ملتقى الأبحر

 (كتاب الْكَرَاهِيَة)
الْمَكْرُوه إِلَى الْحرم أقرب وَعند مُحَمَّد كل مَكْرُوه حرَام وَلم يلفظ بِهِ لعدم الْقَاطِع.

(1/177)


(فصل فِي الْأكل)
مِنْهُ فرض وَهُوَ بِقدر مَا ينْدَفع بِهِ الْهَلَاك ومندوب وَهُوَ مَا زَاد ليتَمَكَّن من الصَّلَاة قَائِما ويسهل عَلَيْهِ الصَّوْم، ومباح وَهُوَ مَا زَاد إِلَى الشِّبَع لزِيَادَة قُوَّة الْبدن وَحرَام وَهُوَ الزَّائِد

(1/178)


عَلَيْهِ إلاَّ لقصد التَّقْوَى على صَوْم الْغَد أَو لِئَلَّا يستحيي الضَّيْف، وَلَا تجوز الرياضة بتقليل الْأكل حَتَّى يضعف عَن أَدَاء الْعِبَادَة، وَمن امْتنع عَن أكل الْميتَة حَال المخصمة أَو صَامَ

(1/179)


وَلم يَأْكُل حَتَّى مَاتَ أَثم، بِخِلَاف من امْتنع من التَّدَاوِي حَتَّى مَاتَ وَلَا بَأْس بالتفكه بأنواع الْفَوَاكِه وَتَركه أفضل واتخاذ ألوان الْأَطْعِمَة سرف وَكَذَا وضع الْخبز على الْمَائِدَة أَكثر من قدر الْحَاجة وَمسح الْأَصَابِع والسكين بالخبز وَوضع المملحة عَلَيْهِ مَكْرُوه،

(1/180)


وَسنة الْأكل الْبَسْمَلَة فِي أَوله والحمدله فِي آخِره، وَغسل الْيَد قبله وَبعده. وَيبدأ بالشبان قبله وبالشيوخ بعده وَلَا يحل شرب لبن الأتان وَلَا بَوْل إبل وإناء ذهب أَو فضَّة لرجل أَو

(1/181)


امْرَأَة وَحل اسْتِعْمَال إِنَاء عقيق وبلور وزجاج ورصاص.

(1/182)


(فصل فِي الْكسْب)
أفضله الْجِهَاد ثمَّ التِّجَارَة ثمَّ الحراثة ثمَّ الصِّنَاعَة وَمِنْه فرض وَهُوَ قدر الْكِفَايَة

(1/183)


لنَفسِهِ وَعِيَاله وَقَضَاء دُيُونه ومستحب وَهُوَ الزِّيَادَة عَلَيْهِ ليواسي بِهِ فَقِيرا أَو يصل بِهِ قَرِيبا

(1/184)


ومباح وَهُوَ الزِّيَادَة للتجمل، وَحرَام وَهُوَ الْجمع للتفاخر والبطر وَإِن كَانَ من حلي وَينْفق على نَفسه وَعِيَاله بِلَا إِسْرَاف وَلَا تقتير وَمن قدر على الْكسْب لزمَه وإنْ عجز عَنهُ لزمَه السُّؤَال فإنْ تَركه حَتَّى مَاتَ أَثم وإنْ عجز عَنهُ يفْرض على من علم بِهِ أنْ يطعمهُ أَو يدل

(1/185)


عَلَيْهِ من يطعمهُ، وَيكرهُ إِعْطَاء سُؤال الْمَسْجِد وَقيل إِن كَانَ لَا يتخطى رِقَاب النَّاس وَلَا يمر بَين يَدي مصلّ لَا يكره وَلَا يجوز قبُول هَدِيَّة امراء الْجور إلاَّ إِذا علم أَن أَكثر مَاله من حل، وَلَا تكره إِجَارَة بَيت بِالسَّوَادِ ليتَّخذ بَيت نَارا وكنيسةً أَو بيعَة أَو يُبَاع فِيهِ الْخمر، وَعِنْدَهُمَا يكره وَيكرهُ فِي الْمصر إِجْمَاعًا وَكَذَا فِي سَواد غالبه أهل الْإِسْلَام، وَمن حمل

(1/186)


لذِمِّيّ خمرًا بِأَجْر طَابَ لَهُ وَعِنْدَهُمَا يكره، وَلَا بَأْس بِقبُول هَدِيَّة العَبْد التَّاجِر وَإجَابَة دَعوته وإستعارة دَابَّته وَكره قبُول كسوته ثوبا وإهدائه أحد النَّقْدَيْنِ وَيقبل فِي الْمُعَامَلَات

(1/187)


قَول الْفَرد وَلَو أُنْثَى أَو عبدا أَو فَاسِقًا أَو كَافِرًا كَقَوْلِه شريت اللَّحْم من مُسلم أَو كتابي فَيحل أَو من مَجُوسِيّ فَيحرم. وَقَول العَبْد وَالْأمة وَالصَّبِيّ فِي الْهَدِيَّة وَالْأُذن وَشرط الْعدْل فِي الديانَات كالخبر عَن نَجَاسَة المَاء فيتيمم إنْ أخبر بهَا مُسلم عدل وَلَو أُنْثَى أَو

(1/188)


عبدا ويتحرى فِي الْفَاسِق والمبتور ثمَّ يعْمل بغالب رَأْيه وَلَو أراق فَتَيَمم عِنْد غَلَبَة صدقه وَتَوَضَّأ عِنْد غَلَبَة كذبه كَانَ أحوط.

(1/189)


(فصل فِي اللّبْس)
الْكسْوَة مِنْهَا فرض وَهُوَ مَا يستر الْعَوْرَة وَيدْفَع ضَرَر الْحر وَالْبرد، وَالْأولَى كَونه من الْقطن أَو الْكَتَّان بَين النفيس والخسيس ومستحب وَهُوَ الزَّائِد لأخذ الزِّينَة وَإِظْهَار نعْمَة

(1/190)


الله تَعَالَى ومباح وَهُوَ الثَّوْب الْجَمِيل للتزين، ومكروه وَهُوَ اللّبْس للتكبر وَيسْتَحب الْأَبْيَض وَالْأسود، وَيكرهُ الْأَحْمَر والمعصفر، وَالسّنة إرخاء طرف الْعِمَامَة بَين كَتفيهِ قدر شبر وَقيل إِلَى وسط الظّهْر، وَقيل إِلَى مَوضِع الْجُلُوس وَإِذا أَرَادَ تَجْدِيد لفها نقضهَا كَمَا

(1/191)


لفها. وَيحل للنِّسَاء لبس الْحَرِير وَلَا يحل للرِّجَال إلاّ قدر أَربع أَصَابِع كَالْعلمِ. وَلَا

(1/192)


بَأْس بتوسده وافتراشه خلافًا لَهما. وَلَا بَأْس بِلبْس مَا سداه ابريسم وَلحمَته غَيره وَعَكسه

(1/194)


لَا يلبس إلاَّ فِي الْحَرْب وَيكرهُ لبس خالصه خلافًا لَهما. وَيجوز للنِّسَاء التحلي بِالذَّهَب

(1/195)


وَالْفِضَّة لَا للرِّجَال إلاّ الْخَاتم والمنطقة وَحلية السَّيْف من الْفضة، ومسمار الذَّهَب فِي ثقب الفص وَكِتَابَة الثَّوْب بِذَهَب أَو فضَّة وَشد السن بِالْفِضَّةِ، وَلَا يجوز بِالذَّهَب خلافًا

(1/196)


لَهما. وَلَا يتختم بِحجر وَلَا صفر وَلَا حَدِيد وَقيل يُبَاح بِالْحجرِ اليشب، وَترك التَّخَتُّم أفضل لغير السُّلْطَان وَالْقَاضِي. وَيجوز الْأكل وَالشرب من إِنَاء مفضض وَالْجُلُوس على

(1/197)


سَرِير مفضض بِشَرْط اتقاء مَوضِع الْفضة، وَيكرهُ عِنْد أبي يُوسُف وَعَن مُحَمَّد رِوَايَتَانِ. وَيكرهُ إلباس الصَّبِي ذَهَبا أَو حَرِيرًا، وَيكرهُ حمل خرقَة لمسح الْعرق أَو المخاط أَو الْوضُوء إنْ للتكبر وإنْ للْحَاجة فَلَا هُوَ الصَّحِيح. والرتم لَا بَأْس بِهِ.

(1/198)


(فصل)
فِي النّظر وَنَحْوه وَيحرم النّظر إِلَى الْعَوْرَة إلاَّ عِنْد الضَّرُورَة كالطبيب، والخاتن والخافضة والقابلة والحاقن، وَلَا يتَجَاوَز قدر الضَّرُورَة، وَينظر الرجل من الرجل إِلَى مَا سوى الْعَوْرَة

(1/199)


وَقد بيّنت فِي الصَّلَاة، وَتنظر الْمَرْأَة من الْمَرْأَة وَالرجل إِلَى مَا ينظر الرجل من الرجل إنْ آمَنت الشَّهْوَة، وَينظر إِلَى جَمِيع بدن زَوجته وَأمته الَّتِي يحل لَهُ وَطْؤُهَا وَمن مَحَارمه وَأمة

(1/200)


غَيره إِلَى الْوَجْه وَالرَّأْس والصدر والساق والعضد، وَلَا بَأْس بمسه بِشَرْط أمنْ الشَّهْوَة فِي

(1/201)


النّظر والمس وَلَا ينظر إِلَى الْبَطن وَالظّهْر والفخذ وإنْ أَمن وَلَا إِلَى الْحرَّة الْأَجْنَبِيَّة إلاّ إِلَى الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ إنْ أمنْ، وإلاّ وَلَا يجوز لغير الشَّاهِد عِنْد الْأَدَاء وَالْحَاكِم عِنْد الحكم،

(1/202)


وَلَا يجوز مس ذَلِك وإنْ أمنْ إِن كَانَت شَابة وَيجوز إِن عجوزاً لَا تشْتَهى أَو هُوَ شيخ يَأْمَن على نَفسه وَعَلَيْهَا. وَيجوز النّظر والمس مَعَ خوف الشَّهْوَة عِنْد إِرَادَة الشِّرَاء أَو النِّكَاح

(1/203)


وَالْعَبْد مَعَ سيدته كَالْأَجْنَبِيِّ والمجبوب والخصي كالفحل وَيكرهُ للرجل أَن يقبل الرجل أَو يعانقه فِي إِزَار بِلَا قَمِيص، وَعند أبي يُوسُف لَا يكره وَلَا بَأْس بالمصافحة وتقبيل يَد

(1/204)


الْعَالم أَو السُّلْطَان العادلويعزل عَن أمته بِلَا إِذْنهَا لَا عَن زَوجته إلاّ بِالْإِذْنِ وَلَا تعرض الْأمة إِذا بلغت فِي إِزَار وَاحِد.

(1/205)


(فصل فِي بَيَان أَحْكَام الِاسْتِبْرَاء)
من ملك أمة بشرَاء أَو غَيره يحرم عَلَيْهِ وَطْؤُهَا ودواعيه حَتَّى يستبرىء بِحَيْضَة فِيمَن

(1/206)


تحيض وبشهر فِي غَيرهَا، وَفِي أمة مُرْتَفعَة الْحيض لَا بإياس بِثَلَاثَة أشهر وَعند مُحَمَّد

(1/207)


بأَرْبعَة أشهر وَعشر وَفِي رِوَايَة عَن مُحَمَّد بِنِصْفِهَا. وَفِي الْحَامِل بِوَضْعِهِ وَلَو كَانَت بكرا أَو مشرية من امْرَأَة أَو مَال طِفْل أَو مِمَّن يحرم عَلَيْهِ وَطْؤُهَا. وَيسْتَحب الِاسْتِبْرَاء للْبَائِع وَلَا يجب عَلَيْهِ وَلَا تَكْفِي حَيْضَة ملكهَا فِيهَا وَلَا الَّتِي قبل الْقَبْض أَو قبل الْإِجَازَة فِي بيع

(1/208)


الْفُضُولِيّ وَكَذَا الْولادَة، وتكفي حَيْضَة وجدت بعد الْقَبْض وهيَّ مَجُوسِيَّة فَأسْلمت وَيجب عِنْد تملك نصيب شَرِيكه لَا عد عود الآبقة ورد الْمَغْصُوبَة والمستأجرة وَفك الْمَرْهُونَة، وَلَا تكره الْحِيلَة لإسقاطه، عِنْد أبي يُوسُف خلافًا لمُحَمد وَأخذ بِالْأولِ إنْ علم عدم الْوَطْء من الْمَالِك الأول وَبِالثَّانِي إنْ احْتمل، وَالْحِيلَة إنْ لم تكن تَحْتَهُ حرَّة أنْ يَتَزَوَّجهَا ثمَّ يَشْتَرِيهَا، وإنْ كَانَت تَحْتَهُ حرَّة فأنْ يُزَوّجهَا البَائِع قبل البيع أَو المُشْتَرِي بعد

(1/209)


البيع قبل الْقَبْض، ثمَّ يُطلق الزَّوْج بعد الشِّرَاء وَالْقَبْض أَو بعد الْقَبْض وَمن ملك أمتين لَا يَجْتَمِعَانِ نِكَاحا فَلهُ وطؤ إِحْدَاهمَا فَقَط ودواعيه فإنْ وطئهما أَو فعل بهما شَيْئا من الدَّوَاعِي حرم عَلَيْهِ وطؤ كل مِنْهُمَا ودواعيه حَتَّى يحرم أحداهما.

(1/210)


(فصل فِي البيع)
وَيكرهُ بيع الْعذرَة خَالِصَة وَجَاز لَو مخلوطة فِي الصَّحِيح، وَجَاز بيع السرقين وَالِانْتِفَاع

(1/211)


كَالْبيع، وَمن رأى جَارِيَة رجل مَعَ آخر يَبِيعهَا قَائِلا وكلني صَاحبهَا أَو اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ أَو وَهبهَا لي أَو تصدق بهَا عَليّ، وَوَقع فِي قلبه صدقه حل لَهُ شراؤها مِنْهُ ووطؤها، وَيجوز بيع بِنَاء مَكَّة وَيكرهُ بيع أرْضهَا وإجارتها خلافًا لَهما، وقولهما رِوَايَة عَن الإِمَام وَيكرهُ

(1/212)


الاحتكار فِي أقوات الْآدَمِيّين والبهائم بِبَلَد يضر بأَهْله، وَعند أبي يُوسُف فِي كل مَا يضر احتكاره بالعامة وَلَو ذَهَبا أَو فضَّة أَو ثوبا. وَإِذا رفع إِلَى الْحَاكِم حَال المحتكر أمره بِبيع مَا يفضل عَن حَاجته، فَإِن امْتنع بَاعَ عَلَيْهِ وَلَا احتكار فِي غلَّة ضيعته وَلَا فِيمَا جلبه من بلد

(1/213)


آخر، وَعند أبي يُوسُف يكره، وَكَذَا عِنْد مُحَمَّد إنْ كَانَ يجلب مِنْهُ إِلَى الْمصر عَادَة وَهُوَ الْمُخْتَار وَيجوز بيع الْعصير مِمَّن يَتَّخِذهُ خمرًا وَلَو بَاعَ مُسلم خمرًا وأوفى دينه من ثمنهَا كره لرب الدّين أَخذه، وإنْ كَانَ الْمَدْيُون ذِمِّيا لَا يكره وَيكرهُ التسعير إلاّ إِذا تعدى أَرْبَاب

(1/214)


الطَّعَام فِي الْقيمَة تَعَديا فَاحِشا فَلَا بَأْس بِهِ بمشورة أهل الْخِبْرَة. وَيجوز شِرَاء مَا لَا بُد للطفل مِنْهُ وَبيعه لِأَخِيهِ وَعَمه وَأمه وملتقطه إنْ هُوَ فِي حجرهم وتؤجره أمه فَقَط.

(1/215)


(فصل فِي المتفرقات)
تجوز الْمُسَابقَة بِالسِّهَامِ وَالْخَيْل، وَالْحمير وَالْإِبِل والأقدام، وَإِن شَرط فِيهَا جعل من إِحْدَى الْجَانِبَيْنِ أَو ثَالِث لأسبقهما جَازَ من كلا الْجَانِبَيْنِ يحرم، إلاَّ أنْ يكون بَينهمَا مُحَلل كفى لَهما إنْ سبقهما أَخذ مِنْهُمَا وإنْ سبقاه لَا يعطيهما، وَفِيمَا بَينهمَا أَيهمَا سبق

(1/216)


أَخذ من الآخر وعَلى هَذَا لَو اخْتلف اثْنَان فِي مَسْأَلَة وأرادا الرُّجُوع إِلَى شيخ وَجعلا على ذَلِك جعلا ووليمة الْعرس سنة وَمن دعِي فليجب وإنْ لم يجب أَثم وَلَا يرفع مِنْهَا شَيْئا وَلَا يُعْطي سَائِلًا إلاَّ بِإِذن صَاحبهَا، وإنْ علم أنَّ فِيهَا لهواً لَا يُجيب وَإِن لم يعلم حَتَّى حضر فإنْ قدر على الْمَنْع فعل وَلَا، فَإِن كَانَ مقتدى بِهِ أَو كَانَ اللَّهْو على الْمَائِدَة فَلَا

(1/217)


يقْعد وإلاَّ فَلَا بَأْس بالقعود. وَقَالَ الإِمَام ابْتليت بِهِ مرّة فَصَبَرت وَهُوَ مَحْمُول على مَا قبل أنْ يصير مقتدى بِهِ. وَدلّ قَوْله ابْتليت على حُرْمَة كل الملاهي لأنَّ الِابْتِلَاء إِنَّمَا يكون بالمحرم. وَالْكَلَام مِنْهُ مَا يُؤجر بِهِ كالتسبيح وَنَحْوه وَقد يَأْثَم بِهِ إِذا فعله فِي مجْلِس الْفسق

(1/218)


وَهُوَ يُعلمهُ وإنْ قصد بِهِ فِيهِ الِاعْتِبَار وَالْإِنْكَار فَحسن، وَيكرهُ فعله للتاجر عِنْد فتح مَتَاعه والترجيع بِقِرَاءَة الْقُرْآن وَالِاسْتِمَاع إِلَيْهِ، وَقيل لَا بَأْس بِهِ. وَعَن النَّبِي (أَنه كره رفع الصَّوْت عِنْد قِرَاءَة الْقُرْآن والجنازة) ، والزحف والتذكير فَمَا ظَنك بِهِ عِنْد الْغناء الَّذِي يسمونه وجدا وَكره الإِمَام الْقِرَاءَة عِنْد الْقَبْر وجوزها مُحَمَّد وَبِه أَخذ وَمِنْه مَا لَا أجر فِيهِ

(1/219)


وَلَا وزر نَحْو قُم واقعد، وَقيل لَا يكْتب عَلَيْهِ وَمِنْه مَا يَأْثَم بِهِ كالكذب والغيبة والنميمة

(1/220)


والشتيمة وَالْكذب حرَام إلاّ فِي الْحَرْب للخدعة، وَفِي الصُّلْح بَين اثْنَيْنِ، وَفِي إرضاء الْأَهْل، وَفِي دفع الظَّالِم عَن الظُّلم. وَيكرهُ التَّعْرِيض بِهِ إلاَّ لحَاجَة وَلَا غيبَة لظَالِم، وَلَا إِثْم فِي السَّعْي بِهِ وَلَا غيبَة إلاَّ لمعلوم فاغتياب أهل لقرية لَيْسَ بغيبة، وَيحرم اللّعب بالنرد

(1/221)


أَو الشطرنج وَالْأَرْبَعَة عشر وكل لَهو وَيكرهُ اسْتِخْدَام الخصيان وَوصل الشّعْر بِشعر

(1/222)


آدَمِيّ، وَقَوله فِي الدُّعَاء أَسأَلك بمعقد الْعِزّ من عرشك خلافًا لأبي يُوسُف وَقَوله أَسأَلك بِحَق أنبيائك ورسلك واستماع الملاهي حرَام وَيكرهُ تعشير الْمُصحف ونقطه إلاَّ للعجم، فإنَّه حسن وَلَا بَأْس بتحليته. وَلَا بَأْس بِدُخُول الذِّمِّيّ الْمَسْجِد الْحَرَام، وَلَا بعيادته،

(1/223)


وَيجوز إخصاء الْبَهَائِم وانزاء الْحمير على الْخَيل، والحقنة للرِّجَال وَالنِّسَاء لَا بِمحرم كَالْخمرِ وَنَحْوهَا، وَلَا بَأْس برزق القَاضِي كِفَايَة بِلَا شَرط، وَلَا بَأْس بسفر الْأمة وَأم الْوَلَد

(1/224)


بِلَا محرم وَالْخلْوَة بهَا، قيل تُبَاح وَقيل لَا، وَيكرهُ جعل الرَّايَة فِي عنق العَبْد لَا تَقْيِيده. وَيكرهُ أَن يقْرض بقالاً درهما ليَأْخُذ مِنْهُ بِهِ مَا يحْتَاج إِلَى أَن يستغرقه، وَالسّنة تقليم

(1/225)


الأظافير ونتف الْإِبِط وَحلق الْعَانَة والشارب وقصه حسن، وَلَا بَأْس بِدُخُول الْحمام للرِّجَال وَالنِّسَاء إِذا اتزر وغض بَصَره، وَيسْتَحب اتِّخَاذ الأوعية لنقل المَاء إِلَى الْبيُوت، وَكَونهَا من الخزف أفضل، وَلَا بَأْس بستر حيطان الْبَيْت باللبود للبرد، وَيكرهُ للزِّينَة. وَكَذَا إرخاء السّتْر على الْبَيْت وَإِذا أدّى الْفَرَائِض وَأحب أنْ يتنعم بمنظر حسن وَجوَار

(1/226)


جميلَة فَلَا بَأْس، والقناعة بِأَدْنَى الْكِفَايَة وَصرف الْبَاقِي إِلَى مَا ينْتَفع فِي الْآخِرَة أولى.

(1/227)


(كتاب إحْيَاء الْموَات)
هيَّ أَرض لَا ينْتَفع بهَا عَادِية أَو مَمْلُوكَة فِي الْإِسْلَام، لَيْسَ لَهَا مَالك معِين مُسلم أَو ذمِّي،

(1/228)


وَعند مُحَمَّد إنْ ملكت فِي الْإِسْلَام لَا تكون مواتاً. وَيشْتَرط عِنْد أبي يُوسُف كَونهَا بعيدَة عَن العامر وحد الْبعيد وَلَو صِيحَ من أقصاه لَا يسمع فِيهَا، وَعند مُحَمَّد أنْ لَا ينْتَفع بهَا أهل العامر وَلَو قريبَة مِنْهُ، من أَحْيَاهَا بإذنْ الإِمَام وَلَو ذِمِّيا ملكهَا وَبلا إِذْنه لَا خلافًا

(1/229)


لَهما. وَلَا يجوز إحْيَاء مَا قرب من العامر بل يتْرك مرعيَّ لأهل الْقرْيَة ومطرحاً لحصائدهم، وَلَا مَا عدل عَنهُ مَاء الْفُرَات وَنَحْوهَا، وَاحْتمل عوده فإنْ لم يحْتَمل جَازَ وَمن حجر أَرضًا ثَلَاث سِنِين وَلم يعمرها أخذت مِنْهُ وَدفعت إِلَى غَيره. وَمن حفر بِئْرا فِي

(1/230)


أَرض مواتٍ فَلهُ حريمها إنْ بِإِذن الإِمَام، وَكَذَا إنْ بِغَيْر إِذْنه عِنْدهمَا وحريم العطن أَرْبَعُونَ ذرعاً من كل جَانب هُوَ الصَّحِيح. وَكَذَا حَرِيم الناضح وَعِنْدَهُمَا للناضح سِتُّونَ،

(1/231)


وحريم الْعين خَمْسمِائَة ذِرَاع من كل جَانب وَيمْنَع غَيره من الْحفر فِي حريمه لَا فِيمَا وَرَاءه فإنْ حفر أحد فِيهِ ضمن النُّقْصَان ويكبس وإنْ حفر فِيمَا وَرَاءه فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَله

(1/232)


الْحَرِيم مِمَّا سوى حَرِيم الأول وللقناة حَرِيم بِقدر مَا يصلحها. وَقيل: لَا حَرِيم لَهَا مَا لم يظْهر مَاؤُهَا، وَعِنْدَهُمَا هِيَ كالبئر وإنْ ظهر مَاؤُهَا فهيَّ كَالْعَيْنِ إِجْمَاعًا، وَلَا حَرِيم لنهر فِي أَرض الْغَيْر إلاَّ بِحجَّة، وَعِنْدَهُمَا لَهُ مسناة بِقدر نصف عرضه من كل جَانب عِنْد أبي يُوسُف، وبقدر عرضه عِنْد مُحَمَّد، وَهُوَ الأرفق، فالمسناة بَين النَّهر وَالْأَرْض وَلَيْسَت

(1/233)


فِي يَد أحد لصَاحب الأَرْض فَلَا يغْرس فِيهَا صَاحب النَّهر وَلَا يلقِي عَلَيْهَا طينه، وَلَا يمر، وَقيل لَهُ: الْمُرُور والقاء الطين مَا لم يفحش، وَعِنْدَهُمَا هيَّ لرب النَّهر فَلهُ ذَلِك. قَالَ الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر أَخذ بقول الإِمَام فِي الْغَرْس، وبقولهما: فِي إِلْقَاء الطين. وَمن

(1/234)


غرس شَجَرَة فِي أَرض موَات فَلهُ حريمها خَمْسَة أَذْرع من كل جَانب، يمْنَع غَيره من الْغَرْس فِيهِ.

(فصل فِي الشّرْب)
هُوَ النَّصِيب والشفة شرب بني آدم والبهائم الْأَنْهَار الْعِظَام كالفرات ودجلت غير مَمْلُوكَة

(1/235)


وَلكُل أحد فِيهَا حق الشّفة وَالْوُضُوء وَنصب الرَّحَى وكرى نهر إِلَى أرضه، وإنْ لم يضر بالعامة. وَفِي الْأَنْهَار الْمَمْلُوكَة والحوض والبئر والقناة لكل حق الشّفة، إنْ لم يخف التحريب لِكَثْرَة الْمَوَاشِي، أَو الْإِتْيَان على جَمِيع المَاء، وَلَا سقى أرضه أَو شَجَره إلاَّ بِإِذن مَالِكه وَله الْأَخْذ للْوُضُوء وَغسل الثِّيَاب وَسقي شجر وخضر فِي دَاره بالجرار فِي

(1/236)


الْأَصَح. وَمَا أحرز من المَاء بحب وكوز وَنَحْوه لَا يُؤْخَذ إلاَّ برضى صَاحبه وَله بَيْعه، وَلَو الْبِئْر أَو الْعين أَو النَّهر فِي ملك أحد فَلهُ منع من يُرِيد الشّفة من الدُّخُول فإنْ لم يجد غَيره لزمَه أنْ يخرج إِلَيْهِ المَاء أَو يُمكنهُ من الدُّخُول فإنْ لم يفعل وَخيف الْعَطش قوتل

(1/237)


بِالسِّلَاحِ، وَفِي المحرز يُقَاتل بِغَيْر سلَاح، كَمَا فِي الطَّعَام حَال المخمصة.

(فصل)
وَكري الْأَنْهَار الْعِظَام من بَيت المَال، وإنْ لم يكن فِيهِ شَيْء فعلى الْعَامَّة، وكرى مَا ملك

(1/238)


على أربابه لَا على أهل الشّفة، وَيجْبر من أَبى ومؤنته عَلَيْهِم من أَعْلَاهُ وَإِذا جَاوز أَرض رجل سَقَطت عَنهُ وَلَيْسَ لَهُ سقِِي أرضه مَا لم يفرغ شركاؤه، وَقيل لَهُ ذَلِك وَعِنْدَهُمَا هيَّ عَلَيْهِم جَمِيعًا من أَوله، إِلَى آخِره بحصص الشّرْب، وَتَصِح دَعْوَى الشّرْب بِلَا أَرض،

(1/239)


وَمن كَانَ لَهُ نهر يجْرِي فِي أَرض غَيره فَأَرَادَ ربّ الأَرْض منع الإجراء، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك فإنْلم يكن فِي يَده أَو لم يكن جَارِيا فَادّعى أَنه لَهُ وَقصد إجراءه لَا يسمع بِلَا بَيِّنَة أنَّه لَهُ أَو أنَّه كَانَ لَهُ حق الإجراء، وعَلى هَذَا المصب فِي نهر أَو سطح والميزاب، والممشي فِي دَار الْغَيْر، وإنْ اخْتصم جمَاعَة فِي شرب بَينهم قسم على قدر أراضيهم وَيمْنَع الْأَعْلَى من سكر النَّهر بِلَا رضاهم وإنْ لم تشرب أرضه بِدُونِهِ وَلَيْسَ لوَاحِد مِنْهُم أنْ يشق مِنْهُ نَهرا أَو

(1/240)


ينصب عَلَيْهِ رحى أَو دالية أَو جِسْرًا بِلَا إِذن الْبَقِيَّة الأرحى فِي ملكه، وَلَا تضر بالنهر وَلَا بمائه، وَلَا أنْ يُوسع فَم النَّهر وَلَا أنْ يقسم بِالْأَيَّامِ أَو مُنَاصَفَة بعد كَون الْقِسْمَة بالكِوَى،

(1/241)


وَلَا أنْ يزِيد كوَّة وإنْ لم يضر بالباقين وَلَا أَن ينقص بعض كواه، وَلَا أنْ يَسُوق شربه إِلَى أَرض أُخْرَى لَهُ لَيْسَ لَهَا مِنْهُ شرب، فإنْ رضيَّ الْبَقِيَّة بِشَيْء من ذَلِك جَازَ وَلَهُم نقضه بعد الْإِجَازَة ولورثتهم من بعدهمْ وَالشرب يُورث ويوصي بِالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَلَا يُبَاع وَلَا يُوهب

(1/242)


وَلَا يُؤجر وَلَا يتَصَدَّق بِهِ، وَلَا يَجْعَل مهْرا وَلَا بدل صلح وَلَا يضمن من مَلأ أرضه فنزت أَرض جَاره وَلَا يضمن من سقِِي من شرب غَيره.

(1/243)