد بَيِّنَة عادلة فَلهُ أَن يقيمها على الالف وَكَذَا إِذا وجد الصَّبِي بَيِّنَة بعد الْبلُوغ كَذَا فِي الْقنية
وَفِي البزازي رجل ادّعى دينا أَو عينا على آخر وتصالحا على بدل وكتبا وَثِيقَة الصُّلْح وذكرا فِيهَا تصالحا عَن هَذِه الدَّعْوَى على كَذَا وَلم يبْق لهَذَا الْمُدَّعِي على هَذَا الْمُدَّعِي عَلَيْهِ دَعْوَى وَلَا خُصُومَة بِوَجْه من الْوُجُوه

(1/263)


ثمَّ جَاءَ الْمُدَّعِي يَدعِي عَلَيْهِ بعد الصُّلْح دَعْوَى أُخْرَى بِأَن كَانَ الْمُدَّعِي مثلا امْرَأَة ادَّعَت دَارا وَجرى الْحَال كَمَا ذكرنَا ثمَّ جَاءَت تطلب من الْمُدَّعِي عَلَيْهِ دين الْمهْر لَا تسمع لِأَن الْبَرَاءَة عَن الدَّعْوَى ذكرت مُطلقًا وَلَا مَانع من أَن يَدعِي وَاحِدًا ويصالح عَنهُ وَعَن جَمِيع الدَّعَاوَى
وَاخْتَارَ شيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى أَن الصُّلْح بعد الانكار عَن دَعْوَى فَاسِدَة لَا يَصح لِأَن الْمُدَّعِي زَعمه يَأْخُذهُ بَدَلا عَمَّا ادَّعَاهُ فَلَا بُد من صِحَة الدَّعْوَى
وَفِي نظم الْفِقْه أَخذ سَارِقا فِي دَار غَيره فَأَرَادَ دَفعه إِلَى صَاحب المَال فَدفع لَهُ السَّارِق مَالا على أَن يكف عَنهُ يبطل وَيرد المبذول إِلَى السَّارِق لِأَن الْحق لَيْسَ لَهُ وَلَو كَانَ الصُّلْح مَعَ صَاحب السّرقَة بَرِيء من الْخُصُومَة بِأخذ المَال
رجل اتهمَ بِسَرِقَة وَحبس فَصَالح ثمَّ زعم أَن الصُّلْح كَانَ خوفًا على نَفسه إِن كَانَ فِي حبس الْوَالِي تصح الدَّعْوَى لِأَن الْغَالِب على أَنه حبس ظلما وَإِن كَانَ فِي حبس القَاضِي لَا تصح لِأَن الْغَالِب على أَنه حبس بِحَق
الصُّلْح الْفَاسِد كَالْبيع الْفَاسِد يتَمَكَّن كل مِنْهُمَا من الْفَسْخ
ادّعى عَلَيْهِ ألفا فَأنْكر وَأَعْطَاهُ نصفهَا وَلم يقل شَيْئا ثمَّ أَرَادَ الْمُدَّعِي يَعْنِي الدَّافِع اسْتِرْدَاده لَهُ ذَلِك وَإِن كَانَ مَكَان النَّقْد عرض لَا يملك الِاسْتِرْدَاد
فَالْحَاصِل أَن كل مَا كَانَ للْمُدَّعِي فِيهِ حق الْأَخْذ لَا يتَمَكَّن من اسْتِرْدَاد الْمُدَّعِي مالم يذكر لفظ الصُّلْح أَو تدل عَلَيْهِ الْقَرِينَة لِأَن فِي زعم الْمُدَّعِي أَنه أَخذ حَقه فَكيف يكون صلحا ومالا يتَمَكَّن الْمُدَّعِي من أَخذه كالعرض يكون صلحا بالتعاطي
رجل ادّعى على آخر ألفا فَأنْكر فصولح على شَيْء ثمَّ برهن الْمُدَّعِي عَلَيْهِ على الْإِيفَاء أَو الْإِبْرَاء لَا يقبل وَإِن ادّعى عَلَيْهِ ألفا فَادّعى الْقَضَاء أَو الْإِبْرَاء وصولح ثمَّ برهن على أَحدهمَا تقبل وَيرد بدل الصُّلْح لِأَن الصُّلْح فدَاء الْيَمين وَالْيَمِين فِي الأولى كَانَت على الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فَفَدَاهُ بِالْمَالِ وَفِي الثَّانِيَة على الْمُدَّعِي فَلَا يتَصَوَّر أَن يكون الْفِدَاء عَنْهَا فَإِذا برهن على الْقَضَاء أَو الْإِبْرَاء يرد بدله
رجلَانِ بَينهمَا أَخذ وَعَطَاء وتبرع وقرض وَشركَة تَصَادقا على ذَلِك وَلم يعرفا الْمِقْدَار فتصالحا على مائَة إِلَى أجل جَازَ لِأَن لفظ الصُّلْح دَلِيل على أَن الْحق أَكثر وَقد تبرع بالتأجيل فِيمَا بقى كمن لَهُ على آخر دَرَاهِم لَا يعرفان مقدارها صَالح على مائَة
رجلَانِ لَهما على رجل دين فَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يَأْخُذ نصِيبه على وَجه لَا يكون للشَّرِيك فِيهَا نصيب فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِك أَن يَبِيع من الْمَطْلُوب كفا من زبيب بِمِائَة دِرْهَم ويسلمه إِلَيْهِ ثمَّ يُبرئهُ عَن نصِيبه من الدّين ويطالبه بِثمن الزَّبِيب فَحِينَئِذٍ لَا يكون لشَرِيكه فِيهِ نصيب لِأَنَّهُ لَا شركَة فِي هَذَا الدّين وَإِن مبْنى الصُّلْح على التَّجَوُّز بِدُونِ الْحق فَصَارَ كَأَن الْمصَالح أَبرَأَهُ عَن بعض نصِيبه وَاسْتوْفى الْبَعْض وَلَا يجوز تَعْلِيق الصُّلْح بِالشّرطِ وَلَا اضافته إِلَى وَقت بِأَن قَالَ إِذا جَاءَ غَد فقد صالحتك على كَذَا أَو صالحتك غَدا على كَذَا لِأَن تَعْلِيق التمليكات بِالشّرطِ وإضافتها إِلَى الْوَقْت بَاطِل وَلِأَن الصُّلْح فِي الْأَعْيَان مُلْحق بِالْبيعِ فَكَمَا لَا يجوز تَعْلِيق البيع بِالشّرطِ وَلَا اضافته إِلَى الْوَقْت فَكَذَلِك الصُّلْح
وَيجوز الصُّلْح عَن دَعْوَى نِكَاح وَهُوَ على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يَدعِي رجل على امْرَأَة نِكَاحا وَهِي تجحد فصالحته على مَال حَتَّى يتْرك الدَّعْوَى جَازَ وَكَانَ فِي معنى الْخلْع لِأَن الصُّلْح يجب اعْتِبَاره بأقرب الْعُقُود

(1/264)


إِلَيْهِ احتيالا لصِحَّته وَأخذ المَال على ترك الْبضْع خلع فَصَارَ بدل المَال مِنْهَا فِي حق الْمُدَّعِي فِي معنى الْخلْع بِنَاء على زَعمه وَالْخلْع بِلَفْظ الْبَرَاءَة صَحِيح وَفِي حَقّهَا لدفع الشغب وَالْخُصُومَة وتخليص النَّفس عَن الْوَطْء الْحَرَام وَفِي الْهِدَايَة قَالُوا لَا يحل لَهُ أَخذ المَال فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى إِذا كَانَ مُبْطلًا فِي دَعْوَاهُ وَقَالَ صَاحب المنبع هَذَا لَيْسَ بمختص بِهَذَا الْمقَام بل هُوَ عَام فِي جَمِيع أَنْوَاع الصُّلْح بِدَلِيل مَا ذكر فِي كتاب الْإِقْرَار أَن من أقرّ لغيره بِمَال وَالْمقر لَهُ يعلم أَنه كَاذِب فِي إِقْرَاره فَإِنَّهُ لَا يحل لَهُ ذَلِك فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى إِلَّا أَن يُسلمهُ بِطيب نَفسه فَيكون تَمْلِيكًا على طَرِيق الْهِبَة وَالثَّانِي أَن تَدعِي امْرَأَة نِكَاحا على رجل فصالحها على مَال لَا يجوز لِأَنَّهُ رشوة مَحْضَة من غير خُصُومَة ويلزمها ردهَا كَذَا فِي المنبع
وَفِي الْوَلْوَالجيّ الْخَلِيفَة إِذا جعل غَيره ولي عَهده بعد مَوته ثمَّ مَاتَ يجب على النَّاس أَن يعلمُوا بِهِ وَيصير الثَّانِي خَليفَة كَمَا فعل أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَإِنَّهُ فوض الْأَمر فِي حَيَاته إِلَى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَكَذَا للْمُوصي أَن يُوصي إِلَى غَيره بعد مَوته اه