الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع

كتاب الْحَج
بِفَتْح الْمُهْملَة وَكسرهَا لُغَتَانِ قرىء بهما فِي السَّبع
وَهُوَ لُغَة الْقَصْد وَشرعا قصد الْكَعْبَة للنسك الْآتِي بَيَانه كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع وَهُوَ فرض على المستطيع لقَوْله تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت} الْآيَة وَلِحَدِيث بني الْإِسْلَام على خمس وَلِحَدِيث حجُّوا قبل أَن لَا تَحُجُّوا قَالُوا كَيفَ نحج قبل أَن لَا نحج قَالَ أَن تقعد الْعَرَب على بطُون الأودية فيمنعون النَّاس السَّبِيل
وَهُوَ مَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ
يكفر جاحده إِلَّا أَن يكون قريب عهد بِالْإِسْلَامِ أَو نَشأ ببادية بعيدَة عَن الْعلمَاء وَهُوَ من الشَّرَائِع الْقَدِيمَة رُوِيَ أَن آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما حج قَالَ لَهُ جِبْرِيل إِن الْمَلَائِكَة كَانُوا يطوفون قبلك بِهَذَا الْبَيْت بسبعة آلَاف سنة
وَقَالَ صَاحب التَّعْجِيز إِن أول من حج آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَإنَّهُ حج أَرْبَعِينَ سنة من الْهِنْد مَاشِيا
وَقيل مَا من نَبِي إِلَّا حجه
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق لم يبْعَث الله نَبيا بعد إِبْرَاهِيم إِلَّا وَقد حج الْبَيْت وَادّعى بعض من ألف فِي الْمَنَاسِك أَن الصَّحِيح أَنه لم يجب إِلَّا على هَذِه الْأمة
وَاخْتلفُوا مَتى فرض فَقيل فرض فِي السّنة الْخَامِسَة من الْهِجْرَة وَجزم بِهِ الرَّافِعِيّ فِي الْكَلَام على أَن الْحَج على التَّرَاخِي
وَقيل فِي السّنة السَّادِسَة وصححاه فِي كتاب السّير وَنَقله فِي الْمَجْمُوع عَن الْأَصْحَاب وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَلَا يجب بِأَصْل الشَّرْع إِلَّا مرّة وَاحِدَة لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يحجّ بعد فرض الْحَج إِلَّا مرّة وَاحِدَة وَهِي حجَّة الْوَدَاع وَلخَبَر مُسلم أحجنا هَذَا لِعَامِنَا أم لِلْأَبَد قَالَ لَا بل لِلْأَبَد وَأما حَدِيث الله عَلَيْهِ وَسلم من حج حجَّة أدّى فَرْضه وَمن حج ثَانِيَة داين ربه وَمن حج ثَالِثَة حرم الله شعره وبشرته على النَّار
وَقد يجب أَكثر من مرّة لعَارض كنذر وَقَضَاء عِنْد إِفْسَاد التَّطَوُّع
وَالْعمْرَة فرض فِي الْأَظْهر لقَوْله تَعَالَى {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} أَي الْبَيْهَقِيّ الْآمِر بِالْحَجِّ فِي كل خَمْسَة أَعْوَام فَمَحْمُول على النّدب لقَوْله

(1/250)


صلى ائْتُوا بهما تامين
وَعَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت يَا رَسُول الله هَل على النِّسَاء جِهَاد قَالَ نعم جِهَاد لَا قتال فِيهِ الْحَج وَالْعمْرَة وَأما خبر التِّرْمِذِيّ عَن جَابر سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعمرَة أَوَاجِبَة هِيَ قَالَ لَا وَأَن تعتمر خير قَالَ فِي الْمَجْمُوع اتّفق الْحفاظ على ضعفه وَلَا تجب فِي الْعُمر إِلَّا مرّة
شُرُوط وجوب الْحَج (وشرائط وجوب الْحَج) أَي وَالْعمْرَة (سَبْعَة) بل ثَمَانِيَة كَمَا ستعرفه الأول (الْإِسْلَام) فَلَا يجبان على كَافِر أُصَلِّي وجوب مُطَالبَة كَمَا فِي الصَّلَاة أما الْمُرْتَد بعد الِاسْتِطَاعَة فَلَا يسقطان عَنهُ فَإِن أسلم مُعسرا اسْتَقر فِي ذمَّته بِتِلْكَ الِاسْتِطَاعَة أَو مُوسِرًا وَمَات قبل التَّمَكُّن حج وَاعْتمر عَنهُ من تركته وَلَو ارْتَدَّ فِي أثْنَاء نُسكه بَطل فِي الْأَصَح فَلَا يمْضِي فِي فاسده
(و) الثَّانِي وَالثَّالِث (الْبلُوغ وَالْعقل) فَلَا يجبان على صبي وَلَا مَجْنُون لعدم تكليفهما كَسَائِر الْعِبَادَات
(و) الرَّابِع (الْحُرِّيَّة) فَلَا يجبان على من فِيهِ رق لِأَن مَنَافِعه مُسْتَحقَّة لسَيِّده وَفِي إِيجَاب ذَلِك عَلَيْهِ إِضْرَار لسَيِّده
(و) الْخَامِس (الِاسْتِطَاعَة) كَمَا يعلم ذَلِك من كَلَامه فَلَا يجبان على غير مستطيع لمَفْهُوم الْآيَة
والاستطاعة نَوْعَانِ أَحدهمَا استطاعة مُبَاشرَة وَلها شُرُوط أَحدهَا (وجود الزَّاد) الَّذِي يَكْفِيهِ وأوعيته حَتَّى السفرة وكلفة ذَهَابه لمَكَّة ورجوعه مِنْهَا

(1/251)


إِلَى وَطنه وَإِن لم يكن فِيهِ أهل وعشيرة فَلَو لم يجد مَا ذكر وَلَكِن كَانَ يكْتَسب فِي سَفَره مَا يَفِي بزاده وَبَاقِي مُؤْنَته وسفره طَوِيل مرحلتان فَأكْثر لم يُكَلف النّسك وَلَو كَانَ يكْسب فِي يَوْم كِفَايَة أَيَّام لِأَنَّهُ قد يَنْقَطِع عَن الْكسْب لعَارض وَبِتَقْدِير عدم الِانْقِطَاع فالجمع بَين تَعب السّفر وَالْكَسْب فِيهِ مشقة عَظِيمَة وَإِن قصر سَفَره وَكَانَ يكْتَسب فِي يَوْم كِفَايَة أَيَّام الْحَج كلف الْحَج بِأَن يخرج لَهُ لقلَّة الْمَشَقَّة حِينَئِذٍ وَقدر فِي الْمَجْمُوع أَيَّام الْحَج بِمَا بَين زَوَال سَابِع ذِي الْحجَّة وَزَوَال ثَالِث عشره وَهُوَ فِي حق من لم ينفر النَّفر الأول فَإِن لم يجد زادا وَاحْتَاجَ أَن يسْأَل النَّاس كره لَهُ اعْتِمَادًا على السُّؤَال إِن لم يكن لَهُ كسب وَإِلَّا منع بِنَاء على تَحْرِيم الْمَسْأَلَة للمكتسب كَمَا بَحثه الْأَذْرَعِيّ
(و) الثَّانِي من شُرُوط الِاسْتِطَاعَة وجود (الرَّاحِلَة) الصَّالِحَة لمثله بشرَاء أَو اسْتِئْجَار بِثمن أَو أُجْرَة مثل لمن بَينه وَبَين مَكَّة مرحلتان فَأكْثر قدر على الْمَشْي أم لَا لَكِن ينْدب للقادر على الْمَشْي الْحَج خُرُوجًا من خلاف من أوجبه وَمن بَينه وَبَين مَكَّة دون مرحلَتَيْنِ وَهُوَ قوي على الْمَشْي يلْزمه الْحَج لعدم الْمَشَقَّة فَلَا يعْتَبر فِي حَقه وجود الرَّاحِلَة فَإِن ضعف عَن الْمَشْي بِأَن عجز أَو لحقه ضَرَر ظَاهر كالبعيد عَن مَكَّة فَيشْتَرط فِي حَقه وجود الرَّاحِلَة فَإِن لحقه بالراحلة مشقة شَدِيدَة اشْترط محمل وَهُوَ الْخَشَبَة الَّتِي يركب فِيهَا بيع أَو إِجَارَة بعوض مثله دفعا للضَّرَر فِي حق الرجل وَلِأَنَّهُ أستر للْأُنْثَى وأحوط للخنثى وَاشْترط شريك أَيْضا مَعَ وجود الْمحمل يجلس فِي الشق الآخر لتعذر ركُوب شقّ لَا يعادله شَيْء فَإِن لم يجده لم يلْزمه النّسك وَإِن وجد مُؤنَة الْمحمل بِتَمَامِهِ أَو كَانَت الْعَادة جَارِيَة فِي مثله بالمعادلة بالأثقال كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب
وَيشْتَرط كَون مَا ذكر من الزَّاد وَالرَّاحِلَة والمحمل وَالشَّرِيك فاضلين عَن دينه حَالا كَانَ أَو مُؤَجّلا وَعَن كلفة من عَلَيْهِ نَفَقَتهم مُدَّة ذَهَابه وإيابه وَعَن مَسْكَنه اللَّائِق بِهِ الْمُسْتَغْرق لِحَاجَتِهِ وَعَن عبد يَلِيق بِهِ وَيحْتَاج إِلَيْهِ لخدمته وَيلْزمهُ صرف مَال تِجَارَته إِلَى الزَّاد وَالرَّاحِلَة وَمَا يتَعَلَّق بهما
(و) الشَّرْط السَّادِس للْوُجُوب (تخلية الطَّرِيق) أَي أَمنه وَلَو ظنا فِي كل مَكَان بِحَسب مَا يَلِيق بِهِ فَلَو خَافَ فِي طَرِيقه على نَفسه أَو عضوه أَو نفس مُحْتَرمَة مَعَه أَو عضوها أَو مَاله وَلَو يَسِيرا سبعا أَو عدوا أَو رصديا وَلَا طَرِيق لَهُ سواهُ لم يجب النّسك عَلَيْهِ لحُصُول الضَّرَر وَالْمرَاد بالأمن الْعَام حَتَّى لَو كَانَ الْخَوْف فِي حَقه وَحده قضى من تركته كَمَا نَقله البُلْقِينِيّ عَن النَّص
وَيجب ركُوب الْبَحْر إِن غلبت السَّلامَة فِي ركُوبه وَتعين طَرِيقا كسلوك طَرِيق الْبر عِنْد غَلَبَة السَّلامَة فَإِن غلب الْهَلَاك أَو اسْتَوَى الْأَمْرَانِ لم يجب بل يحرم لما فِيهِ من الْخطر
(و) السَّابِع (إِمْكَان الْمسير) إِلَى مَكَّة بِأَن يكون قد بَقِي من الْوَقْت مَا يتَمَكَّن فِيهِ من السّير الْمُعْتَاد لأَدَاء النّسك
وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد كَمَا نَقله الرَّافِعِيّ عَن الْأَئِمَّة وَإِن اعْتَرَضَهُ ابْن الصّلاح بِأَنَّهُ يشْتَرط لاستقراره لَا لوُجُوبه فقد صوب النَّوَوِيّ مَا قَالَه الرَّافِعِيّ
وَقَالَ السُّبْكِيّ إِن نَص الشَّافِعِي أَيْضا يشْهد لَهُ وَلَا بُد من وجود رفْقَة يخرج مَعَهم فِي الْوَقْت الَّذِي جرت عَادَة أهل بَلَده الْخُرُوج فِيهِ وَأَن يَسِيرُوا السّير الْمُعْتَاد فَإِن خَرجُوا قبله أَو أخروا الْخُرُوج بِحَيْثُ لَا يصلونَ مَكَّة إِلَّا بِأَكْثَرَ من مرحلة فِي كل يَوْم أَو كَانُوا يَسِيرُونَ فَوق الْعَادة لم يلْزمه الْخُرُوج هَذَا إِن احْتِيجَ إِلَى الرّفْقَة لدفع الْخَوْف فَإِن أَمن الطَّرِيق بِحَيْثُ لَا يخَاف الْوَاحِد فِيهَا لزمَه وَلَا

(1/252)


حَاجَة للرفقة وَلَا نظر إِلَى الوحشة بِخِلَافِهَا فِيمَا مر فِي التَّيَمُّم لِأَنَّهُ لَا بدل لما هُنَا بِخِلَافِهِ ثمَّ
(و) الثَّامِن من شُرُوط الْوُجُوب وَهُوَ من شُرُوط الِاسْتِطَاعَة أَن يثبت على الرَّاحِلَة أَو فِي محمل وَنَحْوه بِلَا مشقة شَدِيدَة فَمن لم يثبت عَلَيْهَا أصلا أَو ثَبت فِي محمل عَلَيْهَا لَكِن بِمَشَقَّة شَدِيدَة لكبر أَو نَحوه انْتَفَى عَنهُ استطاعة الْمُبَاشرَة وَلَا تضر مشقة تحْتَمل فِي الْعَادة
وَيشْتَرط وجود مَاء وَزَاد بمحال مُعْتَاد حملهما مِنْهَا بِثمن مثل زَمَانا ومكانا وَوُجُود علف دَابَّة كل مرحلة وَخُرُوج نَحْو زوج امْرَأَة كمحرمها أَو عَبدهَا أَو نسْوَة ثِقَات مَعهَا لتأمن على نَفسهَا لخَبر الصَّحِيحَيْنِ لَا تُسَافِر الْمَرْأَة يَوْمَيْنِ إِلَّا وَمَعَهَا زَوجهَا أَو محرم وَيَكْفِي فِي الْجَوَاز لفرضها امْرَأَة وَاحِدَة وسفرها وَحدهَا إِن أمنت وَلَو كَانَ خُرُوج من ذكر بِأُجْرَة فيلزمها أجرته إِذا لم يخرج إِلَّا بهَا فَيشْتَرط فِي لُزُوم النّسك لَهَا قدرتها على أجرته ويلزمها أُجْرَة الْمحرم كقائد أعمى والمحجور عَلَيْهِ بِسَفَه كَغَيْرِهِ فِي وجوب النّسك عَلَيْهِ فَيصح إِحْرَامه وَينْفق عَلَيْهِ من مَاله لَكِن لَا يدْفع لَهُ المَال لِئَلَّا يبذره بل يخرج مَعَه الْوَلِيّ بِنَفسِهِ إِن شَاءَ لينفق عَلَيْهِ فِي الطَّرِيق بِالْمَعْرُوفِ أَو ينصب شخصا لَهُ ثِقَة يَنُوب عَن الْوَلِيّ وَلَو بِأُجْرَة مثله إِن لم يجد مُتَبَرعا لينفق عَلَيْهِ فِي الطَّرِيق بِالْمَعْرُوفِ وَالظَّاهِر أَن أجرته كَأُجْرَة من يخرج مَعَ الْمَرْأَة
وَالنَّوْع الثَّانِي استطاعة بِغَيْرِهِ فَتجب إنابة عَن ميت غير مُرْتَد عَلَيْهِ نسك من تركته كَمَا يقْضِي مِنْهَا دُيُونه وَلَو فعله عَنهُ أَجْنَبِي جَازَ وَلَو بِلَا إِذن كَمَا يقْضِي دُيُونه بِلَا إِذن وَعَن معضوب بضاد مُعْجمَة أَي عَاجز عَن النّسك بِنَفسِهِ لكبر أَو غَيره كمشقة شَدِيدَة بَينه وَبَين مَكَّة مرحلتان فَأكْثر إِمَّا بِأُجْرَة مثل فضلت عَمَّا مر فِي النَّوْع الأول غير مُؤنَة عِيَاله سفرا إِذا لم يفارقهم يُمكنهُ تَحْصِيل مؤنتهم أَو بِوُجُود مُطِيع بنسك سَوَاء كَانَ أَصله أم فَرعه أَو أَجْنَبِيّا بِشَرْط كَونه غير معضوب موثوقا بِهِ أدّى فَرْضه وَكَون بعضه غير ماش وَلَا معولا على الْكسْب أَو السُّؤَال إِلَّا أَن يكْتَسب فِي يَوْم كِفَايَة أَيَّام وسفره دون مرحلَتَيْنِ فَلَا يجب عَلَيْهِ إنابة مُطِيع بِمَال للأجرة لعظم الْمِنَّة بِخِلَاف الْمِنَّة فِي بذل الطَّاعَة بنسك بِدَلِيل أَن الْإِنْسَان يستنكف عَن الِاسْتِعَانَة بِمَال غَيره وَلَا يستنكف عَن الِاسْتِعَانَة بِبدنِهِ فِي الأشغال
تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن شُرُوط صِحَة النّسك فَيشْتَرط لصِحَّته الْإِسْلَام فَلَا يَصح من كَافِر أُصَلِّي أَو مُرْتَد لعدم أَهْلِيَّته لِلْعِبَادَةِ وَلَا يشْتَرط فِيهِ تَكْلِيف فلولي مَال وَلَو بمأذونه إِحْرَام عَن صَغِير وَلَو مُمَيّز لخَبر مُسلم عَن ابْن عَبَّاس أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقِي ركبا بِالرَّوْحَاءِ فَفَزِعت امْرَأَة فَأخذت بعضد صبي صَغِير فَأَخْرَجته من محفتها فَقَالَت يَا رَسُول الله هَل لهَذَا حج

(1/253)


قَالَ نعم وَلَك أجر
وَعَن مَجْنُون قِيَاسا على الصَّغِير وَيشْتَرط للمباشرة مَعَ الْإِسْلَام التَّمْيِيز وَلَو من صَغِير أَو رَقِيق كَمَا فِي سَائِر الْعِبَادَات فللمميز أَن يحرم بِإِذن وليه من أَب ثمَّ جد ثمَّ وَصِيّ ثمَّ حَاكم أَو قيمه
وَيشْتَرط لوُقُوعه عَن فرض الْإِسْلَام مَعَ الْإِسْلَام التَّمْيِيز وَالْبُلُوغ وَالْحريَّة وَلَو غير مستطيع فيجزىء ذَلِك من فَقير لكَمَال حَاله فَهُوَ كَمَا لَو تكلّف الْمَرِيض الْمَشَقَّة وَحضر الْجُمُعَة لَا من صَغِير ورقيق إِن كملا بعده لخَبر أَيّمَا صبي حج ثمَّ بلغ فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى وَأَيّمَا عبد حج ثمَّ عتق فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى فالمراتب الْمَذْكُورَة للصِّحَّة وَالْوُجُوب أَربع الْوُجُوب وَالصِّحَّة الْمُطلقَة وَصِحَّة الْمُبَاشرَة والوقوع عَن فرض الْإِسْلَام
أَرْكَان الْحَج (وأركان الْحَج أَرْبَعَة) بل سِتَّة كَمَا ستعرفه الأول (الْإِحْرَام) بِهِ (مَعَ النِّيَّة) أَي نِيَّة الدُّخُول فِي الْحَج لخَبر إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ (و) الثَّانِي (الْوُقُوف بِعَرَفَة) لخَبر الْحَج عَرَفَة
(و) الثَّالِث (الطّواف) لقَوْله تَعَالَى {وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} وَالرَّابِع (السَّعْي) لما روى الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره بِإِسْنَاد حسن كَمَا فِي الْمَجْمُوع أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتقْبل الْقبْلَة فِي الْمَسْعَى وَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس اسْعوا فَإِن السَّعْي قد كتب عَلَيْكُم
(و) الْخَامِس الْحلق أَو التَّقْصِير لتوقف التَّحَلُّل عَلَيْهِ مَعَ عدم جبره بِدَم كالطواف
(و) السَّادِس تَرْتِيب الْمُعظم بِأَن يقدم الْإِحْرَام على الْجَمِيع وَالْوُقُوف على طواف الرُّكْن وَالْحلق أَو التَّقْصِير وَالطّواف على السَّعْي إِن لم يفعل بعد طواف الْقدوم وَدَلِيله الِاتِّبَاع مَعَ خبر خُذُوا عني مَنَاسِككُم وَقد عده فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا ركنا وَفِي الْمَجْمُوع شرطا وَالْأول أنسب كَمَا فِي الصَّلَاة وَلَا دخل للجبر فِي الْأَركان
أَرْكَان الْعمرَة وأركان الْعمرَة أَرْبَعَة أَشْيَاء) بل خَمْسَة كَمَا ستعرفه الأول (الْإِحْرَام و) الثَّانِي (الطّواف و) الثَّالِث (السَّعْي و) الرَّابِع (الْحلق أَو التَّقْصِير فِي أحد الْقَوْلَيْنِ) الْقَائِل بِأَنَّهُ نسك وَهُوَ الْأَظْهر وَمثله التَّقْصِير وَالْخَامِس التَّرْتِيب فِي جَمِيع أَرْكَانهَا على مَا ذَكرْنَاهُ
تَنْبِيهَات الأول الْأَفْضَل أَن يعين فِي إِحْرَامه النّسك الَّذِي يحرم بِهِ بِأَن يَنْوِي حجا أَو عمْرَة أَو كليهمَا فَلَو أحرم بحجتين أَو عمرتين انْعَقَدت وَاحِدَة فَإِن أحرم وَأطلق بِأَن لَا يزِيد على نفس الْإِحْرَام فَإِن كَانَ فِي أشهر الْحَج صرفه إِلَى مَا شَاءَ بِالنِّيَّةِ من النُّسُكَيْنِ أَو كليهمَا إِن صلح الْوَقْت لَهما ثمَّ بعد النِّيَّة يَأْتِي بِمَا شَاءَ فَلَا يجزىء الْعَمَل قبل النِّيَّة فَإِن لم يصلح الْوَقْت لَهما بِأَن

(1/254)


فَاتَ وَقت الْحَج صرفه للْعُمْرَة وَإِن كَانَ فِي غير أشهره انْعَقَدت عمْرَة فَلَا يصرفهُ إِلَى الْحَج فِي أشهره لِأَن الْوَقْت لَا يقبل غير الْعمرَة وَيسن النُّطْق بنية وتلبية فَيَقُول بِقَلْبِه وَلسَانه نَوَيْت الْحَج أَو الْعمرَة أَو هما لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك إِلَى آخِره كَمَا سَيَأْتِي
وَلَا تسن التَّلْبِيَة فِي طواف وَلَا سعي لِأَن فيهمَا أذكارا خَاصَّة وَيسن الْغسْل للْإِحْرَام ولدخول مَكَّة وللوقوف بِعَرَفَة وبمزدلفة غَدَاة النَّحْر وَفِي أَيَّام التَّشْرِيق للرمي فَإِن عجز عَن الْغسْل تيَمّم وَيسن أَن يطيب مُرِيد الْإِحْرَام بدنه للْإِحْرَام وَلَا بَأْس باستدامته بعد الْإِحْرَام وَلَا يسن تطييب ثَوْبه خلافًا لما فِي الْمِنْهَاج
وَيسن خضب يَدي امْرَأَة للْإِحْرَام إِلَى الكوعين بِالْحِنَّاءِ لِأَنَّهُمَا قد ينكشفان وَمسح وَجههَا بِشَيْء مِنْهُ
وَيسن أَن يُصَلِّي مُرِيد الْإِحْرَام فِي غير وَقت الْكَرَاهَة رَكْعَتَيْنِ للْإِحْرَام وَالْأَفْضَل أَن يحرم الشَّخْص إِذا توجه لطريقه
وَيسن للْمحرمِ إكثار التَّلْبِيَة فِي دوَام إِحْرَامه وَيرْفَع الذّكر صَوته بهَا وتتأكد عِنْد تَغْيِير الْأَحْوَال كركوب وصعود وهبوط واختلاط رفْقَة وإقبال ليل أَو نَهَار وَوقت سحر
ولفظها لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك لَا شريك لَك لبيْك إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك لَك
وَإِذا رأى مَا يُعجبهُ أَو يكرههُ ندب أَن يَقُول لبيْك إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة وَإِذا فرغ من تلبيته صلى وَسلم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَأَلَ الله تَعَالَى الْجنَّة ورضوانه واستعاذ بِهِ من النَّار
وَالْأَفْضَل دُخُول مَكَّة قبل الْوُقُوف بِعَرَفَة وَالْأَفْضَل دُخُولهَا من ثنية كداء بِالْفَتْح وَالْمدّ وَهِي العلياء وَإِن لم تكن بطريقه وَيخرج من ثنية كدى بِالضَّمِّ وَالْقصر وَهِي السُّفْلى والثنية الطَّرِيق الضّيق بَين الجبلين وَإِذا دخل مَكَّة وَرَأى الْكَعْبَة أَو وصل مَحل رؤيتها وَلم يرهَا لعمى أَو ظلمَة أَو نَحْو ذَلِك قَالَ ندبا رَافعا يَدَيْهِ اللَّهُمَّ زد هَذَا الْبَيْت تَشْرِيفًا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وَكَرمه مِمَّن حجه أَو اعتمره تَشْرِيفًا وتكريما وتعظيما وَبرا
اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام فحينا رَبنَا بِالسَّلَامِ وَيدخل الْمَسْجِد من بَاب بني شيبَة وَإِن لم يكن بطريقه وَيبدأ بِطواف الْقدوم إِلَّا لعذر كإقامة جمَاعَة وضيق وَقت صَلَاة وَيخْتَص بِطواف الْقدوم حَلَال وحاج دخل مَكَّة قبل الْوُقُوف وَمن دخل الْحرم لَا لنسك بل لنَحْو تِجَارَة سنّ لَهُ إِحْرَام بنسك
وَاجِبَات الطّواف التَّنْبِيه الثَّانِي وَاجِبَات الطّواف بأنواعه ثَمَانِيَة الأول ستر الْعَوْرَة
وَالثَّانِي طهر عَن حدث أَصْغَر وأكبر وَعَن نجس كَمَا فِي الصَّلَاة فَلَو زَالا فِي الطّواف جدد السّتْر وَالطُّهْر وَبنى على طَوَافه وَالثَّالِث جعله الْبَيْت عَن يسَاره مارا من تِلْقَاء وَجهه
وَالرَّابِع بدؤه بِالْحجرِ الْأسود محاذيا لَهُ أَو لجزئه فِي مروره بِبدنِهِ فَلَو بَدَأَ بِغَيْرِهِ لم يحْسب مَا طافه فَإِذا انْتهى إِلَيْهِ ابْتَدَأَ مِنْهُ وَلَو أزيل الْحجر وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى وَجب محاذاة مَحَله وَلَو مَشى على الشاذروان الْخَارِج عَن عرض جِدَار الْبَيْت أَو مس الْجِدَار فِي موازاته أَو دخل من إِحْدَى فتحتي الْحجر المحوط بَين الرُّكْنَيْنِ الشاميين لم يَصح طَوَافه
وَالْخَامِس كَونه سبعا
وَالسَّادِس كَونه فِي الْمَسْجِد
وَالسَّابِع نِيَّة الطّواف إِن اسْتَقل بِأَن لم يَشْمَلهُ نسك
وَالثَّامِن عدم صرفه لغيره كَطَلَب غَرِيم

(1/255)


وسننه أَن يمشي فِي كُله إِلَّا لعذر كَمَرَض وَأَن يسْتَلم الْحجر الْأسود أول طَوَافه وَأَن يقبله وَيسْجد عَلَيْهِ وَيفْعل بمحله إِذا أزيل وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى كَذَلِك فَإِن عجز عَن التَّقْبِيل اسْتَلم بِيَدِهِ فَإِن عجز عَن استلامه أَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ
ويراعي ذَلِك الاستلام وَمَا بعده فِي كل طوفه وَلَا يسن (تَقْبِيل الرُّكْنَيْنِ الشاميين وَلَا استلامهما) وَيسن استلام الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَلَا يسن تقبيله وللطواف سنَن أخر وأدعية ذكرتها فِي شرح الْبَهْجَة وَغَيره
وَاجِبَات السَّعْي التَّنْبِيه الثَّالِث وَاجِبَات السَّعْي ثَلَاث الأول يبْدَأ بالصفا وَيخْتم بالمروة
وَالثَّانِي أَن يسْعَى سبعا ذَهَابه من الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَة مرّة وَعوده مِنْهَا إِلَيْهِ مرّة أُخْرَى
وَالثَّالِث أَن يسْعَى بعد طواف ركن أَو قدوم بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّل بَين السَّعْي وَطواف الْقدوم الْوُقُوف بِعَرَفَة وَمن سعى بعد طواف قدوم لم تسن لَهُ إِعَادَته بعد طواف الْإِفَاضَة وَله سنَن ذكرتها فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره
التَّنْبِيه الرَّابِع وَاجِب الْوُقُوف بِعَرَفَة حُضُوره بِجُزْء من أرْضهَا وَإِن كَانَ مارا فِي طلب آبق بِشَرْط كَونه محرما أَهلا لِلْعِبَادَةِ لَا مغمى عَلَيْهِ جَمِيع وَقت الْوُقُوف وَلَا بَأْس بِالنَّوْمِ وَوقت الْوُقُوف من وَقت زَوَال الشَّمْس يَوْم عَرَفَة إِلَى فجر يَوْم النَّحْر وَلَو وقفُوا الْيَوْم الْعَاشِر غَلطا وَلم يقلوا على خلاف الْعَادة أجزأهم وقوفهم فَإِن قلوا على خلاف الْعَادة وَجب الْقَضَاء
وَاجِبَات الْحَج (وواجبات الْحَج غير الْأَركان ثَلَاثَة أَشْيَاء) بل خَمْسَة كَمَا ستعرفه وغاير المُصَنّف بَين الرُّكْن وَالْوَاجِب وهما مُتَرَادِفَانِ إِلَّا فِي هَذَا الْبَاب فَقَط فالفرض مَا لَا تُوجد مَاهِيَّة الْحَج إِلَّا بِهِ
وَالْوَاجِب مَا يجْبر تَركه بِدَم وَلَا يتَوَقَّف وجود الْحَج على فعله الأول (الْإِحْرَام من الْمِيقَات) وَلَو من آخِره وَالْأَفْضَل من أَوله والميقات فِي اللُّغَة الْحَد وَالْمرَاد بِهِ هُنَا زمن الْعِبَادَة ومكانها فالميقات الزماني لِلْحَجِّ شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَعشر لَيَال من ذِي الْحجَّة فَلَو أحرم بِهِ فِي غير وقته انْعَقَد عمْرَة وَجَمِيع السّنة وَقت لإحرام الْعمرَة وَقد يمْتَنع الْإِحْرَام بهَا لعوارض مِنْهَا مَا لَو كَانَ محرما بِحَجّ فَإِن الْعمرَة لَا تدخل عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَا لَو أحرم بهَا قبل نفره لاشتغاله بِالرَّمْي وَالْمَبِيت وَمِنْهَا مَا لَو كَانَ محرما بِعُمْرَة فَإِن الْعمرَة لَا تدخل على أُخْرَى وَأما الْمِيقَات المكاني لِلْحَجِّ فِي حق من بِمَكَّة سَوَاء كَانَ من أَهلهَا أم لَا نفس مَكَّة وَأما غَيره فميقات المتوجه من الْمَدِينَة ذُو الحليفة وَهِي على نَحْو عشرَة مراحل من مَكَّة وميقات المتوجه من الشَّام وَمن مصر وَمن الْمغرب الْجحْفَة وَهِي قَرْيَة كَبِيرَة بَين مَكَّة وَالْمَدينَة
قَالَ فِي الْمَجْمُوع على نَحْو ثَلَاث مراحل من مَكَّة
وميقات المتوجه من تهَامَة الْيمن يَلَمْلَم وَهُوَ مَوضِع على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة
وميقات المتوجه من نجد الْيمن ونجد الْحجاز قرن وَهُوَ جبل على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة
وميقات المتوجه من الْمشرق الْعرَاق وَغَيره ذَات عرق وَهِي قَرْيَة على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة
وَالْأَصْل فِي الْمَوَاقِيت خبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقت لأهل الْمَدِينَة ذَا الحليفة وَلأَهل الشَّام ومصر الْجحْفَة وَلأَهل نجد قرن الْمنَازل وَلأَهل الْيمن يَلَمْلَم وَقَالَ هن لَهُنَّ وَلمن أَتَى عَلَيْهِنَّ من غير أهلهن مِمَّن أَرَادَ الْحَج وَالْعمْرَة وَمن كَانَ دون ذَلِك فَمن حَيْثُ أنشأ حَتَّى أهل مَكَّة من مَكَّة
فَائِدَة قَالَ بَعضهم سَأَلت الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل فِي أَي سنة أقت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَوَاقِيت الْإِحْرَام فَقَالَ سنة عَام حج وَمن سلك طَرِيقا لَا تَنْتَهِي إِلَى مِيقَات أحرم من محاذاته فَإِن حَاذَى ميقاتين أحرم من محاذاة أقربهما إِلَيْهِ فَإِن اسْتَويَا فِي الْقرب إِلَيْهِ أحرم من محاذاة أبعدهُمَا من مَكَّة وَإِن لم يحاذ ميقاتا أحرم على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة وَمن مَسْكَنه بَين مَكَّة والميقات فميقاته مَسْكَنه وَمن جَاوز ميقاتا غير مُرِيد نسكا ثمَّ أَرَادَهُ فميقاته مَوْضِعه وَمن وصل إِلَيْهِ مرِيدا نسكا لم يجز مجاوزته بِغَيْر إِحْرَام بِالْإِجْمَاع فَإِن جاوزه لزمَه الْعود ليحرم مِنْهُ إِلَّا إِذا ضَاقَ الْوَقْت أَو كَانَ الطَّرِيق مخوفا فَإِن لم يعد لعذر أَو غَيره لزمَه دم وَإِن أحرم

(1/256)


ثمَّ عَاد قبل تلبسه بنسك سقط الدَّم عَنهُ وَإِلَّا فَلَا
وميقات الْعمرَة المكاني لمن هُوَ خَارج الْحرم مِيقَات الْحَج وَمن بِالْحرم يلْزمه الْخُرُوج إِلَى أدنى الْحل وَلَو بِأَقَلّ من خطْوَة فَإِن لم يخرج وأتى بِأَفْعَال الْعمرَة أَجزَأَهُ فِي الْأَظْهر وَلَكِن عَلَيْهِ دم فَلَو خرج إِلَى أدنى الْحل بعد إِحْرَامه وَقبل الطّواف وَالسَّعْي سقط عَنهُ الدَّم وَأفضل بقاع الْحل الْجِعِرَّانَة ثمَّ التَّنْعِيم ثمَّ الْحُدَيْبِيَة
(و) الْوَاجِب الثَّانِي (رمي الْجمار الثَّلَاث) كل يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق الثَّلَاث وَيدخل رمي كل يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق بِزَوَال شمسه وَيخرج وَقت اخْتِيَاره بغروبها وَأما وَقت جَوَازه فَإلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق فَإِن نفر وَلَو انْفَصل من منى بعد الْغُرُوب أَو عَاد لشغل فِي الْيَوْم الثَّانِي بعد رميه جَازَ وَسقط مبيت اللَّيْلَة الثَّالِثَة وَرمى يَوْمهَا
وَشرط لصِحَّة الرَّمْي تَرْتِيب الجمرات بِأَن يَرْمِي أَولا إِلَى الْجَمْرَة الَّتِي تلِي مَسْجِد الْخيف ثمَّ إِلَى الْوُسْطَى ثمَّ إِلَى جَمْرَة الْعقبَة
تَنْبِيه لَو قَالَ المُصَنّف وَالرَّمْي لَكَانَ أخصر وأجود ليشْمل رمي جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر فَإِنَّهُ وَاجِب يجْبر تَركه بِدَم وَيدخل وقته بِنصْف لَيْلَة النَّحْر وَيبقى وَقت اخْتِيَاره إِلَى غرُوب شمس يَوْمه وَأما وَقت الْجَوَاز فَإلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق
وَيشْتَرط فِي رمي يَوْم النَّحْر وَغَيره كَونه سبع مَرَّات وَكَونه بيد لِأَنَّهُ الْوَارِد ذكره بِحجر فيجزىء بأنواعه وَقصد المرمي وَتحقّق إِصَابَته بِالْحجرِ
قَالَ الطَّبَرِيّ وَلم يذكرُوا فِي المرمي حدا مَعْلُوما غير أَن كل جَمْرَة عَلَيْهَا علم فَيَنْبَغِي أَن يَرْمِي تَحْتَهُ على الأَرْض وَلَا يبعد عَنهُ احْتِيَاطًا
وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْجَمْرَة مُجْتَمع الْحَصَى لَا مَا سَالَ من الْحَصَى
وَحده بعض الْمُتَأَخِّرين بِثَلَاثَة أَذْرع من سَائِر الجوانب إِلَّا فِي جَمْرَة الْعقبَة فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا وَجه وَاحِد وَهُوَ قريب مِمَّا تقدم
(و) الْوَاجِب الثَّالِث (الْحلق) على القَوْل بِأَنَّهُ اسْتِبَاحَة مَحْظُور وَهُوَ مَرْجُوح وَالْمُعْتَمد أَنه ركن على القَوْل الْأَظْهر أَنه نسك كَمَا مر بل نقل الإِمَام الِاتِّفَاق على ركنيته وَحِينَئِذٍ يصحح للْمُصَنف مَا ذكره من الْعدَد بإبدال هَذَا الْمَرْجُوح بالمبيت بِمُزْدَلِفَة فَإِنَّهُ وَاجِب على الْأَصَح وَيجْبر تَركه بِدَم وَالْوَاجِب فِيهِ سَاعَة فِي النّصْف الثَّانِي من اللَّيْل فَإِن دفع قبل النّصْف الثَّانِي لزمَه الْعود فَإِن لم يعد حَتَّى طلع الْفجْر لزمَه دم وَيسن أَن يَأْخُذ مِنْهَا حَصى الرَّمْي وَهُوَ سَبْعُونَ حَصَاة مِنْهَا سبع لرمي يَوْم النَّحْر وَالْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاث وَسِتُّونَ حَصَاة لأيام التَّشْرِيق كل وَاحِد إِحْدَى وَعِشْرُونَ حَصَاة لكل جَمْرَة سبع حَصَيَات وَيسن أَن يَرْمِي بِقدر حَصى الْخذف وَهُوَ دون الْأُنْمُلَة طولا وعرضا بِقدر الباقلا وَمن عجز عَن الرَّمْي أناب من يَرْمِي عَنهُ وَلَو ترك رميا من رمي يَوْم النَّحْر أَو أَيَّام التَّشْرِيق تَدَارُكه فِي بَاقِي أَيَّام التَّشْرِيق أَدَاء وَإِلَّا لزمَه دم بترك رمي ثَلَاث رميات فَأكْثر
(و) الْوَاجِب الرَّابِع الْمبيت بمنى ليَالِي أَيَّام التَّشْرِيق مُعظم اللَّيْل كَمَا لَو حلف لَا يبيت بمَكَان لَا يَحْنَث إِلَّا بمبيت مُعظم اللَّيْل فَإِن تَركه لغمه دم وَمحل وجوب مبيت اللَّيْلَة الثَّالِثَة لمن لم ينفر النَّفر الأول كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ
(و) الْوَاجِب الْخَامِس التَّحَرُّز من مُحرمَات الْإِحْرَام وَأما طواف الْوَدَاع فَهُوَ وَاجِب مُسْتَقل لَيْسَ من الْمَنَاسِك على الْمُعْتَمد فَيجب على غير نَحْو حَائِض كنفساء بِفِرَاق مَكَّة وَلَو مكيا أَو غير حَاج ومعتمر أَو فَارقهَا لسفر قصير كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَيجْبر تَركه بِدَم فَإِن عَاد بعد فِرَاقه بِلَا طواف قبل مَسَافَة الْقصر وَطَاف فَلَا دم عَلَيْهِ وَإِن مكث بعد الطّواف لَا لصَلَاة أُقِيمَت أَو شغل سفر كَشِرَاء زَاد أعَاد الطّواف

(1/257)


تَنْبِيه يسن دُخُول الْبَيْت وَالصَّلَاة فِيهِ وَالشرب من مَاء زَمْزَم وزيارة قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو لغير حَاج ومعتمر وَسن لمن قصد الْمَدِينَة الشَّرِيفَة لزيارته أَن يكثر فِي طَرِيقه من الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْهِ فَإِذا دخل الْمَسْجِد قصد الرَّوْضَة وَهِي بَين قَبره ومنبره وَصلى تَحِيَّة الْمَسْجِد بِجَانِب الْمِنْبَر ثمَّ وقف مستدبر الْقبْلَة مُسْتَقْبل رَأس الْقَبْر الشريف وَيبعد عَنهُ نَحْو أَرْبَعَة أَذْرع فارغ الْقلب من علق الدُّنْيَا وَيسلم بِلَا رفع صَوت وَأقله (السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ثمَّ يتَأَخَّر صوب يَمِينه قدر ذِرَاع فَيسلم على أبي بكر ثمَّ يتَأَخَّر قدر ذِرَاع فَيسلم على عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا ثمَّ يرجع إِلَى موقفه الأول قبالة وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويتوسل بِهِ فِي حق نَفسه ويستشفع بِهِ إِلَى ربه وَإِذا أَرَادَ السّفر ودع الْمَسْجِد بِرَكْعَتَيْنِ وأتى الْقَبْر الشريف وَأعَاد نَحْو السَّلَام الأول
سنَن الْحَج (وَسنَن الْحَج) كَثِيرَة الْمَذْكُور مِنْهَا هَهُنَا (سبع) بِتَقْدِيم السّنَن على الْمُوَحدَة وَمَشى المُصَنّف فِي بَعْضهَا على ضَعِيف كَمَا ستعرفه
الأول (الْإِفْرَاد) فِي عَام وَاحِد (وَهُوَ تَقْدِيم) أَعمال (الْحَج على) أَعمال (الْعمرَة) فَإِن الْحَج وَالْعمْرَة يؤديان على ثَلَاثَة أوجه الأول هَذَا الْإِفْرَاد وَالثَّانِي التَّمَتُّع وَعَكسه وَالثَّالِث الْقرَان بِأَن يحرم بهما مَعًا فِي أشهر الْحَج أَو بِعُمْرَة ثمَّ يحجّ قبل شُرُوعه فِي طواف ثمَّ يعْمل الْحَج فيهمَا وأفضلهما الْإِفْرَاد إِن اعْتَمر عَامه ثمَّ التَّمَتُّع أفضل من الْقرَان وعَلى كل من الْمُتَمَتّع والقارن دم إِن لم يَكُونَا من حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام وهم من مساكنهم دون مرحلَتَيْنِ مِنْهُ
(و) الثَّانِيَة (التَّلْبِيَة) إِلَّا عِنْد الرَّمْي فَيُسْتَحَب التَّكْبِير فِيهِ دونهَا وَتَقَدَّمت صيغتها وَمن لَا يحسنها بِالْعَرَبِيَّةِ يَأْتِي بهَا بِلِسَانِهِ (و) الثَّالِثَة (طواف الْقدوم) وَتقدم أَنه يخْتَص بحلال وبحاج دخل مَكَّة قبل الْوُقُوف فَلَو دخل بعد الْوُقُوف تعين طواف الْإِفَاضَة لدُخُول وقته
(و) الرَّابِعَة (الْمبيت بِمُزْدَلِفَة) على وَجه ضَعِيف وَالأَصَح أَنه وَاجِب كَمَا مر
(و) الْخَامِسَة (رَكعَتَا الطّواف) خلف الْمقَام فَإِن لم يَتَيَسَّر فَفِي الْحجر فَإِن لم يَتَيَسَّر فَفِي الْمَسْجِد فَإِن لم يَتَيَسَّر فَحَيْثُ شَاءَ من الْحرم
(و) السَّادِسَة (الْمبيت بمنى) لَيْلَة عَرَفَة لِأَنَّهُ للاستراحة لَا للنسك وَخرج بِقَيْد عَرَفَة الْمبيت بهَا ليَالِي التَّشْرِيق فَإِنَّهُ وَاجِب كَمَا مر بَيَانه
(و) السَّابِعَة (طواف الْوَدَاع) على قَول مَرْجُوح وَالْأَظْهَر أَنه وَاجِب كَمَا مر بَيَانه
وَقد بَقِي لِلْحَجِّ سنَن كَثِيرَة ذكرت مِنْهَا جملَة فِي شرح التَّنْبِيه وَغَيره
(ويتجرد الرجل عِنْد الْإِحْرَام عَن الْمخيط) وجوبا كَمَا جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي مَجْمُوعه وَهَذَا وَهُوَ الْمُعْتَمد وَإِن خَالف فِي مَنَاسِكه الْكُبْرَى فَقَالَ فِيهِ بالاستحباب وَلَو عبر بالمحيط بِضَم الْمِيم وبحاء مُهْملَة بدل الْمخيط بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة لَكَانَ أولى ليشْمل الْخُف واللبد والمنسوج (ويلبس) ندبا (إزارا ورداء أبيضين) جديدين وَإِلَّا فمغسولين ونعلين وَخرج بِالرجلِ وَالْمَرْأَة وَالْخُنْثَى إِذْ لَا نزع عَلَيْهِمَا فِي غير الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ

(1/258)


فصل فِي مُحرمَات الْإِحْرَام
وَحكم الْفَوات وَقد بَدَأَ بالقسم الأول فَقَالَ (وَيحرم على الْمحرم) بِحَجّ أَو عمْرَة أَو بهما أُمُور كَثِيرَة الْمَذْكُورَة مِنْهَا هُنَا (عشرَة أَشْيَاء) الأول (لبس الْمخيط) وَمَا فِي مَعْنَاهُ كالمنسوج على هَيئته والملزوق واللبد سَوَاء كَانَ من قطن أم من جلد وَمن غير ذَلِك فِي جَمِيع بدنه إِذا كَانَ مَعْمُولا على قدره على الْهَيْئَة المألوفة فِيهِ ليخرج مَا إِذا ارتدى بقميص أَو قبَاء أَو اتزر بسراويل فَإِنَّهُ لَا فديَة فِي ذَلِك
وَالْأَصْل فِي ذَلِك الْأَخْبَار الصَّحِيحَة كَخَبَر الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يلبس الْمحرم من الثِّيَاب فَقَالَ لَا يلبس القمص وَلَا العمائم وَلَا السَّرَاوِيل وَلَا البرانس وَلَا الْخفاف إِلَّا أحد لَا يجد نَعْلَيْنِ فيلبس الْخُفَّيْنِ وليقطعهما أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ وَلَا يلبس من الثِّيَاب شَيْئا مَسّه زعفران أَو ورس زَاد البُخَارِيّ وَلَا تنتقب الْمَرْأَة وَلَا تلبس القفازين
فَإِن قيل السُّؤَال عَمَّا يلبس فَأُجِيب بِمَا لَا يلبس مَا الْحِكْمَة فِي ذَلِك أُجِيب بِأَن مَا لَا يلبس مَحْصُور بِخِلَاف مَا يلبس إِذْ الأَصْل الْإِبَاحَة وَفِيه تَنْبِيه على أَنه كَانَ يَنْبَغِي السُّؤَال عَمَّا لَا يلبس وَبِأَن الْمُعْتَبر فِي الْجَواب مَا يحصل الْمَقْصُود وَإِن لم يُطَابق السُّؤَال صَرِيحًا
(و) الثَّانِي (تَغْطِيَة) بعض (الرَّأْس من الرجل) وَلَو الْبيَاض الَّذِي وَرَاء الْأذن سَوَاء أستر الْبَعْض الآخر أم لَا بِمَا يعد ساترا عرفا مخيطا كَانَ أَو غَيره كالعمامة والطيلسان وَكَذَا الطين والحناء الثخينان لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْمحرم الَّذِي خر من على بعيره مَيتا لَا تخمروا رَأسه فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبيا بِخِلَاف مَا لَا يعد ساترا كاستظلال بمحمل وَإِن مَسّه فَإِن لبس أَو ستر بِغَيْر عذر حرم عَلَيْهِ وَلَزِمتهُ الْفِدْيَة فَإِن كَانَ لعذر من حر أَو برد أَو مداواة كَأَن جرح رَأسه فَشد عَلَيْهِ خرقَة فَيجوز لقَوْله تَعَالَى {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} لَكِن تلْزمهُ الْفِدْيَة قِيَاسا على الْحلق بِسَبَب الْأَذَى
(و) الثَّالِث ستر بعض (الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ من الْمَرْأَة) وَلَو أمة كَمَا فِي الْمَجْمُوع بِمَا يعد ساترا إِلَّا لحَاجَة فَيجوز مَعَ الْفِدْيَة

(1/259)


وعَلى الْحرَّة أَن تستر مِنْهُ مَا لَا يَتَأَتَّى ستر جَمِيع رَأسهَا إِلَّا بِهِ احْتِيَاطًا للرأس إِذْ لَا يُمكن اسْتِيعَاب ستره إِلَّا بستر قدر يسير مِمَّا يَلِي الْوَجْه والمحافظة على ستره بِكَمَالِهِ لكَونه عَورَة أولى من الْمُحَافظَة على كشف ذَلِك الْقدر من الْوَجْه وَيُؤْخَذ من التَّعْلِيل أَن الْأمة لَا تستر ذَلِك لِأَن رَأسهَا لَيْسَ بِعَوْرَة وَإِذا أَرَادَت الْمَرْأَة ستر وَجههَا عَن النَّاس أرخت عَلَيْهِ مَا يستره بِنَحْوِ ثوب متجاف عَنهُ بِنَحْوِ خَشَبَة بِحَيْثُ لَا يَقع على الْبشرَة وَسَوَاء أفعلته لحَاجَة كحر وَبرد أم لَا وَلها لبس الْمخيط وَغَيره فِي الرَّأْس وَغَيره إِلَّا القفاز فَلَيْسَ لَهَا ستر الْكَفَّيْنِ وَلَا أَحدهمَا بِهِ للْحَدِيث الْمُتَقَدّم وَهُوَ شَيْء يعْمل لِلْيَدَيْنِ يحشى بِقطن وَيكون لَهُ أزرار تزر على الساعدين من الْبرد تلبسه الْمَرْأَة فِي يَديهَا
وَمُرَاد الْفُقَهَاء مَا يَشْمَل المحشو وَغَيره
تَنْبِيه يحرم على الْخُنْثَى الْمُشكل ستر وَجهه مَعَ رَأسه وَيلْزمهُ الْفِدْيَة وَله ستر وَجهه مَعَ كشف رَأسه وَلَا فديَة عَلَيْهِ لأَنا لَا نوجبها بِالشَّكِّ
قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَيسن أَن يسْتَتر بالمخيط لجَوَاز كَونه رجلا وَيُمكن ستره بِغَيْرِهِ
ع (و) الرَّابِع (ترجيل) أَي تَسْرِيح (الشّعْر) أَي شعر رَأس الْمحرم أَو لحيته وَلَو من امْرَأَة (بالدهن) وَلَو غير مُطيب كزيت وشمع مذاب لما فِيهِ من التزين الْمنَافِي لحَال الْمحرم فَإِنَّهُ أَشْعَث أغبر كَمَا ورد فِي الْخَبَر وَلَا فرق فِي الشّعْر بَين الْقَلِيل وَالْكثير وَلَو وَاحِدَة كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَامهم وَلَو كَانَ شعر الرَّأْس أَو اللِّحْيَة محلوقا لما فِيهِ من تَزْيِين الشّعْر وتنميته بِخِلَاف رَأس الْأَقْرَع والأصلع وذقن الْأَمْرَد لانْتِفَاء الْمَعْنى وَله دهن بدنه ظَاهرا وَبَاطنا وَسَائِر شعره بذلك وَله أكله وَجعله فِي شجة وَلَو بِرَأْسِهِ وَألْحق الْمُحب الطَّبَرِيّ بِشعر اللِّحْيَة شعر الْوَجْه كحاجب وشارب وعنفقة وَقَالَ الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ التَّحْرِيم ظَاهر فِيمَا اتَّصل باللحية كالشارب والعنفقة والعذار وَأما الْحَاجِب والهدب وَمَا على الْجَبْهَة أَي والخد فَفِيهِ بعد انْتهى وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر لِأَن ذَلِك لَا يتزين بِهِ وَلَا يكره غسل بدنه وَرَأسه بخطمي وَنَحْوه كسدر من غير نتف شعر لِأَن ذَلِك لإِزَالَة الْوَسخ لَا للتزيين والتنمية لَكِن الأولى تَركه وَترك الاكتحال الَّذِي لَا طيب فِيهِ وللمحرم الاحتجام والفصد مَا لم يقطع بهما شعر
(و) الْخَامِس (حلقه) أَي الشّعْر من سَائِر جسده وَمثل الْحلق النتف والإحراق وَنَحْو ذَلِك قَالَ تَعَالَى {وَلَا تحلقوا رؤوسكم} أَي شعرهَا وَشعر سَائِر الْجَسَد مُلْحق بِهِ (و) السَّادِس (تقليم الْأَظْفَار) قِيَاسا على الشّعْر لما فِيهِ من الترفه وَالْمرَاد من ذَلِك الْجِنْس الصَّادِق بِبَعْض شعره أَو ظفر
(و) السَّابِع (الطّيب) سَوَاء أَكَانَ الْمحرم ذكرا أم غَيره وَلَو أخشم بِمَا يقْصد مِنْهُ رَائِحَته غَالِبا وَلَو مَعَ غَيره كالمسك وَالْعود والكافور والورس وَهُوَ أطيب بِبِلَاد الْيمن والزعفران وَإِن كَانَ يطْلب للصبغ والتداوي أَيْضا سَوَاء أَكَانَ ذَلِك فِي ملبوسه كثوبه أم فِي بدنه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الْمَار وَلَا يلبس من الثِّيَاب مَا مَسّه ورس أَو زعفران وَسَوَاء أَكَانَ ذَلِك بِأَكْل أَو إسعاط أم احتقان فَيجب مَعَ التَّحْرِيم فِي ذَلِك الْفِدْيَة واستعماله أَن يلصق الطّيب بِبدنِهِ أَو ملبوسه على الْوَجْه الْمُعْتَاد فِي ذَلِك بِنَفسِهِ أَو مأذونه وَلَو اسْتهْلك الطّيب فِي المخالط لَهُ بِأَن لم يبْق لَهُ ريح وَلَا طعم وَلَا لون كَأَن اسْتعْمل فِي دَوَاء جَازَ اسْتِعْمَاله وَأكله وَلَا فديَة وَمَا يقْصد بِهِ الْأكل أَو التَّدَاوِي وَإِن كَانَ لَهُ ريح طيبَة كالتفاح لِأَن مَا لَا يقْصد مِنْهُ الْأكل أَو التَّدَاوِي لَا فديَة فِيهِ
(و) الثَّامِن يحرم على الْمحرم (قتل الصَّيْد) إِذا كَانَ مَأْكُولا بريا وحشيا كبقر وَحشِي ودجاجة أَو كَانَ متولدا بَين الْمَأْكُول الْبري الوحشي وَبَين غَيره كمتولد بَين حمَار وَحشِي وحمار أَهلِي أَو بَين شَاة وظبي أما الأول فَلقَوْله تَعَالَى {وَحرم عَلَيْكُم صيد الْبر} أَي أَخذه {مَا دمتم حرما} وَأما والسنبل وَسَائِر الإبازير الطّيبَة كالمصطكي لم يحرم وَلم يجب

(1/260)


فِيهِ فديَة الثَّانِي فللاحتياط
وَخرج بِمَا ذكر مَا تولد بَين وَحشِي غير مَأْكُول وإنسي مَأْكُول كالمتولد بَين ذِئْب وشَاة وَمَا تولد بَين غير مأكولين أَحدهمَا وَحشِي كالمتولد بَين حمَار وذئب وَمَا تولد بَين أهليين أَحدهمَا غير مَأْكُول كبغل فَلَا يحرم التَّعَرُّض لشَيْء مِنْهَا وَيحرم أَيْضا اصطياد الْمَأْكُول الْبري والمتولد مِنْهُ وَمن غَيره فِي الْحرم على الْحَلَال بِالْإِجْمَاع كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَلَو كَانَ كَافِرًا مُلْتَزم الْأَحْكَام وَلخَبَر الصَّحِيحَيْنِ أَنه (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) يَوْم فتح مَكَّة قَالَ إِن هَذَا الْبَلَد حرَام بِحرْمَة الله لَا يعضد شَجَره وَلَا ينفر صَيْده أَي لَا يجوز تنفير صَيْده لمحرم وَلَا لحلال فَغير التنفير أولى
وَقيس بِمَكَّة بَاقِي الْحرم
(و) التَّاسِع (عقد النِّكَاح) بِولَايَة أَو وكَالَة وَكَذَا قبُوله لَهُ أَو لوَكِيله وَاحْترز بِالْعقدِ عَن الرّجْعَة فَلَا تحرم عَلَيْهِ على الصَّحِيح لِأَنَّهَا اسْتِدَامَة نِكَاح
(و) الْعَاشِر (الْوَطْء) بِإِدْخَال الْحَشَفَة أَو قدرهَا من مقطوعها فَإِنَّهُ يحرم بِالْإِجْمَاع وَلَو لبهيمة فِي قبل أَو دبر وَيحرم على الْمَرْأَة الْحَلَال تَمْكِين زَوجهَا الْمحرم من الْجِمَاع لِأَنَّهُ إِعَانَة على مَعْصِيّة وَيحرم على الْحَلَال جماع زَوجته الْمُحرمَة (و) كَذَا (الْمُبَاشرَة) قبل التَّحَلُّل الأول فِيمَا دون الْفرج (بِشَهْوَة) لَا بغَيْرهَا وَكَذَا يحرم الاستمناء بِالْيَدِ (و) يجب (فِي) كل وَاحِد من (جَمِيع ذَلِك) أَي الْمُحرمَات الْمَذْكُورَة (الْفِدْيَة) الْآتِي بَيَانهَا فِي الْفَصْل بعده (إِلَّا عقد النِّكَاح) أَو قبُوله فَلَا فديَة فِيهِ (فَإِنَّهُ لَا ينْعَقد) فوجوده كَالْعدمِ وَلَو جَامع بعد الْمُبَاشرَة بِشَهْوَة أَو الاستمناء سَقَطت عَنهُ الْفِدْيَة فِي الصُّورَتَيْنِ لدخولها فِي فديَة الْجِمَاع (وَلَا يُفْسِدهُ) أَي الْإِحْرَام شَيْء من محرماته (إِلَّا الْوَطْء فِي الْفرج) فَقَط وَإِن لم ينزل إِذا وَقع فِي الْعمرَة قبل الْفَرَاغ مِنْهَا وَفِي الْحَج قبل التَّحَلُّل الأول قبل الْوُقُوف بِالْإِجْمَاع وَبعده خلافًا لأبي حنيفَة لِأَنَّهُ وَطْء صَادف إحراما صَحِيحا لم يحصل فِيهِ التَّحَلُّل الأول وَلَو كَانَ المجامع فِي الْعمرَة أَو الْحَج رَقِيقا أَو صَبيا مُمَيّزا لقَوْله تَعَالَى {فَلَا رفث} أَي لَا ترفثوا فلفظه خبر وَمَعْنَاهُ النَّهْي وَلَو بَقِي على الْخَبَر امْتنع وُقُوعه فِي الْحَج لِأَن إِخْبَار الله تَعَالَى صدق قطعا مَعَ أَن ذَلِك وَقع كثيرا وَالْأَصْل فِي النَّهْي اقْتِضَاء الْفساد
وقاسوا الْعمرَة على الْحَج أما غير الْمُمَيز من صبي أَو مَجْنُون فَلَا يفْسد ذَلِك بجماعه وَكَذَا النَّاسِي وَالْجَاهِل وَالْمكْره وَلَو أحرم حَال النزع صَحَّ فِي أحد أوجه يظْهر تَرْجِيحه لِأَن النزع لَيْسَ بجماع
تَنْبِيه يحصل التَّحَلُّل الأول فِي الْحَج بِفعل اثْنَيْنِ من ثَلَاثَة وَهِي رمي يَوْم النَّحْر وَالْحلق أَو التَّقْصِير وَالطّواف الْمَتْبُوع بالسعي إِن لم يكن فعل قبل وَيحل بِهِ اللّبْس وَستر الرَّأْس للرجل وَالْوَجْه للْمَرْأَة وَالْحلق والقلم وَالطّيب وَالصَّيْد وَلَا يحل بِهِ

(1/261)


عقد النِّكَاح وَلَا الْمُبَاشرَة فِيمَا دون الْفرج لما روى النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد جيد كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ إِذا رميتم الْجَمْرَة حل لكم كل شَيْء إِلَّا النِّسَاء وَإِذا فعل الثَّالِث بعد الِاثْنَيْنِ حصل التَّحَلُّل الثَّانِي وَحل بِهِ بَاقِي الْمُحرمَات بِالْإِجْمَاع وَيجب عَلَيْهِ الْإِتْيَان بِمَا بَقِي من أَعمال الْحَج وَهُوَ الرَّمْي وَالْمَبِيت مَعَ أَنه غير محرم كَمَا أَنه يخرج من الصَّلَاة بالتسليمة الأولى وتطلب مِنْهُ التسليمة الثَّانِيَة لَكِن الْمَطْلُوب هُنَا على سَبِيل الْوُجُوب وَهُنَاكَ على سَبِيل النّدب أما الْعمرَة فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا تحلل وَاحِد لِأَن الْحَج يطول زَمَنه وتكثر أَعماله فأبيح بعض محرماته فِي وَقت وَبَعضهَا فِي وَقت آخر بِخِلَاف الْعمرَة وَنَظِير ذَلِك الْحيض والجنابة لما طَال زمن الْحيض جعل لارْتِفَاع محظوراته محلان انْقِطَاع الدَّم والاغتسال والجنابة لما قصر زَمَنهَا جعل لارْتِفَاع محظوراتها مَحل وَاحِد
(و) إِذا جَامع الْمحرم (لَا يخرج مِنْهُ) أَي الْإِحْرَام (بِالْفَسَادِ) بل يجب الْمُضِيّ فِي فَاسد نُسكه من حج أَو عمْرَة لإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} فَإِنَّهُ لم يفصل بَين الصَّحِيح وَالْفَاسِد وَصُورَة الْإِحْرَام بِالْحَجِّ فَاسِدا أَن يفْسد الْعمرَة بِالْجِمَاعِ ثمَّ يدْخل عَلَيْهَا الْحَج فَإِنَّهُ يَصح على الْأَصَح وَينْعَقد فَاسِدا على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة فِي بَاب الْإِحْرَام
قَالَ فِي الْجَوَاهِر وَإِذا سُئِلت عَن إِحْرَام ينْعَقد فَاسِدا فَهَذِهِ صورته وَلَا أعلم لَهَا أُخْرَى اه
وَأما إِذا أحرم وَهُوَ مجامع فَلم ينْعَقد إِحْرَامه على الْأَصَح فِي زَوَائِد الرَّوْضَة
ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ الْفَوات فَقَالَ (وَمن فَاتَهُ الْوُقُوف بِعَرَفَة) بِعُذْر أَو غَيره وَذَلِكَ بِطُلُوع فجر يَوْم النَّحْر قبل حُضُوره عَرَفَات وبفواته يفوت الْحَج (تحلل) وجوبا كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَنَصّ عَلَيْهِ فِي الْأُم لِئَلَّا يصير محرما بِالْحَجِّ فِي غير أشهره واستدامة الْإِحْرَام كابتدائه وابتداؤه حِينَئِذٍ لَا يجوز وَيحصل التَّحَلُّل (بِعُمْرَة) أَي بعملها فَيَأْتِي بأركانها الْخَمْسَة الْمُتَقَدّمَة بَيَانهَا
نعم شَرط إِيجَاب السَّعْي أَن لَا يكون سعي بعد طواف قدوم فَإِن كَانَ سعي لم يحْتَج لإعادته كَمَا فِي الْمَجْمُوع عَن الْأَصْحَاب (وَعَلِيهِ الْقَضَاء) فَوْرًا من قَابل لِلْحَجِّ الَّذِي فَاتَهُ بِفَوَات الْوُقُوف سَوَاء كَانَ فرضا أَو نفلا كَمَا فِي الْإِفْسَاد لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن تَقْصِير وَإِنَّمَا يجب الْقَضَاء فِي فَوَات لم ينشأ عَن حصر فَإِن نَشأ عَنهُ بِأَن أحْصر فسلك طَرِيقا آخر ففاته الْحَج وتحلل بِعُمْرَة فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بذل مَا فِي وَسعه
فَإِن قيل كَيفَ تُوصَف حجَّة الْإِسْلَام بِالْقضَاءِ وَلَا وَقت لَهَا أُجِيب بِأَن المُرَاد بِالْقضَاءِ الْقَضَاء اللّغَوِيّ لَا الْقَضَاء الْحَقِيقِيّ وَقيل لِأَنَّهُ لما أحرم بِهِ تضيق وقته وَيلْزمهُ قَضَاء عمْرَة الْإِسْلَام مَعَ الْحَج كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة لِأَن عمْرَة التَّحَلُّل لَا تجزىء عَن عمْرَة الْإِسْلَام
(و) عَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاء (الْهَدْي) أَيْضا وَهُوَ كَدم التَّمَتُّع وَسَيَأْتِي
(وَمن ترك ركنا) من أَرْكَان الْحَج غير الْوُقُوف أَو من أَرْكَان الْعمرَة سَوَاء أتركه مَعَ إِمْكَان فعله أم لَا كالحائض قبل الطّواف الْإِفَاضَة

(1/262)


(لم يحل) بِفَتْح الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَكسر الْمُهْملَة أَي لم يخرج (من إِحْرَامه حَتَّى يَأْتِي بِهِ) أَي الْمَتْرُوك وَلَو بعد سِنِين لِأَن الطّواف وَالسَّعْي وَالْحلق لَا آخر لوَقْتهَا أما ترك الْوُقُوف فقد عرف حكمه من كَلَامه سَابِقًا (وَمن ترك وَاجِبا) من وَاجِبَات الْحَج أَو الْعمرَة الْمُتَقَدّم ذكره سَوَاء أتركه عمدا أم سَهوا أم جهلا (لزمَه) بِتَرْكِهِ (دم) وَهُوَ شَاة كَمَا سَيَأْتِي (وَمن ترك سنة) من سنَن الْحَج أَو الْعمرَة (لم يلْزمه بِتَرْكِهَا شَيْء) كتركها من سَائِر الْعِبَادَات
فصل فِي الدِّمَاء الْوَاجِبَة وَمَا يقوم مقَامهَا
(والدماء الْوَاجِبَة فِي الْإِحْرَام) بترك مَأْمُور بِهِ أَو ارْتِكَاب مَنْهِيّ عَنهُ (خَمْسَة أَشْيَاء) بطرِيق الِاخْتِصَار وبطريق الْبسط تِسْعَة أَنْوَاع دم التَّمَتُّع وَدم الْفَوات وَالدَّم المنوط بترك مَأْمُور بِهِ وَدم الْحلق والقلم وَدم الْإِحْصَار وَدم قتل الصَّيْد وَدم الْجِمَاع وَدم الِاسْتِمْتَاع وَدم الْقرَان
فَهَذِهِ تِسْعَة أَنْوَاع أخل المُصَنّف بالأخير مِنْهَا وَالثَّمَانِيَة مَعْلُومَة من كَلَامه إِذْ الثَّلَاثَة الأول دَاخِلَة فِي تَعْبِيره بالنسك كَمَا سَيظْهر لَك وَدم الِاسْتِمْتَاع دَاخل فِي تَعْبِيره بالترفه كَمَا سَيظْهر لَك أَيْضا وستعرف التَّاسِع إِن شَاءَ الله تَعَالَى
(أَحدهَا) أَي الدِّمَاء (الدَّم الْوَاجِب بترك نسك) وَهُوَ شَامِل لثَلَاثَة أَنْوَاع الأول دم التَّمَتُّع وَإِنَّمَا يجب بترك الْإِحْرَام بِالْحَجِّ من مِيقَات بَلَده وَالثَّانِي دم الْفَوات للوقوف بعد التَّحَلُّل بِعَمَل عمْرَة كَمَا مر
وَالثَّالِث الدَّم المنوط بترك مَأْمُور بِهِ من الْوَاجِبَات الْمُتَقَدّمَة (وَهُوَ) أَي الدَّم الْوَاجِب فِي هَذِه الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة (على التَّرْتِيب) وَالتَّقْدِير وَسَيَأْتِي بَيَان التَّقْدِير وَأما التَّرْتِيب فَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (شَاة) مجزئة فِي الْأُضْحِية أَو سبع بَدَنَة أَو سبع بقرة وَوقت وجوب الدَّم على التَّمَتُّع إِحْرَامه بِالْحَجِّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يصير مُتَمَتِّعا بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج وَيجوز ذبحه إِذا فرغ من الْعمرَة وَلَكِن الْأَفْضَل ذبحه يَوْم النَّحْر وَشرط وُجُوبه أَن لَا يكون من حاضري الْمَسْجِد

(1/263)


الْحَرَام وَهُوَ من مَسْكَنه دون مَسَافَة الْقصر من الْحرم وَأَن يحرم بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج من مِيقَات بَلَده وَأَن يحجّ بعْدهَا فِي سنتها وَأَن لَا يعود إِلَى الْإِحْرَام بِالْحَجِّ إِلَى الْمِيقَات الَّذِي أحرم مِنْهُ بِالْعُمْرَةِ بعد مُجَاوزَة الْمِيقَات وَقد بَقِي بَينه وَبَين مَكَّة مَسَافَة الْقصر فَعَلَيهِ دم الْإِسَاءَة (فَإِن لم يجد) تَارِك النّسك شَاة بِأَن عجز عَنْهَا حسا بِأَن فقدها أَو ثمنهَا أَو شرعا بِأَن وجدهَا بِأَكْثَرَ من ثمن مثلهَا أَو كَانَ مُحْتَاجا إِلَيْهِ أَو غَابَ عَنهُ مَاله أَو نَحْو ذَلِك فِي مَوْضِعه وَهُوَ الْحرم سَوَاء أقدر عَلَيْهِ بِبَلَدِهِ أَو لَا بِخِلَاف كَفَّارَة الْيَمين لِأَن الْهَدْي يخْتَص ذبحه بِالْحرم وَالْكَفَّارَة لَا تخْتَص بِهِ (فَصِيَام عشرَة أَيَّام) بدلهَا وجوبا (ثَلَاثَة) مِنْهَا (فِي الْحَج) لقَوْله تَعَالَى {فَمن لم يجد} أَي الْهَدْي {فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج} أَي بعد الْإِحْرَام فَلَا يجوز تَقْدِيمهَا على الْإِحْرَام بِخِلَاف الدَّم لِأَن الصَّوْم عبَادَة بدنية فَلَا يجوز تَقْدِيمهَا على وَقتهَا كَالصَّلَاةِ وَالدَّم عبَادَة مَالِيَّة فَأشبه الزَّكَاة
وَيسْتَحب صَومهَا قبل يَوْم عَرَفَة لِأَنَّهُ يسن للْحَاج فطره فَيحرم قبل سادس ذِي الْحجَّة ويصومه وتالييه وَإِذا أحرم فِي زمن يسع الثَّلَاثَة وَجب عَلَيْهِ تَقْدِيمهَا على يَوْم النَّحْر فَإِن أَخّرهَا عَن يَوْم النَّحْر أَثم وَصَارَت قَضَاء وَلَيْسَ السّفر عذرا فِي تَأْخِير صَومهَا لِأَن صَومهَا مُتَعَيّن إِيقَاعه فِي الْحَج بِالنَّصِّ وَإِن كَانَ مُسَافِرًا فَلَا يكون السّفر عذرا بِخِلَاف رَمَضَان وَلَا يجوز صَومهَا فِي يَوْم النَّحْر وَكَذَا فِي أَيَّام التَّشْرِيق فِي الْجَدِيد وَلَا يجب عَلَيْهِ تَقْدِيم الْإِحْرَام بِزَمن يتَمَكَّن من صَوْم الثَّلَاثَة فِيهِ قبل يَوْم النَّحْر خلافًا لبَعض الْمُتَأَخِّرين فِي وجوب ذَلِك إِذْ لَا يجب تَحْصِيل سَبَب الْوُجُوب وَيجوز أَن لَا يحجّ فِي هَذَا الْعَام وَيسن للموسر أَن يحرم بِالْحَجِّ يَوْم التَّرويَة وَهُوَ ثامن ذِي الْحجَّة لِلِاتِّبَاعِ وللأمر بِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسمي يَوْم التَّرويَة لانتقالهم فِيهِ من مَكَّة إِلَى منى (و) أَن يَصُوم بعد الثَّلَاثَة (سَبْعَة) أَيَّام (إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله) ووطنه إِن أَرَادَ الرُّجُوع إِلَيْهِم لقَوْله تَعَالَى {وَسَبْعَة إِذا رجعتم} وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن لم يجد هَديا فليصم ثَلَاثَة أَيَّام

(1/264)


فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَلَا يجوز صَومهَا فِي الطَّرِيق لذَلِك فَإِن أَرَادَ الْإِقَامَة بِمَكَّة صامها بهَا كَمَا قَالَه فِي الْبَحْر
وَينْدب تتَابع الثَّلَاثَة والسبعة أَدَاء كَانَت أَو قَضَاء لِأَن فِيهِ مبادرة لقَضَاء الْوَاجِب وخروجا من خلاف من أوجبه
نعم إِن أحرم بِالْحَجِّ سادس ذِي الْحجَّة لزم صَوْم الثَّلَاثَة متتابعة فِي الْحَج لضيق الْوَقْت لَا للتتابع نَفسه وَلَو فَاتَتْهُ الثَّلَاثَة فِي الْحَج بِعُذْر أَو غَيره لزمَه قَضَاؤُهَا
وَيفرق فِي قَضَائهَا بَينهَا وَبَين السَّبْعَة بِقدر أَرْبَعَة أَيَّام يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق وَمُدَّة إِمْكَان السّير إِلَى أَهله على الْعَادة الْغَالِبَة كَمَا فِي الْأَدَاء فَلَو صَامَ عشرَة وَلَاء حصلت الثَّلَاثَة وَلَا يعْتد بالبقية لعدم التَّفْرِيق
(وَالثَّانِي الدَّم الْوَاجِب بِالْحلقِ والترفه) كالقلم من الْيَد أَو الرجل وتكمل الْفِدْيَة فِي إِزَالَة ثَلَاث شَعرَات أَو إِزَالَة ثَلَاثَة أظفار وَلَاء بِأَن اتَّحد الزَّمَان وَالْمَكَان وَذَلِكَ لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تحلقوا رؤوسكم} أَي شعرهَا وَشعر سَائِر الْجَسَد مُلْحق بِهِ بِجَامِع الترفه وَأما الظفر فقياسا على الشّعْر لما فِيهِ من الترفه
وَالشعر يصدق بِالثَّلَاثَةِ وَيُقَاس بِهِ الْأَظْفَار وَلَا يعْتَبر جَمِيعه بِالْإِجْمَاع وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين النَّاسِي للْإِحْرَام وَالْجَاهِل بِالْحُرْمَةِ لعُمُوم الْآيَة وكسائر الْإِتْلَاف وَهَذَا بِخِلَاف النَّاسِي وَالْجَاهِل بِالْحُرْمَةِ فِي التَّمَتُّع باللبس وَالطّيب والدهن وَالْجِمَاع ومقدماته اعْتِبَار الْعلم وَالْقَصْد فِيهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فيهمَا نعم لَو أزالها مَجْنُون أَو مغمى عَلَيْهِ أَو صبي غير مُمَيّز لم تلْزمهُ الْفِدْيَة وَالْفرق بَين هَؤُلَاءِ وَبَين الْجَاهِل وَالنَّاسِي أَنَّهُمَا يعقلان فعلهمَا فينسبان إِلَى التَّقْصِير بِخِلَاف هَؤُلَاءِ على أَن الْجَارِي على قَاعِدَة الْإِتْلَاف وُجُوبهَا عَلَيْهِم أَيْضا وَمثلهمْ فِي ذَلِك النَّائِم وَلَو أزيل ذَلِك بِقطع جلد أَو عُضْو لم يجب فِيهِ شَيْء لِأَن مَا أزيل تَابع غير مَقْصُود بالإزالة وَيلْزمهُ فِي الشعرة الْوَاحِدَة أَو الظفر الْوَاحِد أَو بعض شَيْء من أَحدهمَا مد طَعَام وَفِي الشعرتين أَو الظفرين مدان وللمعذور فِي الْحلق بإيذاء قمل أَو نَحوه كوسخ أَن يحلق ويفدي لقَوْله تَعَالَى {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا} الْآيَة
قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَكَذَا تلْزمهُ الْفِدْيَة فِي كل محرم أُبِيح للْحَاجة إِلَّا لبس السَّرَاوِيل والخفين المقطوعين لِأَن ستر الْعَوْرَة ووقاية الرجل عَن النَّجَاسَة مَأْمُور بهَا فَخفف فيهمَا والحصر فِيمَا قَالَه مَمْنُوع أَو مؤول فقد اسْتثْنى صور لَا فديَة فِيهَا مِنْهَا مَا إِذا أَزَال مَا نبت من شعر فِي عينه وتأذى بِهِ وَمِنْهَا مَا إِذا أَزَال قدر مَا يغطيها من شعر رَأسه وحاجبيه إِذا طَال بِحَيْثُ ستر بَصَره وَمِنْهَا مَا لَو انْكَسَرَ ظفره فَقطع المؤذي مِنْهُ فَقَط
تَنْبِيه دخل فِي إِطْلَاق المُصَنّف الترفه كَمَا تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ فِي تعداد الْأَنْوَاع دم الِاسْتِمْتَاع كالتطيب واللبس ومقدمات الْجِمَاع وَالْجِمَاع بَين التحللين ودهن شعر الرَّأْس واللحية وَلَو محلوقين وَألْحق الْمُحب الطَّبَرِيّ بذلك بحثا الْحَاجِب والعذار والشارب والعنفقة
وَفصل ابْن النَّقِيب فَألْحق باللحية مَا اتَّصل بهَا كالشارب والعنفقة والعذار دون الْحَاجِب والهدب وَمَا على الْجَبْهَة وَمَرَّتْ الْإِشَارَة إِلَى ذَلِك وَأَن هَذَا هُوَ الظَّاهِر
(وَهُوَ) أَي الدَّم الْوَاجِب بِمَا ذكر هُنَا (على التَّخْيِير) وَالتَّقْدِير فَتجب (شَاة) مجزئة فِي الْأُضْحِية أَو مَا يقوم مقَامهَا من سبع بَدَنَة أَو سبع بقرة (أَو صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام) وَلَو مُتَفَرِّقَة (أَو التَّصَدُّق بِثَلَاثَة آصَع) بِمد الْهمزَة وَضم الْمُهْملَة جمع صَاع (على سِتَّة مَسَاكِين) لكل مِسْكين نصف صَاع وَتقدم فِي زَكَاة الْفطر بَيَان الصَّاع وَذَلِكَ لقَوْله تَعَالَى {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه} أَي فحلق {ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك}
فَائِدَة سَائِر الْكَفَّارَات لَا يُزَاد الْمِسْكِين فِيهَا على مد إِلَّا فِي هَذَا
الْحَج أَو الْعمرَة
وَسكت المصف عَن بَيَان الدَّم هُنَا وَهُوَ دم تَرْتِيب وتعديل كَمَا سَيَأْتِي (فيتحلل) جَوَازًا بِمَا سَيَأْتِي لَا وجوبا سَوَاء أَكَانَ حَاجا أم مُعْتَمِرًا أم قَارنا وَسَوَاء أَكَانَ الْمَنْع بِقطع الطَّرِيق أم بِغَيْرِهِ منع من الرُّجُوع أم لَا وَذَلِكَ لقَوْله تَعَالَى {فَإِن أحصرتم} أَي وأردتم التَّحَلُّل {فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} إِذْ

(1/265)


(وَالثَّالِث الدَّم الْوَاجِب بالإحصار) وَهُوَ الْمَنْع من جَمِيع الطّرق عَن إتْمَام الْإِحْصَار بِمُجَرَّدِهِ لَا يُوجب الْهَدْي وَالْأولَى للمحصر الْمُعْتَمِر الصَّبْر عَن التَّحَلُّل وَكَذَا الْحَاج إِن اتَّسع الْوَقْت وَإِلَّا فَالْأولى التَّعْجِيل لخوف الْفَوات
نعم إِن كَانَ فِي الْحَج وتيقن زَوَال الْحصْر فِي مُدَّة يُمكنهُ إِدْرَاك الْحَج بعْدهَا أَو فِي الْعمرَة وتيقن قرب زَوَاله وَهُوَ ثَلَاثَة أَيَّام امْتنع تحلله كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَهَذَا أحد الْمَوَانِع من إتْمَام النّسك وَهِي سِتَّة
وَثَانِي الْمَوَانِع الْحَبْس ظلما كَأَن حبس بدين وَهُوَ مُعسر فَإِنَّهُ يجوز لَهُ أَن يتَحَلَّل كَمَا فِي الْحصْر الْعَام وَلَا تحلل بِالْمرضِ وَنَحْوه كإضلال طَرِيق فَإِن شَرط فِي إِحْرَامه أَن يتَحَلَّل بِالْمرضِ وَنَحْوه جَازَ لَهُ أَن يتَحَلَّل بِسَبَب (وَيهْدِي) الْمحصر إِذا أَرَادَ التَّحَلُّل (شَاة) أَو مَا يقوم مقَامهَا من بَدَنَة أَو بقرة أَو سبع إِحْدَاهمَا حَيْثُ أحْصر فِي حل أَو حرم وَلَا يسْقط عَنهُ الدَّم إِذا شَرط عِنْد الْإِحْرَام أَنه يتَحَلَّل إِذا أحْصر بِخِلَاف مَا إِذا شَرط فِي الْمَرَض أَنه يتَحَلَّل بِلَا هدي فَإِنَّهُ لَا يلْزمه لِأَن حصر الْعَدو لَا يفْتَقر إِلَى شَرط فَالشَّرْط فِيهِ لاغ وَلَو أطلق فِي التَّحَلُّل من الْمَرَض بِأَن لم يشرط هَديا لم يلْزمه شَيْء بِخِلَاف مَا إِذا شَرط التَّحَلُّل بِالْهَدْي فَإِنَّهُ يلْزمه وَلَا يجوز الذّبْح بِموضع من الْحل غير الَّذِي أحْصر فِيهِ كَمَا ذكره فِي الْمَجْمُوع
وَإِنَّمَا يحصل التَّحَلُّل بِالذبْحِ وَنِيَّة التَّحَلُّل الْمُقَارنَة لَهُ لِأَن الذّبْح قد يكون للتحلل وَقد يكون لغيره فَلَا بُد من قصد صَارف وكيفيتها أَن يَنْوِي خُرُوجه عَن الْإِحْرَام وَكَذَا الْحلق أَو نَحوه إِن جَعَلْنَاهُ نسكا وَهُوَ الْمَشْهُور كَمَا مر
وَلَا بُد من مُقَارنَة النِّيَّة كَمَا فِي الذّبْح وَيشْتَرط تَأَخره عَن الذّبْح لِلْآيَةِ السَّابِقَة فَإِن فقد الدَّم حسا كَأَن لم يجد ثمنه أَو شرعا كَأَن احْتَاجَ إِلَى ثمنه أَو وجده غاليا فَالْأَظْهر أَن لَهُ بَدَلا قِيَاسا على دم التَّمَتُّع وَغَيره
وَالْبدل طَعَام بِقِيمَة الشَّاة فَإِن عجز عَن الطَّعَام صَامَ حَيْثُ شَاءَ عَن كل مد يَوْمًا قِيَاسا على الدَّم الْوَاجِب بترك الْمَأْمُور بِهِ وَله إِذا انْتقل إِلَى الصَّوْم التَّحَلُّل فِي الْحَال بِالْحلقِ بنية التَّحَلُّل عِنْده لِأَن التَّحَلُّل إِنَّمَا شرع لدفع الْمَشَقَّة لتضرره بالْمقَام على الْإِحْرَام
وثالث الْمَوَانِع الرّقّ فَإِذا أحرم الرَّقِيق بِلَا إِذن سَيّده فَلهُ تَحْلِيله بِأَن يَأْمُرهُ بالتحلل لِأَن إِحْرَامه بِغَيْر إِذْنه حرَام لِأَنَّهُ يعطل عَلَيْهِ مَنَافِعه الَّتِي يَسْتَحِقهَا فَإِنَّهُ قد يُرِيد مِنْهُ مَا لَا يُبَاح للْمحرمِ كالاصطياد وَله أَن يتَحَلَّل وَإِن لم يَأْمُرهُ بذلك سَيّده فَإِن أمره بِهِ لزمَه فيحلق وَيَنْوِي التَّحَلُّل

(1/266)


فَعلم أَن إِحْرَامه بِغَيْر إِذْنه صَحِيح وَإِن حرم عَلَيْهِ فَإِن لم يتَحَلَّل فَلهُ اسْتِيفَاء منفعَته مِنْهُ وَالْإِثْم عَلَيْهِ
ورابع الْمَوَانِع الزَّوْجِيَّة فَللزَّوْج الْحَلَال أَو الْمحرم تَحْلِيل زَوجته كَمَا لَهُ منعهَا ابْتِدَاء من حج أَو عمْرَة تطوع لم يَأْذَن فِيهِ وَله تحليلها أَيْضا من فرض الْإِسْلَام من حج أَو عمْرَة بِلَا إِذن لِأَن حَقه على الْفَوْر والنسك على التَّرَاخِي
فَإِن قيل لَيْسَ لَهُ منعهَا من فرض الصَّلَاة وَالصَّوْم فَهَلا كَانَ هُنَا كَذَلِك أُجِيب بِأَن مدتهما لَا تطول فَلَا يلْحق الزَّوْج كَبِير ضَرَر
وخامس الْمَوَانِع الْأُبُوَّة فَإِن أحرم الْوَلَد بنفل بِلَا إِذن من أَبَوَيْهِ فَلِكُل مِنْهُمَا مَنعه وتحليله وتحليلهما لَهُ كتحليل السَّيِّد رَقِيقه وَلَيْسَ لأحد من أَبَوَيْهِ مَنعه من فرض عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْخَوْف فِيهِ كالخوف فِي الْجِهَاد
وَيسن للْوَلَد استئذانهما إِذا كَانَا مُسلمين فِي النّسك فرضا أَو تَطَوّعا وَقَضِيَّة كَلَامهم أَنه لَو أذن الزَّوْج لزوجته كَانَ لأبويها منعهَا وَهُوَ ظَاهر إِلَّا أَن يُسَافر مَعهَا الزَّوْج
وسادس الْمَوَانِع الدّين فَلَيْسَ لغريم الْمَدِين تَحْلِيله إِذْ لَا ضَرَر عَلَيْهِ فِي إِحْرَامه وَله مَنعه من الْخُرُوج إِذا كَانَ مُوسِرًا وَالدّين حَالا ليوفيه حَقه بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ مُعسرا أَو مُوسِرًا وَالدّين مُؤَجّلا فَلَيْسَ لَهُ مَنعه إِذْ لَا يلْزمه أَدَاؤُهُ حِينَئِذٍ فَإِن كَانَ الدّين يحل فِي غيبته اسْتحبَّ لَهُ أَن يُوكل من يَقْضِيه عِنْد حل حُلُوله وَلَا قَضَاء على الْمحصر المتطوع لعدم وُرُوده فَإِن كَانَ نُسكه فرضا مُسْتَقرًّا كحجة الْإِسْلَام فِيمَا بعد السّنة الأولى من سني الْإِمْكَان أَو كَانَت قَضَاء أَو نذرا بَقِي فِي ذمَّته أَو غير مُسْتَقر كحجة الْإِسْلَام فِي السّنة الأولى من سني الْإِمْكَان اعْتبرت الِاسْتِطَاعَة بعد زَوَال الْإِحْصَار
(وَالرَّابِع الدَّم الْوَاجِب بقتل الصَّيْد) الْمَأْكُول الْبري الوحشي أَو الْمُتَوَلد من الْمَأْكُول الْبري الوحشي وَمن غَيره كمتولد بَين حمَار وَحشِي وحمار أَهلِي
وَاعْلَم أَن الصَّيْد ضَرْبَان مَا لَهُ مثل من النعم فِي الصُّورَة والخلقة تَقْرِيبًا فَيضمن بِهِ وَمَا لَا مثل لَهُ فَيضمن بِالْقيمَةِ إِن لم يكن فِيهِ نقل وَمن الأول مَا فِيهِ نقل بعضه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَعضه عَن السّلف فَيتبع
وَقد شرع المُصَنّف فِي بَيَان ذَلِك فَقَالَ (وَهُوَ)

(1/267)


أَي الدَّم الْمَذْكُور (على التَّخْيِير بَين ثَلَاثَة أُمُور (إِن كَانَ الصَّيْد) الْمَقْتُول أَو المزمن (مِمَّا لَهُ مثل) شبه صوري من النعم
وَذكر المُصَنّف الأول من هَذِه الثَّلَاثَة فِي قَوْله (أخرج الْمثل من النعم) أَي يذبح الْمثل من النعم وَيتَصَدَّق بِهِ على مَسَاكِين الْحرم وفقرائه فَفِي إِتْلَاف النعامة ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى بَدَنَة كَذَلِك فَلَا تجزىء بقرة وَلَا سبع شِيَاه أَو أَكثر لِأَن جَزَاء الصَّيْد يُرَاعى فِيهِ الْمُمَاثلَة وَفِي وَاحِد من بقر الْوَحْش أَو حِمَاره بقرة وَفِي الغزال وَهُوَ ولد الظبية إِلَى أَن يطلع قرناه معز صَغِير فَفِي الذّكر جدي وَفِي الْأُنْثَى عنَاق فَإِن طلع قرناه سمي الذّكر ظَبْيًا وَالْأُنْثَى ظَبْيَة وفيهَا عنز وَهِي أُنْثَى الْمعز الَّتِي تمّ لَهَا سنة وَفِي الأرنب عنَاق وَهِي أُنْثَى الْمعز إِذا قويت مَا لم تبلغ سنة وَفِي اليربوع جفرة وَهِي أُنْثَى الْمعز إِذا بلغت أَرْبَعَة أشهر وَفِي الضبع كَبْش وَفِي الثَّعْلَب شَاة وَمَا لَا نقل فِيهِ من الصَّيْد عَمَّن سَيَأْتِي يحكم فِيهِ بِمثلِهِ من النعم عَدْلَانِ لقَوْله تَعَالَى {يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم} الْآيَة
وَالْعبْرَة بالمماثلة بالخلقة وَالصُّورَة تَقْرِيبًا لَا تَحْقِيقا فَأَيْنَ النعامة من الْبَدنَة لَا بِالْقيمَةِ فَيلْزم فِي الْكَبِير كَبِير وَفِي الصَّغِير صَغِير وَفِي الذّكر ذكر وَفِي الْأُنْثَى أُنْثَى وَفِي الصَّحِيح صَحِيح وَفِي الْمَعِيب معيب إِن اتَّحد جنس الْعَيْب وَفِي السمين سمين وَفِي الهزيل هزيل
وَلَو فدى الْمَرِيض بِالصَّحِيحِ أَو الْمَعِيب بالسليم أَو الهزيل بالسمين فَهُوَ أفضل وَيجب أَن يكون العدلان فقيهين فطنين لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ أعرف بالشبه الْمُعْتَبر شرعا
وَمَا ذكر من وجوب الْفِقْه مَحْمُول على الْفِقْه الْخَاص بِمَا يحكم بِهِ هُنَا وَمَا فِي الْمَجْمُوع عَن الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب من أَن الْفِقْه مُسْتَحبّ مَحْمُول على زيارته
تَنْبِيه لَو حكم عَدْلَانِ بِأَن لَهُ مثلا وعدلان بِعَدَمِهِ فَهُوَ مثلي كَمَا جزم بِهِ فِي الرَّوْضَة وَلَو حكم عَدْلَانِ بِمثل وآخران بِمثل آخر تخير على الْأَصَح
ثمَّ ذكر الثَّانِي من الثَّلَاثَة فِي قَوْله (أَو قومه) أَي الْمثل بِدَرَاهِم بِقِيمَة مثله بِمَكَّة يَوْم الْإِخْرَاج (وَاشْترى بِقِيمَتِه) أَي بِقَدرِهَا (طَعَاما) مجزئا فِي الْفطْرَة أَو مِمَّا هُوَ عِنْده (وَتصدق بِهِ) أَي الطَّعَام وجوبا على مَسَاكِين الْحرم وفقرائه القاطنين وَغَيرهم وَلَا يجوز لَهُ التَّصَدُّق بِالدَّرَاهِمِ
ثمَّ ذكر الثَّالِث من الثَّلَاثَة فِي قَوْله (أَو صَامَ عَن كل مد) من الطَّعَام (يَوْمًا) فِي أَي مَكَان كَانَ (وَإِن كَانَ الصَّيْد) الَّذِي وَجب فِيهِ الدَّم (مِمَّا لَا مثل لَهُ) مِمَّا لَا نقل فِيهِ كالجراد وَبَقِيَّة الطُّيُور مَا عدا الْحمام كَمَا سَيَأْتِي سَوَاء كَانَ أكبر جثة من الْحمام أم لَا (أخرج بِقِيمَتِه) أَي بِقَدرِهَا (طَعَاما) وَإِنَّمَا لَزِمته الْقيمَة عملا بِالْأَصْلِ فِي المتقومات وَقد حكمت الصَّحَابَة بهَا فِي الْجَرَاد وَلِأَنَّهُ مَضْمُون لَا مثل لَهُ فضمن بِالْقيمَةِ كَمَال الْآدَمِيّ وَيرجع فِي الْقيمَة إِلَى عَدْلَيْنِ أما مَا لَا مثل لَهُ مِمَّا فِيهِ نقل وَالْحمام وَهُوَ مَا عب أَي شرب المَاء بِلَا مص وهدر أَي رَجَعَ صَوته وغرد كاليمام والقمري والفاختة وكل مطوق فَفِي الْوَاحِدَة مِنْهُ شَاة من ضَأْن أَو معز بِحكم الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَفِي مستندهم وَجْهَان أصَحهمَا تَوْقِيف

(1/268)


بَلغهُمْ فِيهِ وَالثَّانِي مَا بَينهمَا من الشّبَه وَهُوَ ألف الْبيُوت وَهَذَا إِنَّمَا يَأْتِي فِي بعض أَنْوَاع الْحمام إِذْ لَا يَتَأَتَّى فِي الفواخت وَنَحْوهَا وَيتَصَدَّق بِالطَّعَامِ على مَسَاكِين الْحرم وفقرائه كَمَا مر (أَو صَامَ عَن كل مد) من الطَّعَام (يَوْمًا) فِي أَي مَوضِع كَانَ قِيَاسا على الْمثْلِيّ
تَنْبِيه تعْتَبر قيمَة الْمثْلِيّ وَالطَّعَام فِي الزَّمَان بِحَالَة الْإِخْرَاج على الْأَصَح وَفِي الْمَكَان بِجَمِيعِ الْحرم لِأَنَّهُ مَحل الذّبْح لَا بِمحل الْإِتْلَاف على الْمَذْهَب وَغير الْمثْلِيّ تعْتَبر قِيمَته فِي الزَّمَان بِحَالَة الْإِتْلَاف لَا الْإِخْرَاج على الْأَصَح وَفِي الْمَكَان بِمحل الْإِتْلَاف لَا بِالْحرم على الْمَذْهَب
(وَالْخَامِس الدَّم الْوَاجِب بِالْوَطْءِ) الْمُفْسد (وَهُوَ) أَي الدَّم الْمَذْكُور (على التَّرْتِيب) وَالتَّعْدِيل على الْمَذْهَب فَيجب بِهِ (بَدَنَة) على الرجل بِصفة الْأُضْحِية لقَضَاء الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم بذلك وَخرج بِالْوَطْءِ الْمُفْسد مَسْأَلَتَانِ الأولى أَن يُجَامع فِي الْحَج بَين التحللين وَالثَّانيَِة أَن يُجَامع ثَانِيًا بعد جمَاعَة الأول قبل التحللين وَفِي الصُّورَتَيْنِ إِنَّمَا تلْزمهُ شَاة وَبِالرجلِ الْمَرْأَة وَإِن شملتها عِبَارَته فَلَا فديَة عَلَيْهَا على الصَّحِيح سَوَاء أَكَانَ الواطىء زوجا أم غَيره محرما أم حَلَالا
تَنْبِيه حَيْثُ أطلقت الْبَدنَة فِي كتب الحَدِيث وَالْفِقْه المُرَاد بهَا الْبَعِير ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى
(فَإِن لم يجد) أَي الْبَدنَة (فبقرة) تجزىء فِي الْأُضْحِية (فَإِن لم يجد) أَي الْبَقَرَة (فسبع من الْغنم) من الضَّأْن أَو الْمعز أَو مِنْهُمَا (فَإِن لم يجد) أَي الْغنم (قوم الْبَدنَة) بِدَرَاهِم بِسعْر مَكَّة حَالَة الْوُجُوب كَمَا قَالَه السُّبْكِيّ وَغَيره
وَلَيْسَت الْمَسْأَلَة فِي الشرحين وَالرَّوْضَة (وَاشْترى بِقِيمَتِهَا) أَي بِقَدرِهَا (طَعَاما) أَو أخرجه مِمَّا عِنْده (وَتصدق بِهِ) فِي الْحرم على مساكينه وفقرائه (فَإِن لم يجد) طَعَاما (صَامَ عَن كل مد يَوْمًا) فِي أَي مَكَان كَانَ ويكمل المنكسر
تَنْبِيه المُرَاد بِالطَّعَامِ فِي هَذَا الْبَاب مَا يجزىء عَن الْفطْرَة وَلَو قدر على بعض الطَّعَام وَعجز عَن الْبَاقِي أخرج مَا قدر عَلَيْهِ وَصَامَ عَمَّا عجز عَنهُ
وَقد عرفت مِمَّا تقدم أَن الْمَذْكُور فِي كَلَام المُصَنّف ثَمَانِيَة أَنْوَاع
وَأما النَّوْع التَّاسِع الْمَوْعُود بِذكرِهِ فِيمَا تقدم فَهُوَ دم الْقرَان وَهُوَ كَدم التَّمَتُّع فِي التَّرْتِيب وَالتَّقْدِير وَسَائِر أَحْكَامه الْمُتَقَدّمَة وَإِنَّمَا لم يدْخل هَذَا النَّوْع فِي تَعْبِيره بترك النّسك لِأَنَّهُ دم جبر لَا دم نسك على الْمَذْهَب فِي الرَّوْضَة
وَسَيَأْتِي جَمِيع الدِّمَاء فِي خَاتِمَة آخر الْبَاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى
(وَلَا يُجزئهُ الْهَدْي وَلَا الْإِطْعَام إِلَّا بِالْحرم) مَعَ التَّفْرِقَة على مساكينه وفقرائه بِالنِّيَّةِ عِنْدهَا وَلَا يُجزئهُ على أقل من ثَلَاثَة من الْفُقَرَاء أَو الْمَسَاكِين أَو مِنْهُمَا وَلَو غرباء وَلَا يجوز لَهُ أكل شَيْء مِنْهُ وَلَا نَقله إِلَى غير الْحرم وَإِن لم يجد فِيهِ مِسْكينا وَلَا فَقِيرا

(1/269)


تَنْبِيه أفضل بقْعَة من الْحرم لذبح مُعْتَمر الْمَرْوَة لِأَنَّهَا مَوضِع تحلله ولذبح الْحَاج منى لِأَنَّهَا مَوضِع تحلله وَكَذَا حكم مَا سَاقه الْحَاج والمعتمر من هدي نذر أَو نفل مَكَانا فِي الِاخْتِصَاص والأفضلية
وَوقت ذبح هَذَا الْهَدْي وَقت الْأُضْحِية على الصَّحِيح وَالْهَدْي كَمَا يُطلق على مَا يَسُوقهُ الْمحرم يُطلق أَيْضا على مَا يلْزمه من دم الجبرانات وَهَذَا الثَّانِي لَا يخْتَص بِوَقْت الْأُضْحِية
(وَيجزئهُ أَن يَصُوم) مَا وَجب عَلَيْهِ عِنْد التَّخْيِير أَو الْعَجز (حَيْثُ شَاءَ) من حل أَو حرم كَمَا مر إِذْ لَا مَنْفَعَة لأهل الْحرم فِي صِيَامه وَيجب فِيهِ تبييت النِّيَّة وَكَذَا تعْيين جِهَته من تمتّع أَو قرَان أَو نَحْو ذَلِك كَمَا قَالَه الْقَمُولِيّ (وَلَا يجوز) لمحرم وَلَا لحلال (قتل صيد الْحرم) أما حرم مَكَّة فبالإجماع كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع
وَلَو كَانَ كَافِرًا مُلْتَزم للْأَحْكَام وَلخَبَر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم فتح مَكَّة قَالَ إِن هَذَا الْبَلَد حرَام بِحرْمَة الله لَا يعضد شَجَره وَلَا ينفر صَيْده أَي لَا يجوز تنفير صَيْده لمحرم وَلَا لحلال فَغير التنفير أولى
وَقيس بِمَكَّة بَاقِي الْحرم فَإِن أتلف فِيهِ صيدا ضمنه كَمَا مر فِي الْمحرم وَأما حرم الْمَدِينَة فَحَرَام لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة
وَإِنِّي حرمت الْمَدِينَة مَا بَين لابتيها لَا يقطع عضاهها وَلَا يصاد صيدها وَلَكِن لَا يضمن فِي الْجَدِيد لِأَنَّهُ لَيْسَ محلا للنسك بِخِلَاف حرم مَكَّة (وَلَا) يجوز (قطع) وَلَا قلع (شَجَره) أَي حرم مَكَّة وَالْمَدينَة لما مر فِي الْحَدِيثين السَّابِقين وَسَوَاء فِي الشّجر المستنبت وَغَيره لعُمُوم النَّهْي وَمحل ذَلِك فِي الشّجر الرطب غير المؤذي أما الْيَابِس والمؤذي كالشوك والعوسج وَهُوَ ضرب من الشوك فَيجوز قطعه
تَنْبِيه علم من تَعْبِيره بِالْقطعِ تَحْرِيم قلعه من بَاب أولى وَخرج بِالْحرم شجر الْحل إِذا لم يكن بعض أَصله فِي الْحرم فَيجوز قطعه وقلعه وَلَو بعد غرسه فِي الْحرم بِخِلَاف عَكسه عملا بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أما مَا بعض أَصله فِي الْحرم فَيحرم تَغْلِيبًا للحرم وَخرج بتقييد غير المستنبت بِالشَّجَرِ الْحِنْطَة وَنَحْوهَا كالشعير والخضراوات فَيجوز قطعهَا وقلعها مُطلقَة بِلَا خلاف كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع
تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن ضَمَان شجر حرم مَكَّة فَيجب فِي قطع أَو قلع الشَّجَرَة الحرمية الْكَبِيرَة بِأَن تسمى كَبِيرَة عرفا بقرة سَوَاء أخلفت أم لَا
قَالَ فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا والبدنة فِي معنى الْبَقَرَة وَفِي الصَّغِيرَة إِن قاربت سبع الْكَبِيرَة شَاة فَإِن صغرت جدا فَفِيهَا الْقيمَة وَلَو أَخذ غصنا من شَجَرَة حرمية فأخلف مثله فِي سنته بِأَن كَانَ لطيفا كالسواك فَلَا ضَمَان فِيهِ فَإِن لم يخلف أَو أخلف لَا مثله أَو مثله لَا فِي سنته فَعَلَيهِ الضَّمَان وَالْوَاجِب فِي غير الشّجر من النَّبَات الْقيمَة لِأَنَّهُ الْقيَاس وَلم يرد نَص يَدْفَعهُ وَيحل

(1/270)


أَخذ نَبَاته لعلف الْبَهَائِم وللدواء كالحنظل وللتغذي كالرجلة للْحَاجة إِلَيْهِ وَلِأَن ذَلِك فِي معنى الزَّرْع وَلَا يقطع لذَلِك إِلَّا بِقدر الْحَاجة وَلَا يجوز قطعه للْبيع مِمَّن يعلف بِهِ لِأَنَّهُ كالطعام الَّذِي أُبِيح أكله لَا يجوز بَيْعه
وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنا حَيْثُ جَوَّزنَا أَخذ السِّوَاك كَمَا سَيَأْتِي لَا يجوز بَيْعه وَيجوز رعي حشيش الْحرم وشجره كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم بالبهائم وَيجوز أَخذ أوراق الْأَشْجَار بِلَا خبط لِئَلَّا يضر بهَا وخبطها حرَام كَمَا فِي الْمَجْمُوع نقلا عَن الْأَصْحَاب وَنقل اتِّفَاقهم على أَنه يجوز أَخذ ثَمَرهَا وعود السِّوَاك وَنَحْوه وَقَضيته أَنه لَا يضمن الْغُصْن اللَّطِيف وَإِن لم يخلف
قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَهُوَ الْأَقْرَب وَيحرم أَخذ نَبَات حرم الْمَدِينَة وَلَا يضمن وَيحرم صيد الطَّائِف ونباته وَلَا ضَمَان فيهمَا قطعا
فَائِدَة يحرم نقل تُرَاب من الْحَرَمَيْنِ أَو أَحْجَار أَو عمل من طين أَحدهمَا كالأباريق وَغَيرهَا إِلَى الْحل فَيجب رده إِلَى الْحرم بِخِلَاف مَاء زَمْزَم فَإِنَّهُ يجوز نَقله وَيحرم أَخذ طيب الْكَعْبَة فَمن أَرَادَ التَّبَرُّك مسحها بِطيب نَفسه ثمَّ يَأْخُذهُ وَأما سترهَا فَالْأَمْر فِيهِ إِلَى رَأْي الإِمَام يصرفهُ فِي بعض مصاريف بَيت المَال بيعا وَعَطَاء لِئَلَّا يتْلف بالبلى وَبِهَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَأم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وجوزوا لمن أَخذه لبسه وَلَو جنبا أَو حَائِضًا
(وَالْمحل وَالْمحرم فِي ذَلِك) أَي فِي تَحْرِيم صيد الْحرم وَقطع شَجَره وَالضَّمان (سَوَاء) بِلَا فرق لعُمُوم النَّهْي
قَاعِدَة نافعة فِيمَا سبق مَا كَانَ مَحْضا كالصيد وَجَبت الْفِدْيَة فِيهِ مَعَ الْجَهْل وَالنِّسْيَان وَمَا كَانَ استمتاعا أَو ترفها كالطيب واللبس فَلَا فديَة فِيهِ مَعَ الْجَهْل وَالنِّسْيَان وَمَا كَانَ فِيهِ شَائِبَة من الْجَانِبَيْنِ كالجماع وَالْحلق والقلم فَفِيهِ خلاف وَالأَصَح فِي الْجِمَاع عدم وجوب الْفِدْيَة مَعَ الْجَهْل وَالنِّسْيَان وَفِي الْحلق والقلم الْوُجُوب مَعَهُمَا
خَاتِمَة حَيْثُ أطلق فِي الْمَنَاسِك الدَّم فَالْمُرَاد بِهِ كَدم الْأُضْحِية فتجزىء الْبَدنَة أَو الْبَقَرَة عَن سَبْعَة دِمَاء وَإِن اخْتلفت أَسبَابهَا فَلَو ذَبحهَا عَن دم وَاجِب فالفرض سبعها فَلهُ إِخْرَاجه عَنهُ وَأكل الْبَاقِي إِلَّا فِي جَزَاء الصَّيْد الْمثْلِيّ فَلَا يشْتَرط كَونه كالأضحية فَيجب فِي الصَّغِير صَغِير وَفِي الْكَبِير كَبِير وَفِي الْمَعِيب معيب كَمَا مر بل لَا تجزىء الْبَدنَة عَن شَاة
وَحَاصِل الدِّمَاء ترجع بِاعْتِبَار حكمهَا إِلَى أَرْبَعَة أَقسَام دم تَرْتِيب وَتَقْدِير دم تَرْتِيب وتعديل دم تَخْيِير وَتَقْدِير دم تَخْيِير وتعديل
الْقسم الأول يشْتَمل على دم التَّمَتُّع وَالْقرَان والفوات والمنوط بترك مَأْمُور بِهِ وَهُوَ ترك الْإِحْرَام من الْمِيقَات وَالرَّمْي وَالْمَبِيت بِمُزْدَلِفَة وَمنى وَطواف الْوَدَاع فَهَذِهِ الدِّمَاء دِمَاء تَرْتِيب بِمَعْنى أَنه يلْزمه الذّبْح وَلَا يُجزئهُ الْعُدُول إِلَى غَيره إِلَّا إِذا عجز عَنهُ وَتَقْدِير بِمَعْنى أَن الشَّرْع قدر مَا يعدل إِلَيْهِ بِمَا لَا يزِيد وَلَا ينقص
وَالْقسم الثَّانِي يشْتَمل على دم الْجِمَاع فَهُوَ دم تَرْتِيب وتعديل بِمَعْنى أَن الشَّرْع أَمر فِيهِ بالتقويم والعدول إِلَى غَيره بِحَسب الْقيمَة فَيجب فِيهِ بَدَنَة ثمَّ بقرة ثمَّ سبع شِيَاه فَإِن عجز قوم الْبَدنَة بِدَرَاهِم وَاشْترى بهَا طَعَاما وَتصدق بِهِ فَإِن عجز صَامَ عَن كل

(1/271)


مد يَوْمًا ويكمل المنكسر كَمَا مر وعَلى دم الْإِحْصَار فَعَلَيهِ شَاة ثمَّ طَعَام بالتعديل فَإِن عجز صَامَ عَن كل مد يَوْمًا
وَالْقسم الثَّالِث يشْتَمل على دم الْحلق والقلم فَيتَخَيَّر إِذا حلق ثَلَاث شَعرَات أَو قلم ثَلَاثَة أظفار وَلَاء بَين ذبح دم وإطعام سِتَّة مَسَاكِين لكل مِسْكين نصف صَاع وَصَوْم ثَلَاثَة أَيَّام وعَلى دم الِاسْتِمْتَاع وَهُوَ التَّطَيُّب والدهن بِفَتْح الدَّال للرأس واللحية وَبَعض شعر الْوَجْه على خلاف تقدم واللبس ومقدمات الْجِمَاع والاستمناء وَالْجِمَاع غير الْمُفْسد
وَالْقسم الرَّابِع يشْتَمل على جَزَاء الصَّيْد وَالشَّجر فجملة هَذِه الدِّمَاء عشرُون دَمًا وَكلهَا لَا تخْتَص بِوَقْت كَمَا مر وتراق فِي النّسك الَّذِي وَجَبت فِيهِ وَدم الْفَوات يجزىء بعد دُخُول وَقت الْإِحْرَام بِالْقضَاءِ كالمتمتع إِذا فرغ من عمرته فَإِنَّهُ يجوز لَهُ أَن يذبح قبل الْإِحْرَام بِالْحَجِّ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن قَالَ ابْن الْمقري لَا يجزىء إِلَّا بعد الْإِحْرَام بِالْقضَاءِ وَكلهَا وبدلها من الطَّعَام يخْتَص تفرقته بِالْحرم على مساكينه
وَكَذَا يخْتَص بِهِ الذّبْح إِلَّا الْمحصر فَيذْبَح حَيْثُ أحْصر كَمَا مر فَإِن عدم الْمَسَاكِين فِي الْحرم أَخّرهُ كَمَا مر حَتَّى يجدهم كمن نذر التَّصَدُّق على فُقَرَاء بلد فَلم يجدهم
وَيسن لمن قصد مَكَّة بِحَجّ أَو عمْرَة أَن يهدي إِلَيْهَا شَيْئا من النعم لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهْدى فِي حجَّة الْوَدَاع مائَة بَدَنَة
وَلَا يجب ذَلِك إِلَّا بِالنذرِ
وَيسن أَن يُقَلّد الْبَدنَة أَو الْبَقَرَة نَعْلَيْنِ من النِّعَال الَّتِي تلبس فِي الْإِحْرَام وَيتَصَدَّق بهما بعد ذَبحهَا ثمَّ يجرح صفحة سنامها الْيُمْنَى بحديدة مُسْتَقْبلا بهَا الْقبْلَة ويلطخها بِالدَّمِ لتعرف وَالْغنم لَا تجرح بل تقلد عرى الْقرب وآذانها وَلَا يلْزم بذلك ذَبحهَا

(1/272)


تمّ الْجُزْء الأول ويليه الْجُزْء الثَّانِي وأوله كتاب الْبيُوع