الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع

كتاب الْبيُوع وَغَيرهَا من أَنْوَاع الْمُعَامَلَات
) كقراض وَشركَة وَعبر بالبيوع دون البيع الْمُنَاسب لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة فِي قَوْله تَعَالَى {وَأحل الله البيع} ولطريق الِاخْتِصَار نظرا إِلَى تنوعه وتقسيم أَحْكَامه فَإِنَّهُ يتنوع إِلَى أَربع أَنْوَاع كَمَا سَيَأْتِي
وَأَحْكَامه تَنْقَسِم إِلَى صَحِيح وفاسد وَالصَّحِيح إِلَى لَازم وَغير لَازم كَمَا يعلم ذَلِك من كَلَامه
وَالْبيع لُغَة مُقَابلَة شَيْء بِشَيْء قَالَ الشَّاعِر مَا بعتكم مهجتي إِلَّا بوصلكم وَلَا أسلمها إِلَّا يدا بيد وَشرعا مُقَابلَة مَال بِمَال على وَجه مَخْصُوص وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع آيَات كَقَوْلِه تَعَالَى {وَأحل الله البيع} وَأَحَادِيث كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا البيع عَن ترَاض (الْبيُوع ثَلَاثَة أَشْيَاء) أَي أَنْوَاع بل أَرْبَعَة كَمَا سَيَأْتِي
الأول
(بيع عين مُشَاهدَة) أَي مرئية للمتبايعين (فَجَائِز) لانْتِفَاء الْغرَر

(2/273)


(و) الثَّانِي (بيع شَيْء) يَصح السّلم فِيهِ (مَوْصُوف فِي الذِّمَّة) بِلَفْظ السّلم (فَجَائِز إِذا وجدت الصّفة) الْمَشْرُوط ذكرهَا فِيهِ (على مَا وصفت بِهِ) الْعين الْمُسلم فِيهَا مَعَ بَقِيَّة شُرُوطه الْآتِيَة فِي بَابه
(و) الثَّالِث (بيع عين غَائِبَة) عَن مجْلِس العقد أَو حَاضِرَة فِيهِ (لم تشاهد) للعاقدين (فَلَا يجوز) للنَّهْي عَن بيع الْغرَر
تَنْبِيه مُرَاده بِالْجَوَازِ فِيمَا ذكر فِي هَذِه الْأَنْوَاع مَا يعم الصِّحَّة وَالْإِبَاحَة إِذْ تعَاطِي الْعُقُود الْفَاسِدَة حرَام
وَالرَّابِع بيع الْمَنَافِع وَهُوَ الْإِجَارَة وَسَيَأْتِي
وللمبيع شُرُوط خَمْسَة كَمَا فِي الْمِنْهَاج ذكر المُصَنّف مِنْهَا ثَلَاثَة الأول مَا ذكره بقوله (وَيصِح بيع كل) شَيْء (طَاهِر) عينا أَو يطهر بِغسْلِهِ فَلَا يَصح بيع الْمُتَنَجس كالخل وَاللَّبن لِأَنَّهُ فِي معنى نجس الْعين وَكَذَا الدّهن كالزيت فَإِنَّهُ لَا يُمكن تَطْهِيره فِي الْأَصَح فَإِنَّهُ لَو أمكن لما أَمر بإراقة السّمن فِيمَا رَوَاهُ ابْن حبَان أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْفَأْرَة تَمُوت فِي السّمن إِن كَانَ جَامِدا فألقوها وَمَا حولهَا وَإِن كَانَ مَائِعا فأريقوه أما مَا يُمكن تَطْهِيره كَالثَّوْبِ الْمُتَنَجس والآجر المعجون بمائع نجس كبول فَإِنَّهُ يَصح بَيْعه لِإِمْكَان طهره وَسَيَأْتِي مُحْتَرز قَوْله طَاهِر فِي كَلَامه
وَالشّرط الثَّانِي مَا ذكره بقوله (منتفع بِهِ) شرعا وَلَو فِي الْمَآل كالجحش الصَّغِير وَسَيَأْتِي مُحْتَرزه فِي كَلَامه
وَالشّرط الثَّالِث مَا ذكره بقوله (مَمْلُوك) أَي أَن يكون للعاقد عَلَيْهِ ولَايَة فَلَا يَصح عقد فُضُولِيّ وَإِن أجَازه الْمَالِك لعدم ولَايَته على الْمَعْقُود عَلَيْهِ
وَيصِح بيع مَال غَيره ظَاهرا إِن بَان بعد البيع أَنه لَهُ كَأَن بَاعَ مَال مُوَرِثه ظَانّا حَيَاته فَبَان مَيتا لتبين أَنه ملكه
وَالشّرط الرَّابِع قدرَة تسلمه فِي بيع غير ضمني

(2/274)


على رده لعَجزه عَن تسلمه حَالا بِخِلَاف بَيْعه لقادر على ذَلِك
نعم إِن احْتَاجَ فِيهِ إِلَى مُؤنَة فَفِي الْمطلب يَنْبَغِي الْمَنْع وَلَا يَصح بيع جُزْء معِين تنقص بِقطعِهِ قِيمَته أَو قيمَة الْبَاقِي كجزء إِنَاء أَو ثوب نَفِيس ينقص بِقطعِهِ مَا ذكر للعجز عَن تَسْلِيم ذَلِك شرعا لِأَن التَّسْلِيم فِيهِ لَا يُمكن إِلَّا بِالْكَسْرِ أَو الْقطع وَفِيه نقص وتضييع مَال بِخِلَاف مَا لَا ينقص بِقطعِهِ مَا ذكر كجزء غليظ كرباس لانْتِفَاء الْمَحْذُور
وَالشّرط الْخَامِس الْعلم بِهِ للعاقدين عينا وَقدرا وَصفَة على مَا يَأْتِي بَيَانه حذرا من الْغرَر لما روى مُسلم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع الْغرَر
وَيصِح بيع صَاع من صبرَة وَإِن جهلت صيعانها لعلمهما بِقدر الْمَبِيع مَعَ تَسَاوِي الْأَجْزَاء فَلَا غرر
وَيصِح بيع صبرَة وَإِن جهلت صيعانها كل صَاع بدرهم
وَلَا يضر فِي مَجْهُولَة الصيعان الْجَهْل بجملة الثّمن لِأَنَّهُ مَعْلُوم بالتفصيل وَبيع صبرَة مَجْهُولَة الصيعان بِمِائَة دِرْهَم كل صَاع بدرهم إِن خرجت مائَة وَإِلَّا فَلَا يَصح لتعذر الْجمع بَين جملَة الثّمن وتفصيله لَا بيع أحد ثَوْبَيْنِ مثلا مُبْهما
وَلَا بيع بِأَحَدِهِمَا وَإِن تَسَاوَت قيمتهمَا أَو بملء ذَا الْبَيْت برا أَو بزنة ذِي الْحَصَاة ذَهَبا وملء الْبَيْت وزنة الْحَصَاة مَجْهُولَانِ أَو بِأَلف دَرَاهِم ودنانير للْجَهْل بِعَين الْمَبِيع فِي الأولى وبعين الثّمن فِي الثَّانِيَة وبقدره فِي الْبَاقِي
فَإِن عين الْبر كَأَن قَالَ بِعْتُك ملْء ذَا الْبَيْت من ذَا الْبر صَحَّ لِإِمْكَان أَخذه قبل تلفه فَلَا غرر
وَقد بسطت الْكَلَام عَلَيْهِ فِي غير هَذَا الْكتاب
ثمَّ أَخذ المُصَنّف فِي مُحْتَرز قَوْله طَاهِر بقوله (وَلَا يَصح بيع عين نَجِسَة) سَوَاء أمكن تطهيرها بالاستحالة كَجلْد الْميتَة أم لَا كالسرجين وَالْكَلب وَلَو معلما وَالْخمر وَلَو مُحْتَرمَة لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن ثمن الْكَلْب وَقَالَ إِن الله تَعَالَى حرم بيع الْخمر وَالْميتَة وَالْخِنْزِير وَقيس بهَا مَا فِي مَعْنَاهَا
ثمَّ أَخذ فِي مُحْتَرز قَوْله منتفع بِهِ بقوله (وَلَا) يَصح (بيع مَا لَا مَنْفَعَة فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا يعد مَالا فَأخذ المَال فِي مُقَابلَته مُمْتَنع للنَّهْي عَن إِضَاعَة المَال وَعدم منفعَته إِمَّا لخسته كالحشرات الَّتِي لَا نفع فِيهَا كالخنفساء والحية وَالْعَقْرَب وَلَا عِبْرَة بِمَا يذكر من مَنَافِعهَا فِي الْخَواص وَلَا بيع كل سبع أَو طير لَا ينفع كالأسد وَالذِّئْب والحدأة والغراب غير الْمَأْكُول وَلَا نظر لمَنْفَعَة الْجلد بعد الْمَوْت وَلَا لمَنْفَعَة الريش فِي النبل وَلَا لاقتناء الْمُلُوك لبعضها للهيبة والسياسة
أما مَا ينفع من ذَلِك كالفهد للصَّيْد والفيل لِلْقِتَالِ والنحل للعسل والطاووس للأنس بلونه فَيصح وَإِمَّا لقلته كحبتي الْحِنْطَة وَالشعِير وَلَا أثر لضم ذَلِك إِلَى أَمْثَاله أَو وَضعه فِي فخ وَمَعَ هَذَا يحرم غصبه وَيجب رده وَلَا ضَمَان فِيهِ إِن تلف إِذْ لَا مَالِيَّة
وَلَا يَصح بيع آلَة اللَّهْو الْمُحرمَة كالطنبور والمزمار والرباب وَإِن اتخذ الْمَذْكُورَات من نقد إِذْ لَا نفع بهَا شرعا
وَيصِح بيع آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة لِأَنَّهُمَا المقصودان
وَلَا يشكل بِمَا مر من منع بيع آلَات الملاهي المتخذة مِنْهُمَا لِأَن آنيتهما يُبَاح اسْتِعْمَالهَا للْحَاجة بِخِلَاف تِلْكَ
وَلَا يَصح بيع كتب الْكفْر والتنجيم والشعوذة والفلسفة كَمَا جزم بِهِ فِي الْمَجْمُوع وَلَا بيع السّمك فِي المَاء إِلَّا إِذا كَانَ فِي بركَة صَغِيرَة لَا يمْنَع المَاء رُؤْيَته وَسَهل أَخذه فَيصح فِي الْأَصَح فَإِن كَانَت الْبركَة كَبِيرَة لَا يُمكن أَخذه إِلَّا بِمَشَقَّة شَدِيدَة لم يَصح على الْأَصَح
وَبيع الْحمام فِي البرج على هَذَا التَّفْصِيل
وَلَا يَصح بيع الطير فِي الْهَوَاء وَلَو حَماما اعْتِمَادًا على عَادَة عودهَا على الْأَصَح لعدم الوثوق بعودها إِلَّا النَّحْل فَيصح بَيْعه طائرا على الْأَصَح فِي الزَّوَائِد وَقَيده فِي الْمُهِمَّات
تبعا ل

(2/275)


ابْن الرّفْعَة بِأَن يكون اليعسوب فِي الخلية فارقا بَينه وَبَين الْحمام بِأَن النَّحْل لَا يقْصد بالجوارح بِخِلَاف غَيرهَا من الطُّيُور فَإِنَّهَا تقصد بهَا
وَيصِح بَيْعه فِي الكوارة إِن شَاهد جَمِيعه وَإِلَّا فَهُوَ من بيع الْغَائِب فَلَا يَصح
تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن أَرْكَان البيع وَهِي ثَلَاثَة كَمَا فِي الْمَجْمُوع
وَهِي فِي الْحَقِيقَة سِتَّة عَاقد بَائِع ومشتر ومعقود عَلَيْهِ ثمن ومثمن وَصِيغَة وَلَو كِنَايَة وَهِي إِيجَاب كبعتك وملكتك واشتر مني وكجعلته لَك بِكَذَا نَاوِيا البيع وَقبُول كاشتريت وتملكت وَقبلت وَإِن تقدم على الْإِيجَاب كبعني بِكَذَا لِأَن البيع مَنُوط بِالرِّضَا لخَبر إِنَّمَا البيع عَن ترَاض وَالرِّضَا خَفِي فَاعْتبر مَا يدل عَلَيْهِ من اللَّفْظ فَلَا بيع بمعاطاة وَيرد كل مَا أَخذه بهَا أَو بدله إِن تلف
وَشرط فِي الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَلَو بِكِتَابَة أَو إِشَارَة أخرس أَلا يتخللهما كَلَام أَجْنَبِي عَن العقد وَلَا سكُوت طَوِيل وَهُوَ مَا أشعر بإعراضه عَن الْقبُول وَأَن يتوافق الْإِيجَاب وَالْقَبُول معنى فَلَو أوجب بِأَلف مكسرة فَقبل بصحيحه أَو عَكسه لم يَصح
وَيشْتَرط أَيْضا عدم التَّعْلِيق التَّأْقِيت فَلَو قَالَ إِن مَاتَ أبي فقد بِعْتُك هَذَا بِكَذَا أَو بعتكه بِكَذَا شهرا لم يَصح
وَشرط فِي الْعَاقِد بَائِعا كَانَ أَو مُشْتَريا إِطْلَاق تصرف فَلَا يَصح عقد صبي أَو مَجْنُون أَو مَحْجُور عَلَيْهِ بِسَفَه وَعدم إِكْرَاه

(2/276)


بِغَيْر حق فَلَا يَصح عقد مكره فِي مَاله بِغَيْر حق لعدم رِضَاهُ وَيصِح بِحَق كَأَن توجه عَلَيْهِ بيع مَاله لوفاء دين فأكرهه الْحَاكِم عَلَيْهِ
وَلَو بَاعَ مَال غَيره بإكراهه عَلَيْهِ صَحَّ لِأَنَّهُ أبلغ فِي الْإِذْن
وَإِسْلَام من يَشْتَرِي لَهُ وَلَو بوكالة مصحف أَو نَحوه ككتب حَدِيث أَو كتب علم فِيهَا آثَار السّلف أَو مُسلم أَو مُرْتَد لَا يعْتق عَلَيْهِ لما فِي ملك الْكَافِر للمصحف وَنَحْوه من الإهانة وللمسلم من الإذلال وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} ولبقاء علقَة الْإِسْلَام فِي الْمُرْتَد بِخِلَاف من يعْتق عَلَيْهِ كأبيه أَو ابْنه فَيصح لانْتِفَاء إذلاله بِعَدَمِ اسْتِقْرَار ملكه
فَائِدَة يتَصَوَّر دُخُول الرَّقِيق الْمُسلم فِي ملك الْكَافِر فِي مسَائِل نَحْو الْأَرْبَعين صُورَة وَقد ذكرتها فِي شرح الْمِنْهَاج وأفردها البُلْقِينِيّ بتصنيف دون الكراسة والشامل لجميعها ثَلَاثَة أَسبَاب الأول الْملك القهري
الثَّانِي مَا يُفِيد الْفَسْخ
الثَّالِث مَا استعقب الْعتْق
فاستفده فَإِنَّهُ ضَابِط مُهِمّ ولبعضهم فِي ذَلِك نظم وَهُوَ الرجز وَمُسلم يدْخل ملك كَافِر بِالْإِرْثِ وَالرَّدّ بِعَيْب ظَاهر إِقَالَة وفسخه وَمَا وهب أصل وَمَا استعقب عتقا بِسَبَب وَتَقَدَّمت شُرُوط الْمَعْقُود عَلَيْهِ
وَلَو بَاعَ بِنَقْد مثلا وَثمّ نقد غَالب تعين لِأَن الظَّاهِر إرادتهما لَهُ أَو نقدان مثلا وَلَو صَحِيحا ومكسرا وَلَا غَالب اشْترط تعْيين لفظا إِن اخْتلفت قيمتهَا فَإِن اسْتَوَت لم يشْتَرط تعْيين وتكفي مُعَاينَة عوض عَن الْعلم بِقَدرِهِ اكْتِفَاء بالتخمين المصحوب بالمعاينة وتكفي رؤيتها قبل عقد فِيمَا لَا يغلب تغيره إِلَى وَقت العقد
وَيشْتَرط كَونه ذَاكِرًا للأوصاف عِنْد العقد بِخِلَاف مَا يغلب تغيره كالأطعمة وتكفي رُؤْيَة بعض مَبِيع إِن دلّ على بَاقِيَة كظاهر صبرَة نَحْو برك كشعير أَو

(2/277)


لم يدل على بَاقِيه بل كَانَ صوانا للْبَاقِي لبَقَائه كقشر رمان وبيض وقشرة سفلى لجوز أَو لوز فتكفي رُؤْيَته لِأَن صَلَاح بَاطِنه فِي إبقائه فِيهِ
وَخرج بالسفلى وَهِي الَّتِي تكسر حَالَة الْأكل الْعليا لِأَنَّهَا لَيست من مصَالح مَا فِي بَطْنه
نعم إِن لم تَنْعَقِد السُّفْلى كاللوز الْأَخْضَر كفت رُؤْيَة الْعليا لِأَن الْجَمِيع مَأْكُول
وَيجوز بيع قصب السكر فِي قشره الْأَعْلَى لِأَن قشره الْأَسْفَل كباطنه لِأَنَّهُ قد يمص مَعَه وَلِأَن قشره الْأَعْلَى لَا يستر جَمِيعه
وَيصِح سلم الْأَعْمَى وَإِن عمي قبل تَمْيِيزه بعوض فِي ذمَّته يعين فِي الْمجْلس ويوكل من يقبض عَنهُ أَو من يقبض لَهُ رَأس مَال السّلم وَالْمُسلم فِيهِ وَلَو كَانَ رأى قبل الْعَمى شَيْئا مِمَّا لَا يتَغَيَّر قبل عقده صَحَّ عقده عَلَيْهِ كالبصير وَلَو اشْترى الْبَصِير شَيْئا ثمَّ عمي قبل قَبضه لم يَنْفَسِخ فِيهِ البيع كَمَا صَححهُ النَّوَوِيّ
وَلَا يَصح بيع البصل والجزر وَنَحْوهمَا فِي الأَرْض لِأَنَّهُ غرر

فصل فِي الرِّبَا
وَهُوَ بِالْقصرِ لُغَة الزِّيَادَة قَالَ الله تَعَالَى {اهتزت وربت} أَي زَادَت ونمت وَشرعا نقد على عوض مَخْصُوص غير مَعْلُوم التَّمَاثُل فِي معيار الشَّرْع حَالَة العقد أَو مَعَ تَأْخِير فِي الْبَدَلَيْنِ أَو أَحدهمَا
وَهُوَ على ثَلَاثَة أَنْوَاع رَبًّا الْفضل وَهُوَ البيع مَعَ زِيَادَة أحد الْعِوَضَيْنِ على الآخر
وَربا الْيَد وَهُوَ البيع مَعَ تَأْخِير قبضهما أَو قبض أَحدهمَا
وَربا النِّسَاء وَهُوَ البيع لأجل
(والربا حرَام) لقَوْله تَعَالَى {وَأحل الله البيع وَحرم الرِّبَا} وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الله آكل الرِّبَا وموكله وَشَاهده وكاتبه وَهُوَ من الْكَبَائِر
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ لم يحل فِي شَرِيعَة قطّ لقَوْله تَعَالَى {وَأَخذهم الرِّبَا وَقد نهوا عَنهُ} يَعْنِي فِي الْكتب السالفة
وَالْقَصْد بِهَذَا الْفَصْل بيع الرِّبَوِيّ وَمَا يعْتَبر فِيهِ زِيَادَة على مَا مر وَهُوَ لَا يكون إِلَّا فِي (الذَّهَب وَالْفِضَّة) وَلَو غير مضروبين (و)

(2/278)


فِي (المطعومات) لَا فِي غير ذَلِك
وَالْمرَاد بالمطعوم مَا قصد للطعم اقتياتا أَو تفكها أَو تداويا كَمَا يُؤْخَذ ذَلِك من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الذَّهَب بِالذَّهَب وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ وَالْبر بِالْبرِّ وَالشعِير بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ وَالْملح بالملح مثلا بِمثل سَوَاء بِسَوَاء يدا بيد فَإِذا اخْتلفت هَذِه الْأَجْنَاس فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِذا كَانَ يدا بيد أَي مقابضة فَإِنَّهُ نَص فِيهِ على الْبر وَالشعِير وَالْمَقْصُود مِنْهُمَا التقوت فَألْحق بهما مَا فِي مَعْنَاهُمَا كالأرز والذرة
وَنَصّ على التَّمْر وَالْمَقْصُود مِنْهُ التفكه والتأدم
فَألْحق بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كالزبيب والتين وعَلى الْملح وَالْمَقْصُود مِنْهُ الْإِصْلَاح فَألْحق بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كالمصطكي والزنجبيل وَلَا فرق بَين مَا يصلح الْغذَاء أَو يصلح الْبدن فَإِن الأغذية تحفظ الصِّحَّة والأدوية ترد الصِّحَّة
وَلَا رَبًّا فِي حب الْكَتَّان ودهنه ودهن السّمك لِأَنَّهَا لَا تقصد للطعم وَلَا فِيمَا اخْتصَّ بِهِ الْجِنّ كالعظم أَو الْبَهَائِم كالتبن والحشيش أَو غلب تنَاولهَا لَهُ
أما إِذا كَانَا على حد سَوَاء فَالْأَصَحّ ثُبُوت الرِّبَا فِيهِ وَلَا رَبًّا فِي الْحَيَوَان مُطلقًا سَوَاء جَازَ بلعه كصغار السّمك أم لَا لِأَنَّهُ لَا يعد للْأَكْل على هَيئته
(وَلَا يجوز بيع) عين (الذَّهَب بِالذَّهَب و) لَا بيع عين (الْفضة كَذَلِك) أَي بِالْفِضَّةِ (إِلَّا) بِثَلَاثَة شُرُوط الأول كَونه (متماثلا) أَي مُتَسَاوِيا فِي الْقدر من غير زِيَادَة حَبَّة وَلَا نَقصهَا
وَالثَّانِي كَونه (نَقْدا) أَي حَالا من غير نَسِيئَة فِي شَيْء مِنْهُ
وَالثَّالِث كَونه مَقْبُوضا قبل التَّفَرُّق أَو التخاير للْخَبَر السَّابِق
وَعلة الرِّبَا فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة جنسية الْأَثْمَان غَالِبا كَمَا صَححهُ فِي الْمَجْمُوع ويعبر عَنهُ أَيْضا بجوهرية الْأَثْمَان غَالِبا وَهِي منتفية عَن الْفُلُوس وَغَيرهَا من سَائِر الْعرُوض
وَاحْترز بغالبا عَن الْفُلُوس إِذا راجت فَإِنَّهَا لَا رَبًّا فِيهَا كَمَا مر وَلَا أثر لقيمة الصَّنْعَة فِي ذَلِك حَتَّى لَو اشْترى بِدَنَانِير ذَهَبا مصوغا قِيمَته أَضْعَاف الدَّنَانِير اعْتبرت الْمُمَاثلَة وَلَا نظر إِلَى الْقيمَة
وَالْحِيلَة فِي تمْلِيك الرِّبَوِيّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا كَبيع ذهب بِذَهَب مُتَفَاضلا أَن يَبِيعهُ من صَاحبه بِدَرَاهِم أَو عرض وَيَشْتَرِي مِنْهُ بهَا أَو بِهِ الذَّهَب بعد التَّقَابُض فَيجوز وَإِن لم يَتَفَرَّقَا وَلم يتخايرا
(وَلَا) يجوز وَلَا يَصح (بيع مَا ابتاعه) وَلَا الْإِشْرَاك فِيهِ وَلَا التَّوْلِيَة (حَتَّى يقبضهُ) سَوَاء كَانَ مَنْقُولًا أم عقارا أذن

(2/279)


البَائِع وَقبض الثّمن أم لَا لخَبر من ابْتَاعَ طَعَاما فَلَا يَبِيعهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيه قَالَ ابْن عَبَّاس وَلَا أَحسب كل شَيْء إِلَّا مثله رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
وَبيعه للْبَائِع كَغَيْرِهِ
فَلَا يَصح لعُمُوم الْأَخْبَار ولضعف الْملك
وَالْإِجَارَة وَالْكِتَابَة وَالرَّهْن وَالصَّدَاق وَالْهِبَة والإقراض وَجعله عوضا فِي نِكَاح أَو خلع أَو صلح أَو سلم أَو غير ذَلِك كَالْبيع فَلَا يَصح بِنَاء على أَن الْعلَّة فِي البيع ضعف الْملك وَيصِح الْإِعْتَاق لتشوف الشَّارِع إِلَيْهِ
وَنقل ابْن الْمُنْذر فِيهِ الْإِجْمَاع وَسَوَاء أَكَانَ للْبَائِع حق الْحَبْس أم لَا لقُوته وَضعف حق الْحَبْس وَالِاسْتِيلَاد وَالتَّزْوِيج وَالْوَقْف كَالْعِتْقِ وَالثمن الْمعِين كَالْمَبِيعِ قبل قَبضه فِيمَا مر وَله التَّصَرُّف فِي مَاله
وَهُوَ فِي يَد غَيره أَمَانَة كوديعة ومشترك وقراض ومرهون بعد انفكاكه وموروث وباق فِي يَد وليه بعد فك الْحجر عَنهُ لتَمام ملكه على ذَلِك وَلَا يَصح بيع الْمُسلم فِيهِ وَلَا الِاعْتِيَاض عَنهُ قبل قَبضه
وَيجوز الِاسْتِبْدَال عَن الثّمن الثَّابِت فِي الذِّمَّة فَإِن استبدل مُوَافقا فِي عِلّة الرِّبَا كدراهم عَن دَنَانِير أَو عَكسه اشْترط قبض الْبَدَل فِي الْمجْلس حذرا من الرِّبَا وَلَا يشْتَرط تَعْيِينه فِي العقد لِأَن الصّرْف على مَا فِي الذِّمَّة جَائِز
وَيصِح بيع الدّين بِغَيْر دين لغير من هُوَ عَلَيْهِ كَأَن بَاعَ بكر لعَمْرو مائَة لَهُ على زيد بِمِائَة كَبَيْعِهِ مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ كَمَا رَجحه فِي الرَّوْضَة وَإِن رجح فِي الْمِنْهَاج الْبطلَان
أما بيع الدّين بِالدّينِ فَلَا يَصح سَوَاء اتَّحد الْجِنْس أم لَا للنَّهْي عَن بيع الكالىء بالكالىء وَفسّر بِبيع الدّين بِالدّينِ وَقبض غير مَنْقُول من أَرض وَشَجر وَنَحْو ذَلِك بِالتَّخْلِيَةِ لمشتر بِأَن يُمكنهُ مِنْهُ البَائِع ويسلمه الْمِفْتَاح وبتفريغه من مَتَاع غير المُشْتَرِي نظرا للْعُرْف فِي ذَلِك وَقبض الْمَنْقُول من سفينة وحيوان وَغَيرهمَا بنقله مَعَ تَفْرِيغ السَّفِينَة المشحونة بالأمتعة نظرا

(2/280)


للْعُرْف فِيهِ
وَيَكْفِي فِي قبض الثَّوْب وَنَحْوه مِمَّا يتَنَاوَل بِالْيَدِ التَّنَاوُل وَإِتْلَاف المُشْتَرِي الْمَبِيع قبض لَهُ وَلَو كَانَ الْمَبِيع تَحت يَد المُشْتَرِي أَمَانَة أَو مَضْمُونا وَهُوَ حَاضر وَلم يكن للْبَائِع حق الْحَبْس صَار مَقْبُوضا بِنَفس العقد بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ لَهُ حق الْحَبْس فَإِنَّهُ لَا بُد من إِذْنه وَلَو اشْترى الْأَمْتِعَة مَعَ الدَّار حَقِيقَة اشْترط فِي قبضهَا نقلهَا كَمَا لَو أفردت وَلَو اشْترى صبرَة ثمَّ اشْترى مَكَانهَا لم يكف
والسفينة من المنقولات كَمَا قَالَه ابْن الرّفْعَة فَلَا بُد من تحويلها وَهُوَ ظَاهر فِي الصَّغِيرَة وَفِي الْكَبِيرَة فِي مَاء تسير بِهِ
أما الْكَبِيرَة فِي الْبر فكالعقار فَيَكْفِي فِيهَا التَّخْلِيَة لعسر النَّقْل
فروع للْمُشْتَرِي اسْتِقْلَال بِقَبض الْمَبِيع إِن كَانَ الثّمن مُؤَجّلا وَإِن حل أَو كَانَ حَالا كُله أَو بعضه وَسلم الْحَال لمستحقه وَشرط فِي قبض مَا بيع مُقَدرا مَعَ مَا مر نَحْو ذرع من كيل وَوزن وَلَو كَانَ لبكر طَعَام مثلا مُقَدّر على زيد كعشرة آصَع ولعمرو عَلَيْهِ مثله فليكتل لنَفسِهِ من زيد ثمَّ يكتل لعَمْرو ليَكُون الْقَبْض والإقباض صَحِيحَيْنِ
وَيَكْفِي استدامته فِي نَحْو الْمِكْيَال
فَلَو قَالَ بكر لعَمْرو اقبض من زيد مَا لي عَلَيْهِ لَك فَفعل فسد الْقَبْض لَهُ لِاتِّحَاد الْقَابِض والمقبض وَلكُل من الْعَاقِدين حبس عوضه حَتَّى يقبض مُقَابِله إِن خَافَ فَوته بهرب أَو غَيره فَإِن لم يخف فَوته وتنازعا فِي الِابْتِدَاء أجبرا إِن عين الثّمن كَالْمَبِيعِ فَإِن كَانَ فِي الذِّمَّة أجبر البَائِع فَإِذا سلم أجبر المُشْتَرِي إِن حضر الثّمن وَإِلَّا فَإِن أعْسر بِهِ فَللْبَائِع الْفَسْخ بالفلس وَإِن أيسر فَإِن لم يكن مَاله بمسافة الْقصر حجر عَلَيْهِ فِي أَمْوَاله كلهَا حَتَّى يسلم الثّمن وَإِن كَانَ مَاله بمسافة الْقصر كَانَ لَهُ الْفَسْخ فَإِن صَبر فالحجر كَمَا مر
وَمحل الْحجر

(2/281)


فِي هَذَا وَمَا قبله إِذا لم يكن مَحْجُورا عَلَيْهِ بفلس وَإِلَّا فَلَا حجر وَأما الثّمن الْمُؤَجل فَلَيْسَ للْبَائِع حبس الْمَبِيع بِهِ لرضاه بِتَأْخِيرِهِ وَلَو حل قبل التَّسْلِيم فَلَا حبس أَيْضا
(وَلَا) يجوز (بيع اللَّحْم) وَمَا فِي مَعْنَاهُ كالشحم والكبد وَالْقلب والكلية وَالطحَال والألية
(بِالْحَيَوَانِ) من جنسه أَو بِغَيْر جنسه من مَأْكُول كَبيع لحم الْبَقر بالضأن وَغَيره كَبيع لحم ضَأْن بِحِمَار للنَّهْي عَن بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ
أما بيع الْجلد بِالْحَيَوَانِ فَيصح بعد دبغه بِخِلَافِهِ قبله
(وَيجوز بيع الذَّهَب بِالْفِضَّةِ) وَعَكسه (مُتَفَاضلا) أَي زَائِدا أَحدهمَا على الآخر بِشَرْطَيْنِ الأول كَونه (نَقْدا) أَي حَالا
وَالثَّانِي كَونه مَقْبُوضا بيد كل مِنْهُمَا قبل تفرقهما أَو تخايرهما
(وَكَذَا المطعومات) الْمُتَقَدّم بَيَانهَا (لَا يجوز بيع الْجِنْس مِنْهَا) أَي المطعومات (بِمثلِهِ) سَوَاء اتّفق نَوعه أم اخْتلف (إِلَّا) بِثَلَاثَة شُرُوط الأول كَونه (متماثلا) وَالثَّانِي كَونه (نَقْدا) وَالثَّالِث كَونه مَقْبُوضا بيد كل مِنْهُمَا قبل تفرقهما أَو تخايرهما كَمَا مر بَيَانه فِي بيع النَّقْد بِمثلِهِ والمماثلة تعْتَبر فِي الْمكيل كَيْلا وَإِن تفَاوت فِي الْوَزْن وَفِي الْمَوْزُون وزنا وَإِن تفَاوت فِي الْكَيْل
وَالْمُعْتَبر فِي كَون الشَّيْء مَكِيلًا أَو مَوْزُونا غَالب عَادَة أهل الْحجاز فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لظُهُور أَنه اطلع على ذَلِك وَأقرهُ وَمَا لم يكن فِي ذَلِك الْعَهْد أَو كَانَ وَجَهل حَاله وجرمه كالتمر يُرَاعى فِيهِ عَادَة بلد البيع فَإِن كَانَ أكبر مِنْهُ فالوزن
وَلَو بَاعَ جزَافا نَقْدا أَو طَعَاما بِجِنْسِهِ تخمينا لم يَصح البيع وَإِن خرجا سَوَاء للْجَهْل بالمماثلة عِنْد البيع
وَهَذَا معنى قَول الْأَصْحَاب الْجَهْل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة
وَتعْتَبر الْمُمَاثلَة للربوي حَال الْكَمَال فَتعْتَبر فِي الثِّمَار والحبوب وَقت الْجَفَاف وتنقيتها فَلَا يُبَاع رطب المطعومات برطبها بِفَتْح الرَّاء فيهمَا
وَلَا بجافها إِذا كَانَت من جنس إِلَّا فِي مَسْأَلَة الْعَرَايَا وَلَا تَكْفِي مماثلة الدَّقِيق والسويق وَالْخبْز بل تعْتَبر الْمُمَاثلَة فِي الْحُبُوب حبا وَفِي حبوب الدّهن كالسمسم بِكَسْر السينين حبا أَو دهنا وَفِي الْعِنَب وَالرّطب زبيبا أَو تَمرا أَو خل عِنَب وَرطب أَو عصير ذَلِك وَفِي اللَّبن لَبَنًا أَو سمنا خَالِصا مصفى بشمس أَو نَار فَيجوز بيع بعضه بِبَعْض وزنا وَإِن كَانَ مَائِعا على النَّص فَلَا تَكْفِي مماثلة مَا أثرت فِيهِ النَّار بالطبخ أَو القلي أَو الشَّيْء وَلَا يضر تَأْثِير تَمْيِيز كالعسل وَالسمن
(وَيجوز بيع الْجِنْس مِنْهَا) أَي المطعومات (بِغَيْرِهِ) كالحنطة بِالشَّعِيرِ (مُتَفَاضلا) بِشَرْطَيْنِ الأول كَونه (نَقْدا) أَي حَالا
وَالثَّانِي كَونه مَقْبُوضا بيد كل مِنْهُمَا قبل تفرقهما أَو قبل تخايرهما
(وَلَا يجوز بيع الْغرَر) وَهُوَ غير الْمَعْلُوم للنَّهْي عَنهُ وَلَا يشْتَرط الْعلم بِهِ من كل وَجه بل يشْتَرط الْعلم بِعَين الْمَبِيع وَقدره وَصفته فَلَا يَصح بيع الْغَائِب إِلَّا إِذا كَانَ رَآهُ قبل العقد وَهُوَ مِمَّا لَا يتَغَيَّر غَالِبا كالأرض والأواني وَالْحَدِيد والنحاس وَنَحْو ذَلِك كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ فِي الْفَصْل قبل هَذَا
وَتعْتَبر رُؤْيَة كل شَيْء بِمَا يَلِيق بِهِ فَفِي الْكتاب لَا بُد من رُؤْيَته ورقة ورقة وَفِي الْوَرق الْبيَاض رُؤْيَة جَمِيع الطاقات وَفِي الدَّار لَا بُد من رُؤْيَة الْبيُوت والسقوف والسطوح والجدران والمستحم والبالوعة وَكَذَا رُؤْيَة الطَّرِيق كَمَا فِي الْمَجْمُوع
وَفِي الْبُسْتَان رُؤْيَة أشجاره ومجرى مَائه وَكَذَا يشْتَرط رُؤْيَة المَاء الَّذِي تَدور بِهِ الرَّحَى خلافًا لِابْنِ الْمقري لاخْتِلَاف الْغَرَض
وَلَا يشْتَرط رُؤْيَة أساس جدران الْبُسْتَان وَلَا رُؤْيَة عروق الْأَشْجَار وَنَحْوهمَا وَيشْتَرط رُؤْيَة الأَرْض فِي ذَلِك وَنَحْوه وَلَو رأى آلَة بِنَاء الْحمام وأرضها قبل بنائها لم يكف عَن رُؤْيَة كَمَا لَا يَكْفِي فِي التَّمْر رُؤْيَته رطبا كَمَا لَو رأى سخلة أَو صَبيا فكهلا لَا يَصح بيعهمَا بِلَا رُؤْيَة أُخْرَى
وَيشْتَرط فِي الرَّقِيق ذكرا كَانَ أَو غَيره رُؤْيَة مَا سوى الْعَوْرَة لَا اللِّسَان والأسنان وَيشْتَرط فِي الدَّابَّة رؤيتها كلهَا حَتَّى شعرهَا فَيجب رفع السرج والإكاف وَلَا يشْتَرط إجراؤها ليعرف سَيرهَا وَلَا يشْتَرط فِي الدَّابَّة رُؤْيَة اللِّسَان والأسنان

(2/282)


وَيشْتَرط فِي الثَّوْب نشره ليرى الْجَمِيع وَلَو لم ينشر مثله إِلَّا عِنْد الْقطع وَيشْتَرط فِي الثَّوْب رُؤْيَة وَجْهي مَا يخْتَلف مِنْهُ كَأَن يكون صفيقا كديباج منقش وَبسط بِخِلَاف مَا لَا يخْتَلف وجهاه ككرباس فتكفي رُؤْيَة أَحدهمَا
وَلَا يَصح بيع اللَّبن فِي الضَّرع وَإِن حلب مِنْهُ شَيْء ورئي قبل البيع للنَّهْي عَنهُ وَلعدم رُؤْيَته
وَلَا يَصح بيع الصُّوف قبل الجز أَو التذكية لاختلاطه بالحادث فَإِن قبض قِطْعَة وَقَالَ بِعْتُك هَذِه صَحَّ
وَلَا يَصح بيع مسك مختلط بِغَيْرِهِ لجهل الْمَقْصُود كنحو لبن مخلوط بِنَحْوِ مَاء نعم إِن كَانَ معجونا بِغَيْرِهِ كالغالية والند صَحَّ لِأَن الْمَقْصُود جميعهما لَا الْمسك وَحده وَلَو بَاعَ الْمسك فِي فأرته لم يَصح وَلَو فتح رَأسهَا كَاللَّحْمِ فِي الْجلد فَإِن رَآهَا فارغة ثمَّ ملئت مسكا لم يره ثمَّ رأى أَعْلَاهُ من رَأسهَا أَو رَآهُ خَارِجهَا ثمَّ اشْتَرَاهُ بعد رده إِلَيْهَا جَازَ

فصل فِي أَحْكَام الْخِيَار
وَلما فرغ المُصَنّف من صِحَة العقد وفساده شرع فِي لُزُومه وجوازه وَذَلِكَ بِسَبَب الْخِيَار وَالْأَصْل فِي البيع اللُّزُوم لِأَن الْقَصْد مِنْهُ نقل الْملك وَقَضِيَّة الْملك التَّصَرُّف وَكِلَاهُمَا فرع اللُّزُوم إِلَّا أَن الشَّارِع أثبت فِيهِ الْخِيَار رفقا بالمتعاقدين وَهُوَ نَوْعَانِ خِيَار تشه وَخيَار نقيصة
فخيار التشهي مَا يتعاطاه المتعاقدان باختيارهما وشهوتهما من غير توقف على فَوَات أَمر فِي الْمَبِيع وَسَببه الْمجْلس أَو الشَّرْط
وَقد بَدَأَ بِالسَّبَبِ الأول من النَّوْع الأول (والمتبايعان بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا) ببدنهما عَن مجْلِس العقد أَو يختارا لُزُوم العقد كقولهما تخايرنا فَلَو اخْتَار أَحدهمَا لُزُومه سقط حَقه من الْخِيَار وَبَقِي الْحق فِيهِ للْآخر لما روى الشَّيْخَانِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ البيعان بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا أَو يَقُول أَحدهمَا للْآخر اختر وَيثبت خِيَار الْمجْلس فِي كل بيع وَإِن استعقب عتقا كَشِرَاء بعضه وَذَلِكَ كربوي وَسلم وتولية وتشريك لَا فِي بيع عبد مِنْهُ وَلَا فِي بيع ضمني لِأَن

(2/283)


مقصودهما الْعتْق وَلَا فِي قسْمَة غير رد وَلَا فِي رد وَلَا فِي حِوَالَة وَلَا فِي إِبْرَاء وَصلح حطيطة وَنِكَاح وَهبة بِلَا ثَوَاب وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يُسمى بيعا لِأَن الْخَبَر إِنَّمَا ورد فِي البيع
أما الْهِبَة بِثَوَاب فَإِنَّهَا بيع فَيثبت فِيهَا الْخِيَار على الْمُعْتَمد خلافًا لما جرى عَلَيْهِ فِي الْمِنْهَاج وَيعْتَبر فِي التَّفَرُّق الغرف فَمَا يعده النَّاس تفَرقا يلْزم بِهِ العقد وَمَا لَا فَلَا لِأَن مَا لَيْسَ لَهُ حد شرعا وَلَا لُغَة يرجع فِيهِ إِلَى الْعرف فَلَو قاما وتماشيا منَازِل دَامَ خيارهما كَمَا لَو طَال مكثهما وَإِن زَادَت الْمدَّة على ثَلَاثَة أَيَّام أَو عرضا عَمَّا يتَعَلَّق بِالْعقدِ
وَكَانَ ابْن عمر رَاوِي الْخَبَر إِذا ابْتَاعَ شَيْئا فَارق صَاحبه فَلَو كَانَا فِي دَار كَبِيرَة فالتفرق فِيهَا بِالْخرُوجِ من الْبَيْت إِلَى الصحن أَو من الصحن إِلَى الصّفة أَو الْبَيْت
وَإِن كَانَا فِي سوق أَو صحراء فبأن يولي أَحدهمَا الآخر ظَهره وَيَمْشي قَلِيلا وَلَو لم يبعد عَن سَماع خطابه
وَإِن كَانَا فِي سفينة أَو دَار صَغِيرَة فبخروج أَحدهمَا مِنْهَا وَلَو تناديا بِالْبيعِ من بعد ثَبت لَهما الْخِيَار وامتد مَا لم يُفَارق أَحدهمَا مَكَانَهُ فَإِن فَارقه وَوصل إِلَى مَوضِع لَو كَانَ الآخر مَعَه بِمَجْلِس العقد عد تفَرقا بَطل خيارهما وَلَو مَاتَ أَحدهمَا فِي الْمجْلس أَو جن أَو أُغمي عَلَيْهِ انْتقل الْخِيَار فِي الأولى إِلَى الْوَارِث وَلَو عَاما وَفِي الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة إِلَى الْوَلِيّ من حَاكم أَو غَيره وَلَو أجَاز الْوَارِث أَو فسخ قبل علمه بِمَوْت مُوَرِثه نفذ ذَلِك بِنَاء على أَن من بَاعَ مَال مُوَرِثه ظَانّا حَيَاته فَبَان مَيتا صَحَّ وَلَو اشْترى الْوَلِيّ لطفله شَيْئا فَبلغ رشيدا قبل التَّفَرُّق لم ينْتَقل إِلَيْهِ الْخِيَار كَمَا فِي الْبَحْر وَيبقى للْوَلِيّ على الْأَوْجه من وَجْهَيْن حَكَاهُمَا فِي الْبَحْر وأجراهما فِي خِيَار الشَّرْط
ثمَّ شرع فِي السَّبَب الثَّانِي من النَّوْع الأول بقوله (وَلَهُمَا) أَي الْمُتَعَاقدين (أَن يشرطا الْخِيَار) لَهما أَو لأَحَدهمَا سَوَاء أشرطا إِيقَاع أَثَره مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا أم من أَجْنَبِي كَالْعَبْدِ الْمَبِيع وَسَوَاء أشرطا ذَلِك من وَاحِد أم من اثْنَيْنِ مثلا وَلَيْسَ لشارطه للْأَجْنَبِيّ خِيَار إِلَّا أَن يَمُوت الْأَجْنَبِيّ فِي زمن الْخِيَار وَلَيْسَ لوكيل أَحدهمَا شَرطه للْآخر وَلَا للْأَجْنَبِيّ بِغَيْر إِذن مُوكله وَله شَرطه لمُوكلِه ولنفسه
وَإِنَّمَا يجوز شَرطه مُدَّة مَعْلُومَة مُتَّصِلَة بِالشّرطِ مُتَوَالِيَة (إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام) فَأَقل بِخِلَاف مَا لَو أطلق أَو قدر بِمدَّة مَجْهُولَة أَو زَادَت على الثَّلَاثَة وَذَلِكَ لخَبر الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ ذكر رجل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه يخدع فِي الْبيُوع فَقَالَ لَهُ إِذا بَايَعت فَقل لَا خلابة ثمَّ أَنْت بِالْخِيَارِ فِي كل سلْعَة ابتعتها ثَلَاث لَيَال وَفِي رِوَايَة فَجعل لَهُ عُهْدَة ثَلَاثَة أَيَّام
وخلابة بِكَسْر الْمُعْجَمَة وبالموحدة الْغبن والخديعة
قَالَ فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا اشْتهر فِي الشَّرْع أَن قَوْله لَا خلابة عبارَة عَن اشْتِرَاط الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام وتحسب الْمدَّة الْمَشْرُوطَة من حِين شَرط الْخِيَار سَوَاء أشرط فِي

(2/284)


العقد أم فِي مَجْلِسه
وَلَو شَرط فِي العقد الْخِيَار من الْغَد بَطل العقد وَإِلَّا لَأَدَّى إِلَى جَوَازه بعد لُزُومه
وَلَو شَرط لأحد الْعَاقِدين يَوْم وَللْآخر يَوْمَانِ أَو ثَلَاثَة جَازَ وَالْملك فِي الْمَبِيع فِي مُدَّة الْخِيَار لمن انْفَرد بِهِ من بَائِع أَو مُشْتَر فَإِن كَانَ الْخِيَار لَهما فموقوف فَإِن تمّ البيع بِأَن أَن الْملك للْمُشْتَرِي من حِين العقد وَإِلَّا فَللْبَائِع وَكَأَنَّهُ لم يخرج عَن ملكه وَلَا فرق فِيهِ بَين خِيَار الشَّرْط أَو الْمجْلس وَكَونه لأَحَدهمَا فِي خِيَار الْمجْلس بِأَن يخْتَار الآخر لُزُوم العقد وَحَيْثُ حكم بِملك الْمَبِيع لأَحَدهمَا حكم بِملك الثّمن للْآخر وَحَيْثُ وقف ملك الثّمن وَيحصل فسخ العقد فِي مُدَّة الْخِيَار بِنَحْوِ فسخت البيع كرفعته وَالْإِجَازَة فِيهَا بِنَحْوِ أجزت البيع كأمضيته وَالتَّصَرُّف فِيهَا كَوَطْء وإعتاق وَبيع وَإِجَارَة وتزويج من بَائِع وَالْخيَار لَهُ أَو لَهما فسخ للْبيع لإشعاره بِعَدَمِ الْبَقَاء عَلَيْهِ وَصَحَّ ذَلِك مِنْهُ أَيْضا لَكِن لَا يجوز لَهُ وَطْؤُهُ إِلَّا إِذا كَانَ الْخِيَار لَهُ وَالتَّصَرُّف الْمَذْكُور من المُشْتَرِي وَالْخيَار لَهُ أَو لَهما إجَازَة للشراء لإشعاره بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ وَالْإِعْتَاق نَافِذ مِنْهُ إِن كَانَ الْخِيَار لَهُ أَو أذن لَهُ البَائِع وَغير نَافِذ إِن كَانَ للْبَائِع وَمَوْقُوف إِن كَانَ لَهما وَلم يَأْذَن لَهُ البَائِع ووطؤه حَلَال إِن كَانَ الْخِيَار لَهُ وَإِلَّا فَحَرَام والبقية صَحِيحَة إِن كَانَ الْخِيَار لَهُ أَو أذن لَهُ البَائِع وَإِلَّا فَلَا وَإِنَّمَا يكون الْوَطْء فسخا أَو إجَازَة إِذا كَانَ الموطوء أُنْثَى لَا ذكرا وَلَا

(2/285)


خُنْثَى فَإِن بَانَتْ أنوثته وَلَو بإخباره تعلق الحكم بذلك الْوَطْء
وَلَيْسَ عرض الْمَبِيع على البيع فِي مُدَّة الْخِيَار وَالتَّوْكِيل فِيهِ فسخا من البَائِع وَلَا إجَازَة من المُشْتَرِي لعدم إشعارهما من البَائِع بِعَدَمِ الْبَقَاء عَلَيْهِ وَمن المُشْتَرِي بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ
ثمَّ شرع فِي النَّوْع الثَّانِي وَهُوَ الْمُتَعَلّق بِفَوَات مَقْصُود مظنون نَشأ الظَّن فِيهِ من قَضَاء عرفي أَو الْتِزَام شرطي أَو تغرير فعلي مبتدئا بِالْأَمر الأول وَهُوَ مَا يظنّ حُصُوله بِالْعرْفِ وَهُوَ السَّلامَة من الْعَيْب فَقَالَ (وَإِذا وجد بِالْمَبِيعِ عيب فَلِلْمُشْتَرِي) حِينَئِذٍ (رده) إِذا كَانَ الْعَيْب بَاقِيا وتنقص الْعين بِهِ نقصا يفوت بِهِ غَرَض صَحِيح أَو ينقص قيمتهَا وَغلب فِي جنس الْمَبِيع عَدمه إِذْ الْغَالِب فِي الْأَعْيَان السَّلامَة
وَخرج بالقيد الأول مَا لَو زَالَ الْعَيْب قبل الرَّد وَبِالثَّانِي قطع أصْبع زَائِدَة وَفلقَة يسيرَة من فَخذ أَو سَاق لَا يُورث شَيْئا وَلَا يفوت غَرضا فَلَا رد بهما
وبالثالث مَا لَا يغلب فِيهِ مَا ذكر كقلع سنّ فِي الْكَبِير وثيوبة فِي أوانها فِي الْأمة فَلَا رد بِهِ وَإِن نقصت الْقيمَة بِهِ وَذَلِكَ الْعَيْب الَّذِي يثبت بِهِ الرَّد كخصاء حَيَوَان لنقصه المفوت للغرض من الْفَحْل فَإِنَّهُ يصلح لما لَا يصلح لَهُ الْخصي رَقِيقا كَانَ الْحَيَوَان أَو بَهِيمَة
نعم الْغَالِب فِي الثيران الخصاء فَيكون كثيوبة الْأمة وجماحه وعضه وَرمحه لنَقص الْقيمَة بذلك وزنا رَقِيق وسرقته وإباقه وَإِن لم يتَكَرَّر ذَلِك مِنْهُ أَو تَابَ عَنهُ ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا خلافًا للهروي فِي الصَّغِير وبخره وَهُوَ الناشىء من تغير الْمعدة
أما تغير الْفَم لقلح الْأَسْنَان فَلَا لزواله بالتنظيف وصنانه إِن كَانَ مستحكما أما الصنان لعَارض عرض أَو اجْتِمَاع وسخ أَو نَحْو ذَلِك كحركة عنيفة فَلَا وبوله بالفراش إِن خَالف الْعَادة سَوَاء أحدث الْعَيْب قبل قبض الْمَبِيع بِأَن قَارن النَّقْد أم حدث بعده وَقبل الْقَبْض لِأَن الْمَبِيع حِينَئِذٍ من ضَمَان البَائِع فَكَذَا جَزَاؤُهُ وَصفته
أَو حدث بعد الْقَبْض واستند لسَبَب مُتَقَدم على الْقَبْض كَقطع يَد الرَّقِيق الْمَبِيع بِجِنَايَة سَابِقَة على الْقَبْض جهلها المُشْتَرِي لِأَنَّهُ لتقدم سَببه كالمتقدم فَإِن كَانَ المُشْتَرِي عَالما بِهِ فَلَا خِيَار لَهُ وَلَا أرش
وَيضمن البَائِع الْمَبِيع بِجَمِيعِ الثّمن بقتْله بردة مثلا سَابِقَة على قَبضه جهلها المُشْتَرِي لِأَنَّهُ لتقدم سَببه كالمتقدم فينفسخ البيع فِيهِ قبيل الْقَتْل فَإِن كَانَ المُشْتَرِي عَالما بِهِ فَلَا شَيْء لَهُ بِخِلَاف مَا لَو مَاتَ بِمَرَض سَابق على قَبضه جَهله المُشْتَرِي فَلَا يضمنهُ البَائِع لِأَن الْمَرَض يزْدَاد شَيْئا فَشَيْئًا إِلَى الْمَوْت فَلم يحصل بالسابق وَللْمُشْتَرِي أرش الْمَرَض وَهُوَ مَا بَين قيمَة الْمَبِيع صَحِيحا ومريضا من الثّمن فَإِن كَانَ المُشْتَرِي عَالما بِهِ فَلَا شَيْء لَهُ
وَيتَفَرَّع على مَسْأَلَتي الرِّدَّة

(2/286)


وَالْمَرَض مؤونة التَّجْهِيز فَهِيَ على البَائِع فِي تِلْكَ وعَلى المُشْتَرِي فِي هَذِه
وَأما الْأَمر الثَّانِي وَهُوَ مَا يظنّ حُصُوله بِشَرْط فَهُوَ كَمَا لَو بَاعَ حَيَوَانا أَو غَيره بِشَرْط بَرَاءَته من الْعُيُوب فِي الْمَبِيع فَيبرأ عَن عيب بَاطِن بحيوان مَوْجُود فِيهِ حَال العقد جَهله بِخِلَاف غير الْعَيْب الْمَذْكُور فَلَا يبرأ عَن عيب فِي غير الْحَيَوَان وَلَا فِيهِ لَكِن حدث بعد البيع وَقبل الْقَبْض مُطلقًا لانصراف الشَّرْط إِلَى مَا كَانَ مَوْجُودا عِنْد العقد وَلَا من عيب ظَاهر فِي الْحَيَوَان علمه البَائِع أم لَا وَلَا عَن عيب بَاطِن فِي الْحَيَوَان علمه
وَلَو شَرط الْبَرَاءَة عَمَّا يحدث مِنْهَا قبل الْقَبْض وَلَو مَعَ الْوُجُود مِنْهَا لم يَصح الشَّرْط لِأَنَّهُ إِسْقَاط للشَّيْء قبل ثُبُوته وَلَو تلف الْمَبِيع غير الرِّبَوِيّ الْمَبِيع بِجِنْسِهِ عِنْد المُشْتَرِي ثمَّ علم عَيْبا بل رَجَعَ بِالْأَرْشِ لتعذر الرَّد بِفَوَات الْمَبِيع
أما الرِّبَوِيّ الْمَذْكُور كحلي ذهب بيع بوزنه ذَهَبا فَبَان معيبا بعد تلفه فَلَا أرش فِيهِ وَلَا لنَقص الثّمن فَيصير الْبَاقِي مِنْهُ مُقَابلا بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَذَلِكَ رَبًّا
وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ (على الْفَوْر) فَتبْطل بِالتَّأْخِيرِ بِلَا عذر وَيعْتَبر الْفَوْر عَادَة فَلَا يضر نَحْو صَلَاة وَأكل دخل وقتهما كقضاء حَاجَة وتكميل لذَلِك أَو لِليْل
وَقيد ابْن الرّفْعَة كَون اللَّيْل عذرا بكلفة الْمسير فِيهِ فَيردهُ المُشْتَرِي وَلَو بوكيله على البَائِع أَو مُوكله أَو وَكيله أَو وَارثه أَو يرفع الْأَمر للْحَاكِم ليفصله

(2/287)


وَهُوَ آكِد فِي الرَّد فِي حَاضر بِالْبَلَدِ مِمَّن يرد عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رُبمَا أحوجه إِلَى الرّفْع
وواجب فِي غَائِب عَن الْبَلَد وعَلى المُشْتَرِي عَن الْإِشْهَاد بِالْفَسْخِ لم يلْزمه بِلَفْظ بِالْفَسْخِ وَعَلِيهِ ترك اسْتِعْمَال لَا ترك ركُوب مَا عسر سوقه وقوده فَلَو استخدم رَقِيقا أَو ترك على دَابَّة سرجا أَو إكافا فَلَا رد وَلَا أرش لإشعار ذَلِك بِالرِّضَا بِالْعَيْبِ وَلَو حدث عِنْد المُشْتَرِي عيب سقط الرَّد القهري لإضراره بالبائع
ثمَّ إِن رَضِي بِالْعَيْبِ البَائِع رده المُشْتَرِي عَلَيْهِ بِلَا أرش للحادث أَو قنع بِهِ بِلَا أرش للقديم وَإِن لم يرض بِهِ البَائِع فَإِن اتفقَا فِي غير الرِّبَوِيّ على فسخ أَو إجَازَة مَعَ أرش للحادث أَو الْقَدِيم فَذَاك ظَاهر وَلَا أُجِيب طَالب الْإِمْسَاك سَوَاء أَكَانَ المُشْتَرِي أم البَائِع لما فِيهِ من تَقْرِير العقد
أما الرِّبَوِيّ فَيتَعَيَّن فِيهِ الْفَسْخ من أرش الْحَادِث وعَلى المُشْتَرِي إِعْلَام البَائِع فَوْرًا بالحادث مَعَ القدي ليختار مَا تقدم فَإِن أخر إِعْلَامه بِلَا عذر فَلَا رد لَهُ وَلَا أرش عَنهُ لإشعار التَّأْخِير بِالرِّضَا بِهِ لَو حدث عيب لَا يعرف الْقَدِيم بِدُونِهِ ككسر بيض نعام وَجوز وتقوير بطيخ مدود بعضه رد بِالْعَيْبِ الْقَدِيم وَلَا أرش عَلَيْهِ للحادث لِأَنَّهُ مَعْذُور فِيهِ
وَأما الْأَمر الثَّالِث وَهُوَ مَا يظنّ حُصُوله بالتغرير الْفعْلِيّ فَهُوَ التصرية وَهِي أَن يتْرك البَائِع حلب النَّاقة أَو غَيرهَا عمدا قبل بيعهَا ليتوهم المُشْتَرِي كَثْرَة اللَّبن فَيثبت للْمُشْتَرِي الْخِيَار فَإِن كَانَت مأكولة رد مَعهَا صَاع تمر بدل اللَّبن المحلوب وَإِن قل اللَّبن وَلَو تعدّدت الْمُصراة تعدد الصَّاع بعددها كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم هَذَا إِذا لم يتَّفقَا على رد غير الصَّاع من اللَّبن وَغَيره سَوَاء أتلف اللَّبن أم لَا بِخِلَاف مَا إِذا لم تحلب أَو اتفقَا على الرَّد
وَالْعبْرَة فِي التَّمْر بالمتوسط من تمر الْبَلَد فَإِن فقد فَقيمته بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة وَقيل بأقرب بلد التَّمْر إِلَيْهِ
وَيثبت الْخِيَار للجاهل بالتصرية على الْفَوْر وَلَا يخْتَص خِيَارهَا بِالنعَم بل يعم كل مَأْكُول من الْحَيَوَان وَالْجَارِيَة والأتان وَلَا يرد مَعَهُمَا شَيْء بدل اللَّبن لِأَن لبن الْجَارِيَة لَا يعتاض عَنهُ غَالِبا وَلبن الأتان نجس لَا عُضْو لَهُ
فروع لَا يرد قهرا بِعَيْب بعض مَا بيع صَفْقَة لما فِيهِ من تَفْرِيق الصَّفْقَة وَلَو اخْتلفَا فِي قدم عيب يُمكن حُدُوثه صدق البَائِع

(2/288)


بِيَمِينِهِ لموافقته الأَصْل من اسْتِمْرَار العقد وَيحلف كجوابه وَالزِّيَادَة فِي الْمَبِيع أَو الثّمن لمتصله كسمن تتبعه فِي الرَّاد إِذْ لَا يُمكن إفرادها كحمل قَارن بيعا فَإِنَّهُ يتبع أمه فِي الرِّدَّة وَالزِّيَادَة الْمُنْفَصِلَة كَالْوَلَدِ وَالْأُجْرَة لَا تمنع الرَّد بِالْعَيْبِ وَهِي لمن حصلت فِي ملكه من مُشْتَر أَو بَائِع وَإِن رد قبل الْقَبْض لِأَنَّهَا فرع ملكه وَحبس مَا أَلْقَاهُ وَمَاء الرَّحَى الَّذِي يديرها للطحن الْمُرْسل مَاء كل مِنْهُمَا عِنْد البيع وبتحمير الْوَجْه وتسويد الشّعْر وتجعيده يثبت الْخِيَار لَا لطخ ثوب الرَّقِيق بمداد تخيلا لكتابته فَظهر كَونه غير كَاتب فَلَا رد لَهُ إِذْ لَيْسَ فِيهِ كثير غرر
(وَلَا يجوز بيع الثَّمَرَة مُطلقًا) أَي بِغَيْر شَرط قطع وَلَا تبقية (إِلَّا بعد بَدو صَلَاحهَا) فَيجوز بِشَرْط قطعهَا وبشرط إبقائها سَوَاء أَكَانَت الْأُصُول لأَحَدهمَا أم لغيره لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع الثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا
فَيجوز بعد بدوه وَهُوَ صَادِق بِكُل من الْأَحْوَال الثَّلَاثَة وَالْمعْنَى الْفَارِق بَينهمَا أَمن العاهة بعده غَالِبا لغلظها وَكبر نَوَاهَا وَقبل الصّلاح إِن بِيعَتْ مُفْردَة عَن الشّجر لَا يجوز البيع
وَلَا يَصح للْخَبَر الْمَذْكُور إِلَّا بِشَرْط الْقطع فِي الْحَال وَإِن كَانَ الشّجر للْمُشْتَرِي وَأَن الشّجر لَا ليَكُون يكون الْمَقْطُوع مُنْتَفعا بِهِ وَإِذا كَانَ الشّجر للْمُشْتَرِي لم يجب الْوَفَاء بِالشّرطِ إِذْ لَا معنى لتكليفه قطع ثَمَرَة عَن شَجَرَة
وَإِن بِيعَتْ الثَّمَرَة مَعَ الشَّجَرَة جَازَ بِلَا شَرط لِأَن الثَّمَرَة هُنَا تتبع الأَصْل وَهُوَ غير متعرض للعاهة وَلَا يجوز بِشَرْط قطعهَا لِأَن فِيهِ حجرا على المُشْتَرِي فِي ملكه
وَلَا يَصح بيع الْبِطِّيخ والباذنجان وَنَحْوهمَا قبل بَدو الصّلاح إِلَّا بِشَرْط الْقطع وَإِن بيع من مَالك الْأُصُول لما مر
وَلَو بَاعه مَعَ أُصُوله فكبيع الثَّمَرَة مَعَ الشَّجَرَة على الْمُعْتَمد وَيشْتَرط لبيع الزَّرْع وَالثَّمَر بعد بَدو الصّلاح ظُهُور الْمَقْصُود من الْحبّ وَالثَّمَرَة لِئَلَّا يكون بيع غَائِب كتين وعنب لِأَنَّهُمَا مِمَّا لَا كمام لَهُ وشعير لظُهُوره فِي سنبله وَمَا لَا يرى حبه كالحنطة والعدس فِي السنبل لَا يَصح بَيْعه دون سنبله لاستتاره بِهِ وَلَا مَعَه لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ مستتر بِمَا لَيْسَ من صَلَاحه كالحنطة فِي تبنها بعد الدراس وبدو صَلَاح مَا مر من ثَمَر وَغَيره بُلُوغه صفة يطْلب فِيهَا غَالِبا وعلامته فِي الثَّمر الْمَأْكُول المتلون أَخذه فِي حمرَة أَو نَحْوهَا كسواد وَفِي غير المتلون مِنْهُ كالعنب الْأَبْيَض لينه وجريان المَاء فِيهِ
وَفِي نَحْو القثاء أَن تجنى غَالِبا للْأَكْل وَفِي الزَّرْع اشتداده وَفِي الْورْد انفتاحه وبدو صَلَاح بعضه وَإِن قل كظهوره وعَلى بَائِع مَا بدا صَلَاحه من الثَّمر وَغَيره سقيه قبل التَّخْلِيَة وَبعدهَا عِنْد اسْتِحْقَاق المُشْتَرِي الْإِبْقَاء بِقدر مَا يَنْمُو وَيسلم من التّلف وَالْفساد ويتصرف فِيهِ مُشْتَرِيه وَيدخل فِي ضَمَانه بعد التَّخْلِيَة فَلَو تلف بترك البَائِع السَّقْي قبل التَّخْلِيَة أَو

(2/289)


بعْدهَا انْفَسَخ البيع أَو تعيب بِهِ تخير المُشْتَرِي بَين الْفَسْخ وَالْإِجَازَة وَلَا يَصح بيع مَا يغلب تلاحقه واختلاط حَادِثَة بموجودة كتين وقثاء إِلَّا بِشَرْط قطعه عِنْد خوف الِاخْتِلَاط فَإِن وَقع اخْتِلَاط فِيهِ أَو فِيمَا لَا يغلب اخْتِلَاطه قبل التَّخْلِيَة خير المُشْتَرِي إِن لم يسمح لَهُ بِهِ البَائِع فَإِن بَادر البَائِع وسمح سقط خِيَاره
أما إِذا وَقع الِاخْتِلَاط بعد التَّخْلِيَة فَلَا يُخَيّر المُشْتَرِي بل إِن توافقا على قدر فَذَاك وَإِلَّا صدق صَاحب الْيَد بِيَمِينِهِ فِي قدر حق الآخر وَالْيَد بعد التَّخْلِيَة للْمُشْتَرِي
(وَلَا يجوز بيع مَا فِيهِ الرِّبَا) من المطعوم (بِجِنْسِهِ رطبا) بِفَتْح الرَّاء وَلَو فِي الْجَانِبَيْنِ كالرطب بالرطب والحصرم بالحصرم وَاللَّحم بِاللَّحْمِ أَو فِي أَحدهمَا كالرطب بِالتَّمْرِ وَاللَّحم بقديده (إِلَّا اللَّبن) وَمَا شابهه من الْمَائِعَات كالأدهان والخلول
وَاعْلَم أَن كل خلين لَا مَاء فيهمَا واتحد جنسهما اشْترط التَّمَاثُل وَإِلَّا فَلَا وكل خلين فيهمَا مَاء لَا يُبَاع أَحدهمَا بِالْآخرِ إِن كَانَا من جنس وَإِن كَانَا من جِنْسَيْنِ وَقُلْنَا المَاء العذب رِبَوِيّ وَهُوَ الْأَصَح لم يجز وَإِن كَانَ المَاء فِي أَحدهمَا وهما جِنْسَانِ كخل الْعِنَب بخل التَّمْر وخل الرطب بخل الزَّبِيب جَازَ لِأَن المَاء فِي أحد الطَّرفَيْنِ والمماثلة بَين الخلين الْمَذْكُورين غير مُعْتَبرَة
والخلول تتَّخذ غَالِبا من الْعِنَب وَالرّطب وَالزَّبِيب وَالتَّمْر وينتظم من هَذِه الخلول عشر مسَائِل
وَضَابِط ذَلِك أَن تَأْخُذ كل وَاحِد مَعَ نَفسه ثمَّ تَأْخُذهُ مَعَ مَا بعده وَلَا تَأْخُذهُ مَعَ مَا قبله لِأَنَّك قد عددته قبل هَذَا فَلَا تعده مرّة أُخْرَى الأولى بيع خل الْعِنَب بِمثلِهِ
الثَّانِيَة بيع خل الرطب بِمثلِهِ
الثَّالِثَة بيع خل الزَّبِيب بِمثلِهِ
الرَّابِعَة بيع خل التَّمْر بِمثلِهِ
الْخَامِسَة بيع خل الْعِنَب بخل الرطب
السَّادِسَة بيع خل الْعِنَب بخل الزَّبِيب
السَّابِعَة بيع خل الْعِنَب بخل التَّمْر
الثَّامِنَة بيع خل الرطب بخل الزَّبِيب التَّاسِعَة بيع خل الرطب بخل التَّمْر
الْعَاشِرَة بيع خل الزَّبِيب بخل التَّمْر
فَفِي خَمْسَة مِنْهَا يجْزم بِالْجَوَازِ وَفِي خَمْسَة بِالْمَنْعِ
فالخمسة الأولى خل عِنَب بخل عِنَب خل رطب بخل رطب خل رطب بخل عِنَب خل تمر بخل عِنَب خل زبيب بخل رطب والخمسة الثَّانِيَة خل عِنَب بخل زبيب خل رطب بخل تمر خل زبيب بخل زبيب خل تمر بخل تمر خل زبيب بخل تمر
وَيسْتَثْنى الزَّيْتُون أَيْضا فَإِنَّهُ يُبَاع بعضه بِبَعْض إِذْ لَا يجفف وجعلوه حَالَة كَمَال وَكَذَا الْعَرَايَا وَهُوَ بيع الرطب على النّخل خرصا بِتَمْر فِي الأَرْض كَيْلا أَو الْعِنَب على الشّجر خرصا بزبيب فِي الأَرْض كَيْلا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق تحديدا بِتَقْدِير الْجَفَاف بِمثلِهِ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرخص فِي بيع الْعَرَايَا بِخرْصِهَا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق أَو فِي خَمْسَة أوسق شكّ دَاوُد بن حُصَيْن أحد رُوَاته فَأخذ الشَّافِعِي بِالْأَقَلِّ فِي أظهر قوليه
وَلَو زَاد على مَا دونهَا فِي صفقتين جَازَ وَيشْتَرط التَّقَابُض بِتَسْلِيم التَّمْر أَو الزَّبِيب إِلَى البَائِع كَيْلا والتخلية فِي رطب النّخل وعنب الْكَرم لِأَنَّهُ مطعوم بمطعوم
وَلَا يجوز بيع مثل الْعَرَايَا فِي بَاقِي الثِّمَار كالخوخ واللوز لِأَنَّهَا مبتورة بالأوراق فَلَا يَتَأَتَّى الْخرص فِيهَا وَلَا يخْتَص بيع الْعَرَايَا بالفقراء لإِطْلَاق أَحَادِيث الرُّخْصَة

(2/290)